رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السابع عشر 17 بقلم سارة علي
رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء السابع عشر
رواية حبيسة قلبه المظلم البارت السابع عشر
رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة السابعة عشر
كانت تتأمل هديته بسعادة بالغة غير مستوعبة بعد مدى روعة ما أهداها إياه عندما وجدت والدتها تدلف الى المكان أخيرا يتبعها أخيها ..
أغلقت الهدية بسرعة ووضعتها جانبا ثم نهضت تحتضن أخيها وهي تردد بسعادة :-
” أشكرك على هديتك يا نديم .. أعجبتني حقا ..”
ربت على ظهرها وهي ما زالت تحتضنه قبل أن يبعدها قليلا وهو يهمس بصدق وحب :-
” تستحقين أكثر .. فأنتِ الغالية يا غالية ..”
ضحكت بسعادة على هذه العبارة التي كان دائما ما يرددها والدها واليوم جاء دوره هو في ترديدها ..
نظرت الى والدتها التي جلست جانبها تتأملهما بسعادة حقيقية فرغم كل ما تمر به إلا إن رؤية ولديها تجمعهما كل هذه المحبة والترابط تجعلها أسعد ما يكون …
اتجهت غالية نحو والدتها تقبلها من وجنتيها وتشكرها على هديتها هي الأخرى قبل أن تهتف مشيرة إليهما :-
” كانت حفلة رائعة ، أليس كذلك ..؟!”
اومأ نديم برأسه وهو يجيب :-
” نعم ، رائعة ككافة حفلات أعياد ميلادك ..”
أضافت غالية :-
” أشعر بالكثير من الإرهاق بعد هذا اليوم الطويل المتعب ..”
سمعت والدتها تخبرها :-
” اذهبي وارتاحي .. خدي حماما دافئا ثم نامي بعدها … لقد تعبتِ كثيرا اليومين السابقين في الإعداد للحفلة ..”
شعرت غالية إن والدتها لا تريد منها أن ترتاح بقدر ما تريد منها أن تترك المساحة لتتحدث مع نديم فمنحتها إبتسامة هادئة وقالت وهي تومأ برأسها :-
” معك حق .. سأصعد الى غرفتي وأخذ حماما طويلا وأنام فورا بعدها ..”
ثم عادت تقبل والدتها من وجنتيها وتودعها ثم قبلت أخيها هو الآخر وتحركت خارج المكان تاركة نديم مع والدته التي أشارت له بالجلوس أمامها …
جلس نديم أمام والدته مبتسما بخفة مرددا بجدية :-
” قولي ما لديكِ .. انا أعلم إنك تريدين قول الكثير ..”
تنهدت والدته بصوت مسموع ثم سألته بجدية :-
” ألا ترى إنك إستعجلت بأمر إعلان خطبتك ..؟! ألم يكن من المفترض أن تنتظر قليلا ..؟!”
هز نديم رأسه نفيا ورد بسرعة :-
” أبدا .. على العكس تماما أنا إخترت الوقت المناسب لذلك ..”
سألته بحذر :-
” إذا هل انت واثق من مشاعرك يا نديم ..؟! هل أنت متأكد من خطوتك هذه ..؟! ”
أجاب بصدق ظهر في عينيه :-
” انا أريد حياة .. أريدها أكثر من اي شيء …”
قاطعته والدته بتمهل :-
” أنا أتحدث عن مشاعرك يا نديم … ”
قاطعها هو بدوره :-
” دعي مشاعري جانبا … انا أريدها بشدة ولا أريد غيرها ..”
أخذت والدته نفسا ثم قالت بتأني :-
” كيف أضع مشاعرك جانبا يا نديم وهي الأساس ..؟! ”
سألها بجبين متغضن :-
” ماذا تقصدين ..؟!”
أجابت بجدية :-
” أنت تهرب من مشاعرك .. تحاول أن تسيطر عليها أو تخفيها تماما من خلال إدخال أخرى لحياتك .. أخرى ستتخذها مسكنا لك ظنا منك إنه من خلالها ستتخطى مشاعرك وتتناساها ..”
قاطعها على الفور مدافعا عن نفسه :-
” كلا يا أمي ، الأمر ليس هكذا بالطبع .. ليس هكذا أبدًا .. نعم مشاعري ما زالت ملك ليلى لكن حياة ليست بديل او مسكن كما تظنين .. حياة هي حياة جديدة أريد أن أعيشها .. حياة هي المنحة الآلهية التي أتتني في وقت كنت أحتاجها به أكثر من أي وقت آخر … حياة هي الشيء الوحيد الذي أردته بكل ما في وأنا أدرك جيدا ما ستمنحني إياه وما بإمكاني أن أغدو معها وبوجودها …”
” وهي ..؟! ماذا عنها ..؟! هل تعلم إنك ما زلت تحب ليلى ..؟! هل تعلم إن مشاعرك نحوها هي حاجة لا أكثر …؟؟”
رد بعصبية خفيفة :-
” ليست مجرد حاجة .. انا لا أحتاجها فقط .. علاقتي بحياة ورغبتي بها أكبر من مجرد إحتياج .. شيء لا يمكنني وصفه … لكنه شيء كبير ومهم جدا .. اما عن مشاعري فهي تخصني لوحدي … لا يحق لأحد محاسبتي عليها ..”
هتفت صباح بقوة وسيطرة :-
” لا تكن أنانيا يا نديم .. أنت تخطبها ومشاعرك ملك لأخرى .. هي تستحق أن تكون في قلبك ليس سواها أحد ..”
تنهد بقوة ثم قال :-
” أمي انا لم أخبرها إني أحبها .. لم آت على ذكر سيرة المشاعر من الأساس .. لم أخدعها …”
” إن سألتك عن مشاعرك ستخبرها الحقيقة إذا ..؟!”
كان سؤالها محيرا ومربكا وظهرت الحيرة في عينيه فإبتسمت والدته بنظرة ذات مغزى وقالت :-
” هذا ما كنت أعنيه يا نديم وهذا أكثر ما يخيفني …”
” مم تخافين بالضبط يا أمي ..؟!”
سألها حائرا مرتبكا لتجيب بصدق :-
” أخاف على تلك الفتاة التي أدخلتها في دوامة معقدة كهذه .. أخاف عليها أن تفيق يوما على حقيقة إن لا مكان لها في قلبك … أخاف عليها من إنتهاء كل ما تريده وتحتاجه منها فيصبح وجودها باهتا في حياتك .. لا أريد لها هذا لإنها لا تستحق هذا أبدا … هل فهمت مم أخاف يا نديم ..؟! هل فهمت يا بني ..؟!”
ألقت كلماتها الأخيرة ونهضت من مكانها تتجه خارج الغرفة يتابعها نديم بنظراته الزائغة وهو يشعر بمرارة شديدة في حلقه وشيء ثقيل يجثم على صدره بعدما سمعه من والدته ..
…………………………………………………………….
جلست على سريرها في غرفتها التي أعدتها والدتها لها بعدما ارتدت بيجامتها الحريرية ورفعت شعرها القصير عاليا على شكل كعكة صغيرة …
تراجعت بجسدها الى الخلف تفكر بما حدث اليوم وتصرف نديم الذي فاجئها للغاية فلم تعرف ماذا تفعل وكيف تتصرف ..
لم يكن أمامها سوى مسايرته فيما قاله والمشكلة إن مسايرتها تلك تعني إن الخطبة ستتم في موعدها الذي حدده ..
تنهدت بتعب عندما سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فسمحت للطارق بالدخول ..
دلفت حنين إليها مبتسمة وهي ترتدي بيجامتها وترفع شعرها الطويل عاليا ..
اتجهت تجلس بجانبها وهي تهتف بجدية :-
” الحفلة كانت جميلة ..”
قالتها حنين وهي ما زالت تبتسم لتومأ حياة برأيها وهي تؤيد حديثها :-
” نعم هي كذلك ..”
أردفت حنين بنفس الإبتسامة :-
” انا سعيدة حقا لأجلك .. لم أكن أتوقع أن يخطبك نديم اليوم تحديدا .. لكن كيف سنخبر ماما بهذا الأمر .. ؟! أليس من المفترض أن يخطبك منها ..؟!”
هزت حياة رأسها وقالت :-
” في الحقيقة لا أعلم ما يجب أن يحدث … ولا أعلم كيف سأخبر والدتي بما حدث اليوم ..”
تأملت حنين وجه أختها الذي لا يدل على أي فرحة بما حدث فسألتها مستغربة :-
“ألستِ سعيدة يا حياة ..؟!”
صمتت حياة قليلا ثم أجابت بصدق :-
” الأمر ليس بكوني سعيدة أم لا .. الأمر يختلف تماما .. انا حائرة ومترددة وأشعر إن كل شيء يحدث بسرعة غريبة … أشعر إنني غير راضية عن كل هذا ..”
أضافت بخفوت لم تسمعه حنين التي تبدلت ملامحها السعيدة بخطبة أختها الى أخرى واجمة :-
” أشعر إن كل شيء يحدث لغاية .. غاية يريدها هو وانا من سأحققها له ليس سواي …”
سمعت حياة حنين تسألها فجأة :-
” أنت تحبين نديم ، أليس كذلك ..؟؟”
ردت حياة بسرعة :-
” بالطبع أحبه ..أحبه كثيرا …”
” لماذا إذا تظنين إن الخطبة حدثت بسرعة ..؟! طالما تحبينه ، أين تكمن المشكلة ولمَ التردد من الأساس ..؟!”
سألتها حنين بتعجب لتصمت حياة ولا ترد فتأملت حنين ملامحها المتجهمة لتسألها بجدية :-
” هل هناك ما تخفينه عني يا حياة ..؟! أقصد هل هناك شيء ما يخص علاقتكما يجعلك مترددة بل خائفة هكذا ..؟!”
تنهدت حياة ثم أجابت :-
” أنت لا تعرفين أي شيء عنا يا حنين .. لا تعرفين كيف بدأت علاقتنا بل كيف إلتقينا .. لا تعرفين ماضي نديم وما مر به …”
ابتلعت حنين ريقها وسألتها بتوجس :-
” وماهو ماضي نديم يا حياة ..؟! أخبريني فشعور القلق داخلي يزداد بسرعة مخيفة ..”
نظرت حياة إليها بتردد قبل أن تخبرها بخفوت :-
” نديم كان مسجونا لسنوات … مسجونا بتهمة بيع مواد ممنوعة في صيدليته ..”
صرخت حنين بعدم تصديق :-
” بيع ماذا ..؟! ومسجون أيضا ..؟! يا إلهي …”
قالت حياة بسرعة توبخها :-
” اصمتي يا حنين .. ستفضحيننا.. ”
تشنجت ملامح حنين وهي تسألها بعدم تصديق :-
” كيف تقبلين بشيء كهذا يا حياة ..؟! كيف تقبلين أن تتزوجي بسجين سابق و ..؟!”
قاطعتها حياة بسرعة مدافعة عنه :-
” نديم بريء .. لقد سجن ظلما .. انا أثق بهذا أكثر من أي شيء …”
صمتت حنين ولم تتحدث بينما أكملت حياة بقوة :-
” موضوع سجنه آخر ما يهمني … فأنا أحبه وأثق ببراءته .. ”
سألتها حنين بوجوم :-
” اذا مالذي يهمك ..؟! ”
أخفضت حياة وجهها قليلا قبل أن ترفعه وتأخذ نفسها ثم تجيب :-
” خطبته السابقة … فهو كان خاطب لإبنة خالته ويحبها بشدة وأنا أشعر إنه ما زال يحبها رغم كل ما حدث بينهما ..”
سألتها حنين بفضول :-
” ومالذي حدث بينهما ..؟!”
ترددت حياة قليلا لكنها أجابتها :-
” فسخت خطبتها منه بعد دخوله السجن وتزوجت من أخيه ..”
تمتمت حنين بعدم تصديق :-
” يا إلهي .. لا أصدق هذا ..”
أضافت بضيق :-
” وطالما إنك تشعرين إنه ما زال يحبها ، مالذي يجعلك تربطين نفسك به ..؟!”
توترت ملامح حياة وهي ترد :-
” انا احبه يا حنين وهو اختارني بنفسه … هو أرادني زوجة له … ربما شعوري هذا غير حقيقي وربما ما يوجد داخله مجرد شوائب ماضي سيتخلص منها عاجلا آم أجلا ..”
” في الحقيقة لا أعلم ما أقوله .. لكن الوضع يبدو لي معقدا للغاية .. من جهة سجنه لسنوات وأسباب سجنه ومن جهة مشاعره تجاه خطيبته السابقة والتي هي في نفس الوقت زوجة أخيه .. لا أعلم لماذا أشعر إنك ستدخلين في مشاكل وتعقيدات أنتِ في غنى عنها ..”
توقفت حنين عن حديثها تتأمل ملامح أختها المضطربة لتضيف بجدية :-
” وماذا عن والدتي ..؟! هل تظنين إنها ستقبل به زوجا لك بعدما تعلم بأمر حبسه …؟!”
هتفت حياة بسرعة مدافعة عنه بإستماتة :-
” أخبرتك إنه بريء كما إنني كبيرة بما فيه الكفاية لإختيار شريك حياتي المناسب لي ..”
هزت حنين رأسها بعدم أقتناع قبل أن تتبادل نظرات ذات معنى مع أختها التي أشاحت بوجهها بعيدا تحاول الهرب من نظرات حنين التي تخبرها بما تخشى منه ..
…………………………………………………………….
ساعات طويلة مرت والنوم يجافيها وعقلها لا ينفك عن التفكير بما حدث اليوم وما ينتظرها مستقبلا …
نهضت من فوق سريرها بملامح يسكنها الأرهاق ومع هذا لم تستطع النوم …
خرجت من غرفتها متجهة الى الخارج وتحديدا الى الحديقة الخارجية للفيلا ..
كانت حديقة الفيلا واسعة وجميلة والجو رائع في هذه الأشهر من السنة حيث الهواء الدافئ يلفحها قليلا فيمنحها القليل من الإنعاش ..
أخذت تسير في الحديقة المظلمة ما عدا قليل من الضوء ينبعث من الأضواء المعلقة في أطراف المكان وعقلها يعاود التفكير بنفس الموضوع …
تذكرت كلمات حنين واستنكارها لما قالته وإرتباطها بنديم رغم كل التعقيدات المحيطة به ..
تعترف هي بدورها بكل هذه التعقيدات لكن هناك شعور قوي داخلها يخبرها إنها ستتجاوزها ويتجاوزها هو معها …
شعورها يخبرها إنهما سيتحرران سويا من كل مساوئ الماضي ويعيشان الحياة التي لطالما حلما بها ..
ربما نديم يراها طوق نجاته من ماضيه المعقد وما يمر به لكنه لا يعلم إنها ترى به حلم عمرها الذي إنتظرته لسنوات فهي دوما ما كانت تؤمن بالحب والإرتباط برجل تحبه .. رجل تحارب الحياة معه وتبني معه أسرة فشلت هي في الحصول عليها .. كانت تبحث عن هذا الرجل دائما وكانه تنتظر ظهوره وعندما وقعت عيناها على نديم عشقته .. عشقته بحق رغم كل شيء ورغم كل ظروفه وما عرفته عنه .. عشقته وهي تدرك إنها لن تعشق سواه لذا وجدت إن عليها أن تحارب .. تحارب في سبيل العشق الذي لن يزورها مجددا بعده …
أخذت نفسا عميقا عدة مرات ثم إلتفتت تهم بالعودة عندما إصطدمت بوجوده أمامها يرمقها بذات النظرات الغريبة التي لم ترتح لها مطلقا ..
كتمت شهقة مذعورة كادت أن تخرج منها بينما تحدث هو بصوت رجولي رخيم :-
” ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت من الليل ..؟! ألم تستطيعي النوم مثلي ..؟!”
إبتلعت ريقها وهي تجيبه :-
” نعم .. فقدت قدرتي على النوم ..”
سألها بإهتمام :-
” كيف كانت حفلة اليوم ..؟! ”
ردت بهدوء مصطنع :-
” جميلة .. ”
اومأ برأسه وهو يبتسم بخفوت بينما تأملت ملامحه الوسيمة والحادة في نفس الوقت بتردد ..
” لقد مر الكثير على آخر مرة كنت فيها هنا ..”
قالها ويبدو إنه يفتح معها مجالا للحوار وهي بطبيعتها العفوية سألته :-
” لماذا ..؟! متى آخر مرة كنت فيها هنا ..؟!”
رد وهو يزفر نفسه بعدما رفع بصره عاليا يتأمل السماء المظلمة بنجومها اللامعة :-
” لقد غادرت البلاد هنا في التاسعة عشر من عمري … لأجل دراستي الجامعة .. ولم أعد حتى قبل يومين … بقيت أكثر من ثمانية أعوام في الخارج ..”
سألته بإهتمام :-
” ألم تضجر هناك لوحدك ..؟!”
أخفض وجهه يمنحها إبتسامة خاصة وهو يجيب :-
” لم أكن لوحدي …والدتي كانت معي وبعضا من أقاربها ..”
تمتمت بتفهم :-
” أها .. جيد …”
” وأنت ..؟! أين كنتِ تسكنين سابقا ..؟! مع والدك ..؟!”
أجابت وقد ظهر الحزن عليها تلقائيا ما إن جلب سيرة والدها :-
” نعم كنت أسكن معه .. كنا سويا لوحدنا …”
بدا مترددا وهو يقول :-
” كنتِ تقاطعين والدتكِ .. أليس كذلك ..؟!”
تعجبت من معرفته لكنها أومأت برأسها دون رد ليتفهم رغبتها بعدم الحديث فيصمت هو الآخر رغم رغبته بالتحدث معها أكثر ..
وجدها تهتف ويبدو عليها الخجل :-
” حسنا سأذهب الى غرفتي .. عسى ولعل أستطيع النوم هذه المرة…”
ثم هتفت بنبرة رقيقة قبل رحيلها :-
” تصبح على خير ..”
تابعها وهي ترحل دون انتظار جوابه ليهتف بخفوت وتثاقل :-
” وانتِ من أهل الخير .. يا حياة …”
دلفت حياة الى غرفتها وأغلقت الباب خلفها …
جلست على سريرها تعبث في هاتفها عندما فوجئت به يتصل بها ..
إضطربت قليلا لكنها أجابته أخيرا فسمعته يقول :-
” ما زلتِ مستيقظة حتى الآن ..”
ردت :-
” نعم .. لم أستطع النوم رغم محاولاتي لذلك ..”
” انا ايضا لم أستطع النوم ..”
قالها بجدية فسمع صوت تنفسها الثقيل فسألها بإهتمام :-
” ماذا كنتِ تفعلين اذا ..؟! ”
ردت بصدق :-
” كنت في الحديقة .. تمشيت قليلا وتحدثت مع نضال ثم صعدت الى غرفتي ..”
” تحدثتِ مع من ..؟!”
سألها بغضب مكتوم لتجيب ببساطة :-
” مع نضال … ابن زوج والدتي .. رأيته في المشفى ..”
قاطعها بضيق :-
” هل يقيم معكِ في نفس المنزل ..؟!”
أجابته ببديهية :-
” بالطبع .. أليس منزل والده ..؟!”
سألها مجددا من بين أسنانه :-
” وهل ستبقين أنتِ مقيمة في منزل والدتك ..؟!”
ردت وهي تتنهد بصمت :-
” لا أعلم .. يجب أن أتحدث مع والدتي بشأن هذا الموضوع .. أود كثيرا العودة الى منزلي فأنا لم أعتد على المبيت خارجه .. ”
قال بسرعة :-
” بالطبع يجب أن تعودي … ”
” ماذا حدث يا نديم ..؟! هل يزعجك وجودي في منزل والدتي ..؟!”
سألته بتعجب ليجيب بجدية :-
” يزعجني قليلا .. فوجودك مع شاب غريب في منزل واحد لا يعجبني ..”
هتفت بسرعة وعفوية :-
” لكن نضال يبدو شابا محترما وهو ابن السيد أشرف وأخو حنين ..”
هتف نديم بنزق :-
” وما علاقة هذا بما قلته ..؟! أنا لا أحب أن تسكن خطيبتي في منزل مع شاب غريب عنها ..”
ابتسمت وهي تقول :-
” لم أصبح خطيبتك بعد يا نديم ..”
رد معاندا :-
” ستصبحين بعد أيام قليلة …”
” لا أحب أن تتحكم بي ..”
نطقتها بصدق فرد بتجهم :-
” هناك أمور يحق لي التحكم بها يا حياة ..”
شعرت بالتعب والرغبة في النوم تسيطر عليها فهتفت تنهي الحوار بعدما زاغت عينيها بشدة :-
” تصبح على خير يا نديم .. نتحدث لاحقا ان شاءالله ..”
بالكاد استطاعت سماع صوته وهو يودعها لتتثائب بخفة قبل ان تسقط على سريرها نائمة بعمق ..
…………………………………………………………..
في صباح اليوم التالي …
تجلس على مكتبها بإنتعاش شديد والتهاني تنهال عليها من أغلب الموظفين …
عقلها ما زال شاردا في هدية البارحة وقلبها يرفرف من السعادة كلما تذكرت كلماته …
حملت هاتفها تتأمل رقمه الذي حصلت عليه من سكرتيرة عمار تطالعه بتردد ..
تريد الإتصال به وشكره على هديته من جهة وتتردد على فعل ذلك من جهة أخرى …
حسمت أمرها أخيرا وضغطت على زر الاتصال فهي يجب أن تشكره على هديته الغالية في كافة الأحوال ..
لحظات قليلة وجاءها صوته الرخيم فتنحنحت تهتف بصوت مبحوح :-
” صباح الخير سيد فراس .. انا غالية …غالية الخولي ..”
رد عليها بهدوء وترحيب :-
” اهلا غالية هانم .. كيف حالك ..؟! سعدت بإتصالك حقا ..”
ابتسمت بخفة وهي تجيب :-
” انا بخير وانت بالتأكيد تعرف سبب إتصالي ..”
رد مرواغا :-
” أظن إنني أعرفه ..”
ضحكت وهي تقول :-
” لا داعي للمراوغة يا بك .. اتصلت بك لأشكرك على الطقم رغم إنه لم يكن هناك داعي لهدية غالية كهذه …”
هتف بصدق :-
” الغالي لا نجلب له سوى الغالي مثله يا غالية ..”
ابتسمت بصمت بينما عقب هو على حديثه يسألها بإهتمام واضح :-
” هل أعجبك الطقم حقا ..؟!”
أجابت بصدق :-
” أعجبني كثيرا وأعجبني الكارت وما مكتوب فيه أكثر ..”
رد بخفة :-
” كتبت ما أشعر به بكل عفوية ممكنة ..”
ضحكت بخفة بينما قال هو برجاء :-
” أريد رؤيتك الآن حالا يا غالية أكثر من أي وقت … ”
أضاف بشوق ظهر جليا في نبرته :-
” أريد رؤية وجهك الصبوح وطلتك البهية .. اسمحي لي بذلك ..”
تنحنحت بتردد قبل أن تهتف بصوتها المبحوح قليلا :-
” حسنا .. أين تريد أن نلتقي ..؟!”
قال بسرعة ولهفة :-
” في أي مكان ترغبينه ..”
ابتسمت وقالت :-
” هناك مطعم أحبه كثيرا .. يمكننا أن نلتقي به ..”
ثم أعطته اسم المطعم واتفقت على لقاءه بعد ساعة ..
وبالفعل بعد حوالي ساعة دلفت غالية الى المطعم لتجده يجلس على احدى الطاولات ولم ينتبه لوصولها بعد ..
سارت بخطواتها الأنيقة نحوه لينتبه لوجودها أخيرا فينهض من مكانه بلا وعي متأملا طلتها الأنيقة الرائعة بإعجاب ظهر بعينيه البنيتين …
وصلت إليه أخيرا وهي تمنحه إبتسامة رقيقة وتمد يدها نحو بتحية فيلتقط هو يدها ويقبلها بخفة أرسلت القشعريرة داخلها …
جلست أمامه بعدها تطالعه بقليل من الحرج قبل أن تهتف بصدق :-
” ربما لم تصدقني لو أخبرتك إنها المرة الأولى التي أجلس بها مع شخص غريب في مكان عام ..”
قال بسرعة :-
” أصدقك بالطبع … بل وأعلم هذا قبل أن تخبريني عنه ..”
سألته بإستغراب :-
” ومن أين تعلم ..؟!”
رد وهو يبتسم بثقة :-
” أعلم الكثير عنك يا غالية .. ولا تسألي من أين تعلم فأنا لي مصادري الخاصة ..”
لم يعجبها ما قاله لكنها تجاهلته وهي تسأله :-
” إذا ما غايتك من رؤيتي ..؟! لماذا أصريت على رؤيتي يا فراس ..؟!”
ابتسم مرددا بهدوء :-
” ألم أخبرك إنني أشتاق لرؤية وجهك الجميل وطلتك الرائعة ..”
حذرته بنبرتها القوية :-
” فراس !! انتبه على كلامك فأنا لن أقبل بأي من كلماتك السابقة وغزلك الفج ..”
ضحك متراجعا الى الخلف قليلا ثم قال بصدق :-
” صدقيني انا لست بهذه الوقاحة التي تظنينها .. لكن جمالك من يجبر الشخص على التحدث بطريقة كهذه .. ألا تدركين قيمة جمالك يا غالية ..؟! ”
رفعت رأسها بشموخ تردد بثقة :-
” بل أدركه جيدا .. ”
غمغم بخفوت :-
” إذا لماذا تلوميني على تغزلي بك … ؟! كيف تريدين مني ألا أتغزل بك وأنا أمامي توجد أكثر إمرأة جمالا وأنوثة رأيتها في حياتي ..”
شعرت بالخجل يغزوها لكنها تماسكت وهي تصر على رأسها :-
” حتى لو .. لا يجب أن تتحدث بهذه الطريقة الفجة .. طريقتك غير مقبولة إطلاقا بالنسبة لي …”
هتف بصدق :-
” أعدك إنني لن أكررها … صدقيني انا لست هكذا دائما .. لا أعرف كيف أقنعك بهذا ..”
ردت بحيادية :-
” دع الأيام والمواقف تثبت لي ذلك ..”
ابتسم ثم أشار الى النادل كي يجلب لهما قائمتي الطعام …
بعد مدة اختار كل منهما ما يريده ودون النادل طلباتهما ورحل ..
عاد ينظر إليها راسما فوق ثغره إبتسامة صادقة بينما تقابله هي بإبتسامة خفيفة عندما وجدته يقول :-
” انتِ لا تدركين مدى سعادتي بوجودنا سويا هنا … لم أصدق نفسي عندما وافقتِ على رؤيتي …”
ردت بصدق وبحة أنثوية مميزة :-
” في الحقيقة انا ترددت كثيرا في قبول عرضك لكنني وجدت نفسي أرغب بإعطائك فرصة … ”
” هذه فرصة لكلينا يا غالية فأنا جدي للغاية وأرغب أن نتعرف على بعضنا جيدا قبل أن نأخذ خطوة أكثر جدية مستقبلا .. ”
إضطربت قليلا لكنها سيطرت على إضطرابها وهي ترد بثقة :-
” حسنا .. سيكون أمامنا الكثير من الوقت لنتعرف على بعضنا .. لا مانع من ذلك طالما كل شيء يحدث في إطار لا يخلو من الصدق والإحترام ..”
طالعها بإعجاب وهو يرى بها كل مميزات المرأة التي يحبها .. جمال وثقة وذكاء … لا يعلم لماذا تذكر أخرى لم تحمل كل تلك الميزات متجمعة فيها كغالية لكنها سكنت قلبه وسيطرت عليه رغم كل شيء وما زالت تسكنه حتى الآن .. حاول طردها بعيدا عن افكاره والتركيز مع تلك الفاتنة التي تجلس أمامه فهي من رحلت عنه وإختارت تركه ..
أفاق من شروده على صوت رنين هاتفه فأجاب بعدما اتسعت إبتسامه قائلا :-
” اهلا حبيبي … حسنا سأمر عليك اليوم .. سأجلب لك كل ما طلبته … لا تقلق .. أوصل قبلاتي لجدتك …”
أغلق الهاتف وقال مشيرا إليها :-
” هذا ابني .. يوصيني أن أجلب له ما طلبه صباحا من العاب …”
شحب وجهها لا إراديا وهي تسأله :-
” هل أنت متزوج ..؟!”
ضحك بخفة واجاب :-
” بالطبع لست متزوجا يا غالية .. كنت متزوجا .. اما الآن فأنا منفصل .. منفصل ولدي صبي في السادسة من عمره .. ”
فاجئها ما قاله فلم تتوقع هذا عنه وشعرت كأن دلو من الماء البارد سقط فوق رأسها .. منفصل ولديه طفل ايضا .. يا لحظها العاثر .. حاولت رسم إبتسامة مصطنعة على ثغرها تخفي بها شعورها هذا فخرجت إبتسامتها مرتعشة قليلا كإرتعاشة جسدها عندما سمع ما قاله ..
……………………………………………………………
دلفت حياة الى صالة الجلوس حيث تجلس والدتها مع اختها ..
استقبلتها والدتها بإبتسامة سعيدة مرحبة عندما سألتها وهي تبتسم لها بدورها :-
” كيف أصبحت اليوم ..؟!”
أجابتها والدتها وهي تعتدل في جلستها حيث تستدير نحو الكرسي الذي جلست عليه هي :-
” بأفضل حال طالما انتِ معي ..
ابتسمت حياة بخفة بينما قالت حنين وهي تنهض من مكانها بحماس :-
” سأعد لكما عصير البرتقال الطازج .. كنت أنتظر قدومك كي نتناوله سويا ..”
” حسنا ..”
قالتها حياة بإبتسامة لتخرج حنين من المكان فتبتسم حياة لوالدتها بتردد واضح ..
سألتها والدتها بإهتمام :-
” هل تودين قول شيء ما يا حياة …؟! تبدين متوترة على غير العادة ..”
تنحنحت حياة وقالت بعد لحظات :-
” تعرفين نديم ، أليس كذلك ..؟!”
أومأت والدتها برأسها وهي تهمس بتذكر :-
” ذلك الشاب الذي كان والدك يعمل في منزله ..”
هزت حياة رأسها ترد :-
” نعم هو بذاته ..”
” ما به ..؟!”
سألتها والدتها لتجيب حياة :-
” تقدم لخطبتي … ”
صمتت قليلا ثم أضافت :-
” وانا وافقت ..”
صمتت والدتها قليلا تتأمل ملامح ابنتها المحرجة لتبتسم محاولة ازالة الإحراج من عليها :-
” حسنا .. من الطبيعي ألا تفكري بأخذ رأيي فنحن لم نكن نتحدث سويا قبلها و ..”
قاطعتها حياة بجدية :-
” انا اسفة لكن كل شيء حدث بسرعة ..”
ابتسمت والدتها مرددة بتسامح :-
” لست منزعجة منك .. ”
أضافت تسألها بحماس وهي تقبض على كفيها :-
” أخبريني .. هل تحبينه ..؟!”
أومأت حياة برأسها بخجل ثم قالت بجدية :-
” هناك أمر هام يجب أن تعلمينه بخصوص نديم ..”
حدقت والدتها بها بإهتمام لتقول حياة بتردد واضح :-
” نديم كان مسجونا لعدة سنوات ..”
جحظت عينا والدتها وهي تردد بعدم تصديق :-
” كان ماذا ..؟! مسجونا ..؟!”
هزت حياة رأسها دون رد لتسألها والدتها بصوت مرتجف :-
” لماذا ..؟! ما هي تهمته ..؟!”
أجابتها حياة بصعوبة :-
” بيع مواد مخدرة وممنوعات في صيدليته …”
أضافت بسرعة :-
” لكنه بريء .. انا أثق بهذا …”
طالعتها والدتها تردد مستنكرة :-
” كيف توافقين عليه يا حياة ..؟! خريج سجون ..؟! وبالطبع تم سحب رخصة الصيدلة منه ولا يمكنه مزاولة مهنته مجددا ..”
أومأت حياة برأسها وهي تخفض بصرها للأسفل لتسألها والدتها بضيق :-
” هل أنتِ واعية لتصرفك ..؟! هل تستوعبين ما انتِ مقبلة عليه ..؟! كيف توافقين أن تربطي حياتك بشخص مستقبله مجهول بل لا مستقبل له ..”
رفعت حياة بصرها تدافع عن نديم بقوة :-
” نديم سيبني مستقبلا جديدا لها بعيدا عن مهنته الاصلية .. هو ليس اول من يمر بشيء كهذا … وهو مظلوم .. مظلوم يا ماما وانا بالطبع لن أتخلى عنه وأظلمه كالبقية .. انا سأقف معه وأساعده في احياء مستقبله من جديد ..”
أضافت بجدية وإصرار :-
” انا أحبه ماما .. أحبه كثيرا .. أحبه ولن أحب غيره ولهذا سأقف معه دائما وأتقبله كما هو بكل ما فيه … ”
نظرت والدتها إليها بعدم رضا بينما نهضت حياة من مكانها وقالت بحسم :-
” أنا أخبرتك بوضعه وما حدث معه مسبقا وأخبرتك أيضا إني متمسكة به حتى آخر رمق .. القرار لك بعد الآن .. إما أن تتقبلين إرتباطنا وتباركيه او ترفضيه تماما .. في الحالتين أنتِ حرة في قرارك …”
رحلت بعدها تاركة والدتها تتابعها بملامح مكفهرة غير مصدقة بعد ما سمعته من ابنتها الكبيرة ..
……………………………………………………………
كانت تسير داخل غرفتها ذهابا وإيابا وهي تفكر بما حدث البارحة ..
لقد أعلن خطبته منها بل حدد الاسبوع القادم موعدا لحفل الخطبة ..
داس عليها بكل قسوة ممكنة وأعلن ذلك أمامها غير مباليا بها وبمشاعرها …
كيف طاوعه قلبه على ذلك ..؟! كيف استطاع فعلها ..؟!
أدمعت عيناها مجددا وكأنها لم تكتفِ من بكائها طوال الليلة السابقة ..
هطلت دموعها بغزارة وهي تشعر بروحها تختنق بشده فحب عمرها يضيع من بين يديها ويذهب لأخرى ..
زفرت أنفاسها وهي تمسح دموعها بأناملها تحاول أن تسيطر على نفسها فالبكاء لن ينفعها ..
عليها أن تكون قوية وتحارب في سبيل عشقها لا أن تبقى في مكانها تبكي وتندب حظها …
توقفت عن البكاء أخيرا وفي عينيها تصميم وعزم …
سارت نحو خزانة ملابسها وأخرجت لها ملابسا أنيقة بدأت في ارتدائها ..
وضعت المكياج الذي يخفي آثار بكائها ثم رفعت شعرها الأشقر عاليا وحملت حقيبتها وخرجت من المكان ..
حمدت ربها إنها لم تقابل أحدا من عائلتها في طريقها فلا ينقصها ان تسمع عبارات المواساة من أيا منهم خاصة بعدما فعلته البارحة ورحيلها منهارة من الحفلة بشكل مخزى ستأخذ وقتا طويلا حتى تتجاوزه ..
ركبت سيارتها وقادتها متجهة حيث شركته ..
وصلت الى هناك بعد مدة وهبطت منها متجهة الى مكتبه ..
دلفت الى الداخل بعدما سمحت السكرتيرة لها بالدخول لينهض من مكانه مستقبلا إياها بإبتسامة واسعة مستفزة مرددا بشماتة :-
” كنت أعلم إنك ستأتين بعدما حدث البارحة .. الموقف كان صعبا للغاية .. أعلم ذلك ..”
سألته بملامح مستنفرة :-
” متى ستطلقني ..؟!”
أجاب ببرود :-
” أخبرتك مسبقا .. سأطلقك عندما يحين الوقت المناسب …”
هتفت بتهكم :-
” الوقت المناسب سيأتي عندما يتزوج نديم من تلك الفتاة ..”
” ذكية يا لولا ..”
رددها عمار بسخرية لتهتف وهي تكز على أسنانها بغيظ :-
” ألن تتوقف عن حقارتك مهما حدث ..؟! ألا يكفيك ما فعلته بنا جميعا حتى الآن ..؟!”
هتف بلا مبالاة وهو يتأملها بقوة :-
” انا لم أجبرك على شيء يا ليلى .. ارفعي دعوة طلاق كما تريدين .. اذهبي واخبري نديم الحقيقة .. لكن دون أن تلوميني على ردة فعلي … ”
أضاف وعيناه تسيران على ملامح وجهها الكارهة بتمهل :-
” لا تلوميني عندما أسجن والدك ولا تلوميني عندما أؤذي أحدا من افراد عائلتك .. أنت تدركين جيدا إنه بإمكاني فعل الكثير ..”
أومأت برأسها تكتم غضبها بصعوبة :-
” نعم أعلم .. أعلم مقدار إجرامك .. أعلم مدى قذارتك .. أعلم إنك تفعل كل شيء قذر وحقير ممكن … لا تقلق يا عمار .. أنا أكثر من يعلم هذا ..”
” جيد لولا ..أنت تعلمين كل هذا والقرار في النهاية لكِ ..”
احتدت نظراتها كليا وهي تطالعه قبل أن تقترب بوجهها من وجهه تهمس له بقوة :-
” ستدفع ثمن كل هذا غاليا يوما ما يا عمار .. أعدك بهذا ..”
ثم اندفعت خارجة من المكان متجاهلة دموعها التي تساقطت من عينيها بغزارة يتابعها هو بنظراته المتهكمة قبل أن تدلف سكرتيرته تخبره بقدوم ضيوفه وهما راغب ومهند الهاشمي ..
………………………………………………………….
كان عمار يجلس على مكتبه مقابله يجلس كلا من راغب ومهند يتبادلان النظرات بينما عمار يتابعهما ببرود …
نطق عمار أخيرا :-
” اذا أنت موافق على الزواج من أختي يا مهند ..؟!”
أجاب مهند من بين أسنانه وهو يرمق أخيه بنظرات حانقة :-
” نعم موافق ..”
نظر عمار الى راغب وقال مشيرا اليه :-
” راغب بك .. الزواج مقابل ملكية الشركة … بمجرد زواج مهند من جيلان ستحصل على ملكية شركة عمك الراحل هذا بالنسبة لكم اما بالنسبة لجيلان ..”
صمت قليلا ثم قال وهو ينظر الى الاخوين :-
” فهناك شروط تخص هذه الزيجة يجب أن يعلم بها مهند وأنت أيضا ..”
” أية شروط ..؟!”
سأله مهند بضيق ليبتسم عمار ببرود وهو يجيب :-
” مبدئيا أملاك جيلان المتبقية ستبقى تحت تصرفي حتى تبلغ عامها الحادي والعشرين وتتصرف هي بها كما تشاء .. وهذا سيتم تسجيله بعقد صريح وواضح ..”
رد مهند بلا مبالاة :-
” لا تهمني أملاكها في جميع الأحوال ..”
” جيد ..”
قالها عمار بإقتضاب قبل أن يضيف :-
” ستتزوج منها لمدة لا تزيد عن عامين .. حيث ستقضي عامها الدراسي الأخير في الثانوية كزوجة لك وما بعدها من فترة تسبق الجامعة .. بعد دخولها الجامعة ستطلقها بكل هدوء ولن نطالب بأي حقوق تخصها من مؤخر صداق وغيرها … ”
هتف راغب نيابة عن أخيه :-
” ولكن نحن سنكتب لها مؤخر صداق يليق بها كإحدى بنات الهاشمي ..”
قاطعه عمار بفتور :-
” هذا شيء خاص بكم .. إن أردتم ذلك فلن أمنعكم بالطبع ..”
أضاف بعدها بجدية :-
” من حديثي قبل لحظات واضح جدا إن أكثر ما يهمني مستقبلها الدراسي .. لذا ستجلب لها مدرسين خصوصيين في جميع المواد الدراسة يتابعون معها دراستها ولن تبخل عليها بأي شيء يخص الدراسة ..”
اومأ مهند برأسه على مضض بينما أكمل عمار بنبرة بدت أكثر قوة هذه المرة :-
” والأهم من هذا كله .. ستعدني ألا تسمح لأيا كان أن يؤذيها ولو بكلمة .. ستحميها من الجميع وتحافظ عليها جدا .. لن يؤذيها أو يجرحها أي أحد .. لن أقبل أن تتألم أو تجرح أو تهان وإذا حدث ذلك فتصرفي حينها لن يعجبك يا مهند .. وانت يا راغب بك شاهدا على حديثي …”
هتف راغب بجدية :-
” جيلان ابنة عمنا يا عمار .. تهمنا كثيرا مثلما تهمك .. لن يمسها أحدا بسوء … كن واثقًا من ذلك ..”
هتف مهند بنفاذ صبر من هذا المتعجرف وإسلوبه الذي لا يطاق :-
” هل هناك شروط أخرى ..؟!”
اومأ عمار برأسه وقال :-
” نعم .. آخر شرط …”
صمت قليلا ثم قال :-
” لن تلمسها أبدا ..”
هتف بها عمار بغلظة ليسأله مهند بعدم إدراك لمقصده :-
” عفوا ..؟!”
كرر عمار حديثه بقوة وثبات :-
” لن تلمس جيلان مهما حدث .. لن تقترب منها طوال فترة زواجكما .. زيجتكما ستكون على الورق فقط …”
تبادل مهند مع أخيه نظرات غير مصدقة قبل أن يعاود النظر الى عمار مرددا ببلاهة :-
” هل تمزح معي ..؟!”
لكن عمار حافظ على جديته وهو يضيف بتحذير :-
” وإن فعلتها يوما ولمستها يا مهند فسأقتلك بيدي هاتين .. هما عامان فقط بل أقل ويذهب كلا منكما لحال سبيله .. عامان لن تقترب منها ولو بالخطأ حتى ..”
تجمدت ملامح مهند تماما وهو يرد بجفاء :-
” لا تقلق .. لم أكن أنوي فعل ذلك من الأساس .. فأنا لا أهوى معاشرة القاصرات …”
” هذا رائع …”
قالها عمار بصلابة قبل أن يضيف بإبتسامة رسمية لا تخلو من التصنع :-
” اتفقنا اذا ..”
………………………………………………………..
دلف عمار الى غرفتها بعدما طرق على الباب بخفة ..
تأملها وهي تجلس على سريرها ترسم على إحدى الاوراق البيضاء وتركيزها بالكامل منصب على تلك الورقة ..
” جيلان .. اريد الحديث معك ..”
قالها بصوته الرخيم لتنتبه إليه فترفع وجهها نحوه تقابل ملامحه الصلبة ليتقدم نحوها ويجلس جانبها متأملا تلك الورقة بما تحويه من شخابيط لا تعني شيئا ..
نظرت إليه جيلان بتساؤل فهتف بصوت متحشرج قليلا لا يخلو من التردد :-
” ستتزوجين ابن عمك …”
تشنجت ملامحها كليا ليخرج صوتها أخيرا يتسائل بضعف :-
” ماذا قلت ..؟!”
كرر ما قاله بقوة أكبر :-
” قلت ستتزوجين ابن عمك مهند يا جيلان …”
هزت رأسها نفيا تعترض على حديثه رغم ضعفها الواضح :-
” كلا .. انا لا أقبل .. مستحيل ..”
قبض عمار على ذراعها يخبرها بجدية وصدق :-
” جيلان اسمعيني .. هذا افضل لك … انا أحاول أن أرد لك شرفك وكرامتك من خلال هذه الزيجة ..”
” أنت تذبحني مجددا ..”
قالتها ببرود سيطر عليها فجأة ليهتف برجاء يصدر لأول مرة منه :-
” افهميني من فضلك … انا أفعل كل هذا لأجلك .. انت يجب أن تتزوجي … لا حل آخر أمامنا سوى هذا …”
هتفت والدموع بدأت تملأ عينيها وشفتاها أخذتا ترتجفان :-
” لا أريد .. لا أريد أن أتزوج .. ولا أريد أبناء أعمامي .. انا لا أحبهم اصلا .. أكرههم جميعا ..”
” جيلان .. ثقي بي من فضلك ..”
انتفضت من مكانها تهتف بدموع لاذعة :-
” انت تريد التخلص مني … تريد إعطائي لهم كي تتخلص من مسؤوليتي التي تزعجك .. تريد تسليمي لأولئك الذين يكرهوني ويكرهون والدتي أكثر من أي شيء … ”
أضافت باكية :-
” سيؤذوني يا عمار .. سيعذبوني ..”
تقدم عمار نحوها قابضا على كتفيها بقوة مرددا :-
” اقسم لك إنني أفعل ذلك لأجلك .. انا لا أريد التخلص منك يا جيلان .. انا اريد مساعدتك .. اريد أن تستعيدي شرفك كي تستطيعي العيش برأس مرفوع .. زواجك من ابن عمك هو الحل .. وانا اعدك إنه زواج مؤقت سينتهي بأسرع وقت ولكنك ستكسبين نفسك بعدها … ”
هزت رأسها نفيا وهي لا تتقبل فكرة الزواج أبدا بينما أضاف عمار بتأكيد :-
” لن أسمح لأيا منهم أن يؤذيكِ .. لن يستطيعوا فعل ذلك لإنني سأعاقبهم بقسوة إن فعلوا .. سأكون جانبك في جميع الأحوال .. تأكدي من ذلك ..”
” لا أريد .. لا أريد أن أتزوج .. اتركني هكذا … لا أريد أي شيء ..”
قالتها بإصرار باكي ليتنفس بصعوبة ثم يصرخ بها غاضبا :-
” ماذا تريدين اذا ..؟! تبقين هكذا ..؟! تعتزلين العالم في غرفتك بعدما فقدتِ شرفك … تريدين أن تبقي بلا شرف … نحن في مجتمع لن يتقبل ما حدث لك مهما حدث .. تريدين البقاء طوال حياتك تعانين من عار ما حدث لك …”
انتفض من مكانه قابضا على ذراعها بقسوة مرددا بعصبية مخيفة :-
” أخبريني من فعل ذلك .. أعطيني إسمه .. أخبريني هيا .. سأقتله .. لن أرحمه ..”
” لا أعرفه .. لا أعرفه .. أخبرتك بذلك ..”
صرخت بها بأعلى ما يمكن قبل أن تسقط أرضا وهي تضرب صدرها بوجع وإنهيار ليتأملها عمار بألم شديد قبل أن ينحني نحوها محاولا إحتضانها فتدفعه بقوة ..
كرر محاولاته لأكثر من مرة حتى إستجابت له أخيرا وقد فقدت قوتها تماما وبدأت في فقدان وعيها تدريجيا ..
وقبل أن تفقد وعيها بين ذراعيه كان آخر ما رددته :-
” لا أعرفه .. لا أعرفه .. لا اريد الزواج .. لا تزوجني منه ..”
…………………………………………………………..
فتح نديم باب شقته ليجد ليلى أمامه تطالعه بنظرات ثابته تخفي خلفها الكثير …
” ليلى ..”
همس بها بتردد لتدلف الى الداخل وتغلق الباب خلفها جيدا قبل أن تشير إليه أن يتقدم إلى الداخل ليتحدثا …
سار خلفها حتى وقفا في منتصف صالة الجلوس حيث استدارت له تسأله بقوة وثبات رغم ألمها الشديد منه :-
” لماذا فعلت هذا ..؟! لماذا يا نديم ..؟!”
سألها بعدم فهم:-
” عم تتحدثين بالضبط يا ليلى ..؟!”
ردت بنفاذ صبر :-
” أتحدث عن خطبتك من تلك الفتاة .. لماذا تفعل بي هذا ..؟! هل تحاول أن تنتقم مني من خلالها ..؟!”
رد بجدية رغم ضيقه من تفكيرها هذا :-
” أنت أكثر من يعلم إنني لا أفكر بهذه الطريقة ولن أفعل .. أنا اريد حياة زوجة لي ولهذا خطبتها .. ”
” انت تدمر نفسك وتدمرني معك وتدمرها هي ايضا .. ”
قالتها بجدية قبل أن تضيف بعتاب مؤلم :-
” تتخلى عن حبنا بكل قسوة ممكنة ..”
” حبنا .. ”
هتف بها ساخرا قبل أن يضيف :-
” حبنا لم يعد موجودا يا ليلى .. حبنا انتهى منذ زمن …أنتِ قتلتي حبنا بما فعلتيه .. قتلتيه عندما تزوجت بآخر .. آخر كان أخي ..”
صاحت بدموع حارقة :-
” كنت مجبرة .. مجبرة وانت اكثر من يعلم هذا ..”
” وهذا لن يغير من حقيقة إنك أصبحتِ ملكا لأخي .. لن يغير من هذه الحقيقة شيئا ..”
قالها بخيبة واضحة لتهتف بأسى :-
” لم أكن ملكه يوما يا نديم … كنت لك دائما .. ملكك انت حتى وأنا على ذمته ..”
منحها إبتسامة متهكمة لتجد نفسها تهتف بلا وعي :-
” انا لم أصبح ملكا لغيرك يا نديم أبدا … حتى إنني لم أمنح نفسي لعمار ولا مرة واحدة طوال تلك السنوات …”
تغضنت ملامحه بقوة وهو يسمع ما تقوله فسألها بإرتباك :-
” ماذا تقصدين ..؟!”
ردت بصلابة :-
” أقصد ما فهمته … زيجتي من عمار لم تكن حقيقية أبدا .. كانت على الورق فقط .. طوال سنوات لم أسمح له أن يمتلكني .. وعندما كاد ان يفعلها طعنت نفسي … فضلت الموت على أن أكون له ..”
هز رأسه نفيا يرفض تصديق ما تقوله .. هل زواجهما كان على الورق فقط ..؟؟ هل حاولت الإنتحار يومها لهذا السبب ..؟!
سمعها تضيف والدموع الحارقة تتحرر من عينيها وتسقط فوق وجنتيها بغزارة :-
” لم أكن أسمح لنفسي بأن أكون ملكا لغيرك .. لم أكن لأسمح بهذا أبدا ومهما حدث .. فأنا لك أنت فقط يا نديم .. لك وحدك وللأبد ..”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)