رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الرابع عشر 14 بقلم سارة علي
رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الرابع عشر
رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الرابع عشر
رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الرابعة عشر
في صباح اليوم التالي
فتحت حياة عينيها على صوت المنبه لتعتدل في جلستها بعد لحظات وهي تتثائب بخفة ..
نهضت من فوق سريرها واتجهت نحو الخزانة حيث أخرجت ملابسها السوداء كالعادة وشرعت في إرتدائها …
خرجت من الغرفة بعدما إنتهت من ارتداء ملابسها وتسريح شعرها لتتفاجئ بأختها قد أعدت الفطور لهما ..
ابتسمت حنين ما إن رأتها وهتفت بنبرة مرحة :-
” الفطور جاهز يا هانم ..”
ابتسمت حياة وهي تتجه نحو الطاولة وتجلس عليها قبل أن تشير الى حنين قائلة :-
” اجلسي انتِ ايضا .. لماذا تقفين هكذا ..؟!”
هتفت حنين وهي تتجه الى المطبخ :-
“‘سأذهب لأجلب الأومليت الذي أعددته خصيصا لكِ ..”
ثم عادت وهي تحمل صحن الأومليت ووضعته أمام حياة وهي تهتف بسعادة :-
” سيعجبك .. انا واثقة من ذلك ..”
” يبدو شهيا ..”
قالتها حياة وهي تنظر إلى الصحن قبل أن تبدأ بقضم قطعة صغيرة منه فقول بتلذذ :-
” لذيذ حقا .. سلمت يداكِ ..”
” بالعافية حبيبتي …”
قالتها حنين بفرحة ثم بدأت تتناول طعامها هي الأخرى عندما سألتها حياة فجأة :-
” ماذا ستفعلين بشأن دراستك يا حنين ..؟! ألم تجدِ التخصص المناسب بعد ..؟!”
هزت حنين كتفيها وهي تجيب :-
” لا أعلم .. أشعر بالحيرة حقا .. كل فترة أميل الى تخصص جديد .. ”
أضافت وهي تغمز لها :-
” والآن أميل الى دراسة الصيدلة .. أظن إنها ممتعة .. أليست كذلك ..؟!”
إبتلعت حياة لقمتها ثم ردت بصوت جاد :-
” هي ممتعة لا خلاف على ذلك لكنها صعبة وتحتاج مجهودا كبيرا .. إذا كنتِ ترغبين بدراستها حقا فإدخليها لكن عليكِ التأكد من رغبتك قبل أي خطوة تخطينها .. إختاري تخصصك الدراسي بناء على رغبتك يا حنين .. ”
أومأت حنين برأسها وهتفت :-
” سأحاول مع إنني بالفعل لا أجد نفسي أرغب بتخصص محدد .. ”
ابتسمت حياة وقالت :-
” رتبي أفكارك جيدا وستجدين التخصص الذي يناسبك وتحبينه .. ”
بادلتها حنين إبتسامتها وهي تهز برأسها ثم عادت تتناول طعامها مجددا ..
بعد مدة خرجت الأختان من المنزل حيث اتجهت كلا منهما لوجهتها ..
حياة الى الصيدلة التي تعمل بها وحنين الى المنزل …
ظلت حياة تعمل في الصيدلية لعدة ساعات عندما وجدت غالية تتصل بها ..
أجابتها ليأتيها صوت غالية المرح :-
” حبيبتي كيف حالك ..؟! اشتقت اليك حقا ..”
ظهرت الإبتسامة على وجه حياة وهي تجيب :-
” بخير الحمد لله .. وانتِ كيف حالك ..؟! ”
ردت غالية :-
” انا بخير .. ما أخبارك وكيف يسير العمل معكِ..؟!”
أجابتها حياة بجدية :-
” كل شيء يسير على ما يرام .. ”
” الحمد لله .. حياة أود أن نلتقي ونتحدث قليلا .. تعرفين رغم لقائنا لمرات محدودة إلا إنني أحببتك حقا وشعرت إننا من الممكن أن نصبح صديقتين إذا لم يكن لديك مانع ..”
ابتسمت حياة تقول بصدق :-
” أي مانع بالله عليك ..؟! صداقتكِ تسعدني حقا يا غالية .. ومتى ما أردت بإمكاننا أن نلتقي …؟! لكن خارج مواعيد عملي …”
هتفت غالية بجدية :-
” هل يناسبك الغد بعد انتهاء مواعيد عملك ..؟!”
ردت حياة :-
” حسنا بعد الساعة الرابعة عصرا .. ”
هتفت غالية بحماس :-
” رائع .. سآتي بنفسي وأخذك غدا … اتفقنا ..؟!”
أجابت حياة بخفة :-
” اتفقنا …”
ودعتها غالية بعدها وأغلقت حياة الهاتف ووضعته أمامها قبل أن تشرد مجددا به وبطلبه الذي ما زالت تعجز عن إيجاد الجواب المناسب له ..
قلبها يخبرها أن تقبل وألا تفرط بحبها وعقلها يخبرها أن تهرب بعيدا فهذا الحب لن يكتمل مهما حدث …
شعرت بالضياع يسيطر عليها وتمنت لو هناك شخص مناسب يستوعب حيرتها وضياعها ويمنحها القرار الصحيح …
لكنها بالفعل لا تعرف من يمكنه فعل ذلك …
أخذت تلهي نفسها من خلال ترتيب بعض الأدوية ثم إنشغلت مع الزبائن الذين ترددوا على الصيدلية ..
مر الوقت وانتهى دوامها حيث جاء زميلها ليستلم الصيدلية منها فحملت حقيبتها وخرجت من المكان عندما وجدت حنين تقترب منها وتجذبها من كفها وهي تقول :-
” وأخيرا انتهى هناك .. تعالي معنا هيا ..”
توقفت حياة تسألها بتشكك :-
” أين سآتي ومع من ..؟!”
ابتسمت حنين تجيبها بحماس :-
” سنتناول الغداء سويا .. انا وانتِ وماما ..”
تجمدت حياة لثواني قبل أن تستعيد ثباتها وهي تقول :-
” شكرا ولكنني تناولت غدائي بالفعل ..”
ردت حنين بجدية :-
” لا تكذبي .. أنا أعرف جيدا إنكِ تتناولين طعامك بعد الإنتهاء من عملك … ”
أضافت بإصرار :-
” ستأتين يا حياة .. لن أقبل برفضك أبدا ..”
هتفت حياة بترجي :-
” حنين ارجوكِ ..”
لكن صوت والدتها قاطعها وهي تقترب منها تبتسم لها :-
” حبيبتي ستأتين معنا .. كما قالت حنين .. لا مجال للرفض ..”
قالت حياة بقوة :-
” أنت تعرفين إنني لن آتي معكِ ..”
لكن والدتها قاطعتها بقوة أكبر :-
” ستأتين يا حياة .. انا والدتك ومن حقي عليكِ أن تسمعي كلامي وتنفدين ما أقوله ..”
ضغطت حياة على أعصابها وهي تحاول ألا تخرج منها كلمة غير مناسبة بينما حنين تمسك كفها مجددا وهي تتوسلها :-
” ارجوكِ وافقي .. ستكون المرة الأولى التي نجتمع بها سويا .. ارجوكِ يا حياة ..”
نقلت نظرها بين حنين المترجية ووالدتها المصرة على طلبها فإضطرت أن تذعن لهما خاصة وهما تحاوطنها هكذا في منتصف الشارع العام ..
بعد مدة كانت حياة تجلس أمامهما عاقدة ذراعيها أمام صدرها وهي تشيح بوجهها الى الجانب ..
سمعت حنين تسألها بعدما إنتهت من تقليب قائمة الطعام :-
” اختاري ما ستتناولين يا حياة .. ”
ردت حياة بجفاء :-
“أخبرتك إنني تناولت طعامي في الصيدلية ..”
سمعت والدتها تقول بحزم :-
” اختاري شيئا تتناوليه وإلا سأختار أنا لك …”
هتفت حياة وقد نفذ صبرها تماما :-
” اسمعيني جيدا .. جئت معكما لإنني مضطرة ليس إلا وأنتما تدركان ذلك فلا داعي لكل هذا…”
ردت والدتها بعدما وضعت قائمة الطعام جانبا :-
” لماذا تفعلين هذا ..؟! لماذا ترفضين قربي بكل الطرق ..؟! ”
أجابتها حياة بسخرية :-
” لإنني لا أريد قربك .. لا أرغبك ..”
صاحت والدتها بسخط :-
” كيف تتحدثين معي هكذا وأنا والدتك ..؟! كيف ..؟!”
ردت حياة بسخرية مريرة :-
“أنا أقول الحقيقة .. أنا لا أريدك .. كيف أريدك بعدما تخليتِ عني وأنا طفلة صغيرة لأجل نفسك ومصلحتك ..”
قالت أحلام بتوسل :-
” ولكنني عدت .. عدت وحاولت إسترجاعك وأنتِ رفضتي .. ”
ردت حياة بسخرية :-
” وماذا كنت تتوقعين مني ..؟! أترك أبي الذي رباني وراعني في غيابك لأجلك .. أرمي نفسي بين أحضانك فقط لإنكِ تذكرتِ إن هناك إبنة رميتها قبل أعوام لوالدها ورحلتِ .. هل تظنين الأمر بهذه السهولة ..؟! هل ترينه حقا بسيطا الى هذا الحد ..؟!”
ترقرقت الدموع داخل عيني والدتها وهي تقول بصوت مترجي :-
” حياة .. سامحني من فضلك .. لقد أدركت خطئي منذ زمن بعيد وها أنا أفعل كل شيء لتصحيحه ..”
” انا اسفة ولكنني لا أستطيع .. ”
قالتها وهي تسيطر على دموعها التي تشكلت داخل مقلتيها عندما هاجمتها تلك الذكريات مجددا ..
تشعر بالحسرة على وضعها وما يجمعها بوالدتها من ذكريات مشبعة بالألم والخذلان وكم تتمنى لو تتجاهل تلك الذكريات وتبدأ صفحة جديدة معها لكنها لا تستطيع فألمها أكبر من قدرتها على السماح ..
حملت حقيبتها واتجهت خارج المكان دون أن تضيف كلمة واحدة حتى ..
لا تريد شيئا سوى الهرب بعيدا عن الجميع في هذه اللحظة ..
…………………………………………………………..
دلفت مريم الى غرفة أختها لتجدها شاردة كالعادة فتقدمت نحوها تسألها بجدية :-
” ألن تخبريني بما يحدث معك ..؟! منذ أن غادر ذلك الحقير البارحة وأنتِ لستِ بخير ..”
نظرت إليها ليلى وقالت بهدوء مصطنع :-
” لم يحدث شيء .. انا فقط أفكر قليلا بما سأفعله في الأيام القادمة …”
هتفت مريم ببديهية :-
” ستطلقين بالطبع وتبدئين من جديد ..”
منحتها ليلى إبتسامة مليئة بالمرارة انتبهت إليها مريم التي قالت بدهشة وقلق :-
” ما سبب هذه الإبتسامة يا ليلى ..؟!”
لكن ليلى تجاهلتها وهي تسألها :-
” ألم تظهر نتيجتك بعد ..؟!”
أجابتها مريم بهدوء :-
” ظهرت ونجحت كالعادة ..”
ابتسمت ليلى تبارك لها رغم ألمها :-
” مبارك حبيبتي .. لمَ لم تخبرينا ..؟!”
ظهر الحزن على ملامح مريم وهي تجيب بأسى :-
” ألا ترين الوضع حولنا يا ليلى .. ؟! لا يوجد شيء يساعدني على الفرح حتى بنجاحي .. ”
قبضت ليلى على كفها تضغط عليه وهي تواسيها :-
” أشعر بمدى حزنك بعدما حدث وتأجيل خطبتك لكن كل شيء سيتحسن .. أكرم سيكون بخير وستحتفلان بخطبتكما حينها … ”
لم تجبها مريم بل سيطر الجمود تماما على وجهها مما جعل ليلى تهمس لها بحيرة من تغير ملامحها هكذا :-
” ثقي بذلك مريم ..!! ”
منحتها مريم إبتسامة ضعيفة مختلفة وردت بنبرة باهتة :-
” ان شاءالله ..”
ثم أضافت وقد تذكرت سبب مجيئها :-
” قومي هيا .. العشاء جاهز وبابا وماما ينتظرانا في الأسفل ..”
أرادت أن ترفض فلا رغبة لها برؤية أحد خاصة والدها لكنها تراجعت مقررة الهبوط الى الاسفل فإلى متى ستهرب من الجميع وتنزوي مع نفسها ..
نهضت من مكانها تسير بجانب أختها خارج غرفتها حيث هبطتا الى الطابق السفلي ..
جلست ليلى أمام والدتها ومريم جانبها بينما والدها يترأس طاولة الطعام ..
بدأ الجميع يتناول الطعام وليلى ترمق والدها بنظراتها بين الحين والآخر غير مستوعبة بعد إن هذا الرجل الماثل أمامها متزوج بأخرى غير والدتها ولديه منها صبيا ..
توقفت عن الطعام ووضعت شوكتها جانبا وهي تشعر بألم قوي يمنعها من التظاهر بالثبات أكثر عندما سمعت صوت والدتها تخبرها بنبرتها الحنون :-
” لماذا لا تتناولين طعامك حبيبتي ..؟!”
كتمت ليلى دموعها التي ترقرقت داخل عينيها بقوة .. دموع ألم على والدتها التي تعرضت لهكذا خيانة دون أن تعي ذلك …
” شبعت ..”
قالتها بصوت ضعيف مبحوح عندما تحدث والدها بإهتمام :-
” ألم يعجبك الطعام ..؟! هل تفضلين تناول شيئا آخر ..؟!”
كان يراعيها ويهتم بما تريده دون أن يدرك إنه سبب تعاستها ..
منحته نظرة تحمل الكثير من الإتهام فشعر بالقلق وهو يلاحظ إحمرار عينيها عندما همس بقلق :-
” هل كنت تبكين يا ليلى ..؟!”
جذبت منديلا من علبة المناديل الموضوعة أمامها وبدأ تمسح به عينيها بينما تبادلتا مريم ووالدتها نظرات قلقة …
هتفت ليلى وهي ترسم إبتسامة شجنة على شفتيها :-
” اسفة ولكنني تأثرت قليلا .. لم أصدق بعد إنني عدت الى منزلي وأجلس بينكم كالسابق ..”
شعرت بيد والدها تلمس كفها وهو يهتف بحب :-
” وستبقين بيننا حبيبتي معززة مكرمة وذلك الحقير زوجك سأتصرف معه بنفسي …”
عادت تنظر إليه نفس النظرات المتهمة والتي شعر بها هذه المرة فتفاجئ من نظراتها لينظر الى زوجته التي تتابع ابنتها بغصة على حالها وضياعها الواضح ..
أبعدت ليلى كفها من كف والدها ثم حملت قدح العصير الموضوع أمامها وتناولت القليل منه قبل أن تهتف فجأة :-
” انا تراجعت عن دعوة الطلاق ..”
صدمة حلت على ثلاثتهم ..
كان والدها اول المنتفضين حيث هدر بغضب لم يستطع كبحه :-
” ماذا تقولين انت..؟! هل جننت ..؟!”
بينما هتفت والدتها بقهر :-
” لماذا تفعلين هذا يا ليلى ..؟! كيف تتراجعين عن طلاقك وأنتِ كنتِ تتمنين حدوثه بفارغ الصبر ..؟!”
أما مريم فهمين بعدم تصديق :-
” هل تمزحين معنا يا ليلى ..؟!”
لكنها حافظت على ثباتها وهي تتحدث بقوة :-
” لا يوجد طلاق بعد الآن .. لن أتطلق من عمار وانتهى ..”
نهضت من مكانها وهمت بالتحرك بعيدا لكن والدها وقف أمامها يهتف بعصبية :-
” ما هذا الجنون ..؟! هل تلعبين معنا ..؟! البارحة تصرين على الطلاق واليوم تتراجعين عنه .. ”
اما والدتها فصاحت بحزن :-
” منذ لحظات كنتِ تتحدثين عن سعادتك بعودتك الى هنا ووجودك معنا والآن تخبرينا بإنك تراجعت عن الطلاق .. ما هذا التناقض ..؟! ماذا يجري معكِ يا ليلى ..؟! ماذا يحدث معكِ ابنتي ..؟!”
لم تتحمل ليلى كمية الكلمات التي تتراشق في وجهها ..
لم تتحمل كل هذه الضغوطات التي تمر بها فصرخت وهي تضرب بيدها على الطاولة :-
” يكفي .. لا تتدخلوا في حياتي .. انا حرة فيما أفعل .. اتركوني وشأني ..”
لكن والدها هتف بقوة وصلابة :-
” لست حرة .. كنت ستموتين بسببه .. لن أضحي بحياتك بسبب عنادك الغير مفهموم ..”
ضحكت ليلى بقوة حتى تساقطت الدموع من عينيها لتهتف وهي تأخذ نفسها بعدها :-
” بالله عليك يكفي .. اتركني وشأني .. انت بالذات لا تتحدث .. ارجوك ..”
ثم اتجهت مسرعة نحو غرفتها في الطابق العلوي تاركة الجميع يتطلع الى آثرها بدهشة ..
همت مريم بالتحرك لكن والدها منعها وهو يقول بجدية :-
” سأراها أنا … هناك حديث مطول بيننا …”
ثم سار بخطوات متثاقلة نحو الطابق العلوي حيث غرفتها ونظراتها الغريبة وجملتها الأخيرة تتردد داخل رأسه ..
نظراتها تحمل إتهاما لم يخطأ بإدراكه لذا عليه أن يفهم منها ما يحدث بالضبط ..
طرق على الباب ثم دلف الى الداخل ليجدها تقف أمام النافذة وهي تبكي بصمت …
تقدم نحوها ووضع كفه على كتفها لتستدير نحوه بوجهها المليء بالدموع فيحاول ضمها إليه لكنها تبعده بطريقة صدمته ..
” ليلى ..”
همس إسمها مصدوما من رفضها الصريح له لتبتسم بمرارة وهي تهتف :-
” لماذا يا بابا ..؟! لماذا ..؟!”
سألها بدهشة وألمه يتزايد على حالتها تلك :-
” ماذا يا ابنتي ..؟! عم تتحدثين ..؟!”
أجابته من بين دموعها الحارة :-
” كان بإمكانك أن تخبرها برغبتك في الحصول على ذكر .. كان بإمكانك أن تستشيرها .. أن تعطيها حق الإختيار على الأقل .. ”
أضافت بوجع وهي تتأمل نظراته المصدومة من معرفتها بذلك السر الذي أخفاه لأعوام :-
” كيف طاوعك قلبك أن تفعل ذلك ..؟! كيف خدعتها وخنتها كل هذه السنوات ..؟! كيف ..؟!”
ابتعد عنها بخطوات ضعيفة وملامحها الباكية ونبرتها المتألمة تقيده بذنب تجاهله لسنوات ..
ما كان يخشاه قد حدث رغم إدراكه إنه سيحدث يوما ما وهاهي صورتهزتهتز أمام إبنته الكبرى التي لطالما تغنت بحبه الشديد لوالدتها وإخلاصه لها …
” ليلى ..”
همس بها بقلة حيلة ليسمعها تهتف بقوة رغم وجعها الشديد :-
” اخرج من غرفتي من فضلك فلا طاقة لي لسماع أي شيء خاصة مبرراتك الواهية ..”
أردفت وهي تأخذ نفسا عميقا :-
” أحتاج أن أبقى لوحدي الآن أكثر من أي وقت …”
همس مجددا بنبرة ضعيفة :-
” ليلى والدتك ..”
قاطعتها بمرارة شديدة :-
“لن أخبرها بأي شيء .. لا داعي أن تقلق .. يكفيها ما تعانيه بسبب وضعي .. لن أخبرها أبدا فخبر كهذا كفيل أن يقتلها..”
استدارت تمنحه ظهرها وهي تضع كف يدها على فمها تكتم شهقاتها التي سرعان ما ظهرت مجددا ما إن سمعت صوت إغلاق باب غرفتها ..
…………………………………………………………….
في اليوم التالي ..
كانت حياة تجلس أمام غالية تتناولان طعام الغداء سويا كما إتفقا البارحة ..
سألت غالية :-
” لا يوجد عمل لديك مساءا ، أليس كذلك ؟! ”
أجابتها حياة وهي تومأ برأسها :-
” نعم ، عملي يبدأ باكرا وينتهي في الرابعة عصرا .. ”
غمغمت غالية :-
” جيد .. على الأقل لديك وقت ترتاحين فيه ..”
ردت حياة بجدية :-
” لكنني أرغب في العمل مساءا أيضا .. لن أستفيد شيئا من البقاء في المنزل لا أفعل شيئا ..”
سألتها غالية بإهتمام :-
” هل يوجد في بالك عمل معين ..؟!”
حركت حياة كتفيها وهي تجيب :-
” حاليا لا يوجد .. لكنني سأبدأ في البحث ..”
” ستجدين ان شاءالله ..”
قالتها غالية بإبتسامة صادقة لتبادلها حياة إبتسامتها عندما سمعت غالية تقول بتردد :-
” هل أزعجك إنني أخبرت نديم بمكان عملك ومواعيده ..؟!”
توقفت حياة عن الطعام تتأمل غالية للحظات قبل أن تبتسم وهي تجيب :-
” كلا .. لم أنزعج بالتأكيد ..”
هتفت غالية بقليل من التردد :-
” كنت سعيدة بطلبه لذا لم أتردد لحظة واحدة في منحه العنوان دون أن أستوعب إن علي أخذ رأيك قبلها ..”
أخذت حياة تقلب الطعام في شوكتها قبل أن تقول بجدية :-
” ليس مهما وانا لم أنزعج منك رغم دهشتي من وجوده عندي في الصيدلية ..”
صمتت حياة بعدها وعادت تتناول طعامها عندما سمعت غالية تهتف بعد مدة قصيرة :-
” هل يمكنني أن أسألك سؤال يا حياة ..؟!”
أومأت حياة برأسها بعدما إبتلعت لقمتها وقالت:-
” تفضلي …”
ظهر التردد واضحا على وجه غالية التي قالت أخيرا :-
” لا أقصد التدخل ولكن … ”
أخذت نفسا عميقا ثم قالت بصدق :-
” منذ أن رأيتك وشعرت بإهتمام نديم الصادق بك وإهتمامك انتِ به أيضا ..”
إحمرت وجنتا حياة خجلا بينما قالت غالية بسرعة :-
” لا داعي للخجل يا حياة .. ألسنا صديقتين ..؟!”
أومأت حياة برأسها وهي تجيب بصوت متحشرج :-
” بالطبع .. ”
تنهدت غالية وقالت :-
” أنت لا يمكن أن تتصوري الى أي مدى وجودك مهم في حياته .. لا تدركين كم أنتِ مميزة عنده وكم يحتاج الى وجودك ..”
هتفت حياة وهي تركز الى كلمة يحتاجك :-
” وإلى متى سيبقى يحتاجني يا غالية ..؟! وماذا سيحدث إن توقف عن إحتياجي ..؟!”
ردت غالية بدهشة :-
” ماذا تقصدين ..؟! هل تظنين إن نديم يحصر علاقته بك في خانة الإحتياج فقط ..؟!”
سألتها حياة بجدية :-
” أليس هذا هو شعوره ناحيتي ..؟!”
هتفت غالية مستنكرة :-
” وهل يطلب الرجل الزواج من إمرأة فقط كونه يحتاجها ..؟!”
نظرت إليها حياة بدهشة بسبب معرفتها بطلب نديم الزواج منها لتبتسم غالية وهي تقول :-
” لقد أخبرني نديم بإنه عرض الزواج عليك .. كان يبدو سعيدا ومتحمسا وقلقا في نفس الوقت من جوابك .. لا داعي لأن أخبرك كم يتوق نديم للحصول على موافقتك .. ”
صمتت حياة مجددا تفكر في كلمات غالية حتى قالت بجدية :-
” الأمر ليس سهلا أبدا يا غالية .. قرار كهذا يحتاج الى وقت .. ”
قالت غالية بصراحة :-
” هذا الأمر يعتمد على مشاعرك .. إن كنت تحبينه فلن تترددي لحظة واحدة في القبول …”
اهتزت حدقتي حياة بألم واضح لتسمع غالية تضيف بتمهل :-
” مالذي يقلقك بالضبط يا حياة ..؟!”
أخذت حياة نفسا عميقا ثم قالت :-
” الكثير يقلقني يا غالية… أشعر إنني بإرتباطي به سأدخل في دوامة لا نهاية لها .. الكثير من الأشياء تجعلني أفكر ألف مرة قبل الموافقة على طلبه ..”
” أشياء مثل ماذا ..؟!”
سألتها غالية بإهتمام قبل أن تضيف :-
” ليلى مثلا ..؟!”
” هو يحبها كثيرا ..”
قالتها حياة بجزن خفي لتصحح لها غالية :-
” كان يحبها لكنها إنتهت من حياته …”
نظرت إليها حياة بعدم إقتناع عندما هتفت غالية بجدية :-
” اسمعيني يا حياة .. ليلى صديقتي المقربة بل هي أختي .. نحن تربينا وكبرنا سويا … حب نديم وليلى كان قويا لا أنكر ذلك لكن هذا الحب انتهى بزواج ليلى من عمار .. عودة نديم وليلى باتت مستحيلة … نديم لن يعود الى المرأة التي تركته وتزوجت بأخيه .. هو لن يقبل هذا على نفسه ..”
سألتها حياة بتروي :-
” لماذا ..؟! لا يوجد شرع يمنع ذلك .. إذا تطلقت ليلى من عمار بإمكانها أن تتزوج من نديم خاصة وإن علاقة نديم بأخيه شبه مقطوعة …”
قالت غالية بجدية :-
” هذا يحدث في الأفلام والروايات فقط .. نديم لن ينسى ما عاناه بسبب ما فعلته ليلى .. سيبقى تخليها عنه في عز أزمته حاجزا بينهما .. لا هو سينسى ولا سيستطيع التأقلم من ذلك .. ”
” لا أعلم لماذا لا أرى الأمر بهذه الطريقة .. ربما نديم يقول ذلك ويشعر به لإن جرحه ما زال حيا .. لإن ليلى ما زالت على ذمة أخيه .. لكن مع مرور الوقت ستتغير مشاعره وسيشعر بالحنين إليها ..”
أضافت بألم قوي :-
” ماذا لو كان حبهما شديد لدرجة لا يمكنني الوقوف في وجهه .. ؟!”
سألتها غالية بعدم تصديق :-
” هل هذا يعني إنك سترفضين الزواج منه ..؟!”
نظرت إليها حياة بقلة حيلة بينما همست غالية برجاء :-
” لا تفعلي ذلك يا حياة .. لا تخطفي آخر أمل منه .. نديم كالغريق الذي يحتاج من ينقذه من كل ما يحيط به وأنتِ وحدكِ من تستطيعين إنقاذه من هذا .. ”
تأملت الرجاء الخالص بعيني غالية وكلماتها التي تركت أثرا عميقا داخلها ..
مسحت على وجهها بكفيها وهي تشعر بتعب شديد من كل ما يحدث …
عادت تنظر الى غالية وهي تمنحها إبتسامة باهتة بادلتها غالية بأخرى تحمل الكثير من الرجاء ..
……………………………………………………………
خرجت من غرفتها بتردد عندما لمحت خديجة تجلس على الكنبة الموجوده في صالة الجلوس تتابع التلفاز بتركيز شديد …
ألقت نظرة حذرة عليها ثم قررت الخروج دون أن تجعلها تنتبه فمرت بخطوات خاطفة نحو الباب الخارجي والذي من حسن حظها كان بعيدا عن صالة الجلوس مما جعلها تفتحه بخفة وتسارع للخروج من الشقة …
أغلقت الباب خلفها وهبطت درجات السلم حتى أصبحت خارج العمارة ..
أخذت نفسا عميقا ثم أخرجت محفظتها من جيبها تتطلع الى الأموال داخلها قبل أن تضعها داخل جيبها من جديد وهي تتمنى أن يقبل بهذه الأموال مقابل أن يتركها وشأنها ..
اتجهت نحو المقهى الذي حدده لرؤيتها عندما وجدته يقف بجانب سيارته القديمة متكئا عليها قبل أن يشير لها أن تتقدم بعدما انتبه لها ..
سارت نحو سيارته وركبت جانبه لتجده يبتسم لها وهو يقول بخفة :-
” احسنت يا جيلان .. في موعدك بالضبط …”
أخرجت جيلان محفظتها وأعطته له تخبره بتوسل :-
” خذ هذه الأموال واتركني وشأني .. ”
سحب المحفظة وفتحها ليجد بها آلاف الدولارات فهتف بدهشة :-
” لم أكن أعلم إنك غنية يا فتاة …”
قالت ببراءة :-
” خذها واتركني وشأني … وتلك الصور ستحرقها جميعا كما وعدتني ..”
ضحك مرددا بسخرية :-
” هذه الدولارات لا تساوي شيئا مما سيعطيه الباشا لأجلك .. ”
سارعت تخلع قلادتها التي تحيط رقبتها وتمد بيدها له قائلة :-
” خذ هذه أيضا .. ”
أخذ القلادة منها يقلبها في كفه ويقول مندهشا :-
” هل والدك غني الى هذا الحد ..؟! ”
ابتلعت ريقها وهي تومأ برأسها مرددة بعفوية :-
” نعم كان غنيا ..”
” ماذا يعمل ..؟!”
سألها بفضول لتجيبه بنفس العفوية :-
” كان رجل اعمال ..”
عقد حاجبيه يسألها مجددا :-
” ما اسمه ..؟!”
أجابته :-
” علاء الهاشمي …”
هتف بعدم تصديق :-
” هل تقربين راغب الهاشمي ..؟!”
أومأت برأسها ليضحك بقوة فاجئتها قبل أن يردد :-
” يا إلهي .. كم نحن محظوظون بك يا جيلان .. ”
” هل ستتركني ..؟!”
سألته بتوسل ليبتسم ملأ فمه قبل أن يقول :-
” اسمعيني يا جيلان .. أخبرتك مسبقا .. إما تنفذين ما أريد أو صورك ستنشر في كل مكان .. تخيلي حينها وضعك ووضع أفراد عائلتك عندما يرون صورك الفاضحة .. ردة فعلهم ستكون قاسية وبالتأكيد سيقتلونك حينها ..”
دب الرعب داخلها وهي تقبض على ذراعه تتوسله باكية :-
” ارجوك لا .. لا تفعل ذلك .. أخي سيقتلني .. والله سيقتلني .. ”
حرر ذراعه من قبضتها وقبض على فكها يهتف بقوة :-
” تريدين النجاة نفذي ما أريد .. ”
” ماذا تريد ..؟!”
سألته بشفتين مرتعشتين ليجيب بجدية :-
” كما أخبرتك مسبقا .. ليلة واحدة مع الباشا .. سيأخذ ما يريده ثم نتركك بعدها وشأنك …”
تراجعت الى الخلف منكمشة على نفسها بينما هتف هو بها :-
” ماذا قلت ..؟!”
وفي عقلها الصغير الذي لا يستوعب ما هو مقبل عليه ولا طبيعة ما ينتظرها مع هذا الرجل وافقت ..
وافقت وهي لا تفكر بشيء سوى إنها ستنفذ مما سيفعله بها أخيها إن رأى تلك الصور .. ستنفذ من الفضيحة أن إنتشرت تلك الصور في كل مكان ..
وافقت دون أن تدرك ما سيحدث معها وإن مستقبلها سينتهي لا محالة بعدها فكل ما يهمها النجاة من الفضيحة وعذاب أخيها ..
…………………………………………………………..
بعد مدة من الزمن ..
كانت تجلس على سرير عريض في غرفة واسعة تضم قدميها الاثنتين واللتين كانتا ترتجفان بشدة ..
تنتظر قدوم ذلك الرجل الذي جاءت لأجله بعدما أدخلها سامر الى هنا …
أخذت تعض على شفتيها بقسوة وهي لا تعرف ماذا سيحدث ..
تشعر بذعر حقيقي لكن كل ما يشغل تفكيرها إن تلك الصور ستختفي تماما بعدما ينال ذلك الباشا ما يريده منها كما أخبرها سامر مسبقا ..
انتفضت من مكانها على صوت فتح الباب لتتجمد وهي ترى رجل كبير في السن يقارب عمر والدها الراحل يدلف الى الغرفة ويغلق الباب خلفه ..
وقف الرجل يتأملها بملامحها الجميلة البريئة وسنها الصغير …
لقد حدثه سامر عن مدى جمال الفتاة وهو لم يخطأ فهي جميلة للغاية رغم ضعفها الواضح ونحافة جسدها …
تقدم نحوها بينما ظلت هي ثابته في مكانها ترتجف من رأسها حتى أخمص قدميها ..
وقف أمامها يتأملها برغبة رجل لا يمر عليه يوم سوى وهو ينال جسد أنثى جديدة واليوم هو دورها ..
لمس ذقنها يرفع وجهها بأنامله ليلاحظ إرتعاش شفتيها فيسألها:-
” ما اسمك …؟!”
ابتلعت ريقها وهي تجيبه :-
” جيلان …”
” هل تعلمين إنك جميلة بحق يا جيلان ..؟!”
قالها وهو يسير على وجهها بإصبعه لتنكمش على نفسها لا إراديا بينما لم يمنحها هو فرصة وكان ينحني بنية تقبيلها ..
ما ان شعرت بشفتيه فوق شفتيه حتى شعرت برغبة شديدة بالتقيؤ …
دفعته بتقزز ليلاحظ الإشمئزاز على وجهها وهي تحاول الإبتعاد عنه لكنه قبض على خصرها لتصرخ وهي تحاول التحرر منه :-
” اتركني .. لا تلمسني .. ”
صفعها على وجهها لتشهق باكية بينما قبض هو على شعرها مرددا بقسوة :-
” الى أين تذهبين يا صغيرة..؟! لن تذهبي حتى تقومين بوظيفتك … ؟!”
وقبل أن تستوعب شيئا أو تنتفض رفضا كان يرميها على السرير ويبدأ بخلع ملابسها متجاهلا صرخاتها وتلويها بين ذراعيه ..
لم يكن مهتما برفضها او بعمرها الصغير حتى فغريزته ورغبته سيطرت عليه تماما في تلك اللحظة…
قرر أن ينالها رغم كل شيء فهو دفع الكثير لأجله بل لأجل متعته ..
اما جيلان فكانت تشعر بإنها روحها تتمزق .. ألم قوي يمزق قلبها وروحها … طعنات غادرة تخترق جسدها …
ملمس جسده على جسدها جعلها تشعر بالتقزز ورغبتها في التقيؤ تضاعفت …
تصرخ وتصرخ وهو لا يرحمها ..
تحاول دفعه دون فائدة ..
لحظات مرت كالدهر .. لحظات اغتيلت بها براءة .. لحظات انتهت بصرخة مخيفة خرجت من أعماقها ..
صرخة إغتيال برائتها وطهارتها …
وبعدها كان الظلام يحيط بها من جميع الجوانب …
………………………………………………………….
فتحت عينيها الخضراوين بفعل ضربات ساخطة على جانب وجهها..
شعرت بألم يغزو جسدها وبدأت الذكريات تتشكل داخل رأسها مجددا …
صرخت برعب وهي تبتعد عنه ملتصقة بجسدها على السرير خلفها لتسمعه يخبرها بسخط :-
” ارتدي ملابسك هيا … يكفي ما فعلتيه ما الباشا .. لقد فضحتني أمامه …”
وقبل أن ينهي كلامه كانت تفرغ ما جوفها على السرير ليبتعد عنها بتقزز بينما بدأت هي تبكي بصوت عالي ما إن توقفت عن التقيؤ …
أشاح وجهها بعيدا عنها مرددا بكره :-
” انهضي هيا … ارحلي فورا فلا أريد رؤية وجهك بعد الآن …”
لا تعرف كيف نهضت وجذبت ملابسها ترتديها قبل أن تحاول التحرك خارج المكان لكن قدميها خانتها فسقطت مكانها وعادت تبكي مجددا ..
جذبها سامر من ذراعها بنفاذ صبر فإبتعدت عنه تصرخ بجزع ليهتف بقسوة وهو يتأمل وضعها المزري وإنهيارها :-
” ما هذا القرف ..؟!”
أضاف بنفاذ صبر :-
” تحركي أمامي سأوصلك الى نفس المكان الذي أخذتك منه ..”
تحاملت على نفسها وهي تسير بخطوات متخاذلة أمامه يتبعها هو بضيق …
بعد حوالي ثلث ساعة هبطت جيلان من سيارته بملامح مشوشة فأخذت تنقل بصرها في المكان حولها وهي لا تعرف من أين أتت وأين تذهب ..
إختلطت الصور أمامها وتشوشت الأصوات في رأسها لتسقط على أرضية الشارع واضعة كفيها فوق أذنيها تصرخ بصوت مخيف جزع قبل أن تنهار فاقدة للوعي …
………………………………………………………….
إنتفض من مكانه يصرخ بإنفعال :-
” ماذا يعني غير موجوده ..؟! أين ذهبت ..؟!”
نهضت بوسي من مكانها تنظر إليه بخوف بينما يستمع هو الى بكاء خديجة التي تخبره بإختفاء أخته دون أن تدري أين ذهبت ..
صرخ منفعلا والخوف تملك منه :
” وماذا كنت تفعلين أنتِ ..؟! كيف خرجت من الشقة دون علمك ..؟!”
ضغط على الهاتف يعتصره في قبضة يده قبل أن يصرفها بنفاذ صبر :-
” اذهبي انتِ الآن وأنا سأتصرف ..”
ثم أغلق الهاتف في وجهها وسارع يتصل برجاله يأمرهم بالبحث عنها في كل مكان ..
” ستجدونها قبل بزوغ الفجر .. هل فهمت ..؟!”
أغلق الهاتف وهو يلهث بقوة وجملة والدته قبل موتها تتردد داخل إذنه :-
” جيلان أمانتي لك يا عمار .. أختك لا أحد لها سواك .. حافظ على تلك الأمانة يا بني .. أنت وهي ما سيتبقى مني في هذه الدنيا .. أريد أن أرحل وأنا مطمئنة إنها ستبقى في أيدي أمينة من بعدي .. ”
لا يعلم لماذا تذكر وصيتها له في هذه اللحظة ولكن شعور قوي داخله يخبره إن مصيبة ما حلت بأخته ..
شعر بإنقباضة قوية داخل صدره بينما همس لسانه إسمها بضعف ورجاء :-
” جيلان .. “
كان يركض داخل رواق المشفى متجها حيث الغرفة التي أخبرته عنها موظفة الإستقبال ..
منذ أن علم بوجودها هنا من أحد رجاله وهو يكاد يموت رعبا عليها ..
عقله يصور له أبشع التخيلات وقلبه يرفض أيا منهم ..
إلا جيلان .. هكذا فكر وهكذا قلبه يتمنى ..
جيلان هي كل ما تبقى له .. هي الذكرى الوحيدة المتبقية من والدته ..
هي أمانتها عنده .. هي أخته ..!!
وصل الى الغرفة ودلف الى الداخل بإندفاع ليجد الطبيب واحدى الممرضات عندها وهي غائبة عن الوعي تماما ..
أشار له الطبيب ألا يصدر صوتا قبل أن يطلب منه التحدث في الخارج …
خرج عمار بملامح ثابتة رغم لهفة قلبه ليجد الطبيب يخرج وراءه حتى وقف أمامه يسأله :-
” أنت أخوها ..؟!”
اومأ عمار برأسه وهو يسأله بسرعة وترقب :-
” نعم اخوها .. ماذا حدث معها ..؟!”
أجاب الطبيب بملامح متأسفة :-
” لقد جلبها هنا رجل وجدها فاقدة للوعي في احد الشوارع العامة .. قمنا بفحصها ولاحظنا وجود بعض الخدوش على جسدها و …”
صمت قليلا ثم قال بشفقة:-
” لقد تعرضت للإغتصاب …”
الصدمة التي حلت عليه لا يوجد لها مثيل …
صدمة لم يتوقع أن يمر بها يوما ..
إغتصاب .. جيلان ..!!
جيلان المراهقة الصغيرة تعرضت للإغتصاب …
جيلان أخته البريئة أُغتصبت …
” كيف ..؟!”
همس بها بصوت مرتجف ضعيف ليجد الطبيب يربت على كتفه يؤازره :-
” تماسك يا أخي … الفتاة في وضع أصعب ما يكون .. لقد أعطيناها العديد من المهدئات ومنوم ذو مفعول قوي .. ستحتاج الى وقت طويل كي تتقبل ما حدث …”
أغمض عمار عينيه بقهر بينما تأمله الطبيب بملامح متأسفة قبل أن يتحرك منسحبا من المكان تاركا عمار واقفا مكانه وقد شعر في تلك اللحظة إن هموم الأرض كلها صبت فوق رأسه ..
………………………………………………………………………..
تجلس على الكنبة في صالة الجلوس تقلب في احدى المجلات عندما وجدت مريم تقترب منها وهي تسأل بتحفز :-
” هل ستبقي هكذا ..؟!”
سألتها ليلى ببرود متعمد :-
” ماذا حدث يا مريم ..؟!”
شعرت مريم بالغيظ من تصرف أختها المستفز فسارعت تجذب المجلة من يدها وترميها جانبا قبل أن تحيط خصرها بيديها وهي تهتف :-
” أخبريني ماذا يحدث بالضبط .. ؟! في الوقت الذي كنت تتجهزين به لطلاقك من ذلك المعتوه قررتِ أن تستمري في زيجتك منه وعندما نحاول فهم السبب منك تتجاهلينا تماما وكأننا لسنا أهلك ويحق لنا معرفة ما يحدث معك …”
تأففت ليلى بضيق وقالت :-
” أخبرتك مسبقا بل أخبرتكم جميعا ، انا حرة في قراري .. لا أريد الطلاق .. لم أعد أريده .. مالذي يزعجكم في هذا ..؟! ألا يحق لي تقرير حياتي كما أريد ..؟!”
قالت مريم بتأكيد :-
” بلى يحق لك بالطبع .. لكن ليس بهذه الطريقة .. هل أصبح عمار هو حياتك الآن ..؟! أنا أكثر من يعرفك يا ليلى وأكثر من يفهمك .. أخبريني ماذا يحدث معك فربما أساعدك قليلا .. ”
نظرت لها ليلى بصمت فتابعتها مريم بنظراتها متأملة أن تقول شيئا لكن آمالها خابت وهي تسمع أختها تقول بثبات :-
” هذا قراري يا مريم وعليكِ أن تحترميه كما إنني لا أسمح لأي أحد أن يتدخل في أي قراري أتخذه في حياتي … أرجو أن تتفهمي هذا ..”
كزت مريم على أسنانها بغيظ قبل أن تنفجر قائلة :-
” كما تشائين يا ليلى ولكن أرجو ألا تبكي وتنهاري مجددا وتعيشي دور الفتاة المضحية المنكوبة كما فعلتِ مسبقا فحينها لن تجدي من يحتويكِ .. ”
أدمعت عينا ليلى لا إراديا من قسوة كلمات أختها فهتفت بصوت مبحوح قليلا :-
” لا تقلقي يا مريم .. لا أنوي أن أعيش هذا الدور مجددا …”
أضافت وهي تنهض من مكانها و تشمخ برأسها بثقة :-
” من الآن فصاعدا سترين ليلى جديدة .. ليلى أخرى غير تلك التي تعرفينها … ستكون هذه التضحية الأخيرة ولكن بعدها سأخذ ثمن تضحيتي من كل شخص ضحيت لأجله يوما ..”
” إذا أنتِ تضحين مجددا ..؟!”
قالتها مريم بسرعة قبل أن تتقدم نحوها أكثر تسألها بترجي :-
” بماذا تضحين هذه المرة ..؟! ما الشيء الذي إستغله عمار ضدك يا ليلى ..؟! أخبريني بالله عليكِ …”
أشاحت ليلى وجهها مرددة بنفي كاذب :-
” انا لا أضحي بشيء يا مريم .. اتركيني من فضلك ولا تتدخلي فيما لا يعنيك ..”
عاندتها مريم :-
” ولكنكِ قلتِ هذا منذ لحظات ..”
قاطعتها ليلى تصيح بها بغضب :-
” ألا تفهمين ما أقوله ..؟! دعيني وشأني .. ”
ثم أضافت وهي تتحرك خارج المكان :-
” سأذهب أنا طالما ترفضين تركي وشأني .. سأترك المكان بالكامل لك ..”
نظرت مريم الى آثرها بدهشة غير مستوعبة إن كل هذا الغضب يصدر من ليلى الهادئة المتزنة…
هزت رأسها محاولة نفض هذه الأفكار عنها مفكرة إنها يجب أن تذهب الآن لرؤية أكرم والتحدث معه …
حملت حقيبتها وخرجت من المنزل وركبت سيارتها متجهة الى المشفى حيث يرقد أكرم ..
وصلت الى هناك واتجهت مباشرة الى غرفته ..
دلفت إلى الداخل فوجدته مستيقظا …
ألقت التحية عليه وجلست جانبه بملامح متوترة قليلا …
تأمل أكرم توترها الواضح بإستغراب قبل أن يسأل :-
” هل هناك شيء يا مريم ..؟! تبدين متوترة قليلا …”
إبتلعت مريم ريقها ثم أومأت برأسها قبل أن تجيب :-
” في الحقيقة نعم .. هناك شيء ما أريد أن أخبرك إياه أكرم ..”
نظر إليها أكرم بإهتمام بينما شبكت هي كفيها أمامها وقالت بتردد :-
” انا أفكر بالتراجع عن الخطبة ..”
رفعت بصرها تتأمل ملامحه المصدومة قبل أن يهمس بنبرة مرتجفة :-
” ماذا تقصدين ..؟! تريدين التراجع عن خطبتنا ..؟!”
هزت رأسها مؤكدة ما قاله دون رد ليسألها مبتلعا دهشته :-
” لماذا ..؟!”
أجابته بصوت جاهدت ليخرج ثابتا رزينا :-
” أظن إننا تسرعنا قليلا .. يعني لمَ لا نأخذ وقتا أكبر قبل التأكد من صحة قرارنا .. ؟!”
ردد ساخرا :-
” تسرعنا ونأخذ وقتا أكبر ..”
أومأت برأسها وأضافت تبرر :-
” انا ما زلت صغيرة للغاية وأمامي سنة دراسية أخرى .. مالذي يجعلني أستعجل في إرتباطي منك .. ؟! يعني لنأخذ وقتا إضافيا ..”
قاطعها بعصبية :-
” ما هذا الهراء الذي تتفوهين به ..؟! نحن نعرف بعضنا منذ الطفولة .. تربينا سويا إن كنتِ نسيتِ .. أي وقتِ تحتاجين بالضبط ..؟! تحدثي بوضوح يا مريم وكفي عن اللف والدوران .. جميع ما تقولينه حجج واهية .. حجج لا أساس لها .. ”
” أكرم إسمعني ..”
قالتها مريم بتوسل لتتفاجئ به يصيح بغضب :-
” لن أسمع شيئا من هذه السخافات .. أريد سماع شيء واحد فقط لا غير .. بعد خروجي من هنا ، هل ستتم خطبتنا كما إتفقنا أم لا ..؟!”
نظرت إليه بعينين زائغتين للحظات قبل أن تجيب بصوت مقهور :-
” لا .. لا يوجد خطبة بعد الآن ..”
………………………………………………………………………..
تجلس أمامه أخيرا بعد عدة أيام مرت دون أن يراها أو يتواصل معها حتى ..
أيام قررت فيها الإبتعاد عنه تماما كي تمنح لنفسها الفرصة لتتخذ القرار المناسب من وجهة نظرها ..
أيام وهو ينتظر قرارها النهائي على أحر من الجمر ورغم إنشغاله الدائم مع صديقه في تجهيز مشروعهما إلا إن عقله لم يتوقف عن التفكير بها وبقرارها الذي بدا له قرار حياة او موت …
” كيف حالك ..؟!”
سألها قاطعا هذا الصمت المغيظ الدائر بينهما فوجدها تبتسم بهدوء وهي تجيب :-
” بخير .. كيف حالك انت ..؟!”
أجابها بنفس الهدوء :-
” بخير .. الحمد لله ..”
عاد يسألها مجددا :-
” كيف يسير العمل معك ..؟!”
أجابته :-
” كل شيء يسير على ما يرام .. وماذا عنك ..؟! هل بدأت التجهيز لمشروعك ..؟!”
اومأ برأسه وهو يجيب :-
” نعم .. ”
” غالية أخبرتني إنك إخترت العمل في مجال الإستيراد والتصدير ..”
كانت تبدو مهتمة بأخباره وأسعده هذا بل أعطاه أملا يخص جوابها المنتظر ..
اومأ برأسه وأخبرها بعض التفاصيل عن شراكته مع صديقه في إفتتاح شركة صغيرة في هذا المجال بعدما إستخدم جزء من أمواله المدخرة وفعل صديقه المثل ..
كانت تستمع له بإهتمام شديد وأسعدها كثيرا إنه بدأ يخرج من شرنقته أخيرا ويتفاعل مع العالم الخارجي وهي واثقة إنه عمله سيمنحه شعور ا مختلفا ويحرره أكثر من أضغاث الماضي ..
جاء النادل ووضع أمامهما طلباتهما ثم أنصرف بعيدا عنهما لتتناول حياة كوب قهوتها وترتشف منه القليل قبل أن تسمع نديم يسألها أخيرا عن السبب الذي جائت لأجله :-
” هل فكرت بعرضي لك يا حياة ..؟!”
وضعت كوبها في مكانه ثم نظرت إليه بصمت للحظات قبل أن تومأ برأسها دون رد ..
سألها وقد بدا متلهفا رغم قلقه لمعرفة الجواب :-
” وماذا قررتِ ..؟!”
أطلقت تنهيدة صامتة ثم ردت بجدية :-
” قبل أن أخبرك قراري .. دعني أخبرك أولا بما أفكر به ويقلقني بشدة.. بما يجعلني مترددة في إتخاذ قرار نهائي .. بما يجعل جوابي على طلبك يتنازع بين القبول والرفض ..”
قال وفي داخله يتفهم حيرتها :-
” تحدثي يا حياة .. أسمعك ..”
أخفضت بصرها قليلا كمن تفكر في صياغة كلماتها قبل أن ترفع نظراتها مجددا نحوه وتهتف بجدية وصدق يشبهها كثيرا :-
” انا حائرة للغاية يا نديم .. قلبي يخبرني أن أقبل عرضك وعقلي يخبرني العكس … عقلي يخبرني إنني سأدخل في علاقة معقدة .. علاقة لا يوجد لي فيها أي ضمان .. ربما لو كان لدي ضمان واحد في هذه العلاقة لوافقت فورا .. أنت قلت إنك تحتاجني .. وماذا بعد ..؟! هل حاجتك لي تكفي لإرتباطنا ..؟! وماذا لو إنتهت تلك الحاجة ..؟! ماذا سيحدث حينها ..؟!”
وجدته يتنهد بصوت مسموع قبل أن يأخذ نفسا ويقول :-
” اسمعيني جيدا يا حياة .. نعم انا قلت إنني أحتاجك .. أحتاجك معي وبجانبي .. لكن هذا لا يعني إن طلبي هذا بدافع الحاجة فقط لا غير .. كلا يا حياة .. انا أريدك .. أريدك بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .. أريدك زوجة وشريكة حياة .. أريدك لإنني وجدت فيكِ كل ما أريده في زوجتي المستقبلية .. أنتِ قوية ، شجاعة ، طيبة و ذكية .. أنت تملكين الكثير من الصفات التي تجعل أي رجل يرغبك كزوجة .. لا أنكر حاجتي لك .. كلا لن أفعل .. انا أحتاجك بحق ولا أظن إن حاجتي لك ستنتهي يوما فأنا دائما ما سأكون محتاجا لدفئك وحبك وعطائك لكن هذا ليس كل ما أريده منك .. انا جاد في طلبي يا حياة وانا شخص لا يعرف المراوغة او التردد .. شخص يدرك جيدا إنك من يريدها ولا يريد سواها ..”
كلماته هزت أعماقها وأثرت بها بشكل مخيف حتى إنها ودت أن تمنحه موافقتها لكنها أبت ذلك ..
عاد الصمت بينهما مجددا وكلماته تتردد داخل عقلها قبل أن تسأله بتردد رغم إصرارها على طرح هذا السؤال :-
” ليلى ..”
توقفت عن بقية السؤال وهي تلاحظ تغضن ملامحه لتسترسل بجدية :-
” هل من الممكن أن يجمعكما شيئا ما مستقبلا ..؟!”
وجوابه كان قاطعا لا يقبل نقاش :-
” مستحيل .. انا وليلى إنتهينا تماما .. ”
ودت أن تسأله إذا ما كانت ما زالت موجوده في قلبه لكنها شعرت بسخافة سؤالها خاصة إنها تدرك جوابه ..
سمعته يقول بجدية :-
” ستكونين أنتِ الوحيدة في حياتي يا حياة .. ثقي بذلك .. ”
تأمل ملامحها التي يغلب عليها التردد فمد كفه يلتقط كفها هامسا بقليل من الرجاء :-
” وافقي يا حياة … كلانا يريد الآخر .. لا تتعبي نفسك بأفكار لا فائدة منها … بعد كل ما حدث تأكدي إننا سنكون بخير سويا .. ”
تلاقت عيناها المترددتين بعينيه المبتسمين بثقة فشعرت بنفسها مغيبة تماما أمام نظراته تلك لتبعد عينيها بسرعة قبل أن تطلق تنهيدة بطيئة وتجيب بهمس خجول لا يخلو من التردد :-
” موافقة …”
…………………………………………………………………..
كانت تجلس على سريرها تحتضن جسدها بين ذراعيها حيث يتحرك جسدها أماما وخلفا بحركة آلية معتادة منذ خروجها من المشفى ..
عيناها شاردتان نحو الأمام وملامحها جامدة كجماد روحها التي فقدت برائتها وعفويتها بعدما حدث …
فُتِحت الباب ودلف هو الى الداخل تتبعه خديجة التي همست بصوتها الباكي :-
” ما زالت على هذه الحالة منذ خروجها من المشفى .. ترفض الطعام والشراب وكل شيء .. ترفض أن أقترب منها حتى .. ”
تأملها عمار بملامح جامدة رغم قلبه الذي يكاد ينفجر ألما على حالها …
أشار الى خديجة بعينيه أن تنصرف قبل أن يتقدم نحوها بخطواته البطيئة حتى وقف أمامها يتأمل حالتها تلك للحظات …
جلس جانبها بتردد ثم وضع كفه فوق كتفها يوقفها عن حركتها تلك ليشعر بإرتجاف جسدها أسفله …
” جيلان ..”
همس بها بخفوت ليرى وجهها يرتجف تماما بل جسدها يرتجف بقوة ..
كل إنش بها كان يرتجف ذعرا …
” جيلان اهدئي ..”
قالها محاولا أن يحيط جسدها بذراعيه لكنها دفعته بعنف وهي تصرخ باكية لأول مرة ..
تصرخ بأعلى صوتها وذكريات ما حدث بدأت تتدفق داخل عقلها مجددا …
لمساته القذرة على جسدها …
قبلاته المقززة …
يده وهي تنزع عنها ملابسها ..
جسده العاري وهو يحتضن جسدها بعد تعريته ..
وأخيرا لحظة إنتزاع عذريتها وإنتهاك برائتها بكل قسوة ممكنة ..
” لماذا …؟!”
خرجت منها صيحة عالية قوية هائجة متهمة متألمة ..
خرجت منها تحمل كل أوجاع روحها الممزقة …
كررتها بنحيب مؤلم وهي تحيط جسدها بذراعيها ترفض أن يلمسها :-
” لماذا ..؟! لماذا ..؟! لماذا ..؟!”
لم يعرف ماذا يعرف وكيف يحتوي حالتها تلك ..؟!
حاول أن يقترب منها لكنها كانت تصده وهي تنزوي على نفسها تنتحب بقوة …
أغمض عينيه بألم وهو يرى حالتها تلك حتى وجدها تهدأ بعد لحظات وهي ما زالت منكمشة على نفسها …
تأملها وهي تميل بجسدها على السرير وذراعيها ما زالتا تحتضنان جسدها النحيل ..
كانت ممددة على السرير بوضعية الجنين وعينيها مفتوحتين بينما ملامحها ساكنة …
سكنت أنفاسه قليلا عندما وجدها سكنت هكذا فجأة فقرر الإنسحاب من غرفتها والبحث عن طبيب نفسي بشكل عاجل ليتابع حالتها …
اما هي ظلت على حالتها تلك متجاهلة كل شيء حولها ..
دخلت خديجة إليها أكثر من مرة كي تطمئن عليها وهي على نفس حالتها ..
حل المساء وجاء منتصف الليل وهي على نفس حالتها …
وقبل مطلع الفجر تحررت من وضعيتها تلك ونهضت من فوق سريرها حيث سارت بقدميها الحافيتين خارج غرفتها …
مشاعرها كانت ثائرة تماما وذكريات إغتصابها عادت تقتحم عقلها دون رحمة …
دلفت الى المطبخ وأخذت تتأمل المكان بعينين زائغتين قبل أن تتأمل السكينة الحادة بهدوء مريب …
سارت نحوها حتى مسكتها بكفها المرتجف فمرت عينيها عليها وبدأت تتذكر نفس اللحظات البشعة التي عاشتها …
أغمضت عينيها بقوة تحاول أن تبعد تلك الذكريات عنها وعندما عجزت عن ذلك عادت تنظر الى السكينة بتصميم ..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)