رواية حب بين نارين الفصل الثامن عشر 18 بقلم نورهان ناصر
رواية حب بين نارين الفصل الثامن عشر
رواية حب بين نارين البارت الثامن عشر
رواية حب بين نارين الحلقة الثامنة عشر
ظلت السيارة تسير بهدوء وكلاهما قد التزم الصمت كأنهما قد صاما عن الكلام كما فعلت السيدة العذراء حين قالت لقومها”إِنّـِي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمَا فَلَنْ أُكَلِـّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً”…
كانت لميس تنظر من نافذة السيارة بشرود للطرقات ، عقلها شارد يسترجع ما مرت به من أحداث وما عرفته اليوم شعرت بداخلها بالحزن الشديد على ما حدث لأسرته رغم أنها لا تعلم الحقيقة كاملةً ولكنها مع ذلك أخذت تفكر في أفعاله تصرفاته معها خلال تلك الفترة.
تذكرت كل شيء عندما انفجر فيها صارخًا وهو يعبر عن مدى ضيقه بارتباطه بها ، كلامه ضيقه ووصلت إلى نقطة حاسمة جدتها أخطأت حملّته فوق طاقته كيف جعلته يرتبط بها فيما كانت تفكر قطع عليها أفكارها صوته وهو يقول بهدوء:
_ وصلنا !
_ ها !
زفر مراد بهدوء وهو ينظر إلى ساعة يده :
_ بقولك وصلنا يلا تعالي !
نظرت للمكان من حولها بتعجب وقالت
_ باخرة !
_ مالها !
نظرت لميس له بتوتر:
_ إنت جايبني هنا ليه؟
لمعت عينيه بالمكر وهو يقول :
_ إيه خايفه ؟
صمت قليلًا يراقب تعبيرات وجهها بتسليه ثم تابع بخبث :
_ ناوي اغرقك في حبي ، ولا أنتِ آه كدا كدا غرقانه !
حدقته لميس باستنكار:
_ لو سمحت خليك جَاد شوي ، بعدين أنا لا غرقانه ولا غيره ده كان تصرف طفولي مني زائد اللي قدامي ده مش صديق طفولتي احنا كبرنا و ….!
تجاهل مراد حديثها وهتف بسخرية معلقا على بداية حديثها فقط:
_ ده على أساس إني بهزر معاكِ يلا إنزلي !.
_ ده مكان مختلط وأنا مش هنزل !
تأفف مراد بحنق :
_ملكيش دعوة بحد أنتِ هتكوني معايا ..مع جوزك يبقى إيه المانع وكل واحد هنا في حاله يلا يا لميس بلاش عند !
_ مراد أنا …
قاطعها سريعًا لينهي النقاش وهو يقول بحزم:
_ يلا انزلي.
صمت قليلاً ليردف بعدها :
_قولي كده بقى من الأول !
طالعته بذهول ثم قالت:
_ أقول إيه؟ مش فاهمه !
_عايزاني اشيلك صح متتكسفيش ده أنا زي جوزك !
لميس بخجل: أحترم نفسك إيه التفكير ده ؟ هو أنت بتتحجج ؟ مش كل شويه تشيلني!
مراد بغضب: لميس كلمة زيادة وهتشوفي معاملة أسوأ من الأول! قدامي يلا !
أنهى حديثه وهو يخرج من السيارة ثم أغلق الباب بقوة ،فانتفضت بفزع ثم إبتلعت ريقها وترجلت من السيارة هي الأخرى
أشار مراد لها أن تتقدمه ، توترت وهي تنظر للبحر وقبل أن تصعد على متنها فوجئت بهم يخرجون تباعاً فهتفت سريعًا وهي تلتفت له
_ هُما رايحين فين ؟
أجابها مراد ببرود:
_خارجين عندك مانع كمان أهم هيسيبولك الجمل بما حمل يلا بقى !
ازداد شعورها بالخوف المبهم مع رؤيتها لأولئك الناس يهرولون خارج الباخرة قبل أن تبحر إذن لما أتوا؟ قطع عليها أفكارها عندما وجدت نفسها قدماها لا تلامسان الأرض ، شهقت بخوف شديد ثم أمسكت برقبته وهي تصيح به بغضب شديد:
_حرام عليك وقعت قلبي متعملش كده تاني …
قاطعها ساخرًا وهو يقول لها:
_ مهو بمشيتك دي مش هنوصل النهاردة !
ضعفت نبرتها وهي تهمس له بخوف شديد:
_ مش عايزة أدخل !
تعجب مراد من تغير نبرتها للضعف فجأة ورأى عبرات تهدد بالنزول من عينيها مع ذلك تجاهلها وأكمل سيره نحو الباخرة وبمجرد اقترابه من حافة البحر ، قبل أن يعبر وجدها تتشبث به أكثر وأغلقت عينيها بل أخفت وجهها كله في داخل عنقه توتر مراد كثيرًا من حركتها تلك ثم جال في عقله هل تخشى من البحر أيعقل؟
حاول أن يجذب انتباهها نحوه فقد تأكد أنها لديها فوبيا من البحر فأخذ ينادي عليها بهدوء
_لميس خلاص فتحي عينك !
فتحت عينيها ببطء وأخذت تتلفت حولها بخوف ثم نظرت إليه بخجل مما فعلته وتعلّقها به بتلك الطريقة ، فتنحنح مراد بصوت مرتفع نسبيًا ثم وجه حديثه إلى الربان :
_يمكنك الذهاب سأتولى القيادة بنفسي !
أومأ الربان له وتمنى لهما أمسية سعيدة ثم غادر المركب ، أنزلها مراد بهدوء وما كاد يخطو خطوة واحدة وجد يدها تتشبث بذراعه بقوة ثم هتفت بخوف :
_ أنت رايح فين؟
ابتسم مراد بهدوء وهو يضع يده أعلى كف يدها الممسك بذراعه:
_هكون رايح فين يعني بذكائك ده ؟ رايح أسوق المركب علشان هخطفك في مغامرة جديدة!
جعدت لميس جبينها بضيق :
_مش عايزة أقعد هنا أنا مبحبش البحر بخاف منه !
ارتفع طرف شفتاه في بسمة ساخرة وبنبرة باردة قال :
_إقعدي هنا أما أشغل المحرك ومسمعش صوتك !
_ مـ………
هتف مراد بحزمٍ :
_ولا كلمة دقيقة وراجعلك خايفه أوى تعالي معايا !
تركت لميس يده وخجلت من فعلتها حتى ولو كان زوجها فهتفت سريعًا:
_ متشكرة !
_ براحتك اياكش بس ملاقكيش لازقة في ديلي عارفها أنا الحركات دي ترفضوا وتمثلوا القوة وما ندرى غير وانتوا بتصوتوا لما هتلبسونا في مرة!
احمر خديها بغضب وقالت :
_ ما تخافش مش هعمل كدا أنا مانستش إنك كنت هتقتلني فمش منطقي أجري عليك لما أخاف .
اتجه مراد إلى داخل الباخرة في إحدى غُرفها وتحديدًا غُـرفة القيادة غاب بها ، بينما لميس جلست على المقعد وأخذت تنظر للبحر بتوتر شديد وكلما استمعت بصوت الأمواج ارتعدت أوصالها المياه سوداء والليل قد أسدل ستائره منذ وقت ، كانت النجوم تلمع لمعًا في السماء وكأنها ترسل إليها رسالة ما .
لاشعوريًا وجدت نفسها تبتسم رفضت بشده الدخول معه رغم خوفها إلا أن السبب كان يكمن في أنها تريد الاختلاء بنفسها بضع لحظات تستجمع فيها شتات نفسها بعد كل ما مرت به في الآونة الأخيرة ، وسريعًا وجدت نفسها تفكر به وها قد بدأت أولى مُـشاحنات العقل و القلب .
قال القلب :
_كنت أعلم أنه هو برغم كل شيء إلا أنني كنت أشعر بالإنجذابِ نحوه وكنت أعنف نفسي على شعوري ذاك بأنه لايصح وذلك قبل أن أعلم بأنه زوجي معقول وقع هذه الكلمة غريبًا بعض الشيء !
ردالعقل صاحب المنطق:
_ وماذا يفيدك هذا الشعور؟ أترى علاقة تجمعكما؟ انسى وعش حياتك ولا تفكر به ! يستحيل ! افهمت يستحيل !
أجاب القلب ببسمة:
_كيف لي أن أنسى وقد ازداد شعوري نحوه أكثر بعد أن علمت هويته لم أنساه يومًا لطالما كان رفيقًا لقلبي في سنواتي الماضية!
تمتم العقل بغضب:
_ستندم على شعورك عندما ينهي انتقامه ويلقي بك وبمشاعرك في تلك المياه دون أن يعبئ بتعلقك به !
– ها وصلتي لفين؟
هتف بها مراد وهو يجذب مقعد آخر وجلس مقابلها يرى شرودها ، أفاقت من تفكيرها على صوته ثم تحدثت بهدوء :
_ أحكي يلا كل حاجه !
أخرج مراد تنهيدة حزن استجمع أفكاره فيها ثم ، قص عليها كل شيء منذ البداية إلى وجودها معه
كانت تستمع له بذهول وصدمة لا تستوعب نصف ما أخبرها به ، بكت بشدة وتهاوت أرضًا وهي تنتحب بقوة ،والدها فعل كل ذلك أيعقل أبي فعل ذلك رهن حياتي أذى والدتي لا لا أصدق ما هذا الذي يحدثني به والدي قاتـ”ـل قتـ”ـل تلك الطفلة الصغيرة من كانت صديقة لي معقول ، أخذ عقلها يصيح بحدة وهو ينفي ما سمعه للتو أبي لاااا كيف فعل ذلك مستحيل .
قتل مراد بحزن وهو يرى انتحابها بقوة :
_كفاية قومي !
كانت تبكي بقوة لم ترد عليه زاد إنتحابها وبلغ ذروته وأخذت تسعل بشدة إرتفعت شهقاتها لتعبر عن جراح قلبها بما سمعت ، هبط مراد لمستواها وبترددٍ مد يده ورفع رأسها وبلا أي مُـقدمات سحبها إلى صدره وتشبث بها بقوة ، احتضنته هي الأخرى وأخذت تصرخ بهياج ، ظلّت تبكي لفترةٍ طويله ومراد لم يوقفها سمح لدموعه هو الآخر بأن تتطلق العنان فانفلتت منه شهقة ألـم مخبون .
التقطتها أذن لميس فزاد بكائها في صدره واختلطت أصوات بكائهم ممزوجة بدموعهم كلا منهم يبكي أحزانه وهمومه يبكي خذلانه من أقرب الناس إليه ، كانت لميس تبكي على من كان أبيها ! هل حياتها رخيصة عنده ؟هل لا تعني له شيئاً ؟ كيف يفعل ذلك ؟ ماهذا الجحود ؟ أين كان عقله وهو يفعل ذلك بطفلة لا يتعدى عمرها الثالثة عشرة .
آآآآآآه يا رب ! ..أخذ مراد هو الآخر يبكي على من فارقوه أخته وأبيه …. أبيه الذي لم يرهُ قبل وفاته ..و على عائلته ؟ على والدته على كل شيء …حتى على قلبه الذي يعانده وتعلق بابنت ألد أعدائه .
همهمت لميس بدموع ونبرة ضعيفة داخل صدره ودموعه أغرقت قميصه :
_ عمري محسيت بحبه ليا كان بيكره لما اروحله على طول يقولي خليكِ عند أمك متاجيش عندي ، أنا قلبي واجعني أوي أنا ماخترتش يكون أبويا كده ماخترتش ، أنا عارفه أن كلامي ملهوش أي معنى عندك ولا هقدر أقولك حاجه أو اخفف وجعك إللي عمره ما هيخف .
صمتت تبتلع ريقها الذي جف وهي مستمرة بالبكاء :
_ولا أنا عارفه أقولك إيه ؟ بس أنا ماخترتوش ده لا لا يمكن يكون أبويا أنا أبويا مات اصلا من زمان من يوم ماساب أيد أمي ورجعت لبلدها وهي مكسورة حزينه كان مات من عيني يارب مش قاره استوعب ولا أصدق معقول ،مراد سامحني أنا ماخترتوش .
خفتت نبرة صوتها في الكلمة الأخيرة لتدل على مدى حزنها وقلة حيلتها ،أنهت حديثها وكادت تبتعد عنه ، تفاجأت به يهمس لها بنبرة مبحوحه أثر بكائه هو الآخر:
_ ماتبعديش !
بعد كلمته تلك وجدت لميس نفسها تضمه لها وهي تربت على ظهره وتتمتم بعبارات الأسف الشديد فبكى مراد داخل أحضانها ، بكى كما لم يبكي من قبل وأخذ يصرخ لعل تلك النيران المتأججة في داخله تخمد ولو لبعض الوقت ثم تعاود الاشتعال ، كان قلبها يتقطع من شدة الحزن عليه ، فأخذت تصرخ وتبكي بانن واحد لعلها ترتاح ،جذبها مراد نحوه أكثر فتعلقت لميس به وأخذت تربت على ظهره بحنان ، ومع كل انتفاضة يهتز بها جسده داخل أحضانها تزيد لميس من ضمه بقوة .
بعد وقت أبتعد كل منهما عن الآخر وعم صمتٌ قاتـل ، نظر كلاهما للسماء وكلٌّ أبحر في عالمهِ الخاص ،بعد أن أخرج كل منهما ما أثقل كاهله وآرق مضجعه وكان كالجبل على صدورهم أحيانًا بل في الغالب البكاء والصراخ يفيد في إخراج الطاقة السلبية ويساعدك ولو قليلًا.
_____________________________
كان يخوض الغرفة ذهابًا و إيابًا بغضب شديد وهو يصرخ بانفعال شديد
هتفت الممرضة بتوتر :
_ أهدى لو سمحت دي مستشفى وفيها مرضى مينفعش كده !
تجاهل أمجد حديث الممرضة وصاح بحدة:
_يعني إيه بقالها شهر مختفيه وبتقولي إيه كمان ؟
أردفت سارة بدموع:
_هو حضرتك بتصرخ عليا ليه أنا فيا إللي مكفيني !!
شد أمجد على خصلات شعره بغضب :
_أنا هتجنن إزاي محدش منهم يبلغني باللي حصل لأختي ،إيه كنتوا مستنييين إيه تبعتولي دعوة تعالى احضر جنازة أختك!!
_ أنا واثقة إنها بخير ، يا رب عفوك يا ربي هوّن المصاب يارب !
نظر لها أمجد وهو يحاول التنفس بهدوء :
_ يعني الواد المقنع ده هو إللي خطفها فين الزفت الفيديو ده ؟
_ محدش يعرف شكله وشه مش باين في الكاميرات !
مسح أمجد على وجهه بمحاولة للهدوء:
_ أنا آسف إني إنفعلت عليكِ بس اعزوريني راجع من امريكا واتفاجأ إن أختي مخطوفه وكمان بتقولوا ماتت !
_ إن شاء الله يكون خبر كذب أنا مفهمتش حاجه من زينب اصلا مقدرتش أسمع هي بتقول إيه؟
_أنا مضطر أمشي حمد الله على سلامتك!
أنهى حديثه ثم التف مغادرًا الغرفة وكأن الشيـاطـين تلاحقه ،خرج من المشفى ثم أتجه إلى سيارته وانطلق يشق طريقه وهو يضرب على المقود بغضب شديد:
_ ليه محدش فيهم كلمني؟ مستنيين إيه؟
______________________________
كانت تجلس القرفصاء بعد أن انتهت من أداء صلاتها ثم رفعت كفيها وأخذت تردد بخشوع وهي تدعو الله بقلبٍ صادق أن يحفظ أولادها ثم نهضت نظرت إلى ساعة يدها فوجدتها تشير إلى السابعة وعشر دقائق تنهدت ثم أخرجت هاتفها وضغطت على بعض الأرقام وانتظرت الإجابة على اتصالها
_السلام عليكم ورحمه الله وبركاته!
جاءها رد العم أحمد بهدوء:
_ وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته ها يا فيروز عملتي إيه؟
تنهدت فيروز بهدوء:
_ أنا كنت لسه هلبس وأروح ليه دلوقت !
مسح العم أحمد على أنفه وهو يضغط عليه بهدوء:
_خليها الصبح أحسن فاضل ساعة وموعد الزيارة هينتهي!
قالت فيروز بإصرار :
_لأ خلينا نخلص نوصل للمحامي سعيد في أسرع وقت .
صمتت قليلاً ثم تابعت بحزن :
_ أنا عايزة الكابوس ده ينتهي بأسرع وقت ممكن يا عمي عايزة أرجع بنتي لحضني عايزه أخلص!
_طيب ماشي روحي ربنا معاكِ وابقي طمنيني !
أومأت فيروز بهدوء ثم أغلقت معه الخط واتجهت إلى خزانتها أخرجت بعض الملابس لها وبدلت ثيابها سريعًا ثم أغلقت باب الغرفة وخرجت بهدوء وكلها امل أن تجني زيارتها بفائدة تساعد في تخليص ابنتها من براثينه ،وبينما هي تسير لتوقف إحدى السيارات فتحت عينيها بصدمة كبيرة ورددت بشفاه منفرجه:
_ أمجد ! .
____________________________
كان يقود سيارته بسرعه كبيرة وفجأة قطع عليه طريقه أحدهم وهو يقف في منتصف الطريق بتهورٍ
أوقف السيارة في اللحظة الأخيرة ثم تمتم بغضب شديد:
_ ايه اليوم ده هو أنا موعود كل واحد عايز ينتحر ييجي يقف قُدام عربيتي !
أنهى حديثه وهو يترجل من سيارته وقام بإغلاق الباب بقوة ثم اتجه إلى تلك الواقفه ببرود وكأنها لم تفعل شيء ، وفتح فمه ينوي توبيخها والصراخ عليها ولكن الجمته الصدمة :
_ انـ ……..مـ…ـاما!
اتجهت إليه فيروز باشتياق وهي تقول بضعف :
_ابني !
قال أمجد بضيق:
_بتعملي إيه هنا ؟
تقدمت نحوه أكثر وحاولت أن تضمه إلى صدرها الذي حرمه المسمى بزوجها عندما أرسل ولدها إلى مدرسة داخليه بأمريكا وأبعده عنها ولكن قبل أن تمتد يدها إليه أوقفها أمجد بجفاء وهو يبعد يديها عن وجهه ثم قال بحدة إنفلتت منه :
_ إزاي محدش فيكم يقولي على إللي حصل للميس أختي ها ؟
طالعته فيروز بذهول :
_أنت عرفت ؟
_ ليه كنتوا ناويين تخبوا لحد ايمتى ؟
هتفت فيروز بهدوء:
_حبيبي إسمعني .
مدت يدها لتمسك بوجهه فابتعد أمجد خطوة للخلف فتابعت فيروزة حديثها بحزن شديد :
_هقولك كل حاجه بس تعالى معايا الأول …
قاطعها سريعًا وهو يقول بصوت مرتفع نسبيًا:
_ بابا فين إزاي ميقوليش ؟ مش جي معاكِ في مكان مش من زمان اخترتي طريقك واتخليتي عني !
بكت فيروز وهي تقول له :
_هو إللي قالك كده حبيبي أنت فاهم غلط والله أنا …
قاطعها مغيرًا مجرى الحديث وهو يقول :
_مش موضوعنا وأنا مش جي بعد العمر ده كله اعاتبك قولي لي بابا فين بكلمه تلفونه مغلق ؟
_تعالى معايا وهقولك كل حاجه يلا !
وبعد معاناة رضخ لها واتجهت فيروز إلى سيارته وصعدت بجواره وانطلق أمجد يسوق السيارة بغضب شديد دب الرعب في أوصال فيروزة رأى خوفها فقام بتهدئة السرعه قليلًا :
_ هنروح فين ؟
كانت فيروز تنظر نحوه فمنذ أن ركبت معه لم تنزل عينيها عنه كم تمنت رؤيته ولكن لم يسمح لها عز بذلك حال بينها وبين رؤية ولدها ، طال صمتها ولم تجب فقد كانت شاردة وهي تنظر نحوه تتذكر المرات القليلة التي ضمته فيها إلى صدرها بكت بشدة ، فضرب أمجد على طارة القيادة هاتفًا بضيق :
_بقولك هنروح فين ؟
_اطلع على الكافية بتاع النيل !.
____________________________
على صعيد آخر كان يجلس بهدوءٍ يحتسي كوب من القهوة قطع عليه خلوته اهتزاز هاتفه النقال معلناً عن مكالمه هاتفيه جديدة تنحنح بهدوء ثم أمسك الهاتف وعندما رأى الإسم المُدون لم يتمكن من منع نفسه من أن ترتسم على شفتيه بسمة لطيفة:
_ السلام عليكم ورحمه الله وبركاته !
_وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته أنا ..
قال العم أحمد بمرح:
_بنت حلال كنت لسه هكلمك لسه قافل مع فيروز من حوالي نص ساعه كده !
_ أها تمام مفيش جديد ؟!
_لسه حاليًا أنا بدور على المحامي سعيد بقالي فتره كبيرة زي ما يكون اختفى من الوجود بس أنا واثق إن اختفائه ليه علاقه بعز وهو الوحيد إللي عارف مكانه علشان كده لازم فيروزة تجبلي رقمه أو أي معلومة تقدر توصلنا لحاجه حتى ولو صغيرة
ابتسمت جنار بهدوء:
_ يارب أنا كنت عند لميس النهاردة ..
_ها وعامله إيه؟
هبطت دموع جنار بحزن:
_عاتبتني وكانت مضايقه أوي مننا إننا لعبنا بحياتها كده ! تفتكر أنا غلطت لما ضغطت على مراد يتجوزها ؟
قال العم أحمد بتنهيدة:
_ بصي موضوع صح أو غلط ده فات أوانه ليه بتقولي كده؟
_لما شوفتهم انهاردة معتقدش هيبقى فيه حاجه تربطهم أنا خايفه على حفيدتي زمان كنت بقلق لتتعلق بيه ومكنتش عايزاها تيجي معايا وهي مانستهوش لحد ما دخلت الثانويه كانت بتسألني عنه لحد ما أنا قعدت معها وفهمتها إن مينفعش يكون في علاقة صداقة بين شاب وبنت ده حرام شرعا ربنا بيقول “ولا متخذات اخدان” بس مخبيش عليك كنت حاسه إنها مايله ليها بس نفيت الشعور ده وقولت كانت طفلة والأطفال بيتعلقوا بالناس بسرعه ، بس لما شوفتهم عرفت الحقيقة المُرة مستحيل أنا ضغطت على مراد وده كان غلط من الأول ..
أخرج العم أحمد تنهيدة قوية وهو يردف:
_ بتفكري في الطلاق يعني ؟
_وهو ده إللي مش هيحصل يعني مهو ده اتفاقنا من الأول نخلص من عز ونأمن حياة لميس ويطلقها …
_ ماتسبقيش الأحداث لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا سيبيها على الله ده شيء سابق لأوانه واحنا منقدرش نجبره إنه يكمل كده كتير أوي !
أومأت جنار بحزن:
_ عندك حق !
_ طب يا جنار لحظة فيروز بتتصل عليا يظهر وصلت لحاجه ادخلك معانا في المكالمه ولا ..
_ ماشي !
قام العم أحمد بإعادة الإتصال بـ فيروز وشغل خاصية المكالمة الجماعية
_ وصلتي لحاجه ؟
وصله صوت فيروز الباكية:
_ أمجد رجع !
سألتها جنار بدهشة:
_ متأكدة ؟
ضيقت فيروز عينيها باستغراب :
_ ماما !
_ عملت مكالمه جماعية المهم أمجد رجع بتقولي !
قالت فيروز بدموع :
_ أيوة ومش طايق يقعد يكلمني عز كره ابني فيا .
صمتت وهي تبكي بشدة فقالت جنار بحزن لأجلها:
_أهدى يا قلبي بكره يعرف الحقيقة هو في أم تتخلى عن ضناها يلا حسبي الله ونعم الوكيل فيه!
قال العم أحمد بهدوء:
_ طب هو فين ؟
ردت فيروز بدموع:
_أهو قاعد قُـدامي أنا قولتله هروح الحمام ،واتصلت عليك لأني مش عارفه اتصرف خايفه أقوله الحقيقه وانا عارفه إنه مش هيصدقني !
_ كويس إنك مقولتيش بقولك إيه حاولي تهديه ومتخليهوش يقابل عز بأي طريقه مش لازم يقابله هيملى دماغه ضدنا !
أومأت فيروز بدموع:
_ فاهمه أنا هقوله على جزء من الحقيقه بس … أقوله إن لميس عايشه حتى يهدى شوي أنت عارف أمجد يا عمي صعب وعنيد !
قالت جنار بتأييد:
_أنا معاكِ قوليله إن أخته عايشه !
_ ولو إنه مش وقته بس ماشي خدوا بالكم لتكونوا متراقبين بس !
نظرت فيروز صوب أمجد الذي يزفر الهواء بضيق شديد ثم قالت :
_ ماشي أنا هقفل دلوقت لأني إتأخرت عليه !
_ تمام بعد ما تخلصي أبقي طمنينا
ومتنسيش موضوع المحامي سعيد أنا واثق إن لو لقينا الراجل ده هو المفتاح متنسوش كان شريكه في كل العايبه الوسـ*** يارب نلاقيه! كل المشاكل هتتحل .
_ يارب المهم هقفل أنا سلام !
أغلقت معهم ومسحت دموعها ثم اتجهت إلى ذاك الجالس يشتعل غضبًا
_كنتي آخرتي كمان !
زفرت فيروز الهواء بهدوء:
_عندك استعداد تسمع إللي هقوله بس قبلها هاخد منك وعد توعدني إنك لما تعرف هتعمل إللي هقولك عليه وبدون نقاش ! وكمان الكلام ده مش لازم يعرفه حد وخصوصًا عز !
ضيق أمجد عينيه باستغراب :
_بابا وليه ميعرفش مش بنته دي يا فيروز هانم شكلك مخبيه حاجه ومين ده إللي اتجرأ وخطف بنت عز الدين الحديدي!
_ أبوك السبب في اللي حصل للميس هو السبب في كل إللي بيحصل ده !
صاح أمجد بإنفعال:
_ده إللي هو إزاي؟ أنتِ بتقولي إيه؟
_وطي صوتك ده واسمعني كويس والدك قبل ما يبقى عز بيه على سن ورمح كان ليه صديق وكانوا صحاب أوي والدك الموقر كان بيحب مرات صاحبه وكان حاطط عينه عليها بس للأسف بقى صاحبه سبقه واتجوزها ومتنساش أعداء باباك كتار وأنت عارف بقا رجل أعمال والناس بتخطف عشان شويه فلوس .
قاطعها أمجد بضيق:
_مش هو ده إللي كنتي هتقوليه ليه غيرتي الكلام فجأة كملي من غير لف و دوران وقولي لي بصراحه أنا مش عيل قدامك هتتضحكي عليه بكلمتين !
_صاحب باباك ده في الحقيقة أبوك عمره ما حبه دايما بيحقد عليه واتفق مع المحامي بتاعه علشان يتخلص منه ولفقله قضايا علشان يخلاله الجو مع حبيبة القلب تخيل إنه سمى بنتي على إسم بنتها المهم لفقله القضايا دي وسجنه ومش بس كده ده كمان اتفق معاه علشان ينصبوا عليه واخد ممتلكاته بإسم مستعار علشان يبعد العيون عنه أسس شركه جديدة باسم جديد واخد شركاته عن طريقها.
توقفت عن الحديث وهي ترى ملامح أمجد المشدوه بانتباه ثم أكملت بحزن شديد:
_ وبعد سنتين في السجن صاحبه ده مقدرش يعيش فانتحر وبعدين إبنه ظهر بعد كل السنين دي ورجع وبقا عايز يرجع حق أبوه وأملاكه وينتقم من أبوك لأنه دمر عيلته وهو السبب إن أبوه يموت منتـحر وخطف لميس لما نزلت هنا عند أبوك عشان عيد ميلاد صحبتها سارة وياريتها منزلت .
صمتت قليلًا ثم أردفت بدموع :
_وبعدين جالنا بلاغ من الشرطه عن بنت بنفس مواصفات أختك وبيقولوا إنها هي في الأول مصدقناش بس أبوك عمل تحليل أبوه وطلعت النتيجة مطابقه ..
أمجد بغضب شديد:
_ أنتِ بتقولي إيه مستحيل أختي عايشه مماتتش وأنا بابا مستحيل أصدق أنه يعمل كده ويسرق صاحبه ده إذا كان صاحبه ودي مش قصة من وحي خيالك ! واختي هعرف مين إللي خطفها ولا مليون تحليل في الدنيا يخليني أصدق إن لميس ماتت !
أنهى حديثه ثم حمل متعلقاته ورحل بدون أن يلتفت إلى الوراء ، طالعت فيروز ظهره وهو يغادر وهي تقول :
_ أنا قولتلك جزء بسيط من الحقيقه بس يا أمجد .
صمتت ثم أكملت بداخل عقلها :
_خليت إبني يبقى قاسي زيك يا عز ده حتي شافني بعد السنين دي كلها مقدرش حتي يخليني أقرب منه ولا شوفت في عنيه نظرة اشتياق ليا
عنيه كلها كانت مليانه غضب وشر بس
يا خوفي لتكون نسخه منه .
________________________________
كان يقود سيارته بغضب شديد وهو يتذكر حديث والدته عن والده ثم أخذ يصيح بحدة:
_هعرف أنتِ فين يا لميس ومش هسيبه في حاله بوعدك نهاية ابن محمد الالفي على إيدي
إللي يفكر يمد إيده بس علي أختي اقتـله
أنهى حديثه وهو يضرب على المقود بغضب شديد ثم أوقف سيارته عند البحر ولاحت ذاكرته لذكرى غريبة ظلت عالقة برأسه !
عودة إلى الوراء
في أمريكا
كان خارجاً من الجامعة بعد أن انتهى دوامه ثم اتجه إلى سيارته وبينما هو يسير قطع عليه الطريق أحدهم وهو يعبر سريعاً فأوقف سيارته في اللحظة الأخيرة وهبط من السيارة يقول بتوتر :
_ هل أنت بخير سيدي ؟
أجابه الشاب بملامح متألمة:
_ it’s Okey I’m fine!
وضع أمجد يده على كتفه وهو يقول بتوتر :
_ Come with me
I will take you to hospital !
حرك الشاب رأسه بالنفي :
_ No,I am fine
أومأ أمجد برأسه ثم انسحب بهدوء واتجه إلى سيارته وبعد وقت وصل إلى شقته دلف إلى الداخل نزع عنه سترته ورمى بجسده على الأريكة بتعب ولاحظ شيء ما قد وقع من سترته نهض بكثل وأمسك بالظرف مستغرباً كيف وصل إليه ثم فتحه وجد بداخله رسالة مكتوب فيها بالعربي .
“أغلي حاجه عندك هاخدها منك وعن قريب مش بعيد”
_____________________________
_مش كفاية كده كنتي بتقولي بخاف من البحر !
قالها مراد وهو يجلس بجوارها ، فالتفت لميس تواجه وجهه وهي تقول بعيون باكيه :
_ أنت إزاي كده ؟
طالعها مراد باستغراب وهو يضيق عينيه :
_كيف مش فاهمك؟
اخفضت لميس رأسها لثواني قبل أن ترفعها وتنظر إليه وهي تقول بدموع :
_ أنت قادر تبص في وشي وأنت عارف أنا بنت مين ومع ذلك وافقت تحميني ليه ؟ .
_ أنا بحميكِ لأن ده حقك عليا أنا جوزك مش كده ولا استني أنتِ قولتي إيه عني آه آه اجنبي !
_ ماتهزرش لو سمحت أنا بس دلوقت فهمت أنت قد إيه كنت بتجاهد وأنت مجبر تتكفل بيا وتحميني وفهمت كُرهك ليا بس ليه وافقت تتجوزني؟!
أطلق مراد تنهيدة قوية وأرجع ظهره على المقعد يسترخي في جلسته وهو يقول:
_ مش بهزر أنا قعدت مع نفسي وفكرت فاكره لما كنت هقـتـلك !
هزت رأسها بإيجاب فتابع مراد بهدوء:
_وقتها لو كان جرالك حاجه أنا مكنتش هسامح نفسي لأن أنتِ ملكيش ذنب بكل إللي حصل أنتِ ضحية زي أختي وأنا مش هاخد والدتك ولا أنتِ بذنب انتوا ملكوش فيه ..
قالت لميس ببكاء :
_كانت صاحبتي لفترة قليله …
بربش مراد بعينيه بحزن عميق:
_ كنتي تعرفيها ؟
أجابته لميس بدموع :
_ أيوة بس صحوبتنا مدامتش لأن ماما فجأة انفصلت عن بـ يعني ورجعنا تركي ومن وقتها معرفش أي حاجه عنها ده غير إن اتفرض عليا حصر فظيع ممنوع يكون ليا صحاب ممنوع أخرج من البيت حتى في دراستي مكنش ليا صحاب أبدًا ولما دخلت الجامعه في مصر استمر الوضع كما هو لحد ما سارة ظهرت في حياتي ..هي مختلفه عني يعني في حاجات كتير بس أنا بحبها !
ضحك مراد بمشاكسه:
_يا بختها !
ابتسمت لميس بخجل:
_ أنا عايزه أنام .
_ أنا مش هقدر أرجع دلوقت إيه رأيك ننام هنا الليلة الجو لطيف ولا أنتِ لسه خايفه من البحر ؟
ابتلعت لميس لعابها تهمس بتوتر :
_بصراحه خايفه وبعدين في اوض هنا ؟
قال مراد بدهشة:
_ أوض؟
_ها أقصد في غرف هنا يعني ؟
ضحك مراد بخفوت :
_ فيه !
_بتضحك على إيه؟
_ ولا حاجه اصل سؤالك غريب يعني ده أكيد في باخرة كبيرة زي ده يلا تعالي أنا اوريك أوضتك!
نهضت عن جلستها وشعرت فجأة بالدوار رآها مراد فنهض سريعاً ثم أمسك بها :
_ أنتِ كويسه ؟
وضعت لميس يدها أعلى جبهتها بتعب:
_ مش عارفه بس دايخه شوي !
_ تعالي أنتِ بس مجهدة لما تنامي هترتاحي!
_بس انا خايفه مش متخيلة إني في وسط البحر كده !
ابتسم مراد بلطف وهو يمسح على خديها :
_متخافيش أنا هفضل معاكِ لحد ما تنامي متقلقيش ! دول بيقولوا عليا جوزك .
صمت قليلًا ثم انحنى وحملها بيده فشهقت بخوف فتابع هو بمرح :
_الكلام ده صحيح يا شابه !
ضحكت لميس بخفوت ثم أدخلها مراد إحدى الغرف ووضعها على الفراش بهدوء وقام بتدثيرها جيدًا ثم أحضر مقعد وجلس بجوارها ووجد كتاب لم يتوقع وجوده فقالت لميس بخجل:
_ ممكن تقرأ لي قرآن بما إن فيه مصحف هنا !
_ طبعا !
_ بس هو يعني ..
متقلقيش متوضئ على فكره أنا مش زي ما أنتِ فاهمه عني !
أغلقت جفونها وحاولت النوم بصعوبة مع اهتزاز المركب وتابع مراد في قراءة القرآن الكريم حتى غفت فوضع المصحف وتنهد بخفوت ثم أتجه إلى غرفة أخرى مجاورة لغرفتها ودلف إليها .
يتبع…
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حب بين نارين)