رواية حجر ينبض الفصل الثامن 8 بقلم فريحة خالد
رواية حجر ينبض الجزء الثامن
رواية حجر ينبض البارت الثامن
رواية حجر ينبض الحلقة الثامنة
– صباح الخِير ، أنا حضّرت الـفِطار ، وِ موجود برّه علىٰ السُّفرة.
– تمام ، جهّزيلي هدومي وِ لو عايزة تنزلي تدوّري علىٰ شغل براحتِك ، بس يكون في عِلمِك أنا هرجع الساعة أربعة العصر ، وِ عايز أفكّرك إني لازم أرجع ألاقي الأكل جاهِز وِ البيت نضيف.
– حاضر ، حاجة تانية؟!
– آه ، ما تفطريش قبل ما تنزلي ، أصله بِـفُلوس حرام!
سابني ، وِ اتحرّك ناحية الحمّام ، عادي أنا اعتادت الجُحود من صَـالِـح من يوم ما عرفته علىٰ حقيقته ، لبست هدومي ، وِ طلعتله :
– عايزة مُفتاح لِـ البيت وِ البوابة أفتح بيهم لمّا أرجع.
كان بِـيُمضغ في الأكل ، بصّلي وِ بدأ يطلّع مُفتاحين من المفاتيح الكتير اللي معاه ، وِ قام وقف حطّهم في ايدي وِ هوّ بيقول :
– عارفة يا فيروز أنا سايبك تنزلي تشتغلي ليه؟!
هزّيت راسي بِـالنفي ، الحقيقة أنا مش عارفة السبب فعلًا ، رد وِ قالّي :
– علشان تتعلّمي الأدب وِ تحرّمي تتمرّدي عليّا تاني ، لإن انتِ مش هتلاقي شُغل وِ لو لاقيتي محدّش هيرضىٰ يشغلّك ، وانتِ بنفسك هتيجي تتحايلي عليّا علشان أصرِف عليكِ وأنا اللي هرفُض.
المُفتاح أهو متنسيش أنا راجع العصر ، وِ ما تنزليش قبل ما تحطّي إيشارب ولاّ طرحة علىٰ راسك قُلتلك مفيش حريم هِنا بِـ شعرها.
دخلت أخدت إيشارب صغيّر حطّيته علىٰ راسي لحد ما أقدر أشتري طرحة ، وِ فساتين طويلة لحد الكعب بدل فساتيني اللي مش مغطّياه وِ مبيّنة جُزء من رجلي ، واتحرّكت ناحية برّه ، وِمع حركة المُفتاح في الباب وِ فتحه..
حسّيت كإنّي لِـ أوّل مرّة في حياتي أشم هوا ، لاقيت نفسي مُبتسِمة ، وِ نزلت درجتين السلّم بِـسُرعة وِ فتحت البوّابة الحديد وِ وقفت خمس ثواني بَبُص حواليّا بِسعادة..
إحساس إنّي خرجت من البيت مخلّيني طايرة من الفرحة ، فِضلت ماشية مُبتسِمة بَحاوِل أحفظ مكان البيت بِـالظبط علشان أرجعله من تاني..
وِ بدأت رِحلتي بِـالبحث عن شُغل ، دخلت الصيدليّة اللي ورىٰ البيت أوّل حاجة وِ لاقيت فيها دكتور كبير :
– السّلام عليكم وِ رحمة اللهِ وِ بركاته.
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، تحت أمرِك يا هانم.
– كُنت عايزة أسأل حضرتك علىٰ شغل ، لو يعني مِحتاج حد يُقف في الصيدلية أو كده.
– امممم وانتِ منين يا بنتي؟! وِ مين قالّك إن الصيدلية مِحتاجة بنات تُقف فيها؟!
– أنا من هِنا من الحارة ، في الشّارع اللي ورىٰ الصيدلية على طول ، وِ محدّش قالي أنا قُلت أسأل لو فيه فُرصة بس.
– إن شاء الله هيكون فيه فُرصة ، بس الأول قوليلي انتِ تبع مين في الحارة ، أنا عمري ما شفتك قبل كده!!
– أنا.. أنا مِرات صَـالِـح دروِيش جاركُم في الشّارِع اللي ورىٰ ، وِ.. وِ كُنت عايشة في الجيزة بس جيت هنا لما اتجوزنا.
– صَـالِـح دروِيش مين!! صَـالِـح بن مُصطفىٰ!!!
– مظبوط حضرتك.
كُنت متوترة جدًّا وِ أنا بتكلّم ، خصوصا إن ملامحه بدأت تتغير لمّا عرف إني مِرات صَـالِـح ، لاقيته فجأة اتعصّب وِ بدأ يزعّق فيّا وِ هوّ بيقول :
– اطلعي برّه.. برّه.. معنديش شُغل هنا لِـناس زيّكُم ، معنديش شُغل هنا لحد تبع الجَاحِد ، عديم القلب والاحساس ده ، برررره.
خرجت برّه بِـسُرعة وِ أنا بعيّط ، خُفت ألا من عصبيّته يضربني ، مشيت خطوات سريعة بعيد عن الصيدلية ، لحد ما وقفت قُصاد محل ملابِس ، أخدت نفس عميق وِ مسحت دُموعي وِ دخلت..
– السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، هوّ حضرتك صاحبة المحل؟!
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، إزيك يا حبيبتي ، أيوة أنا صاحبة المحل تحت أمرك.
– الأمر للّه ، كنت عايزة أسألك لو حضرتك محتاجة بنت تقف هنا في المحل تشتغل يعني؟
– لا والله للأسف أنا مش محتاجة حد معايا ، أنا بقف هِنا أنا وِ جُوزي بدال بعض ، بس انتِ محتاجة تشتغلي هنا ليه؟!
– أنا جارتكم في الحارة هنا وِ كنت بسأل بس علىٰ شغل ، ولاقيت محل الملابس ده فَـ قُلت أسأل فيه..
عُمومًا شُكرًا لِـ حضرتك عن إذنك.
لسّه كُنت هتحرّك نادِت عليّا :
– استنّي بس يا قمر ، انتِ جارتنا هنا في الحارة ازاي؟! أنا عُمري ما شفتك قبل كده!! الحارة هنا كلها عارفة بعضها كبير وِ صُغيّر.
– آه ما أنا لسه جاية هنا من يومين بالظبط ، أنا متجوّزة في الشّارِع اللي ورىٰ صيدلية النّجدة ده ، قُريّب من المحل مش بعيد.
– وانتِ مرات مين بقىٰ من جيرانّا؟!! يا بخته محظوظ بِـ حد قمر زيك كده!!
– شُكرًا ليكِ واللّه ، أنا مرات صَـالِـح دروِيش.
– ايييه!! صَـالِـح دروِيش!!
وِ ده اتجوّز امتىٰ وِ ازّاي!!
فجأة نظراتها ليّا اتغيّرِت ، وِ اتحوّلت من الست اللطيفة اللي بتحاول تفتح معايا كلام وِ تتعرّف عليّا لِـ الست اللي مش طايقة وِشّي قُصادها وِ بدأت تكلّمني بِـلُغة اتّهام..
– وِ يا ترىٰ بقىٰ يا حِلوة إنتِ مراته بجد ولا دي كِذبة وِ صَـالِـح بيعمل عمايله القَذِرة هِنا في الحارة وِ مغفّلنا؟!!
اتفَزعت مِن مُجرّد التعبير ، وِ بدأت أرجع لِورىٰ وِ أنا بتكلّم بِـربكة :
– لا لا واللّهِ.. أنا مراته.. مراته علىٰ سنة الله وِ رسوله.. والله مراته..
أخدت نفْسِي وِ طلعت بِـسُرعة من المكان ، وِ برضه بعيّط ، فضلت أمشي زي العيلة الصُّغيّرة بدوّر على بِقالة ولا اي محل أقف فيه..
دخلت كذه محل ، حلويات ، وِ بِقالة وِ حتّى عِطارة ، بس للسخريّة زي ما قال صَـالِـح بِالظّبط ، أنا مِش هلاقي شُغل وِ لو حتّى لاقيت محدّش هيرضىٰ يشغلني..
دلوقتي عِرفت هوّ سابني أشتغل ليه ؛ علشان عارِف إن أي حد هيسألني عن اسمي وِ أنا تبع مين في الحارة هَذكُر اسمه اللي مُجرّد ما بنطقه لأي حد كإنه سمع اسم شيطان ، بيتعصّب وِ يُكرشني أو يزقّني زي ما حصل وِ أنا خارجة من محل العِطارة.. صاحبها زقّني وَقّعني علىٰ الأرض وِ عفّر عيني بِـتُراب من الشّارِع..
بدأت أفكّر بيني وبين نفسي بِـصُوت وِ أنا بَـبُص علىٰ جرح ايدي مكان ما وقعت في الأرض :
– جوازك من صَـالِـح دروِيش بقىٰ زي وشم العَار يا فيروز.
هيّ الدُّنيا ضاقِت عليّا أوي كده ليه!!!!
بقيت بَجُر في رجلي علشان أرجع لِـ البيت ، الظّاهِر أنا هتحايل علىٰ صَـالِـح علشان يِصرف عليا فعلا وهوّ اللي هيرفُض..
لاقيت سِت قاعدة قُصاد القهوة اللي على أوّل الشّارِع بِـخُضار وِ فاكهة ، رُحتلها بس من غير ما أمسح دُموعي ، مِش قادرة أمثّل إني قادرة أواجه البشر أساسًا :
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، عايزة توزني إيه يا بنتي؟!
– الحقيقة مش عايزة أوزن حاجة ، أنا عايزة أسأل حضرتك سُؤال بس.
– اسألي يا ضنايا.
– أنا عايزة أعرف حضرتك بتشتري الخُضار وِ الفاكهة اللي بتبيعيها دي منين ، والمكان ده ينفع يديني شوية أقعد بيهم في الشّارِع وِلمّا أبيعهم أسدد تمنهم وِ آخد اللي فيه النّصيب من المكسب ولا لأ ، أرجوكِ ساعديني..
كانت لسّه هترد ، قُلت أرد أنا علىٰ السؤال المُتوقّع :
وِ آه قبل ما تسأليني أنا مرات صَـالِـح دروِيش اللي كُل الحارة مِش طايقة تسمع اسمه..
أنا معرفش هوّ عمل إيه لِـكُل النّاس دي واللّهِ ، بس هو أذاني أنا كمان والله أذاني.. أنا مليش ذنب صدقيني..
كُنت بتكلّم وِ أنا بعيّط وِ بقطّع في الكلام ، توقعت ترمي عليّا أي حاجة من الخُضار اللي قصادها تعوّرني بيها..
بس لِـ أول مرة في حياتي كُلّها حد يعمل معايا كده..
قامت من مكانها ، وِ أخدتني من ايدي قعّدتني جنبها ، وِ حضنتني وِ هيّ بتهدّي فيّا ، وِ بعد ما بطّلت عِياط قالتلي :
– ما تعيّطيش ، أنا شُفت هناء صاحبة محل اللبس وِ هيّ بتزعّق معاكِ وانتِ بتجري من المحل وِ تعيّطي ، وِ عرفت منها انتِ خرجتي معيّطة ليه..
لولا إنّك صعبتي عليّا كان زماني عملت معاكِ زيّها ، متزعليش يا بنتي منّنا ، صَـالِـح متربّي معانا من صُغره وِ اللي عمله في أبوه وِ أمّه مخلّينا مِش طايقين نسمع سيرته حتّىٰ..
استغربت وِ سألتها :
– هوّ عمل إيه في أبوه وِ أمّه؟!
– ياااه دي حكاية طِويلة ، الظّاهِر ما تعرفيش عنها أي حاجة..
بُصّي يا بنتي صَـالِـح ده كان وحيد أبوه وِ أمه….
بدأت تحكيلي كُل حاجة عنّه ، وِ أنا مش مصدّقة وِ مصدومة مِن اللي بتحكيه ، واللي ختم بِـمعرفتي إن أمّه ماتت وهيّ غضبانة عليه!! هوّ إزاي مش فارِق معاه كده!! إزاي قلبه ما وجعهوش عليها ، وِ فكّر يشوف قبرها فين يقرالها الفاتحة حتّىٰ!!
آه صح افتكرت لما قالّي إنه أوّل بني آدم من غير قلب..
وِ افتكرت لما قالّي إنه معروف هنا بِـجُحود قلبه.. ما كذبش فعلاً.. رغم إني كُنت بتمنّىٰ يِطلع كذّاب.!
لمّا لاقيتني سَرحت كده سألتني :
– انتِ شكلك غلبانة وِ مش زيّه ولا زيّ سِكّته إيه وقّعك فيها؟!
– النّصيب يا حاجّة.
كُنت بتكلّم بِـأسىٰ ، وِ هيّ لاحظت ده فَـ قالت :
– تعرفي الحاجة الوحيدة اللي تخلّينا نِحس إن صَـالِـح عمل حاجة عِدلة في حياته قبل ما يموت هوّ انتِ..
طيّبة وِ جميلة وِ عندك سماحة وِ قبول كده ، أنا متأكدة إن لمّا النّاس اللي هنا تتعامل معاكِ هتحبّك ، المُهم قوليلي هوّ صَـالِـح اللي منزّلك تدوّري على شغل هنا؟!!
– ربنا يكرمك يا حاجّة واللّهِ أنتم اللي ناس جميلة ، وِ بعد ما عرفت اللي صَـالِـح عمله فَـ مش من حقّي ألومهم ، همّا زعلانين علىٰ جيرانهم والنّاس اللي منهم برضه..
بِـالنسبة لِـ الشّغل فَـ لأ ، أنا اللي أصرّيت أصرف على نفسي ، بس هوّ كان معرّفني إن محدّش هيرضىٰ يشغلني ، أنا بس متوقعتش إن كلامه حقيقي.
– محدّش هيرضىٰ يشغلّك إزاي يعني؟!! مِن هنا وِ رايح انتِ هَـتقعدي معايا علىٰ الفرشة هِنا وِ المكسب بِـالنُّص ، وِ بعد كده لمّا تفهمي النظام وِ تعرفي تتعاملي والنّاس تعرفك هساعدِك بِـقرشين تجيبي بيهم خُضار تقعدي بيهم علىٰ فرشة لِـوحدِك.. ها قُلتي ايه؟!
– بجد والله؟! يعني هتشغليني ويّاكي هِنا؟!!!
– آه يا بنتي ، بس أنا عايزاكِ تثبتي لِـ النّاس بِـ تصرُّفاتك إن نظرتي فيكِ صح ، وِ إنك مُختلفة عن صَـالِـح ، علشان يقبلوا بيكِ وسطنا.
– حاضر يا حاجّة واللّهِ ما تقلقيش.
– قوليلي بقىٰ اسمِك إيه؟!
– فيروز.
– الله!! اسمك جميل أوي يا فيروز!!
أنا اسمي شُكريّة وِ عندي ابن اسمه علاء ، وِ النّاس بِتناديني هِنا بِـ أم علاء.
– اتشرّفت بيكِ يا أم علاء.
– وِ أنا كمان يا فيروزة ، تعالي بقىٰ أمّا أقولك بتوزني ازّاي وِ سعر كُل حاجة إيه.
الحاجّة شُكريّة كانت أوّل حد استقبلني كويّس في الحارة ، وِ كانت أوّل حد عرّفني صَـالِـح علىٰ حقيقته تمامًا ، بقىٰ مكشوف قُصادِي بطريقة خلّيته مش بس نزل من نظري لأ.. ما بقتش قادرة أشوفه أساسًا..
فِضلت معاها طُول الصُّبحيّة بحاول أبيع وِ أشتري معاها ، وِ كُل ما حد يجي يشتري منّها ، تعرّفه عليّا وِ تقولّه :
– دي فيروز ، ساكنة في الحارة وِ جارتنا في الشّارِع هِنا ، مرات صَـالِـح بن مُصطفىٰ دروِيش اللّه يرحمه ، بس بت كويّسة وِ طيّبة وِ هتساعدني الأيّام الجايّة في الفرشة هِنا.
كُنّا بِـنرغِي سوىٰ وِ حسّيت بِـأُلفة ناحيتها ، كانت عمّالة تعرّفني عن الناس اللي في الحارة وِ كل واحد شغّال إيه وِ بيته فين وِ أنا كمان اندمجت معاها في الكلام ، وِ علىٰ السّاعة اتنين كُنت متوتّرة وِ كل شويّة أسألها هيّ هتروّح امتىٰ لحد ما قالتلي :
– مالك يا بت يا فيروز مِش علىٰ بعضك ليه من بدري ، انتِ زهقتي منّي وِ عايزة تروّحي ولا إيه؟!
– لا لا واللّهِ يا أم عَلاء ، بس أصل يعني أنا صَـالِـح قالّي لو رجع البيت لاقاني مش فيه وِ مش مجهزة الغدا وِ منضّفة البيت هَـيزعّق معايا ، فَـ لازم أروّح علشان ألحق أخلص قبل ما يرجع العصر.
– وِ ساكتة ليه يا بت من ساعتها فِزّي قوام روّحي لِـ بيتك وِ جهّزي لِـ جُوزك غداه ، هوّ أي نعم ما يستاهلش مُعاملة حسنة نظير سوءه مع أهله الله يرحمهم ، بس ده جوزك وده واجب عليكِ ، روّحي انتِ وِ أنا هخلّص اللي باقي علىٰ الفرشة وِ أروّح.
– ماشي يا أم علاء أشوفك بكرة إن شاء الله ، مع السّلامة.
روّحت البيت وِ أنا طايرة من الفرحة وِ في نفس الوقت قلقانة ، ألاّ يُدخل في أي لحظة وِ أنا مخلّصتش الغدا ولا عملت حاجة ، في ثواني كُنت لابسة عباية البيت وِ حطّيت الغدا علىٰ النّار وِ بدأت أنضّف..
كُنت شويّة ابتسم إني أخيرًا لاقيت حد لطيف في المنطقة هِنا أتعامل معاه ، وِ شويّة أعيّط علىٰ المُعاملة اللي شُفتها من الناس الصّبح بسبب صَـالِـح دروِيش اللي طلع شيطان متجسّد في صورة بني آدم بحرفيّة تامّة واللي للأسف جُوزي..
بعد شويّة ، كنت خلّصت الغدا وقرّبت أخلّص البيت ، سمعت صُوت أم علاء وِ هيّ بِتنادي عليّا من تحت الشبّاك اللي علىٰ الشّارِع ، فتحته علىٰ طُول :
– أيوة يا أم علاء بتنادي.
– أيوة جبتلك نُص مكسب النّهاردة هاتي اللي عايزاه منّه وِ حُوشِي الباقي علىٰ جنب علشان علىٰ آخر الأسبوع أجيبلك فرشة ليكِ لوحدك.
– مِش عارفة أقولّك إيه يا أم علاء واللّهِ ، بس دول كتير عليّا أنا مستحقّش كُل ده.
– وانتِ مالك أنا صاحبة الفرشة وِ أنا مِسامحة في رزقك ، يلاّ ادخلي بِـسُرعة ألا جوزك جاي ورايا.
دخلت في ثواني من الشبّاك وِ قفلته بعد ما شكرت أم علي ، شيلت الفلوس في العباية وِ أنا بحمد ربّنا إنّه عوّضني بالسّت دي بعد كسرة خاطرِي الصّبح ، كده أقدر آكل لُقمة وِ أجيب عِلاجي من فلوس حلال.
دقيقتين وكان الباب بيتفتح وِ صَـالِـح بيدخُل من برّه ، كُنت موطّية بلم الكنسة ، بقىٰ شعور الخوف ملازمني أكتر من الأول ، كُل لمّا بشوفه وِ أنا عارفة عنّه حقيقة جديدة بلاقي الخُوف بيتمكّن منّي عن المرّة اللي قبلها..
– فيروووز.
اتنفضت من الخضّة وِ قمت بِـسُرعة وقفت :
– نعم.
في ثواني كان واقف قُصادِي ، وِ ماسكني من شعرِي بِقوّته ، صرّخت من المُفاجآة ، كان بيزعّقلي وِ بيقول :
– انتِ بهيمة ليه!! هفضل لامتىٰ أفهّمك وِ أقولّك يا بهيمة ما تفتحيش الشبّاك أو تطلعي برّه البيت بِـشعرِك..
كُل الحريم هنا لابس زفت طرحة علىٰ راسه محدّش بيكشف شعره.. إيه عايزاهم يقولوا عليّا مش عارف أمشّي كلمتي علىٰ حتّة عيّلة..!!
وِ بعدين واقفالي في الشبّاك مع بيّاعة الخُضار ليه لحقتي.. لحقتي تلكلكي مع المنطقة كُلّها.. زمانك طبعًا فضحتينا مع الناس.
كنت بعيّط من سُكات ومش برد ، بحاول أفك شعري من ايده ، بس ده كان بيخلّيه يتعصّب أكتر..
– ما تنطقي يا بت هوّ أنا بكلّم نفسي ، واقفة مع بيّاعة الخضار ليه في الشباك؟؟؟
حسّيت وقتها إني لازم أتعوّد أتحكّم في لساني وِ أنطق غصب عنّي وِ أنا بعيّط ، بِـكُل صعوبة حاولت أرد عليه :
– مفيش.. مفيش غير أم علاء اللي رضت تشغلني معاها علىٰ فرشتها ، وِ كانت بتديني قرشين تمن وقفتي معاها واللّهِ ، أنا.. أنا متكلّمتش معاها عن أي حاجة تُخصّك ولا حكيتلها أي حاجة صدّقني ، وِ لمّا نادت عليّا من الشباك نسيت وِ طلعت بشعري غصب عنّي..
ضحك بصوت عالي ، وِ قوّىٰ قبضة ايده علىٰ شعري وِ هوّ بيقول بِـ شماتة :
– اشتغلتي بياعة خضار علىٰ فرشة في الشارع!! طب والله عال توقّعت إن محدّش هيقبل يِتف في وشك حتّىٰ.
زقّني فجأة بعيد عنّه بعد ما خلّص كلام ، فَـ راسي اتخبطت في سيف الحيطة من ورايا ، اتوجعت بس كُنت موجوعة أكتر من كلامه اللي فكّرني بِـكم الإهانة اللي اتعرّضتلها الصُّبح ، لاقيت نفسي بعلّي صوتي علشان يسمعني وِ هوّ داخل الأوضة وِ بقول بعصبية :
– تخيّل بقىٰ إنك بقيت وَصمة عار يا صَـالِـح علىٰ كل اللي يعرفك تِكسفهم وِ تعرّهم وِ تخلّي الناس متقبلش تِتف في وِشّهم زي ما بتقول من عمايلك السّودا.. تخيّل انتِ وصلت لأنهي مرحلة من القرف؟!!
بعد ما كان هيدخل الأوضة رجعلي تاني ، وِ ساعتها أنا ندمت إني اتكلّمت ، لاقيته بيقرّب منّي وِ أنا برجع لِـ ورىٰ لحد ما كنت لزقت في الحيطة ، كان عامل زي المجنون بـيبرّقلي وِ هو بيقول :
– سمّعيني تاني كده قولتي إيه؟!! اتكلّمي وِ علّي صوتك عرّفيني بتقولي إيه…
مسكني من شعري وهوّ بيكمّل بعصبيّة أكتر :
– أنا وصمة عااار..!!
أنا بعرّ وِ بكسف النّاس اللي في حياتي..!!
إيه يا بت نسيتي إني أنا اللي سترتك واتجوّزتك بعد ما كنتِ عالة علىٰ عمّك..!!
كان كُل جملة يقولها يخبط راسي بعدها بِـ قوّة في الحيطة ورايا ، كُنت حاسّة إني دُوخت وِ معتش قادرة أستحمل حتّىٰ صوتي بقىٰ مبحوح من الصّريخ.
– دلوقتي بقيت بعرّك وِ بكسفك وِ عار عليكِ.. قسمًا باللي خلقني يا فيروز لأعلّمك الأدب من أوّل وِ جديد وِ أخلّيكي تعرفي إزاي صوتك يعلىٰ عليّا وتكلّميني بالأسلوب ده.
بعد آخر جُملة ليه سحبني وراه للأوضة من شعري اللي لسه ماسكه واللي حاسة إنه هيتقطع في إيده وِ هوّ بيقول بزعيق :
– دلوقتي بقىٰ هثبتلك بجد إنّي مُقرف لأقصىٰ درجة يا فيروز.
رماني جوّه الأوضة ، وِ سحب المُفتاح من الباب من جوّه وِ خرج وِ قفل عليّا ، وِ بعدها زعّق وِ قال :
– هفضل راميكي جوّه كده من غير لا أكل ولا شُرب ؛ علشان تتعلّمي الأدب شويّة وِ لسانك يبطّل يخترف بِـكلام هوّ مش قدّه ، وِ مش هفتحلك..
مش هفتحلك يا فيرووز لو صرّختي من هنا لِـ السّنة الجايّة وِ لو روحك بقت بتطلع قدّامي كده وِ بتترجّيني أفتحلك برضه مِش فاتحلك.
كنت بصرّخ وِ بخبّط علىٰ الباب بِـ قوّتي كُلّها ، لكن بعد الجملة الأخيرة عِرفت إنه ملوش فايدة أساسًا..
سندت ضهري علىٰ الباب ، وميّلت راسي على جنب وغمّضت عيني ، بتمنّي مفتحهاش تاني..
بعد كام ساعة ، قمت من علىٰ الأرض وِ أنا حاسّة بِـألم رهيب في معدتي ، خبّطت وناديت عليه بس المرّادي بِـضعف :
– صَـالِـح افتحلي أنا تعبانة والله..
طب هروح الحمّام وِ أغسل وشّي ويبقىٰ دخّلني تاني..
يا صَـاااالِـح بقىٰ..
عدّت ثانية اتنين تلاتة وِ انهارت تمامًا…
لاقيت نفسي بقع في الأرض مش قادرة أقف على رجلي أكتر من كده ، لاحظت خيط دم متجمّد علىٰ رقبتي من ورىٰ ، تقريبًا ده من ساعة ما كان بيخبط راسي في الحيطة..
فضلت قاعدة في مكاني بعيّط من وجع معدتي ، وِ الصّداع الفظيع اللي في راسي ، وِ من الذّل اللي شفته منّه وِ بسببه..
……
– يخربيتك هتودّينا في داهية.. انتِ بِـتمُوتي ولا إيه؟!!
فيروز انتِ سمعاني؟ قولي أي حاجة يا زفتة خلّيني أفهم مَـالِـك!!
فتّحت عيني بِـ صعوبة علىٰ صوته العالي جنبي وهو بيفوّقني ، اتكلّمت بتعب وِ دموع :
– أنا تعبانة جامد حاسة إنّي هموت.
– طب قُومي بس معايا زمانك دايخة علشان مطفحتيش أي لُقمة من إمبارح هجيبلك حاجة تاكليها ، وِ هتبقي كويسة.
ساعدني أقوم من علىٰ الأرض أروح السّرير وهو مضّايق ، كنّا تقريبا الفجر صوت القرآن اللي قبل الآذان كان شغّال ، ناديت عليه قبل ما يطلع وِ اتكلّمت بضعف :
– استنّى يا صَـالِـح ما تجيبش حاجة ، أنا مش هآكل من الأكل اللي إنتَ جايبه بفلوسك.
اتصدم من كلامي وِ رجع وقف قصادي تاني كان متعصّب منّي وِهو بيقول :
– تصدّقي بِـالله انتِ خسارة فيكِ المعاملة الكويسة ، أنا غلطان إني فتحت أبص عليكِ ، وعايز ضرب الجزمة القديمة إني فكّرت أساعدك ، خلّيكِ بقىٰ تعبانة لحد ما تموتي ولا تغوري في داهية.
سابني وِ خرج ، وأنا قمت رحت للحمّام وغسلت وشّي واتوضيت كُنت مستنيّة آذان الفجر جِه علىٰ بالي فكرة قلت أنفّذها رغم إن ألم معدتي كان بيزيد ، والصّداع كان مقرّب يعميني بس مع ذلك نفّذتها..
كان قاعد في البلكونة ، وقفت ورى الباب وناديت عليه :
– صَـالِـح.
– عايزة إيه يا زفتة.
– عايزة أجيب دوا الأنيميا من الصيدلية.
– واللّهِ؟! هوّ الأكل من فلوس حرام لأ ، بس الدوا عادي!
– لا أنا هجيبه من الفلوس اللي عطيتهالي أم علاء الصّبح.
دخل وِ وقف قصادي ، ربّع ايده وهو بيقولّي :
– مفيش حاجة بتفتح غير بعد الفجر ، حتّىٰ الصيدلية.
– طب ما تروح تصلّي تحت وتقول للدكتور يجيبهولك ، زمانه بيصلّي في المسجد بتاع الحارة.
اتعصّب عليّا وقال :
– بقولّك إيه يا فيروز أنا عامل دماغ ومش عايز أتعصّب عليكِ ، مش فتحتلك باب الأوضة خلاص!
الصّبح يبقى روحي هاتي الدوا اللي عايزاه ، أنا مليش كلام ولا حوار مع حد من الحارة وِ يلاّ غوري من وشّي.
كان نفسي أخلّيه يعمل أي حاجة صح ، بدل ما يشم مخدّرات قبل الفجر يقوم يتوضي ويصلي بس كانت محاولة فاشلة..
اتجّهت لِـ القبلة اللي عرفتها من أم علاء وصلّيت ركعتين معمال ما الفجر يأذّن.
والصّبح بدري ، دخلت علشان أضّرله الفِطار كان الغدا اللي عملته إمبارح زي ما هوّ ، الظّاهر بعد ما اتخانق معايا خرج مجاش غير لما فتحلي الأوضة الفجر..
بعد ما فطر ، أخد مفاتيحه وِ خرج ونبّه عليّا إنه هيرجع متأخّر النهاردة وِ إنّي متأخّرش برّه عن آذان العصر.
أوّل ما نزل كنت لابسة فستاني و الايشارب على راسي ، أخدت المفاتيح بتاعة البيت ونزلت ، حسّيت إني بلغت أقصىٰ مراحل تعبي ، وصلت عند فرشة أم علاء :
– صباح الخير يا أم علاء.
– صباح النور يا فيروزة ، عاملة إيه؟!
وِ أول ما ركّزت في ملامحي اتفزعت وقالت :
– يلاهوي! مال وشّك يا بت أصفر كده ليه؟!
قعدت جنبها وقلتلها بِـ تعب :
– بقالي يومين علىٰ ساندوتش جبنة وِ أنا عندي نسبة أنيميا ، الله يخلّيك يا أم علاء هاتيلي أي حاجة آكلها ألّا محدش هيرضى يبيعلي لما عرفوا إمبارح إني مرات صَـالِـح.
– ومين ده اللي مش هيرضى يبيعلك ، استنّي هنا أنا جيّالك تاني.
مدّيت ايدي بالفلوس اللي عطيتهالي إمبارح بس مرضتش تاخدها غير لمّا تيجي..
بعد شويّة رجعت وِ بدأت تفتح الكياس اللي جابتها وهيّ بتقول بابتسمامة :
– جبتلك شويّة فول وطعمية وبتنجان يا بت يا فيروز ، يستاهلوا بُقك ، مدّي إيدك معمال ما أدخل البيت أغسل ربطة الجرجير والخيارتين دول وآجي.
استنّيتها لما تيجي ، قعدت قصادي وقالتلي :
– يوه لسّه ماكلتيش ليه؟
– مستنيّاكِ بس.
– أنا جيت آهو ، كُلي ألا شكلك هفتان خالص ، هوّ صالح مش بيجيبلك حاجة تعمليها أكل في البيت؟!
– لا لأ بيجيب بس زي ما قلتلك أنا اللي حابة أشتغل وِ أصرف على أكلي و شربي بنفسي.
– ليه يا بنتي كده ، ما طالما هو قادر يصرف عليكِ وعلى بيته يبقىٰ بتشقِي ليه؟
كُنت لسّه هرد بس لاقيت معدتي قلبت عليّا فجأة وِ كل لقمة كلتها حاسّة إني هرجّعها تاني ، اتنفضت من مكاني وِ جريت بعيد لأي رُكن مدّاري أرجّع فيه..
فِضلت واقفة في مكاني بتأوّه معتش قادرة أرجّع وِ معتش قادرة أتحرّك حتّىٰ ، لاقيت أم علاء بطبطب علىٰ ضهري وتناولني ازازة مايّة صُغيّرة وهيّ بتقولي بتعاطف :
– معلش تلاقيكي واخدة برد في معدتك ، خُدي اتمضمضي وتعالي أوصلك البيت.
أخدت ازازة الماية وأنا بهز راسي بضعف ، غسلت وشي واتمضمت و لاقيتها هيّ جابت كيس ومليته رمل وكبّته مكان ما رجّعت ، كنت مكسوفة جدًّا منها فَـ اتكلّمت :
– ليه بس يا أم علاء تعبتي نفسك وجيتي ورايا ، أنا كنت هجيب أنا الرمل واللّهِ.
– ولا تعب ولا حاجة انتِ زي أختي يا بت ما تقوليش كده ، تعالي أوصّلك البيت بقىٰ.
– لا مش هروّح أنا هكمّل اليوم معاكِ ، أنا بقيت كويسة.
– لأ انتِ لسه وشك مصفّر ، طب أقولك تعالي نروح الصيدلية.
كنت بمشي معاها وِ أنا مترددة خايفة من رد فعل الدكتور ، لحد ما دخلنا وأم علاء قالت :
– السلامُ عليكم.
وعليكم السلام إزيك يا أم علاء.
بصلّي وقال باستغراب :
– مش البنت دي مرات..
قطعته وقالت :
– أيوة أيوة هيّ ، بس غلبانة مش شبهه وِ بقت شغالة معايا علىٰ الفرشة بتاعة الخُضار ، وهيّ تعبانة وِ وشها مصفّر زي ما إنتَ شايف كده ، بقالها يومين مكلتش حاجة وِ أول ما حطت اللقمة في بقها دلوقتي رجّعتها تاني.
اتكلّمت أنا وكمّلت :
– أنا عندي نسبة أنيميا يا دكتور كمان ، وِ باخد حبوب مقويّات فيها حديد ، بس بقالي كام يوم ما خدّتهاش.
هز راسه وِ قال :
– أنا هدّيكي حبوب لِـ الترجيع وألم معدتك ، مع حبوب الأنيميا بتاعتك ؛ علشان أكيد الأنيميا هيّ اللي مدوّخاكِ دلوقتي وِ لو استمر الألم وِ الترجيع يبقىٰ لازم تكشفي.
أخدت الدوا ، وأصرت أم علاء هيّ اللي تدفع حسابه ، وِ روّحتني البيت ، مرضتش تسيبني غير وأنا علىٰ السّرير وقالتلي :
– هبعتلك الواد علاء بشويّة ينسون ونعناع يبقىٰ اعملي وِ اشربي منهم وآخر اليوم هعدّي أطمن عليكِ قبل ما أروح.
هزيت راسي وابتسمتلها وِ أنا بشكرها.. الحقيقة مواقف أم علاء معايا من أول ما جيت للحارة عمرها ما هتتمسح من دماغي ولا هنسىٰ أثرها جوايا كان إيه.
عدّىٰ كام يوم والحال زي ما هوّ ، كنت بتجنّب صَـالِـح أغلب الوقت لإنّي لسّه تعبانة وِ لسّه حاسة بالضّعف في جسمي كله ومش قادرة أدخل معاه في أي حوار ، لحد ما مرّة الصّبح قبل ما أروح لأم علاء عدّيت على الصيدلية :
– يا دكتور لو سمحت.
– اتفضّلي.
– الدوا اللي حضرتك عطيتهولي أول الأسبوع قرّب يخلص بس أنا لسّه حاسة بِـ الألم نفسه بل الضِّعف..
ترجيع أغلب الأوقات ، وِ ضَعف في جسمي كله ، ومعدتي طول الوقت فيها وجع مش بيهدىٰ ومش عارفة بيحصلي ده كله ليه!
– طب ما كشفتيش زي ما قلتلك ليه؟
– ما أنا مش عارفة دكتورة هنا في الحارة أكشف عندها ومش عارفة أروح لدكتورة إيه أساسا؟
– غالبًا هتروحي لِـ دكتورة نسا لإن الأعراض اللي بتقولي عليها دي كلها أعراض حمل.
– حمل!!!!!!!!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية حجر ينبض)