رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثاني عشر 12 بقلم سارة علي
رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الثاني عشر
رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الثاني عشر
رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الثانية عشر
” من تلك الفتاة وماذا تفعل هنا …؟!”
صدح صوت ليلى يتسائل بحدة عن هوية حياة التي تذكرتها بالطبع لكنها تعمدت أن تسأله عن هويتها …
وجدته يلتفت نحوها بملامح بدت متشنجة وعينيه تحملان نظرة غريبة لم تفهمها ..
نظرة تحمل مزيج من الضيق والحيرة وعدم الراحة …
نظر إليها متأملا ملامحها المحتدة بوضوح فهتف يسألها بعدم إكتراث متجاهلا سؤالها هي :-
” هل إنتهيت مما تريدين قوله أم هناك المزيد ..؟!”
تجهمت ملامحها وهي تعاود سؤاله بإصرار :-
” ماذا كانت تريد تلك الفتاة منك ومن أين تعرفها ..؟! ”
زفر أنفاسه بضيق ثم رد ببرود متعمد :-
” أعرفها منذ مدة .. ”
” وماذا كانت تفعل هنا ..؟! لماذا جائت الى شقتك ..؟!”
أجابها بضيق :-
” لا أعلم .. ”
” لا تجعلني أجن .. مالذي يجعل تلك الفتاة تأتي الى شقتك ..؟! هل علاقتكما قوية الى هذه الدرجة ..؟!”
سألته بعدم تصديق ليحدق في وجهها للحظات قبل أن يجيب بهدوء متعمد :-
” نعم هي كذلك ..”
” هل أنت مهتم بتلك الفتاة ..؟!”
سألته بإنكار وتوجس ليجيب بإقتضاب :-
” هذا ليس من شأنك يا ليلى … من الأفضل أن تذهبي الآن فحديثنا انتهى منذ قليل …”
اعتصرت قبضة كفها وهي تهتف بعدم تصديق :-
” أنت حتى لا تنفي ما قلته … لا تعترض عليه …”
هزت رأسها تهتف بإستنكار :-
” أنت تهتم بتلك الفتاة ..!! لا أصدق ذلك ..”
كز على أسنانه وقال منهيا هذه المحادثة التي أرهقته بشدة :-
” لا تتدخلي فيما لا يعنيك يا ليلى …”
صاحت وقد فاض الكيل بها :-
” أنت كلك تعنيني …”
أضافت أمام ملامحه المتجهمة :-
” أنت بالطبع لن تفعل ذلك بنفسك وبي .. أنت لن تفعل بنا هذا …”
أردفت بعدم تصديق :-
” ابنة البواب يا نديم .. هل وصل بكِ اليأس الى هنا …؟!”
احتدت ملامحه بشكل واضح وهو يصيح بها بقوة وتحذير شديد :
” لا تتجاوزي حدودك معي يا ليلى .. وتلك الفتاة التي يبدو وإنك تسخرين منها هي أفضل فتاة رأيتها في حياتي .. وكونها ابنة الحارس فهذا شيء لا يعيبها أبدا يا ليلى هانم ..”
اتسعت عيناها بعدم إستيعاب لما تسمعه على لسانها وذلك الدفاع الشرس عن حياة يجعلها تدرك مكانة تلك الفتاة عنده ..
مالذي يحدث بالضبط ..؟! لقد وصفها بإنها أفضل من رأى في حياته ..!!
” أنت تمزح .. قل إنك تمزح ..”
سألته بملامح شحبت كليا ونبرة متحشرجة ليعاود الجمود يسيطر على ملامحه وهو يأمرها بحزم :-
” اذهبي يا ليلى .. وجودك هنا معي في شقتي أمرا غير مقبول .. ”
ضحكت تردد بسخرية :-
” وماذا عن وجود تلك الفتاة في شقتك…؟! أمرها مقبول بالنسبة لك ..؟!”
رد بجمود :-
” تلك الفتاة حرة .. ليست متزوجة .. ليست زوجة لرجل من المفترض أن تحترم إسمه الذي تحمله وتحافظ على سمعته وسمعتها أيضا ..”
إبتلعت غصتها داخل حلقها وقالت ببحة متألمة :-
” ماذا تقصد ..؟! ”
ضغط على أعصابه بقوة كي لا يتفوه بما قد يجرحها أكثر فقال بصوت صارم :-
” اخرجي حالا يا ليلى ولا تعودي مرة أخرى .. انا لا أرغب بجرحك أبدا فلا تجبريني على القيام بذلك ..”
عبرات عينيها جعلته يشعر بالقليل من تأنيب الضمير والألم داخله لكنها لم يظهر ذلك لها ..
سمعها تقول بصوت ساخر مرير :-
” لقد جرحتني يا نديم .. لقد جرحتني بالفعل …”
ثم تحركت تخرج من الشقة وهو يتابعها بأنظاره حتى إختفت تماما ليغمض عينيه بتعب قبل أن يفتحها مجددا ويتجه بأفكاره نحو حياة التي رحلت بطريقة أزعجته للغاية دون أن تسمح له بتفسير ما يحدث هنا ..
………………………………………………………….
دلفت الى داخل منزلها بملامح يسيطر عليها الجمود …
جلست على الكنبة التي تتوسط صالة الجلوس بنفس الملامح ..
منذ أن خرجت من شقته وهي تؤنب نفسها على ما فعلته .. لم يكن عليها الذهاب إليه مثلما لم يكن عليها أن تستمع الى كلام غالية ..!!
تصرفها كان خاطئا وهي وحدها من تتحمل تبعاته …
كم كانت ساذجة عندما صدقت كلام غالية بل شعورها الذي أخبرها إنه يريدها حقا لكنه يخشى عليها من ماضيه وما مر به ..؟!
اليوم فقط أدركت الحقيقة التي صفعتها بقوة وبالرغم من ألمها مما رأته لكنها ممتنة كثيرا لإن كل شيء إنكشف أمامها بوضوح ..
من الجيد إنها أدركت الحقيقة مبكرا قبل الإنغماس في علاقة كانت ستعاني بها كثيرا ..
عادت بظهرها الى الخلف تستند به على الحائط وهي تعد نفسها هذه المرة إنها ستنساه …
ستخرجه من حياتها الى الأبد …
نديم لم يعد في حياتها بعد الآن ولن تسمح لنفسها مجرد التفكير به مجددا ..
اعتدلت في جلستها مجددا وهي تحمل هاتفها تنظر إلى شاشته حيث تظهر اتصالات حنين المتكررة بها ..
تنهدت بتعب ثم وضعت هاتفها جانبا مقررة الإتصال بها فيما بعد ثم نهضت من مكانها بنية النوم قليلا قبل الذهاب الى والدها ظهرا …
…………………………………………………………..
وقفت غالية أمام سكرتيرة عمار تطلب منها إخباره إنها تريد الدخول إليه لتخبرها السكرتيرة إنه لم يأتِ الى الشركة بعد ..
استغربت غالية من عدم حضوره فهو لا يغيب عن الشركة الا نادرا ..
سارت خارج مكتب السكرتيرة تفكر في سبب غيابه خاصة إنه لم يأتِ الى المنزل منذ حادثة ليلى …
تنهدت وهي تتحدث مع نفسها :-
” مالذي يجعله لا يأتي الى الشركة وهو الذي لم يفعلها سوى مرات قليلة ..؟! اتمنى ألا يكون في صدد التجهيز لمصيبة جديدة من مصائبه المعتادة ..”
كانت في طريقها الى مكتبها عندما قابلته لتتجهم ملامحها وهي تراه يبتسم لها بخفة مقتربا منها بعينين تلمعان بشدة ..
” غالية هانم .. كيف حالك ..؟!”
أجابته بصوت شديد الجمود :-
” بخير ..”
تجاهل جمودها الصريح معه وردها شديد الإقتضاب فقال وهو ما زال محتفظا بإبتسامته :-
” لن تصدقي كم كنت متحمسا لرؤيتك مجددا .. ”
هتفت وهي تضغط على نفسها وأعصابها كي لا تنفجر في وجهه في وسط الشركة :-
” اسمعني يا هذا …”
صحح لها :-
” فراس .. اسمي فراس ..”
هدرت بصوت قوي رغم خفوته بعض الشيء :-
” لا يهمني اسمك .. ما يهمني أن تلزم حدودك معي ولا تتجاوزها ..”
سأل ببراءة مغيضة :-
” ماذا حدث لكل هذا ..؟! لم أفعل شيئا يستحق هذا الغضب يا غالية ..”
هتفت مستنكرة :-
” ليس من حقك ان تنادي اسمي مجردا هكذا .. هل فهمت ..؟! لست صديقتك كي تفعل ذلك ..”
زوى جانب شفتيه بإبتسامة ملتوية وهو يميل قليلا نحوها هامسا :-
” وما المشكلة إن أصبحنا صديقين يا غالية .. ؟! عفوا انسة غالية ..”
إسترسل أمام ملامحها الواجمة :-
” مع إنني أفضل أن يجمعنا شيئا آخر غير الصداقة ..”
تغضنت ملامحها كليا من تلك النظرة الشغوفة التي تشكلت داخل عينيه لتهتف بصوت قوي :-
” قلة أدبك هذه سأتغاضى عنها هذه المرة لكن إن كررتها فستكون عاقبتها وخيمة بالنسبة لك …”
ثم همت بالتحرك لتجده يقف أمامها يمنعها من التحرك فتشتعل عيناها بنيران تهدد بحرقه حيا …
ابتسم ملأ فمه وهو يقول بإعجاب ظهر على كل لمحة من وجهه :-
” تعجبني شراستك يا غالية .. تعجبني كثيرا .. أظن إنني أخبرتكِ بذلك مسبقا ..”
أرادت أن تصفعه لكنها لم تستطع فبالرغم من كونهما يقفان في ممر فارغ لا يحتوي سوى على مكتب عمار وسكرتيرته لكنها تخشى أن يمر أحدا ويراهما لذا منحته إبتسامة صفراء وقالت :-
” إعجابك بي آخر شيء قد يهمني يا فراس بك ..”
ثم دفعته قليلا وهي تسير بسرعة مبتعدة عنه يتابعها هو بعينين راغبتين وإبتسامة غامضة ارتسمت على شفتيه ..
التفتت متجها نحو مكتب عمار ليجد سكرتيرته هناك تستقبله بترحيب شديد قبل أن تخبره عن عدم حضوره اليوم ..
تجهمت ملامحه منزعجا من تصرفه الغير مقبول بالنسبة له فتحرك خارج المكتب دون أن يستمع لبقية حديث السكرتيرة …
خرج من الشركة وركب سيارته متجها الى منزله وهناك دلف الى الداخل ليتفاجئ بوجود طليقته الى جانب والدته التي إستقبلته بإبتسامة لا تخلو من التوتر :-
” لقد أتت عهد يا فراس …”
ما إن أنهت جملتها حتى صدح صوته حادا :-
” ماذا تفعلين هنا يا عهد ..؟!”
نهضت عهد من مكانها تهتف بنبرة ثابتة رغم إضطرابها من مواجهته :-
” لقد أتيت لأجل إبني يا فراس أم إنك نسيت إنه لدي إبنا عندك ..؟!”
هتف بها وقد تضاعفت حدة صوته :-
“أخبرتكِ أن تنسي ابنك تماما يا عهد …”
صاحت مستنكرة :-
” هل توجد أم تستطيع نسيان ابنها يا فراس ..؟! هل تعي ما تقوله ..؟!”
هدر بقسوة ورؤيتها بعد كل ما حدث بينهما تقضي على كل ذرة تعقل لديه :-
” أنت من إخترت التضحية بإبنك يا عهد فلا تأتي الآن وتعيشي دور الضحية ..”
صرخت بقوة :-
” ومالذي فعلته يا فراس ..؟! أردت الطلاق ..؟! أردت التحرر منك ومن تلك الزيجة التي لم تجلب لي سوى القهر والعذاب … ؟! هذا كل ما فعلته .. ”
أكملت تسأله بروح مرهقة من كل ما مرت به وما زالت تمر به :-
” ما الخطأ الذي إرتكبته ..؟! علامَ تحاسبني بالضبط ..؟! تتحدث وكأنني تطلقت هكذا بدون سبب .. تتحدث وكأنني تعمدت فعل ذلك .. ”
نظرت الى والدته تستنجد بها :-
” تحدثي أنت يا عمتي … قولي شيئا .. هل أصبحت أنا المذنبة فقط لإنني تحررت من زيجة محكوم عليها بالفشل من اول يوم .. ؟! ”
تقدم نحوها يقبض على ذراعها ويهدر بها بقسوة :-
” هذا الكلام لا داعي له فهو لن يغير شيئا .. اخرجي من هنا حالا ولا تفكري أن تأتي مرة أخرى … هل فهمت ..؟!”
حاولت دفعته وهي تصيح :-
” اتركي يا فراس … انا لا أريد منك شيئا سوى ابني .. أعطني ابني ولن تراني بعدها مهما حدث ..”
هتفت والدته بتوسل :-
” لا تفعل ذلك يا فراس .. هي أم وتريد رؤية ابنتها ..”
لكنه لم يهتم بكل هذا حيث جذبها بقوة دافعا إياها خارج صالة الجلوس ومنه الى خارج الفيلا ..
كان يتصرف كالمعمي وذكرياتهما سويا تتدفق داخل عقله بشراسة ..
وقبل أن يغلق الباب كان يخبرها بتهديد:-
” إذا فكرتِ في القدوم الى هنا مرة أخرى فلن أتردد لحظة واحدة في ضربك حتى تصرخي ألما أو ربما قتلك أيضا …”
أغلق الباب في وجهها ليلتفت نحو والدته بملامح شيطانية مخيفة فيخبرها بصوت قوي حاد :-
” عهد لن تدخل الى هذا المنزل مجددا مهما حدث …”
ونبرته الآمرة المخيفة جعلتها تهز رأسها موافقة بصمت دون أن تستطيع الرد بأي شيء ..
……………………………………………………………
” هذا الفستان مناسب جدا .. أحببته كثيرا ..”
قالتها مريم وهي تشير الى احد الفساتين المعروضة على الانترنت ليتأمله أكرم قليلا قبل أن يبتسم وهو يقول :-
” إنه رائع حقا .. سيليق بك كثيرا ..”
وضعت جهازها الألكتروني جانبا وقالت بجدية :-
” كل شيء يليق بي يا أكرم .. لو إرتديت أبشع فستان في هذا الكون سيبدو رائعا علي …”
ضحك وهو يقرصها من أنفها مرددا :-
” هذه حقيقة لا جدال فيها … القالب غالب كما يقولون …”
ابتسمت برضى ثم عادت تحمل جهازها تعبث به فتسمعه يسألها :-
“غدا سنذهب الى القاعة يا مريم حتى تحددي ما تريدين .. ”
أومأت برأسها متفهمة وأجابت بينما تركيزها ينصب على أحد الأحذية المعروضة على الشاشة :-
” حسنا .. ”
رفعت وجهها من فوق الجهاز عندما وجدت ليلى تسير بسرعة غريبة نحو السلم مارة من جانب صالة الجلوس التي يجلسان بها وقد شعرت مريم إن هناك شيء ما يحدث معها غير طبيعي ..
” سأذهب الى ليلى وأتحدث معها ..”
قالتها وهي تنهض من مكانها لينهض أكرم بدوره وهو يقول :-
“وأنا أيضا سأذهب فلدي أعمال مهمة يجب أن أنتهي منها اليوم ..”
سارت معه الى الخارج تودعه قبل أن تتجه بعدها الى الطابق العلوي حيث غرفة ليلى ..
وصلت الى غرفتها فطرقت على الباب أكثر من مرة دون أن تحصل على رد فإضطرت الى الدخول بعد شعورها بالقلق من أجلها ..
دلفت الى الغرفة لتجدها تقف أمام النافذة تتطلع خارجها بشرود عاقدة ذراعيها أمام صدرها ..
” ليلى .. هل أنتِ بخير ..؟!”
سألتها وهي تتقدم نحوها بلهفة لتسمع صوت ليلى تقول دون أن تلتفت نحوها :-
” لا أرغب بالتحدث مع أي أحد الآن يا مريم …”
ازداد قلق مريم عليها فقالت :-
” أين كنت صباح اليوم ..؟! وماذا حدث معك …؟!”
” ألم تسمعِ ما قلته ..؟! لا أريد التحدث …”
قالتها ليلى بقليل من الحدة لتزفر مريم أنفاسها بقوة ثم تهتف وهي تحاول السيطرة على نفسها :-
” حسنا ، كما تريدين لكن تذكري دائما إنني موجوده متى ما أردتِ الحديث ..”
انسحبت بعدها من الغرفة تاركة ليلى تنظر أمامها بعينين دامعتين وشعور الإختناق يسيطر عليها …
اتجهت نحو السرير تجلس عليه بملامحها الباكية وهي تتمنى الخلاص من كل هذا …
تتمنى الخلاص فقط لا غير …
سقطت دموعها على وجنتيها بغزارة وهي تحاول فهم سبب ما يحدث معها …
أين أخطأت هي كي تعاني من كل هذا …؟!
ما ذنبها بالضبط …؟!
هل تضحيتها لأجل حماية نديم هي خطأها ..؟!
هل رغبتها في الحفاظ عليه هي خطأها ..؟!
شهقت باكية بألم يمزق روحها وقلبها الذي يرفض التحرر من كل هذا العذاب المحيط به ..
…………………………………………………………
كان يقف أمام النافذة ينظر الى الشارع الخارجي بملامح غير مقروءة…
عقله يفكر بها وبما أخبرته به …
مرت ثلاثة أيام وما زال حديثها يعبث في قلبه الى جانب عقله الذي لا ينفك أن يفكر بما قالته ..
يعلم إنها لا تكذب وإنها ستنفذ ما قالته مثلما يعلم إنه لن يصمت ولن يتركها تذهب الى غيره ..
مريم ملكه منذ الأزل .. منذ أن وقعت عيناه عليها وهي لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها ..
منذ ذلك الحين وأصبحت له .. برضاها أو غصبا عنها هي له وحده …
عاد بذاكرته الى الخلف حيث اول لقاء جمعها به ..
ذلك اللقاء المحفور في ذهنه والذي يتذكره كما لو إنه حدث منذ لحظات ..
أغمض عينيه وتلك الذكريات تتسرب اليه :-
( دلف عمار الى الحديقة التي يقام بها الحفل بملامح ممتعضة قليلا …
لم يكن يرغب في القدوم لولا إصرار غالية على حضور حفل ميلادها …
سار بخطوات رتيبة الى الداخل عندما انتبه لا إراديا الى ليلى التي تتسلل مع نديم الى الحديقة الخلفية ..
رأهما من بعيد فزاد إمتعاض ملامحه وهو يتذكر ما فعلته معه …
يحقد عليها كثيرا .. هو في الحقيقة يكرهها منذ زمن .. منذ أن أدرك مشاعرها ناحية أخيه الأصغر .. هو يكره أي شيء يخص نديم فكيف اذا كانت الفتاة التي تحبه ..؟!
زفر أنفاسه بضيق وهو يتذكر لقاءه مع شيرين التي يبدو إنها نسته تماما ..
ربما هو بدوره تناساها ولم يتذكرها خلال العام المنصرم إلا مرات قليلة لكن هذا لا يمنع من إنزعاجه من حقيقة تجاوز مشاعرها نحوه كما أخبرته هي …
انتبه الى والده الذي أشار له ان يقترب فتقدم نحوه على مضض مضطرا لتحيته …
شعر بالراحة قليلا لعدم وجود زوجته جانبه فسار نحوه حتى وصل لينهض والده من مكانه ويحتضنه بسعادة يقابلها هو بجمود لا ينتهي …
شعر بغالية التي تقدمت نحوه تلقي نفسها بين أحضانه بفرحة شديدة ووالده يتأملها بحبور لا يخفى عليه …
ابتعدت عنه تهتف بنفس الفرحة :-
” سعدت كثيرا بمجيئك …”
رسم إبتسامة مصطنعة لم تصل الى عينيه وهو يقول :-
” كل عام وانتِ بخير يا غالية …”
ثم أخرج من جيبه علبة زرقاء تحتوي على خاتم ثمين أخذتها منه بسعادة عارمة ثم فتحتها وشهقت بإعجاب من جمال الخاتم وتصميمه الرائع …
سارعت تقبله من وجنتيه وهي تشكره من أعماق قلبها ليتأملها عمار بحيرة من حبها الصادق له رغم جفائه الصريح معها …
انتبه الى والده الذي يطلب منه الجلوس فجاوره في جلسته بضيق خفي ليسمع والده يخبره بتردد :-
” من الجيد إنك أتيت يا عمار .. ريتاج ابنة صالح صديقي المقرب ستأتي الى الحفل .. أريدك أن تتعرف عليها فأنا أرى بها الزوجة المناسبة لك ..”
احتدت ملامحه وهو يهتف بعدم تصديق :-
” عفوا .. ماذا ترى فيها ..؟! هل تفكر في تزويجي فتاة من إختيارك …؟!”
تنهد والده وقال بجدية :-
” دعني أشرح لك اولا .. انت تعرف إن صالح صديقي كان وزيرا لأعوام طويلة وابنه اليوم يتجهز لدخول عالم السياسة … ريتاج ابنة عائلة عريقة .. عائلة ستكون أكبر داعم وسندا لك في مجال عملك الذي إخترته .. إنها فتاة يحلم بها أي شاب .. فتاة جميلة ومثقفة وابنة عائلة محترمة وأرى إنها تناسبك وخسارة أن تذهب لغيرك …”
رد عمار بهدوء مصطنع :-
” أنا لا أفكر بالزواج الآن يا أبي وعندما أفكر بذلك سأتزوج الفتاة التي أختارها أنا ولست أنت …”
أضاف بسخرية متعمدة :-
” لماذا أنت مهتم بتزويجي بهذه السرعة ..؟! هل تخشى أن أتزوج ممن لا تليق بإسمي ومركزي كما فعلت أنت يوما ما …؟!”
أطلق والده تنهيدة متعبة وهو الذي لم يتخيل أن يتجه الحديث الى هذه النقطة فقال بصدق :-
” إذا كنت ستختار فتاة تشبه والدتك فلن أمانع بالطبع … والدتك كانت أفضل إمرأة رأيتها في حياتي يا عمار وستكون محظوظا إن تزوجت بمن تشبهها ولو قليلا حتى ..”
التوى فم عمار مرددا بسخرية مريرة :-
“ولذلك تزوجت عليها ودمرتها تماما ..”
الألم الذي ظهر على ملامح والده لم يؤثر به بل كان يتمنى أن يراه متألما أكثر وأكثر ..
هو لا يصدق عذابه الذي يظهر على وجهه كلما ذكر سيرة والدته أمامه مثلما لم يصدق بكاءه عليها وإنهياره الغريب يوم وفاتها …
انتبه الى صباح التي تقدمت نحويهما فهتف بإزدراء :-
” أعذرني يا أبي لكنني سأنهض الآن … لقد جاءت عقربتك وأنت تعرف إنني لا أطيق رؤية وجهها …”
ثم نهض من مكانه دون أن يسمع رده ..
سار بملامح جامدة خارج الحديقة عندما توقف بجانب البوابة الخارجية للفيلا يدخن سيجارته …
لحظات وفوجئ بقطة لا يعرف من أين أتت تقفز عليه وصوت فتاة تنادي عليها وهي تركض اتجاهها :-
” توقفي … انتظري ..”
ثم أشارت له :-
” إمسكها من فضلك ..”
ثم سارعت تجذب القطة من يده ما إن وصلت إليه لتتأملها عينا عمار لا إراديا وهي تحتضن القطة وتربت عليها وتتحدث معها بكلمات لم ينتبه عليها …
مراهقة صغيرة ذات شعر أشقر مموج قصير نوعا ما وعينين زرقاوين …
ترتدي فستانا أبيض يتسع عند خصرها قليلا ويصل طوله الى ركبتيها وفي قدميها حذاء مسطح من نفس اللون …
عاد ينظر الى وجهها ليجدها ترفعه نحوها وهي تبتسم بشكل محبب فسيطرت إبتسامتها على حواسه للحظات …
” أعتذر منك .. لكن جيسي متوحشة قليلا …”
رفع حاجبه مرددا :-
” جيسي ..!!”
أومأت برأسها و عادت تقول وهي تمرر أناملها في فرو القطة :-
” جيسي قطتي … ”
نظر الى القطة والتي للغرابة بدت تشببها كثيرا في لونها الأشقر وعينيها الزرقاوين الحادتين …
سألها بعدما عاد ينظر الى وجهها :-
” من أنتِ ..؟!”
أجابته تعرف عن نفسها ببساطة محببة :-
” انا مريم … مريم سليمان ابنة احمد سليمان .. هل تعرفه ..؟!”
هز رأسه محاولا السيطرة على ملامح الكره التي سيطرت على روحه وأجاب :-
” نعم ، بالطبع أعرفه …”
ابتسمت بخفة ثم تحركت وهي تحمل قطتها مبتعدة عنه لكنها سرعان ما إستدارت عائدة نحوه تسأله بفضول واضح :-
” نسيت أن أسألك .. من أنت ..؟!”
أجاب بهدوء متمعنا النظر في ملامح وجهها التي جذبته بشدة :-
” انا عمار .. عمار الخولي ابن حسين الخولي ..”
صاحت تسأله بدهشة :-
” أنت أخو غالية ونديم ..؟!”
رد يومأ برأسه :-
” نعم … ”
ضحكت وهي تقول :-
” كنت أسمع غالية تتحدث عنك أحيانا …”
أضافت تغمز بشقاوة سلبت لبه :-
” لكنها لم تخبرني إن أخيها الأكبر وسيم الى هذا الحد ..”
سيطر على نبضاته المهتزة بسببها وسألها بحاجبين معقودين :-
” كم عمرك أنتِ ..؟!”
إبتسمت تسأله بخفة :-
” كم برأيك ..؟!”
أردفت وهي ما زالت محتفظة بإبتسامتها :-
” انا في الخامسة عشر من عمري …”
وعندما وجدته يتأملها بتركيز همست بمرح :-
” صغيرة جدا .. أعلم ذلك ..”
عاد ينظر إلى عينيها تحديدا مرددا بغموض :-
” الصغيرة تكبر ..”
لم تنتبه الى نبرته الغير إعتياديه فهزت رأسه تهتف بعفوية :-
” معك حق .. سأذهب الآن … هل ستبقى أنت هنا ..؟!”
” سأدخل بعد قليل ..”
قالها بقليل من البرود لتومأ برأسها متفهمة وتعاود الدخول الى الفيلا وهي تحمل جيسي بين ذراعيها …
تبعها بعد مدة حيث عاد الى الحفل مجددا ليبحث بعينيه لا إراديا عنها فوجدها ترقص مع أحد الشباب والذي يبدو قريبا منها عمرا ..
تتمايل بجسدها بين ذراعيه وفستانها الناعم يتطاير حولها ..
بدت جذابة بشدة رغم سنوات عمرها القليلة ووجد نفسه ينجذب إليها ولا يزيح نظره عنها لحظة واحدة …
صغيرة هي لكنها ستكبر يوما ما ..!! صغيرة هي لكنها إستحوذت على إنتباهه كاملا ..!!
لم يكن يعلم عمار في تلك اللحظة إن الصغيرة ستكبر وتكبر معها مشاعره ورغبته بها ..
عشقه لها سيكبر مع مرور الاعوام ومعه يكبر إنتقامه المنتظر ويزداد حقده على من حوله …!!)
فتح عينيه فبدتا مظلمتين بشكل مرعب …
كل شيء به في تلك اللحظة كان ينبض بإسمها ..
هي وحدها دون عن الجميع من إستحوذت على قلبه وهي وحدها من ستدفع ثمن هذا …
ليس عمار الخولي من يتنازل عن إمرأته ومريم إمرأته منذ زمن بعيد …
أفاق من شروده على صوت بوسي وهي تتقدم نحوه وتلمس كتفه قائلة بغنج :-
” من الجيد إنك لن تذهب الى الشركة اليوم .. هذه فرصي لتعويضي عن غيابك طوال الأيام السابقة ..”
ضحك رغما عنه وسألها بعدما إلتفت نحوها :-
” هل تشتاقين لي الى هذا الحد يا بوسي ..؟!”
هتفت بتنهيدة حارة :-
” كثيرا كثيرا …”
سألها بصوت ماكر :-
” إلامَ تشتاقين بالضبط …؟!”
هتفت وهي تقبل ذقنه بشغف :-
” أشتاق الى كل شيء فيك … الى قبلاتك .. عناقك .. جسدك وهو يحتضن جسدي .. أشتاق إليك بشدة يا عمار .. هل يكفيك هذا أم تود سماع المزيد …؟!”
انحنى نحوها يقبلها برقة تجاوبت معها بلهفة .. رقة سرعان ما تحولت الى قبلات عنيفة ويده تلمس مختلف انحاء جسدها بحميمية أطاحت بكل ذرة في كيانها ..
بعد مدة كانت تتوسط أحضانه حيث يمرر هو أنامله بين خصلاتها وهي ساكنة شديدة الرضا بين ذراعيه بعدما حدث بينهما منذ قليل وما تشاركاه سويا ..
سمعت صوت هاتفه يرن فإعتدل في جلسته ينظر الى المتصل ليجده أحد الموظفين المكلفين بمراقبة ليلى ..
رد عليه بسرعة يستمع الى حديثه قبل أن يسأله :-
” جيد .. استمر في مراقبتها ولا تدعها تغيب لحظة واحدة عن عينك وإلا ستعرف حينها ما سأفعله بك ..”
أغلق الهاتف وألقاه جانبا ليسمع بوسي تسأله برقة :-
” ماذا حدث ..”
التفت نحوها يتأملها قليلا ليبتسم بخبث وهو يزيح ذلك الغطاء المحيط بجسدها العاري بعيدا ثم يقول بعدما أصبح فوقها وقبلاته تغرق وجهها :-
” هذا ليس الوقت المناسب لأسئلة كهذه .. هناك اشياء أهم بكثير يا بوسي ..”
وصوت ضحكاتها العالية كان ما ينتظره هو منها ..
……………………………………………………….
في صباح اليوم التالي ..
وقفت ليلى امام الفيلا تتأملها للحظات وذكريات ما عاشته هنا يقتحم عقلها بلا رحمة …
ذكريات تجمع بين الفرح والحزن والخيبة والضياع …
تنهدت بوجع وهي تضغط على جرس الباب لتفتح الخادمة الباب لها فتبتسم بسرعة مرحبة بها :-
” ليلى هانم .. اهلا بك .. أنرتِ الفيلا بوجودك …”
رسمت ليلى إبتسامة ضعيفة على محياها وهي تدلف الى الداخل فتضيف الخادمة :-
” الحمد لله على سلامتك يا هانم ..”
” أشكرك … ”
قالتها ليلى وهي ما زالت محتفظة بإبتسامتها الضعيفة ثم سألتها :-
” أين خالتي ..؟!”
أجابتها الخادمة بجدية :-
” في غرفتها يا هانم .. سأناديها لكِ إذا أردت …”
قالت ليلى بسرعة وهي تتجه نحو الطابق العلوي :-
” كلا سأذهب انا لها …”
ثم ارتقت درجات السلم حيث وصلت الى غرفتها لتطرق على الباب بخفة فيأتيها صوت صباح يسمح لها بالدخول ..
دلفت ليلى الى الداخل بتردد لترفع صباح وجهها كي تتعرف على هوية الداخل فتنصدم من وجود ليلى هنا وهي التي خرجت من المشفى منذ ايام قليلة ..
أغلقت ليلى الباب خلفها وتقدمت نحوها تسألها بملامح شاحبة قليلا :-
” كيف حالك خالتي ..؟!”
نهضت صباح من مكانها وسارت نحوها تجيب :-
” انا بخير يا ليلى ..”
ثم وقفت أمامها وقالت :-
” الحمد لله على سلامتك حبيبتي …”
قبلتها صباح من وجنتيها وإحتضنتها بحب قبل أن تبتعد عنها تسألها :-
” هل أنتِ بخير ..؟!”
أجابت ليلى بهدوء :-
” جسديا نعم ولكن نفسيا .. ”
صمتت قليلا تتأمل نظرات خالتها القلقة فتضيف بضعف :-
” انا اسوء ما يكون …”
جذبتها صباح من كفها وأجلستها على الكنبة جانبها وسألتها بإهتمام :-
” ماذا حدث حبيبتي ..؟! هل هناك شيء جديد حدث مهم ..؟!”
أومأت ليلى برأسها وقالت :-
” رفعت دعوى طلاق ضد عمار ..”
تنهدت صباح وقالت :-
” أعلم .. أخبرتني والدتك البارحة بذلك ..”
” سأتطلق منه يا خالتي .. لن أتحمل البقاء على ذمته ثانية واحدة بعد الآن ..”
هزت صباح رأسها متفهمة وقالت :-
” حقك يا ابنتي .. لقد تعذبت كثيرا في هذه الزيجة ..”
رددت ليلى بألم :-
” نعم كثيرا يا خالتي .. لكنني لست نادمة أبدا .. هل تعلمين لماذا ..؟!”
نظرت إليها صباح بصمت لتضيف وقد ترقرقت الدموع داخل عينيها :-
” لإن نديم يستحق .. يستحق التضحية يا خالتي …”
قالت صباح بسرعة وهي تحتضن كفيها :-
” وأنا ممتنة كثيرا لتضحيتك يا ليلى واتمنى ان يأتي اليوم الذي أستطيع به تعويضك عن كل ما مررت به ..”
ظهر الأمل من جديد على ملامح ليلى التي كانت يائسة منذ لحظات فقالت وهي تضغط على كفي خالتها :-
” انا واثقة من هذا .. واثقة إنك ستقفين جانبي وتساعديني أيضا …”
” بالطبع ..”
قالتها صباح بتردد لتهتف ليلى بدموع لاذعة :-
” نديم يبتعد عني تدريجيا .. أشعر إني أفقده مع مرور الوقت .. ظننت إن بعد طلاقي من عمار ستنصلح الأمور بيننا تدريجيا لكن ما أراه هو العكس تماما ..”
قالت صباح بجدية رغم ترددها قليلا :-
” يا ابنتي .. لقد أخبرتك مسبقا .. علاقتكما باتت مستحيلة بعد كل ما حدث ..”
” لماذا ..؟! لماذا باتت مستحيلة يا خالتي ..؟!”
سألتها بنبرة باكية لترد صباح :-
” لقد حدثت الكثير من الأشياء بينكما يا ليلى .. من الصعب أن ينسى نديم حقيقة زواجكِ من أحبه .. ”
قاطعتها ليلى بصوت متحشرج :-
” لكنني فعلت هذا لأجله .. لأجله هو يا خالتي وانتِ تعلمين ذلك …”
أومأت صباح برأسها وهي تقول :-
” نعم أعلم .. ولكن يا ابنتي ما حدث قد حدث .. أخبرتك مسبقا أن تنسيه … ”
” أنسى حب حياتي يا خالتي .. أنسى الرجل الذي فعلت كل شيء ممكن لحمايته .. ماذا أنسى بالضبط ..؟!”
حدقت بها صباح دون أن تستطيع الرد بينما أخذت ليلى تمسح دموعها وهي تردد بقوة :-
” انا لن أتخلى عن نديم مهما حدث … هو لي وانا له ..ولن أسمح لأي فتاة آخرى أن تأخذه منه …”
أضافت عن قصد :-
” ولا حتى ابنة الحارس ..”
عقدت صباح حاجبيها تسألها بإستغراب :-
” عمن تتحدثين بالضبط يا ليلى ..؟!”
أجابتها ليلى وهي تبتسم بتهكم :-
” عن ابنة حارس الفيلا السابق يا خالتي …عن حياة .. ”
” وما علاقة تلك الفتاة بنديم يا ليلى ..؟! انا لا افهم شيئا ..”
هتفت ليلى بصوت متألم لا يخلو من الغضب :-
” تجمع نديم بتلك الفتاة علاقة وطيدة يا خالتي ..”
همست صباح بعدم تصديق :-
” معقول ..؟!”
قالت ليلى بسخرية مريرة :-
” تزوره في شقته أيضا ..”
” هذا مستحيل …”
قالتها صباح بإستنكار قبل أن تضيف :-
” ماذا تقصدين بذلك ..؟! نديم ليس من هذا النوع والفتاة تبدو محترمة للغاية ..”
هتفت ليلى بصوت جاد :-
” والله هذا ما أعرفه وأنا متأكدة مما أقوله كما إن نديم مهتم بها كثيرا … كثيرا للغاية يا خالتي ..”
” من أين علمتِ بهذا ..؟!”
سألتها صباح بذهول لتجيب ليلى بإختصار :-
” ليس هذا المهم .. المهم إنني متأكدة مما أقوله ..”
ثم سارعت لتقبض على كفي خالتها تتوسلها :-
” افعلي شيئا يا خالتي .. لا أريد أن أفقد نديم … لا أريد ذلك …”
سألتها صباح بقلق :-
” ما بالك تتحدثين وكأن نديم بالفعل مرتبط بها ويحبها أيضا ..؟!”
تنهدت ليلى وقالت :-
” انا أخبرتك بما اعرفه وأنتِ يجب أن تجدي حلا … إن لم يكن لأجلي فلأجله هو … نديم يستحق فتاة أفضل منها .. فتاة تليق به وبمكانة عائلته .. أليس كذلك يا خالتي ..؟!”
اكتفت صباح بإيماءة من رأسها كرد على حديثها وعقلها بدأ يسبح بعيدا في أفكاره غير مصدقة بعد لما سمعته ..
……………………………………………………………..
خرجت حياة من منزلها متجهة الى المشفى عندما سمعت صوت رنين هاتفها الموضوع داخل حقيبتها ..
أخرجت الهاتف من حقيبتها لتتجمد مكانها للحظات بعدما وجدته يتصل بها ..
مالذي يريده منها ..؟! ألم ينتهِ كل شيء بينهما منذ آخر لقاء جمعهما ..؟! لماذا يتصل مجددا ..؟!
أرادت عدم الرد لكنها وجدت إن هذا ليس حلا ..
ستجيبه وتخبره ألا يتصل بها مجددا ..
أجابته بالفعل ليأتيها صوته يحمل اللهفة :-
” حياة … من الجيد إنك أجبت على مكالمتي …”
ردت بهدوء :-
” ولمَ سأمتنع عن الرد ..؟!”
سمعت صوت تنهيدته فتوترت قليلا لكنها أزاحت هذا جانبا فعليها الثبات وعدم إظهار أي إضطراب او توتر ..
” أريد رؤيتك يا حياة ..”
قالها نديم بجدية لتهتف بسرعة :-
” لا يمكن ذلك …”
سألها مستغربا :-
” ماذا يعني هذا الآن ….؟!”
ردت محتفظة بنفس النبرة الهادئة الثابتة :-
” في الحقيقة يا نديم بك من الأفضل ألا نلتقي ولا نتواصل بأي طريقة مجددا .. أنت قلت ما لديك في آخر لقاء جمعنا وإنتهى كل شيء حينها …”
” لكنكِ أتيتِ البارحة …”
قاظعته بجدية :-
” نعم .. أتيت بالفعل لأعطيك ما تبقى من أموال تخص حساب المشفى وعندما وجدتك مشغولا قررت أن أغادر وأرسل لك الأموال فيما بعد …”
أضافت بجدية :-
” من الآن فصاعدا أنا سأدفع حساب المشفى بنفسي لإني تدبرت الأموال الكافية لذلك …”
” إذا أنتِ تقطعين كل مجال للتواصل بيننا بعد الآن ..؟!”
لا يعرف لماذا شعرت بالقليل من المرارة في نبرته لكنها لم تهتم فهي قررت وانتهى ..
” نعم لإن هذا ما يجب ان يحدث وأنت أول من قلت هذا ..”
حل الصمت المطبق بينهما للحظات فكانت تسمع أصوات أنفاسه الهادرة …
كان يقاوم ذاته كي لا يتفوه بالمزيد وهي لا تعلم بذلك ..
لا تعلم بما يشعر وماذا يفعل بنفسه كي يسيطر على إنفعالاته ..
قال أخيرا بصوت بارد :-
” كما تشائين يا حياة …مع السلامة .. ”
ثم أغلق الهاتف في وجهها دون أن ينتظر رد فنظرت الى الهاتف بألم قبل أن تعيده داخل حقيبتها …
سارت متجهة الى المشفى ووصلت هناك بعد مدة لتجد الطبيب يخرج من عند والدها وملامحه لا تبشر بالخير …
تقدمت نحوه بلهفة تبادره بالسؤال لكنه سبقها وهو يقول :-
” البقية في حياتك يا انسة ..”
وهنا شعرت بعالمها يتحطم بالفعل ..
………………………………………………………….
رمى نديم هاتفه جانبا ورغبته في تحطيم اي شيء يجده أمامه تسيطر عليه ..
هوى بجسده على الكنبة ويشعر بروحه منهكة لم تعد بإمكانها تحمل المزيد …
مشاعره متخبطة ولا يعرف ماذا يريد ..
عندما أخبرته بضرورة قطع أي تواصل بينهما شعر وكأن هناك شيء تحطم داخله .. وكأنه فقد النور الوحيد في حياته … او ربما الألم الوحيد ..
كل شيء يحدث عكس ما يريد …
وكل شيء يحدث لا يناسبه …
ربما لم يكن عليه التعلق بها وهو يدرك جيدا إستحالة إجتماعهما…
نعم تعلق بها .. أحب وجودها .. إرتاح بقربها .. وتمنى وصالها مجددا …
كم هو غبي ليحرم نفسه من نعيم وجودها في حياته ..؟!
لكنه فعل هذا لأجلها .. لأجل حمايته منه ومن ظلامه ..
مسح على وجهه بتعب وهو يفكر إن عليه أن ينسى .. أن يتخطاها كما تخطى الكثير قبلها .. ليست اول من فقده وبالتأكيد لن تكون الأخيرة ….
سمع صوت جرس الباب يرن فنهض بخطوات متعبة نحو الباب يفتحه ليجده أمامه ..
تجمدت ملامحه للحظات وهو يراه يتأمله بملامح متسلية ..
سمعه يقول بنفس التسلية :-
” هل ستبقى تنظر الي هكذا …؟! ألن تطلب من أخيك الكبير الدخول الى شقتك ..؟!”
فسح نديم المجال له ليدخل فهو يريد معرفة ما يريد …
اغلق الباب وسار نحوه محتفظا بجمود ملامحه قائلا بصوت بارد :-
” ماذا تريد ..؟!”
وقف أمامه مباشرة فقال عمار بسخرية :-
” بالتأكيد لا أريد رؤيتك او الإطمئنان عليك … ”
” إذا ما هو سبب تشريفك لي ..؟!”
قالها نديم بنفس التهكم ليدور عمار بأنظاره في مختلف ارجاء الشقة قبل أن يقول بجدية :
” جئت لأحذرك … ”
” مم تحذرني ..؟!”
سألها نديم بتهكم ليجيب عمار ببساطة :-
” من سماحك لزوجتي أن تزورك هنا وانت شاب عازب تعيش لوحدك …”
تجهمت ملامح نديم بيتنا أكمل عمار بنبرة ذات مغزى :-
” انتبه على نفسك فلا ينقصك ان تسجن مجددا بتهمة الزنا يا نديم …”
اشتعلت عينا نديم وهو ينقض على ياقة قميصه يصرخ به :-
” احترم نفسك يا عمار … لست قذرا مثلك لأقوم بشيء كهذا …”
ضحك عمار غير مباليا بقبضته تلك وهو يردد بمكر :-
” الحب يفعل الكثير يا نديم وربما يجبرك على ما لا يناسبك أخلاقك العليا … فقط لأجل الحب ..”
حرر نديم ياقة قميصه وقال بقرف :-
” اطمئن انا اخر من يفعل ذلك .. انا لا أطعن يا عمار .. لا أخون .. لا أسرق ما ليس لي .. هذه أخلاقي التي تربيت وكبرت عليها وأنت تعرف ذلك جيدا ..”
ضحك عمار لا إراديا ثم قال من بين ضحكاته :-
” لا داعي لكل هذا الموشح الطويل .. بإمكانك أن تقول بإنك وجدت البديل … البديل الذي يغنيك عن ليلى ..”
سأله نديم بتحفز :-
” من تقصد ..؟!”
عاد يضحك مجددا ثم قال :-
” حياة .. ابنة فاضل .. أنتما تشكلان ثنائيا رائعا .. تلقيان ببعضكما كثيرا …”
أضاف وهو يلاحظ جمود ملامح وجهه :-
” هل تريد الصراحة يا نديم ..؟! الفتاة مختلفة .. حقا مختلفة .. بها شيء جذاب .. مليئة بالحياة .. عندما تراها تشعر بسعادة غريبة تطفو داخلك ..”
انقض نديم عليه يدفعه نحو الحائط خلفه يخنقه بقسوة وهو يهدر به :-
” إياك أن تجلب سيرتها على لسانك النجس يا عمار … ”
زاد من قبضته حول رقبته وهو يردد:-
” لن أسمح لك بأن تتحدث عنها بهذا الشكل .. هل فهمت ..؟!”
ثم ابتعد عنه ليأخذ عمار أنفاسه بصعوبة للحظات قبل أن يرفع وجهه نحو نديم الذي هتف أخيرا بتحذير واضح :-
” حياة خط أحمر يا عمار .. لن أسمح لك أن تلوثها بقذارتك ..”
منحه عمار إبتسامة خبيثة هاتفا بإستفزاز :-
” هل تخشى أن أخطفها منك هي الأخرى ..؟!”
وفي تلك اللحظة كان يتجه نديم نحوه مجددا يلكمه بقوة أطاحت به أرضا قبل أن ينقض عليه ويلكمه عدة مرات وقد فقد وعيه تماما في تلك اللحظة فبات غضبه هو من يحركه ..
( الجزء الثاني )
بعد مرور يومين …
تجلس على سريرها تحتضن ساقيها بذراعيها .. عيناها تذرفان دموعا لا تتوقف وروحها تأن ألما …
وحيدة هي وما أصعب هذا الشعور الذي يمزقها بلا رحمة ..
قلبها يبكي قبل عينيها وروحها تنتحب دون توقف ..
حاولت كتم شهقاتها لكنها لم تستطع فعلت تدريجيا حتى وصلت أوجها …
فُتِحت الباب ودلفت مي التي سارعت تحتضنها محاولة التخفيف عليها والشد من أزرها ..
كانت المرة الاولى التي تنهار فيها رغم مرور يومين على وفاته وهي كانت تنتظر إنهيارها علها تهدأ بعدها قليلا ..
ظلت تربت على كتفها وحياة تبكي بين ذراعيها وشهقاتها تعلو وتبطأ بالتوالي …
بعد مدة من الوقت توقفت حياة عن بكائها لتبتعد قليلا من بين أحضان مي وهي تمسح على وجهها الذي أصبح منتفخا شديد الإحمرار من شدة بكائها ..
نهضت من مكانها متجهة نحو الحمام حيث أخذت تغسل وجهها ثم جففته بعدها وخرجت لتجد مي تقترب منها وهي تسألها :-
” هل أصبحتِ أفضل الآن ..؟!”
منحتها إبتسامة شاحبة وهي تومأ برأسها ثم قالت بصوت خرج مرهقا :-
” سأنام قليلا …”
ابتسمت مي وهي تقول بتعاطف :-
” ارتاحي حبيبتي .. انا باقية معك ..”
اتجهت نحو غرفتها بالفعل وتمددت على السرير حيث أغمضت عينيها لتغفو بعد لحظات …
لا تعلم كم مر من الوقت وهي نائمة لكنها استيقظت في نهاية المطاف على صوت مي وهي توقظها بتمهل ..
فتحت عينيها أخيرا لتتأمل مي للحظات قبل أن تستوعب ما يحدث فسألتها بنبرة ضعيفة وهي تعتدل في جلستها :-
” ماذا هناك ..؟!”
بدا التردد واضحا على ملامح مي وهي تخبرها :-
” والدتك في الخارج …”
هزت حياة رأسها متفهمة ونهضت من مكانها وقالت :-
” حسنا .. سأغير ملابسي وأخرج لها ..”
تعجبت مي من هدوئها وهي تتحدث رغم إدراكها مدى رفضها لوالدتها ..
” أختك معها أيضا .. سأجلس معهما حتى تنتهي من تغيير ملابسك وتخرجي ..”
نظرت حياة الى البنطال الاسود الذي أخرجته من خزانتها بشرود وعاد شعور الضياع يسيطر عليها من جديد …
خرجت بعد مدة من غرفتها وسارت بخطواتها الضعيفة حيث تجلسان والدتها وحنين ..
كانت حنين اول من نهض حيث سارعت تجذبها نحوها وتعانقها بحنو بالغ ..
ابتعدت حياة عنها بعد لحظات لتهتف حنين بصوت يسيطر عليه الحزن :-
” البقية في حياتك ..”
” شكرا …”
قالتها حياة بهدوء مع إيماءة من رأسها لتتجه نحو والدتها التي كانت نهضت من مكانها قبل لحظات وهي تتأمل عناق ابنتيها بحنان فاض من عينيها وفي داخلها تتمنى لو تنتهي معاناتها وتعيش بسلام مع ابنتيها ..
وقفت حياة أمامها بملامح ساكنة لتجد والدتها تمنحها نظرات مزيج من الحزن والتعاطف والرجاء قبل ان تحتضنها بعناق شديد والدموع هطلت لا إراديا من عينيها ..
إبتعدت عنها بعد مدة تتأمل ملامح ابنتها الهادئة على غير العادة فوجدت نفسها عاجزة عن الحديث ..
لا تعرف ماذا تقول وكيف تواسيها ..؟!
تعلم إن كل الكلمات المتاحة لا يمكن أن تخفف عنها ..
تتمنى داخلها لو تسمح لها ابنتها بمواساتها ، البقاء جانبها ومشاركتها أحزانها لكن تعلم إن طلبها سيقابله الرفض ..
جلست حياة أمامها بجانب بملامح هادئة تماما .. ملامح لا توحي بما يعتمل داخلها من ألم بإستثناء عينيها اللتين بدتا حمراوين جامدتين تماما ..
نهضت مي من جانب حياة متجهة الى المطبخ لتعد القهوة بهما بينما تحدثت حنين أخيرا تسألها :-
” كيف حالك ..؟! ”
ردت حياة بنفس الهدوء المرتسم على ملامحها :-
” بخير الحمد لله …”
قالت والدتها بنبرة مترددة قليلا :-
” لقد علمت اليوم بما حدث … أدرك مدى حزنك وأود لو ..”
قاطعتها حياة بنفس الهدوء :-
” أشكرك على إهتمامك كثيرا …”
وجدت أحلام نفسها عاجزة عن الحديث أمام جمود ابنتها الصريح فتولت حنين الحديث نيابة عنها حيث تحدثت قائلة :-
” أتمنى أن تتماسكي يا حياة .. كوني قوية كما كنتِ دائما …”
هزت حياة رأسها وردت بخفوت :-
” ان شاءالله …”
تقدمت مي منهما تضع القهوة أماميهما وعادت تجلس بجانب حياة …
مرت حوالي ربع ساعة والجميع يلتزم الصمت بإستثناء بضعة كلمات مواسية من حنين تجيب عليها حياة بإختصار ..
نهضت أحلام أخيرا تشير الى حياة قائلة :-
” هل يمكننا التحدث لوحدنا في الداخل ..؟!”
قالت مي بسرعة :-
” يمكنني الدخول انا ..”
لكن أحلام قاطعتها بإبتسامة هادئة :-
” لا داعي لهذا .. انا اريد حياة لوحدها فقط .. حتى حنين لن تدخل معنا ..”
نهضت حياة من مكانها على مضض وسارت معها الى الداخل حيث تقدمت داخل غرفتها اولا تتبعها والدتها التي أغلقت الباب خلفها وسارت نحوها تهتف بصوت شديد الحنو:-
” اجلسي هنا من فضلك ..”
جلست حياة على سريرها بملامح لا تخلو من الكدر وجلست أحلام جانبها ..
قبضت على كفها تحتضنه بيدها وتقول :-
” حبيبتي أعلم إنك لن تتقبلي مني أي شيء وما زلتِ ترفضين وجودي في حياتك لكن رغم كل هذا سأبقى جانبك مهما حدث ومهما رفضتِ وجودي .. ”
أضافت تتأمل ملامح ابنتها التي تجهمت تماما :-
” انتِ ابنتي يا حياة .. نعم أخطأت في حقك .. اعترف بهذا ولكنني حاولت تصحيح خطأي لأعوام طويلة .. سنوات مرت وانا أحاول وأنت ترفضين أن تمنحيني فرصة واحدة حتى .. لماذا يا حياة ..؟! لماذا ترفضين حتى المحاولة ..؟! ”
التزمت حياة الصمت ولم ترد بينما ترقرقت الدموع في عيني والدتها وهي تهتف بصوت مبحوح متألم :-
” امنحيني فرصة واحدة فقط لأكون معك وجانبك.. لأعوضك عن كل شيء .. لقد عاقبتني بما فيه الكفاية يا حياة .. عاقبتني كثيرا .. لا يوجد أحد يرضى بما تفعلينه .. ”
إسترسلت بعدما أخذت نفسا عميقا وزفرته ببطأ :-
” ارفضيني كما تشائين لكنني والدتك وسأبقى معك حتى لو إجبارا عنك …”
نهضت بعدها من مكانها وقالت بهدوء :-
” سأذهب الآن وأعود صباح الغد إليك …”
ثم انحنت تقبلها من وجنتيها قبل أن تغادر الغرفة تاركة حياة في مكانها والجمود يكسو ملامحها تماما ..
………………………………..:…………………………….
أخذ يسير داخل صالة الجلوس في شقته وهو يحمل هاتفه بين يديه ..
التردد يسيطر عليه تماما ورغبته في مكالمتها تسيطر عليه أكثر ..
يريد أن يتحدث معها بل يريد أن يراها ولكن الكثير يمنعه وأولهم هي فهي كانت واضحة معه ، لا تريده أن يتواصل معها من جديد ، لا تريد أن تراه ولكن هل سيلتزم بحديثها ..؟! هل سيوافقها على ما تريده ..؟!
زفر أنفاسه بقوة وهو يشعر بالعجز الشديد أمام نفسه ..
ألقى بجسده على الكنبة بتعب وهو يحاول الوصول الى الحل الأفضل قبل أن يحمل هاتفه وينظر اليه من جديد بنفس التردد ..
وأخيرا عاند كل شيء وأولهم رغبتها هي وقرر الإتصال بها ..
إتصل بها ونبضات قلبه ترتفع تدريجيا ولهفته شديدة لسماع صوتها ..
انتهى الاتصال ولم ترد فيبدو إنها لا ترغب بمحادثته لكنه كان مصرا على التحدث معها فعاود الإتصال بها مجددا ..
وأخيرا أجابت عليه حيث صدح صوتها على الهاتف تهتف بنبرة ضعيفة :-
” الو ..”
أطلق تنهيدة بطيئة ما إن سمع صوتها ثم قال بنبرة يشوبها التردد :-
” البقية في حياتك ..”
ردت بإختصار :-
” شكرا .. ”
عاد يتنهد بصمت ثم سألها بصوت متحشرج :-
” كيف حالك ..؟!”
ردت عليه بهدوء رغم إن كفها كان يعتصر الهاتف بقوة :-
” بخير الحمد لله ..،”
” حياة ..”
توقف وهو لا يعرف ماذا يقول فجاءه صوتها الهادئ :-
” نعم ..؟!”
سمعت صوت أنفاسه الملتهبة عبر الهاتف بينما قال هو بصدق شديد :-
” متى ما إحتجتني ستجديني عندك … تذكري هذا دائما ..”
حل الصمت المطبق بينهما للحظات قبل أن تجيب بخفوت :-
” أشكرك مجددا …مع السلامة ..”
أغلقت الهاتف في وجهه لينظر الى هاتفه بصمت للحظات قبل أن يعاود الإتصال مجددا لكن بغالية هذه المرة ..
جاءه صوت غالية المرحب بعد لحظات ليهتف بسرعة دون ان يرد احيانا :-
” العم فاضل توفي يا غالية …”
ردت غالية بحزن :-
” يا إلهي .. البقاء لله .. متى حدث هذا ..؟!”
أجابها بجدية :-
” منذ يومين لكنني علمت منذ ساعتين .. ”
أضاف بعدها :-
” ستذهبين الى حياة يا غالية .. أريد الإطمئنان عليها من فضلك ..”
هتفت غالية بسرعة :-
” بالطبع سأفعل .. ارسل لي عنوانها في رسالة وسأذهب إليها غدا ان شاءالله ..”
” سأرسله لكِ حالا ..”
أردف بإمتنان :-
” أشكرك حقا يا غالية…”
ثم أغلق الهاتف بعدها ووضعه جانبا بينما عقله عاد يفكر من جديد في حياة ووضعها الآن ومدى حزنها على خسارتها لوالدها ..
………………………………………………………………
أغلقت غالية الهاتف مع نديم ثم إلتفتت نحو والدتها التي كانت تتابعها بإهتمام ..
عادت تجلس مقابلها عندما سألتها صباح :-
” ماذا حدث يا غالية ..؟!”
ردت غالية بحزن ظهر على ملامحها :-
” العم فاضل توفي يا ماما …”
هتفت صباح بحزن على الرجل الذي لم ترَ منه سوى كل خير :-
” البقاء لله .. ليرحمه الله ويجعل مثواه الجنة …”
صمتت قليلا ثم عادت تنظر الى ابنتها وتسألها بترقب :-
” نديم من كان يتحدث معك ، أليس كذلك ..؟!”
أومأت غالية برأسها وقالت :-
” نعم هو …”
عادت والدتها تسألها بترقب أكبر :-
” وماذا كان يريد منك ..؟!”
أجابت غالية بتردد :-
“يطلب مني الذهاب الى حياة من أجل تعزيتها والإطمئنان عليها ..”
قالت صباح بصوت متحفز :-
” ولماذا يطلب منك هذا ..؟! وما علاقته بتلك الفتاة ..؟!”
رددت غالية بدهشة من نبرة والدتها التي احتدت قليلا :-
” ماذا حدث يا ماما ..؟! لماذا تتحدثين بهذه الطريقة ..؟!”
تجاهلت صباح سؤالها وهي تسأل بإصرار :-
” ما الذي يجمع نديم بتلك الفتاة يا غالية ..؟! ”
زفرت غالية أنفاسها بضيق خفي ثم قالت :-
” مجرد صداقة لا اكثر …”
حدقت صباح بها بتمعن مقصود محاولة منها لجعلها تقول الحقيقة وعندما وجدت غالية متماسكة هتفت بقليل من السخرية :-
” والصداقة تجعلها تزوره في شقته يا غالية ..؟!”
سألتها غالية بدهشة :-
” كيف علمتِ بأمر هذه الزيارة ..؟!”
لم تجيها صباح بل قالت بسخط :-
” أنا لا أفهم متى نشأت هذه الصداقة التي لا يبدو أبدا إنها صداقة كما تدعين ..”
” أخبريني أولا كيف عرفت بتلك الزيارة ..؟!”
سألتها غالية بإلحاح لتتنهد صباح ثم تجيبها بضيق :-
” ليلى من أخبرتني بذلك ..”
” اللعنة ..”
قالتها غالية بعدم تصديق قبل أن تضيف :-
” الآن استوعبت سبب ضيقك وسخطك وأنتِ تسألين عما يجمع نديم بحياة …”
تجهمت ملامح صباح كليا لتضيف غالية بهدوء وتروي :-
” وأنا سأخبرك بالضبط ما يجمعهما .. مبدئيا ابنك مهتم بها .. مهتم كثيرا ..”
توقفت غالية عن حديثها للحظات فهتفت صباح بتأهب :-
” أكملي ..”
إسترسلت غالية :-
” ماذا سأخبرك ماما ..؟! هل أخبرك إن تلك الفتاة تعني له الكثير ..؟! هل أخبرك إنها الوحيدة التي نالت إهتمامه الفترة الماضية ..؟! الوحيدة التي شعر بالراحة معها ..؟! هل أخبرك إنها يعاني منذ أن قطع علاقته بها ومع ذلك يأبى أن يعاود الاقتراب منها لإنه يخشى عليها من نفسه بل يأبى حتى الإعتراف بمعاناته ..؟!”
سألتها والدتها بذهول لا يخلو من الإضطراب :-
” هل يحبها …؟!”
أجابت غالية بشرود :-
” لا أعلم لكن يكفيني أن أخبرك إنه وجد ضالته بها .. ربما سينكر كل هذا أمامك وحتى أمامي لكن حديثه عنها ولمعة عينيه ولهفته عليها تؤكد إن تلك الفتاة إحتلت مكانة كبيرة داخله ورحيلها عنه سيزيد من آلامه …”
نهضت صباح من مكانها وأخذت تسير داخل المكان بشرود وملامح واجمة وكلام غالية يتكرر داخل عقلها …
نهضت غالية من مكانها ووقفت أمامها تخبرها بعد تنهيدة صامتة :-
” حياة فتاة رائعة .. جميلة ومثقفة .. مميزة في كل شيء .. مميزة في عيني ابنك … ”
سألتها صباح بصوت متحشرج :-
” وماذا عنها هي ..؟! ”
ردت غالية بسرعة :-
” تبدو وكأنها مغرمة به .. هذا ما شعرت به .. لكن المشكلة ليست هنا بل في ابنك .. نديم يرفض السماح لنفسه بالإنجراف في مشاعره نحوها لإنه يخاف عليها .. يخاف أن يدخلها في حياته المليئة بالتعقيدات .. أحيانا لا ألومه فهو معه كل الحق خاصة ان الفتاة بريئة ولا تستحق أن تعاني معه وأحيانا أخرى عندما أفكر كيف ستتغير حياته بوجودها أتمنى لو يجتمعان سويا فقلبي يخبرني إن حياة بيدها تغييره تماما وإخراجه من ظلماته التي لا تنتهي …”
هزت صباح رأسها بتفهم وعقلها أخذ يفكر بما سمعته على لسان ابنتها وفي داخلها تدرك جيدا إنه رغم كل شيء سعادة ابنها هي جل ما يهمها ..
…………………………………………………………
في صباح اليوم التالي ..
دلفت غالية الى غرفة الطعام لتجد والدتها هناك تتناول طعامها عندما ألقت تحية الصباح وهي تتقدم نحوها ..
ردت والدتها تحيتها لتتأمل ملابسها السوداء بالكامل فسألتها :-
” ستذهبين عند حياة ..؟!”
هزت غالية رأسها وأجابت :-
” نعم وبعدها سأزور نديم في شقته …”
قالت صباح بتقرير :-
” ابقي هناك حيث سآتي ظهرا ونتناول طعام الغداء سويا …”
قالت غالية وقد تذكرت امرا ما :-
” صحيح بشأن حديث البارحة وما أخبرتك به ليلى .. ذهاب حياة الى الشقة كان بطلب مني … الفتاة ليست من هذا النوع ماما كما إنها لم تدلف شقته من الأساس … أحببت أن أخبرك بهذا كي لا تظلمي الفتاة او تسيئي الظن بها ..”
أضافت بعدما شاهدت إيماءة والدتها المختصرة :-
” وهناك شيء آخر أيضا .. أتمنى ألا تخبري نديم بما دار بيننا البارحة من حديث بشأنه هو وحياة …”
نظرت والدتها إليها وقالت :-
” ولكن لدي حديث مهم يجب أن أخبره به ..”
تقدمت غالية أكثر وجلست على الكرسي المجاور لها تهتف بتساؤل :-
” أي حديث بالضبط ..؟! نديم سيتضايق كثيرا إن علم بما أخبرتك به .. لا أريده أن ينزعج مني ..”
قاطعتها صباح بجدية :-
” لن أجلب سيرتك نهائيا ..”
سألتها غالية بفضول :-
” عم ستتحدثين معه إذا …؟!”
وضعت صباح شوكتها جانبا وقالت بجدية :-
” طوال ليلة البارحة وأنا أفكر بحديثك يا غالية .. أنت تعلمين جيدا إنني منذ خروج أخوكِ من السجن وأنا أفكر في وضعه وما سيكون عليه .. أريد أن أنتشله من كل هذه الفوضى المحيطة به .. ”
” المعنى ..؟!”
سألتها غالية بإهتمام لتتنهد صباح ثم تقول :-
” لأكن صريحة معك فأكثر ما يشغل بالي حاليا هو ليلى وكيفية إبعادها عنه والشيء الثاني هو إيجاد عمل يناسبه … ربما لم يمر الكثير من الوقت على خروجه لكن لا أريد الإنتظار اكثر .. أنت تذكرين إنني فكرت بكلام زوجة عمك رحاب بشأن تزويجه من فتاة تساعده في تخطي ليلى .. ”
أومأت غالية برأسها وهي تقول :-
” نعم أتذكر وكنت ضد ما تفكرين به وما زلت ضده .. ”
” أعلم إن تفكيري خاطئ ولكن ما باليد حيلة يا غالية … كنت أبحث عن أي طريقة لإبعاد ليلى عنه .. ليلى ما زالت تأمل في أن يعود إليها .. هي تصر على الطلاق كي تعود الى نديم .. هل تدركين مدى خطورة هذا …؟! أنا أريد لإبني أن يبتعد عن كل هذا .. لا أريده أن يدخل في دوامة جديدة .. لا أريده أن يتواجه مع عمار مجددا ولا أن يفكر بالعودة الى ليلى مهما حدث …”
قالت غالية بجدية وثقة :-
” نديم لن يفعلها .. هو لا ينوي العودة الى ليلى مهما حدث .. ليس خوفا من عمار بل لإنه لن يستطيع تقبل كل ما عاشه بسببها .. كوني واثقة من هذا ومطمئنة ..”
لم تقتنع صباح بحديث ابنتها فقالت بجدية :-
” على العموم انا بحاجة للتحدث معه بشأن حياة .. اريد أن أفهم حقيقة شعوره نحوها ..”
قاطعتها غالية بدهشة :-
” مالذي تعنينه بالضبط ..؟! هل تفكرين بأن تجمعي بينهما ..؟! ”
اكتفت والدتها بالصمت ردا على سؤالها فعادت غالية تلح في سؤالها :-
” أجيبيني من فضلك .. مالذي يدور في بالك …؟!”
أجابت صباح أخيرا بهدوء :-
” ليس مهما أن تعلمي ما يدور في بالي .. المهم أن تكوني واثقة بي وتثقي بأن جل ما يهمني هو راحة ابني وسعادته ..”
لم تقتنع غالية بما تسمعه لكنها إضطرت الى الموافقة على حديثها فهي يجب ألا تتأخر عن موعد ذهابها الى حياة ..
نهضت من مكانها وودعت والدتها ثم اتجهت خارج الفيلا حيث ركبت سيارتها واتجهت الى منزل حياة ..
وصلت الى هناك بعد مدة من الزمن لتهبط من سيارتها وتتجه نحو الباب حيث رنت جرس المنزل لتفتح لها الباب فتاة بدت في سن المراهقة ..
هتفت غالية وهي تبتسم بقليل من الإحراج :-
” مرحبا .. هل يمكنني رؤية حياة ..؟! جئت لتعزيتها …”
ابتسمت الفتاة وهي ترحب بها تفسح لها المجال للدخول :-
” اهلا بك .. بالطبع تفضلي …”
دلفت غالية الى الداخل تتبعها حنين التي أغلقت الباب خلفها لتجد سيدة تبدو في الأربعينات من عمرها تجلس في صالة الجلوس والتي نهضت من إن رأتها تدلف الى الداخل فقالت غالية بسرعة :-
” صباح الخير ..”
ثم هتفت تعرف عن نفسها :-
” انا غالية .. صديقة حياة ..”
رحبت بها أحلام معرفة هي الآخرى عن نفسها :-
” اهلا بك .. انا والدتها ..”
بالكاد أخفت غالية دهشتها من مظهر والدة حياة الذي يدل على ثرائها فإبتسمت بتحفظ وهي تتجه لتجلس جانبها بينما أحلام تشير الى حنين :-
” أخبري أختك بقدوم صديقتها …”
زادت دهشة غالية عندما سمعت لفظ اختك فحسب علمها إن حياة وحيدة لا أخوة لها ..
” أنت صديقتها من الجامعة ..؟!”
سألتها أحلام بإهتمام لتجيب غالية :-
” كلا .. لقد تعارفنا منذ مدة .. العم فاضل كان يعمل لدينا وتعرفت على حياة من مدة قصيرة ..”
أومأت أحلام برأسها بينما استدارت غالية نحو الجانب الآخر حيث دلفت حياة الى المكان لتنهض غاليك وتستقبلها حيث إحتضنها برفق ثم قدمت تعازيها لها ..
جلست حياة أمام غالية التي سألتها بنبرة مشفقة :-
” كيف حالك يا حياة ..؟! أعلم إن ما حدث صعب لكنني واثقة من قدرتك على تخطيه .. والدك ارتاح من مرضه وهو في مكان أفضل الآن بالتأكيد …”
هتفت حياة بصوت ضعيف وهي تجاهد لكتم دموعها :-
” ان شاءالله سيكون في مكان أفضل ..”
ابتسمت غالية لها ثم أخذت تتحدث معها وحياة تتجاوب معها نوعا ما وقد لاحظت والدتها ذلك فشعرت بقليل من الراحة فإبنتها تبدو افضل قليلا من البارحة .. تتحسن قليلا وهذا يمنحها القليل من الراحة ..
مر الوقت سريعا فقررت غالية المغادرة بعدما ودعت حياة على وعد بالمجيء مجددا لرؤيتها ..
اتجهت الى الشقة لترى نديم فوصلت الى هناك بعد مدة قصيرة ..
ضغطت على جرس الباب عدة مرات دون رد فقررت الإتصال به ليخبرها إنه مع وسام صديقه يتحدثان في أمور العمل ..
أخبرها إنه سينهي حديثه بعد قليل ثم يأتي إليها فهو في مقهى قريب للغاية من الشقة ..
هبطت الى الاسفل حيث قررت انتظاره في سيارتها لتجده بالفعل يصل بعد اقل من ثلث ساعة ..
هبطت من سيارتها وهي تبتسم له ليرحب بها ويسيران سويا الى داخل العمارة حيث شقته …
فتح الباب وفسح المجال لغالية كي تدخل يتبعها هو ..
وضعت غالية حقيبتها على الطاولة التي تتوسط صالة الجلوس ثم سألته بعدما وجدته أغلق الباب وتقدم الى الداخل :-
” ما أخبار العمل ..؟! علامَ إتفقت مع وسام بشأن المشروع ..؟!”
رد بسرعة :-
” سأخبرك فيما بعد .. أخبريني الآن عن حياة ووضعها ..”
سألته غالية بنبرة مستهجنة :-
” لماذا لم ترها بنفسك طالما إنك مهتم بها الى هذه الدرجة ..؟!”
هتف نديم بضيق واضح :-
” تحدثي يا غالية ولا تماطلي كثيرا ..”
جلست غالية على الكنبة المقابلة له وقالت بجدية :-
” كيف ستكون برأيك ..؟! لقد فقدت والدها منذ يومين .. ماذا تتوقع بالضبط ..؟!”
سألها بقلق ظهر على ملامحه بوضوح :-
” هل كانت منهارة جدا ..؟!”
ردت غالية بجدية :-
” ليست منهارة بالمعنى الحرفي … يعني لم تكن تبكي مثلا لكن الألم واضحا عليها … من الواضح إنها تجاهد للحفاظ على هدوئها ..”
عاد بظهره الى الخلف وهو يتنهد بتعب ليسمعها تقول بجدية :-
” من رأيي أن تحاول رؤيتها وتعزيتها وجها لوجه .. هذا أفضل بكثير من مراقبتها عن بعد ..”
لم يجبها بل شرد تماما وقلقه على حياة يتضاعف …
يدرك جيدا معنى أن تتوجع وتتألم دون أن تظهر ذلك … دون أن تسمح لدموعك بالتساقط …
احترمت غالية صمته بل شروده حيث قررت النهوض وإعداد القهوة لهما تاركة له المساحة الكافية للإنفراد بنفسه ..
…………………………………………………………….
تعبث بهاتفها بإستمرار حيث تتصفح مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وفي داخلها كانت تنتظر رسالته …
لقد اعتادت على التواصل معه بين الحين والآخر ..
أحاديثه ممتعة وهي أكثر من يحتاج لهذه المتعة ..
كانت تقلب في تطبيق الفيسبوك عندما وصلت رسالة منه اخيرا ..
اعتدلت في جلستها وقد دب بها الحماس كالعادة حيث فتحت الرسالة لتجده كتب لها :-
” كيف حالك جيجي ..”
ارسلت له متعجبة من اسم الدلال الذي اختاره لها :-
” جيجي ..!!”
فأرسل لها بدوره :-
” نعم جيجي .. جيلان يعني جيجي .. يليق بك كثيرا .. ”
ابتسمت وهي تكتب له :-
“في الحقيقة أعجبني كثيرا …”
كتب لها :-
” اذا كيف حالك وماذا تفعلين ..؟!”
كتبت له :-
” انا بخير ولا أفعل شيئا كالعادة ..”
أرسل لها :-
” لماذا لا تفعلين شيئا ..؟! ألا تحاولين إستغلال أجازتك بشيء مختلف ..؟! ”
سألته بإهتمام :-
” شيء مثل ماذا ..؟!”
أجابها بجدية :-
” تتعلمي أشياء جديدة .. مهارات جديدة .. هل تجيدين السباحة ..؟!”
أجابته بسرعة :-
” نعم أجيدها ..”
عاد يسألها :-
” ألا يوجد هناك شيء تهتمين به …؟! شيء ترغبين في تعلمه ..؟!”
أخذت تفكر للحظات في الشيء الذي ترغب حقا أن تتعلمه لتجده يكتب مجددا :-
” حسنا خدي وقتك وفكري بشيء ما تتعلمينه ويشغل فراغك …”
ردت بإستسلام :-
” سأفعل …”
عاد يكتب لها :-
” إذا بما تشغلين وقتك عموما ..؟!”
أجابت بحسرة :-
” التنقل بين مواقع التواصل .. أقضي اغلب وقتي هكذا …”
” صورتك الجديدة جميلة للغاية ..”
سألته بسعادة :-
” حقا ..؟! هل أعجبتك ..”
وجدته بجيبها :-
” أعجبتني كثيرا .. أنتِ جميلة حقا ..”
ثم كتب بعدها :-
” جمالك مبهر يا جيجي .. ”
شعرت بالسعادة تغمرها من إطراءه لترد على استيحاء :-
” أشكرك كثيرا … ”
ارسل لها ملصقا يبتسم ثم كتب :-
” ألا تخرجين من المنزل يا جيجي …؟! يعني ألا يمكننا أن نلتقي …؟!”
كتبت له بتردد :-
” نلتقي ..؟! حسنا لا أعلم .. لكن ربما أستطيع ..”
وجدته يكتب :-
” يعني ليس من المعقول أن نبقى نتواصل هكذا عن طريق الرسائل النصية دون أن نرى بعضنا …”
كتبت له :-
” ولكن أين سنلتقي ..؟! وما هي الحجة التي سأخرج بها من المنزل ..؟!”
توقف عن الكتابة للحظات ثم كتب :-
” تحججي بأي شيء … المهم أن نلتقي .. ما رأيك أن نخرج سويا ونذهب الى العديد من أماكن الترفيه .. مدينة الملاهي مثلا .. ؟!”
شعرت باللهفة للخروج معه والترفيه عن نفسها فكتبت بسرعة :-
” يسعدني ذلك كثيرا ..”
وجدته يقول في رسالته :-
” انتِ فقط حددي اليوم الذي يناسبك وأنا أعدك برحلة ممتعة لا مثيل لها … ”
ضحكت بسعادة وكتبت بسرعة :-
” سأتحدث مع أخي وأرجوه كي يسمح لي بالمغادرة .. ”
” سأنتظرك يا جيجي فأنا أحترق نارا لرؤيتك والخروج معك والتنزه ..”
انهت حديثها معه وهي تضحك بحبور وقد وعدت نفسها أن ترجو عمار بالخروج من المنزل ..
ستخبره إنها خارجة مع صديقاتها وهو بالتأكيد لن يمانع هذه المرة كما سبق ومانع ذهابها لمنزل عمها …
بالتأكيد لن يرفض هذه المرة وهي ستسعى لذلك ولن تسمح له أن يتحكم بها اكثر مما يفعل ..
………………………………………………………………
كان يقف في منتصف غرفة مكتبه يتأمل دعوة خطبتها بملامح جامدة بشكل يخيف من ينظر إليها ..
يعلم إنها أرسلت له تلك الدعوة عن قصد مثلما يعلم إنه سيجيب دعوتها بطريقته الخاصة ..
الغبية لا تعرف مع من تتعامل فهو منذ أن وصلته الدعوة مساء البارحة وقد عزم على تنفيذ مخططه ..
مخططه الذي سيجعلها تموت وجعا مثلما يموت هو كل يوم بسبب نار عشقها ..
رسالة وصلته الى هاتفه جعلته يحمله بسرعة من فوق مكتبه ويفتح الهاتف ويقرأها ليبتسم بهدوء قبل أن يرسل كلمة واحدة مختصرة لكنها تعني الكثير :-
” نفذ حالا ..”
وفي مكان آخر حيث تجلس بجانبه في سيارته بملامح سعيدة فخطبتهما يوم الخميس القادم وقد عادا لتوهما من إحدى دور الأزياء الشهيرة بعدما إختارا فستانا لها …
كانت تبتسم بسعادة وهي في أشد حماسها ليوم الخميس القادم ..
لا تعلم لماذا خطر ذلك البغيض على بالها وهي تتذكر كيف أرسلت له تلك الدعوة عن قصد كي تجعله يدرك إنه لم يخلق بعد من يقف في وجهها ويخيفها ..
لمعت عيناها بشراسة وهي تتخيل مدى غضبه الآن وكيف هو يحترق تماما بسببها ..
فليحترق كليا كما سبق وأحرق قلب اختها …
وليعلم إن ليس جميع النساء ضعيفات او مستسلمات وإن كان يظن نفسه ملك زمانه فهي آخر واحدة ستخضع له ..
توقفت عن الابتسام وهي تلاحظ تلك السيارة التي تتخطى سيارة أكرم بسرعة مخيفة قبل أن تعارض سيارته ..
مجموعة من الرجال هبطوا من السيارة واتجهوا نحوهما حيث فتحوا الباب وأخرجوا أكرم من السيارة لتسارع هي لفتح الباب الجانبي لها وتخرج صارخة من مكانها متجاهلة صياح أكرم الذي يطلب منها البقاء في السيارة ..
وقبل أن تتقدم كان إثنان من الرجال يقفان في وجهها يمنعانها من التقدم متجاهلين محاولات ضربها لهما حريصين على عدم لمسها ولو بالخطأ كما أمرهما رئيسهما ..
اما بقية الرجال فإنهالوا على أكرم ضربا بأقدامهم وأيديهم وهو عاجز عن فعل شيء أمام هؤلاء الثلاثة اللذين إنقضوا عليه كوحوش مفترسة ..
شعرت مريم بإن أحبالها الصوتية على وشك أن تتمزق من شدة صراخها بينما لا يوجد من يسمعها ..
وبعدما فقد أكرم وعيه تماما ابتعد عنه الرجال وكذلك فعل الرجلان اللذان كانا يحاصرانها ..
ركض الرجال نحو سيارتهم بينما سارعت هي بالركض نحو أكرم حيث هبطت نحوه تحاول إيقاظه وقد هطلت دموعها بغزارة ..
وعندما وجدته فاقدا للوعي لا يعي أي شيء حوله سارعت تتجه نحو السيارة حيث أخرجت حقيبتها ثم هاتفها كي تتصل بالإسعاف ..
ما إن حملت هاتفها حتى وجدته يرن برقم غريب سارعت تجيبه :-
” أيها الحقير النذل ..”
جاءها صوته يردد بتسلية :-
” ما رأيك بضربتي الأولى يا مريوم ..؟! أنتِ لم ترِ شيئا بعد يا صغيرة .. حذرتك لكنكِ لم تهتمِ وها أنتِ تحصدين نتيجة عنادك ..”
صاحت بغل :-
” أيها الكلب الوضيع .. عديم الشرف ..”
” كلمة أخرى وسأنهيه تماما هذه المرة .. لا تكوني سببا في ضياعه الى الابد يا مريم .. حسنا صغيرتي ..”
أنهى مكالمته بضحكة مستمتعة بينما تأملت هي الهاتف بين يديها لا تصدق إلى أي مدى وصل شره بل حقارته ..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)