رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم سارة علي
رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الثالث والثلاثون
رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الثالث والثلاثون
رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الثالثة والثلاثون
في المطار …
وقفت غالية تحتضن أخيها بقوة والدموع تملأ عينيها رغم إنها أخذت عهدا على نفسها ألا تبكي أمامه مهما حدث …
كان صباح تتأملهما والدموع هي الأخرى تملأ عينيها لكنها كانت تعرف إن هذا القرار الصحيح والأفضل لإبنها ..
ابتعدت غالية قليلا من بين أحضانه رغم تشبثها به ليهمس بجدية وهو يربت على وجهها :-
” إتصلي بي فورا متى ما إحتجتني او متى ما حدث أي شيء معك …”
اومأت برأسها وهي تكتم دموعها بقوة ليقبل جبينها قبل أن يتجه نحو والدته ويحتضنها فتتشبث صباح بأحضانه ليغمرها أكثر ..
ابتعدت عنه بعد لحظات وهي تقول :-
” انتبه على نفسك جيدا يا نديم .. لأجلي على الأقل ..”
رد نديم وهو يبتسم مرغما :-
” المهم أن تنتبهي أنتِ على نفسك جيدا .. انا سأكون بخير طالما أنتِ بخير …”
” انا سأكون بخير عندما أراك مرتاحا وسعيدا ..”
قالتها بعينين دامعتين ليبتسم وهو يربت على خدها قبل أن يبتعد عنها مقتربا من غالية يهمس لها بخفوت وهو يجذبها قليلا بعيدا عن أنظار الموجودين :-
” أريد منك طلبا مهما ..!”
نظرت غالية له بإهتمام فرد بجدية :-
” اهتمي بليلى .. حاولي أن تقتربي منها .. وإذا ما حاول عمار إيذائها مجددا أخبريني فورا ..”
اومأت برأسها موافقة وهي تنظر له بحذر فأكمل بلا مبالاة :-
” انتبهي عليها جيدا يا غالية .. لطالما كنت قريبة منها ..”
” ماذا يحدث يا نديم ..؟!”
سألته غالية بتوجس ليرد بفتور :-
” عديني بذلك يا غالية .. عديني فقط ..”
زفرت أنفاسها وهي تردد بخفوت :-
” حسنا أعدك ..”
شعرت بشيء يوضع داخل كفها فوجدت رسالة مطوية فهمس مضيفا :-
” أعطها هذه الرسالة ..”
هتفت بضيق خافت :-
” ماذا تفعل يا نديم ..؟! انت متزوج ..”
قاطعها بجدية وخفوت :-
” أعلم ذلك جيدا .. انا لست رجل خائن يا غالية .. اطمئني .. لكن ليلى تستحق وداعا مني على الأقل .. وتستحق حمايتي لها حتى وانا بعيد للغاية .. سأعتمد عليك في هذا الأمر .. إتفقنا ..”
اومأت غالية برأسها وهي تردد مؤكدة :-
” اتفقنا ..”
اما حياة فكانت تحتضنها والدتها بقوة وهي تردد بحزن :-
” ليتك لا تذهبين الى هناك ..”
شعرت حياة في قبضة داخل قلبها وهي تفكر إنها بالفعل تتمنى ذلك لكنها مجبرة ..
همست وهي تتشبث داخل أحضان والدتها التي شعرت بإن إحتياجها لها في هذه اللحظة بلغ أوجه :-
” سأعود مجددا .. لا تقلقي ..”
همست والدتها وهي تنظر الى وجهها بعدما أبعدتها عنها قليلا رغم كونها ما زالت بين أحضانها :-
” انتِ سامحتني ، أليس كذلك ..؟!”
ابتسمت حياة مرددة بإختناق :-
” سامتحك منذ وقت طويل بل أعتذر منك أيضا إذا ما قسوت عليك كثيرا .. الآن فهمت إننا جميعنا معرضين لإتخاذ قرارات خاطئة في حق غيرنا بل وأنفسنا أيضا ..”
تفاجئت والدتها من حديثها الأخير وهمت بسؤالها لكن حنين هتفت بسرعة :-
” دعيني أنا أيضا أودعها يا ماما …”
اندست حنين بين أحضان حياة تردد بصدق :-
” سأشتاق لك كثيرا ..”
أضافت وهي ترفع وجهها نحوها :-
” انتِ لن تتركيني أليس كذلك ..؟! سنتواصل بإستمرار ..”
كان القلق واضحا داخل عيني حنين فإحتضنت حياة وجهها بين كفيها وقالت بجدية وحب :-
” سأتواصل معكِ يوميا صوت وصورة .. اطمئني ..”
” سأشتاق لك حقا يا حياة ..”
قالتها حنين بدموع لم تستطع السيطرة عليها فكتمت حياة دموعها بقوة وهي تقول بجدية :-
” لا تفعلي ذلك .. سأعود يا فتاة .. صدقيني سأعود .. كوني مطمئنة ..”
ابتعدت عنها بعدها لتودع زوج والدتها الذي إحتضنها بأبوية وحنو يخبرها إنه موجود متى ما إحتاجته لتعاود والدتها جذبها نحوها تقبض على كفها بقوة تردد بتشديد :-
” تذكري جيدا إنني موجودة وإنه لديك أم ستقف جانبك مهما حدث .. لا تترددي في التواصل معي إذا ما إحتجتني .. حسنا ..”
هزت حياة رأسها وهي ترمي نفسها بين ذراعي والدتها مجددا تعتصر عينيها بقوة تمعنهما من البكاء …
بعد لحظات تقدم نديم نحو والدة حياة وزوجها لتوديعهما فإبتعدت حياة من بين أحضان والدتها واتجهت نحو صباح لتوديعها التي إحتضنتها مشددة وهي تهمس لها :
” انا أثق بك كثيرا يا إبنتي .. أملي بك كبير .. كوني له كأسمك تماما .. الحياة ..”
ابتعدت حياة عنها تتأملها بصمت دون تعبير واضحا لكنها منحتها هزة برأسها عندما نظرت الى غالية التي تقدمت نحوها بعدما ابتعدت والدتها عنها تهمس بتردد :-
” سامحيني .. انا آسفة لإنني أخطأت في حقك ..”
قاطعتها حياة بجدية :-
” ليس مهما .. لقد حدث ما حدث …”
احتضنتها غالية فتجاوبت حياة مع عناقها رغما عنها لتبتعد غالية عنها مرددة بجدية :-
” إعتني بنفسك جيدا … ”
ابتسمت حياة وأضافت عن قصد :-
” وبنديم أيضا .. أليس كذلك ..؟!”
” هو أيضا سيعتني بك .. إنه أخي وأعرفه جيدا ..”
قالتها غالية بتأكيد لتبتسم حياة بضعف قبل أن تسمع نديم يهمس لها :-
” هيا يا حياة .. طيارتنا ستتحرك بعد دقائق ..”
التفتت حياة نحوه لتأخذ نفسا عميقا قبل أن تضع كفها في كفه وتسير معه نحو المدخل المؤدي الى مكان إقلاع الطائرة ..
ومن بعيد كانت تقف ليلى تتابع ما يحدث بملامح جامدة رغم الألم الذي يسكنها ..
تتأملهما أخيرا وهما يسيران سويان يدا بيد نحو وجهتهما الجديدة فشعرت في تلك اللحظة إنها بالفعل لا وجود لها بينهما بعد الآن وإن عليها الإعتراف أخيرا إنها خسرته بشكل نهائي ..
ألقت نظرة أخيرة عليهما عندما فوجئت بعيني نديم تلتقطان وجودها لتتجمد في مكانها للحظات تتابعه وهو ينظر إليها بقوة قبل أن يرفع يده في تحية بسيطة وهو يمنحها إبتسامة هادئة فلم تستطع منع نفسها من رفع يدها هي الأخرى ردا لتحيته وإبتسامة حزينة ارتسمت هعلى شفتيها ترسم خظ النهاية بينهما كما شعر كلاهما في تلك اللحظة ..
………………………………………………………………
في صباح اليوم التالي
هبطت الطائرة أخيرا في أمريكا وتحديدا في ولاية كاليفورنيا ..
سارا كلا من نديم وحياة خارج المطار بجانبهما صديق نديم الذي إستقبلهما مرحبا بهما بحفاوة ..
ركبا سيارة صديقه حيث جلس نديم بجانبه بينما حياة في الخلف عندما بدأ صديقه يثرثر بسعادة ونديم يشاركه ثرثرته …
حياة كانت تجلس في الخلف تتأمل الشوارع خارجا بملامح صامتة وخوف لا إرادي سيطر عليها ممزوجا بشعور شديد في الغربة فهي الآن في بلد لا تعرفه أبدا وتراه لأول مرة ..
توقف الشاب أمام إحدى العمارات السكنية الراقية حيث أشار لنديم قائلا بلهجة عربية جيدة للغاية رغم كونه يعيش هنا منذ الطفولة :-
” ستعجبك الشقة كثيرا .. والمنطقة هنا هادئة للغاية ..”
ابتسم نديم يشكره :-
” أشكرك حقا يا داني … ”
ابتسم داني مرددا :-
” على الرحب والسعة يا صاحبي ..”
أضاف مشيرا الى حياة :-
” اتمنى أن تعجبك الشقة يا مدام ..”
ردت حياة وهي تبتسم بخفوت :-
” ستعجبني بالطبع .. شكرا كثيرا على تعبك معنا …”
رد بجدية :
” تعبكما راحة يا مدام ..”
هبط نديم من السيارة وكذلك حياة يتبعهما داني الذي تقدم معهما الى العمارة حيث ركبا المصعد ليتوقف في الطابق الثالث حيث توجد شقتهما ..
خرج الثلاثة من المصعد ليعطي داني البطاقة لنديم مرددا بجدية :-
” افتح الشقة وادخلا وارتاحا .. ربع ساعة سأعود ومعي الطعام وسأرسل حقائبكما مع أحد حراس العمارة .. العمارة هنا مؤمنة تماما .. ”
ابتسم نديم يشكره مجددا وهو يربت على كتفه بإمتنان قبل أن يفتح الباب ويفسح المجال لحياة بالدخول يتبعها هو ..
” ما رأيك بالشقة ..؟!”
سألها بعدما توقفا في منتصف صالة الإستقبال ليضيف بعدها :-
” تفقديها وقولي رأيك بها ..”
التفتت نحوه تردد بجدية :-
” لا داعي لذلك … كما يقولون .. المكتوب واضح من عنوانه … واضح جدا كم هي فخمة ورائعة …”
وجدته يجلس على الكنبة مرددا بإرهاق :-
” لقد كانت الرحلة طويلا …”
وافقته وهي تجلس على الطرف الآخر من الكنبة عندما أضاف :-
” سيجلب داني لنا الطعام …”
انتفضت من مكانها مرددة :-
” لقد نسينا بندق في سيارته ..”
رد بسرعة وهو ينهض من مكانه :-
” سيجلبه الحارس بالتأكيد ..”
أكمل مازحا :-
” أنت منذ البارحة لا تفعلين شيئا سوى التفكير بالسيد بندق ..”
ردت بعفوية :-
” خفت أن يتعرض للإختناق في المقصورة الخاصة به أثناء الرحلة ..”
سمعا صوت جرس الباب يرن فقال نديم وهو يتجه نحو الباب :-
” أظن إن بندق قد وصل ..”
فتح الباب ليجد الحارس يحمل القفص الضخم الذي يوجد بندق داخله وجانبه احدى حقائبهما الكبيرة ليخبره إنه سيجلب بقية الحقائب في الحال ..
شكره نديم وهو يحمل القفص منه ويأخذ الحقيبة ثم يعاود الدخول مجددا لتتجه حياة راكضة نحوه بسرعة تجذب القفص منه وتخرج بندق حيث حملته تحتضنه وهي تهمس له :-
” هل أتعبتك الرحلة حبيبي ..؟!”
رفع نديم حاجبه مرددا بعدم إستيعاب :-
” حبيبي …؟! ما هذه المعاملة الغريبة والمبالغ بها يا حياة …؟!”
تجاهلت حياة حديثه وقالت :-
” أشعر إنه ليس بخير .. يبدو هادئا على غير العادة ..”
رد نديم بتهكم :-
” لا تقلقي .. إمنحيه فقط القليل من الوقت وسيعتاد على المكان ثم يبدأ نشاطاته الحافلة ..”
وضعته حياة على الأرضية وهي تخبره :-
” سأخرج لك طعامك حالا من الحقيبة ..”
ثم اتجهت نحو حقيبتها الضخمة وبدأت تفتحها عندما نثرت بعضا من أغراضها بلا مبالاة قبل أن تجد طعام الكلب المفضل فتأخذه بسرعة وتتجه تبحث عن المطبخ لتضعه في صحن مناسب وتقدمه له ..
تطلع نديم الى بندق مرددا بتهكم :-
” ماشاءالله .. تهتم بك وكأنك انت زوجها ولست أنا ..”
زفر أنفاسه بتعب ثم هم بالتحرك عندما سمع جرس الباب يرن فسارع يفتحه ليجد الحارس جلب بقية الحقائب فيأخذها منه وهو يشكره …
وضع الحقائب جانبا وتقدم نحو الكنبة يتمدد عليها بتعب عندما جاءت حياة تحمل الطعام لبندق …
تأملها وهي تنحني نحوه و تضع الطعام له وتربت على رأسه بحنو ثم رفعت جسدها لتقع عيناها عليه وهو ممدد على الكنبة بملامح متعبة ..
قالت بجدية وهي تتجه نحو الكنبة المقابلة :-
” يمكنك النوم إذا أردت ….”
رد بجدية :-
” داني سيجلب الطعام بعد قليل .. نتناول طعامنا أولا ثم ننام ..”
ثم أضاف :
” انا جائع للغاية وانتِ ايضا لم تتناولي شيئا في الطائرة ..”
ردت :-
” فقدت شهيتي طوال الرحلة ..”
” أنت أساسا منذ ليلة زفافنا ولا تتناولي سوى لقيمات صغيرة ..”
قالها بهدوء قبل أن يعتدل في جلسته وهو يتسائل :-
” هل ستبقين هكذا ..؟!”
” كيف يعني ..؟!”
سألته بجدية ليرد بنفس الجدية :-
” لقد أصبحنا هنا .. بلاد جديدة تماما ولوحدنا .. ربما هذه فرصة جيدة لنا ..”
” لقد وعدتك إنني سأكون معك جانبك ..”
قاطعها بتململ :-
” كصديقة …”
هزت رأسها تؤكد كلامه :-
” نعم صديقة .. رفيقة سكن .. هكذا يعني ..”
” ولكنك زوجتي .. ولولا ذلك ما كنتِ لتعيشي معي هنا ..”
قالها بقوة لتتنهد بتعب وهي تقول :-
” ألم ننته من هذا الموضوع ..؟!”
رد ببرود :-
” أبدا ..”
سمع صوت جرس الباب فقال وهو ينهض من مكانه :-
” هذا داني .. جلب الطعام …”
ثم اتجه مبتعدا عنها لتزفر أنفاسها بتعب ثم تتراجع بجسدها نحو الخلف مغمضة عينيها بإرهاق …
لحظات وشعرت به يتقدم مجددا نحوها وهو يحمل مجموعة من الأكياس لتتأمل الأطعمة المختلفة التي رصها على الطاولة قبل أن يشير لها :-
” هيا تناولي طعامك ..”
هزت رأسها موافقة وهي تبدأ في تناول طعامها معه …
بعد مدة انتهيا من تناول الطعام لتنهض من مكانها تلملم الطعام عندما هتف بجدية :-
” سأساعدك ..”
هزت رأسها بإختصار قبل أن يشتركان في جمع المتبقى من الأطعمة وتنظيف المكان سويا ..
بعدما إنتهيا مما يفعلانه اتجهت حياة نحو بندق تحمله وهي تسأل نديم :-
” أي غرفة ستختار أنت للنوم …؟!”
كتم ضيقه وهو يهتف بها :-
” اختاري الغرفة التي تعجبك وانا سأنام في الأخرى ..”
أشارت الى احدى الغرف :-
” سأنام هنا ..”
ثم همت بالتوجه الى الداخل ليوقفها متسائلا بغيظ وهو يشير الى بندق :-
” هل سينام معك ..؟!”
لترد بقصد وهي تلمس على فروه بحنو ورقة :-
” نعم سينام معي وبين أحضاني ..”
ثم منحته إبتسامة باردة لا تخلو من المكر وهي تتجه الى داخل الغرفة وتغلق الباب في وجهه تاركة إياه يشتعل غيظا وغضبا ..
…………………………………………………………..
اوقفت سيارتها امام مدخل الشركة وهبطت منها مندفعة وهي تحمل هاتفها بين يديها ..
كانت تتقدم الى الداخل بملامح مخيفة وخطوات سريعة غير آبهة بنظرات الموظفين حولها ولا محاولة موظفة الإستقبال لفهم ما تريده ..
انطلقت بإندفاع نحو المصعد وضغطت على زر الطابق الأرضي ليهبط المصعد بعد ثواني فتندفع داخله وتضغط على زر الطابق الذي يوجد مكتبه به ..
خرجت من المصعد تتجه نحو مكتبه بملامح مليئة بالتحفز والتوعد لتتجاهل سكرتيرته وهي تقتحم مكتبه فينتفض من مكانه غير مصدقا لما يحدث وكيفية إقتحام مكتبه بهذا الشكل المجنون بينما هاتفه ما زال موضوعا على أذنه وشريكه يتحدث على الجانب الآخر ..
أغلق الهاتف يردد بعدم استيعاب :-
” كيف تدخلين الى المكتب هكذا ..؟!”
تقدمت نحوه تخبره بملامح متصلبة :-
” لقد عرفت من وراء خطفي .. عرفت الشخص الذي خطفني ..”
سألها بعدم تصديق :-
” حقا ..؟! كيف ..؟! ومن هو ..؟!”
تقدمت نحوه أكثر حتى وقفت أمامه وهو ما زال يقف خلفه مكتبه لتقول بقوة وعينين مشتعلتين مخيفتين :-
” انتَ ..”
تأملها بعدم فهم لتضيف بقوة مشددة على كل حرف من حروف كلماتها :-
” انت وراء خطفي .. انت من فعلتها .. انت من خطفتني ..”
صاح غير مصدقا :-
” هل جننتِ ..؟! ما هذا الهراء الذي تتفوين به ..؟! ما علاقتي أنا بالأمر ..؟!”
صرخت بجنون :-
” انت .. انت من فعلت كل هذا ..”
” اهدئي يا مريم ودعيني أفهم ..”
قالها بجدية محاولا السيطرة على أعصابه النافرة في تلك اللحظة لتنقض عليه بشراسة مرددة بصياح مخيف :-
” انت من خطفتني .. كنت وراء كل هذا .. كل شيء كان عبارة عن تمثيلية حقيرة منك وانا صدقتك .. ”
” ما هذا الهراء ..؟! انت تتوهمين ..”
دفعته بقوة وهي تخرج صورة من حقيبتها وترميها في وجهه :-
” وماذا عن هذه الصورة ..؟! هل هي وهم أيضا .. ؟! أليس هذا دليلا على إنك وراء خطفي … ؟!”
حمل الصورة يتأملها مصعوقا وهو يتسائل كيف وصلت إليها ..
همست بصوت متعب من شدة الصراخ :-
” قسما بربي سأبلغ عنك الشرطة وأحبسك أيضا .. لن أتنازل عن حقي منك يا عمار .. قسما بالله لن أتنازل عن حقي ..”
” مريم انا لا افهم .. ما علاقة هذه الصورة بخطفك ..؟!”
سألها محاولا السيطرة على جنونها المخيف لترد بأنفاس لاهثة :-
“كانت تمثيلية رائعة حقا ..”
أضافت وهي تضربه على كتفه المصاب :-
” وهذا بالطبع كان جزءا من التمثيلية .. لذلك أخذتني الى احد أصدقائك من الأطباء ورفضت الذهاب الى المشفى ..”
أخفى عمار ألمه بصعوبة وهو يردد من بين أسنانه :-
” أريد أن أفهم حالا .. ما علاقة هذه الصورة بخطفك ..؟!”
سألته بقوة :-
” انت لا تنكر صحة هذه الصورة إذا ..؟!”
اومأ برأسه مرددا بجدية:-
” نعم ، هذا شريكي في بعض الأعمال .. ”
” هو من خطفني ..”
قالتها بقوة لتتجمد ملامحه فتضيف بقوة أكبر :-
” هو من خطفني وصفعني وهددني ..”
أكملت بصوت مخيف :-
” شريكك او ربما أحد رجالك او أحد أفراد عصابتك الدنيئة .. هو من فعل هذا لكن يبدو إن هناك من قام بخيانتك وارسل لي هذه الصورة الذي تثبت تعاونك معك .. بل الأسوء من ذلك انت تعطيه الأموال وهو يرتدي نفس الملابس التي خطفني بها ..”
قال مبررا :-
” نعم كنت أعطيه الأموال لكن لأجل ..”
قاطعته بحزم :-
” لا تبرر .. كل شيء أصبح واضحا بالنسبة لي ..”
أضافت وهي ترفع كفيها مصفقة :-
” لكن أهنئك حقا .. كانت خطة محبوكة جيدا لدرجة إنني صدقتها بل وشعرت بإنسانيتك لأول مرة .. انا كنت صدقت ..”
توققت تقبض على شفتيها بقوة قبل أن تهتف بتوعد :-
” ستنال عقابك .. أعدك بهذا ..”
أكملت بتهكم وهي تهم بالخروج :-
” لا تنسى أن تبحث عن الخائن في عصابتك والذي سرب لي هذه الصورة ..”
خرجت بخطوات عصبية ليتأمل هو الصورة للحظات قبل أن يعتصرها بكفه بقوة وهو يسب ويلعن داخله عدة مرات ..
………………………………………………………………
بعد حوالي نصف ساعة …
وجد عمار سكرتيرته تتصل به تخبره عن وجود شيرين عزام في الخارج تريد مقابلته ..
تنهد بتعب ثم طلب منها أن تدخلها بسرعة …
وجدها تتقدم نحوه بكامل أناقتها وبملامح جامدة وقد غيرت لون شعرها الى البني الفاتح وهو لونه الأصلي ..
تقدمت نحوه ووضعت حقيبتها على الطاولة أمامها ثم تحدثت بجدية :-
” هل انت متفرغ حاليا للتحدث ..؟!”
رد بجدية :-
” قولي ما لديك .. أسمعك ..”
” ما غايتك مما تفعله يا عمار ..؟!”
سألته بجدية ليتسائل بدوره :-
” عن أية غاية تتحدثين ..؟! انا أريد أن أتزوجك وتقدمت لخطبتك رسميا ..”
قاطعته بعصبية خافتة :-
” أخبرتك إنني أرفض مسبقا .. كيف تسمح لنفسك أن تأتي الى منزلي وتخطبني من عائلتي ..؟!”
رد بتهكم :-
” تتحدثين وكأنني إرتكبت جرما يا شيرين .. انا فقط خطبتك .. تصرفت بكل احترام ولياقة ووضوح ..”
” إذا إسمعني جيدا .. طلبك مرفوض يا عمار .. انا لن أتزوج بك ..”
قالتها وهي تنظر نحوه بقوة ليرد مبتسما ببرود :-
” انت كاذبة .. ترفضين الزواج مني وداخلك تتوقين لذلك ..”
” هذا جنون .. انت وحدك من ترى ذلك …”
قالتها بتحدي لينهض من مكانه ويتجه نحوها ثم يضع كفيه على جانبي كرسيها قبل أن ينحني نحوها مرددا بقوة وهو يحاصر عينيها الخضراوين الرائعتين بعينيه القويتين الحادتين :-
” أنتِ تحبيني وانا كذلك .. في الماضي كنا حبيبين … تفرقنا مسبقا وعدنا واجتمعنا وهذه فرصة صريحة لتجديد حبنا ومشاعرنا ..”
” تجديد حبنا ومشاعرنا وسط هذا الكم من الفوضى التي تحيطك ..!! تريد مني أن أتزوج بك وأنت تعيش داخل ظلامك وتسعى خلف إنتقامك الذي لا نهاية له ..”
قالتها بقوة هي الأخرى ليهتف بجدية :-
” إنتقامي أخذته يا شيرين .. هذا الموضوع انتهى برمته .. ”
سألته بجمود :-
” وهل مشاكلك تقتصر فقط على إنتقامك من أخيك ..؟! انت رجل معقد يا عمار وأنا لا ينقصني أن أدخل وسط تعقيداتك التي لا تنتهي … نعم أحببتك كثيرا وما زلت أحبك .. لن أنكر هذا .. لكن الحب وحده لا يكفي مع رجل مثلك …”
هتف بتحدي :-
” رجل مثلي لن يتنازل عنكِ مهما حدث يا شيرين ومهما رفضتِ .. انا سأتزوجك وسأعيش معك الحياة التي أريدها وستكونين سعيدة راضية للغاية ..”
هتفت بمرارة :-
” ليت كان هناك أملا ضئيلا في أن أكون مرتاحة على الأقل معك .. صدقني لكنت تزوجتك دون تردد …”
اقترب منها اكثر مرددا :
” سوف تكونين سعيدة ومرتاحة وراضية .. سوف أمنحك كل هذا وأكثر .. فقط وافقي يا شيرين .. ثقي بي ووافقي على طلبي وكوني زوجتي …”
توترت ملامحها لا إراديا فنهضت من مكانها توليه ظهرها بسرعة تردد بنبضات خافقة :-
” لا تحاول التأثير علي بهذه الطريقة …”
” أي طريقة …؟!”
سألها مدعيا عدم الفهم وهو يتقدم نحوها لتستدير نحوه مرددة بقوة :-
” انت تعلم جيدا عما أتحدث .. يكفي حقا يا عمار .. انا تعبت حقا .. ليتني لم ألتقِ بك مجددا .. ليتني بقيت في الخارج ..”
ثم اندفعت خارج المكان بأقصى سرعتها حيث خرجت من الشركة بالكامل وركبت سيارتها عائدة الى منزلها …
هناك دلفت الى المنزل لتجد أخيها في وجهها يهمس ساخرا :-
” وأخيرا رأيناكِ …”
سألته مرهقة :-
” ماذا تريد يا وليد ..؟!”
رد بجفاء :-
” انا انتظر الحديث معك منذ ذلك اليوم وانت تلتزمين البقاء في غرفتك وتتجنبين رؤيتي .. ”
أضاف يتسائل بتحفز :-
” لماذا تفعلين ذلك ..؟! ما سبب محاولاتك الصريحة لتجنب رؤيتي .،؟! هل انت موافقة على طلبه ..؟! هل تقبلين عرضه ..؟!”
صاحت بحنق :-
” ولنفترض ذلك .. ما المشكلة …؟! ”
هتف بعدم تصديق :-
” إذا انتِ موافقة ولا ترين مشكلة في ذلك ..”
قالت بجدية :-
” هذه حياتي وانا حرة في إتخاذ أي قرار يخصها ..”
رد بغضب :-
” عندما يتعلق الأمر بتدمير حياتك فحينها لن تكوني حرة يا شيرين …”
” لماذا ترفضه لهذه الدرجة ..؟!”
سألته بضيق ليتمتم ساخرا :-
” ألا تعرفين حقا ..؟! رجل كهذا فعل كل ما فعله وتتسائلين عن سبب رفضي له .. أساسا هل يوجد انسان عاقل ومحترم يقبل به زوجا لأخته .. هذا الرجل خائن لأخيه .. هل تستوعبين ذلك يا هانم ..؟!”
” انت لا تعرفه جيدا ..”
قالتها بصوت مبحوح ليهتف بعدم استيعاب :-
” هل تبررين له يا شيرين ..؟!”
احتقنت عيناها بالدموع وهي تردد :-
” كلا ، انا لا أبرر ولا أي شيء .. وليد افهمني .. انا متعبة وعاجزة عن إتخاذ قرار ثابت ..”
رد بقوة :
” القرار الصحيح هو الرفض .. الرفض القاطع يا شيرين ..”
نظرت له بتردد ليهمس بتجهم :-
” لمَ كل هذا التردد ..؟! لماذا تترددين في قرار جوابه واضح جدا ولا يحتاج التفكير أساسا ..؟!”
نظرت نحوه بوجع ليهتف بخفوت :-
” هل تحبينه يا شيرين ..؟!”
أخفضت رأسها تعتصر حقيبتها بقوة وتعتصر عينيها بقوة ليقبض على كتفيها بكفيه يردد بقوة :-
” انظري إلي …”
رفعت وجهها الباكي نحوه ليهمس بمرارة :-
” تحبينه ..!! تحبين عمار الخولي يا شيرين ..؟!”
رمت نفسها بين أحضانه تنتحب بصوت واضح ليغمض عينيه بقوة قبل أن يهمس لها بصرامة :-
” ستتجاوزينه .. ستتجاوزينه يا شيرين .. سنفعل كل شيء كي تتجاوزي مشاعركِ نحوه … ”
………………………………………………………
دلفت الى داخل شقتها تتأملها بملامح جامدة وخلفها تلك الممرضة التي إعتنت بها طوال فترة بقائها في المشفى …
سمعت الممرضة تسألها بجدية :-
” هل تحتاجين شيئا مني يا هانم …؟!”
ردت بوسي بجدية :-
” سأرتاح في غرفتي .. وانت اذهبي الى تلك الغرفة التي أعددتها لكِ .. عندما أحتاج شيئا سأخبرك …”
هزت الممرضة رأسها موافقة بينما تحركت بوسي بخطوات بطيئة نحو غرفة نومها حيث فتحت الباب ودلفت تتأمل الغرفة التي غابت عنها لأيام طويلة …
توجهت نحو السرير وجلست عليه بتعب والقليل من الألم غزا جسدها …
تحاملت على نفسها وهي تنهض من مكانها متوجهة نحو الحمام حيث فتحته واتجهت نحو المغسلة حيث فتحت صنبور المياه وأخذت تغسل وجهها بالمياه الباردة ثم إستندت على حافة المغسلة بتعب قبل أن تقرر الخروج من الحمام وتتجه نحو السرير حيث حقيبتها التي وضعتها عليه …
فتحت حقيبتها بعدما جلست على السرير مجددا وأخرجت هاتفها تتصل بشخص ما والذي أجابها بعد لحظات مرحبا :-
” اهلا يا هانم .. الحمد لله على سلامتك .. وأخيرا خرجتِ من المشفى وعدت الى شقتك ..”
ردت بجفاء :-
” لا وقت لهذا الكلام الآن .. أريد رقم نديم الخولي كما طلبت ..”
” في الحقيقة يا هانم لا أعرف ماذا أقول لك ..”
قالها بتردد لتسأله بتجهم :-
” ماذا حدث ..؟!”
رد بخفوت :-
” لقد سافر نديم الخولي الى امريكا ..”
انتفضت من مكانها تصيح بعدم تصديق رغم شعور الألم الذي سيطر عليها من حركتها السريعة :-
” ماذا يعني سافر ..؟!”
هتف الشاب بجدية :-
” تزوج وسافر مع زوجته ….”
شتمت مرددة بحنق :-
” اللعنة .. كيف يعني سافر ..؟!”
” والله هذا ما حدث يا بوسي هانم ..”
هتفت من بين أسنانها :-
” يجب أن أتواصل معه .. بأي طريقة ..”
” سأحاول أن أجد طريقة للتواصل معه ..”
قالها بجدية قبل أن يقول بعدها :-
” جلبت لكِ رقم ليلى سليمان ايضا .. ”
” أرسله لي فورا ..”
قالتها بسرعة ليرد على الفور :-
” ستجدينه خلال ثواني عندك …”
أغلقت الهاتف في وجهه وهي تغمغم بحنق :-
” اللعنة عليك .. لماذا سافرت ..؟!”
انتبهت على صوت اهتزاز هاتفها ففتحته بسرعة تتأمل رقم ليلى لتردد بينها وبين نفسها :-
” وانتِ أيضا ستساعديني .. انا متأكدة من هذا ..”
ثم سارعت تتصل بالرقم ليأتي صوت ليلى الناعم بعد لحظات فتهتف بقوة :-
” ليلى سليمان ..”
ردت ليلى بجدية :-
” نعم تفضلي …”
هتفت بوسي بقوة :-
” انا أريد رؤيتك لأمر ضروري جدا ويفيدك .. متى يمكننا أن نلتقي ..؟!”
سألت ليلى بحذر :-
” كيف ألتقي بكِ وانا لا أعرف من تكونين ..؟!”
ردت بوسي بجدية :-
” ستتعرفين علي عندما نلتقي في أحد الأماكن التي تحددينها وإذا أردتِ يمكن أن نلتقي حالا .. ارجوك لا ترفضي .. لقائنا ضروري وأعدكِ إنكِ لن تندمي ..”
حل الصمت المطبق للحظات قبل أن تتحدث ليلى أخيرا تخبرها عن مطعم سوف تنتظرها به بعد ساعة ..
أغلقت بوسي الهاتف وهي تتنفس بقوة قبل أن تتجه نحو الخزانة لتخرج لها ملابسا مناسبة ثم تصيح على الممرضة التي أتت مسرعة نحوها فتخبرها :-
” ساعديني في تغيير ملابسي .. ”
………………………………………………………………
بعد حوالي ساعة دلفت الى المطعم وهي ترتدي نقابا فأخذت تبحث بعينيها نحو ليلى لتجدها تجلس على احدى الطاولات تتأمل المكان بملل ..
تقدمت نحوها ووقفت أمامها تهتف بها :-
” مرحبا ليلى هانم ..”
نظرت ليلى الى المرأة بدهشة لتسحب كرسيا لها وتجلس أمامها قبل أن تهتف بجدية :-
” لا تتفاجئي من مظهري .. ارتديت هذا كي أتفادى أي شخص يحاول مراقبتك من رجال عمار ..”
” عمار ..؟! من أين تعرفينه ومن أنتِ أساسا ..؟!”
إلتفتت بوسي حولها ثم رفعت النقاب عن وجهها تعرف عن نفسها :-
” انا بوسي .. عشيقة عمار .. كنت عشيقته لسنوات قبل زواجك وطوال فترة زواجك منه .. ”
ارتبكت ملامح ليلى وهي تتسائل :-
” عفوا ..؟! وماذا تريدين مني ..؟!”
ردت بوسي بجدية :-
” أريد ما تريدنه أنتِ ونديم …”
” انا لا أفهم شيئا ..”
هتفت ليلى بعدم إستيعاب لتردد بوسي بقوة :-
” عمار سجن أخيه ظلما لسنوات .. تزوجك وأجبرك على العيش معه لسنوات .. دمر كليكما ودمرني أنا أيضا بطريقة مختلفة .. إذا عمار تسبب بدمار وتعاستنا نحن الثلاثة .. ”
” هل تريدين الإنتقام ..؟!”
سألتها ليلى بجدية لتبتسم بوسي وهي ترد :-
” نعم .. أريد أن أخذ حقي منه وأريد منك أن تساعديني كي تأخذي حقك أنت الأخرى ومساعدة نديم أيضا فإذا إحتمعنا نحن الثلاثة سنكون ندا قويا له وننهيه بكل تأكيد …”
سألت ليلى ببرود :-
” ومالذي يجعلني أصدقك ..؟! لماذا لا تكونين كاذبة أو ربما جاسوسة لديه تحاولين الإيقاع بي ..؟!”
قالت بوسي بحيادية :-
” انا لا ألومك في تفكيرك هذا لكن صدقيني انا حقا لا أكذب وأريد الإنتقام منه .. عمار دمرني .. لقد منحته حبي لسنوات وفي النهاية حاول قتلي … رماني من أعلى السلم وأنا أحمل طفله فقط كي يتخلص من طفله داخلي .. كدت أن أموت بسببه .. هل تتخيلين ذلك ..؟!”
” بوسي هانم .. أتفهم موقفك ومدى حزنك .. لكنني قررت منذ مدة أن أبتعد عن عمار تماما .. يكفيني ما حدث معي بسببه حتى الآن ..”
جذبت ليلى حقيبتها ونهضت من مكانها لتهتف بوسي :-
” ستتنازلين عن حقك .. عن سنوات عمرك الضائعة .. عن حياتك التي تدمرت تماما …”
هتفت ليلى وهي تنظر نحوها بقوة :-
” انا لست مستعدة لخسارة سنوات جديدة .. عمار ليس الشخص الذي يمكننه الدخول في حرب معه .. أساسا لدي ما يكفيني من المشاكل ..”
” انت تهربين للأسف وإذا كنتِ تظنين إنك تخلصت بالفعل منه بورقة طلاقك فأنتِ مخطئة .. عمار سيظل حولك يدور في فلكك .. لن يتركك وشأنك مهما حدث ..”
نظرت لها ليلى بتجهم قبل أن تندفع خارج المطعم تاركة بوسي تردد بغضب :-
” غبية .. غبية وجبانة ..”
……………………………………\…………………………
بعد مدة من الزمن ..
كانت ليلى تجلس في مكتبها في شركة والدها تتذكر كلمات بوسي وتفكر بها رغما عنها ..
شعرت بالإختناق يغزوها من مجرد التفكير في عمار وما فعله بها لسنوات …
نهضت من مكانها تتجه نحو النافذة تتأمل الشوارع خارجا وهي تأخذ نفسا عميقا عدة مرات تحاول طرد تلك الأفكار السلبية عنها ..
لحظات قليلة وسمعت صوت طرقات على باب مكتبها يتبعها دخول والدها فهتفت بسرعة ترحب به :-
” بابا اهلا بك …”
تقدم والدها نحوها بملامح سيطر عليها الإرهاق فإحتضنته مرحبة به ثم تقدمت معه نحو المكتب حيث جلس هو على الكرسي الجانبي لتجلس هي قباله تتأمله بقلق ..
” كيف حالك ..؟!”
سألته بتردد ليرد بتعب :-
” كيف سأكون يا ليلى ووالدتك رفعت ضدي دعوة طلاق …؟!”
أضاف بألم :-
” حاولت كثيرا معها ولكنها ترفض التراجع عن قرارها .. ألم تتحدثي أنت معها يا ليلى ..؟!”
ردت ليلى بصدق :-
” تحدثت .. تحدثت كثيرا يا بابا لكنها ترفض ..”
هتف والدها بملامح مهزومة :-
” ماذا أفعل يا ليلى أخبريني .. ؟! انا لا يمكنني تطليق فاتن .. إفهميني ..”
” لا أعلم ما يجب أن أقوله يا بابا .. ماما متمسكة بقرارها والقاضي سيحكم لها بالطلاق من أول جلسة عندما يعلم بأمر زيجتك ..”
همس متعبا :-
” اللعنة على تلك الزيجة.. اللعنة على ما فعلته بنفسي .. ”
أضاف بمرارة :-
” لقد خسرت فاتن … وخسرت مريم أيضا ..”
قالت ليلى بسرعة تحاول التخفيف عليه :-
” لا تقل هذا من فضلك .. انت لن تخسر مريم بالطبع ..فقط فترة وتنتهي .. مريم ابنتك وانت أبوها مهما حدث .. انت تعرف إنها عصبية قليلا لكن صدقني ستهدأ بعد فترة …”
سألها بمرارة :-
” ووالدتك ..؟؟ هل ستهدأ هي الأخرى ..؟!”
تطلعت إليه بقلة حيلة لتجده يضع يده فوق صدره فتسأله بخوف شديد :-
” هل أنت بخير ..؟!”
ردد وهو يدلك جانب صدره :-
” لا تقلقي إنه ألم يأتيتي بين الحين والآخر ..”
قالت بسرعة :-
” كيف لا أقلق .. يجب أن أطلب لك طبيبا في الحال يرى وضعك وسبب ألمك هذا ..”
فتحت الباب واندفعت سهام الى الداخل تصرخ وهي تدفع السكرتيرة بعيدا عنها :-
” انت هنا اذا ..”
نهضت ليلى من مكانها تهتف بقوة :-
” انت كيف تدخلين هكذا دون إستئذان ..؟!”
ردت سهام بتحدي :-
” انا في شركة زوجي ومكتبه .. أدخل متى ما أردت ..”
نهض احمد من مكانه مرددا بتحذير :-
” يكفي يا سهام .. لا داعي لإفتعال الفضائح …”
” فضائح .. انت لم تر فضائح بعد …”
قالتها بقوة لتشير ليلى الى السكرتيرة بأنظارها فتنسحب فورا مغلقة الباب خلفها ..
تقدمت ليلى نحوها تردد بقوة :-
” هذه شركة محترمة لا تناسب تصرفاتك الهابطة ..”
” اخرسي انت ..”
قالتها ثم استدارت نحو زوجها تسأله بعصبية :-
” أخبرني ما سبب غيابك طوال الفترة السابقة يا بك .. ؟!”
” انا حر .. أغيب كما أريد .. طالما أرسل مصروفا لك ولإبني يكفيكِ ويزيد منه فلستُ مجبرا على المجيء …”
كزت سهام على أسنانها تقول :-
” انا زوجتك يا هذا ومسؤولة منك .. انت لا يحق لك أن ترميني لوحدي مع ابنك دون أن تتصل بي لمرة واحدة حتى ..”
رد احمد بحنق :-
” تتحدثين وكأنني تركتك في الصحراء .. انت تعيشين في فيلا طويلة عريضة مع العديد من الخدم والحرس ..”
” ماذا تنوي من تصرفاتك هذه يا أحمد ..؟! هل تظن إنه يمكنك الهرب مني ..؟! انا زوجتك شرعا وقانونا ولي حقوق عليك ..”
أضافت وهي تتأمل الشركة حولها ؛-
” كما لي حقوق في هذه الشركة وبقية أموالك ..”
هتفت ليلى أخيرا :-
” الى هنا وتوقفي .. هذه الشركة تحديدا لا تمتلكين بها ربع سهم حتى …”
همست سهام بتهكم :-
” ما هذا الجنون الذي تتفوهين به ..؟!”
ردت ليلى بصلابة :-
” هذه الشركة أصبحت مسجلة رسميا مناصفة بيني وبين مريم كذلك عمارات والدي والفيلا الكبيرة ومنزل الريف بإسم والدتي يعني بإختصار انتِ لا تملكين شيئا سوى الفيلا التي تسكنين بها …”
التفتت سهام نحو احمد تسأله بعدم تصديق :-
” ابنتك تكذب بالطبع .. انت لم تفعل هذا يا أحمد .. لم تمنح بناتك جميع أملاكك وتحرم أولادي من حقهم ..”
رد أحمد بجمود :-
” بل فعلت .. وانا لم أحرم اولادي من حقهم لإن ليلى ستحافظ على حقهم بكل تأكيد وتمنحهم كافة حقوقهم عند بلوغهم السن القانوني ..”
” تنازلت عن كل شيء لبناتك وأمهما .. وماذا عني ..؟! انا التي تزوجتك وتحملت كل شيء .. رضيت بك رغم فرق السن ورغم إنه زواج سري .. أنجبت لك صبيا كنت تحلم به وسأنجب لك الآخر .. كيف تفعل بي هذا ..؟! اللعنة عليك من رجل ..؟! ألا تمتلك القليل من الضمير ..؟!”
هتف أحمد بتعب :-
” يكفي يا سهام .. أخبرتكِ إن أولادك سيأخذون حقوقهم كاملة عندما يكبرون ..”
” وهل سأنتظر حتى يكبرون وتمن عليهم ليلى هانم بحقوقهم …؟!”
قالتها بصياح قبل أن تضيف :-
” اللعنة عليك .. ألا يكفي إنني تحملتك طوال تلك السنوات بل ربطت نفسي بك بولد ظننت إنك ستفرح به و تمنحه كل شيء .. ”
” بل ظننتِ إنك ستحصلين على كافة أموالي يا سهام بإنجابك الصبي وهذا أساسا سبب زواجك مني وقبولك بوضع كهذا ..”
قالها أحمد مصححا لترد سهام بقوة :-
” نعم ، هذا ما ظننته وأردته .. أساسا مالذي يجعلني أتزوجك سوى أموالك ..؟! مالذي يدفعني للزواج منك سوى هذا ..؟! انا لم أتزوجك حبا فيك يا أحمد ولولا أموالك ما كنت رضيت بك وبما إن أموالك لم تعد موجوده فأنا بعد الآن لا أريدك في حياتي وحتى ابنك لا أريده .. خذه وإشبع به وحتى هذا الطفل داخلي سأرميه لك ما إن أنجبه … ”
رمته بنظرات حادة أخيرا قبل أن تضيف بكره :-
” إن كنت تظن إنني سأنحب لك صبيانا وأظل جارية لهم أخدمهم وأرعاهم فأنت مخطئ يا عزيزي .. ”
اندفعت خارج المكان لتتابع ليلى رحيلها بعدم تصديق قبل أن تلتفت نحو والدها تحاول مواساته لكنها صرخت فورا بعدما رأته يفقد قدرته على التنفس تدريجيا قبل أن يصرخ متألما ثم يسقط أرضا فاقدا للوعي ..
…………………………………………………………
كانت تجلس أمامه في احد المطاعم يتناولان طعام العشاء عندما سألته وهي تحرك الشوكة في طبقها :-
” إذا سمحت لعهد أن ترى ولدها ..؟!”
رد بإقتضاب :-
” بأوقات محددة بالطبع ..”
” جيد .. أحسنت التصرف ..”
قالتها وهي تبتسم له بصدق ليبادلها إبتسامتها وهو يردد :-
” إذا أنتِ راضية عني الآن…”
ابتسمت وهي ترتشف القليل من عصيرها ثم تقول :-
” سأرضى عنك عندما تكون لطيفا دائما وحنونا ..”
ضحك مرددا :-
” لطيفا وحنونا أيضا ..”
قالت بدلع مقصود :-
” ألا يمكنك أن تكون ذلك ..؟!”
رد وهو يتأملها بشغف :-
” يمكنني أن أكون كما تريدين ..”
صحكت برقة ثم همت بتناول مشروبها عندما هتفت وهي تنظر الى الطاولة أمامها :-
” أوووه لا أصدق ..”
التفت فراس لا إراديا ليجد شابة وشاب يجلسان على الطاولة القريبة منهما لتنهض الشابة بعدما انتبهت لوجود غالية فتنهض غالية بدورها وتحتضنها بسعادة ..
تأمل فراس الفتاة الحسناء بشعرها الأشقر الطويل وملامحها الأجنبية بإعجاب قبل أن يجد غالية تجذبها من كفها وهي تتقدم بها نحوه تعرفها عليه :-
” انظر يا فراس .. هذه أوليفيا .. صديقتي منذ أيام الدراسة ..”
” حقا .. اهلا أوليفيا ..”
قالها فراس وهو ينهض من مكانه يحييها لتضع أوليفيا كفها داخل كفه وهي ترد تحيته :-
” اهلا سيد فراس …”
أضافت تسأل غالية :-
” خطيبك أليس كذلك ..؟! يبدو مختلفا قليلا عن الصور ..”
أضافت وهي تتأمله بإعجاب لمع في عينيها الخضراوين :-
” لكنه وسيم في الحالتين ..”
ابتسم بخفة بينما أشارت أوليفيا الى الشاب الأشقر الذي تقدم نحوهما تعرف عنه :-
” إنه جاد .. صديقي ..”
رحبت غالية به وكذلك فراس قبل أن تطلب غالية منهما أن يشاركوهما الجلسة ..
رفضت أوليفيا شاعرة بالحرج :-
” كلا ، لا نريد أن نفسد سهرتكما الرومانسية ..”
لكن فراس قال بجدية :-
” أبدا يا آنسة أوليفيا .. على العكس .. سوف نستمتع كثيرا
ابتسمت أوليفيا وأشارت الى جاد الذي سحب لها الكرسي لتجلس ويجلس هو جانبها فيسأل فراس غالية بإهتمام :-
” هل أوليفيا صديقتك منذ زمن ..؟!”
ردت غالية بجدية :-
” كانت صديقتي المقربة في الجامعة .. كنا سويا طوال اربع سنوات .. هي كانت تعيش أساسا في أمريكا وأنا إلتقيت بها هناك ..”
هتفت أوليفيا تضيف :-
” أنا أمريكية لكن أصولي عربية .. ماما وبابا عرب لكنهم يعيشان في أمريكا منذ سنوات وأنجباني هناك ..”
” لهذا تتحدثين العربية بطلاقة ..”
قالها فراس بجدية لتهز أوليفيا برأسها وهي تقول :-
” بابا أصر أن أتعلم العربية ..”
سألتها غالية :-
” لكن أخبريني لماذا أتيت الى هنا ..؟! آخر مرة تحدثنا بها سويا أخبرتني إنك سوف تستقرين في لندن وتعملين هناك ..”
ردت أوليفيا موضحة :-
” نعم هذا ما حدث .. لكن بعدها تركت العمل في تلك الشركة التي أخبرتك عنها بسبب مشاكل بيني وبين المدير .. عملت بعدها في شركة أخرى لديهم عدة مشاريع هنا فعرضوا علي العمل في فرع شركتهم هنا لمدة عام قبل أن أنتقل الى فرع الشركة الرئيسي في لندن .. ”
” إذا ستبقين هنا لمدة عام .. كم هذا رائع ..”
قالتها غالية بحماس لتهتف أوليفيا بضيق :-
” لا أظن إنني سأفعل .. أصحاب الشركة مزعجين ولسنا على توافق أبدا .. والمشكلة إنني أخاف تقديم إستقالاتي فلا أجد عملا آخرا .. “
” لماذا لا تبحثين عن عملا في شركة أخرى هنا ..؟!”
قالها فراس فجأة لتهتف أوليفيا وقد جذبها حديثه :-
” وهل سأجد شركة مناسبة وتقبل بي بسهولة .. ؟! كما إن فكرة الإستقرار هنا لا تروقني كثيرا ..”
سأل فراس بإهتمام :
” انت تخصص هندسة حاسبات مثل غالية .. أليس كذلك ..؟!”
هزت أوليفيا رأسها وهي تضيف :-
” نعم ولدي شهادة ماجستير في هذا التخصص ..”
” رائع .. يمكنني مساعدتك إذا أردت …”
قالها بجدية لتهتف بسرعة :-
” حقا يمكنك ذلك ..؟!”
ابتسم فراس مرددا بثقة:-
” بالطبع اعتمدي علي وسأجد لك وظيفة في شركة مناسبة جدا ولائقة بك …”
” سأكون ممتنة لك حقا ..”
قالتها أوليفيا بإبتسامة رقيقة بادلها فراس مثلها بينما نقلت غالية نظراتهما بينهما بإنتباه وبدا عدم الرضا والإنزعاج واضحا على ملامحها ..
…………………………………………………………
وقفت توليب بجانب جيلان تهتف بسعادة :-
” تبدين رائعة للغاية ..”
لم يبد على جيلان أي مظهر من مظاهر السعادة بينما همسة كانت على الجانب الآخر تهتف بجدية :-
” فعلا الفستان جميل حقا ..”
التفتت جيلان نحوها تسأل بخفوت :-
” لمَ هذا الإحتفال ..؟! انا لا أفهم …”
ردت همسة بحيادية :-
” حبيبتي انه حفل إعلان لزيجتكما انتِ ومهند..”
أضافت بحنو :-
” حاولي أن تبتسمي قليلا يا جيلان كي لا يظهر عليكِ أي شيء غريب او محير …”
” كيف أبتسم وانا لست سعيدة ..؟!”
قالتها بحزن لتنظر توليب الى همسة بدهشة فتبتسم همسة برقة وهي تشير الى توليب أن تتركهما لوحديهما فتومأ توليب برأسها وتنسحب خارج المكان ..
جذبت همسة جيلان من يديها وتقدمت بها نحو السرير لتجلسها عليه ثم تجلس هي أمامها ..
هتفت بجدية وهي تقبض على كفها :-
” جيلان حبيبتي .. لقد تمت هذه الزيجة منذ فترة ولم يتبقَ سوى الإعلان رسميا عنها بحفل بسيط .. في الخارج لا يوجد سوى افراد العائلة .. نحن وعائلة عمك وعمتك .. جميعهم مقربون لكِ .. لا تخافي من شيء ولا تخجلي أبدا …”
هزت جيلان رأسها بطاعة لتضيف همسة برجاء :-
” وإبتسمي من فضلك .. ابتسمي قليلا على الأقل ..”
رسمت جيلان على وجهها إبتسامة خافتة عندما سمعتا صوت طرقات على صوت الباب فقالت همسة بسرعة :-
” هذا مهند .. سأخرج له كي يدخل لكِ .. حسنا ..؟!”
هزت جيلان رأسها موافقة ثم أخذت نفسا عميقا قبل أن تهمس بينها وبين نفسها :-
” كوني قوية يا جيلان .. لا تخشي من شيء .. تذكري كلام عمار والطبيبة .. كوني دائما هادئة وثابتة في جميع تصرفاتك .. لا تظهري أي خوف او تردد ..”
توقفت عن تفكيرها عندما لمحته يدلف الى الداخل لتنهض من مكانها بحركة سريعة عفويه فيتأمل هو فستانها الناعم الرقيق من الساتان الأخضر المناسب للون عينيها المشوب باللون الذهبي ..
تسريحة شعرها البسيطة والتي تلائم عروس في سنها مع القليل من المكياج الذي بالكاد يمكن ملاحظته لكنه منحها رونقا خاصا وجاذبية مختلفة …
تقدم نحوها وهو يطلق صفيرا قبل أن يردد :-
” عروسي الجميلة ..”
زمت شفتيها بعدم رضا ليبتسم متهكما :-
” ماذا ..؟! ألم يعجبك غزلي بك ..؟!”
ردت بفتور :-
” نحن الآن لوحدنا .. لا داعي لهذه التمثيلية …”
” أووه أصبحنا نجادل أيضا ..”
قالها بمكر لتتسائل بضيق :-
” متى سنخرج ..؟!”
رد وهو يبتسم ملأ فمه :-
“الآن يا سمو الأميرة ..”
ثم فتح ذراعه لها لتتعلق بها فنظرت له للحظات بتردد فيهمس بجدية :-
” يجب أن نخرج كعروسين مثاليين ..”
عانقت ذراعه بذراعها ثم خطت جانبه خارج غرفتها عندما هبطت الى الطابق السفلي لتجد جميع أفراد العائلة في إستقبالها حيث وقف الجميع ما إن دلفا الداخل ..
كان عمها عابد اول من تقدم نحويهما ومعه زهرة زوجة عمها ..
جذبها عمها يقبلها من رأسها متمتما بمباركة خاصة لها بينما احتضنت زهرة مهند وهي تهمس له :-
” الفتاة أمانة في رقبتك .. حافظ عليها …”
ابتعدت بعدها عنه وتوجهت نحو جيلان قبل أن تبارك لها ثم تأخذ علبة متوسطة الحجم من ابنتها وتفتحها وتقدم لها عقدا ماسيا أنيقا وهي تخبرها :-
” هذه هدية زواجك لكنها تأخرت قليلا … ”
ردت جيلان بخجل شديد :-
” أشكرك كثيرا .. إنها رائعة …”
تقدمت بعدهما عمتهما زمرد حيث إحتضنتها وهي تبارك لها قبل أن تبتعد عنها وتبارك لمهند ثم تتجه ناحية أخيها عابد تخبره :-
” رغم إنني لم أستوعب حتى الآن ما يحدث لكن لا يسعني سوى المباركة لكم ..”
رد عابد بإبتسامة مصطنعة :-
” هذا افضل شيء تفعلينه يا زمرد ..”
تقدمت زمرد مجددا وأهدت جيلان قطيفة زرقاء أخذتها جيلان وهس تبتسم بخجل عندما تقدم عمها الثاني جلال يبارك لها الزيجة بجانب زوجته …
جاء بعدها دور راغب وهمسة الذين باركا لهما الزيجة وأهدتها همسة هي الأخرى علبة تحمل مجوهرات إنتقتها خصيصا لها فأشارت همسة الى احدى الخادمات لتحمل المجوهرات من الفتاة ..
جاء بعد ذلك دور بقية الشباب حيث راجي الذي بارك لأخيه وإحتضن جيلان بأخوية مرددا بجدية :-
” منذ أن دخلتِ هذا المنزل وأصبحتِ بمثابة أخت صغيرة لي .. لا تنسي هذا .. متى ما إحتجتني انا موجود ..”
أضاف وهو يشير نحو مهند بمزاح :-
” وإذا أزعجك هذا الشيء .. أخبريني فورا ..”
ابتسمت وهي تشكره برقة فجاء دور فيصل الذي احتضنها بعفوية ثم احتضن مهند قائلا قاصدا إغاظته :-
” وأخيرا دخلت القفص يا مهند ..”
رمقه مهند بنظرات حادة جعلته يتصنع الخوف عندما جذبه أثير بعيدا وهو يردد مازحا :-
” مهند كالطير الحر .. لا قفص يمكن أن يحبسه داخله ..”
ثم احتضن مهند وهو يضيف :-
” لم أستوعب حتى الآن كيف فعلتها …”
رد مهند ممازحا :-
” عندما تفعلها أنت الآخر سوف تستوعب ..”
تقدمت جلنار أخت أثير الكبرى وابنة عمتهما زمرد مع زوجها وهي تبارك لهما وبالطبع قدمت لجيلان هدية باهظة الثمن كالبقية ثم تبعتها أختها الصغرى تالين وبنات عمهما جلال ثم توليب والبقية ..
جلس بعدها الجميع في صالة الجلوس يتبادلون الحديث عندما هتفت زمرد مشيرة لأخيها عابد :-
” حاتم يعتذر عن الحضور يا عابد .. لديه مؤتمر مهم في الخارج ولم يستطع رفضه كون دعوتك جاءت قبل المؤتمر بيومين .. لكنه سيتصل بك ويبارك لك وللعروسين بنفسه ..”
ابتسم عابد مرددا بجدية :-
” لا عليك يا زمرد .. انا أتفهم كمية مشاغله وإرتباطاته …”
هتفت زمرد تشير الى جيلان :-
” حبيبتي اتمنى أن تعجبك هديتي …”
ردت جيلان وهي تبتسم برقة :-
” بالتأكيد ستكون رائعة .. أشكرك عمتي ..”
أضافت زمرد وهي تنظر الى أخيها عابد :-
” أفضل ما في هذه الزيجة إن جيلان إبنة أخينا رحمه الله ستبقى بين أحضاننا .. كنت أريد ذلك دائما ..”
احتقنت ملامح جيلان بقوة بينما أضافت زمرد وهي تشير الى أخيها جلال :-
” ألا توافقتي الرأي عزيزي جلال ..؟!”
اومأ جلال رأسه بإيماءة مختصرة عندما نهضت زهرة تحاول انهاء حديث زمرد الذي دائما ما يأخذ طريقا غير محببا :-
” تفضلوا العشاء جاهز ..”
نهض الجميع متجهين الى غرفة الطعام حيث شعرت جيلان بكف مهند تقبض على كفها وهما يتقدمان سويا نحو طاولة الطعام …
جلس الجميع على الطاولة التي وضع عليها أشهى انواع الطعام حيث بدأ الجميع يتناول الطعام مع تبادل الأحاديث بينهم ..
هتفت زمرد فجأة تسأل جيلان :-
” أين أخيك يا جيلان ..؟! أليس من المفترض أن يحضر حفل عقد قران أخته..؟!”
شعرت جيلان بلسانها ينعقد داخل حلقها عندما تحدث مهند نيابة عنها :-
” سيأتي يا عمتي .. هو خارج البلاد وطيارته ستصل متأخرة قليلا .. انت تدركين إن والدي حدد موعد الحفل فجأة.. كما إن أخيها كان وكيلها في عقد الزفاف وهذا يكفي …”
ابتسمت زمرد بتصنع وهي تحمل كأسها وترتشف منه القليل بينما عاد مهند يتناول طعامه بضيق ..
لحظات قليلة وسمع صوت رنين هاتفه لينهض من مكانه مسرعا وهو يردد بعدما ألقى نظرة على الهاتف :-
” عن إذنكم .. يبدو إن أحد أصدقائي يريدني في شيء مهم ..”
ثم اتجه خارج المكان ليتبادل راغب النظرات مع والده ..
اما مهند فخرج من المكان وهو يجيب مرددا :-
” ماذا تفعلين في الخارج يا تقى ..؟! هل جننت …؟!”
ردت تقى التي كانت أرسلت له رسالة إنها أسفل منزله وسوف تفتعل له فضيحة إن لم يخرج :-
” تعال فورا وإلا سآتي إليك بنفسي ..”
أغلق الهاتف في وجهها وخرج مسرعا من المكان متجها الى الخارج حيث وجدها تقف أمام بوابة القصر بملامح متحفزة ..
جذبها نحو الجانب بين الأشجار المحيطة بالمكان ليردد بغضب :-
” ماذا تفعلين هنا ..؟! ألم أحذرك من أن تأتي هنا مجددا ..؟!”
ردت بقوة ولا مبالاة :-
” أتيت لأبارك لك زيجتك يا عزيزي .. لأحتفل بك …”
أضافت بشراسة :-
” هل تظن إنك ستتخلص مني بسهولة ..؟! هل تعتقد ذلك حقا ..؟!”
سأل بنفاذ صبر :-
” ماذا تريدين بالضبط يا تقى …؟!”
” اسمعني جيدا .. إما ستأتي حالا معي وتعقد قرانك رسميا علي او سأدخل الى القصر وأفضح كل شيء ..”
” هل جننت ..؟!”
” حتى الآن لم أجن .. لكن صدقني إن لم تنفذ لي طلبي سأدلف الى الداخل وأخبر جميع أفراد عائلتك المصون إنني زوجتك عرفيا وقبل ابنة عمك تلك بسنوات ولنرى حينها كيف سوف تستطيع أنت وأخيك المبجل السيطرة على فضيحة كهذه ..”
” ماالذي تريدينه بالضبط ..؟!”
سألها مجددا بنفاد صبر لترد بتحدي :-
” زواج رسمي شرعي وعلني أمام الجميع فأنا لا أختلف عن إبنة عمك الصغيرة أبدا ولست أقل منها بشيء … ”
وقبل أن يرد كان صوت آخر شخص يتوقعه يصدح خلفه مرددا بسخرية :-
” أووه لا أصدق حقا.. متزوج سرا وعرفيا ..”
التفت مهند نحوه مصدوما ليجده أمامه فيردد بعدم تصديق :-
” عمار ..”
فيهتف عمار بإبتسامة عريضة :-
” بشحمه ولحمه ..”
………………………………………………………
” ماذا يحدث هنا ..؟!”
صدح صوت راغب الذي تقدم نحو الثلاثة ليهتف عمار ببرود :-
” تعال يا راغب وإسمع ما سمعته .. إذا كنت لا تعلم فهناك مصيبة تنتظرك .. وإذا كنت تعلم فهذه مصيبة أكبر ..”
منح راغب تقى نظراته الحادة قبل أن يسأل :-
” ماذا حدث ..؟! ”
هتف عمار مشيرا الى تقى :-
” الهانم .. تكون زوجة أخيك .. متزوج منها عرفيا منذ أعوام .. لقد سمعتها وهي تقول هذا بأذني وهو لم ينكر ..”
أشار الى راغب يسأله :-
” أخبرني يا راغب بك .. هل كنت تعلم بأكر زيجة أخيك ومع هذا إخترته زوجا لأختي ..؟! إذا كان الجواب نعم فسيكون هناك حديثا آخر بيننا …”
” عمار بك .. تفضل مبدئيا الى الداخل وسأتبعك ..”
هتف عمار بغلظة :-
” بشرط أن يأتي معي صهري العزيز …”
نقل مهند نظراته بين تقى المتحفزة وعمار المتحدية ليسمع راغب يهمس له بحزم :-
” اذهب معه ..”
سار مهند جانب عمار بينما قال راغب لتقى :-
” كيف تجرؤين وتأتين مجددا الى هنا …؟! ألم أحذرك مسبقا من عدم المجيء الى هنا ..؟
ردت بتحدي :-
” هذا قصر زوجي ويحق لي أن آتي إليه متى ما أشاء بل أسكن فيه أيضا ..”
” تحلمين إذا .. هذا القصر لا يسكنه الحثالة أمثالك …”
تقدمت نحوه تهتف بقوة وتحدي :-
” إياك أن تتحداني .. انت لا تعرفني بعد ولا تعرف ما يمكنني فعله ..”
رد بجبروت يليق به :-
” ابتعدي عنا يا تقى .. انت لا تستطيعين الوقوف في وجههي .. انا حتى الآن لم أصب إهتمامي نحوك لكن صدقيني إذا فعلت لا أحد سينقذك مني ..”
” سنرى يا ابن الهاشمي ..”
قالها بغضب حارق ليرد بتجهم :-
” غادري المكان فورا … هيا ..”
اندفعت خارج المكان بعدما منحته نظرة حاقدة متوعدة …
اما في الداخل فكان عمار يسير بجانب مهند عندما أخبره :-
” دعنا نتحدث على إنفراد …”
زفر مهند أنفاسه بقوة ثم قال :-
” تفضل …”
دلف عمار الى المكتب يتبعه مهند الذي أغلق الباب خلفه ليلتفت عمار نحوه يردد بمكر :-
” متزوج إذا ..”
رد مهند ببرود :-
” نعم متزوج .. هل لك عندي شيء ..؟!”
ضحك عمتو مرددا بخفة :-
” الكثير لي عندك يا مهند .. لا تنس جيلان … أختي وزوجتك .. ولا تنس إن زواجك من هذه الفتاة بهذه الطريقة هي وصمة عار في عائلتك ..”
أضاف مدعيا التذكر :-
” هذه الفتاة .. أتذكرها نعم .. والدها نجم عالم الذي تم حبسه بعدة تهم مرعبة … كان رجل اعمال كبير جدا وذائع الصيت لكن تبين إن كل هذا قشرة تخفي داخلها حقائق بشعة ..”
” هل جئت لتتحدث عن تاريخ والدها ..؟؟”
” والد زوجتك ..”
قالها مصححا ثم أضاف :-
” لكن أخبرني من يعلم بأمر زيجتك .. وإذا لم يكن هناك من يعلم فماذا سيكون موقف عائلتك عندما يعلمون وكيف سيتعاملون مع الموقف خاصة إذا إنتشر الخبر خارج العائلة …؟!”
” هل تهددني ..؟!”
سأله بإنفعال ليرد عمار ببرود :-
” أبدا .. انا فقط أحذرك من عواقب ما ينتظرك …”
هدر مهند بقوة وتحدي :-
” انت لا يمكنك ان تفعل أي شيء .. حتى لو تحدثت وأخبرت الجميع بأمر زيجتي فلا أحد سيصدقك ..”
ابتسم عمار مغمغما :-
” برأيي لا تثق بنفسك لهذه الدرجة .. هذا أولا ..”
أضاف بغموض :-
” انا لم أكشف لك جميع أوراقي بعد ..”
احتقنت ملامح مهند بعصبية مخيفة ليردد عمار ببرود هازئ :-
” زواج ابن عائلة الهاشمي العراقي من ابنة رجل الأعمال السابق والمحكوم بالسجن المؤبد بقضايا الإغتصاب والتجارة بالمخدرات والأعضاء بل والفتيات أيضا .. كم سيكون الخبر صادما وردود الأفعال ممتعة ..؟!”
” هكذا إذا يا بك ..”
قالها مهند بجمود قبل أن يضيف بقوة :-
” طالما أنت تهدد بوضوح فدعني أتحدث بضوح أيضا ..”
” تحدث .. يحق لك أن تتحدث يا صهري العزيز ..”
قالها عمار وهو يطالعه بإهتمام مفتعل ليهتف مهند بجدية :-
” مالذي يجعلك تزوج جيلان مني ..؟! مالذي يجعلك تزوج أختك لي رغم إنك تحمل الوصاية الكاملة عليها وعلى كافة أملاكها ..؟! مالذي يدفع رجلا مثلك لتزويج أخته القاصر من إبن عمها والذي لا يطيقه ولا يطيق أيا من أفراد عائلته أساسا ..؟! هل تريد أن أخبرك عن السبب أم تفشيه أنت بدلا عني بوضوح ..؟!”
رد عمار بلا مبالاة مستفزة :-
” المهم أن تكون أنت مستعدا للسماع .. فتلك التي تتحدث عنها أصبحت زوجتك .. ما يمسها يمسك بكل الأحوال ..”
إشتعلت عينا مهند الزرقاوين بنيران مخيفة وهو يتسائل بغضب ساحق :-
” ماذا تريد انت ..؟!”
رد عمار ببرود :-
” أريد عدة أشياء يا مهند .. أكثر من شيء .. سأخبرك أحدهما مثلا .. الشركة التي أخذها أخوك .. ستعيدها لي وانا سأديرها مجددا بنفسي .. هذا اول شيء وهناك غيره بالطبع فهل أنت مستعد للسماع ..؟!”
هم مهند بالرد لكنه توقف عندما سمع صوت الباب يفتح وراغب يدلف الى الداخل متقدما نحو عمار مرددا بجدية :-
” نحن يجب أن نتحدث يا عمار بك …”
رد عمار وهو يرمق مهند بطرف عينيه :-
” سنتحدث لكن فيما بعد .. فأنا جئت خصيصا لأبارك زيجة أختي ..”
ثم خرج من المكتب يتبعه راغب فيبقى مهند مكانه يعتصر يديه بقوة للحظات قبل أن يتبعهما حيث يجلس الجميع ليجد جيلان ترتمي داخل أحضان أخيها الذي ربت على كتفها بحنو قبل أن يبعدها عنه ويمنحها هديته وهي طوقا ماسيا ناعما ورقيقا أصرت على إرتدائه لترتديه بالفعل بمساعده أخيها فتبتسم بسعادة طفولية وهي تلمس العقد بأناملها بينما عينا عمار تلاقت بعينيه فوجد داخلهما توعد خفي وتهديد صريح جعل غضبه يشتعل أكثر..
……………………………………………………………..
بعد مدة من الزمن دلف عمار الى شقته ليجدها في انتظاره لتنهض من مكانها تردد بغضب :-
” لقد طردني راغب بكل وقاحة ..”
ابتسم مرددا :-
“وهل كنت تتوقعين تصرفا غير هذا منه ..؟!”
ردت بتوعد :-
” سأنتقم منه .. قسما بربي سأربيه … الحقير .. من يظن نفسه ..؟!”
هتف عمار بجدية :-
” المهم ، لقد أبليت بلاءا حسنا اليوم ونفذتِ الخطة كما هي ..”
ردت بحنق :-
” المهم أن أجد مقابل لكل هذا ..”
جلس عمار على الكنبة أمامها مسترخيا مرددا :-
” ما تريدنه ليس سهلا كما تظنين .. لكنك ستحصلين عليه .. فقط تعاوني معي وستنالين ما تريدين ..”
” مهند … مهند هو كل ما أريده ..”
قالتها بعينين شديدتين اللمعان ليردد :-
” ستنالينه وفوقه هدية ايضا …”
” هل تسخر مني ..؟!”
سألته بحنق ليرد ضاحكا :-
” أبدا .. على العكس تماما .. من مصلحتي أن يكون مهند لك .. كما أخبرتك مسبقا بكل الأحوال سأطلق جيلان منه مستقبلا …”
” انت لا تفهم .. مهند لا يريدني .. إنه يرفضني بقوة ..”
قالتها بتشنج ليرد عمار بجدية :-
” سنجعله يريدك مجددا ويتمسك بك …”
” كيف ذلك ..؟!”
سألته بتعب لينهض عمار من مكانه متقدما نحوه يسألها :-
” أخبريني يا تقى .. مالذي يجبر الرجل على التمسك بإمرأة او على الإستمرار معها رغما عن كل شيء ..؟!”
نظرت له بعدم فهم ليبتسم مرددا بمكر :-
” الأطفال .. طفل صغير يربطكِ به الى الأبد ..”
” طفل ..؟! ومن أين سآتي بهذا الطفل ..؟!”
أضاف متجاهلا حيرتها :-
” تخيلي أن تحملي طفل مهند وهو يعلم بذلك .. حينها سيكون مجبرا على الإعتراف بزواجكما وتوثيقه بل وأسرته بالكامل ستقبل بك كزوجة له مجبرين لا مخيرين ..”
سألته بنفاذ صبر :-
” ومن أين سأجلب هذا الطفل ..؟! انا لست حاملا ..”
قاطعها ببرود :-
” هناك عدة طرق .. انت فقط وافقي وانا سأتصرف ..”
” ماشاءالله .. حتى هذه الأمور تجيد التصرف بها ..”
ضحك مرددا بإستخفاف :-
” انت لم ترِ شيئا بعد .. المهم اتركينا من هذا .. اذهبي الآن وإرتاحي وأعدك إن القادم سيكون لصالحك ..”
” اتمنى ذلك .. اتمنى فقط أن نعود أنا ومهند سويا …”
” ستعودان … لا تقلقي ..”
قالها بثقة لتغادر بعدها فيبتسم بتهكم وهو يجذب هاتفه ويفتحه فيخرج صورة لعقد الزواج العرفي الذي يجمع مهند بها ..
ابتسم بقوة قبل أن يدخل الى ملف التسجيلات فيفتح التسجيل ويستمع الى الحديث الذي دار بينهما منذ لحظات فتتسع إبتسامته أكثر متلذذا بإنتصاراته التي لا تنتهي ..
في صباح اليوم التالي
خرج الطبيب من غرفة العناية المشددة التي يمكث فيها احمد والد ليلى لتنهض كلا من ليلى ومريم بسرعة تتبعهما والدتهما بملامح مرهقة فسألت مريم بقلق :-
” كيف حاله يا دكتور ..؟!”
رد الطبيب بجدية :-
” لقد استقر وضعه الحمد لله ..”
تنفست ليلى الصعداء بينما ارتخت ملامح مريم ووالدتها عندما سألت ليلى بجدية :-
” ماذا سنفعل الآن ..؟! هل سيبقى في العناية المشددة ..؟!”
رد الطبيب :-
” بل سننقله الى غرفة عادية الآن فورا …”
” حسنا ، أشكرك كثيرا ..”
قالتها ليلى بإمتنان قبل أن تتنهد بصوت مسموع ثم تتجه وتحتضن والدتها وهي تردد :-
” سيكون بخير ان شاءالله ..”
أغمضت مريم عينيها تكتم دموع الخوف داخلها عندما شعرت بليلى تتقدم نحوها فإرتمت بين أحضانها تغالب دموعها بينما أخذت فاتن تتابعهما بدموع لاذعة ..
بعد مدة من الزمن كانت فاتن تجلس بجانب سرير زوجها تنتظر إستيقاظه بجانبها تقف مريم وعلى الجانب الآخر تتحرك ليلى تجيب على الإتصالات التي تطمئن على والدها بصوت منخفض ..
انتبهت فاتن الى زوجها الذي بدأ يفتح عينيه فإنحنت بسرعة نحوه تهمس بقلق :-
” أحمد ..”
تقدمت مريم بسرعة نحو والدها بينما أغلقت ليلى الإتصال سريعا واتجهت نحو سرير والدها تهمس متسائلة :-
” هل إستيقظ حقا ..؟؟”
فتح أحمد عينيه بصعوبة وهو يلتقط أنفاسه ليجد زوجته جانبه وكذلك ابنتيه فهمس بصعوبة :-
” فاتن ..”
همست فاتن وهي تقبض على كفه :-
” انا هنا .. بجانبك يا أحمد ..”
ابتلع ريقه بصعوبة بينما سألت مريم بتوتر :-
” بابا ، هل أنت بخير ..؟!”
همست ليلى وهي تتجه خارج الغرفة بسرعة :-
” سأنادي الطبيب حالا …”
ليأتي الطبيب بسرعة ويبدأ في فحصه حتى انتهى من فحصه كاملا ليهتف به وهو يتأمل ملامحه التي بدأت تستقر وتنفسه الذي عاد طبيعيا :-
” الحمد لله على سلامتك أحمد بك .. عليك أن تنتبه على صحتك أكثر بعد الآن …”
أضاف وهو يشير الى زوجته :-
” أحمد بك سيبقى في المشفى عدة أيام حتى نطمئن عليه بشكل كامل ونجري فحوصات جديدة ثم يخرج بعدها وطبعا سيحتاج الى عناية مستمرة حتى بعد خروجه ..”
قالت ليلى بسرعة :-
” لا تقلق يا دكتور .. نحن دائما بجانبه …”
خرج الطبيب بينما نظر أحمد الى زوجته وهمس بصوت متعب جدا:-
” سامحيني يا فاتن … ”
هتفت فاتن بسرعة :-
” لا تتحدث الآن يا أحمد .. أنت مريض وبحاجة الى الراحة .. ”
أيدتها ليلى على الفور :-
” كن مرتاحا فقط يا أبي وكل شيء سيكون بخير ..”
لكن أحمد كان مصرا على التحدث حيث أضاف بلهجة بطيئة منخفضة :-
” سامحيني يا ليلى أنتِ ومريم .. لقد خذلتكما كما خذلت والدتكما .. سامحوني جميعا .. انا آسف ..”
أضاف بآلم إحتل كيانه :-
” لقد أخطأت في حقكم كما أخطأت في حق نفسي قبلكم ..”
قالت ليلى بسرعة وهي تنتحي نحوه تربت على كتفه :-
” لا تقل هذا من فضلك .. انا سامتحك منذ مدة وحتى مريم وماما ..”
اتجه احمد بأنظاره نحو مريم التي وجد عيناها تدمعان بقوة فهمس بضعف :-
” مريم ..”
تقدمت نحوه تحتضنه باكية وهي تردد :-
” لقد خفت عليك كثيرا …”
تأملت فاتن حالة مريم بقلق فهي للمرة الأولى تنهار بهذا الشكل عكس حالتها الصلبة القوية دائما …
” انا بخير حبيبتي .. لا تبكي يا مريم ..”
قالها أحمد وهو يربت على ظهرها ومريم بين أحضانه لتهتف ليلى وهي تحاول إبعادها عنه :-
” لا تتعبي بابا كثيرا يا مريم ..”
ابتعدت مريم وهي تكفكف دموعها عندما همس أحمد وهو يشير الى فاتن :-
” أريد أن أتحدث معك يا فاتن ..”
قالت فاتن بسرعة :-
” هذا ليس الوقت المناسب أبدا يا أحمد .. الحديث سيتعبك ..”
قاطعها برجاء :-
” من فضلك .. انا أحتاج للتحدث معك أكثر من أي شيء ….”
همست ليلى لمريم :-
” دعينا نغادر الغرفة …”
سارتا كلا من ليلى ومريم خارج الغرفة بصمت بينما همست فاتن بجدية :-
” تحدث يا أحمد ، أسمعك …”
سعل أحمد بقوة ثم قال :-
” سامحيني يا فاتن .. انا ألمتك كثيرا .. أذيتك وأخطأت في حقك .. ”
قاطعته بجدية :-
” أخبرتك إن هذا الوقت غير مناسب على الإطلاق .. ”
رد بقوة :-
” كلا يا فاتن .. طوال الأيام الفائتة أنا أتعذب .. أتعذب في بعدك وأتعذب أكثر لإنني تسببت بكل هذا الألم لك .. أعلم إنك لن تسامحيني أبدا لكنني أطمع في عطفكِ وسعة قلبك ..”
” انت فقط كن بخير لأجل بناتك وابنك ..”
قالتها بتوسل قبل أن تضيف بخفوت :-
” من فضلك .. ليلى ومريم تحتاجان وجودك وطفلك صغير ويحتاجك ..”
ابتسم بخيبة قبل أن تفتح الباب وتدلف منه سوسن وبقية أخواته لتتقدم سوسن وهي تهتف بقلق :-
” الحمد لله على سلامتك يا أخي ..”
نهضت فاتن وخرجت مسرعة من المكان فهي لا تريد أن ترى أي واحدة منهن وخاصة سوسن لتجد ابنتيها في الخارج ومريم تتحدث قائلة ؛-
” ادخلي انتِ لهن يا ليلى .. انا لا أطيقهن وسأنفجر بهن من الغضب إذا دخلت ..”
قالت ليلى مرغمة :-
” حسنا ابقي انتِ في الخارج وسأدخل أنا لهن .. لا حل آخر أمامي ..”
ثم دلفت الى الداخل حيث عماتها لتستقبلهن وتتحدث معهن مرغمة بدافع الواجب ..
………………………………………………………………
بعد مدة من الزمن …
خرجت ليلى من عند والدها تاركة والدتها ومريم معه ..
أخذت نفسا عميقا وهي تستند على الحائط خلفها تشعر بتعب شديد فهي منذ البارحة في المشفى ولم تنم لحظة واحدة ..
فجأة وجدته يتقدم نحوها وهو يحمل باقة ورد لتتسع عيناها بقوة غير مصدقة جرأته ووقاحته ..
وقف أمامها يهتف بجدية :-
” حمد لله على سلامة أحمد بك يا ليلى ..”
سألت بغضب مكتوم :-
” ماذا تفعل هنا يا عمار ..؟!”
رد مبتسما بلطف :-
” جئت لتأدية الواجب عندما علمت ما أصاب والدك .. أنا متأسف حقا لما حدث معه وأتمنى له السلامة بسرعة ..”
قدم باقة الورد لها لتأخذها بعنف منه وهي تردد من بين أسنانها :-
” نشكرك حقا على مجيئك الذي لا داعي له من الأساس .. والآن يمكنك المغادرة .. ”
” ماذا حدث يا ليلى ..؟! كوني أكثر هدوئا من فضلك وأكثر لباقة … ”
قالها ببرود لترد وهي تتمنى لو تضربه على وجهه بباقة الورد التي جلبها :-
” هل انت مجنون ..؟!سأصاب بالجنون بسببك … اذهب من فضلك .. بي ما يكفيني ارجوك … ”
” حسنا ، اهدئي سأذهب .. كما أخبرتك لقد جئت بدافع الواجب لا أكثر .. لا تنسي إن الرجل في الداخل كان حماي يوما ما ..”
” كان .. كان وانتهى .. لم يعد حماك ..”
قالتها من بين أسنانها وهي تعتصر باقة الورد بين أناملها ليبتسم بخفة وهو يهتف بمكر :-
” لا أحد يعلم ، ربما يصبح حماي مجددا …”
اشتعلت النيران داخل عينيها وكادت أن تجنن وهي تصيح بصوت ارتفع قليلا :-
” ماذا تقول انت ..؟!”
توقفت عن حديثها وهي ترى زاهر يتقدم نحويهما وهو يرمي عمار بنظراته الضيقة قبل أن يهتف :-
” مرحبا ..”
ثم أشار الى ليلى متسائلا :-
” كيف حال عمي أحمد يا ليلى ..؟!”
ردت ليلى وهي تبعد أنظارها المحتقنة عن عمار :-
” أفضل الحمد لله .. وضعه يتحسن …”
تطلع زاهر الى عمار للحظة ثم عاد ينظر الى ليلى يتسائل بجدية :-
” هل هناك مشكلة ما ..؟!”
ردت ليلى بسرعة وهي ترمق عمار ذو الملامح المتهكمة بطرف نظراتها وتقول :-
” كلا ، لا توجد اي مشكلة .. لقد جاء عمار للاطمئنان على والدي وسيذهب الآن ..”
أضافت بجدية وهو تشير الى الداخل :-
” دعنا ندخل عند والدي ..”
تقدم زاهر الى الداخل بينما تطلعت عمار الى ليلى قبل أن ترمي الباقة في وجهه وتتبع زاهر عندما تابعهما عمار وهما يدخلان الى الغرفة ليردد بينه وبين نفسه مبتسما بسخرية بعدما إلتقط الباقة :-
” يبدو إن هناك حب جديد يلوح بالأفق .. آسفي عليك يا نديم ..”
تأمل الباقة وهم بالمغادرة عندما وجد الباب تُفتح ومريم تخرج من الغرفة عندما اتسعت عينيها مرددة بعدم تصديق :-
” ماذا تفعل أنت هنا ..؟!”
تسائل بسخرية بدوره :-
” هل كلما رآني أحد سيسأل نفس السؤال .،؟!”
تقدمت نحوه تردد وهي ترفع إصبعها في وجهه :-
” ألا تخجل من نفسك ..؟! كيف تأتي الى هنا بعد كل ما فعلته ..؟!”
رد ببرود ولا مبالاة :-
” إذا كنتِ تقصدين بما فعلته أختك فأنا طلقتها وأنهيت جميع المشاكل السابقة بيننا وإذا كنت تتحدثين عنكِ أنت فأنا قدمت معروفا كبيرا لك عندما أنقذتك من اولئك الخاطفين وتلقيت رصاصة بسببك ..”
ردت بتحدي :-
” أنقذتني من الخاطفين الذين أرسلتهم بنفسك لخطفي .. يا لك من شهم .. وتلك الرصاصة التي تتحدث عنها .. انا متأكدة إنها ليست حقيقية ..”
أشار الى كتفه مرددا :-
” يمكنك فحصها بنفسك اذا اردت …”
أكمل بخبث :-
” لكن بالطبع المكان هنا ليس مناسب أبدا .. ربما دورة المياه ستكون مناسبة للفحص ..”
” اذهب من هنا ..”
قالتها بحزم ليبتسم ملأ فمه وهو يردد :-
” سأذهب يا مريم لكن قبلما أذهب سأقول شيئا ..”
صمت لوهلة ثم قال :-
” لا تنسي وأنتِ تتحدثين معي ما لدي ضد أختك .. لا تنسي أمر الشيكات ولا تنسي إن مصير أختك بين يدي لذا كوني أكثر حذرا بالتعامل معي لإن صبري بالعادة ليس طويلا أبدا ..”
أنهى كلماته وغادر تاركا إياها تحترق من شدة الغيظ والغضب ..
……………………………………………………………
في داخل غرفة احمد ..
جلس زاهر يطمئن على زوج عمته عندما دلفت مريم الى الداخل مجددا بملامح معتمة …
جلست بجانب ليلى تتابع الحديث الدائر بين والدها وزاهر قبل أن تُفتح الباب ويدخل كلا من خالها وزوجته واللذان جائا بدورهما للاطمئان على والدها ..
تقدم خالها جمال من والدها يحييه ويطمئن عليه تتبعه زوجته التي احتضنت فاتن تواسيها …
نهض زاهر من مكانه يفسح المجال لوالده بالجلوس ووالدته جانبه ..
أخذ الجميع يتحدث قليلا قبل أن ينهض جمال ومعه زوجته مقررين المغادرة ليرتاح المريض ..
أشار جمال الى فاتن قبل خروجه لتتبعه هي وليلى وخلفهما زاهر بينما بقيت مريم مع والدها ..
وقف جمال أمام أخته يردد بضيق :-
” هل رأيت ما حدث ..؟! الرجل كاد أن يخسر حياته بسبب قرارك ..”
” ما هذا الكلام يا جمال ..؟! انا لا علاقة لي بالأمر ..”
قالتها فاتن بجدية ليرد جمال بعصبية :-
” لقد اتخذت قرار الطلاق بمفردك وبلغتني كأنني شخص غريب دون حتى أن تهتمي برأيي والنتيجة زوجك و والد ابنتيك مريض في المشفى وكاد أن يفقد حياته بسبب جلطة قلبية …”
” حسنا يا جمال .. هذا ليس الوقت المناسب لكلام كهذا ..”
قالتها زوجته محاولة تهدئته بينما تدخلت ليلى في الحوار مدافعة عن والدها :-
” لحظة يا خالو … ماما لا دخل لها .. لقد أصيب والدي بتلك الجلطة بسبب زوجته الثانية التي أتت الى الشركة وتشاجرت معه ..”
قاطعتها فاتن بقوة :-
” لا تبرري يا ليلى .. اما انت يا جمال فإسمعني جيدا .. انا حرة في قراري أيا كان وما فعلته رد فعل طبيعي على تصرفات زوجي … زوجي الذي تزوج بل وأنجب دون علمي .. انا لم أرتكب خطئا في قراري ولولا ما حدث لكنت نفذته وتطلقت دون رجعة ..”
” إذا أنتِ تراجعتِ عن قرارك ..؟!”
سألها جمال بسرعة لترد فاتن بحذر:-
” سأوقف إجراءات الطلاق حاليا ولا أدري ما سيحدث فيما بعد .. سأنتظر حتى يستعيد أحمد كامل صحته وبعدها سأقرر ما سأفعل ..”
” هذا أفضل قرار حاليا يا فاتن ..”
قالتها زوجة جمال وهي تربت على كتف زوجها تحذره من الإستمرار بالتحدث عندما جاءت صباح أخيرا لتجد كلا من أختها وأخيها وزوجته وكذلك زاهر وليلى …
ألقيت التحية واحتضنت فاتن تطمئن عليها وعلى أحوال زوجها قبل أن تحيي ليلى التي ردت عليها بجمود …
همست زوجة جمال له :-
” دعنا نذهب الآن يا جمال ونعود مساءا .. ”
ثم اتجهت تودع فاتن بينما همس جمال لأخته صباح :-
” تحدثي مع أختك ودعيها تتعقل قليلا .. الرجل كاد أن يموت بسبب تصرفاتها ..”
هزت صباح رأسها قبل أن يتجه جمال ويودع أخته على وعد بزيارتها مجددا مساءا ..
هتفت زوجة جمال بولدها :-
” ألن تغادر يا زاهر ..؟!”
رد زاهر بسرعة :-
” سأغادر بعد قليل ..”
منحته والدته نظرة غير راضية قبل أن تغادر المكان مع زوجها بينما دلفت صباح الى الداخل مع فاتن ..
نظر زاهر الى ليلى وسألها بإهتمام :-
” هل أنت بخير ..؟! تبدين متعبة للغاية ..؟!”
ردت ليلى بصوت مرهق :-
” سأموت من التعب .. منذ البارحة وانا في المشفى لم أتحرك خطوة واحدة …”
هتف بجدية :-
” لم لا تذهبين الى المنزل وترتاحين قليلا ..؟!”
ردت وهي تتجه نحو احد الكراسي وتجلس عليه :-
” لا يمكنني المغادرة الآن .. هم يحتاجون وجودي بالتأكيد ..”
جلس بجانبها وهو يهتف بجدية :-
” لا بأس .. المهم إنه سيكون بخير ان شاءالله ..”
تنهدت وهي تردد :-
” اتمنى ذلك حقا ..”
سألها بجدية :-
” عمار ذلك .. ماذا كان يفعل هناك ..؟!”
ردت بنفور ظهر على ملامح وجهها :-
” دعك منه .. هذا شخص مجنون ويفعل أي شيء لإزعاج جميع من حوله ..”
التفت نحوها يهتف بقوة :-
” اذا حاول إزعاجك مجددا أخبريني .. يمكنني التصرف معه كما ينبغي …”
تأملته للحظات بصمت غريب قبل أن ترد بإبتسامة خافتة :-
” أشكرك حقا يا زاهر .. لا تقلق علي .. لا أحد يعرفه بقدري ولا أحد يعرف كيف يتعامل معه مثلي .. ”
” أعلم ذلك .. ولكن بعد كل هذه السنوات وبعدما بذلته من مجهود كبير بسببه تحتاجين الى من يقف في وجهه معك ..”
قالها بجدية لترد بحذر :-
” انا وعمار انتهينا يا زاهر .. ما يجمعنا بضعة أعمال وشراكات ستنتهي لا محالة .. يعني ما يجمعنا الآن هو العمل لا غير ..”
سألها :-
” ألا يمكن لذلك العمل أن ينتهي أيضا ..؟؟”
ردت بتمنى :-
” ليته يمكنني فعل ذلك لكن للآسف هناك إلتزامات عديدة بيننا …”
شردت في أمر الشيكات والتي لا تعرف كيف تتصرف بها عندما شعرت به ينهض من مكانه وهو يقول :-
” سأعود بعد قليل …”
ثم اتجه بعيدا عنه لتجد مريم تخرج من الغرفة تتقدم نحوها وهس تردد :-
” خالتك تلك انا لا أطيق وجودها …”
لم تجبها ليلى بينما أكملت مريم بإختناق داهمها وهي تتذكر حديث عمار :-
” سأخرج الى حديقة المشفى فأنا أشعر بالإختناق الشديد..”
هزت ليلى رأسها بتفهم ثم استندت بظهرها على الحائط خلفها وأغمضت عينيها وهي تحاول طرد كافة الأفكار السلبية من رأسها علها تنجح في تخفيف إرهاقها ..
بعد مدة قصيرة شعرت بزاهر يقف أمام وهو ينادي عليها لتفتح عينيها وتعتدل في جلستها سريعا ليسألها :-
” هل غفوت ..؟!”
ردت بسرعة :-
” أبدا ، فقط أغمضت عيني وإسترخيت في جلستي ..”
” تفضلي …”
قالها وهو يمد لها كوب القهوة الكبير حلوة المذاق وقطعة الكرواسون المحشوة بالجبن كما تفضلها فهمست تشكره وهي تأخذ القهوة والقطعة منه :-
” أشكرك كثيرا ..”
جلس بجانبها مجددا بينما ارتشفت هي القليل من القهوة ثم قضمت قطعة من الكراوسون وهي تردد :-
” لطالما فضلت الكرواسون المحشو بالجبن ..”
قاطعها :-
” والقهوة شديدة الحلاوة ..”
نظرت له تهمس بتعجب :-
” انت تتذكر ما أفضله ..”
رد مبتسما :-
” لم أنسه كي أتذكره …”
ابتلعت لقمتها بسرعة تتبعها برشفة من القهوة قبل أن تبتسم بحذر ثم تنظر بتركيز الى كوب قهوتها وقطعة المعجنات في يدها ورغما عنها شردت في كلماته ..
…………………………………………………………………
في أمريكا ..
فتحت حياة عينيها على صوت منبه هاتفها فإعتدلت في جلستها بسرعة وهي تتذكر أمر ذهابها الى الجامعة اليوم ..
نهضت بسرعة من فوق سريرها ثم توجهت نحو بندق المستيقظ منذ مدة تلقي عليه تحية الصباح وهي تلمس فوق رأسه قبل أن تتحرك خارج الغرفة وهي مرتدية بيجامتها المحتشمة ..
اتجهت نحو الحمام وأثناء طريقها الى هناك مرت بجانب المطبخ لتتوقف للحظة وهي تسمع نديم يتحدث هناك قائلا :-
” لا تقلق كل شيء يسير على ما يرام كما خططنا له .. انا فقط أريد أن أعلم ما يحدث هناك بشكل كامل .. تواصل معي يوميا وأخبرني بكل شيء يحدث ولا تنسى شيئا ..”
سمعته وهو يتنهد ثم يضيف :-
” لا تقلق .. لن أعود الى البلاد دون إخبارك .. بالتأكيد لن أتراجع عما إتفقنا عليه .. مع السلامة ..”
عادت الى غرفتها مجددا وأغلقت الباب خلفها واتجهت نحو السرير تراجع كلماته لتهز رأسها بعدم تصديق وهي تفكر في حديثه وذلك المخطط الذي يتحدث عنه …
نهضت من فوق سريرها مجددا وخرجت من غرفتها لتجده في وجهها وهو يتجه نحو غرفته ليهمس مبتسما :-
” صباح الخير ..”
ردت بصوت جاف :-
” صباح النور ..”
هتف بسرعة :-
” لقد أعددت الفطور ..”
قاطعته بصلابة :-
” سأغتسل اولا ثم أتناول فطوري …”
ثم اتجهت نحو الحمام دون إنتظار جواب منه ..
أغلقت باب الحمام خلفها ثم وقفت أمام المرآة تتأمل ملامح وجهها الجامدة لتفتح صنبور المياه وتبدأ في غسل وجهها وتفريش أسنانها ..
خرجت بعد مدة من الحمام واتجهت نحو المطبخ لتجده في انتظارها عندما جلست أمامه لتجده يصب الشاي لها وهو يهتف :-
” أعلم إنك تفضلين الشاي صباحا …”
اخذت كوب الشاي منه وبدأت ترتشف منه بصمت بينما صب هو له الشاي ..
أكلت القليل من الطعام بعدما فقدت شهيتها لا إراديا لتسمعه يسألها :-
” هل انت جاهزة للذهاب الى جامعتك اليوم ..؟!”
ردت بجدية :-
” بالطبع جاهزة ..”
” يمكنني أن آتي معكِ إذا أردتِ …”
قالها بتأني لترد ببرود :-
” شكرا لكنني كبيرة بما فيه الكفاية لأذهب هناك لوحدي …”
” أعلم ولكننا في بلد جديد لا نعلم عنه شيئا ..”
قالها بنفس البرود قبل أن يضيف :-
” إذا إحتجتِ أي شيء فأنا موجود ..”
أضاف عن قصد :-
” كصديق بالطبع ….”
ردت بجدية :-
” طبعا .. انت أول من سألجأ إليه عند الحاجة .. لا تقلق ..”
أضافت بعد لحظات صمت :-
” هل يمكنني أن أطرح سؤالا ..؟!”
ضحك رغما عنه مرددا :-
” لا أصدق إننا وصلنا الى مرحلة نستأذن بها بعضنا قبل التحدث او طرح سؤال .. على العموم تفضلي ..”
تجاهلت حديثه الأول وهي تسأله :-
” ما سبب قرارك المفاجئ بالسفر ..؟!”
سألها بدوره:-
” ما سبب هذا السؤال الغريب والذي تعرفين إجابته مسبقا ..؟!
هتفت بقوة :-
” لا ترد على سؤال بغيره .. وفكرة الهرب من الماضي وخلق بداية جديدة لن تنطلي علي بعد اللآن …”
” ماذا تعنين بذلك ..؟! مالذي يدفعني للسفر سوى هذا السبب ..؟!”
سألها بضيق خفي لترد وهي تنهض من مكانها وتقترب منه حيث جلست جواره :-
” صارحني بالحقيقة .. إلام تخطط بالضبط .. ؟! أصبحت أدرك جيدا إن هناك شيئ ما خلف سفرك المفاجئ .. أنت تخطط لشيء معين وهناك من يساعدك في الخفاء ..”
” أنت تتوهمين ..”
قاطعها بقوة لترد بتحدي :-
” انا لا أتوهم.. لقد سمعتك بإذني قبل قليل وأنت تتحدث في المطبخ .. أخبرني الحقيقة يا نديم …”
نهض من مكانه مرددا بلا مبالاة مقصودة :-
” ولم سأخبرك ..؟! بصفتك من ..؟! صديقتي ؟! للآسف لا يكفي .. انتِ لا تملكين الحق في معرفة أموري الخاصة لإنكِ إخترتِ أن تكوني مجرد صديقة وبالتالي فقدتِ جميع حقوقكِ كزوجة من حقها أن تعرف أسرار زوجها ..”
انتفضت من مكانها تصيح بغضب :-
” أنت تخطط للإنتقام من أخيك .. أعلم ذلك جيدا .. وسفرك جزء من خطتك وهناك من يساعدك .. لكن ماذا عني ..؟! لماذا جلبتني الى هنا معك ..؟! هل جلبتني لمجرد التمويه لا أكثر ..؟! كي يتأكد أخوك إنك تزوجت وبدأت حياة جديدة ..؟! هل كنت وسيلة لإنهاء شكوك أخيك حولك ..؟!”
هتف بحزم :-
” لا تهذي يا حياة .. بالطبع لم أفكر بذلك ولو مرة واحدة .. انا أردتك زوجة منذ وقت طويل ووجودك هنا معي لإنك زوجتي او بالأحرى طلبت منكِ السفر معي كونكِ ستكونين زوجتي .. من فضلك لا تخلطي الأمور ببعضا وتعتقدين أشياء لا وجود لها …”
” نعم انا أعتقد أشياء لا وجود لها .. ربما كلامك صحيح .. لكن هل تعلم لماذا ..؟! ”
نظر لها بإهتمام لترد بقهر :-
” لإنني لا أعرف حتى الآن ما هو سبب وجودي في حياتك .. لا يوجد أي سبب منطقي لتمسكك بي ولا لوجودي معك .. ربما لو كان هناك سببا واحدا منطقيا لما ذهبت ظنوني الى ذلك الإتجاه ..”
همت بالتحرك لكنها توقفت عندما شعرت به يقبض على ذراعها ويديرها نحوه لتصبح عيناها مواجهة لعينيه فيهتف بجدية تامة ظهرت على ملامح وجهه وفي عينيه ونبرة صوته :-
” ربما الخلل عندي .. ربما لم أستطيع شرح ما يجول داخلي نحوك بشكل مفهوم لكن يوما ما ستفهمين سبب كل هذا وستفهمين ما تعنينه لي ووقتها ربما أنا أيضا سأفهم الكثير مما أجهلهه ..”
هتفت بمرارة :-
” أتمنى ألا يكون الوقت قد تأخر حينها فنفقد أي فرصة ممكنة لدينا ..”
رد بملامح شاحبة :-
” هل تعتقدين ذلك ..؟! هل يمكن أن أفقد آخر فرصة لي بالحياة …؟!”
تأملته مليا قبل أن تهتف :-
” من فقد فرصة الحياة مرة يمكنه أن يخسرها عدة مرات أخرى ولن يتأثر كثيرا لإنه إعتاد على ذلك ..”
حررت ذراعها من قبضته ثم اتجهت نحو غرفتها لتغيير ملابسها بينما اتجه هو نحو النافذة يتأمل الشارع خارجا وعقله شارد في كلماتها يراجع نفسه ومشاعره والحياة التي بدأت تنشأ داخله منذ دخولها حياته ..
لقد غيرت حياة الكثير داخله دون أن تشعر ..
جعلته يحيا مجددا بعدما كان ميتا ..
لقد تغيرت الكثير من الأشياء بوجودها ومنحته الكثير من الأشياء التي لايظن إنه يستطيع الإستغناء عنها يوما …
ربما لم يحبها كما ينبغي .. لم يصل معها الى مرحلة العشق لكن ما يجمعه بها أكبر من أن يوصف ..
حياة هي الوتد الذي يستند عليه بقوة وهي مصدر قوته ومقاومته بل مصدر حياته …
حياة هي المنحة الآلهية التي منحها الله له بعدما فقد كل شيء وظن إن لا أمل له بالحياة مجددا ..
توقف عن أفكاره وهو يراها تخرج من الغرفة مرتدية ملابسها لينادي عليها فتتوقف مكانها ثم تستدير نحوه ليتقدم نحوها مرددا بجدية :-
” انت مخطئة يا حياة.. من وجد الحياة بعدما فقدها يوما يصعب عليه خسارتها مجددا ..”
تجمدت ملامحها وهي تستمع الى كلماته ليضيف بقوة وثقة :-
” انا لن أخسر فرصتي في الحياة مجددا .. سأتمسك بتلك الفرصة التي منحها الله لي بكل قوة أمتلكها .. سأحارب للحفاظ على حياتي الجديدة التي وجدت بها نفسي .. سأحارب جميع الظروف مهما بلغت صعوبتها حتى أصل الى بر الأمان .. معكِ أنتِ …”
ابتلعت ريقها بتعب وشعرت بلسانها ينعقد داخل حلقها فهزت رأسها بحركة آلية دون رد ثم غادرت الشقة مسرعة تطرد كلماته من داخل رأسها رغم كونها تدرك إنها تركت داخلها آثرا لا يمكن تجاهله ..
آثرا سيبقى محفورا داخلها الى الأبد ..
……………………………………………………..
دلفت حياة الى الجامعة وهي تتلفت حولها رغما عنها وشعور الغربة يسيطر عليها بالكامل ..
تحدثت مع أحد المارة تسأله عن مكان القاعات الخاصة بمرحلتها الدراسية ليخبرها عن المكان فتشكره وهي تتجه بسرعة الى هناك …
وصلت الى هناك لتجد بعض الطلاب يجلسون في قاعة واسعة على شكل مجاميع صغيرة يتحدثون مع بعضهم ويذاكرون المواد الدراسية سويا ..
تأملت الجميع بحذر قبل أن تتجه نحو احد الكراسي وتجلس عليه وهي تحتضن حقيبتها بين أحضانها …
أخذت تتأمل الموجودين حيث كلا مشغول بنفسه لا يهتم بسواه فشعرت بالوحدة الشديدة والإشتياق لأجواء جامعتها وأصدقائها هناك وخاصة مي التي كانت دائما معها ..
مرت عدة دقائق فشعرت بالضجر وهي لا تفهم ماذا تفعل هنا وماذا تنتظر فنهضت من مكانها تحمل حقيبتها وتهم بالتحرك عندما وجدت شابا أشقر يدلف الى القاعة يلقي التحية بجماس فيجيبه جميع الموجودين مرحبين به …
كان يسير بين الطلاب وهو يتحدث معهم ويمازحهم عندما وقع بصره عليها وهي تقف بعيدا عنهم بالخروج ليتقدم نحوها مبتسما قائلا :-
” مرحبا ، انت جديدة هنا …؟!”
ردت بخجل :-
” نعم ، انا طالبة جديدة ..”
” لكنتك تدل انك لست اجنبية ..”
قالها بجدية لترد بسرعة :-
” نعم انا عربية ..”
” أووه حقا ..”
قالها وهو يضيف :-
” اهلا بك .. انا مايكل .. انكليزي الأصل ..”
ردت وهي تبتسم بخجل معرفة عن نفسها :-
” اهلا .. انا حياة …”
ابتسم مرددا اسمها بصعوبة:-
” حياة .. ما معنى اسمك ..؟!”
شرحت له معنى الاسم وأخبرته إن معناه الحياة فإبتسم قائلا بإعجاب :-
” اسم جميل ومعناه مميز ..”
ابتسمت بحرج ليضيف متسائلا :-
” إذا أنتِ جديدة هنا وتشعرين بالوحدة بالطبع ..”
اومأت رأسها وهي تضغط على شفتيها ليبتسم قائلا :-
” لا تقلقي .. طالما انا هنا فلن تشعري بالوحدة بعد الآن ..”
أضاف بحماس :-
” ما رأيك أن تأتي معي لأعرفك على الجامعة …؟! اليوم لا يوجد شيء مهم فلهذا دعيني أعرفك على الجامعة …”
تأملته بتردد قبل أن تهز رأسها موافقة لتسير بجانبه فتسمعه يقول :-
” بإمكانك الإعتماد علي دائما .. ”
سألته متعجبة :-
” تبدو معروفا لدى الجميع ..؟!”
رد ضاحكا :-
” انا الاول على دفعتي وصديق الجميع والمسؤول عن أغلب الأمور التي تخص المرحلة ..”
أضاف بجدية :-
” انت اول فتاة عربية أتعرف عليها .. لم يسبق لي أن تعرفت على شخص عربي مسبقا ..”
سألته بإهتمام :-
” وهل هذا أمر جيد بالنسبة لك ..؟!”
رد بصدق :-
” بالطبع ، إنها فرصة للتعرف على العرب عن قرب …”
أضاف يهتف بجدية :-
” لكنكِ تتحدثين الإنكليزية بطلاقة ..”
ابتسمت مرددة :-
” ورغم هذا أدركت إنني لست أجنبية أثناء حديثي ..”
رد بجدية :-
” بسبب لكنتك الشبه متقنة .. ينقصك القليل وتتحدثين مثلنا تماما ..”
” يكفيني هذا حتى الآن ..”
سألها :-
” لكن أخبريني ، لماذا أتيت الى هنا ..؟! هل أرسلتك جامعتك الى هنا بمنحة أم إنتقلتِ مع عائلتك للعيش هنا ..”
ردت بجدية :-
” لا هذا ولا ذاك .. لقد أتيت مع زوجي الى هنا ..”
توقف في مكانه يردد بعدم إستيعاب :-
” لحظة ، أنتِ متزوجة ..؟!”
اومأت برأسها مؤكدة ما قاله فأضاف يسألها :-
” كم عمركِ انت …؟!”
ردت مبتسمة بخفة :-
” اثنان وعشرون عاما …”
هز رأسه مرددا بعدم تصديق :-
” لا أصدق .. أنت صغيرة حقا على الزواج ..”
ضحكت بخفة وقالت :-
” هذا ما حدث .. لقد تزوجت وأتيت مع زوجي الى هنا …”
” أمركم غريب أنتم العرب … تتزوجون مبكرا للغاية ..”
ردت مدافعة :-
” ليس الجميع .. البعض يتزوج مبكرا والبعض يتزوج كبيرا في السن والبعض الآخر يتزوج بعمر متوسط … ”
” وما السبب الذي دفعك للزواج في هذا العمر .. ؟! ربما تعتبرين هذا فضولا لكن ..”
قاطعته بسرعة :-
” كلا عادي جدا .. أحببته هكذا فقط ..”
” أووه قصة حب إذا ..”
قالها وهو يبتسم لها لتبتسم بخفوت وهي تشيح بوجهها لتسمعه يردد :-
” تعالي معي سأعرفك على حبيبتي …”
سارت معه لتجده يتجه نحو فتاتين فيشير الى إحداهن لتنهض من مكانها وتتقدم نحويهما مبتسمة ..
هتف مايكل معرفا عنها :-
” أعرفك يا حياة … جينا حبيبتي .. جينا هذه حياة طالبة جديدة لدينا في الدفعة وعربية كما ترين ..”
ابتسمت الفتاة ترحب بحياة التي ردت تحيتها قبل أن تتحدث معها فتتجاوب حياة معها وقد رأت مدى لطف الفتاة وحماسها ..
بعد مدة جلست معهما تتبادل الأحاديث وقد وجدت رفقتهما لطيفة للغاية …
” بما إننا أصبحنا أصدقاء سأدعوك على العشاء عندنا في شقتنا ..”
قالتها جينا بحماس لتضع حياة كوبها وهي تتسائل :-
” هل تسكنان في نفس الشقة ..؟!”
ردت جينا وهي تحتضن مايكل :-
” نحن نعيش سويا منذ ثلاثة اعوام …”
ابتسمت حياة بصمت بينما أضافت جينا :-
” ما رأيك أن تأتين اليوم مساءا وليأتي زوجك معكِ …؟!”
قالتها جينا بنفس الحماس لتبتسم حياة بحرج وهي تردد :-
” يوم آخر أفضل ..”
قال مايكل بسرعة :-
” مساء الخميس .. نننتظرك على العشاء وزوجك مدعو معك …”
هزت حياة رأسها بصمت دون رد بينما عاد الثلاثة يكملون حديثهم ..
عادت حياة الى الشقة لتجد نديم في انتظارها والذي هتف بها مرحبا :-
” كيف حالك وما أخبار أول يوم في الجامعة ..؟!”
ردت بجدية :-
” جيد .. لقد تعرفت على الجامعة اليوم ..”
” وهل تعرفت على أحد في الجامعة ..؟!”
سألها بإهتمام لترد وهي تجلس على الكنبة بتعب :-
” تعرفت على شاب معي بنفس الدفعة اسمه مايكل … ”
ردد بجمود :-
” مايكل ..”
هزت رأسها تهتف :-
” نعم ، انه شاب لطيف … عرفني على الجامعة وبعض الطلبة ..”
” جيد …”
قالها بإقتضاب قبل أن يضيف :-
” إذا هل تتناولين طعام الغداء معي ..؟!”
ردت بجدية :-
” شكرا لكنني تناولت طعامي مع مايكل وجينا ..”
نهضت من مكانها وأضافت :-
” انا بحاجة الى النوم لبضعة ساعات ..”
ثم تحركت متجهة الى غرفتها تاركة إياه يشتعل غضبا وهو يردد بينه وبين نفسه :-
” مايكل …!!! هذا ما ينقصني ..!!”
……………………………………………………..
جلس صلاح على الطاولة حيث يجلس كلا من شريف ووالدته نجاة ..
تنحنح مصدرا صوتا مرددا :-
” أريد التحدث بموضوع هام ..”
منحه أخيه كامل إنتباهه وكذلك والدته عندما هتف بتردد :-
” لقد قررت الزواج …”
هتفت نجاة بعدم إستيعاب :-
” ماذا قررت ..؟!”
رد ببساطة وهو يتأمل نظرات أخيه الغير مصدقة :-
” الزواج يا أمي …”
” هل أنت بخير يا بني ..؟! هل أصابتك الحمى ..؟!”
سألته نجاة بدهشة ليبتسم مرددا :-
” ماذا حدث يا أمي ..؟! انا بخير تماما وأتحدث بكامل وعيي ..”
هتف شريف بجدية :-
” أي زواج يا صلاح ..؟! منذ متى وأنت تفكر بالزواج ..؟!”
رد صلاح بجدية :-
” منذ فترة ..”
أكمل عن قصد :-
” بعدما وجدت الفتاة المناسبة …”
” ومن هي تلك الفتاة ..؟!”
سألته والدته بإهتمام رغم دهشتها ليرد صلاح بخفوت :-
” نانسي يا أمي .. نانسي مختار ..”
” ابنة تهاني …”
قالتها نجاة بعدم تصديق ليبتسم صلاح ملأ فمه وهو يقول :-
” هي بشحمها ولحمها …”
ردت نجاة بنفور :-
” انا لا أطيق تهاني تلك ..”
” أمي انا لن أتزوج تهاني ..، سأتزوج ابنتها ..”
قالها صلاح مبتسما لترد نجاة بنزق :-
” وما الفرق ..؟! إنها والدتها وانا لا أطيقها ولا أطيق فكرة أن تجمعني علاقة من أي نوع بها ..”
قال شريف بعقلانية :-
” برأيي هذا الأمر ليس مهما حاليا … ما هو مهم حقا هو مدى صحة قرارك يا صلاح ومدى ثباتك عليه ..”
أضاف يتسائل بتحذير :-
” هذا زواج يا صلاح .. رباط دائمي .. هل أنت مدرك لهذا ..؟!”
هتف صلاح بملل :-
” هل أنا صغير يا شريف ..؟! بالطبع أدرك معنى الزواج وأهميته وقدسيته وكل هذه الأشياء ..”
هتف شريف :-
” لم أقل إنك صغير .. انت فقط دائما كنت ترفض فكرة الزواج بل تسخر ممن يتزوجون … ترى الزواج سجنا لا يمكن أن تدخله مهما حدث لذا قرارك هذا يبدو غريبا للغاية عليك ولا يتوافق مع آرائك …”
رد صلاح :-
” أخبرتك ذلك كان مسبقا قبل أن تدخل نانسي حياتي ..”
” نحن نعرف نانسي منذ سنوات ..”
قالها شريف بقوة ليتلعثم صلاح وهو يرد :-
” أقصد قبل أن أقع في حبها …”
” إذا أنت تحبها ..؟!”
سأله شريف بقوة ليرد صلاح بثبات مصطنع :-
” بالطبع ولهذا سأتزوج بها …”
نظر له شريف بعدم اقتناع بينما أضاف صلاح بجدية :-
” تجهزا حيث سنذهب قريبا لخطبتها ..”
نهض من مكانه بعدها وغادر المكان لتهتف نجاة :-
” لا أصدق ما سمعته .. صلاح يتزوج ومن إبنة أكثر إمرأة لا أطيقها ..”
هتف شريف بشك:-
” هناك شيء غريب فيما يفعله … تصرفه هذا مفاجئا وغير منطقيا ..”
” ماذا تقصد ..؟!”
سألته والدته بقلق لا إرادي ليرد شريف بجدية :-
” لا أعلم ولا يمكنني الجزم بشيء لكن يجب أن نتأكد أولا من مدى صحة قرار ابنك كي لا يتسبب لنا بمشكلة مع الفتاة وعائلتها ..”
زفرت والدته أنفاسها بحنق بينما شرد شريف مرغما في قرار أخيه المفاجئ والذي شبه متأكد إن وراءه شيئا ما ..
…………………………………………………………..
توقفت غالية بسيارتها أمام منزل فراس وهبطت منها حيث توجهت الى الداخل لتجد الخادمة في إستقبالها والتي أخبرتها بعدما رحبت بها :-
” باسمة هانم تنتظرك في غرفة الضيوف ..”
سارت غالية بثقة نحو تلك الغرفة حيث دخلت لتجد باسمة هناك والتي نهضت لإستقبالها ..
رحبت بها باسمة قبل أن تشير لها أن تجلس على الكرسي المجاور لها ..
جلست غالية حيث أشارت فسألتها باسمة :-
” ماذا تفضلين أن تشربي الآن ..؟!”
ردت غالية بجدية :-
” فنجان من القهوة السادة إذا أمكن …”
أشارت باسمة للخادمة وطلبت لهما فنجانين من القهوة السادة ثم تحدثت بعدما غادرت الخادمة :-
” قلت لأدعوك الى هنا حيث نجلس ونتحدث سويا فأنتِ أصبحتِ خطيبة ابنتي رسميا …”
ابتسمت غالية برسمية وقالت :-
” يشرفني ذلك بالطبع ..”
ابتسمت باسمة بدورها ثم قالت :-
” كيف تسير علاقتك بفراس ..؟! أعلم إنكما ما زلتما حديثي الخطبة ولكن هل كل شيء يسير على ما يرام بينكما ..؟!”
ردت غالية عن قصد :-
” إذا كانت الإجابة نعم ستزعجك فسأقول كلا ..”
اختفت ابتسامة باسمة وهي تقول :-
” أبدا لن يزعجني .. في النهاية انا تهمني سعادة ابني ..”
أضافت بنبرة ذات مغزى :-
” انا سألت عن علاقتكما بسبب ما حدث مساء ذلك اليوم عندما غادر فراس فجأة وترككِ لوحدك معنا …”
” كان لديه ظرف طارئ ..”
قالتها غالية بجدية لترد باسمة بهدوء مريب تخفي إبتسامة :-
” نعم ظرف طارئ جدا …”
ابتسمت غالية ببرود وقالت :-
” أعلم إنه ذهب الى عهد بعدما اتصلت به وأخبرته إن تميم متعب قليلا .. لا تقلقي يا باسمة هانم .. انا أعرف كل شيء .. فراس بنفسه أخبرني بذلك في اليوم التالي …”
منحتها باسمة إبتسامة مصطنعة وهي تردد :-
” الصدق والصراحة يعتبران أهم شيء لنجاح أي علاقة …”
” أتفق معك كثيرا …”
قالتها غالية وهي تتأمل الخادمة التي تقدمت وهي تحمل القهوة لكليهما ..
وضعت الخادمة فنجاني القهوة أماميهما ثم غادرت لتهتف باسمة بجدية:-
” لا تفهمين حديثي بشكل خاطئي .. صدقيني انا أريد مصلحتك كما أريد مصلحة ابني وحفيدي ….”
حملت غالية فنجان قهوتها وارتشفت منه القليل قبل أن تقول :-
” ومصلحتنا نحن الثلاثة إضافة الى مصلحة عهد تقتضي فسخ الخطبة ، أليس كذلك ..؟!”
سألتها باسمة بجدية :-
” هل أنتِ مقتنعة بأمر خطبتك منه حقا ..؟!”
ردت غالية بقوة :-
” انا لا أخطو خطوة غير مقتنعة بها تماما مهما حدث ..”
أضافت بجدية :-
” وبرأيي خطوتي حتى الآن تسير بشكل صحيح وفي مصلحتنا جميعا … انظري الى فراس .. لقد سمح لتميم أن يزور والدته بإستمرار …”
قالت باسمة بتحدي :-
” فراس تصرف هكذا بعدما علم بإحتمالية زواج عهد مجددا… هل لديك علم بهذا …؟!”
لم تجبها غالية بل اكتفت بالصمت لتضيف باسمة :-
” هل لديك علم بأمر زواج عهد مجددا وكيف تغيرت تصرفات فراس بعد معرفته بذلك ..؟!”
سألت غالية بقوة :-
” إلام تريدين أن تصلي …؟!”
ردت باسمة بقوة :-
” أريدك أن تنسحبي من هذه العلاقة الخاطئة …”
أضافت تسأل عن قصد :-
” أخبريني يا غالية .. قبل موافقتك على الزواج من فراس .. هل سألتِ عن سبب إنفصاله عن زوجته الأولى …؟! هل تحدثت مع عهد مثلا ..؟! هل سألتها عن سبب إنفصالهما كما تفعل أي فتاة في موقفك ..؟!”
ردت غالية ببرود :-
” كلا لم أفعل ولن أفعل لإن الماضي انتهى تماما بالنسبة لي والأسباب التي أدت للطلاق بينهما سوف أستطيع تلافيها فأنا لست عهد ولن أكون مثلها ….”
” إذا ضعي في بالك .. اذا تحملت عهد زواجها من فراس لسنوات قليلة فأنت بشخصيتك هذه وطريقة تفكيرك لن تتحملي البقاء معه لعدة أشهر …”
همست بها باسمة بقوة لترد غالية بتحدي :-
” لا تعلمي .. ربما شخصيتي هذه وطريقة تفكيري تفعل العكس .. لا تستهيني بي أبدا يا باسمة هانم ..”
وضعت فنجانها على الطاولة ثم نهضت من مكانها تهتف منهية الحوار :-
” أظن لم يعد هناك ما يمكننا التحدث به .. اسمحي لي بالمغادرة فلدي أعمال كثيرة تنتظرني ..”
حملت حقيبتها وغادرت المكان برقي وإبتسامة باردة لتخرج من المنزل فتختفي إبتسامتها تماما ..
سارت متجهة نحو سيارتها عندما وجدته يهبط من سيارته ينظر إليها قبل أن يردد وهو يسير نحوها :-
” خطيبة أخي هنا أيضا …”
” اهلا فادي …”
قالتها بإقتضاب ليرد مبتسما :-
” اهلا يا غالية …”
تأملت سيارته قبل أن تسأل بتهكم :-
” لم أكن أعلم إن عمل الضباط ينتهي باكرا الى هذا الحد ..”
تجاهل حديثها وهو يتسائل :
” أين فراس ..؟! أليس معك ..؟!”
ردت وهي تنظر الى المنزل :-
” كلا فراس ليس معي .. لقد دعتني باسمة هانم للحديث … ”
” والدتي دعتك اذا .. بالتأكيد كان هناك حديثا مهما تحتاج أن تخبرك به ..”
قالها فادي بضحكة رائقة لترد غالية بتهكم :-
” نعم حديث هام للغاية وممتع جدا …”
” والدتي إمرأة ذكية جدا وصريحة للغاية .. هي لا تقول شيئا إلا إذا كانت تحمل خلفه نصيحة مهمة ..”
قاطعته بقوة :-
” بإمكانك أن تخبرني بوضوح عن مدى خطأ قرار خطبتي من فراس دون مراوغات ..”
رد فادي ببرود :-
” انا لا أراوغ أبدا ولن أخبرك بهذا لإنني أعلم جيدا إن خلف قرارك هذا الكثير مما تخفينه … الكثير الذي سأعلمه عاجلا أم آجلا ..”
” انا لن أضيع المزيد من وقتي في أحاديث لا فائدة منها ..”
قالتها وهي تهم بالتحرك لتسمعه يقول :-
” اتمنى فقط ألا يخونك ذكائك مهما حدث ففراس خصما ليس هينا على الإطلاق ..”
التفتت نحوه بملامح حادة ليضيف بخفة :-
” أنا أتابع ما يحدث بإستمتاع وأنتظر النهاية على أحر من الجمر ..”
ضغطت على شفتيها بقوة قبل أن تتقدم نحوه وتهتف بعد لحظات سريعة من الصمت :-
” عيدميلاد فراس بعد ثلاثة أسابيع .. أريد تجهيز مفاجئة له وأريدك أن تساعدني أنت ولوجين ..”
” فكرة رائعة ..،”
قالها بجدية لتهتف بصلابة :-
” سأتواصل معك ومع لوجين بعدما أجد المكان المناسب لإقامة الحفل .. ”
” سنكون في انتظارك …”
قالها مبتسما لتمنحه نظرات جامدة قبل أن تتحرك خارج المكان ..
…………………………/…………………………….
كانت فاتن تجلس بجانب أحمد الذي همس لها :-
” غادري أنتِ يا فاتن … لقد تعبت كثيرا اليوم وتحتاجين الى الراحة…”
ردت فاتن بجدية :-
” لا يمكنني أن أتركك لوحدك …”
هتفت ليلى تقاطعها :-
” غادري انت يا ماما .. انا سأبقى معه ..”
لكن احمد قال بجدية :-
” غادرا أنتما الإثنتان .. انا سأبقى هنا وهناك العديد من الممرضات حولي …”
أضاف بقوة :-
” أنتما بحاجة الى الراحة والنوم لبضعة ساعات .. لا تقلقا علي انا هنا بخير ..”
تبادلت ليلى النظرات مع والدتها قبل أن تهمس لها :-
” دعينا نذهب يا ماما ونرتاح قليلا ..”
هزت فاتن رأسها موافقة فهي كانت تشعر بتعب شديد ..
ودعتا احمد ثم غادرتا حيث ركبتا في السيارة خلف السائق عندما سألت فاتن أخيرا :-
” لم تخبريني عما حدث بالضبط البارحة وأدى لإصابة والدك بجلطة ..”
ردت ليلى بجدية :-
” كل شيء حدث بسبب سهام تلك .. لقد تحدثت مع والدي بطريقة قاسية جدا .. هي كانت مستاءة كثيرا لإنه يتجاهلها منذ فترة طويلة وازداد جنونها عندما علمت بأمر تنازله عن كل شيء لنا …”
أضافت ليلى بضعف :-
” ضميري يؤنبني يا ماما .. أشعر إنني سبب غير مباشر لما أصاب أبي .. ”
ردت فاتن بجدية :-
” انا كنت ضد تصرفك ذلك حتى أدركت غايتك وتأكدت إنك ستحافظين على حق أخيك والطفل القادم …”
قالت ليلى بسرعة :-
” بالطبع سأفعل .. انا لن أسرق حق أخواني يا ماما ….”
” أعلم ذلك حبيبتي .. انت لن تقبلي أي تسرقي حق غيرك .. انا من ربيتك وأعلم طريقة تفكيرك جيدا ومدى تفريقك الحلال عن الحرام …”
شردت ليلى تنظر الى الخارج من النافذة وهي تقول :-
” سهام تلك لن أغفر لها فعلتها .. كدت أن أخسر بابا بسببها ..”
” أين هي الآن …؟! لماذا لم تأتي وتقم بزيارته ..؟!”
التفتت ليلى نحو والدتها تهمس بجدية :-
” لقد طلقها بابا البارحة بعدما تحدثت مع بصلافة وقلة ادب ..”
” طلقها !!!”
همست بها فاتن بعدم تصديق لتهز ليلى رأسها مؤكدة حديثها عندما توقفت السيارة أمام الفيلا فهبطتا كلتاهما من السيارة واتجهتا الى داخل الفيلا لتجدا مريم في انتظارهما والتي نهضت من مكانها بسرعة تسألهما :-
” كيف أصبح وضع بابا ..؟!”
ردت ليلى بجدية :-
” أصبح أفضل الحمد لله وهو أصر على مغادرتنا الليلة ..”
” هذا أفضل .. ارتاحوا لبضعة ساعات على الأقل ثم نعود غدا الى المشفى باكرا ..”
توقفت عن حديثها وهي تسمع صوت رنين جرس الباب فسارعت مريم تفتحه لتهمس بغضب :-
” ماذا تفعلين أنت هنا ..؟!”
تقدمت ليلى ووالدتها لتجد سهام تقف أمام الباب بجانبها ابنها الصغير وخلفها مربيته التي تحمل حقيبة صغيرة …
هتفت ليلى وهي تتقدم نحوها :-
” كيف تأتين الى هنا بعدما أصاب بابا بسببك ..؟! ألا تخجلين من نفسك …؟!”
ردت سهام بلا مبالاة :-
” جميع ما أصابه من صنع يديه ..”
أضاف تشير الى فاتن :-
” مبارك يا فاتن .. لقد ربحت كل شيء … زوجك طلقني ومنحك انتِ وابنتيك كل شيء ..”
” تعلمين جيدا إن لا علاقة لي بكل هذا سهام ..،”
قالتها فاتن بقوة لترد سهام ببرود :-
” هذا لم يعد مهما ..”
أضافت وهي تقدم الصبي نحوهن :-
” هذا أخوكما .. وجوده معي لا داعي له بعد الآن .. فليبقى هنا مع أختيه ..”
همست ليلى بعدم تصديق :-
” هل جننت يا سهام ..؟! هل ستتركين ابنك عندنا ..؟!”
ردت سهام بلا مبالاة :-
” نعم خذوه انتم .. ليتولى والده رعايته هذا إذا عاش بالفعل بعدما أصابه ..”
أكملت وهي تشير نحو بطنها :-
” سأجلب أخيه لكن حالما يولد كي أغادر حياة والدك الى الأبد ..”
هتفت فاتن بعدم تصديق :-
” ستتخلين عن أولادك وتتركيهم هكذا بسهولة …!!”
ردت سهام بتهكم :-
” وهل سأتركهم عند شخص غريب .. ؟! انا أترك ابني مع أختيه وأبيه الذي سيعود قريبا …”
أضافت وهي تشير الى المربية :-
” هذه مربية الطفل .. سوف تساعدكن بالإعتناءبه … مع السلامة ..”
غادرت المكان تاركة ثلاثتهن يتطلعن الى بعضهن بعدم تصديق ..
………………………………………………………..
كان يسير داخل غرفة الملابس الملحقة بجناحه ذهابا وإيابا وهو يتذكر حديثه وتهديداته الصريحة له ..
كيف أخبره بوضوح إنه يريد إستعادة ملكية الشركة وإلا سوف يفضحه أمام الملأ وكيف سخر منه عندما سأله عن سبب تزويج أخته له …
منذ ذلك الحديث الذي دار بينهما وهو يشعر بغضب جنوني يتفاقم داخله نحوه ورغبة شديدة في توجيه ضربة قوية له ..
ذلك العمار يحتاج الى من يلكمه بقوة ويجعله يدرك موقعه الحقيقي …
زواجه من جيلان أصبح سببه شبه معروف ولم يتبق سوى التأكد فقط لتنتهي جميع شكوكه وإن كان عليه أن يتأكد بطريقة طبية فهو سيلجأ الى الطريقة الثانية ويتأكد بنفسه حتى يستطيع حينها التصرف كما ينبغي …
لكن أي تصرف سوف يستطيع فعله إذا تبين حقيقة كونها ليست عذراء ..؟! وماذا يمكنه أن يفعل ..؟!
اعتصر قبضتي يديه بقوة قبل أن يندفع خارج غرفة الملابس متوجها نحوها وهي التي تجلس على السرير ترسم كعادتها ..
توقف أمامها ينظر إليها بقوة لترفع وجهها تتأمله فتهمس بتعجب من نظراته القوية التي بدت وكأنها تخترقها :-
” ماذا تريد يا مهند ..؟
بدأ يفك أزرار قميصه تدريجيا حتى خلعه ورماه أرضا بعنف ..
إبتلعت ريقها وهي تتأمل جذعه الذي أصبح عاريا لتجده يرمقها بنظرات غير مريحة فسألته بتوجس :-
” ماذا هناك ..؟!”
التوى فمه وهو يسألها بدوره :-
” ألا تعرفين ماذا هناك ..؟!”
هزت رأسها نفيا وعيناها ترمشان بخوف حقيقي لتجده يخطو بخفة نحوها مرددا أثناء سيره :-
” سنتمم زواجنا الليلة … ”
” ماذا ..؟!”
صاحت بهلع وهي تتراجع الى الخلف قليلا ليبتسم بقوة وهو يؤكد حديثه بنبرة أبطأ :-
” الليلة سنتمم زواجنا .. بعد قليل ستصبحين زوجتي قولا وفعلا …”
هتفت بتلعثم وهي تحاول ان تدافع عن ذاتها ومجرد ما يطلبه منها يعيد اليها ذكريات بشعة لا تطيقها :-
” ولكن هذا لا يجوز .. عمار أخبرني …”
قاطعها بصرخة مرعبة :-
” عمار خاصتك لا يمكنه فعل شيء .. انا هنا زوجك ويحق لي أن أنالك متى ما أريد .. ”
” مهند ارجوك ..”
همست بها بضعف عندما شعرت بكفه يقبض على ذراعها قبل ان ينحني فوقها هامسا بهدوء ونبرة رقيقة ناعمة لا تشبهه :-
” لا تخافي .. اهدئي تماما .. كوني هادئة ومطيعة واتركي البقية لي وانا أعدك سينتهي كل شيء بشكل مرضي لكلينا ..”
هزت رأسها نفيا والدموع أخذت طريقها الى عينيها وهي تتذكر تفاصيل ما حدث ذلك اليوم والتي ستتكرر بعد لحظات لتهتف بصوت ضعيف متوسل :-
” لا أريد …”
” أخبرتك أن تهدئي يا جيلان .. استرخي وكوني واثقة إنني لن أتسبب بأي أذى لك ..”
تأمل الدموع المتجمعة داخل عينيها لكنه لم يهتم فهو عازم على التنفيذ ..
مد أنامله ممررا إياها بين خصلات شعرها الطويلة ليهبط بوجهه نحو خصلاتها تلك يستنشق رائحتها الطبيعية المميزة ليشعر بشيء ما يخترق قلبه وقد تضاعف هذا الشيء عندما انحنى أكثر يسير بأنفه فوق رقبتها …
شعر في تلك اللحظة إنه يريدها أكثر من أي شيء وإن رغبته في إمتلاكها الليلة لا مثيل لها حتى إنه نسي أي اتفاق كان ..!!
همس بصوت حاني خافت عندما شعر بإنتفاضة جسدها أسفل لمساته :-
” لا تخافي يا جيلان .. وعدتك ألا أوذيك … ثقي بي ..”
وكعادتها لم تفعل شيئا سوى الإستسلام ..
الإستسلام فقط لا غير …
قررت أن تستلم وتمنحه حرية التصرف بجسدها كما يشاء وهي تفكر إنها لحظات .. لحظات وسينتهي كل شيء ويتركها بعدها ..
لم تضع في بالها أي شيء آخر ولم تضع حسابا لما سيحدث فيما بعد .. هي فقط تريده أن يأخذ ما يريد ويتركها وهي بدورها ستتحمل عذاب هذه اللحظات التي ستنتهي لا محالة .. نعم ستنتهي حتى لو أخذت معها جزءا جديدا من روحها ..
أغمضت عينيها وعضت على شفتيها بقوة وهي تشعر بجسده يقتحم جسدها بينما دموعها وصوت أنفاسها هو كان الدليل الوحيد على كونها حية وليست ميتة كما بدت في تلك اللحظة ..!!
لحظات ابتعد عنها منتفضا بعنف بعدها بينما لم تتحمل هي أكثر فإنتفضت من مكانها بدورها تفرغ ما في معدتها أرضا وقد شعرت في تلك اللحظة إن روحها سحبت من جسدها ..!!
توقفت عن تفريغ ما في جوفها عندمل انهارت تشهق باكية بينما كان هو يأخذ أنفاسه بقوة حتى مرر أنامله بين خصلات شعره بعنف …
جذبت ردائها ترتديه وتتجه نحو الحمام حيث أغلقت الباب خلفها وانهارت على ارضية الحمام تنتحب بصوت مرتفع حتى أصيبت بحالة هيستيرية فنهض من مكانه وتقدم نحو الباب يطرق عليه بقوة دون إستجابة …
دفع الباب بجسده ودلف الى الداخل ليجدها منكمشة على جسدها تبكي بصوت مرتفع وجسدها ينتفض بالكامل ويبدو إن ما فعله بها جعلها تصاب بحالة هيستيرية مخيفة …
حاول تهدئها والتقدم منها لكنها دفعتها بقوة فنطق إسمها ليجدها تضع كفيها فوق أذنيها وهي تردد من بين بكائها بينما تضرب الأرض بقدميها بكل قوتها :-
” لا تقترب … ابتعد عني …”
شعر بموجة غريبة من القلق والخوف وعدم الإستيعاب وهو يرى حالتها تلك الغير مفهومة …
لحظات قليلة وفوجئ بها تفقد الوعي فسارع يحملها بين ذراعيه ويتجه بها نحو السرير حيث وضعها عليه برفق ووقف يتأملها من الأعلى ورغما عنها شرد متذكرا حقيقة إن شكوكه كانت في محلها فهي ليست عذراء …
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)
م
متابعة
متابع
أنتظر
أنتظر الجزء ٣٣