رواية حجر ينبض الفصل السابع 7 بقلم فريحة خالد
رواية حجر ينبض الجزء السابع
رواية حجر ينبض البارت السابع
رواية حجر ينبض الحلقة السابعة
وِ بعد مُدّة وَصلنا القاهِـرة ، نِـزلنا من الميكروباص ، وِ ركبنا تاكسي نزلنا في منطقة غريبة شويّة ، منها أخدنا توكتوك لحد الحارة هِـنا ، اللي مكُنتش فاهماه في الأول إحنا جينا فيها ليه؟!…
أوّل ما دخلتها كُنا وِش الفجر ، مكنش فيه أي حد موجود وقتها في الشّوارِع ، كُنت ماشية وِ أنا مرعوبة ، مِش مرعوبة مِن المكان الجديد عليّا وِ بس ، لأ مرعوبة من صَـالِـح أكتر ، مرعوبة أدخل معاه في مكان واحِد دلوقتي وِ يتقفل علينا باب ، بعد ما ظَهر علىٰ حقيقته ، خايفة يِعمل فيّا أي حاجة ، وِ أنا معييش حد ، حتّىٰ مُوبايلي طلّع الشّريحة منّه وِ كسّرها قبل ما نتحرّك ؛ علشان محدّش يكلّمني وِ يعرفوا مكانه..
البيُوت كُلّها كانت مرصوصة جنب بعض بِـطريقة حِلوة ، وَصلنا لِـبوابة حديد صُغيّرة علىٰ الشّارِع ، فتحها وِ دَخلنا سوىٰ ، طَلعنا سلمتين صغيّرين وِ لاقيت باب شقّة قُصادِي فَتحه وِ دخل ، دخلت وراه بِـهُدوء ، مِش قادرة أتكلّم من صدمتي ، حطّيت الشنطة اللي كُنت شيلاها علىٰ الأرض وِ قفلت الباب وِ فضلت واقفة في مكاني مستنيّاه يتكلّم..
مستنيّاه يِقول أي حاجة ، يكذّب اللي قاله من شويّة ، وإنّه ملوش عِـلاقة بِالمخازِن ولا بِأي حاجة وإنّه بريء ، لكن جِه كلامُه وِ ضرب بِـتخيُّلاتي عرض الحائط :
– بُـصّي بقى يا بنت الناس ، علشان تُـكوني على نور من الأول ، وِ علشان كُل حاجة اتكشفت وِ بقت واضحة وِ باينة دلوقتي ، اسمعي اللي هقولهولك كُويّس وِ حُطّيه حلقة في وِدانِك…
الحارة دِي هيّ المكان اللي اتولدت وِ اتربّيت فيه ، وِ البيت اللي انتِ فيه ده ، ده بيت أبويا وِ أمّي اللي ماتوا وِ كُنت عايِش فيه قبل ما أنزِل الجيزة وِ أتعرّف على فاروق الدّين وِ أشتغل معاه ، وِ أظُن بعد اللي حصل مبقاش له لازمة أخبّي ، فاروق لا قريب أبويا ولا حاجة..
ده الرّاجِل اللي كان بـيبيع المُخدّرات ليّا أنا وِ صحابي ، وِ كُنت بنزل مخصوص الجيزة ؛ علشان أجيبها منّه ، لحد ما الحُكومة طبّت في مرّة علينا في سهرة من سهاراتنا ، وِ اتّاخِدنا كُلنا محدّش لِحق يهرَب وقتها علشان كنّا شاربين ، بس لمّا دخلنا الاسم..
جالنا هوّ مع مُحامي وِ قال ما نجيبش سيرته في التحقيق وِ إن لو حد سألنا جيبنا المُخدّرات منين ، نقول إنّنا منعرفش عن الشّخص اللي بيديهالنا أي حاجة هوّ بيسلمّها لينا في المكان ده وِ ياخد فلوسه وِ خلاص ، وِ هنخرُج كُلّنا على طول بشكل وِدّي قبل ما نتحوّل للنيابة ؛ علشان هو عارِف واحد هيخرّجنا بالفِلوس..
وِ صدق في كلامه ، وِ خرجنا إحنا التّلاتة منها من غير ما نتحوّل للنيابة وِ قبل ما نلحق يتفتحلنا محضر أساسًا وِ يتحقق معانا ، وِ لمّا خرجنا هو قالّنا :
– أنا ادّخلت وِ أنقذتُـكم من مُصيبة كُنتم هتقعوا فيها ، وِ كانت هتفضل نُقطة سُودا في حياتكم العُمر كُله ، فَـ كُـل واحِد منكم يخلّي عنده شويّة إحساس وِ اسهروا في مكان مدّارِي مش علىٰ سُطوح يا بهايم ، احمدوا ربّنا إني عرفت وِ ادّخلت قبل ما يتفتحلكم محضر يا بَشوات..
وِ بعد ما مِشي ، كُل حد فينا راح في طريقه ، وِ أنا مرضتش أنزل القاهِرة وِ رحتله طلبت أشتغل معاه في توزيع المُخدّرات ، كُنت عايز يبقى معايا واسطة وِ فلوس زيّه ، في الأوّل رفض وِ قال هيوقفني في العِطارة لحد ما يبدأ يثق فيّا وِ بعديها يشوف أنفع ولا لأ..
وِ حصل وِ وقفت في عطارة من عطاراته شويّة ، وبعد كام شهر كُنت بنزل أوزّع البِضاعة علىٰ النّاس في الإشارات وِ القهاوي وِ البيوت ، لحد ما بقيت دِراعه اليمين وِ مسكت كُل محلّات العِطارة بتاعته ، وِ بدأت أستلِم معاه المُخدّرات وِ أخبّيها في المخازِن وِ أوزّعها بنفسي..
وِ عشان يِضمن إنّي هفضل تحت طُوعه كتبلي شَـقّـة مِن شُققه في عمارته ، وِ بدأ يقول إنه قريب أبويا وِ أنا جيت أعيش معاه في عمارته لمّا مات ، وِ جه معايا وِ طلبلي إيدك ، وِ كُنت هفضل شغّال معاه وِ لِـ حسابه لولا الكلب اللي بلّغ عننا..
فَـ المُهم لو حابّة تفضلي عايشة ، تسمعي كلامي وِ تنفّذيه بِـالحرف الواحِد ، انتِ هنا مراتي ، أي حد هيسألك عن أهلِك هتقولي إنّك من الـجِيزة وإن أهلك ميتين وِ ملكيش حد خالص هِناك ، بِـالنسبة لِـعمّك تنسيه ، انسي تمامًا إنّك ليكِي حد هِناك ، وِ لو عرفت إنك حاولتي مُجرّد مُحاولة بس تِـتّصَلِي بيه ، هيكون آخر يوم في حياتِك فهماني؟؟
أمّا بقىٰ لو شيطانِك وَزّك تفكّري تهربي مِن هِنا ، أو تبلّغي البُوليس يا ويلك يا سَواد ليلك يا فيروز ، صدّقيني مِش هيطلع عليكِ شمس اليوم اللي بعده..
وِ آه صحيح بِـالمُناسبة مِش هيكون في مصلحتك تبلّغي البُوليس عنّي ، لإن مُمكِن بِكُل بساطة أقول إنّك شِريكة معانا ، خُصوصًا إنّك كُنتي شغّالة في العِطارة وِ كُنتي عايشة في البيت اللي المُخدّرات فيه ، فَـ خلّيكي مُطيعة كده وِ إسمعي كلامِي مِن سُكات وِ كُلي عيش يا فيروز.
بعد ما خلّص كلامه ، سابني وِ دخل جُوّه ، أنا مِن صدمتي في كلامُه وِ في الحقايق اللي عمّالة تتكِشف واحدة ورىٰ التّانية ، مَا قدرتِش أرُد ، قعدت علىٰ الأرض في مكاني ، مِش بعمل حاجة غير إنّي أعيّط..
دُموعي غرّقت وِشّي ، بدأ صُوت بُكايا يِعلىٰ ، لمّا بعيّط نفسي بيضيق وِ بحتاج أشم هوا بأي طريقة ، كان أقرب حاجة ليّا أشم منها هوا هوّ باب الشّقة ، خُصوصًا إنّي معرفش أي مكان في الشّقة أساسًا ، فتحت باب الشّقة بِـسُرعة وِ وقفت برا بحاوِل آخد نفسي ، وِ مقدرتش أمنع نفسي من إنّي أعيّط بِكُل قُوتي..
وِ بعد دقايق بسيطة لاقيته طَـالِع من باب الشّقة زي المجنون ، تقريبًا فكّرني هربت ، وِ أوّل ما لاقاني برّه قُدام الباب وِ بعيّط ، مَسكنِي مِن شعري جامِد وِ شدّني لِـجُوه ، وِ هوّ بيقفل الباب وِ يزعّق :
– ااه يا بِنت الكااالب.. ده أنا لسّه قايلك.. لسه قايلك من خمس دقايق ما تحاوليش تهربي ايييه لحقتي تنسي؟!!!
كَان لسّه ماسِك شعري ، مَكنتش قادرة أتكلّم عياطي وِ شهقاتي كانوا مكتّفين لِساني ، كإنّه مشلول مِش قادرة أنطق أدافع عن نفسي…
زقّني وقعت علىٰ الأرض ، وِ أنا بهز راسي يمين وِ شمال إني مكنتش بهرب ، كل ما كنت أحاول أتكلم ألاقي صوت عياطي وِ رعشة شفايفي هيّ اللي بتطلع…
خلع حِزامه ، وِ حاولت أقوم أقف أجري بعيد عنّه ، لكن كان أسرع منّي لمّا نزل بِـالحِزام علىٰ رِجلي وِ هوّ بيقول :
– قُلتلك ولاّ ما قُلتلكيش ما تحاوليش تهربي..
قُلتلك ولاّ ما قلتلكيش ما تحاوليش تبلّغي عنّي..
خلاص انسي إنّك تُخرجي بره الحارة دي غير على قبرِك.. انسي يا فيروووز.. انسسييي..
ضربة ورىٰ التّانية وِ أنا بصرّخ بصُوتي كُلّه وِ بعيّط..
حاولت آجي علىٰ نفسي وِ أتحكّم في أعصابي ، حاولت بِكُل قدرتي إنّي أخلّي لساني يطاوعني وِ ينطق ، حاولت أسيطر علىٰ رعشة فكوكي علشان أتكلّم ، حاولت لحد ما اتمكّن الحِزام من رجلي وِ ايدي وِ دراعاتي ، زي ما اتمكّنت منّي دُموعي وِ شلّتني عن الكلام..
كان بيضربني بِـ طريقة وَحشيّة ما صعبتش عليه ولا رَأَف بِـ حالي..
لحد ما بعد وقت رمىٰ الحِزام من ايده وِ نزل لِـ مُستوايا علىٰ الأرض ، سندت علىٰ ايدي بِـسُرعة وِ حاولت أرجع لِـورىٰ خوفًا مِنّه ، لكن هوّ مسكني من شعرِي وِ قرّبني من وشّه وِ قال وِ هوّ بينهج :
– أنا معروف في الحارة هِنا بِـجُحود قلبي ، لا هَـتصعبي عليّا ولا هَـرحمك لو غلطّي ، اللي أقولك عليه تنفذيه وِ انتِ مغمّضة ، جرّبي تسألي أي حد عن صَـالِـح دروِيش هِنا كده ، هيقولولك إنّي أول بني آدم من غير قلب…
أنا حذّرتك وِ قلتلك متحاوليش وِ متفكّريش تهربي ، لإنّي هجيبك هجيبك ، يبقى ليه تجيبي لنفسك الأذيّة وِ تخلّيني أشوهلِك جِسمك..!!!
كُنت لسّه بعيّط ، لكن أخيرًا طِلع صُوتي ، كان مهزوز وِ ضعيف وِ أنا بقول :
– أنا.. أنا مكنت.. مكنتش ههرب.. والله.. كنت بَـ.. بَـشم هوا ، مكنتش عارفة آخد نفسي صدّقني.
كان كل كِلمة أقولها تُخرج بِـشهقة ، رد عليّا بِـسُخريّة كإنّه مصدقنيش :
– وِ هوّ مفيش غير باب الشقة اللي تشمّي منّه هوا ، ما البيت مليان شبابيك وِ بلكونات!!
– أنا معرفش مكانهم.. أعرف مكانهم منين.. دي أوّل مرة أدخل البيت.. وكان أقرب حاجة ليّا هو الباب..
والله.. صدّقني.. ما فكّرت حتّىٰ أهرب ، لو.. لو كنت عايزة أهرب كان زماني جريت علىٰ برّا ما وقفتش قدام الباب..
ساب شعري وِ زقّني بعيد عنّه وِ قال :
– اعتبريه درس عَملِي علشان تعرفي اللي هيحصلّك لو فكّرتي تهربي بجد بقىٰ ، وِ خلّي بالك يا فيروز أي غلطة منّك هتشوفيني أسوأ من كده بِـكتير ، فَـ حافظي على حياتك.
سابني قاعدة في مكاني وِ راح قفل الباب بِـالمُفتاح وِ دخل علىٰ أوضة جوّه ، ضمّيت رِجلي لِبطني وِ حاوطتهم بِـدراعي وِ دفنت راسي وِ استسلمت لِـدُموعي….
تقريبًا نِمت في مكاني مِن التعب وِ الارهاق وِ الحُزن ، ما فتحتش عيني غير علىٰ صُوته اللي بقيت بكره أسمعه حتّىٰ وِ هوّ بينادي عليّا :
– هَـتفضلي مخمودة لِـ امتىٰ يا فيروز هانِم ، اخلصي قُومِي حضّريلي لُقمة أطفحها ، وِ نضّفي القرف اللي في البيت ده ، وِ حطّيلي هُدومي في الدّولاب.
بصّيتله وِ أنا بهز راسي بِـ هدوء ، حاوِلت أقوم من مكاني ما عرفتش ، كإن رجلي متكسّرة متين حتّة ، حاولت تاني وِ عيني مدمّعة ، سندت علىٰ طرف الكُرسِي ورايا ، وِ قُمت بِـالعافية ، فَـ قالّي :
– اخلصي يا زفتة انتِ هتتدّلعي ، أنا جبتلك لحمة وِ خُضار من السّوق من تحت ، وِ شويّة جبن ، وِ عيش ، هَـروح أجيب عِلبة سجاير وِ آجي تكوني حضّرتي الفِطار.
بعد ما حضّرت الفِطار طلعته علىٰ سُفرة صغيّرة بره ؛ علشان لما يجي يآكُل علىٰ طُول ، وِ بدأت أنضّف الشقة من التُراب وِ العفرة اللي فيها..
الشّقة كانت بسيطة وِ صُغيّرة مش كبيرة زي بيت الجيزة ، أوضتين وِ صالة وِ حمام وِ مطبخ بِـأدوات بسيطة كويّسة..
لفت انتباهي هُدوم موجودة في الدّولاب في الأوضة الكبيرة عِرفت إنها هدوم باباه وِ مامته وِ إن دي كانت أوضتهم ، طلعتهم حطيتهم في الشّنط وِ حطيت مكانهم هدومه وِ هدومي ، ولاقيت كذا كتاب في أرضيّة الدولاب ، كلها كُتب سُنّة وِ فقه وِ تفسير لِـ القُرآن ، سرحت فيهم شويّة وِ سألت نفسي سُؤال..
إيه اللي يخلّي ابن يطلع بالشّكل السيّء ده وِ أبوه أو أمّه كانوا فاهمين وعارفين دينهم ، ازاي يطلّعوا نبتة فاسدة طالحة كِده..؟!!
خلّصت ترتيب وِ تنضيف البيت وِ غسلت الحمّام وِ دخلت المطبخ نضّفته وِ بدأت أجهّز الغدا قبل ما يجي من برّه ، وِ حمدت ربنا إنه مشىٰ بعد الفِطار علىٰ طُول ؛ علشان أبقىٰ علىٰ راحتي من غيره ، وِ بعد ما كنت قرّبت أخلّص ، سمعت صُوت مفاتيحه في الباب ، اترعبت وِ في ثواني نزّلت كِمام العباية لِتحت أداري بيها دِراعاتي أنا مش ضامنة مُمكن يعمل فيا إيه تاني..
دخل من بره ، وسألني علىٰ الغدا وِ حطّيتهوله علىٰ طُول ، بعد ما اتغدّي ، نادىٰ عليّا وِ قالّي :
– أنا عارِف إنّـك غلبانة وِ هادية وِ بتسمعي الكلام وِ إلا مكنتش اتجوّزتك ، فَـ عايزك تفضلي كده علىٰ طُول أصحىٰ من النّوم ألاقي فِطاري جاهز ، وِ أرجع آخر اليوم ألاقي الغدا جاهز وِ البيت نضيف مفهوم؟!
هزّيت راسي من سُكات ، فَـ ابتسملي بِـانتصار وِ طبطب علىٰ راسي وِ هوّ بيقول :
– أيوة كده براڤو عليكِ.
بعد ما شيلت الأكل ، وخلّصت تنضيف المطبخ ، لاقيت المغرب بيأذّن ، دخلت آخد دُش من التّراب اللي كُنت فيه طول اليوم ؛ علشان أتوضّي وِ أصلّي كمان ، لاقيت العلامات اللي في رجلي ودراعاتي وايدي مُلتهبة ، أخدت نفس عميق وِ دموعي اختلطت بالميّة ، وِ بدأت أتخيّل شكل حياتي هيكون عامل إزاي قُدّام..
خلّصت وِ طلعت البلكونة ؛ علشان أحاول أبص علىٰ المسجد اللي ورىٰ البيت ، أشوف القِبلة من يم فين ، مصلّيتش ولا فرض من وقت ما جيت هنا..
كُنت بَشب من على السّور ، لحد ما فجأة لاقيته ورايا ماسكني من دراعي :
– بتعملي إيه عندك؟!!
– بَـ.. بَـ.. بحاول أشوف النّاس في المسجد بتصلّي ناحية فين.. أصلِي عايزة أصلّي.
ارتبك وِ قالّي :
– طب ادخُلي جوه وِ متطلعيش البلكونة بِـلبس البيت من غير حاجة على راسك ، هِنا كُل السّتات لابسة طُرح وِ أنا هبقىٰ أسألّك أي حد على القِبلة.
دخلت وِ أنا سرحانة ، وِ بوصف نفسي بِـالغباء جوايا ، ده مش عارِف اتّجاه القِبلة وِ هوّ مولود وِ متربّي هِنا ، وِ هناك..
هِناك لولا إني سألت عم فاروق من الأول أساسا وأنا بتفرّج على البيت مكنتش هلاحظ إنه مش بيصلّي..
انتِ غبيّة للدرجادي ملاحظتيش إنه مبيركعهاش…!!!
شخص جاحد في علاقته بِـربّنا.. عايزاه يكون عامل إزاي معاكِ؟!!
حسّيت إنّي دايخة مش قادرة أقف على رجلِي ، ما حسّيتش غير وِ أنا بقع على الأرض في مكاني…
بعد شويّة لاقيت نفسي علىٰ السّرير في الأوضة وِ هوّ واقف جنبي بيقولي بِـعصبيّة :
– لا شُغل الدّلع وِ تقعي كُل دقيقتين ده علشان تكون حجّة ليكِ وِ تخرجي لِـ دكتور انسيها ، قولتهالك مرة يا فيروز وهفضل أقولهالك علىٰ طُول انتِ مش هتطلعي من الحارة دي غير علىٰ قبرك.
– أنا مِش بدّلع إنتَ عارف إني عندي أنيميا وِ مخدّتش المقويّات النهاردة ، وِ مكلتش حاجة من إمبارح غير إني بطلت في شُغل البيت.
– وِ يا ترىٰ الهانم مكلتش حاجة ليه؟! إيه مستنيّاني أحطّلك اللقمة في بُقك؟!!
دمّعت وِ أنا بقولّه :
– لأ ، بس أنا مِش هاكُل ولا هَـنزّل مِعدِتي لُقمة من فلوس حرام.
ضحك عليّا بِـصُوت عالِي وِ هوّ بيقول بِـسُخرّية :
– طب تعرفي إن الفلوس الحرام دي ، هيّ اللي أكلتي منها طول الأربع شهور اللي فاتوا؟!!
طب تعرفي إن الفلوس الحرام دي ، هيّ اللي خرّجتك وجبتلك الهدايا كلها منها في شهرين الخُطوبة؟!!
وهيّ هيّ اللي دفعتلك منها المهر وِ جبتي منها لِبسك كُلّه؟!!
ومش عايز أصدمك وِ أقولّك إنها هيّ هيّ اللي جايبلك بيها الحلقين والدّبلة اللي في ايديكي ، وِ اللي كُنت بجيبلك منها المُقويّات بتاعتك!!
فَـ هتقومي تاكلي بِـكُل هُدوء كده ولا أخليكي تُقومي بِـطريقتي؟!! وِ أظن إنّك جرّبتيها في مرّة ومش هتعوزي تجرّبيها تاني!!
أنا مش عايز دلع وِ كلام فاضي كتير.. مفهوم يا فيروز؟؟؟
مكنش قصادي غير إني أسمع كلامه ، هزيت راسي وِ قلتله بِـدموع نازلة على خدّي :
– مفهوم يا صَـالِـح.
رمىٰ عليّا البصلة اللي كان بيفوّقني بِـريحتها ، وِ خرج من الأوضة وِ سابني ، طلعت أجيب حاجة آكُـلها من المطبخ لاقيته بيسمع التليفزيون وِ بيضحك على فيلم بيسمعه..
اتعجّبت في نفسي وِ قُلت.. يبقىٰ سَـارِق الضحكة من الوِشُوش وِ بيضحك بِـمُنتهىٰ البِرُود وِ عَجبِي!!
الظّاهر إنه زي ما قالّي أوّل بني آدم من غير قلب..!!!
عملت لنفسي ساندوتش جبنة بس ، أسدّ بيه جُوعي ، لحد ما أشوف طريقة أقدر آكل منها حلال…!!
خرجت الصّالة وِ قعدت علىٰ أبعد كُرسي بالنسباله وِ قلتله بتوتّر :
– كُنت عايزة أسألك على حاجة كده؟
– خيير؟!
– هوّ إحنا معتش هَـننزل الجيزة تاني نِهائي؟!
بصّلي بتكشيرة وِ لسّه هَـيرُد كمّلت بِـسُرعة :
– قصدي يعني أنا معتش هَـشُوف عمّي تاني بأي طريقة؟! أو بيتنا اللي هِناك معتش هنروحله تاني!!
– أنا مش عارف انتِ غبية ولا إيه واللّهِ ، قُلتلك بدل المرّة متين ، انسي أهلِك وِ انسي الجيزة وِ انسي إنك كُنتِي عايشة هناك من الأساس ، وِ حتّى البيت لمّا الدّنيا تهدىٰ وِ أعرف إيه حصل مع فاروق هَـبيعه.. وِ ارضِي بِـوُجودك في الحارة لإنّك هَـتعيشي وِ تُموتي فيها يا فيروز.
– طيّب طالما أنا هَـعيش وِ أموت فيها هَـتفضل قافِل عليّا الباب بِـالمُفتاح من برّه لحد امتىٰ لمّا تُخرُج؟!
– وِ يا ترىٰ عايزاني أسيبلك الباب مفتوح ليه لمّا أكون برّه؟! ليه مُصرّة تخلّيني أتعصّب عليكي وأئذيكي!!
– مش قصدِي تسيبه مَفتوح علشان أخرُج وِ إنتَ مش هنا ، أنا بس قصدي افرِض مرّة طلعت مِن البيت وغيّبت برّه وِ أنا تعبت ولا حصلّي حاجة أكيد هكون محتاجة أنزل الصيدلية اللي تحت البيت على الأقل..
أو افرض لا قدّر الله البيت حصل فيه تسريب غاز ولا حاجة.. هَـعُوز أستغيث بحد ينقذني!
– ما تهريـش كتير يا فيروز ، لا أنا هغيّب برّه ، ولا البيت هيحصل فيه حاجة طُول ما انتِ واخدة بالك من الأنابيب اللي فيه ، وِ لـو عايزة تُخرجي من البيت بسبب حاجة معينة ، هاتيهالي طوّالي ما تلفّيش وِ تدوري كتير.
– بِـصراحة عايزة أشتغل ، هشتغل أي حاجة هقف في محل ملابس ، أو بِقالة ، أو حتّىٰ أجيب شويّة خُضار وِ أقعُد بيهم علىٰ فرشة في الشّارِع.
– عايزة إيه يا بابا؟! سمّعيني تاني كده؟!
تشتغلي..!!! ليه أنا أكتع!!!
– الفُلوس اللي معاك طوّلت ولا قصّرِت هتخلص يا صَـالِـح ، وِ هتعوز تشتغل والشّغل مش هتلاقيه بِالسّاهِل ، وِ أنا.. أنا مش عايزة أصرِف من الفُلوس اللي مَدفوعة تمن لِـ أرواح شباب وِ تدمير حياتهم ومستقبلهم ، أرجوك.. أنا راضية بوجودي هنا ومش معترضة والله ، ولا هفكّر أعتِرض ، بس عُمرِي ما هرضى بِفلوس حرام تنزل معدتي.
طَفىٰ التليفزيون بِـالرّيموت اللي في ايده ، وقالّي :
– يعني أفهم من كده إن الهانِم مِش عايزاني أصرف على البيت وِ تصرف هيّ مظبوط؟
– لو من فُلوس حرام فَـ مظبوط ، إنمّا لو هتشتغل في مكان وتكسب فُلوس حلال تِصرف بيها على البيت فَـ أنا مُستعدّة ما أطلعش من الباب ده حياتي كُـلّها.
– اممم حِلو الكلام ده ، طيّب أحب أعرّفِك إن الفلوس اللي معايا ، جبت بيها بِضاعة جديدة وِ بدأت أوزّع فيها بِـمعرفتِي ، وإن الفُلوس الحَرَام اللي بتقولي عليها دي هتفضل هيّ اللي معايا وفي جيبي العُمر كُـلّـه يا ترىٰ هتعملي إيه؟!!
– مِش هآكل لُقمة تمنها مِنها لحد ما أموت يا صَـالِـح وِ ساعتها النّاس كُلّها هتعرف مكانك لمّا تعرف إني مُت.
– ضحكتيني واللّهِ ، على أساس إن لو عايز أقتلك وأدفنك بإيديا دول هَـغلب!! ولاّ حد هيعرف أساسًا إنك موتي؟!! ده انتِ طلعتي هبلة خالص.
– ما هو أنا لو مش هبلة ، مكنتش اتجوّزتك.
– فيروووز!!! مِش عايز عفاريتي تطلع عليكِ ، كِفاية اللي حصلّك إمبارح ، جسمك ملحقش يتعالِج منّه ، وِ لو عايزة تنزلي تشتغلي علشان الهانم مش عاجبها فلوسي الحرام فَـ اسمعي منّي بقىٰ..
لو حسّيت بأي تقصير منّك ناحيتي صدّقيني هخلّيكِ تدفعي الفُلوس اللي اشتغلتي بيها علىٰ عِلاجك..
عايز أصحىٰ من النّوم ألاقي فطاري جاهز ، وِ أرجع من برّه ألاقي الغدا جاهِز وِ البيت بيلمع ، وِ عايز هدومي تكون مغسولة وِ مكويّة وِ جاهزة علىٰ طول..
ده غِير إن لو رجعت في مرّة سواء بدري أو متأخر وِ لاقيتك مش في البيت ، فَـ يومها انسِي إن رِجلك تِخطّي عَتبة البيت ، هسيبك تِباتي في الشّارِع..
وِ خلّي في عِلمِك طالما مُصرّة علىٰ موقفك أوي كده وِ عملالي فيها الشّريفة اللي مَتقبلش الفُلوس الحرام علىٰ نفسها ، فَـ أكلِك وِ لبسك وِ شُربِك كُلّه علىٰ حِسابك ، يعني أي أكل هجيبه للبيت هكون عارِف بالظّبط هو إيه وِ يكفّي كام يوم وِ متزعليش من اللي هعمله فيكِ لو لاقيتك قرّبتي مِنّه.. مفهوم؟! وِ حتّىٰ الكهربا وِ الميّة علىٰ حسابك.. أكيد يا حرام مش هتقبلي تشربي وِ تُقعدي على نور تمنهم من فلوس حرام.!!
أهم حاجة بقىٰ انتِ عارفاها كُويّس وِ عارفة لو فكّرتي فيها هيحصلّك إيه فَـ ما أنصحكيش تِخاطري وِ تجرّبيها..
ها لسّه مُصرّة علىٰ رأيك؟! وِ عايزة تشتغلي؟!
كنت كاتمة دُموعي بالعافية ، لِـ لحظة سرحت أنا إزاي كُنت عميا كده؟! سألته عن شغله في محلات العطارة نقدر نعيش منه ولا لأ وِ ما سألتوش هوّ بيصلّي ولا لأ؟!! سألته مكسبه بيزيد ولا لأ وِ مسألتوش هوّ بيكسب فلوس حلال ولا لأ !!!
أديني عايشة مع واحد في حُكم الكافِر وِ بفلوس حرام!!
كُل طلباته كإنّه بِـيعجّزني مِش عايزني أنزل أشتغل وِ أخرج من تحت طُوعه ، هوّ خايِف.. خايِف أهرب.. بس اللي ما يعرفوش إنّي لو رجعت علىٰ الجِيزة وِ عمّي وَصلّوا أخبار باللي حصل هوّ اللي هيرجعني على القاهرة ليه تاني.. عمّي سُمعته وِ سُمعة بناته أهم شيء عنده في الدنيا ، وِ ميقبلش بحاجة تلوّث الشمعة دي حتّى لو كان مليش ذنب..!
لاقيت نفسي بهز راسي من سُكات ، معرفش إزاي أنا وافقت علىٰ كل الشّروط دي ، بس أبقىٰ حاوِلت علىٰ الأقل آكل لُقمة حلال ، رد عليّا وهوّ مستغرب مكنش مصدّق إنّي هوافق علىٰ كُل شروطه :
– تمام زي ما تحبّي يا فيروز ، بُكرة الصّبح قبل ما أنزِل هَـسيبلك الباب مفتوح ، وِ آه بِـالمُناسبة ورقِك الشخصي ، وِ البطاقة وِ عقد الجواز كل ده معايا ؛ علشان بس لو بتفكّري في حاجة كده ولا كده..
الحقيقة ما توقعتش يوافق بالسرعة دي ، آه هوّ حط شروط كتير ، بس أول حاجة توقعتها يُرفض رفض تام ، وِ آه واخد منّي شهادة الميلاد ، وِ عقد الجواز وِ البطاقة وِ أي أوراق تُخصّني بس برضه ازاي وافق أشتغل!!
ده أوّل حاجة طلبها منّي في الجيزة بعد الخُطوبة أسيب العِطارة ، وِ هيدفع المهر في الخطوبة ؛ علشان أجهّز نفسي بيه!!
دخل ينام ، وِ دخلت وراه ، أوّل ليلة أحط فيها راسي على المخدّة وِ أنا بتمنّىٰ ما أقومش تاني ، بتمنّىٰ من ربّنا يُقبُض روحي قبل ما أصحىٰ وِ أعيش يوم كمان معاه..
الضّغط النفسي وِ الخُوف اللي بعيشه بِـمُجرّد ما أشوفه هَـيزهِق رُوحي ، كمّية الغضب اللّي بحسّها جوايا وِ أنا شايفة نفسي متجوّزة واحِد لسّه عارفة حقيقته من يُومين هتولّع في قلبي..
نِمت وِ أنا بردد دعوة واحدة بس ” يا مُنجّي من المهالك نجّني.. يا من أنجيت يُونس من بطن الحُوت أنجيني “.
أنا مش عارفة أنا داخلة على إيه معاه ، ولا عارفة هيحصلّي إيه ، والأسوأ من ده كلّه إني مش قادرة أتوقّع ممكن يِعمل إيه فيّا تاني ، بس الأكيد إن الغلطة الوحيدة اللي هَعيش وِ أموت وِ أنا بدفع تمنها هيّ جوازي من صَـالِـح دروِيش.!!!!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية حجر ينبض)