رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السادس عشر 16 بقلم سارة علي
رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء السادس عشر
رواية حبيسة قلبه المظلم البارت السادس عشر
رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة السادسة عشر
خرجت حياة من الغرفة التي تمكث فيها والدتها بملامح يظهر عليها التعب الشديد …
لقد قضت الليلة السابقة في المشفى مع حنين بجانب والدتها التي تم نقلها الى المشفى بعد إصابتها بجلطة مفاجئة …
يوم كامل حتى إستقرت حالتها وتم إخراجها من غرفة العناية المشددة ليتنفس الجميع الصعداء قليلا …
بقيت حياة بجانب حنين ووالدتها التي كانت تبحث عنها بوضوح رغم ضعفها الشديد وعدم مقدرتها على الحديث حتى حيث كانت تتحرك بأنظارها بحثا عنها وما إن تراها حتى تظهر الراحة بوضوح على ملامحها وكأنها تخشى رحيلها ..
ورغم بقائها في المشفى عن طيب خاطر الا إن هناك داخلها شعورا من الذنب يسيطر عليها فهي تشعر إن ما أصاب والدتها كان بسببها في المرتبة الاولى بعد أن رفضت قربها بشكل صريح وقاسي …
جلست حياة على احد الكراسي الموضوعة في الممر الطويل في المشفى عاقدة ذراعيها أمام صدرها تفكر في وضع والدتها وفي الخطوة التي يجب أن تتخذها في الأيام القادمة ..
شعرت بظل يتكون أمامها فرفعت وجهها قليلا لترى زوج والدتها يبتسم لها بهدوء ..
ذلك الرجل الذي قابلته لأول مرة البارحة وقد تأملها بلطف محاولا طمأنتها ..
رجلا يمتلك وجها لطيفا واسلوبا دافئا محببا ..
سألها متأملا ملامحها المرهقة :-
” حنين بقيت في الداخل ، أليس كذلك ..؟!”
أومأت برأسها دون أن تجيب ليضيف :-
” تبدين مرهقة كثيرا .. ما رأيك أن تشاركيني شراب كوبا من القهوة في الأسفل عند كافيتريا المشفى ..؟!”
لم تستطع أن ترفض خاصة وإنها بالفعل تحتاج الى تناول القهوة الآن أكثر من أي وقت …
نهضت من مكانها تسير جانبه بصمت حتى وصلا الى الكافيتريا في الطابق الأرضي ليطلب منها الجلوس على أن يذهب هو ويجلب القهوة لكليهما ..
جلست بتعب على الكرسي وهي تتنهد بصوت مسموع والأرهاق يسيطر عليها كليا …
جاء زوج والدتها بعد مدة وهو يحمل صينية يوجد بها كوبين من القهوة ومعهما شطيرة شهية …
وضع احد الكوبين أمامها وكذلك الشطيرة وهو يهتف بها :-
” تناوليها فأنتِ لم تأكلِ شيئا بعد فطور الصباح .. ”
ردت بجدية :-
” وحنين كذلك رفضت أن تأكل أي شيء ..”
رد بهدوء :-
” سنأخذ لها طعاما هي الأخرى .. ”
هزت حياة رأسها بتفهم ثم بدأت تشرب من قهوتها وتتناول لقيمات صغيرة من شطيرتها ..
انتهت أخيرا لتشكره قائلة :-
” أشكرك على الوجبة اللذيذة …”
منحها إبتسامة دافئة وهو يرد :-
” لا داعي للشكر .. انتِ بمثابة ابنتي يا حياة .. ”
توترت ملامحها لا إراديا مما قاله فأضاف وهو ما زال متحفظا بإبتسامته الودودة :-
” هل تسمحين لي بالتحدث معك قليلا يا حياة ..؟!”
أومأت برأسها تجيبه :-
” بالطبع تفضل ..”
تنهد ببطأ ثم قال :-
” سأتحدث بصراحة .. ألا تنوين مسامحة والدتك بعدما أصابها ..؟! أنتِ رأيتِ بأم عينك وضعها وما كان سيحل بها لولا رحمة الله .. كنا سنخسرها لا سامح الله .. ”
قاطعته بتردد :-
” أنت تعتبرني جزءا من مسؤولية ما حدث .. صحيح ..؟!”
قاطعها بصدق :-
” أبدا والله .. ما حدث هو قضاء وقدر … صحيح والدتك كانت حزينة للغاية طوال الفترة السابقة بسبب رفضك لها لكن ما حدث هو قدر مكتوب لا بد منه .. انا لا أحملك مسؤولية ما حدث ولا ألومك على رفضك لكن دعيني أخبرك بما يجب علي إخبارك به …”
صمتت تنتبه لحديثه حيث إسترسل بجدية :-
” والدتك تحبك كثيرا يا حياة .. تحبك لدرجة لا تتصورينها .. ربما هي اخطأت .. أخطأت خطئا جسيما ولكن من منا معصوم من الخطأ يا ابنتي .. والدتك عانت كثيرا في بعدك عنها .. سنين طويلة كانت تعاني بدونك .. أنا وحدي من كان يشهد على معاناتها .. لم تكتمل لها يوما فرحة بسبب عدم وجودك جانبها .. لم تشعر يوما بطعم السعادة الحقيقية في غيابك .. حسنا سأخبرك شيئا لا يعلمه سواي …”
أنصتت له حياة بإهتمام ليأخذ نفسه ثم يقول :-
” بعد سنوات قليلة من زواجنا وبعدما يأست من قبولك العيش معها طلبت الطلاق .. أرادت أن تتركني وتترك ابنتها ظنا منها إنك ستقبلين العيش معها حينها .. هل تصدقين ذلك ..؟! كانت مصرة على قرارها حتى عندما هددتها بأخذ حنين منها .. فضلتك علينا يا حياة ولولا إن حنين مرضت وقتها ما كانت لتتراجع …”
سألته حياة بدهشة :-
” بم مرضت حنين ..؟!”
أجاب بملامح ظهر عليها الحزن :-
” أنت لا تعلمين ذلك بالطبع … حنين تعاني من داء السكري المزمن ..”
” معقول ..!!”
هتفت بها حياة بعدم تصديق ليومأ برأسه وهو يقول مؤكدا :-
” نعم تعاني منه منذ الطفولة ..”
هتفت حياة بدهشة وألم :-
” كيف لم أنتبه ..؟!”
ابتسم بألم مرددا :-
” حنين حريصة ألا تجعل أي أحد يشعر بمرضها .. ”
أدمعت عينا حياة لا إراديا فهمس محاولا طمأنتها :-
” لا تقلقي .. حالتها مستقرة فهي ملتزمة بمواعيد الدواء وفي النظام الغذائي المعد لها ..”
هزت حياة رأسها وحاولت السيطرة على ألمها لتسمعه يتنهد بقوة ثم يقول :-
” ما أردت إيصاله لك إن والدك اخطأت في بادئ الأمر لكنها كانت مستعدة لفعل أي شيء في سبيل تصحيح خطأها .. هي أرادت التضحية بي وبإبنتها الأخرى لأجلك .. ألا يكفي هذا لتسامحيها يا حياة ..؟! ألا يكفي وضعها البارحة وهي تصارع الحياة لتغفري لها خطأها في حقك ..؟! الأم لا تعوض يا حياة .. تذكري هذا وتذكري أيضا إن وصال والدتك هو واجب عليك وفرض من الله إن لم تلتزمِ به سيكون عقابه وخيما .. فعقوق الوالدين من الكبائر يا حياة .. لا تنسي ذلك يا ابنتي ..”
خفق قلب حياة بقوة ولأول مرة تنتبه على هذه النقطة التي غابت عنها دائما ..
عقوق الوالدين ..!! هل ستصبح هي عاقة مع والدتها وتتحمل إثما كهذا فقط لإنها ترفض الصفح عنها …؟!
لقد أمر الله الأبناء برعاية والديهم ووصالهم وإحترامهم وحبهم رغم كل شيء ومهما بدر منهم وهاهي تقاطع والدتها وترفض وصالها لأعوام فكيف ستكون عقوبتها عند الله ..؟!
أجفلت لا إراديا من مجرد التخيل فتغضنت ملامحها بقوة بينما سمعت زوج والدتها يقول وهو يبتسم مجددا :-
” ما رأيك أن نأخذ الشطائر والعصائر ونصعد الى حنين ..؟!”
بادلته إبتسامته تنفض تلك الأفكار عنها و تقول :-
” هيا بنا .. ”
نهض الاثنان من مكانهما واتجها الى مكان بيع الأطعمة والمشروبات حيث سيشتريان بعض الشطائر والمشروبات ويأخذانها معهما للأعلى ..
………………………………………………………………
وقفت حياة تنظر الى حنين التي تعدل وضعية والدتها التي ملت من تمددها على السرير وأرادت أن تجلس قليلا على سريرها بدلا من بقائها على وضعيتها تلك..
اعتدلت أحلام أخيرا في جلستها فمنحت حنين إبتسامة ضعيفة وشكرتها بخفوت ثم عادت تنظر الى حياة التي تتأملها بملامح ساكنة وصمت لا ينتهي …
كانت قد أخذت وقتا طويلا تفكر به .. تفكر فيما ستفعله مع والدتها بعدما تستعيد صحتها .. كيف ستتصرف معها وهل ستعود لوضعها السابق وتجافيها مجددا ..؟!
لقد ترك حديث زوج والدتها داخلها آثرا عميقا ومع خوفها من عقوق والدتها الذي ادركت عقوبته جيدا تشتتت أفكارها كليا ولم تعرف ماذا تفعل …
وجدت نفسها ترغب بالصفح عن والدتها وللحظة شعرت إن غفرانها لما فعلته في الماضي سيكون لأجلها هي أولا قبل الجميع فهي عانت لسنوات طويلة مما فعلته والدتها وعانت من الكره الذي تحمله داخلها نحوها ..
أصعب شعور هو ان تكره من يفترض أن تحبه أكثر من الجميع …
فكيف لها أن تكره والدتها التي كانت يجب أن تكون أحب شخص على قلبها ..؟!
هي الآن تريد أن تسامحها ليس لأجلها هي فقط بل لأجل نفسها ..
تريد التحرر من قيد الكراهية الذي قيدت نفسها به ..
تريد أن تمنح قلبها الراحة فهي من تربت على يد والدها الذي علمها معنى الطيبة والمراعاة .. معنى المحبة والغفران …
هي التي تتعامل مع الجميع بطيبة وتمنح كل من تعرفه المحبة الخالصة .. هي التي لا تعرف معنى القسوة ولا تستطيع كره أي شخص مهما كان فكيف تمنح كل هذه القسوة والكراهية لوالدتها ..؟!
كيف تنسى إن محبة والدتها ورعايتها هي واجب وفرض عليها من الله عز وجل ..؟!
كيف تنسى عقوبة عقوق الوالدين ..؟!
كيف نسيت كل هذا وكيف عاقبت والدتها لسنين دون أن تراعيها وتراعي نفسها هي ايضا ..؟!
فكرت كثيرا وكثيرا حتى أخذت قرارها الذي شعرت بعده براحة لا مثيل لها …
سمعت حنين تخبر والدتها إنها ستخرج لتتحدث مع الطبيب عن موعد خروجها ففهمت إن أختها الصغرى تريد أن تترك لها المجال لتتحدث مع والدتها وشكرتها في دخلها على هذا التصرف ..
منحت والدتها إبتسامة مرتبكة وهي تتجه نحوها وتجلس على الكرسي المجاور لها تسألها :-
” كيف أصبحت الآن ..؟!”
منحتها والدتها إبتسامة خفيفة وأجابت :-
” أفضل قليلا وسوف أصبح أفضل بكثير لو بقيت جانبي …”
هتفت حياة بجدية :-
” الطبيب قال إنها جلطة خفيفة وعليكِ أن تنتبهي أكثر المرات القادمة كي لا تتكرر بشكل أصعب من هذه المرة ..”
بدت إن والدتها غير مهتمة بما تقوله فإهتمامها ينصب عليها فقط وعلى وجودها جانبها وكأنها غير مصدقة إن إبنتها تجلس أمامها وتتحدث معها ..
تحدثت أحلام بنبرتها الضعيفة التي تدل على مدى تعبها :-
” حنين أخبرتني إنك بقيت طوال الليلة السابقة هنا ..”
أومأت حنين برأسها تجيبها :-
” نعم فعلت .. ”
ثم مازحتها :-
” ألم تكوني ترغبي ببقائي ..؟!”
لكن والدتها لم تهتم لمزحتها وهي تسألها بلهفة ممزوجة برجاء شديد :-
” هل سامحتني يا حياة ..؟! هل سامحتني يا ابنتي ..؟!”
هزت حياة رأسها دون رد لتأخذ والدتها نفسا عميقا يدل على مدى ما كانت تحمله داخله من ألم وعذاب جراء ابتعاد ابنتها عنها ..
نظرت الى حياة تهمس بتوسل مؤلم :-
” اقتربي قليلا مني .. أريد إحتضانك …”
ردت حياة بصوت محتقن :-
” أخاف أن أولمك وأنت ما زلت متعبة ..”
قاطعتها والدتها بسرعة وتوسل :-
” ما يؤلمني حقا هو ابتعادك عني .. تعالي لأحضاني يا حياة فقد كنت أريد هذا لسنوات طويلة …”
تقدمت حياة نحوها بتردد تميل بجسدها قليلا لتجذبها والدتها نحوها تحتضنها بكل ما تملك من قوة تستشنق رائحتها التي إشتاقت لها بشدة ..
أغمضت حياة عينيها تمنع دموعا حارقة ترقرقت داخلهما بينما شعرت بإرتجاف جسد والدتها الذي كان ساكنا منذ لحظات فأدركت إن والدتها تبكي ..
لم تتحمل حياة الموقف ولا حقيقة وجودها بين أحضان والدتها التي حرمت منها لسنوات منذ أن كانت طفلة صغيرة لا تفقه شيئا فهطلت دموعها على وجنتيها وأخذت تبكي رغما عنها …
شددت والدتها من إحتضانها تهتف رغم مرضها وتعبها :-
” لقد إنتظرت هذه اللحظة لسنوات طويلة حتى ظننت إنها لن تأتي أبدا … ”
ثم أخذت نفسا عميقا وهمست بسعادة ظهرت في نبرتها الخافتة :-
” الحمد لله الذي أعادك لأحضاني بعد كل هذه السنوات يا حبيبتي … الحمد لله .. أشكرك يا الله .. ”
حاولت حياة أن تبتعد عنها قليلا كي لا تؤثر عليها فهي ما زالت في عز مرضها لكن والدتها أبت أن تتركها ..
همست حياة لها وهي تبتعد بجسدها قليلا عن أحضانها :-
” أنتِ ما زلتِ مريضة .. لا يجب أن تتعبي مهما حدث ..”
تأملت والدتها وجهها الباكي فهمست وهي تحتضنه بين كفيها :-
” انا بأفضل حال بعدما حدث … لا أحتاج لأي شيء آخر بعد الآن ..”
ابتسمت حياة بخفة بينما عادت والدتها تحتضنها بعدم تصديق وهي تأخذ نفسها عدة مرات وتردد بينها وبين نفسها :-
” الحمد لله … الحمد لله ..”
………………………………………………………………
خرجت حياة من عند والدتها بعد حديث قصير جمعهما حيث تركتها ترتاح قليلا وربما تنام لتجد حنين تجلس على احد الكراسي بملامح مجهدة …
اقترب منها وقد تذكرت وضعها الصحي فسألتها بقلق :-
” حنين .. هل انت بخير ..؟!”
رفعت حنين وجهها نحوها تبتسم لها بخفة وهي تجيبها :-
” انا بخير لا تقلقي .. ”
أضافت تسألها وهي تنهض من مكانها :-
” هل تصالحتما أخيرا ..؟! طمأنيني وقولي نعم بالله عليك ..”
ابتسمت حياة وأومأت برأسها لتقفز حنين من مكانها وهي تبتسم بسعادة وتحتضن حياة بقوة حتى كادت حياة أن تقع أرضا من دهشة ما حدث ..
ابتعدت عنها حنين تصيح بعدم تصديق :-
” انا سعيدة للغاية .. سعيدة لدرجة لا تتخيلنها ..”
ابتسمت حياة ولم ترد بينما قبضت حنين على يدها وجذبتها تجلس بجانبها وأخذت تثرثر معها ..
بعد مدة قليلة رأت حياة زوج والدتها يتقدم منهما ومعه شاب طويل ووسيم يشبهه قليلا ..
نهضت حنين من مكانها تهمس لا اراديا :-
” نضال …”
تقدم الرجلان نحويهما عندما مال نضال نحو حنين يحتضنها بخفة بعدما حياها لتبادله حنين إحتضانه بتردد ..
تحدث نضال قائلا بلباقة :-
” انا حزين لما حدث لوالدتك .. الحمد لله على سلامتها ..”
أجابته حنين يإبتسامة حزينة :-
” شكرا يا نضال ..”
أشار والده الى حياة معرفا عنها :-
” هذه حياة .. ابنة أحلام .. ”
ثم أشار الى حياة معرفا عن ابنه :-
” وهذا نضال يا حياة .. ابني الكبير ..”
ابتسمت حياة بخفة تحييه :-
” اهلا بك ..”
مد نضال يده نحوها يتأملها بتمعن وهو يرد تحيتها :-
” اهلا حياة .. تشرفت بمعرفتك …”
وضعت حياة كفها في كفه ثم سحبته وهي تبتسم برقة جعلته يتأمل إبتسامتها الدافئة بملامح متحفزة قليلا قبل أن يمنحها إبتسامة رسمية ..
سمع والده يخبره اذا ما يريد رؤية زوجته فأومأ برأسه يسير معه الى الداخل تتبعه حنين بينما رفضت حياة الدخول متعللة إنها ستجلس قليلا هنا للراحة …
جلست حياة على الكرسي مجددا تعبث في هاتفها عندما وجدت نضال يخرج بعد لحظات وللغرابة وجدته يقترب منها ويجلس جانبها يسألها :-
” إنها المرة الأولى التي أراك فيها مع إنني كنت أسمع عنكِ أحيانا من والدتك وهي تتحدث عنك .. هل تصالحتما أخيرا ..؟!”
فوجئت حياة من معرفته بمشكلتها مع والدتها بل وجرائته في حديثه فوجدته يبتسم بخفة وهو يقول وقد أدرك ما تفكر به :-
” لا تستغربي حديثي .. لقد كنت مقيما مع والدي في منزله لسنوات .. لذا أعرف الكثير عن والدتك كوني كنت مقيما دائما معها هي الأخرى ..”
أضاف وهو يتأملها بتمهل :-
” أنت لا تشبهين والدتك أبدا .. تختلفين عنها كليا ..أظن إن إختلافك عنها لا يقتصر على الشكل فقط بل الشخصية أيضا …”
همت حياة بالرد لكن قاطعها صوت تعرفه جيدا ينادي عليها وهو يتقدم نحوها لتنهض من مكانها بسرعة تستقبله بإبتسامة أضائت وجهها :-
” نديم .. ”
” كيف حالك ..؟!”
سألها بعدما ألقى نظرة عابرة على نضال الذي كان يجلس جانبها ثم عاد يمنح كامل انتباهه لها ليجدها تبتسم بسعادة لوجوده وهي تجيبه :-
” انا بخير … ”
” وماذا عن والدتك ..؟! كيف أصبحت الآن ..؟!”
أجابته بجدية :-
” هي أفضل بكثير .. لقد حدثت الكثير من الأشياء التي أود إخبارك عنها …”
قال بسرعة وهو الآخر يتوق للتحدث معها :-
” دعينا نخرج قليلا من هنا نذهب الى احد المطاعم ، نتناول الطعام ونتحدث قليلا …”
في هذه الاثناء خرجت حنين من عند والدتها فإقتربت نحو نديم ترحب به بسعادة …
رد نديم تحيتها بإبتسامته المعهودة قبل أن تشير حنين بعفوية الى نضال تسأل نديم :-
” هل تعرفت على أخي يا نديم ..؟!”
أشارت حنين الى نضال تهتف :-
” نضال أخي الكبير …”
ثم أشارت الى نديم :-
” وهذا نديم .. صديق حياة ..”
لكن نديم قاطعها بنبرة مقصودة :-
” خطيب حياة يا حنين .. لقد خطبتها ووافقت ولم يتبقَ سوى إعلان الخطبة …”
هتفت حنين معتذرة :-
” اسفة .. ظننت إنكما لا ترغبان بإعلان ذلك قبل إرتداء الخواتم …”
ابتسمت حياة بحرج بينما رد نديم محتفظا بإبتسامته متجاهلا نضال الذي ظل جالسا مكانه يرمقه بنظرات باردة :-
” لا عليكِ …”
هم أن يشير لحياة بأن يذهبا لكن قاطعهم وصول زوجة عم حنين ومعها ابنتها نانسي التي فوجئت بوجود نديم هناك فسارعت ترحب به بعدم تصديق وسعادة انتبه لها الجميع ..
ارتبك نديم كليا عندما رأها خاصة بوجود حياة فرد تحيتها بجفاء مقصود قبل أن يقبض على يد حياة ويهتف بهم جميعا :-
” حسنا نحن سنخرج الآن ونعود فيما بعد .. ”
ثم سارع يسير مع حياة مبتعدا عنهم تتابعه نانسي بأنظار غير مصدقة قبل أن تسأل حنين بغضب مكتوم :-
” من تلك الفتاة يا حنين ..؟! هل تعرفينها ..؟! ”
ردت حنين بجدية :-
” إنها حياة .. أختي الكبري ..”
قاطعتها نانسي تسألها بدهشة :-
” وماذا تفعل أختك مع نديم ..؟!”
ردت حنين ببساطة :-
” إنها خطيبته .. لقد خطبها وهي وافقت ..”
تجمدت ملامح نانسي لثواني بينما أخذت والدتها تصيح عليها تطلب منها التحرك الى الداخل بعدما انتهت من الحديث مع نضال وتبادل التحية ..
التفتت نانسي نحو والدتها بملامح متجهمة لتهمس والدتها لها :-
” لم تحيي نضال يا نانسي …”
هتفت نانسي من بين أسنانها :-
” اهلا نضال ..”
رد نضال بنفور شديد منها :-
” اهلا نانسي ..”
ثم أخبر أخته إنه ذاهب بينما سارت نانسي مع والدتها الى داخل الغرفة لرؤية زوجة عمها بينما عقلها مشغول تماما بما سمعته من حنين ..
………………………………………………………………..
في قصر الهاشمي …
كان راغب يجلس في مكتبه منتظرا قدوم أخيه بفارغ الصبر ليتحدث معه بموضوع زيجته من جيلان …
سمع طرقات على باب غرفته يتبعها دخول مهند بملامحه المتجهمة حيث اتجه نحوه وجلس على الكرسي أمامه بإهمال متسائلا بضيق صريح :-
” خير يا باشا .. ما سبب طلبك رؤيتي بعد كل ما حدث ..؟!”
هتف راغب بجدية :-
” هناك آداب للتحية يا مهند أم معاشرتك لإبنة تاجر المخدرات أنستك تلك الآداب ..؟!”
رد مهند معترضا :-
” لا تجلب سيرتها الآن كما إنك لم تترك مجالا لأي شيئا بيننا بأفعالك السوداء …”
سأله راغب وهو يعود بجسده الى الخلف مسترخيا في جلسته :-
” وماذا فعلت انا ..؟!”
هتف مهند بملامح حاقدة :-
” قطعت جميع الطرق في وجهي .. جمدت كافة أرصدتي في البنوك ولولا إن تلك الشقة بإسمي لكنت طردتني منها دون شك …”
صاح راغب بصوت قوي ثابت :-
” أنت من أجبرتني على هذا بتصرفاتك الهوجاء يا مهند … ”
صاح مهند بدوره :-
” ماذا فعلت أنا ..؟! كل هذا لإنني أحببت تقى وأردت الزواج منها ..؟! ”
ضرب راغب بقبضتي يديه على المكتب مرددا بعصبية :-
” ابنة تاجر المخدرات يا مهند .. تريد الزواج من ابنة تاجر المخدرات … هل هذا ما تريده ..؟! تريد أن تدمر سمعتنا بسبب مشاعرك التافهة الغبية .. ”
قاطعه بحدة وتحذير :-
” مشاعري ليست غبية يا راغب .. انا أحبها ولا يوجد مخلوق على هذه الأرض يستطيع منعي عنها ..”
ضغط راغب على أعصابه كي لا ينفعل في وجهه الآن فهو يخطط بشكل مختلف والغضب لن يفيده إطلاقا في مخططه …
سمع أخيه يتنهد بصعوبة ثم يسأله :-
” على العموم هذا ليس موضوعنا .. أنت لم تجلبني الى هنا للتحدث بهذا الموضوع بالتأكيد … لماذا طلبت رؤيتي يا راغب ..؟!”
ابتسم راغب بخفة وقال :-
” هذا بالضبط ما أريده .. نتحدث عما أريده منك وطلبتك لأجله ..”
نظر مهند إليه بترقب بينما هتف راغب بجدية :-
” أريدك في موضوع هام .. شيء ستقوم به وفي المقابل سأحقق لك ما أردته طويلا …”
سأله مهند بتوجس :-
” ماذا تقصد بما أردته طويلا ..؟!”
رد راغب بفتور :-
” تهاجر خارج البلاد مع حبيبة قلبك … أليس هذا ما تريده وتخطط له منذ مدة ..؟!”
اومأ مهند برأسه رغم عدم تصديقه لوجود شيء يجعل راغب يساعده في تحقيق ما يريد ..
نهض راغب من مكانه وسار نحوه حتى وقف أمامه وقال بصوت جاد :-
” اسمعني يا مهند … انا بعد كل ما حدث تأكدت من كونك لن تتخلى عن تلك الفتاة مهما حدث ونحن بالمقابل لن نتقبل وجودها بيننا … لذا أفضل حل أمامنا هو أن تهاجر الى الخارج وتعيش معها هناك بعيدا عن الجميع لوحدكما وهذا سيخفف من وطأة الوضع علينا فلا أحد سيعلم بزيجتكما سوى افراد العائلة المقربين كونكما ستعيشان بعيدا وحتى لو قررتما العودة بعد سنوات ربما سينسى الناس حينها موضوع والدها وسمعة عائلتها القذرة ..”
تجاهل مهند حديثه الأخير وسأله بجدية :-
” وما المطلوب مقابل هذا ..؟؟ ماذا تريد مني أن أفعل كي تهيء لي الفرصة الكاملة للسفر والإستقرار خارج البلاد ..؟!”
ابتسم راغب ملأ فمه ثم قال :-
” تتزوج ..”
انتفض مهند من مكانه يصيح بعدم تصديق :-
” ماذا تقول انت ..؟! أتزوج ..؟!”
اومأ راغب برأسه ثم قال مؤكدا حديثه :-
” تتزوج جيلان ابنة عمك لمدة عامين كاملين .. عامين فقط وتطلقها بعدها ثم تأخذ حبيبتك المصون وتسافر بعيدا وأنا سأمنحك حينها كل الدعم المادي لتحقق ذاتك في الخارج وتعيش حياة محترمة …”
” هل جننت يا راغب ..؟! انا اريد الزواج من تقى وأنت تريد تزويجي من جيلان ..؟! ثانيا جيلان ما زالت قاصرة .. كيف ستزوجني منها ..؟!”
رد راغب ببساطة :-
” ستتزوجها بعقد شيخ حتى تبلغ عامها الثامن عشر لنوثق العقد في المحكمة ..”
سأله مهند بعدم استيعاب :-
” ولم كل هذا ..؟! ما الغاية من زواجي من جيلان ..؟! ”
أضاف بنفس الإستغراب :-
” ثانيا جيلان تلك أليست تحت وصاية أخيها ..؟! كيف سيقبل أن يزوجني إياها ..؟! مالذي يحدث بالضبط انا لا أفهم ..؟!”
تنهد راغب ثم قال محاولا تبسيط الموضوع له :-
” الموضوع أشبه بإتفاقية حدثت بيننا يا مهند .. نحن نريد أن نستعيد ملكية شركة عمك التي أورثها لجيلان وسنحصل عليها مقابل زواجك منها …الأمر أشبه بصفقة .. أنت تتزوج جيلان لمدة عامين وفي المقابل نحن نحصل على ملكية الشركة وحق وصاية الفتاة حتى تنتهي المدة وبعدها كل شخص منكما يذهب في حال سبيله …”
هتف مهند بعدم اقتناع :-
” هناك حلقة مفقودة في الموضوع … مالذي يجعل أخيها يوافق على هذا ..؟! ما غايته من تزويج أخته لي …؟!”
أضاف يتسائل :-
” ولماذا أنا بالذات من يتزوجها ..؟! ألم تجد غيري ..؟!”
سأله راغب بحدة :-
” من مثلا ..؟!”
هتف مهند بتهكم :-
” أنت مثلا ..”
” هل نسيت إنني متزوج ..؟!”
قالها راغب بإستنكار ليردد مهند بسخافة :-
” وضعك لا يختلف كثيرا عن وضع العزاب ..”
رمقه راغب بنظرات نارية لم يبالِ مهند بها وهو يضيف :-
” ليتزوجها أحدا من أخوانك او ابناء عمومك …”
قال راغب بنفاذ صبر :-
” انا اخترتك انت ولا داعي لأذكرك كم ستستفيد من هذه الزيجة وإنها الطريقة الوحيدة التي ستحقق من خلالها غايتك …”
” ولكن عامين كثير .. عامان حتى أستطيع الزواج من تقى والسفر خارجا ..”
ضحك راغب بخفة ثم قال بتهكم :-
” تتحدث وكأنكما لستما متزوجان عرفيا منذ عامين مسبقين …”
سأله مهند مصعوقا :-
” كيف علمت ..؟!”
عاد راغب يضحك مجددا ثم أشار لنفسه قائلا :-
” انا راغب الهاشمي يا مهند .. لا شيء يخفى عني ..”
ابتسم مهند بسخرية مرددا :-
” طبعا .. انت راغب الهاشمي .. كيف تناسيت هذا للحظة واحدة ..؟!”
هتف راغب أخيرا بنفاذ صبر :-
” المهم أخبرني … ماذا قررت ..؟! هل موافق على الزواج من ابنة عمك ..؟!”
صمت مهند قليلا قبل أن يقول بعد لحظات :-
” امنحني وقتا أفكر به قبل أن أمنحك الجواب النهائي ..”
…………………………………………………………….
دلفت صباح الى صالة الجلوس بعدما أخبرتها الخادمة بقدوم ليلى لرؤيتها …
وجدت صباح ليلى جالسة بملامح يظهر عليها الإرهاق الواضح فتقدمت نحوها تحتضنها برفق وتسألها عن حالها عندما إندفعت ليلى باكية بين أحضانها ..
حاولت صباح تهدئتها محاولة أن تفهم ما يحدث معها وسبب بكائها عندما سمعت ليلى تسألها بنبرة باكية متقطعة :-
” لماذا لم تخبريني يا خالتي ..؟! لماذا أخفيتِ عني ما حدث ..؟!”
” عم تتحدثين يا ليلى ..؟! مالذي أخفيته عنك يا ابنتي ..؟!”
سألتها صباح بعدم فهم لترد ليلى باكية :-
” خطبة نديم من حياة .. ”
سألتها صباح بعدم فهم :-
” من أخبرك بهذا يا ليلى ..؟!”
أجابتها ليلى وهي تكفكف دموعها :-
” نديم هو من أخبرني بهذا يا خالتي .. لقد خطبها يا خالتي .. لا تقولي الآن إنك لا تعلمين بذلك … أنت تعلمين لكنكِ لا تودين إخباري بأمر الخطبة كي لا تحزنيني …”
قالت صباح بسرعة :-
” اقسم بالله لا علم لدي بما تقولينه .. إنها المرة الأولى التي أسمع بها بكلام كهذا منك ..”
سألتها ليلى بعدم تصديق :-
” كيف يعني ..؟! هل يعقل أن يخطب نديم الفتاة دون علمك أم إنه يخبرني هذا كي يقطع أي أمل لي بعودتنا سويا ..؟؟”
ظهرت بوادر الأمل على ملامح ليلى مجددا فقالت صباح بسرعة :-
” اسمعيني يا ليلى … قد يكون ما يقوله نديم صحيح .. او قد يكون بالفعل ينوي خطبة الفتاة لكنه لم يتخذ تلك الخطوة بعد ..”
أضافت بعدما أطلقت تنهيدة طويلة :-
” حسب علمي نديم يريد الفتاة بالفعل … أريدك أن تعلمي هذا كي لا تستمري في تصديق آمالك الكاذبة ..”
هتفت ليلى بعدم تصديق :-
” كم هو سهل عليكِ أن تقولي هذا ..؟! تتحدثين عن الأمر بكل هذه البساطة يا خالتي …؟! ”
أضافت بهمس مبحوح باكي :-
” تتحدثين وكأنك لا تدركين إن هذا يعني موتي .. يعني نهايتي …”
” كلا يا ليلى .. لا تفعلي هذا بنفسك يا ابنتي .. لا يوجد شيء يستحق منك كل هذا .. ”
قالتها صباح محاولة التخفيف عنها لكن ليلى أضافت باكية :-
” إنه نديم يا خالتي .. حب حياتي .. لماذا لا أحد يفهم علي..؟! لماذا لا أحد يستوعب مدى ألمي ومعاناتي ..؟! نديم يا خالتي هو حب الطفولة والمراهقة والشباب .. هو حلمي الذي تمنيته طويلا …”
ردت صباح بلهجة باكية هي الأخرى :-
” هكذا النصيب يا ابنتي .. ما العمل ..؟!”
صاحت ليلى معترضة :-
” ليس النصيب يا خالتي .. هذا ما تريدونه انتم .. تريدون ابعاده عني بكافة الطرق … ”
” وهل لديك حل آخر يا ليلى بعد كل ما حدث ..؟! بعد زواجك من عمار ..؟! ”
صدح صوت غالية التي جاءت منذ مدة واستمعت لحديث والدتها مع ليلى فإلتفتت والدتها وليلى الباكية نحوها تتأملان ملامح غالية الثابتة والتي أضافت بجدية :-
” هذا الحل الأفضل للجميع .. أنت إخترت التضحية بحبك لنديم وتزوجت من أخيه وهو من حقي أن يبدأ مع الفتاة التي يريدها…”
صاحت ليلى بصوت محتقن :-
” انا فعلت هذا لأجله .. ”
” ليلى ..”
همستها صباح برجاء لكن ليلى تجاهلتها وهي تضيف بدموع لاذعة :-
” فعلت هذا لأجله يا غالية .. ضحيت بسنوات من عمري حفاظا على حياته .. اخترت الموت على ذمة عمار في سبيل أن يعيش هو ..”
سألتها غالية بتوجس وعدم استيعاب :-
” ماذا تقصدين يا ليلى ..؟! كيف يعني لأجله وحفاظا على حياته ..؟!”
أجابتها ليلى بملامح ثابتة رغم الدموع التي تغطيها :-
” عمار هددني بحياة نديم يا غالية .. هددني إنه سينهي حياته داخل السجن إن لم أتزوجه او يبليه بتهمة أخرى تؤدي به الى حبل المشنقة ..”
هزت غالية رأسها نفيا تردد بعدم تصديق :-
“كذب .. عمار لا يمكن ان يفعل هذا .. هو كان يهددك فقط .. نعم هو لا يحب نديم لكن ليس لدرجة أن يقتله … عمار لا يمكن ان يقتل أخيه ..”
صاحت ليلى متهكمة :-
” لكن يمكنه أن يتهمه ظلما بقضية الإتجار بالممنوعات ويتسبب في حبسه لسنوات .. ”
تجمدت ملامح غالية لما سمعته بينما أخذت ليلى تهز رأسها بتأكيد على ما قالته ..
تحدثت غالية أخيرا بنبرة مبحوحة وعيناها تتوسلان ليلى أن تكذب ما سمعته :-
” عمار لم يفعل هذا .. هو لا دخل له بما حدث مع نديم …”
” بل له كل الدخل .. عمار من وضع تلك الممنوعات في الصيدلية وبلغ الشرطة عنه .. عمار وراء كل ما حدث لنديم يا غالية ..”
انهارت غالية باكية حتى إنها إستندت على الطاولة جانبها فسارعت والدتها تحاول إسنادها عندما أجلستها بسرعة الكرسي لتسمعها تهمس باكية :-
” مستحيل .. مستحيل ..”
ثم رفعت وجهها الباكي تنظر الى والدتها وهي تسألها ببكاء :-
” لماذا يا أمي ..؟! لماذا فعل هذا ..؟! لماذا دمر حياته بهذا الشكل ..؟! ”
انتفضت من مكانها تقف وهي تصيح بتصميم :-
” يجب أن أراه .. يجب أن أتحدث معه ..”
لكن صباح سارعت تقف في وجهها تمنعها :-
” توقفي يا غالية … لن تذهبي إليه ولن تتحدثي معه …”
بينما هتفت ليلى بترجي هي الأخرى :-
” عمار لا يجب أن يعلم إنك علمتِ بكل شيء يا غالية وإلا سيحاسبني أنا .. ارجوك لا تخبريه بشيء .. من فضلك ..”
قالت غالية بصوت منهار :-
” لماذا يفعل هذا بنا ..؟! مالذي فعلناه ليؤذنا بهذه الطريقة …؟! حرام والله حرام ..”
” انا السبب .. انا من أوصلت الأمور الى هنا .. ”
قالتها صباح وهي تسير بشرود بعيدا عنهما وتجلس على الكنبة منكمشة على ذاتها ..
سألتها ليلى بتوجس وهي تتبادل النظرات مع غالية التي توقفت عن بكائها :-
” ماذا تقصدين يا خالتي … ؟!”
نظرت صباح اليهما ثم قالت بوجع :-
” عمار يحاسبنا على ما حدث بوالدته .. يحاسبنا على تطليق حسين لها … يحاسبنا على إنتحارها ..”
شهقت ليلى بعدم تصديق بينما همست غالية بضعف :-
” إنتحارها ..؟! هل ماتت والدة عمار منتحرة ..؟!”
أومأت صباح برأسها وأخذت دموعها تهطل بغزارة لتهمس بضعف وهي تغالب دموعها :-
” انا السبب .. انا من دمرت حياة ابني .. ليتني لم أتزوج حسين .. ليتني تركته لها ..”
ثم نهضت تخرج من المكان ودموعها تتزايد تاركة ليلى تتبادل النظرات القلقة مع غالية …
” ماذا سيحدث الآن ..؟!”
سألت ليلى بحيرة لتجيب غالية بتعب :-
” لا أعلم .. لا أعلم شيئا يا ليلى …”
” سأذهب أنا إذا ..”
قالتها ليلى وهي تتجه لحمل حقيبتها عندما أوقفتها غالية تهمس بتردد :-
” انا اسفة يا ليلى .. اسفة على كل شيء …”
ابتسمت ليلى بضعف وهمست :-
” لا تعتذري يا غالية .. أنت أختي أيتها الحمقاء ..”
جذبتها غالية تحتضنها بقوة وقد أدركت مدى قسوتها عليها وهي التي فعلت كل شيء لأجل حماية أخيها ..
ابتعدت ليلى عنها أخيرا وهي تهتف بها :-
” حسنا لا تبكي .. كفي عن البكاء واستعدي لحفلة عيدميلادك بعد الغد …”
هتفت غالية بتهكم :-
” ميلاد في اجواء كهذه ..”
ردت ليلى بسرعة :-
” سنقيم أجمل حفلة عيدميلاد لكِ يا غالية … إياكِ أن تهتمي بأي شيء .. انت فقط تجهزي جيدا لميلادك … حسنا ..”
ثم طبعت قبلة على وجنتيها وودعتها تاركة غالية تتابع آثرها بتفكير قبل أن تتجمد ملامحها وهي تتذكر إنها دعت كلا من حياة وأختها الى حفلة الميلاد فكيف ستكون ردة فعل ليلى على رؤيتهما ..؟!
……………………………………………………………
بعد مرور يومين …
وقفت غالية في منتصف الحديقة المزينة بطريقة أنيقة وجذابة تتحدث مع بعض الموجودين بسعادة حيث توزع إبتساماتها على الحضور المنحصرين في أفراد عائلتها حيث أقاربها من جهة الاب والام وبعض الأصدقاء والجيران …
كانت تتلقى التهاني من الجميع فهي محبوبة من الأغلبية …
اتجهت نحو الطاولة الطويلة الموضوع عليها قالب كيك مكون من عدة طبقات يحمل صورة شديدة الجمال لها ..
أخذت تتفقد الأطعمة والحلويات الموضوعة جانبا عندما وجدت ابن عمها يقترب منها وهو يهنيها بلباقته المعهودة :-
” ميلاد سعيد يا أجمل غالية ..”
إستدارت نحوه تبتسم بسعادة وهي تجيبه :-
” أشكرك يا شريف … سعيدة حقا بوجودك ومبارك عليك شهادة الدكتوراه يا دكتور ..”
ابتسم يتأملها بإعجاب واضح ورد :-
” أشكرك يا غالية .. ”
ثم أضاف متأملا عمار الذي وصل الى الحفل وتقدم نحويهما :-
” ها قد جاء أخيكِ الأكبر ..”
تجهمت ملامح غالية لا إراديا وهي تستدير لتقابل ملامح أخيها الباردة كالعادة حيث حياها راسما إبتسامة مصطنعة كالعادة :-
” كل عام وانت بخير يا غالية ..”
ثم قبلها على وجنتيها بخفة وقد انتبه لجفائها الواضح اتجاهه والغير معتاد منها لكنه لم يهتم ..
حيا شريف ابن عمه الذي سأله عن أحواله ثم أخذ يتحدث معه قليلا قبل أن ينسحب متجها الى احدى الطاولات وفي اثناء سيره تبادل النظرات مع صباح حيث منحها نظرة ذات مغزى لتشيح صباح وجهها بعيدا عنه وتشغل نفسها بالتحدث مع بعض ضيوفها …
……………………………………………………………………
وصلت ليلى مع عائلتها بعد مدة حيث سارعت غالية تستقبلهما بسعادة ..
احتضنها خالتها أولا تبارك لها عيدميلاها وكذلك فعل زوج خالتها ثم حيتها مريم بجفاء مقصود باتت تحمله لعائلة خالتها ككل ..
جاء دور ليلى حيث إحتضنتها بسعادة شديدة لإنصلاح الأمور أخيرا بينها وبين غالية التي لطالما كانت بمثابة أختها …
” كل عام وانت أجمل واحلى غالية .. سيكون عاما مليئا بالنجاحات والمفاجئات ان شاءالله والأهم أن يأتي فارس الأحلام الذي تنتظرينه باذن الله ..”
ضحكت غالية وهي تردد :-
” ما زال لديكِ أمل في ذلك .. عن نفسي فقدت الأمل في مجيئه ..”
بادلتها ليلى ضحكاتها ثم قالت مازحة :-
” أنت فقط إختاري أحدهم وسنجلبه حتى لو غصبا عنه ..”
ضحكت غالية بقوة بينما انتبهت ليلى لوجود عمار فتجهمت ملامحها لكن غالية همست لها :-
” تجاهليه وكأنه غير موجود …”
ابتسمت ليلى وقالت بجدية :-
” هذا ما سأفعله ..”
ثم أشارت لها وهي تتحرك بعيدا :-
” سأتركك ترحبين بضيوفك وأرحب أنا بمن أعرفهم .. ”
ثم سارت بفستانها الأحمر الأنيق ترحب بالموجودين من معارفها بملامح مرتاحة سعيدة …
اتجهت نحو خالتها وقبلتها من وجنتيها بسعادة فأخذت والدتها تتأملها بقليل من الراحة وهي ترى تحسن أحوالها بوضوح …
اتجهت ليلى نحو مريم التي تجلس على نفس الطاولة لكن بعيدا على طرفها الآخر يكسو الوجوم ملامحها فسألتها وهي تجلس جانبها :-
” ما بك يا مريم ..؟! لم كل هذا الوجوم ..؟! ابتسمي قليلا …”
ردت مريم بجفاء :-
” تعلمين إنني لم أرغب بالمجيء لكن والدتك من أجبرتني على القدوم …”
زفرت ليلى أنفاسها وقالت بجدية :-
” لا بأس … لا تظلي هكذا بملامحك هذه .. ستجذبين الأنظار إليك .. ”
حاولت مريم أن ترخي ملامحها قليلا لتبتسم ليلى لها قبل أن تنهض من مكانها وتتجه نحو مكان المشروبات لتأخذ مشروبا باردا تتناوله عندما شعرت بأحدهم يقف جانبها ويأخذ مشروبا هو الآخر ..
إلتفتت نحوه لتجده صلاح ابن عم غالية فهتفت تحييه :-
” صلاح ، كيف حالك ..؟!”
ابتسم صلاح وهو يجيبها :-
” انا بخير وماذا عنك ..؟!”
أضاف يتأملها بإعجاب لطالما خصها به :-
” أرى إنك تزدادين جمالا وجاذبية مع مرور الزمن ..”
ضحكت من أعماقها وهي تقول :-
” ما زلت عابثا كما انت ..”
” عابث ولكنني صادق في نفس الوقت ..”
قالها وهو يغمز لها بفكاهة لتبتسم له فيتأملها بإعجاب شديد متأملًا ملامحها شديدة النعومة والجاذبية حيث بشرتها ناصعة البياض وشعرها الأشقر الطويل …
فستانها الأحمر يجعلها تخطف الأنظار من الجميع …
ابتلع ريقه محاولا إزاحة أنظاره بعيدا عنها مذكرا نفسه إنها ما زالت زوجة ابن عمه وإن علم مثل غيره عن إحتمالية إنفصالهما ..
وعند هذه الفكرة لم يستطع منع نفسه من الإستدارة نحوها مجددا وسؤالها :-
” كيف هي أحوالك مع عمار ..؟!”
وعندما لاحظ تغضن ملامحها أضاف مبررا :-
” أعني سمعت إنكما على وشك الإنفصال ..”
ابتسمت بضعف وهي ترد :-
” سيحدث هذا .. قريبا بإذن الله ..”
بالكاد أخفى فرحته وهو يقول :-
” لا بأس .. أنت تستحقين الأفضل .. هو الخاسر بالتأكيد ..”
تنهدت ثم شكرته برقة :-
” أشكرك حقا يا صلاح … ”
” لم أقل شيئا خاطئا يا ليلى .. أنتِ تستحقين الأفضل بكل شيء …”
ارتبكت ملامحها قليلا فمنحته إبتسامة عذبة ثم إستأذنته بالرحيل عندما إلتقت أنظارها بأنظار عمار الذي كان يتابعها منذ قليل ليمنحها إبتسامة ملتوية فتشيح بوجهها وهي تكز على أسنانها بقسوة قبل أن تقرر تجاهله والإستمتاع بالحفلة كما قررت مسبقا ..
……………………………………………………….
تقدمت صباح من غالية حيث جذبتها بعيدا عن أصدقائها تسألها :-
” ألن يأتي نديم يا غالية ..؟! لقد بدأ الحفل منذ حوالي ساعة ولم يأتِ بعد ..”
أجابتها غالية :-
” سيأتي يا ماما بالطبع ..”
ثم أضافت بتردد :-
” لكن حياة ستأتي معه ..”
عقدت صباح حاجبيها تسألها :-
” هل ينوي أن يعلن خطبته منها اليوم ..؟!”
” لماذا تقولين هذا ..؟!”
سألتها غالية بإستغراب لترد صباح بجدية :-
” اذا ما معنى مجيئها معه سوى إنه يريد جعل علاقتهما علنية .. في الحقيقة هذا ليس الوقت المناسب أبدا خاصة إن ليلى تبدو سعيدة ومنطلقة للغاية ..”
أومأت غالية برأسها وهي تؤيد والدتها :-
” انا قلقة من ردة فعلها عندما ترى حياة معه .. يا الهي .. ليلى لا تستحق كل هذا العذاب … أشعر إننا سببا بما يحدث معها ..”
توقفت عن حديثها وهي ترى زوجة عمها رحاب تتقدم الى الداخل وخلفها ابنتيها ونانسي لتهتف بوالدتها بعدم تصديق :-
” ماذا تفعل نانسي مع زوجة عمي يا ماما ..؟!”
تجهمت ملامح صباح دون رد حيث أقبلت رحاب والفتيات عليهما فرحبت غالية بهن على مضض ثم أخذتهن صباح الى احدى الطاولات ..
جاءت ليلى ووقفت بجانب غالية تسألها بغيظ :-
” ماذا تفعل تلك المخبولة هنا يا غالية..؟!”
ردت غالية بغيظ :-
” لا أعلم .. عمتي رحاب هي من جلبتها ..”
عادت ليلى تسألها :-
” ألن يأتي نديم يا غالية ..؟!”
توترت غالية وأجابتها بصوت منخفض قليلا :-
” من المفترض أن يأتي ولكنه تأخر ..”
ثم توقفت عندما رأته يدلف ومعه كلا من حياة وحنين …
نظرت الى ليلى التي تجمدت في مكانه وهي تراه يقترب منهما مع حياة التي تجاورها أختها …
وقف الثلاثة أماميهما حيث ابتسم نديم لأخته وسارع يحتضنها وهو يهنيها بعيدميلادها …
بادلته غالية إحتضانه رغم توترها ثم قبلته من وجنتيه قبل أن ترحب بحياة التي حيتها بخجل وهنأتها بعيدميلادها ثم عرفتها على حنين التي فعلت المثل ..
نظر نديم الى ليلى بملامحها الباهتة وعينيها اللامعتين فقاوم نبضات قلبه التي نبضت ألما لأجلها ورسم إبتسامة مصطنعة على وجهه وهو يحييها ..
ردت ليلى تحيته بضعف ثم تحركت بآلية مبتعدة عنهم متجاهلة الجميع لتنظر حياة الى نديم الذي تابع آثرها بوجوم قبل أن يلتفت لها مبتسما بخفة قابضا على كفه يجذبها معه كي يعرفها على والدته …
سارت حياة جانبه بإستيحاء شديد عندما إقترب نديم من الطاولة التي تجلس عليها والدتها لتنهض صباح من مكانها تستقبلهما بإبتسامتها المعهودة …
” مرحبا حبيبتي ..”
قالتها صباح بإبتسامة وهي تحتضن حياة وتقبلها من وجنتيها ثم عرفها نديم على حنين لترحب بها صباح هي الأخرى ..
عرف نديم خالته وزوجها الجالسين على نفس الطاولة مع والدته على حياة وأختها قبل أن يتجه معها الى طاولة أخرى يجلس عليها بعضا من أبناء عمومته والذين سارعوا يرحبون به ويستقبلونه بسعادة ليعرفهم على حياة واحدا تلو الآخر وكذلك حنين قبل أن يجلسوا على نفس الطاولة معهم ..
…………………………………………………………….
مرت ساعة أخرى ..
كانت حياة قد تعرفت على أغلب اقرباء نديم وتجاذبت اطراف الحديث مع العديد منهم …
في بادئ الأمر شعرت بالخجل الشديد والذي ظهر بوضوح عليها لكن مع مرور الوقت وبوجود نديم وبطبيعتها العفوية اللطيفة استطاعت ان تتفاعل مع الموجودين تدريجيا ..
همس لها نديم منتشلا إياها من الحديث الذي جمعها مع بعضا من أبناء عمومه :-
” الجميع أحبك يا حياة كما توقعت …”
ابتسمت له وهي تسأله :-
” حقا ..؟!”
ضحك وهو يجيبها :-
” ألا ترين بنفسك ..؟! لقد خطفت قلوب الجميع بلطفك وعفويتك ..”
ابتسمت بقليل من التوتر فشعرت بكفه يقبض على كفها مؤازرا لها ولسانه يهمس بعذوبة :-
” لا تتوتري أبدا ولا تقلقي من شيء طالما أنا معكِ ..” ابتسمت له بإمتنان ثم هتفت بجدية :-
” سأذهب الى دورة المياة لتعديل شعري …”
” حسنا ..”
قالها وهو ينهض من مكانه معها يدلها على مكان دورة المياه لتذهب الى هناك دون أن تنتبه على تلك التي لحقتها والتي كانت تتابعه منذ قدومها معه بغل …
سارت خلفها ثم توقفت في منتصف الممر المؤدي لدورة المياه تهتف بعلو صوتها :-
” ابنة البواب والأمير … ”
توقفت حياة في مكانها للحظات تحاول إستيعاب ما تسمعه قبل أن تلتفت بملامح جامدة لتجد نانسي أمامها ترمقها بملامح هازئة وهي تضيف :-
” التسمية او الصفة المناسبة لكما انتِ وهو ..”
اقتربت نانسي منها بخطوات مدروسة وقالت وهي ترمقها بنظرات مستهينة من رأسها حتى أخمص قدميها :-
” غريب هذا الشاب حقا … يترك جميع الفتيات وحوله ويختارك انتِ .. أليس غريبا حقا يا حياة ..؟! ألا توافقني الرأي ..؟!”
تأملت ملامح حياة التي تشنجت كليا بشكل يوحي برغبتها الشديدة في البكاء لتهتف بتشفي :-
” برأيك لماذا أختارك نديم دونا عن الجميع ..؟! لماذا إختار ابنة البواب زوجة له تحديدا ..؟! لإنك وحدكِ من تناسبيه .. لإنك الوحيدة من سترضى به بوضعه الجديد … هل فهمت لماذا إختاركِ أنتِ يا حياة ..؟! هل إستوعبت أخيرا سبب تمسككِ به ..؟!”
أضافت بقسوة متجاهلة عيني حياة الباكيتين :-
” أنت أفضل واحدة بالنسبة له .. أكثر من تليق به .. لم يكن ليختار غيرك ..”
ومن بعيد قاطعها صوتا أنثويا رغم رقته يحمل الكثير الفظاظة :-
” بالطبع لم يكن ليختار غيرها وخاصة أنتِ يا نانسي .. مختلة عقليا لا تصلح لأي شيء في هذه الحياة .. المكان المناسب لأمثالكِ هو المصحة النفسية ..”
إستدارت نانسي الى الخلف تتأمل ليلى التي جاءت خلفها وقد استمعت لحديثها المستفز المؤلم ..
” كيف تجرؤين ..؟!”
صاحت نانسي وهي تهم برفع يدها لصفعها فالتي تقف أمامها هي عقدتها الأولى والأخيرة …
قبضت ليلى على كفها تخبرها بقوة وتحذير :-
” لم يخلق بعد من يرفع يده في وجهي وخاصة مخبولة مثلك .. اخرجي من هنا حالا يا نانسي قبل أن أتصرف بشكل لا يعجبك .. أنت إنسانة مريضة يجب أن تتعالجي في أقرب فرصة من أمراضك وأوهامك أيتها المختلة ..”
إشتعلت عينا نانسي بقسوة بينما هدرت ليلى بها :-
” اخرجي من هنا حالا بل غادري الحفلة بأكملها قبل أن أفاجئك بتصرف لن يعجبك أبدا فأنا أيضا أستطيع إفتعال الفضائح مثلك تماما ..”
أبعدتها نانسي عنها يعنف ثم غادرت المكان مسرعة لتتأمل ليلى حياة التي أشاحت بوجهها جانبا تمسحه بأناملها ويبدو إنها تكفكف دموعها ..
” لا تتضايقي من كلامها .. إنها مجرد مختلة لا يؤخذ على حديثها … لقد حاولت قتلي مسبقا لنفس السبب …”
رفعت حياة نظراتها الغير مصدقة لتشير ليلى الى جانب رأسها وهي تضيف :-
” ضربتني بحجارة كبيرة تسببت لي بجرحا عميقا احتاج الى عدة غرز …”
توقفت ليلى عن حديثها تتأمل تلك الماثلة أمامها والتي سرقت حبيبها منها وقد تناست ما حدث منذ لحظات ..
تلاقت عيناها الباردتان بعيني حياة المترددتين حيث أخذت تتأملها بتمعن لأول مرة فهي غريمتها التي لم تتوقع يوما وجودها …
مرت نظراتها العابرة على ملامح وجهها الناعمة ببرائته المعهودة والتي يسيطر عليها الخجل الشديد في تلك اللحظة …
ربما تخجل من حقيقة ما إقترفته في حقها …
عادية .. هذا الوصف المناسب لها وقد طمأنها هذا قليلا …
فتاة عادية ذات مستوى مادي وإجتماعي لا يرقى بكافة الأحوال لمستواها وهي التي ولدت لعائلة كبيرة ثرية معروفة في جميع الأوساط الراقية …
كل شيء كان بها عاديا ورغم هذا تشعر بالغيرة الحارقة منها ولا ترغب في رؤيتها أمامها بكافة الأحوال ..
أما الأخرى فرغم خجلها وترددها الواضح كانت تتأملها بتركيز للمرة الأولى ..
جمالها الإرستقراطي كان واضحا للعيان .. كانت تشبه أميرات القصص الخيالية التي لطالما قرأت عنهن …
كل شيء بها يشي بمدى جمالها ورقيها وأصلها الرفيع …
هي في الحقيقة لم تهتم يوما بشيء كهذا ولم تضع نفسها في مقارنة مع أي إنثى على وجه الأرض لكن هذه المرة الوضع يختلف تماما فهذه المرأة الواقفة أمامها بكل بهائها وروعتها وملامحها الواثقة كانت كل شيء بالنسبة له .. كانت إمرأة حياته وحب عمره وهذا كان كافيا لتدرك صعوبة ما ستقبل عليه …
ولأول مرة ترغب في الإبتعاد.. الهرب وعدم المجازفة بمشاعرها وقلبها رغم إدراكها إنها سقطت بالفعل في عشقه ومنذ زمنِ طويل …
كانت النظرات المتبادلة بينهما لا توحي بما يدور في داخل كلا منهما وكانت ليلى أول من تحدثت بصوت هادئ ناعم لكنه قوي بما فيه الكفاية :-
” أنتِ مغرمة به تماما …”
لم تتوقع حياة أن تخبرها بهذا وحاولت تذكر إذا ما فعلت شيئا يدل على عشقها الشديد نحوه فهي حريصة على عدم إظهار هذا حتى أمامه هو …
” لا تتفاجئي … أستطيع جيدا معرفة ما تحملينه داخلك من مشاعر شديدة نحوه … يكفيني أن أنظر إلى عينيكِ وهما تتأملانه وأدرك مدى هيامكِ به …”
أضافت بإبتسامة ضعيفة مريرة :-
” لا أحد يدرك الأشياء جيدا سوى من جربها وبصفتي عاشقة منذ الأزل أستطيع قراءة مشاعرك بكل بوضوح …”
تلعثمت في حديثها :-
” أنا … ”
ثم حاولت أن تشد من أزرها وهي تقول بجدية :-
” أنا فقط …”
لكن ليلى قاطعتها بصوت حازم :-
” لا داعي للإنكار يا حياة … ”
وفي المقابل ردت حياة بملامح إرتسمت عليها الجدية :-
” لن أنكر ..”
ثم إسترسلت بنظرات لامعة ونبرة حالمة :-
” أنا بالفعل مغرمة به ..”
توقفت عن حديثها وهي تلاحظ تعكر ملامح ليلى قليلا لتضيف بنبرة صادقة :-
” آنا آسفة .. لم أكن أرغب بإزعاجك لكن أنتِ من بدأت الحديث …”
قاطعتها ليلى بملامح إحتدت قليلا وصوت واثق تدعي عدم الإهتمام :-
” لم أنزعج أبدا لإنني أدرك جيدا إن جميع ما تشعرين به هو من طرفك أنتِ فقط مثلما أدرك جيدا إن مشاعرك هذه لن تغدو متبادلة يوما من طرفه هو ..”
تقدمت خطوتين نحوها تضيف بنبرة جادة :-
” إبتعدي عن نديم يا حياة … قربك منه لن يجلب لكِ سوى الألم والعذاب … أنتِ فتاة رقيقة ولطيفة وتستحقين أن ترتبطي بمن يحبك ويقدرك جيدا لا بشخص قلبه ملك لإمرأة واحدة منذ الأزل وللأبد .. ”
………………………………………………………………
في الخارج وقف نديم ينتظر خروج حياة التي تأخرت في الداخل وقد سيطر عليه القلق لا إراديا لسبب لا يعلمه ..
رأى نانسي وهي تخرج بملامح مكفهرة قبل أن تتلاقي عينيها الحانقتين بعينيه المدهوشتين لتتجاهله تماما وهي تسير بعيدا عن المكان …
مر وقت اكثر ولم تخرج حياة فهم بالدخول اليها لكنه وجدها تخرج بملامح يسيطر عليها الألم والوجوم فسار نحوها يسألها بقلق عما أصابها لكنها فوجئ ليلى تخرج خلفها ..
تلاقت عيناه بعيني ليلى الثابتتين ليقبض على كف حياة ويجرها معه نحو الحفلة مجددا عاقدا عزمه على تنفيذ ما أراده ..
اما داخل الحفلة وقفت غالية تتأمل تلك الهدية التي جلبها لها الحارس بعدما أخبرها إن رجلا أنيقا في مقتبل العمر أعطاها له وطلب منه أن يوصلها لها ..
فتحت الهدية لتشهق لا إراديا متأملة ذلك العقد الماسي بتصميمه الرائع قبل أن تجذب الكارت المرفق معه والمكتوب عليه بخط شديد الأناقة :-
( أتمنى أن تعجبك هديتي .. لم أجد شيئا أغلى منه يليق بك .. كل عام وأنتِ الأغلى يا غالية .. فراس …)
لمعت عيناها وقد خطفت كلماته قلبها كما فعل العقد تماما …
اما عمار الذي كان يقف في ركن بعيد يتأمل المدعوين بجمود قيل أن يسمع صوت رنين هاتفه فيجيب على المتصل والذي لم يكن سوى راغب الذي أخبره بوضوح :-
” لقد وافق مهند على الزيجة … متى نلتقي لنتفق على كل شيء …؟!”
تشكلت إبتسامة منتصرة على ثغره قبل أن يخبره :-
” مساء الغد نلتقي … ”
وفي نفس الاثناء سحب نديم حياة الواجمة من كفها ووقف بها في منتصف المكان طالبا من الجميع الإنتباه له …
رفعت غالية وجهها من فوق الهدية منتبهة لأخيها وهي تتبادل النظرات مع والدتها كذلك رفع عمار وجهه من فوق هاتفه ينظر اليه ..
خفق قلب ليلى بعنف وتوترت نانسي وإمتعضت ملامح مريم كليا عندما هتف نديم أخيرا :-
” جميع الموجودين هنا .. أنتم مدعوون الجمعة القادمة هنا في نفس المكان حيث سأقيم حفل خطبتي على حياة …”
تجمعت الدموع داخل عيني ليلى التي لم تستطع الصمود أكثر فسارعت تركض خارج المكان ودموعها تتساقط على وجنتيها تتبعها مريم التي لم تستطع ترك أختها تخرج لوحدها في وضع كهذا …
بينما شحبت ملامح نديم كليا من تصرف ليلى لكنه أخفى ذلك وهو يرسم إبتسامته بصعوبة على وجهه متلقيا المباركة من الجميع غير منتبها الى ملامح حياة التي بهتت كليا وبدت في عالم آخر بتلك اللحظة وما حدث اليوم يفوق قدرتها بمراحل ..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)