رواية حان الوصال الفصل السابع عشر 17 بقلم أمل نصر
رواية حان الوصال الجزء السابع عشر
رواية حان الوصال البارت السابع عشر
رواية حان الوصال الحلقة السابعة عشر
غير طريق عودتها للمنزل ، لتفاجأ به يوقف السيارة من الخلف حيث السكون الذي يخيم على المنطقة الهادئة من الأساس، وعدد المارة القلائل في هذا الوقت، حتى غلبها الفضول لتساله وهي تتفقد الأجواء من النافذة المجاورة لها:
– وقفت ليه من الخلف، قدام البيت في نور لكن هنا ضلمة.
بابتسامة واثقة تناول كف يدها، لبجيبها بهذا النبرة التي لم تعتاد عليها بعد، تلك التي يتخللها الدفء عكس البرود الملازم له:
– وقفت هنا عشان اودعك براحتي، وانتي كمان عشان متقلقيش، اينعم المنطقة هنا مختصرة بالف مرة عن الحارة اللي كنتوا ساكنين فيها، بس برضو الامر مايسلمش.
اومأت بملامح يعتليها الضيق، ثم سريعًا ما استدركت للكلمة العابرة التي سقطت منه اثناء حديثه:
– تودعني ازاي يعني؟ هو انت مسافر؟
اومأ بهز رأسه، ليضغط على كفها المحتجز داخل كفه الكبير :
– ورايا شوية حاجات عايز اخلصهم تبع الشغل، يدوب
، هحاول اجي بأسرع وقت عشان اتفاقنا.
فهمت على ما يقصد لتسبهل اهدابها عنه بخجل زاده اضعاف حين اردف بمشاكشة:
– كان نفسي طبعا الوداع دا يبقى في بيتنا، كان هيبقى افضل واحسن بالنسبالي مية مرة.
حاولت نزع يدها باعتراض وعدم تقبل لجرأته، ولكنه زاد بفرض قبضته عليها ، يردف بهيمنة:
– حاولي تبقى هادية عشان ميطورش العند معايا، وبدل مسك الايد يبقى مشهد ساخن في قلب الشارع.
شهقت رافعة عينيها نحوه بإجفال:
– معقول يا رياض انت ممكن تعملها صح؟
تبسم باتساع فمه، فهذه اول مرة يسمعها تخاطبه بإسمه مجردًا، ليزيد بمشاكستها:
– انا بنبه بس عشان تعرفي اني على تكة، بس حلو الاسم منك تصدقي بقى، انا من اكتر الحاجات اللي كنت بكرهها في حياتي هو اسمي، عشان دايما بحسه تقيل وقديم، انما دلوقتي، فدي اول مرة اعرف انه لذيذ، بعد ما سمعته منك.
– اللي هو ايه ده؟
سألته بتركيز ذهب ادراج الرياح، فحالة الارتباك التي تلفها في حضوره، تنادي بالذهاب وفقط، دون الانتباه لأي شيء اخر،
اما هو والذي يعجبه الامر، فقد واصل بتسلية:
– انا بتكلم عن اسمي يا بهجة، عاجبني اوي منك.
اومأت رأسها بمهادنة، ثم حاولت الفكاك من حصاره حتى تغادر، ولكنه ابى، ليحبط محاولتها من البداية:
– اثبتي بقى يا بهجة، دول مش مستاهلين دقيقتين.
– دقيقتين!
تمتمت بها ساخرة، لتكتم داخلها زفرة الإحباط، تستسلم لإصراره قائلة برجاء:
– اديني سكت وهمدت عن الحركة اهو، ياريت بقى عشان خاطري تستعجل، انا حاسة قعدتنا كدة في العربية غلط من اساسه.
– مستعجلة اوي على بعادي يا بهجة؟
ما هذا السؤال الذي اجفلها به؟ حتى ارتفعت خضرواتيها، لتصطدم بهذه النظرة الغريبة، وكأنها تحمل احتياجًا، تحمل دفئًا، تحمل…..
– انتي عارفة ان دي اول مرة من سنين، ابلغ حد بسفري غير اللي بشتغل معاهم!
للمرة التي لا تذكر عددها ، يصدمها بأشياء جديدة عن شخصيته، لا تستوعبها.
– معقوول، ازاي يعني؟
سألته ببرائتها، فجاء رده بابتسامة لا تحمل شيئًا من مرح:
– عشان طول عمري وحيد يا بهجة، وحيد ابويا وامي، وحيد في بلد ناسها بتتكلم بلغة غير لغة بلدي…
لقد اسرها بقوله، ليتابع معانقًا ابصارها، وقد التمس بها عاطفة الحنان التي تغلبها مهما كان غضبها:
– انا نفسي انفتحت بجد النهاردة يا بهجة وانا بتعشى معاكي، كنت اتمنى لحظاتنا دي تطول، زي ما انا بتمنى دلوقتي اخدك في حضني واروح بيكي على بيتنا….. لكن اكيد طبعا مش هعمل حاجة على غير رغبتك.، الا اذا انتي غيرتي رأيك.
على الفور اهتزت رأسها برفض تام وارتجافة شعر بها، ليلملم ابتسامة ماكرة مردفًا:
– مفيش داعي للقلق يا بهجة، انا بقول لو غيرتي رأيك، يعني سايب حرية الاختيار في ايدك، حتى لو الشوق لوصالك هيجنني .
كيف السبيل لها في المقاومة، امام اجتياحه الكاسح بسحر كلماته، يدك حصونها برقته، يستجدي عاطفتها بحديثه، وقد تأثرت بالفعل لضعفه، ذاك الذي يخفيه خلف كتلة البرود والجمود التي يتخذها واجهة.
لقد ضاعت الكلمات في جوفها، وأصبحت كالمتلقي بصمت، وهو يغزو مشاعرها البريئة بسيل عاطفته، لتروي جفاء ارضها المهجورة منذ سنوات عدة، لترتوي وتشبع حد الامتلاء ، رغم خوفها وقلقها وكل شيء.
واصل هو يقبل ظهر كفها بحنو مردفًا:
– حاولي لما اتصل بيكي في اوي وقت تردي، عشان اكيد انا هكون عندي رغبة شديدة اكلمك.
اومأت بطاعة وقد عصف بها الاضطراب، لتلملم اشياءها وتترجل هاربة من حصاره وهذه المشاعر التي يجفلها بها، حتى انها لم تعترض حينما خطف قبلة من وجنتها، قبل ان تغادر وتتركه في انتظارها حتى دلفت من الباب الخلفي من المنزل، لترمقه بنظرة سريعة قبل ان تدفع الباب وتغلقه.
ثم توقفت اقدامها عن السير، بحالة من التشتت تكتنفها:
– لماذا يخبرها الاَن بحاجته اليها ، لماذا يوهمها بقيمتها عنده؟ بعدما جعل الموضوع لا يزيد عن رغبة، ومهمة بيع وشراء بينها وبينه…… تبًا، هي لا تريد هذا الوجه منه، تريد الاحتفاظ بالصورة التي طبعتها في ذهنها عنه، حتى تستمد القوة دائمًا للاستغناء عنه في اي وقت.
زفرت تنفض رأسها من هذا العبث الذي اصبح ينخر فيها كالسوس، مذكرة نفسها بالاتفاق المبرم، والوعود التي قطعتها على نفسها، من اجل مستقبلها هي واخواتها، فلا يوجد شيء آخر يستحق، نعم لا يوجد.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
استيقظت قبل الجميع كعادتها، ليجتعموا معها على تلك الطاولة التي جعلتها مائدة الطعام، حتى الانتهاء من ترتيب باقي المنزل اليوم،
عبارات المرح والارتياح للمنزل الجديد لم تخلو من مزاح :
– يا سلام يا بيبو لما صحيت كدة واول حاجة وقعت عليها عيوني من الشباك هو منظر الخضرة تحت، حاجة كدة تشرح القلب وتفتح النفس على يوم جديد، انا حبيت البيت ده اوي، ربنا يخليكي لينا.
كان هذا قول جنات ليعقب على قولها شقيقها الاصغر:
– ايوة بقى يا ست الفنانة، بس انا اللي عاجبني اكتر بقى هو الهدوء، الواحد هنا يقدر يذاكر ويستوعب براحته، بعيد عن اصوات الخبط والرزع اللي مبيبطلش من الجيران لا صبح ولا ليل.
– ولا تصطبح بخلقة حد من ولاد عمك ولا مرات عمك الحيزبون ولا عمك نفسه، دا دي اهم ميزة يا عمنا .
هتفت بها عائشة لتصدر الضحكات من الجميع، فتعقب شقيقتها الكبرى:
– انتي بلوة كبيرة يا عائشة، رغم ان مكنتيش راحمة حد فيهم، بس بصراحة مكذبتيش، انا كنت مخنوقة وتعبانة في البيت ده رغم انه ريحة ابويا وامي وذكرياتي معاهم…… يلا الحمد لله.
– الحمد لله، طب انا كدة هروح جامعتي ازاي يا بيبو؟ انا لسة محفظتش خط سير المنطقة الجديدة.
– هعرفك يا جنات، احنا هننزل مع بعض دلوقتي، انا وانتي وعائشة، اما ايهاب فدا لسة قدامه مذاكرة، وهو مش محتاج اصلا حد يوجهه، ولا ايه يا باشا؟
رد ايهاب بثقة:
– طبعا يا باشا.
❈-❈-❈
اما هو فبعد ان انهى مهامه اليومية على عجالة من اجل رحلته السريعة، وجد نفسه يهاتفها دون تفكير، وكأن شيئًا ما ينقصه قبل ان يتناول حقيبة الملابس التي اعدتها الدادة نبوية من اجل سفرته،
كانت هي في هذا الوقت، داخل الوسيلة العامة للمواصلات، بعدما اوصلت عائشة لمدرستها، وعرفت جنات الطريق الذي تتخذه للجامعة، فكانت مفاجأة ان تجفل باتصاله، وفي هذا الوقت وبين هذه المجموعة الكبيرة من البشر .
كادت الا تجيب وتؤجل المكالمة، ولكن خشت ان يسافر قبل ان تلحق الاتصال به، فجاء صوتها كالهمس:
– الوو… صباح الخير.
– صباحك فل يا بهجة، متصلتيش ليه تطمني ولا تسألي عن سفري؟
هكذا ومباشرة يعاتبها، وهي تعلم بالفعل انها قصرت ، ولكنها ايضا مازالت تضع الحواجز، ولم ترفعها بعد، لأنها حتى الاَن لا تستوعب، وقد ترسخ بعقلها، انه ليس زواجا عادي، إذن فكيف تفعل؟
تحمحت تجلي حلقها بخفة لتبرر وتجيبه بنبرة هامسة، حتى لا يصل الصوت الى المرأة التي تجاورها؛
– معلش عدت عليا، بس كنت هتصل لما اوصل الشغل….
– وانتي فين دلوقتي؟ وليه صوتك واطي؟
زاد حرجها مع انتباهها للمرأة التي اصبحت ترهف السمع معها، لتغمغم سائلة لها بفضول:
– دا جوزك ولا خطيبك؟
اومأت لها على مضض دون ان تريحها بإجابة وافية، ليصدر ردها نحو الاخر ببعض الضيق، فهي ليست معتادة على هذه المحادثات امام الملأ:
–
انا في الاتوبيس، وخلاص قربت اوصل الشغل.
كاد ان يستمر في مشاكستها ولكن عند ذكر هذا الاخير تغيرت لهجته ليرد بحدة:
– وتركبي ليه اتوبيسات وتتبهدلي، ما عم علي موجود يا بهجة، مش انا قولتلك في اي وقت اتصلي بيه من سكنك الجديد والراجل مش هيقصر..
قابلت حدته ببعض التماسك حتى لا ينفلت الامر منها وتنفعل عليه:
– حضرتك وانا قولت تمام، بس دا في مواعيد الشغل عند مدام نجوان، غير كدة مينفعش، عم علي راجل كبير و انا مش هانم عليه عشان اقلق راحتو وقت ما احب في اي وقت.
استطاعت بتلميحها البسيط ان تجعله يستدرك صواب قولها، وصحة موقفها، لذلك لم يجد سوى ان يلطف، معبرًا عما يعتريه في هذه اللحظة:
– هتوحشيني يا بهجة
هل ما سمعته كان حقًا؟ وان هو كذلك بالفعل، كيف يسعفها لسانها في الرد؟
– بهجة انا بكلمك.
– ايوة ايوة واخدة بالي والله.
تمتمت ردًا له، وقد تلونت وجنتيها بالإحمرار، ولفها الارتباك بشدة، والذي يبدو قد وصل اليه، فأبى الا يثقل عليها في هذا الوقت الغير مناسب لها، لينهي بنبرته الرخيمة:
– هبقى اتصل بيكي اول ما اوصل.
ابتلعت ريقها هذه المرة تتمكن من إجابة بدت في طريقتها عفوية وبسيطة بصوتها الرقيق، لكن لا تعلم بحجم تأثيرها على رجل مثله:
– تروح وتيجي بالسلامة ان شاء الله.
– وانتي بألف سلامة يا بهجة.
❈-❈-❈
تصدر سمير بمدخل البناية، يوقف شقيقه عن الخروج هاتفًا به:
– على فين العزم يا غالي؟ على شغلك بقى اللي لسة مبداش؟ ولا ع المصنع؟
حاول سامر دفع ذراعه عنه وتخطيه مرددًا باستنكار:
– مصنع ايه وكلام فارغ ايه؟ ابعد كدة من وشي يا عمنا مش عايز اقل منك وانت اخويا الكبير.
سمع الاخير لتثور ثائرته، يصيح به غير عابئًا بصوته العالي :
– لا يا حبيبي اتشطر وخليني اشوف هتقل مني ازاي؟ وانا مبقاش راجل، لو معرفتكش مقامك، بتروح المصنع لبنت عمك تسأل عليها هناك ليه ياض؟ تخصك في ايه عشان تروح تسأل عنها بعد ما مشت وسابت البيت؟
لم يستغرب سامر علم اخيه بذلك الامر، فهو على معرفة تامة بخط سير ابنة عمه منذ انفصاله عنها، لكن ابتعادها الاخير بهذه الصورة دون ان يأتيه خبر به، وهو ما شكل صدمة له، لذلك لا يستغرب حالة الهياج التي هو عليها الاَن، لكنه ايضا لن يسكت عن حقه:
– وافترض روحت لها وسألت عليها عشان اعرف مطرحها، دا يخصك انت في ايه؟ ولا تكونش يا حبيبي عايش لسة في الوهم انها على زمتك؟.
وكأنه كان في انتظارها ليفرغ به شحنة الغضب المكبوتة به منذ الأمس، ليكز على اسنانه، ويدفعه بكفيه على صدره بعنف متحرقًا لبدء مشاجرة:
– اه بقى هو كدة بالفعل، عايش في الوهم انها على زمتي، يعني مفيش حد هيقدر يقرب منها غيري، واللي هيسترجل ويتحداني، يبقى الموت اقرب له منها.
قابل سامر تهديده، بوعيد اكبر، يزجره بعنف:
– طب ان كنت راجل اعملها، وانا صدري مفتوح اهو، شوف هتقدر ولا لا؟
– يبقى انت اللي طلبتها .
صرخ بها الاخر لينشب بين الاثنين شجار كالمعركة بين الطرفين، في حرب اثبات الذات وكأنهما قد عادا للعصر الحجري، قبل ان يلحق شباب الحارة ويفصلا الخصمين، حتى وصل الامر لوالدهم، فجاءت اللحظة المنتظرة امام والدهم الاَن ، بوصلة من توبيخ لا تخلو من شتائم بأفظع الالفاظ:
– بتفضحوني يا ولاد الكلب قدام الحارة وتقصروا رقبتي، ياريتها كانت بركت عليكم وفطستكم يا خلفة الندامة، بتقطعوا بعض وتفرحوا الناس فيكم، وانتو الواحد منكم قد الشحط ويفصلوا منه اتنين، هتعقلوا امتى يا جوز البهايم؟
جاء الرد المباشر من ابنه الاصغر، في دفاع عن نفسه:
– انت عارف يا بابا اني اخر واحد يعمل فضايح ولا مشاكل، بس ابنك الكبير هو اللي استفزني من غير سبب واجبرني اتخانق معاه، انا راجل كنت رايح على مصلحتي، هو اللي وقف في وشي يمنعني، باينه كان شارب شوفو حالته بنفسكم.
هتف سمير يبرر باندفاعه الاحمق غير ابها بالعواقب:
– انا برضو اللي بجر شكلك من غير سبب، طب خلي عندك انت الشجاعة وقولها يا دكر…….. اسمع يا بابا، قول لابنك يتلم ويبطل يروح لبهحة الشغل، ولا يدور على عنوانها، انا حالف لاصور فيها قتيل لو اتجرأ ولا عملها تاني.
جاء الرد من درية الواقفة خلفهم تسبق زوجها بلطمة على صدرها:
– نهار اسود عليكم ومنيل بستين نيلة، هو احنا مش كنا خلصنا من بوز الاخص دي اللي اسمها بهجة، ولا انتوا عايزين تخلصو علينا احنا بعمايلكم!
هدر خميس يغلق باب الجدال والمناقشة من اولها:
– اسمع ياد انت وهو، انتوا الاتنين دلوقتي تحلو عن نفوخي، وما اسمع بعد كدة ان اي حد فيكم قرب من شغلها ولا حصل خناق ما بينكم تاني بسببها لاكون طاردكم من بيتي طردة الكلاب، هو انا معنديش شغلانة غيركم يا ولاد الكلب، امشي وغور انت وهو ، كل واحد يروح فيكم على شغله.
سمع الاثنان ليضطروا للإذعان له صاغرين، ينصرفا من امامهم، فيغادرا المنزل، امام ابصار والدتهم، التي صارت تولول وتندب حظها، وابنتها التي التوى ثغرها بازدراء تتابع ذهابهم، لتربت على ظهر والدتها وذراعها بدعم :
– معلش ياما اهدي كدة لا تجيبي المرض لنفسك.
خميس والذي تخصر بذراعيه، بغيظ يفتك به، دب بقدميه ينهرها بحنق قبل ان يذهب هو الاخر ويلحق بهم:
– قفلي انتي كمان يا درية، مش ناقص انا حزن في البيت، جاتكم الهم كلكم، تقصرو العمر.
– هم لما ياخدك انت، ما انت كمان من ضمن الهم.
غمغمت بها درية بغيظ خلف زوجها الذي صفق الباب بقوة وهو يغادر المنزل.
لتجفلها ابنتها:
– اما انتي لازم تروحي عند الشيخ اللي غورها، يشوفلك صرفة بسرعة عشان ولادك يتهدو بقى، واحد يرجع لمراته والتاني يتجوز واحدة تنسيه اسمها .
طالعتها والدتها بدهشة لذهنها الخبيث الحاضر ، تعلق ردا لها:
– وهي مقابلة الشيخ كدة سهلة يا ختي، دي لسة عايزة مواعيد وعلى ما يجي دورنا ، دا غير الفلوس اللي هيطلبها.
بحماس يثير الذهول، ردت بلهفة:
– ومالوا يا ماما، انتي تتصلي بالست مبروكة وتعكميها قرشين تسهل مقابلتك بيه، وان كان ع الفلوس فدي اسهل حاجة عندنا، المهم بقى تاخديني انا معاكي المرة دي.
نهرتها درية باعتراض:
– اخدك فين يا بت؟ هو انتي اتجننتي ولا ايه؟
وكأنها طفلة صغيرة تعلقت برقبتها، تتحايل بلهفة:
– لا ياما متجننتش، بس انتي خديني معاكي، شالله يارب ما يتم المراد غير لما تاخذيني معاكي.
❈-❈-❈
بأعين يملؤها الفخر، وقفت تطالعه وهو يرتدي الملابس الرسمية امام المراَة، فبدا لها اجمل ما يكون، تريد ان تظل هكذا بالساعات ولا تمل من تأمله ابدا.
انتبه اليها في غمرة اندماجه في تصفيف شعر رأسه بالفرشاة، ليلتف اليها، فيهديها ابتسامة رائقة مشاكسا، وقد راقه وقفتها بذلك الميل وهي مستندة على إطار المدخل، بتلك البيجامة الملتصقة بمنحنياتها البارزة، بصورة اظهرت اغراءً هي تغفل عنه:
– ايه؟
تسائلت خلفه بعدم فهم:
– ايه ايه؟
اجابها بغمزة وقحة، ونظرات ذات مغزى:
– دا اول يوم رسمي ليا النهاردة من بعد الاجازة، بالشكل ده هتخليني اغير رأيي.
– يا نهار…….
قطعت عبارتها بحرج كسى ملامحها، لتعتدل بوقفتها تتصنع الغضب وابتسامة فضحتها، لتردف بكلمات متقطعة:
– انت…. انت فعلا بقيت قليل ادب يا عصام……. قال وانا اللي جاية اقولك ان الفطار جاهز…… خليك مع نفسك…… هروح افطر لوحدي….
قالت الأخيرة وتحركت مغادرة من امامه، ليلحق بها، يتمتم ضاحكًا:
– وايه يعني ما انا ممكن احصلك، وبرضوا اعمل اللي في دماغي .
فضلت عدم الرد لتأخذ جلستها على المائدة كي تسبقه، وما همت بوضع احد اللقيمات بفمها حتى وجدته يقبض على كفه، ويلتقطها بفمه، ثم يلوكها مردفا بمكر:
– حسيتها من ايدك هتبقى احلى، ولا ايدك هي اللي أحلى.
اكتنفها الخجل حتى حاولت نزع كفها، ولكنه ابى ليزيد من ضغطه ويرفعها اليه، يقبل الاصبعين ثم باقي اليد حتى سرت بداخلها القشعريرة، لتهتف برجاء:
– عصااااام.
توقف فجأة وبنبرة ينضح منها الخبث اجابها:
– ايه؟
سحبت يدها سريعًا منه، قائلة بحنق تخفي به اضطرابها، وقد شتتها بفعلته:
– انت كدة فعلا هتتأخر على شغلك.
استقام بجذعه يعدل من هيئتها، ليرد بحسم لا يخلو من تسليته:
– لا ما انا لو قعدت دقيقة تاني مش هروح الشغل فعلا، عشان كدة بقول اروح افطر مع امين باشا في مكتبه .
دنى يختطف قبلة سريعة من وجنتها، ثم تحركت اقدامه على عجالة، ليلقي اليها قبلة اخيرة في الهواء بادلته اياها ترافقها بقلب كبير وابتسامة اعتلت محياها حتى بعد انصرافه، لتتنهد بسعادة جعلتها تنسى الطعام وشهيتها اليه، وقد ارتوت بعشقه وشبعت حد التخمة .
خرج عابد الورداني من غرفته، يلقي ببعض التعليمات على زوجته قبل سفره لخارج العاصمة، من اجل جلب البضائع وقد توسعت تجارته في الشهور الاَخيرة، بفضل تركيزه به، وقد وجد به الشيء الوحيد الذي يستحق الاهتمام:
– لما يجي الواد جابر اديله مفاتيح المخزن والدكان، انا وصيته امبارح عشان لما اوصل بالبضاعة الجديدة يبقى مستنيني.
كان ابراهيم في هذا الوقت مضطجعًا بجلسته على الاريكة التي تحتل وسط الصالة، منشغلا بالهاتف، لم يعتدل ولا يعير مرور الرجل اهتمامًا، والاَخر يرد بالمثل في ان يتخطاه دون ان يلقي حتى تحية الصباح، الامر الذي استفز سميرة، لتعترض بمكر تجيده:
– الله يا حج والواد جابر يمسك شغلك ليه دلوقتي وابنك موجود؟ دا آخره حتة صبي لا طلع ولا نزل، ولا ايه يا ابراهيم؟
توجهت بالاخيرة نحو المذكور لتلكزه بيدها، كي يرفع عيناه وينتبه، يعطيها استجابة تدعم قولها، ولكنه سهم بصمت ابلغ من الكلام، لتبزغ ابتسامة جانبية ساخرة من ابيه، فيعطي رده الحازم لزوجته:
– متنسيش تبعتي المفاتيح لجابر، واياك حد يزعله بأي كلمة، دا ايدي اليمين دلوقتي..
القى كلماته وذهب يصفق الباب خلفه بعنف اظهر غضبه المكتوم، ليخلو المنزل على سميرة وابنها الذي صاحت به تنهره:
– مش تتكلم يا ابن الخايبة وتدافع عن حقك، بقى الغرب يمسكوا مال ابوك وانت هتفضل راقدلي ع الكنبة زي الفرخة اللي راقدة ع البيض.
استفزه الوصف لينهرها صائحا:
– الله انتي اتعديتي منه ولا ايه؟ ما تنقي الفاظك ياما، بدل ما تخليني اتعصب عليكي.
بغيظ متعاظم، جذبته من قماش قميصه تهزهزه متمتمة بفحيح:
– هو دا اللي انت فالح فيه، بقولك الغرب بقوا ماسكين مال ابوك، وهو مديهم دقنه وواثق فيهم اكتر منك، هتستنى انت بقى لما يسرقوه؟
نفض قماش قميصه عنها ليعقب بعدم اكتراث:
– وافرض حصل، ما هتبقي غلطته مش غلطتي، بلاش تكبري الموضوع ياما، انا ممكن في اي وقت اطرد جابر ، دا آخره صبي عندنا زي ما قولتي، لكن مدام بقى نافعنا وماشي بأجرته خلاص بقى….. دا انا مصدقت شايلني من دماغه، بعد ما كان بيهزقني ع الطالعة والنازلة ويغصبني ع الشغل معاه..
هتفت تكز على اسنانها:
– عشان خلاص حط صوابعه في الشق منك، وانا شكلي هعملها قريب، روح يا ابرهيم يا ابن بطني ربنا يهديك.
صرخت بالاخيرة، لتتركه وتذهب من امامه نحو غرفتها ، تغمغم بالألفاظ النابية التي لم يبالي بها ، ليعود لهاتفه مرة أخرى في محاولة للاتصال برقم اخر باءت بالفشل كالعادة مع حظرها لكل الارقام الغريبة عنها، ليحدث نفسه هذه المرة بتوعد:
– ماشي يا امنية، بلاها تليفونات، وانا هعرف برضو اجيبك لحد عندي، ومبقاش انا ابراهيم لو ما حصل.
❈-❈-❈
انهت عملها سريعًا حتى اذا جاء موعد الاستراحة، تركت مكتبها وخرجت سريعًا الى رئيستها التي شددت عليها منذ الصباح من اجل الالتقاء بها.
فخرجت اليها بداخل الحديقة الشاسعة حيث كانت تنتظرها بناءًا على رغبة بهجة في هذا المكان المنزوي اسفل الشجرة، حتى تنفرد بها بعيدا عن الجميع،
لتجدها الاَن جالسة على الاَريكة الخشبية، متربعة الذراعين تطالعها بحدة قابلتها بهجة بالابتسام والمزاح:
– يا ساتر يا رب، طب انا كدة اصبح ولا امسي ازاي بس مع التكشيرة دي .
ردت صباح بسخرية لا تخلو من حزم:
– انا لا عايزة صباحك ولا مساكي يا اختي، بت انتي احنا مش لسة هنتساير، اترزعي يلا .
رددت خلفها بهجة بادعاء القلق، وهي تتجه لتجلس أينما اشارت لها:
– يا لهوي، لا هنتساير ولا نسلم، امال هترزع قدامك ليه؟
– عشان احقق معاكي.
قالتها صباح بجدية لا تقبل النقاش، لتجبر بهجة كي تتخلى عن المزاح، فهي لن تتقبله اليوم، لتحاول الأخرى التلطيف معهما:
– في ايه بس يا ريسة؟ كل دا عشان عرفتي اننا عزلنا، طب ما هو دا كان شيء متوقع، انتي عارفة انا من زمان نفسي فيها الخطوة دي عشان ابعد عن عيلة عمي واذاهم لينا .
– عارفة يا بهجة، بس ازاي دا حصل بقى؟ وازاي قدرتي تخبي عليا؟ دا اللي انا عايزة اعرفه يا غالية.
حاولت بهجة التبرير بحجج واهية رغم علمها بذكاء رئيستها التي لا تفوتها التفاصيل الدقيقة:
– ااا اتصرفت، كسبت القضية اللي كنت رافعاها على مصلحة ابويا بقالنا سنين ومن المكافأة اول ما قبضتها، جريت على طول اشتريت البيت قبل عمي ما يحس، عشان كدة فضلت يبقى الامر كوتيمي، لكن طبعا كنت هقولك .
– دا بعد ما تعزلي! ليه يا حبيبتي؟ هو انا كنت من عيلة عمك يا بت؟
صدرت من صباح بقوة جعلتها تُصلح على الفور:
– لا والله يا ريسة، انا كان قصدي ع الكل، مش عليكي انتي مخصوص، والله ربنا بس العالم بمعزتك عندي.
طالعتها صباح بصمت، مضيقة عينيها بريبة زادت من توترها، لتردف حازمة لها:
– بهجة بلاش لف ودوران عليا، جيبي من الاخر معايا دا لو ليا عندك معزة زي ما بتقولي، عشان انا عارفة كويس ان انت موقفة القضية بقالك اكتر من سنة، ولا نسيتي ان المحامي كان من طرفي وابن منطقتي، ومعرفني كويس اوي استحالة انك تكسبيها.
هي بالفعل نست ذلك او تناست او ربما هي السرعة وعدم التركيز من جعلاها في هذا الموقف امام امرأة المحنكة وشديدة الذكاء كصباح، بل وتفهمها.
– سكتي يعني يا بهجة؟ لو مش عايزة تقولي انتي حرة.
حينما ظلت بهجة على ترددها، نهضت فجأة تجفلها:
– شكلي زودتها، انا بقول اسيبك احسن مع نفسك يا بنتي.
– لا استني يا ريسة.
هتفت بها بهجة توقفها فور ان تحركت للمغادرة، لتردف لها برجاء:
– هقولك على كل حاجة، بس وحياة الغالين، بعد ما تعرفي لا تبكتيني ولا تضري نفسك ولا تضريني.
رددت خلفها بعدم فهم:
– وتضريني انا ليه؟….. انتي هببتي ايه يا بت؟
❈-❈-❈
وفي منزل ناصر الدكش
حيث دوى صوت جرس المنزل، حينما كانت نرجس تعمل على اعداد الطعام في مطبخها، وقد خلى عليها وحدها، بعد ذهاب ابنتها رؤى إلى جامعتها وزواج البقية، لتجفف يدها بالمنشفة وتتحرك نحو مدخل الباب في ظن منها انها احدى جيرانها، لتفاجأ باخر ما كانت تتوقعه، فتبرق عينيها بذهول تصلب له جسدها، عن اي رد فعل
مما اثار التسلية داخل الاخر، ليبادرها معاتبًا:
– ايه يا خالتي مالك؟ شوفتي عفريت؟ ولا نسيتي وش ابراهيم ابن اختك، معلوووم…… عندك حق ما انتي بقالك شهور ما طليتي عليا ولا شوفتيني، حتى بعد ربنا ما كشف الحقيقة وظهرت برائتي، برضو مهنش عليكي تواجهيني ولا تحطي عينك في عيني ، وتقولي معلش يا ابن اختي .
هي في الاصل لا تعرف التصرف في اتفه الامور، فما بالها في موقف كهذا، وهذا الماكر يعاتبها، بل ويرمي عليها ذنب ما حدث.
تلجلجت بارتباك لتلطف بحماقتها كي ترضيه، بكلمات غير مترابطة:
– ابراهيم ابن اختي…. الف مبروك يا حبيبي خرجت من السجن ، عامل ايه دلوقتي؟
تبسم بمكر ساخرًا يقول::
– طب بذمتك ينفع السؤال على باب البيت، ولا انتي كمان عومتي على عوم شهد بنت جوزك زي بناتك وهتقطعي رجلي من بيتك؟ قوليها يا خالتي ، ما هو دا كان غرضها من زمان، ما كانش العشم.
تحركت على الفور تنزاح بجسدها من امامه، تردد بترحيب لا يخلو من تردد:
– اا اتفضل اتفضل، اصل انا افتكرتك وراك مشوار يعني، ولا مش هتقبل تخش البيت بعد اللي حصل.
تقدم يدلف ويسبقها نحو الجلوس وكأنه مالك للمنزل، يواصل عتابه ولومه:
– ما انا فعلا حقي ما ادخلش بعد البهدلة اللي شوفتها على ايد بناتك، ودا طبعا بأوس من وش المصايب شهد اللي بتكرهني كره العمى، بقى انتي تصدقي فيا يا خالتي اقتل عمي ناصر؟ انا، انااا
سهمت بنظرها نحوه، لا هي بقادرة على تصديقه ولا هي تملك الجرأة على تكذيبه، هذه هي نرجس دائما ما تنتظر رد فعل الآخرين لتنساق خلف الجهة الغالبة وتنساق معها ، لا تحدد ولا تقرر من نفسها ابدا.
– ااا انا مليش دعوة بيهم يا بني، كذا مرة اقولها، ابراهيم مصدقش عليه يعمل كدة، معقول ابن اختي يقتل راجلي ولا ييتملي عيالي ، مش معقول طبعا، ولا ايه يا ابراهيم؟
كانت تتحدث ببلاهة ولكنها اصابت الهدف، حتى طغى عليه ارتباك خفيف استطاع السيطرة عليه سريعًا ليحاول ابتلاع ريقه الذي جف بكلماتها:
طب انا كنت عايز اشرب يا خالتي عشان عطشت، ولا كمان اتحرم عليا اتعامل حتى معاملة الضيف العادي.
انتفضت تبرر وكأنها مخطئة بالفعل:
– لا يا ابني طبعا، انا هروح اعملك كوباية عصير مانجة بسرعة ورجعالك.
صمت ينتظرها حتى ذهبت الى مطبخها لتعد له كأس العصير، فدارت عيناه في المنزل الذي كان يحتله قبل ذلك، يفرض الشروط ويملي الأوامر وكأنه مالكه، قبل ان تغلبه هذه الملعونة شهد وتقلب الأخرى عليه، امنية .
عند خاطره الاخير تذكر غرضه من الزيارة، ليعود ببصره نحو الهاتف الملقي على احد الارائك بإهمال، فتحرك سريعًا يتناوله ثم بحث داخله حتى وجد اسمها، ليضغط مهاتفًا لها، فجاء ردها سريعًا بالطبع:
– الوو يا ماما، عاملة ايه؟
ظل صامتًا ليستمع باقي استرسالها:
– الوو يا ماما…. انتي اتصلتي وروحتي فين؟
– مامااا ، انتي فين؟ …… يووووه بقى، انا هقفل على ما تتصلي تاني وتنتبهيلي، عايزة اروح اخلص اللي في ايدي عشان الحق اجهز نفسي قبل عصام ما يرجع من الشغل واروح معاه نتعشى عند عيلته، يلا بقى سلام.
انهت المكالمة بعدما اخذ هو غرضه بسهولة ، ليترك الهاتف محله، ثم يعود الى المقعد الذي جلس عليه سابقا، تعتلي ملامحه ابتسامة خبيثة، فيبدو ان الايام القادمة سوف تحمل له المزيد من المرح دون توقف، وقد عثر اخيرا على مدخله اليها…. عبر والدتها الساذجة.
❈-❈-❈
ركضت سريعًا كي تلحق بها في الممر الطويل قبل ان تخرج من البوابة الرئيسية للعمال، وتذهب الى منزلها وتغادر، لتجذبها من ذراعها وتوقفها قائلة برجاء:
– هتمشي وانتي لسة زعلانة مني؟
حاولت صباح نفض ذراعها منها لتنهرها بغضب:
– سيبي دراعي يا بهجة.
زادت من تشبثها لتسحبها معها الى زاوية بعيدة عن الممر ، تردف بتوسل:
– ابوس ايدك يا ريسة، اوعاكي تزعلي مني ولا انزل في نظرك ،دا انتي اللي عارفة كويس بظروفي .
اخرجت المرأة تنهيدة مطولة ، لتتكتف لها بذراعيها وقد رق قلبها لها، ولكنها مازالت حتى الان غاضبة:
– من حبي فيكي لازم ازعل يا بهجة، ازعل واغضب كمان، دا انتي زي بنتي يا بت، ومفيش واحدة ترضى دا لبنتها.
تبسمت بهجة تأثرًا بقولها لتلقي بنفسها داخل حضنها، وكأنها ملجأ الأمان لها:
– وانا عارفة ومتأكدة يا ريسة، وعشان كدة السر دا مقولتهوش لغيرك ولصاحبتي المحامية.
– صاحبتك المحامية؟
رددت بها صباح ساخرة، وعقلها مازال حتى الاَن لا يستوعب زواج بهجة من رئيسها وصاحب المصنع الذي تعمل به، هذا الشاب الجامد المتجهم والذي لا يبتسم إلا نادرًا،
كيف هي قبلت؟ وكيف هو تخلى عن كبرياءه وعنجهيته لينظر لواحدة مثل بهجة حتى لو كانت جميلة وتستحق من هو افضل منه، وزواج في النور، ولكنها تعلم بطبيعته، واصله الارستقراطي المستفز في التمسك بالعادات المتوارثة عبر اجيالهم، حتى لو كان زواج بالسر ، هذا الرجل يحمل شيئًا ما بداخله نحو بهجة، ولن تصدق ابدا ما ذكرته لها عن رغبة وكلام اهبل،
نعم فهذه الخارقاء تظن انها مدة وتنتهي، ولا تعلم بأنها سقطت في الفخ .
زفرت بضيق وقد ملت من التفكير، لتتضرع بقلب الام:
– ربنا يسترها معاكي يا بهجة، ويبعد عنك اي شر ، ويحميكي من اذى اقرب الناس ليكي لو الموضوع اتعرف .
فهمت على قصدها لتعقب مستفهمة:
– وهما ليهم ايه عندي تاني؟ انا كدة كدة مقررة ما اعيدهاش ولا اكرر الجواز من اي حد تاني بعد ما تنتهي مدتي مع رياض.
– تاني مدة يا بهجة؟
رددت بها صباح بابتسامة ساخرة ، لتلتف مقررة الذهاب:
انتي مش خلاص خدتي غرضك مني، ابعدي يلا يا شاطرة خليني اروح والحق اتوبيس الشغل ، مروحة معايا انتي كمان ولا ايه ظروفك؟
– لا انا رايحة لمدام نجوان.
قالتها بهجة لتقابلها الاخرى بنظرة حادة، جعلتها تبرر على الفور بعفويتها:
– مسافر والله ، مش موجود اساسا في البلد.
التوى ثغر صباح بابتسامة غيظ مرددة:
– وانا مسألتكيش عنه يا هبلة.
❈-❈-❈
في مدينة الملاهي، وبعد قضاءهما معظم الوقت بها، خاض معها معظم الالعاب، حتى تلك الخطرة والتي تتطلب الشجاعة، اضطر ان يجاري اندفاعها ويخوض التجربة معها،
غرفة الرعب وتلك الاشياء المرعبة كانت تضحكها هي عكسه هو الذي كان يجاهد الثبات بصعوبة حتى لا يظهر خوفه الطبيعي كباقي البشر،
لينتهي بهما الوقت الاَن امام كشك المثلجات ليشاركها التناول معها،
عدة ايام مرت وكأنها الخيال، نال فيهم الفرح والسعادة حتى نسى بهم كل شقاء السنوات،
– هتاخد واحد ايس كريم زيي يا شادي، مش هتنكسف؟
قالتها بمشاكسة لا تكف ابدا عنها في حضوره، ليجاريها بقوله:
– قصدك يعني عشان انا مدير فندق ومحترم، فمنظري هيبقى مش لطيف قدام الناس اللي تعرفني من رواد الفندق او الموظفين صح؟
اومأت بهز رأسها، ليردف هو بالعد على اصابعه:
– يااا شيخة، يعني هي جات ع الايس كريم، بعد ما لبستيني القميص المشجر، وصورتيني بالشورت ع البحر وانا مطلع لساني، لا والتاني اللي مركبالي فيها الودان دي بتاعة الارنب، انتي خليتي فيها مدير يا صبا!
اصبحت تقهقه بالضحكات غير قادرة على التوقف، ليلطمها بخفة على جبهتها مرددًا بحزم:
– خلاص بقى اتلمي، فرجتي علينا الناس، ادي عيب اللي ياخدك معاه في مشوار تاني يا صبا .
تخصرت تقارعه بتحدي:
– والله، دا على اساس انك جاي تجضي شهر العسل لوحدك، انا رجلي على رجلك يا شادي، سواء هنا، سواء هناك، او في اي حتة، على جلبك يا شادي والله ما هسيبك .
تقولها بلهفة تجعل قلبه يتراقص داخل صدره، ليته يمتلك الجرأة مثلها تلك المجنونة، لكان احتضنها الاَن وكسر اضلعها بشوقه، حتى لا يكف عن تقبيل هذا الثغر الذي نطق بتلك الكلمات .
ولكن للأسف، هو مازال حتى الاَن يحتفظ بجزء من عقله، وقد طار معظمه خلفها،
صبا القلب، هي روحه التي وجدها اخيرا.
❈-❈-❈
امام المراَة كانت تصفف لها شعرها، فتخاطبها بغزل ، وقد لاحظت شرودها منذ ان حضرت:
– ايه رأيك بقى في التسريحة الحلوة دي، مع انك صراحة مش محتاجة.
تبسمت لها نجوان هذه المرة ، توميء رأسها برضى، لتفاجأها بتناول الفرشاة ، ثم تشير لها بالجلوس امامها، فهمت بهجة لمقصدها لتعترض ضاحكة :
– لا مش معقول ، انتي قصدك تسرحيلي شعري انا؟ مينفعش.
نهضت تفاجأها لتدفعها للجلوس محلها، فلم تملك بهجة امام اصرارها سوى الإذعان والطاعة، فتنزع عنها طرحتها، ثم تطلق الشعر الطويل ، لتمرر نجوان فرشاتها فتتخلل الخصلات بنعومة، من الاعلي للإسفل، وكأنها تستمتع بذلك، تعدل مجموعة في الامام على الجهتين، تظهر جمال الوجه البهي، فتشرد بطلتها حتى ظنتها بهجة ذهبت لذلك العالم الأخر في عقلها،
لتفاجأها بقولها:
– انتي حلوة .
ضحكت بهجة بعد حالة القلق الذي سيطرت عليها منذ لحظات، لتردد خلفها :
– تاني حلوة، نفسي افهم غرضك ايه من المعلومة دي؟
قالتها وهي لا تنتظر اجابة، كمعظم الحديث معها، ولكن ما حدث من الاخرى اجفلها، حينما دنت فجأة، تهمس بأذنها على حين غرة.
– قصدي انه مش هيسيبك.
توسعت عينيها بذهول، لا تستوعب ما وصل لاذهانها منها، حتى وقفت تسألها:
– هو انتي بتتكلمي زينا، ومين دا اللي مش هيسيبني؟
وكأنها كانت تسأل نفسها ، عادت البراءة تلون وجه الاخرى، لتتلاعب بالقصة الجديدة لشعرها، بعدم انتباه لها، حتى ظنت بهجة انها توهمت:
– يا مدام انا بكلمك، ما هو مش معقول يكون دا بيتهيألي…… ردي ابوس ايدك عايزة اعرف مين المقصود…..
دوى صوت الهاتف فجأة، باتصال دولي بإسمه، لتجد منها ابتسامة غير مفهومة، ثم تحركت نحو العابها وهذا اللوح الإلكتروني، تشغل نفسها به، مما استفز بهجة لتتحرك تاركة لها الغرفة، ثم تضغط على الشاشة وتجيبه:
– الووو.
– الوو يا بهجة عاملة ايه؟
اجابته بتشتت:
– كويسة والحمد لله، انت اللي عامل ايه دلوقتي؟
وصلها الصوت الرخيم يزلزل كيانها:
– انا كويس دلوقتي يا بهجة من بعد ما سمعت صوتك، مش هما ساعات بس اللي مروا عليا في بعدي عن البلد وعنك؟ لكن انا بقولك اهو، وحشتيني يا بهجة، وحشتيني اوي.
ما هذا الذي يحدث معها، جرعة من الغزل تسبقها جرعة من الجنون، كيف توفق بين الاثنين؟
– الوو يا بهجة انتي روحتي فين مني؟
تنهدت تستعيد توازنها، لتستجيب باقتضاب قائلة:
– وانت كمان.
وصلها رده بمكر:
– انا كمان ايه يا بهجة؟ وضحي.
ضغطت تغلب خجلها، حتى تستريح من الحاحه:
– وانت كمان وحشتني.
صمت ولم يجيبها على الفور ، ولكن وصلها صوت انفاسه، ليردف بعد ذلك:.
– الله ، اهو انا دلوقتي مش عايز اي حاجة بعدها، اصبر نفسي بيها على ما ارجعلك يا بهجة، ياريت كان في طيران دلوقتي، مكنتش فضلت دقيقة تاني بعدها.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حان الوصال)