روايات

رواية حان الوصال الفصل الحادي عشر 11 بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال الفصل الحادي عشر 11 بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال الجزء الحادي عشر

رواية حان الوصال البارت الحادي عشر

حان الوصال
حان الوصال

رواية حان الوصال الحلقة الحادية عشر

كان لابد لها من تغيير هيئتها اليوم ، لتناسب الوضع الجديد، كما أن الموظفين ملزمين بحسن الهيئة بعيدا عن الملابس المخصصة للعاملين اثناء العمل، والتي كانت ترتدبها فور دخولها محل عملها، وخلعها للعباءة السمراء المريحة لها من جميع النواحي، بعيدًا عن التزين والأناقة فهي بالفعل لا تريد لفت الانظار اليها، وقد قررت منذ تحملها للمسؤلية، الا تدع شيئا ما يلهيها عن توفير لقمة العيش بعزة، ورعاية اشقائها وكفايتهم عن اي احتياج ، حتى وان لم تنجح في ذلك الا بعض الشيء ولكن يكفي السترة والاستغناء وعدم الاحتياج لأحد
اما الاَن وقد فرض عليها هذا الوضع الجديد، ولا يصح الا التغيير ، فقد ظهرت الان امامها المعضلة الكبرى في انتقاء الملبس المطلوب.
وقفت بحيرة امام خزانة ملابسها ، تتأمل محتوياته من ملابس قديمة وجديدة لها، تتأملهم وحيرة تفتك بها، ماذا ترتدي؟ ماذا ترتدي؟
ملابس الجامعة التي تركتها منذ سنوات مازالت تحتل جزئًا ليس بالهين داخل الخزانة، ولكن منها الضيق بعض الشيء، كما أنه عصري ويظهر عمرها صغيرا وهي لا تريد ذلك،لقد جربت احدهم بالأمس، والذي كان بنطال من الجينز وبلوزة محكمة الى حد ما، فنالت من اشقائها التهليل والإعجاب ، وكأنها لم تكن هذه ملابسها في يوما ما، وذلك على الرغم من انها كانت ترتدي بعض منها في اضيق الحدود
ضغطت بطرفي اصابعيها على جبهتها، متمتمة بيأس:
– وبعدين بقى؟ يعني يا اما صغير وعصري، يا اما كبير وواسع، وانا عايزة حاجة وسط، طب اروح بإيه بس يا ربي؟
وصلها ضحكة ساخرة من شقيقتها من خلفها معلقة بشفقة نحوها:
– انتي لسة برضو في حيرتك دي يا بهجة؟ يا لهوي عليا، امال لو رايحة حفلة يا بنتي، كنتي هتعملي ايه؟
ردت عنها عائشة، والتي كانت تلج لداخل الغرفة معها:
– مكنتش هتروح الحفلة اصلا؟
ختمت بضحكة تشاركتها مع جنات ، حتى هتفت هي بهما:
– انتو بتقولو فيها، طب والله طالعة في دماغي بجد مروحش النهاردة، واقعد من الشغل على ما ربنا يعدلها.
نفضت ذراعيها في الهواء لتسقط على جانب التخت القريب منها، مما جعل الفتاتين تكفان عن المزاح، مراعاة لحالة اليأس التي تتلبسها.
لتقترب منها جنات قائلة بدعم، وهي تحمل شيئًا ما تخبئه خلف ظهرها:
– بيبو يا روح قلبي، انا عارفة انك مكنتيش مستعدة للترقية ولا التغيير، بس انتي بقى، ليه تحزني نفسك؟ الموضوع مش بالصعوبة دي، هوني على نفسك ، دي وظيفة عادية، يعني اي لبس محتشم وجميل حلو عليها، مدام مفيش يونيفورم رسمي .
زفرت تطرد دفعة محملة بإحباطها :
– يا جنات افهمي، انا مش عايزة ابقى ملفتة زي باقي الموظفات اللي بينورو في القسم الاداري عندنا في المصنع، ولا عايزة ابقى مأفورة زي اللي اسمها لورا، انا عايزة حاجة بسيطة وناعمة، تناسب قعدتي ع المكتب وبس، على ما ربنا يسهل واعرف اشتريلي حاجة كويسة، الحمد لله في قرشين متشالين يأدو الغرض، بس دلوقتي هلبس ايه وانا مش مستعدة زي ما قولتي؟
تبادلت عائشة وشقيقتها الابتسام، لتقول بزهو لا يخلو من مزاح:
– بس انتي منورة لوحدك يا بيبة، نعملك ايه بقى لو لبسناكي ونورك لعلع، نوطي الفولت مثلا؟
هذه المرة استطاعت ان تضحكها معهما، فتخفف عنها التوتر، لتخرج لها جنات من خلف ظهرها، الشيء الذي كانت تخفيه:
– ودي يا ستي البلوزة بتاعتي اللي اشتريتها قريب. هنظبطها على جيبة مناسبة ونعمل بس شوية تغيير، بحيث تباني انيقة وسيمبل زي ما انتي عايزة.
طالعت بهجة القطعة امامها لتردف برفض:
– بس دي بلوزتك يا جنات اللي نقتيها بعد تعب، وقولتي انها مميزة .
– يا ستي ومالها يعني لو كانت مميزة؟ ما تغلاش على بيبو حبيبتنا، مع اني عارفة انها هتليق عليكي اكتر، بس ميهمش، انا هاخد التعويض المناسب واجيب واحدة غيرها لما نعمل جولة التسوق مع بعض، ولا ايه رأيك؟
– اه يا مستغلة.
قالتها بهجة مضيقة عينيها بتصنع الصدمة، لتردد شقيقتها بما يشبه الامر :
– انا فعلا مستغلة، وشرط عليكي كمان، هلفلك الطرحة بنفسي النهاردة واظبط وشك بحاجات خفيفة كدة ، بحيث انك تحضري اول يوم ع المكتب وانتي واخدة وضعك.
– امممم.
زامت بتفكير سريع، لتردف برأيها:
– ماشي، بس متزوديش على كريم عادي او اساس، ويبقى خفيف كمان عشان ميبانش اني متغيرة ولا حلوة.
شهقت جنات بدهشة، مرددة:
– حلوة! لا طبعا يا بيبو مينفعش نطلعك حلوة ولا بتنوري، هو احنا ناقصين سحب كهربا.
قالتها لتصدح صوت ضحكاتهن بمرح يتبادلن المزاح، والاستعداد لاداء مهمتهم.
❈-❈-❈
بعد قليل،
انتهت من لف الحجاب لها بطريقة عصرية، كما نفذت الشرط بوضع زينة الوجه، ببساطة لا تظهر، ومع ذلك بدت رائعة بصورة تشرح القلب، الالوان المبهجة للحجاب وما ترتديه من ملابس، حلت بها نقوش ضيفة باللون الاخضر انعكست على بشرتها الندية تزيدها بهاءً، فصارت مثالا حيًا للبهجة.
هذه اول مرة منذ فترة طويلة تتهندم بهذا الشكل، كل محاولاتها في السنوات السابقة ، كانت بعدم اهتمام، للتركيز في الأهم، اما الاَن…… فلا تعلم لما تكتنفها الرغبة القوية هكذا في التغير.
– قمر، اقسم بالله قمر ، ايه الحلاوة دي يا بيبو.
هذا كان رد فعل عائشة والتي كانت تتابع وضع اللمسات النهائية، بتثبيت الحجاب، لتلتف اليها سائلة بخجلها:
– يعني مش مزوداها ، انا حاسة نفسي متغيرة .
شهقت خلفها جنات باستهجان:
– حرام عليكي يا شيخة، وهو احنا عملنا حاجة اصلا؟ دا كله يدوب رتوش.
تفكهت عائشة بأعجابها:
– مش ذنبنا انك قمر يا بيبو ، نصيبك بقى.
بابتسامة مستترة لوحت بقبضتها كأنها ستضربها، قبل ان ترفع بصرها توزع نظرات الامتنان نحوهما، لتحسم وترفع حقيبتها متمتمة:
– عقبال يارب ما نفرح بخروج ايهاب كمان، ادعو لاخوكم بالشفا، وادعولي انا بالتوفيق.
– ربنا يوفقك يا بيبو وتبقى دي بداية الصعود في السلم الوظيفي .
– يارب .
تمتمت بها بهجة، رغم تشكهها، لسبب بسيط وهو ان شهادتها المتوسطة؛ لا تؤهلها لذلك.
❈-❈-❈
حينما خرجت من المنزل، وفور ان اغلقت الباب، اصطدمت عيناها بابن عمها، وقد كان خارج من منزل عائلته في الطابق اسفلهم، يعطي زوجته شيئا ما، قبل ان يغادر، لتجحظ عيناه برهبة، حتى سقط ما كان بيده ، ليصدر صوت التذمر من زوجته مرافقًا لهبوط بهجة الدرج:
– وقعت المفاتيح يا سمير، هنزل ازاي ببطني دي ع الارض واجيبهم؟ اتفضل هاتهم انت بقى.
ظل على جموده، غير منتبه لثرثرتها، حتى خطت بهجة بجواره تتخطاه، فدارت رأسه معها كدوار الشمس حين يتتبع شعاعها، لتصدر صيحة زوجته بعد فترة من صمت:
– روح يا سمير، الهي رقبتك تفضل كدة معووجة وما تتعدل ابدا.
استفاق من نشوته، ليعود اليها مرددا بعدم تصديق:
– انتي بتدعي عليا انا يا اسراء؟
– ايوة بدعي عليك يا سمير، وهصرخ بالصوت الحياني كمان يمكن تحس على دمك وتفهم.
صرخت بقهر، وقد فاض بها ومن افعاله، اما هو فقد انتفض مجفلا خوفا من سماع الجيران، ليدفعها ويلج بها داخل المنزل، يغلقه عليهما، ويتشاجر معها.
بهجة والتي وصلها الصوت، توقفت فجأة تلقي خلفها بنظرة أسى لحال الزوجة، ثم تنهدت بثقل لتخرج وتغادر البناية التي اصبحت تكرهها منذ زمن بسببهم .
وكما توقعتا شقيقتيها، سارت بهجة تلفت ابصار الجميع نحوها من كل اهل منطقتها بإعجاب واضح وهمهمات تصلها من الشباب التي لا تخفي انبهارها، حتى تسلل التوجس داخلها، تتسائل مع نفسها:
– هي الناس دي محسساني ليه اني كنت معفنة.
وفي الشرفة أعلاها ، كانت ابنة عمها سامية تتابع الجلبة التي تحدثها بمرورها في المنطقة، متجاهلة الشجار العالي من داخل منزلهم ، وصوت والدتها التي انضمت من اجل التخفيف بينهم، فقد بدا جليًا ان الزوجة قد فاض بها, وسمير كالعادة يصدمها بجفائه وعدم اكتراثه، لتزداد شحونة الأجواء، وتلك الواقفة بالشرفة لا يشغلها سوى التركيز في تلك الملعونة التي تسرق العيون رغم ارتدائها لتلك البلوزة ملك شقيقتها ، فتغمغم هي بضجر:
– يعني انا مكنتش طايقاها على جنات ومستخسراها في واحدة زيها، عشان تيجي تلبسيها انتي يا ست بهجة وكأنها متفصلة لجنابك، دا ايه الحظوظ دي بس؟!
اصدرت صوت مصمصة من شفتيها وقد ذهبت ابصارها نحو شقيقها والذي تسمر هو الاخر كالجميع على باب وكالتهم، ناسيًا زبائنه، لتغمغم بحنق:
– ياكش تكون عملالك عمل انت التاني، جتك خيبة انت والاهطل الكبير.
– طلقنى يا سمير.
صرخة صدرت من الداخل، اجبرتها لترك الشرفة والذهاب نحو الشجار المحتدم، لتجد شقيقها هذه المرة متجمدًا لوقع المفاجأة، اما درية والتي كانت ممسكة بهذه المنهارة:
– صلي ع النبي يا اسراء وبطلي عبط ، انتي اتهبلتي في مخك ولا جرالك ايه بس؟
وبرد فعل غير متوقع، دفعتها عنها بعنف وكأنها قد فقدت صوابها:
– انا برضو اللي اتهبلت؟ ولا ابنك اللي شال من جلده حتة الاحساس، دا بقى عامل زي الحيطة اللي واقف وراها ، لو جرحتي فيها بالسكين حتى عمرها ما تتكلم ، عشان مش بتحس، لا وعاملي فيها حبيب وبيبكي ع الاطلال، ياخي اتنيل هو انت تعرف تفكر غير في نفسك ، عامل زي العيل الصغير اللي شالو عنه لعبته الحلوة، قاعد يزن ويفرك، هيموت عشان ترجعله من تاني، ما انت لو كنت تستاهلها بجد مكنتش راحت منك اصلا .
صدرت الاخيرة بصرخة موجهة نحوه ، فكان الرد منه على الفور بلطمة قوية على وجنتها شهقت على اثرها والدته وشقيقته التي وضعت يدها على فمها بصدمة، والمسكينة التي تلقت اللطمة، من هول ما يحدث معها تجمدت محلها دون اي رد فعل ، تتطلع له بعيناها فقط، حتى دموع مقلتيها توقف سيلها، وكأنها ابت الخنوع او الضعف امامه.
❈-❈-❈
على مائدة الطعام وقد اجتمع جميع افرادها اليوم في تناول وجبة الإفطار مع مجيدة التي اصرت على أبنائها وزوجاتهم مشاركتها اليوم، برغبة منها تود تكرارها كل يوم ، ولكن قليلا ما يحدث، نظرا لانشغالهم الدائم كلٌ فيما يخصه او ما يعمل به:
– يا خويا انتبه على اكلك، سيب البت تعرف تاكل براحتها.
هتفت بها نحو ابنها الأصغر والذي عبس بوجهه يهم يالاعتراض ، عكس زوجته التي تلقفت كلماتها بترحيب:
– قوليلو يا ماما، دا محسسني انى مجوعة ابنه جوا بطني.
رد هو بدفاعية:
– بييجي كلامها اوي على هواكي، عشان عارفة انها دايما بتغطي عليكي، لكن تفتكري انتي تعليمات الدكتور لما قالك ان حالتك خاصة، بعد اللي حصل، واهتمامك بتغذيتك وتغذية الطفل يبقى اهم اولوياتك طول شهور الحمل لااا، عشان خايفة تتتخني ولا شكلك يتبهدل، مع الراحة وعدم الشغل، انا فاهمك.
فغرت فاهها باستهجان قائلة بصدمة:
– نهار اسود عليا وعلى سنيني ، دي كانت جملة وغلطت بيها قدامك الشهر اللي فات يا حسن، لساك فاكرها وشيلهالي ف دماغك؟
اشار بسبابته على جانب رأسه بتصميم لها:
– عمري ما اسهو عن اي جملة خرجت منك يا شهد، انا مركز معاكي اوي، ويلا كلي اللي قدامك بلاش دلع.
زفرت بيأس منه، امام ضحكات الثلاثة المراقبين لهم، لتعلق والدته:
– عشان تتعلمي يا خايبة، وتربطي لسانك ده ما يزلف قدامه بأي حاجة يمسكها عليكي، دا ابني وانا عارفاه زنان .
تدخل امين هو الاخر:
– يا عم انت كمان، بتدقق ع البنية الغلباتة، امال لو معاك فرقع لوز اللي معايا كنت عملت ايه؟
– انا فرقع لوز يا امين؟
شهقت بها لينا بصدمة هي الأخرى، لتهادنها مجيدة بتسلية متفكهة:
– لا يا حبيبتي انتي مش فرقع لوز ولا حاجة، دا هو اللي مش قادر يفهم لحد دلوقتي انه متجوز اللهلوبة هههه.
تمتمت بها لتصدح الضحكات، حتى لينا هي الأخرى تبسمت بخجل، حتى اذا هدأت ضحكاتهم، توجهت مجيدة نحو شهد بسؤالها:
– قوليلي يا شهودة، اخبار العرايس ايه؟
اتصلتي باختك واطمنتي عليها ؟
اومأت تجيبها بإشراق:
– الحمد لله ، امنية بتشكر في عصام وبتقول فيه كلام حلو اوي، ربنا يبارك فيه ، انسان اخلاقه عالية اوي .
– مش صاحب ابني، يبقى لازم تبقى اخلاقه عاليه طبعا.
قالتها مجيدة بزهو بإشارة نحو امين الذي دفعه الفضول للتساؤل:
– يعني حالهم كويس ومبسوطين مع بعض يا شهد؟
ردت بدهشة :
– ايوة يا امين، ما هي بتشكر فيه، يعني اكيد مبسوطين.
– ربنا يديمها عليهم يارب.
قالها بتمنى من القلب، وبداخله يتردد السؤال:
– طب ولما هو مبسوط وعال العال، ماله بقى المجنون ده، كان متغير ليه بس؟
❈-❈-❈
استيقظت من نومها على اثر هزة خفيفة بالفراش اهتز لها جسدها، لتفتح عيناها مجفلة، فتجد وجهه مطلا عليها من علو ، حيث كان متكئًا على مرفقه بجوارها، يبدو وكأنه كان يراقبها منذ فترة.
لتستدرك وضعها وهذه البرودة الطفيفة التي تلامس بشرتها، وبرد فعل غريزي شدت عليها الملاءة كي تغطي بها حتى نصف رقبتها، لتثير على ثغره ابتسامة، مع مخاطبته بجدية يغمرها الارتباك:
– شكلك صاحي من بدري، طب مصحتنيش ليه؟
بلطف شديد دنى يقطف من ثغرها قبلة سريعة، قائلا بتغزل:
– كان عاجبني ابصلك وانتي نايمة يا ستي، لو حاسس بجوع أكيد كنت هدور ع الاكل ، مش لازم اصحيكي يعني، بس انا بقى شبعان ، وشبعان اوي كمان.
قالها بمغزى فهمت عليه، من طريقته نحوها، لتغزو السخونة وجنتيها ، وتسبل اهدابها عنه بخجل شديد، بتذكرها ليلة الامس، ومشاعر العشق التي اكتسحها بها، بعيدًا عن اي افكار سوداء تعكر صفو علاقتهم الزوجية الوليدة، تتمنى لو يدوم ذلك.
حمحمة بخشونة صدرت منه ليسرق انتباهها بقوله:
– لا بقولك ايه، احنا من امبارح مخرجناش من اوضتنا، كدة الوقت هيسرقنا وهننسى حتى نتفسح ولا نشوف معالم البلد، قومي يا امنية عشان انا اصلا بتلكك وربنا ع القعاد.
نهض بالفعل يجبر قدميه على الوقوف بعيدا عن الفراش ، فحاولت هي ايضًا التغلب على كسلها، لتنهض بجذعها بصعوبة وهي تلملم الغطاء حولها، امام نظراته المتفرسة لها، لتخاطبه برجاء:
– طيب ممكن تكمل انت وتسبقني على ما أقوم أنا وأدخل الحمام، ممكن؟
اهتزت رأسه بنفي غير متوقع، ليسقط فجأة على الفراش بجوارها عائدًا اليها:
– انا بقول نأجل الخروج شوية، اليوم لسة في بدايته مش هيطير يعني.
اجفلت بخجل شديد وهي تجده يندس معها اسفل الغطاء الذي جذبه على حين غفلة منها، لتردد بتساؤول:
– عصام انت اكيد بتهزر….
قطعت بشهقة خافتة هذه المرة، قبل ان يوقف هو كل استفسار لها يبتلعه بجوفه، ليأخذها بجولة اخرى من جولات العشق بينهم، ينسى العالم وينسى نفسه في عالمهم الخاص بهما وحدهما، بعيدا عن اي ضغوطات وتأويلات العقل التي لا تنتهي.
❈-❈-❈
وفي مقر عملها الذي دلفت اليه للتو، يتكرر نفس السيناريو الذي يحدث معها من وقت خروجها من المنزل، عمال تعرفهم وآخرين لا تعرفهم، تتركز أبصارهم بها وكأنها المرأة الوحيدة التي تمر امامهم، فتزداد هي توجسًا داخلها:
– حتى انتو كمان، انا كدة كنت معفنة بجد بقى!
– بهجة، ايه الحلاوة دي يا بت؟
كان هذا صوت رئيستها في القسم السابق والتي هرولت اليها فور ان رأتها، لتتلقف هي لقاءها بها كالنجدة لها؛
– ست الريسة، هو انا لدجادي متغيرة؟
تقدمت منها لتخطف قبلة من وجنتها قائلة:
– انتي مش متغيرة يا بت، انتي واخدة وضعك الطبيعي اللي اتخلقتي بيه، حمد الله ع السلامة يا بهجة القمر.
ابتسامة بضعف لاحت على جانب شفتيها، في رد على تغزل المرأة، والذي رسخ برأسها نفس الفكرة:
– تشكري يا ريسة دى عينك هي اللي حلوة، بقولك…. انتي هتيجي معايا دلوقتي ع المكان الجديد بتاعي في الشركة هنا، ع الاقل تشجعيني.
ضحكت صباح ساخرة:
-،اشجعك على ايه يا منيلة؟ دا مجرد نقل، ثم كمان الاستاذ عبد الفضيل مفيش اغلب منه، راجل كبير ، وقايم بشغل المصنع بقالوا سنين، حركي رجلك واستعيني بالله، وانا هحصلك بعد شوية كدة مع البنات، اجيبهم ونباركلك ع الموقع الجديد ، عقبالنا يارب، لما نطلع كدة للدورالتالت.
تبعتها تتمتم بالادعية لتتخذ طريقها نحو الجهة الاخرى الخاصة بدرج الطابق الثاني والمصعد، لتتوقف امام الاخير في انتظاره، حتى اذا هبطت وخرج فردان من الموظفين لتدلف هي سريعًا وقبل ان يصعد بها، تفاجأت يمن ينضم معها وقد كانت تلك المتعجرفة، بنظارتها التي لم تخلعها بعد، مشغولة في النظر بهاتفها ، فلم تنتبه سوى بعد برهة، لتقع عينيها على بهجة، فتقيمها بتجهم اثار القشعريرة بقلب المسكينة، والتي حاولت تلطف رغم عدم ارتياحها:
– صباح الخير يا أنسة لورا.
خرج الرد من تحت اسنانها:
– صباح الخير، ما انتي خلاص عرفتي انسانسير الموظفين.
كتمت بهجة زفرتها لترفع ذقنها للامام باعتزاز في رد لها:
– مش بقيت موظفة يا فندم، يبقى اكيد الكام دور دول مش هطلعهم على رجلي.
– اممم.
زامت بها بنظرة مقللة، ثم قالت بضيق:
– طب يا سيادة الموظفة الجديدة، حاولي بس تبقي قد الحدث، عشان اللبس اللي لابساه باين من اولها كدة انه بيئة .
قالتها وانفتح باب المصعد ، لترميها بشبه ابتسامة ساخرة، ثم تخرج من امامها تتمايل بخطواتها بزهو، لتتبعها بهجة ولكن بخطوات متأنية مثقلة، تغمغم بهمس مع ذاتها:
– روحي يا بعيدة، الهي يسد نفسك زي ما سديتي نفسي من اولها كدة، اووف عليكي دا انتي عقربة……
❈-❈-❈
ابلت بلاءًا جيدًا في اول يوم عمل لها بمكتب شئون العاملين والذي لا يحتوي سوى على ثلاثة موظفين، رجل كبير بالعمر هو رئيسهم، يدعي عبد الفضيل، وامرأتان ، تعملان معه منذ زمن، يبدو من حديثهم الدائم، اندماجهما التام لدرجة عدم اخفاء احداهما ضيقها لوجود موظفة جديدة تشاركهم الغرفة، وهذا ما كان يظهر بوضوح مع تعليقاتها المبطنة نحو بهجة:
– عارفة تخلصي شغلك ع الكمبيوتر، ولا حاسة بحاجة معصلجة معاكي؟ انا مقدرة ان الشغل هنا مختلف خالص عن شغل المكنة تحت.
من نبرتها الملتوية علمت جيدا بهجة بمقصدها، ليأتي ردها المفحم:
– تسلمي يا مدام سناء، بس انا والحمد لله دارسة، القوانين وعارفة كويس اشتغل ع الكمبيوتر، يعني الشغل هنا اسهل بكتير من القعدة ع المكنة، مع اني والله اشتقتلها من دلوقتي.
– اممم.
زامت بها المدعوة سناء لتغلق فمها وتعود لما تعمل عليه، ف انتقلت ابصار بهجة نحو الأخرى، الانسة حكمت والتي تبسمت بمودة لها محفزة:
– برافو عليكي يا بهجة ، انا بحب اوي البنات المكافحة اللي زيك.
قولها اللطيف خفف على بهجة مع تلك النظرات المحبة من العم عبد الفضيل ، الصامت دائمًا، فلا يتحدث الا قليلًا، ولكنه يبث الطمأنينة بقلب من يرافقه، بدفء طيبته.
ولكن هذا الهدوء المبالغ فيه، لم تعتاد عليه بهجة، تفتقد صحبتها مع الفتيات بالأسفل وتباسطهم في الحديث البريء والجريء في ان واحد، صداقة مرت عليها سنوات، شغفها في اخراج القطع الجميلة من القماش لاشياء جميلة يرتديها الكبار والصغار، عكس ما تدونه على هذا الحاسوب ، من بيانات واحصاءات تثير الصداع في بعض الاحيان.
نفخت بملل وهي تتلاعب بازرار الحاسوب بعدما انتهت من معظم العمل المطلوب منها، تحصي الساعات والدقائق المتبقية في انتظار انتهاء اليوم الاول في هذا العمل الممل بحق.
– مساء الخير عليكم، الموظفة الجديدة بهجة هنا عندكم؟
هتفت احدى الفتيات مع اخريات زميلاتها في العمل القديم، ليهللن فجأة برؤيتها فهبت هي واقفة للترحيب بهم، لتحدث حالة من الهرج والصخب.
– يا حلاوة يا ولاد، ايه يا بت الحلاوة دي.
– مبروك يا بهجة قعدتك ع المكتب، عقبالنا يارب.
– الله يبارك فيكي، عقبالكم يا ختي.
– عم عبد الفضيل ينفع توظفني معاها؟
تبسم الرجل الكبير بخجل من جرأة الفتاة، دون ان يرد كعادته، مما استفز المدعوة سناء .
– من فضلكم، بلاش الصوت العالي ولا الشوشرة ، دا قسم اداري، يعني احنا معندناش كده، أنا مقدرش اشتغل ع الصوت العالي ولا الصداع، عايزين نخلص اللي في ايدينا .
شهقت احداهن بالعلكة بفمها تود تقريع المرأة المتكبرة، ولكن بهجة لحقت بذكائها لتمنع الجدال من اوله:
– معلش يا مدام سناء، انا هاخدهم واخرج بيهم، عشان منزعجكيش، كملي انتي شغلك.
رمقها العم عبد الفضيل بتقدير لرجاحة عقلها في رأب الصدع من اوله، قبل ان يلتف بنظرة عاتبة نحو الأخرى.
لتخرج بهجة بزميلاتها في الرواق ، فيتبادلن معها المزاح بحرية حتى انضم لهما عدد اخر من بينهم كان زميلها تميم والذي عبر عن حزنه في انتقالها الى هنا، رغم فرحته لترقيتها ، وهي كالعادة ترد برقة، كما تفعل مع الجميع، فمرت لحظات من المزاح وتبادل الأحاديث مع تهنئتها للمنصب الجديد. قبل ان ينقلب كل ذلك مع مجيء هذه المتعجرفة وهتافها بازدراء نحوهم:
– ايه ده؟ ايه ده؟ دا بقى فرح مش قسم محترم، انت يا عامل انت وهي، سايبين شغلكم وجايين هنا القسم الاداري عاملينها زيطة، انا لازم اشوف شغلي معاكم.
– لو سمحتي يا انسة يا لورا، محدش فيهم عمل حاجة غلط عشان تحاسبيهم، دول جايين يباركولي.
هتفت بها بهجة بانفعال في رد لها، لتلتقط هي فرصتها في اهانتها امامهم:
– يا ما شاء الله يا ست بهجة، ما كانو يعملولك فرح احسن، بقى كل ده عشان قعدتي على مكتب، دا كدة يبقى المكنة اولى بيكي بقى.
صدرت بعض الهمهمات الغاضبة امام صدمة بهجة التي تلجمت لحظات قبل ان تستفيق على اعتراض تميم الذي وجه غضبه نحو تلك المتعجرفة:
– والله هو فعلا اولي بيها، ع الاقل مش هتشوف هناك اشكال بتتكبر على خلق الله زي ما بيحصل هنا.
برقت عيني لورا بإجفال، لتصيح به موبخة:
– انا متكبرة يا زفت انت؟ طب انا هوريك بقى المتكبرة دي بتعمل ايه مع واحد زيك .
– اعملي حضرتك، الرزق على الله مش بإيدك
صدر الرد القوي منه، ليحتدم بينهما شجار بالكلمات فيتدخل بعض العمال مثل صباح التي كانت تحاول التهدئة، وبهجة التي انتابها الخوف على قطع رزقه، لتأتي الصيحة الجهورية توقف جميع الألسنة،
– ايه اللي بيحصل هنا؟ وليه جمع العمال دا كله؟
توزعت عيناه بينهم حتى وقعت ابصاره على تلك البهجة، التي تميزت من وسطهم، لا تقوى على رفع عينها نحوه، حتى قالت بحرج:
– انا اسفة يا فندم بس دول زملائي، وكانوا جايين يهنوني.
توسعت عينيه بذهول في النظر اليها، وتصلب جسده بعدم تصديق، لهذه الهيئة الجديدة وقد بدت وسط المجموعة كزهرة متفتحة باختلاف جذري عنهم، وهذه الرقة في الرد عليه شتت ذهنه عن سبب مجيئه من الأساس.
ولكن انقشع السحر فور ان وقعت عينيه على هذا المدعو تميم، وحديث لورا في الإشارة عليه وعلى زملائه:
– رياض باشا، تعالي شوف بنفسك المجموعة اللي عاملة ازعاج دي، وانا بس عشان اتكلمت، الولد ده بيقل ادبه عليا .
مالت رأسه نحو المذكور بشر مرددًا:
– بيقل أدبه !
تدخلت بهجة بدفاعية نحو الشاب :
– لا والله حضرتك، هو بس بيدافع عني وعن الزملا بعد الأنسة لورا ما جات زعقت فينا من غير سبب.
تميم انسان في منتهى الاحترام وعمره ما يقل أدبه على حد.
كز على اسنانه وهو يبصرها بحنق شديد ، يود لو يكتم على هذا الفم، ويغلقه عن التفوه بحرف واحد آخر بالدفاع عن هذا التميم ، والذي يود ان يقتله الان بسببها.
❈-❈-❈
اجتمعتا الاثنتان بمكتبه، فتحدثت لورا تصب على بهجة وزملائها اللوم والتصرف بعدم مسؤلية في اول يوم عمل لها، لتثقل عليها بطريقتها الفجة، في اظهار دنوها وعدم نفعها في وظيفة كهذه ، لتظل هي على صمتها، في انتظار دورها، حتى اذا انتهت لورا، اصدر امره هو:
– خلاص يا لورا روحي انتي شوفي شغلك .
– طب وهي؟
تسائلت مشيرة بالإبهام نحو بهجة، ليجيبها هو ببساطة:
– هي هسمعلها زي ما سمعتلك.
بدا الاعتراض جليا على ملامحها، رغم مجاهدتها لعدم اغضابه:
– ايوة يا فندم، بس احنا اتكلمنا وقولنا كتير بما فيه الكفاية، هترغي وتقول في ايه تاني.
تبسم بهدوء يكاد ان يجلطها:
– انا عندى مرارة اسمع اكتر يا لورا ، روحي انتي شوفي شغلك، واما اعوزك هطلبك.
اضطرت بصعوبة ان تذعن لامره ، لتضرب بقدمها على الارض فور ان استدارت بغضب متعاظم، تحجم نفسها بصعوبة عن الفتك بهذا الملعونة .
اما بهجة والتي اصابها اليأس مما حدث، فخرج صوتها فور مغادرة الأخرى:
– رياض باشا انا بقول ارجع لشغلي الاساسي زي الاول ، منعًا للمشاكل مرة تانية، بس ارجوك متأذيش اي حد من زملائي، دول جم يهنوني بحسن نية.
مالت رأسه في النظر اليها بتهكم، مشبكا اصابع كفيه ببعضهما، يظهر جمودًا نحوها، كي يخفي ما يعتريه من مشاعر في رؤيتها بهذه الهيئة المختلفة اليوم،
كلمة جميلة تجحف حقها، انها حقا فاتنة، وبصورة لافتة حتى لضعيف النظر، قدر صغير من الاهتمام مع ارتداء ملابس مبهجة بالوان ناسبت الخضار الصافي بعينيها يكاد ان يفقده صوابه،
– رياض باشا انا بكلمك .
– هو عاد فيها باشا ولا رياض حتى .
تمتم بها بداخله، قبل ان يتحمحم يجلي حلقه:
– اتكلمي يا بهجة انا عايز اسمعك، قولي اللي حصل وانا بعدها هبقى اقرر ان كنتي تستمري في الشغل هنا ولا لأ.
– تمام يا فندم.
❈-❈-❈
لم يفهم كلمة مما قالت، وكيف له التركيز؟ وقد تشتت عقله ما بين طلتها الجديدة التي تسلب العقل رغم بساطتها، وما بين تذكره لما حدث ورأه بنفسه منذ دقائق، هذه الفتاة ستفقده عقله، نعم هذا اقرب تخمين له.
نفض رأسه، يجليها من الأفكار المتخبطة، ليلطم بكفه على سطح المكتب، يوقف استرسالها عله بالنقاش قد يستعيد التركيز،
– ثواني بس عشان متوهش منك، من البداية كدة ، انتي ليه مسمعتيش كلامها لما قالتلك اصرفيهم؟
تطلعت اليه بعدم استيعاب قائلة:
– امال انا بحكيلك في ايه يا فندم بقالي ساعة؟ هما اساسا كانو مستيني عشان اصرفهم، دي ناس عارفة شغلها كويس واللي مستنيها، هي اللي كانت قاصدة بقى تحرجني قدامهم من غير ما اعملها اي حاجة والله، مش فاهمة انا هي بتعمل معايا كدة ليه؟
صمت قليلًا يحدق بهذه الحمقاء التي لم تفهم حتى الاَن سبب كره الأخرى لها، ليزفر داخله بحنق تاركًا كل ما اسهبت به يجفلها بمطلبه:
– بهجة ممكن متجيش الشغل تاني بالبلوزة اللي انتي لابساها دي.
زعرت تنزل بعيناها نحو ما ترتديه، تتسائل بحرج:
– ليه يا فندم؟ هي بلوزتي فيها حاجة وحشة، دي حتى جديدة والله.
ردد بعصبية نافيا:
– مفيهاش حاجة وحشة يا بهجة، انا شايف انك تيجي بحاجة رسمية اكتر من كدة، وياريت لو غوامق افضل يعني، ممكن؟
اومأت بضعف وقد كسى الحزن ملامحها الشفافة، لتزيد من ثقل ما يكتنفه من الداخل، تظنه يقلل منها، ولا تعرف بما يعتريه من عواصف وبراكين تتقاذف بالشرر تحرقه كلما تذكر تحديق الجميع بها، وبهيئتها المبهجة تلك بصورة تزعجه وبشدة.
– بهجة متفهمنيش غلط ، انا مش قصدي خالص اللي في دماغك على فكرة.
ردت بغصة مما تأصل بذهنها:
– انا فاهمة ومش محتاج تبرر يا فندم، يبقى كدة لورا كان عندها حق وانا اللي مصدقتش بقى لما قالتلي انها بيئة ومتصلحش للشغل…….
سمع منها ليقاطعها بحدة، وقد فاض به منها:
– لأ مش بيئة يا بهجة، بل بالعكس ، هي حلوة وحلوة اوي كمان، هو انتي معندكيش مرايات في بيتكم.
اجفلها بصيحته، لتهتز بوقفتها بارتباك يلفها، فلا تدري ان كان تغزل او انفعال بها، لتسبهل اهدابها عنه بخجل، انتبه له هو ليتدارك نفسه، فيسرع بالتصحيح، قصدي ان يبقى عندك ثقة في نفسك يا بهجة.
انا لما مضيت على عقدك كموظفة ادارية عندنا، دا لانك انتى قدها واكتر كمان لما تحاولي تطوري من نفسك، عشان تاخدي مكانتك اللي تستحقيها.
ارتخت ملامحها ببعض الارتياح لقوله ، لترفع ابصارها مرة اخرى اليه تخاطبه بامتنان :
– انا بصراحة مش عارفة اقولك ايه؟ كلامك دا حضرتك بيصحي جوايا احلام كنت دفنتها في الكام سنة اللي فاتو.
– متقوليش حاجة يا بهجة، انتي فكري وارجعي لشخصيتك اللي راحت منك من تاني.
بزغت ابتسامة مفاجئة على طرف شفتيها معلقة:
– شخصيتي اللي راحت كانت ضعيفة حضرتك، يعني مينفعش ارجعلها اساسًا.
– خلاص يبقى ارجعي لحلمك واعرفي وضعك كويس، اللي عايز تطور ميفضلش متبت ع اللي تحت.
قالها بقصد لم يعجبها لترفع رأسها باعتراض له :
– بس دول زملائي اللي عشت معاهم سنين، مينفعش اتخلى ولا اشوف نفسي عليهم، دا انا ابقى قليلة اصل .
تأثر بغضبها، ولكنه احتفظ بجموده ف الرد نحوها:
– يعني عايزة مني دلوقتي يا بهجة؟ اعطيهم مكافأة بعد ما قلو ادبهم على مديرة مكتبي؟
جحظت عينيها باتساع نافيه:
– حضرتك دي هي اللي دخلت فيهم شمال، وتميم يدوب كان بيرد عليها.
– تاني تميم؟
صدرت منه ضاربا بكف يده على سطح المكتب بتعصب، اوقع بعض الملفات والأوراق على الارض بسببه، لتتلجم هي بصدمة ، جعلته يزداد غضبا بداخله،
ولكنه حاول التحكم في انفعاله، لينهض عن مكتبه تاركًا كل الفوضى، ليقف مقابلها، ثم تفوه بصوت بنبرة متغيرة:
– ممكن يا بهجة تخلي بالك من كلامك معايا، ومتجبيش سيرة أي حد قدامي .
حديثه بهذا القرب والنبرة المختلفة، وتلك النظرة التي تشبه الرجاء، حينما التقت خضرواتيها ببندقيتيه، وحديث دار بينهما في لحظات لم تشعر بها، ان كانت طالت او قصرت، ترى ما تفسير ذلك؟
هل هو….. تبًا.
نفضت رأسها تزيح بوجهها للأسفل عنه، تقطع ذاك التواصل البصري بينهما، ترفض الفكرة من الأساس، لانه لا يصح ، أبدا لا يصح.
– حضرتك انا عايزة امشي دلوقتي وانا مطمنة، ارجو متعملش حاجة تاني لزملائي لو أمكن.
وصلها صوت زفرته القوية، قبل ان يعود مرة اخرى لمكتبه، يرضيها بقوله:
– ماشي يا بهجة اطمني، بس ارجو ميتكررش تاني اللي حصل .
اومأت بهزة من رأسها، دون ان ترفع عيناها اليه ، لتستأذن في الانصراف، تتبعها نظراته حتى اغلقت الباب خلفها، يسحب شهيقًا قويا بداخله ثم يخرجه بحالة من التشتت، لا يدري ما هي، يفعل اشياء دون ارادته، وهو الذي ظل لفترة طويلة من عمره المتحكم المسيطر ، باتخاذ البرود والجمود واجهة تمكنه من ذلك .
كيف لفتاة مثلها ان تذيب الجليد بأقل فعل منها ، بل بنظرة واحدة قادرة ان تفقده صوابه، كما حدث منذ قليل، لقد كبح بصعوبة ذراعيه عن ضمها اليه، وعن ثغره….. في تقبيلها .
يبدوا انه في مأزق لم يحسب له حسابا.
❈-❈-❈
خربتها وقعدت على تلها، ياكش تكون استريحت يا حيلة امك.
هتف بها خميس بتوبيخ نحو اكبر أبنائه، فصدر رد زوجته باعتراض؛
– وايه دخل امه بقى يا سي خميس؟ كنت انا اللي مشيتها مثلا؟
تشدق بعصبية:
– لا يا درية بس كان لازم توقفيها، تجبري ابنك الاهطل ده ياخد بخاطرها، بدل ما البت خدتها من قاصرها المرة دي ووصلت الموضوع لأهلها، اهي وسعت والبت اخدها اخوها اللي مكدبش خبر هو التاني ، يعجبك كدة؟
مصمصت بشفتيها ، تردف باستهجان ردا له:
– ما هو لو لقى الكبير، كان عمل حسابه وراعى الاصول، لكن انت بقى راجل مش فاضي ، محدش يلومك يا اخويا.
قالتها بإشارة نحو اهتمامه بهيئته الجديدة واختفاءه بالساعات في عيادة الطبيب لتكملة المتبقي لزرع الشعر بالصلعة الكبيرة وسط رأسه
– شوف الولية .
تمتم بها بغيظ يكتمه، ليقارعها بطريقته:
– واسم النبي حارسه ابنك كان عيل صغير بقى يا ستى ومحتاج اللي يتصدرله، ممنعهوش هو ليه بقى؟ ها يا سي سمير ، ممنعتش نسيبك إنه ياخد اخته ليه؟
حينما توجه بالاخيرة نحو ابنه الذي اجاب بعنجهية يصب اللوم عليها:
– ما هو نفسه كان جاي متحمل، وكأنه كان مستنيها، بت الجزمة شكلها كانت معبياه عليا من زمان.
– من حقها يا سمير .
تدخل بها سامر يواصل نحو شقيقه:
– البت من ساعة ما اتجوزتك وهي شايلة ومعبية وساكته، كتر الضغط يولد الانفجار، وهي جابت اخرها منك ومن عمايلك .
احتقن المذكور وانتفخت اوداجه بعدم احتمال هاتفًا بشقيقه:
– اتلم يا سامر ، انا مش ناقص تناحتك انت كمان، يا إما وعهد الله لا اكون مطلع عليك غلب اليوم كله.
– طب قوم وريني يا حبيبي، ولا انت مقدرتش ع الحمار جاي تتشطر ع البردعة؟
هتف بها الاخر يستفز شقيقه، والذي زمجر في استعداد لخوض الشجار بالفعل، لتأتي صيحة والدهم الغاضب نحوهم بلطمة قوية على سطح الطاولة امامه؛
– نفس تاني هيطلع من اي حد منكم ، وعهد الله ما هيبات فيها .
اجبرهم بتهديده على الصمت، ثم نهض الكبير ولحق به الاخر، يغادران المنزل كل نحو وجهته، فعقبت درية في اثرهم بلؤم نحو زوجها:
– ايوة كدة وريهم العين الحمرا، دول ملهمش غير اللي يردهم.
انتفخ صدره بزهو ، يطربه قولها، ف ارتفعت يده اعلى رأسه نحو الجزء المزروع حديثا من الشعر بصلعته، وكأنه يطمئن انهم مازالوا موجودين، لتلوي هي فمها باستنكار وضيق ، فجاء قول ابنتها المتابعة منذ البداية بصمت:
– كل اللي حصل ده بسبب بوز الاخص اللي اسمها بهجة، لولا قعدتها معانا في نفس البيت، مكانش سمير فضل كدة متعلق بيها.
عبس خميس ملوحًا بكف يده في الهواء بعدم اكتراث، اما والدتها ، فقد ضاقت عينيها بتدبير تديره برأسها ، تعتزم تنفيذه. في اقرب فرصة
❈-❈-❈
حينما خرجت من غرفته ، ظلت على وضعها بهذه الحالة العجيبة حتى من عدم الفهم لما يحدث معها، حتى انها لم تنتبه لهذه المدعوة لورا ولا حتى بالنظر اليها،
لتعود الى مكتبها، تتلاعب بشاشة الحاسوب دون ان تفهم ولو كلمة واحدة مما هو مكتوب امامها، تعيد برأسها هذا اللقاء الذي تم منذ قليل ، رافضة وبكل قوتها هذه المشاعر التي اصبحت تعبث بغباء داخلها.
– مينفعش، اكيد مينفعش ، دا ايه الغباء اللي انا في ده؟ اكيد فاهمة غلط اكيد.
صارت تردد بها داخلها ، حتى تفوهت بها بفمها دون ان تشعر، لتثير دهشة من يشاركها العمل بتلك الغرفة.
حتى أتى اتصال الهاتف برقم تعرفه، لتفتح سريعًا في الرد عليها بقلق:
– الووو…. ايوة يا دادة، مدام نجوان……… ليه مالها ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حان الوصال)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى