روايات

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الجزء الثاني والأربعون

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث البارت الثاني والأربعون

جعفر البلطجي الجزء الثالث
جعفر البلطجي الجزء الثالث

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الحلقة الثانية والأربعون

قالوا السلامُ عليكِ يا أطلالُ،
قلت السلامُ على المحيل محالُ،
فدعوا لتبكيةِ الديار وأهلها،
ولنا بأهلِ مودّةٍ أشغالُ.
_أبو نواس.
_______________________
الحُبّ لعـ ـنة إن أصا’ب المرء سـ ـبب لهُ إنتكا’سة تحت مُسمى _الحُبّ د’اء ليس لهُ دواء_ ويبدو أن هذا هو الد’اء الذي لا يُريد المرء أن يكون لهُ الدواء فهذه فطـ ـرة وغـ ـريزة لا يستطيع تجا’هله أو إغلا’ق قلبُه عنهُ، وبالرغم مِن كل الآ’لم والعذ’اب والفـ ـراق الذي يُخـ ـلفهُ الحُبّ يبقى البعض محبذًا لهذا الد’اء.
<“أُغـ ـلِقَت أنوار المدينة في عـ ـينيه وما هو بشـ ـريدٍ.”>
أخذ الصد’مة ما بعد التفا’جؤ وألتزم الصمت إجابة، كل ما خـ ـطط إليهِ حتى يكون بجوارها وتُصبح زوجةٌ إليهِ بعد أن تحرك القـ ـلب وشعر بصاحبهِ وتعهـ ـد على الحفاظ على حبيبُه والإكتفاء بهِ رفيقًا، ولَكِنّ يبدو أن قد سبقه أحدهم وجاء لطلبها حتى تكون زوجةٌ إليهِ هو، أسو’دت الحياة في عينيه حينما وصله مِن جديد صوت الزغاريد ومعها صوت “مُـنصف” الذي كان يُحادثه وقد بدأ صوته يبتـ ـعد كثيرًا وتتشو’ش الرؤية أمامه فقد سُرِ’قَت حبيبة الفؤاد وكان هذا يبدو أنهُ مِسْكُ الخِتَام لعلا’قةٍ كادت أن تبدأ لطر’فين كان فيها الطر’ف المُحبّ الأكثر حما’سًا وشـ ـغفًا.
عاد إلى الخـ ـلف بظـ ـهره بخطى بطيـ ـئة وهو لا يستطيع إسعا’ف نفسه وتخـ ـطي الصد’مة لير’فع رأسه للمرةِ الأ’خيرة ينظر إلى النافذة بعينين ملـ ـتمعتين وقد بدأ يشعر بقلبه الذي عاد ينبـ ـض بقو’ةٍ يُنادي على حبيبه يُعا’تبه على خيا’نتهِ إليهِ ويُخبره:
_مِن أين لكَ هذا يا غريبٍ ظننتهُ حبيبًا،
فقد قمت بطعـ ـني غد’رًا حينما و’ثقتُ بكَ وجئتُكَ طالبًا الحلا’لُ!.
أما عنها في الأ’على فقد كانت تجلس بين الجميع ترتدي فستانًا أنيقًا وتضع بعض الز’ينة النا’عمة التي أبر’زت معالم وجهها الجميلة الر’قيقة وخصلاتها البُنـ ـية المصـ ـففة برِ’قةٍ، كانت تبتسم بمجاملة إلى كلّ مَن يوّجه لها الحديث حتى شعرت فجأ’ةً بنبـ ـضات قلبها تعلـ ـو بقو’ةٍ داخل قفـ ـصها الصد’ري يُخبرها أنهُ هُنا، لقد جاء الرفيق يبحث عن رفيقه كالتا’ئه في مدينةٍ متكد’سة بسكانها وهو كالضا’ل بينهم لا يعلم أيُ الطُرُقاتِ يجب أن يسـ ـلُك.
أبتـ ـلعت غصتها بتروٍ ووضعت كفها على موضع قلـ ـبها تُحاول تهـ ـدئة هذه النبـ ـضات وتهـ ـدئة نفسها فهي الآن عَلِمَت أنهُ بالقربِ مِنها فقد كانت تظن أن هذا العريس هو نفسه “جـاد” ولذلك كانت سعيدةٌ وبشـ ـدة وظلت مستيقظة طوال الليل مِن شـ ـدة سعادتها ولَكِنّ حينما تأنقت وظهرت في أبهى صورها وبطلتها التي يُحبها هو كانت الصد’مة حليـ ـفةً لها حينما رأت غيره جاء ليطلبها وليس هو.
وها هي الآن تجلس لا تعلم ماذا عليها أن تفعل فالشا’ب الما’ثل أمامها لا يوجد بهِ شيءٌ يُعـ ـيبُه وأيُ فتا’ةٍ غيرها تتمناه وبدأت تُفكر كيف تر’فضه، فيما كانت “بيلا” تقف بالقرب مِنها تنظر لها طوال الوقت وهي تشعر بأن شقيقتها ليست سعيدة ويبدو أنها مجبو’رةٌ على الجلوس في هذا المجلس وقد تعجبت مِن تحو’لها المفا’جئ ففي الليلةِ الماضية كادت أن تطـ ـير مِن شـ ـدة سعادتها وحينما رأت الشا’ب تبد’ل حالها مئةٌ وثمانون درجة ليبدأ الشـ ـك يتسـ ـلل داخل قلـ ـبها لتُيقن أن شقيقتها كانت تنتظر غيره فلا يوجد لها حلٌ آخر غير ذلك.
وعن هذا الشا’ب المسـ ـكين فقد تر’ك “مُـنصف” وتحرك عا’ئدًا إلى سيارته عا’زمًا على المغا’درة بعدما أصا’بتهُ هذه الحالة المـ ـقلقة، فيما لاحظ “مُـنصف” تبد’ل حاله وتيـ ـهه وشتا’ته الذي تبعـ ـثر ليقوم بمناداته عا’ليًا يوقفه حتى يتأ’كد مِن حا’لتهُ تلك ليرى “جـاد” قد تجا’هله وأخذ سيارته ذاهبًا، نظر إلى أ’ثره قليلًا ثم أخرج هاتفه وعـ ـبث بهِ قليلًا ثم وضع الهاتف على أذنه ينتظر جواب رفيقه الذي أستغـ ـرق قليلًا مِن الوقت وأجابه ليقول هو:
_بقولك إيه يا “يـوسف” ابن عمك “جـاد” كان هنا ومعرفش إيه اللي جرا’له فجأ’ة ومشي على طول، معرفش أول ما عرف إن “كايلا” جايلها عريس، تمام شوفه وطمني عشان شكله كدا مش مظبو’ط وخا’يف يحصله حاجة وهو على الطريق لو’حده.
أنهـ ـى حديثه وأغـ ـلق معهُ وهو ينظر في نقـ ـطةٍ فا’رغة يُفكر فيما أصا’ب هذا الشا’ب، أما عن “يـوسف” فقد وقف بعيـ ـدًا عن الجميع في مكانٍ هادئٍ يُحاول مهاتفة ابن عمه أول مرة والتي أنتـ ـهت بعد’م الردّ ليعاود مهاتفته مرةٍ أخرى على أملٍ أن يُجيبه هذه المرة ليكون عد’م الإيجاب هو النتيجة المتوقعة، زفـ ـر بعمـ ـقٍ وقد بدأ يشعر بالخو’ف عليهِ حينما لَم يصله الردّ ليبدأ القلـ ـق يسا’ور قلبه خصيصًا بعدما أخبره صديقه عن حا’لة ابن عمه ليبدأ الشـ ـك يتسـ ـلل إلى قلبه ليعقد المسافة ما بين حاجبيه ليقول:
_معقول يكون بيحبّها؟.
_________________________
<“مرةٍ واحدة يغتنـ ـمها المرء للعـ ـيش حُـ ـرًا مِن جديد.”>
قصةٌ كُتِبَت في أول سطورها الفشـ ـل المحتو’م قبل أن تبدأ، قصةٌ أنتـ ـهت في سطرها السابع والسبعون بعد أن نفـ ـذ حبـ ـرُ القلمِ وخرج مِن الأنبو’ب مُـ ـلطخًا الورقة البيـ ـضاء، أنتهـ ـى الحبـ ـر ومعهُ أنتهـ ـت القصة وعاد كلّ واحدٍ مِنهم حاملًا معهُ خيبا’ته.
كان يجلس في ردهة المنزل واضعًا يده على رأسه نا’كسًا رأسه إلى الأسـ ـفل والهدوء يسو’د المكان، كانت “وجـيدة” تجلس بجواره توا’سيه وتُربت على كتفه برفقٍ وهي حز’ينة لأجله كثيرًا، ولج “عـامر” مِن الخا’رج وأقترب مِنهم بخطى هادئة بعدما وصله الخبـ ـر ليقف أمام أخيه واضعًا كفه على كتفه قائلًا بنبرةٍ متسائلة:
_في إيه يا “مـحمود” وحد الله دا نصيب يا حبيبي زعلا’ن ليه دلوقتي؟ أنتَ المفروض متز’علش أنتَ عملت كل واجباتك كزوج ومأ’ثرتش معاها بالعكـ ـس المفروض هي اللي تبقى قعدة دلوقتي بتا’كل صوابعها مِن الند’م عشان هي اللي أ’ثرت فواجباتها كزوجة، أهـ ـدى واللهِ ربنا هيعوضك ويرزقك الأحسن مِنها كمان، متز’علش بالله عليك أنتَ مأ’ثرتش.
أنهـ ـى حديثه وجلس على يـ ـد المقعد وضمه إلى أحضانهِ ممسّدًا على خصلاته برفقٍ محاولًا تهـ ـدأته ونظر إلى زوجة عمه التي كانت حزينةٍ وبشـ ـدة لأجله فهي أكثرهم شاهدةً على نقا’ء قلبه وطيبته وأحترا’مه الشـ ـديد للمرأة، دقائق وولجت “زيـنات” كالقذ’يفة والغضـ ـب الشـ ـديد با’ئنًا على معالم وجهها حينما وصلها الخبـ ـر الذي جعلها كجـ ـمرة النا’ر المُـ ـلتهبة، ألقـ ـت الحقيبة على المقعد وأقتربت مِنهُ تصر’خ بهِ بعد أن وقفت أمامه قائلة:
_أر’تحت يا أستاذ؟ أر’تحت ومشيت ورا كلام أبوك وابن عمك وطلـ ـقتها؟ أرتحـ ـت يا *** يا معد’وم الشخـ ـصية وخر’بت بيتك! يا فضيـ ـحتك يا “زيـنات” وسط الناس!.
نظرت لها “وجـيدة” نظراتٍ معا’تبة تزامنًا مع قولها المعا’تب:
_بس يا “زيـنات” إيه اللي أنتِ بتقوليه دا حرا’م عليكِ بتأ’نبيه ليه على حاجة معملهاش، إبـ ـنك عمل الصح وأشترى نفسه ولحـ ـق اللي باقي مِن عُمـ ـره.
نظرت لها “زيـنات” وأشارت بيدها لها وهي تقول بنبرةٍ حا’دة:
_بقولك إيه يا “وجـيدة” متد’خليش فحاجة متخصـ ـكيش أنا وأبـ ـني مع بعض ملكيش فيه.
_إيه اللي بتقوليه دا يا ماما عمتو “وجـيدة” مش غر’يبة وتبقى مرات عمي وليها حـ ـق فالعيلة وهي مغلـ ـطتش بالعكـ ـس كلامها كله صح وأنا مع إن “مـحمود” طلـ ـق “تماسي” هو عمل الصح.
هكذا ردّ “عـامر” على والدته يُدا’فع عن الطر’فين بعد أن وقف أمام والدته النـ ـد بالنـ ـد فهو يعلم كم كان يُعا’ني أخيه الصغير مع زوجته ويعلم عدد المرات التي كان يصر’خ فيها عليها ولربما هو لَم يرى يومًا سعيدًا في حياته منذ أن تزوجها، فيما أستشا’طت الأخرى أكثر وأكثر لتصر’خ بهِ قائلة:
_لا بقولك إيه هتعملي فيها دور الأخ الحنين وتتقمـ ـصلي دور أبوك هي مش نا’قصة اللي عمله دا مصـ ـيبة سو’دة يعني ياريته طلــقها طـ ـلقة واحدة على الأقل ترجع تاني لا دا طـ ـلق بالتلاتة بر’وح أمّه وخـ ـلع، طـ ـلقها ليه بقى البـ ـت كويسة ومفيهاش عيو’ب وكانت تحـ ـت طو’عي ولا تلاقيك شايفلك شوفة تانية فقولت تخلـ ـص مِنها ما أنتَ مِن ساعة ما أتعرفت على ابن عمك الفاسـ ـد دا والمصا’يب نازلة فو’ق را’سنا زي المطر.
غضـ ـب “عـامر” بالتأ’كيد مِن حديث والدته الذي كان كالسها’م التي تُرشـ ـق داخل صد’ر العد’و دو’ن ر’حمةٍ أو شفـ ـقة، وقبل أن يردّ عليها رأى والده قد حضر هذا المجلس الذي كان قد أُقيم خصيصًا إلى أخيه الذي رغم ما رآه ما زال يُلا’م، قطـ ـع هذه الأجواء المشحو’نة حينما قال بنبرةٍ متسائلة:
_مالكم في إيه بتز’عقوا فـ “مـحمود” كدا ليه؟.
نظرت إليهِ “زيـنات” وقد وضعت يدها على خصرها وقالت بنبرةٍ غـ ـليظة وهي ترشـ ـق “مـحمود” نظراتٍ كالسها’م قائلة:
_تعالى يا خويا، تعالى يا اللي فاسـ ـد عيالي شوف المخـ ـفي أبـ ـنك هـ ـبب إيه.
_ما تتـ ـلمي يا “زيـنات” أحسنلك وتتكلمي عِدِ’ل إيه شغـ ـل الشو’ارعية اللي بتتعاملي معانا بيه دا؟.
هكذا ردّ عليها “عـماد” بنبرةٍ حا’دة بعدما ر’مقها نظراتٍ حا’دة ليأتيه الردّ مِنها حينما قالت بنبرةٍ غا’ضبة:
_بدل ما تقعد تقـ ـطم فيا شوف البيه هـ ـبب إيه عشان لمَ أد’عي عليه محدش يلو’مني.
_في إيه يا ماما “مـحمود” مأ’جرمش أنتِ مأ’ڤورة الموضوع أوي على فكرة.
هكذا ردّ عليها “عـامر” منفـ ـعلًا وهو ينظر لها ليأتي حديث والده بعدها حينما قال بنبرةٍ غا’ضبة:
_بقولك إيه يا “زيـنات” لو فكرتي تد’عي عليه حتى لو مِن ور’ا قلبك هز’علك ووقتها متلو’منيش مِن اللي هعمله معاكِ أبـ ـني عندي أهـ ـم مِنك أنتِ وز’عله هو ز’علي واللي يد’وسله على طر’ف أدو’س أنا على ر’قبته أنتِ فاهمة ولا لا!.
بالطبع لَم يروق لها هذا القول فبحديثه ذاك قد جُـ ـنّ جـ ـنونها لا شـ ـك في ذلك وقبل أن تتحدث وتردّ عليهِ قطـ ـع “مـحمود” كل ذلك حينما لَم يحتـ ـمل أكثر مِن ذلك وأنتفـ ـض في جلستهِ يصر’خ بهم بنبرةٍ منفـ ـعلة قائلًا:
_أنتوا عايزين إيه مِني؟ أنتِ عايزة إيه يهـ ـمك فأيه طـ ـلقت ولا مطلـ ـقتش الجوازة دي أنتِ د’بحتيني فيها لمَ جوزتيهالي غصـ ـب وقعدتي تحليها فعيوني ودي حلوة وطيبة وهتصو’نك، أنتِ د’مرتيني جاية تلو’ميني على الغلـ ـطة اللي كُنْتِ أنتِ السـ ـبب فيها وأنا صـ ـلحتها؟ أنا ضا’ع مِن عُمري سنتين بسـ ـببك فيهم حسسـ ـتني هي بالنقـ ـص، اللي زعلا’نة عليها دي ومحمو’قة عشانها منعا’ني إني أخُد حـ ـقوقي مِنها أنا بقيت بتحا’يل عليها وأها’دي وأدلع بس عشان أخُد حـ ـقوقي اللي بأبسط حل هاخده بالإجبا’ر بس أنا عُمري ما هقد’ر أعملها عشان دا مش أنا ولا دي أخلا’قي، بس كان نفسي تفكري فيا أنا وتحـ ـسي بيا كُنْت فاكرك بتخا’في عليا وأنا أهـ ـم عندك مِنها بس أنا مشوفتش دا مِنك، أنا مش مستغرب معاملة بابا ليكِ لأنك تستا’هلي مُعاملة **** مِن دي وهو عارف كويس أوي شعوري دلوقتي عشان أنا وهو فنفس الموقف وعارف أنا عامل أزاي مِن جو’ايا … طب أقولهالك بقى وأجر’حك يمكن تحـ ـسي شوية، بابا حـ ـقه يطـ ـلقك واللي ما’نعُه هو إحنا عشان مش عايز يحر’منا مِنك رغم إننا كبار بس أنا هقولهاله وقدام الكل عشان أنا حـ ـقيقي فا’ض بيا وتـ ـعبت، أنا مدمر مِن جوه يا سيدة المجتمع يا مرموقة، أنا أداس عليا وعلى رجولتي وكر’امتي بأ*** **** ومحدش فر’ق معاه أنا فيا إيه وحا’سس بإيه، طـ ـلقها يا بابا وأرتا’ح مِنها أنا عن نفسي مش هز’عل متقـ ـلقش طـ ـلقها ولو هتتجوز أنا معنديش مشـ ـكلة صدقني بس متعملش زيي عشان لو أستحـ ـملت النهاردة صدقني مش هتستـ ـحمل بكرا، ألحـ ـق نفسك قبل ما تبقى زيي أنتَ مش ذ’نبك تكمل معاها وأنا قولتلك رأيي وتقدر تشوف “عـامر” عايز إيه بس أنا تـ ـعبت، أقسم بالله العلي العظيم تـ ـعبت الر’حمة بقى.
أنهـ ـى حديثه وأخرج ما يكمُن دا’خل جبعته وأخر’ج ضُـ ـعفه وقلـ ـة حـ ـيلته وأعلن سقو’طه أمام الجميع وكان في أ’دنى مراحل الضُـ ـعف والأ’لم، إنهُ قهـ ـر الر’جال يا سادة! الجميع كانوا يستمعون إليهِ والعبرات تلـ ـتمع في المُقلِ والأ’لم يعتصـ ـر القلوب والحز’نُ يأ’كلُ الصد’ور والهز’يمة طا’لتهُ، سقـ ـط أر’ضًا مُعلنًا هز’يمة الفتـ ـى المرح الذي طا’لهُ الأ’ذىٰ مِن أقرب الأقربين إليهِ … كانت والدته هي السـ ـبب الر’ئيسي فيما هو عليهِ الآن والتي بالطبع لَم يظهر عليها التأ’ثر فكيف تمـ ـلُك المشاعر وهي كل ما يهـ ـمها مظهرها الخا’رجي أمام الجميع كونها سيدة مجتمع مرمو’قة مثلما أخبرها و’لدها.
أهتمت بمظهرها الخا’رجي وتركت مظهرها الدا’خلي مُلطـ ـخًا بالقسو’ة والسو’اد الحا’لك، كل ما يشغـ ـل ر’أسها الأموال والسُـ ـلطة والمظهر الخا’رجي أمام الجميع وقد نست مَن هو السـ ـبب الر’ئيسي فيما هي عليهِ الآن، جلس “عـامر” بجوارهِ وضمه إلى أحضانهِ مشـ ـددًا مِن عناقهِ إليهِ بعدما ألا’مه حديثه ولا’مس قلبه وقد شعر بقهـ ـرته بما رآه فهو قد تحمـ ـل أكثر مِمَّ ينبغي، حاول كبـ ـح عبراته بشتىٰ الطرق الممكنة ولَكِنّ في الآخير فقـ ـد السيـ ـطرة على نفسه وبكى مع أخيه الذي كان يبكي بحـ ـرقةٍ لَم يسبق لهُ وأن وصل لها.
فيما تحرك “عـماد” تجاه و’لده وجلس أمامه على ر’كبتيهِ ليراه ينظر إليهِ بعينين باكيتين والأ’لم مرتسمًا بهما والنظرة كانت منكـ ـسرة، آ’لمه قلبه ليجذ’به إلى أحضانه ضاممًا إياه إلى أحضانه مشـ ـددًا مِن ضمته إليهِ ليقوم “مـحمود” بمعانقة أبيه بقو’ةٍ ينتظر فقط تلقي الد’عم والمواساة وقد كانا حاضرين حينما وجدهما في عائلته، أبيه، أخيه، زوجة عمه، وغيرهم بالتأكيد، كانوا يتأ’لمون لأجله فهذا المحبوب بجوار ابن عمه “جـاد” فالأثنين يحظيان بمكانةٍ كبيرة في قلو’ب أفراد العائلة.
وبعد مرور ساعة على هذا الحد’ث..
وصل والد “تماسي” إلى منزل عائلة “المحمدي” حتى يأخذ أبـ ـنته بعدما تلقى مكالمة مِن “مـحمود” يُخبرهُ فيها أن يأتي في الحال كي يأخذ أبـ ـنته وير’حل دون أن يُوضح أيا أسبا’بٍ أخرى وأغـ ـلق المكالمة بعدها، ولج إلى الداخل بخطى هادئة بعدما فتحت لهُ مد’برة المنزل الباب ليرى الجميع جالسًا بينهم “مـحمود” الذي كانت عينيه مر’هقتين واللو’ن الأحمـ ـر يكتـ ـسيهما، وعلى الجهة الأخرى تجلس أبـ ـنته صامتةً ولأول مرة بشكلٍ مُر’يبٍ تعجبه هو.
وقف أمام الجميع جا’هلًا الأمر ولَكِنّ قطـ ـع هذا الصمت الممـ ـيت حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، خير يا جماعة إن شاء الله … في إيه يا “مـحمود” هي “تماسي” مز’علاك ولا إيه؟.
في بادئ الأمر ردّوا جميعهم السلام عليهِ ثم ألتزموا الصمت وتركوا صاحب الردّ يتحدث، فيما نهض “مـحمود” وأشار إليهِ بهدوءٍ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أتفضل معايا نتكلم على إنفـ ـراد.
شعر والد “تماسي” بالقلـ ـق وقد ر’مق أبـ ـنته نظرةٍ قلـ ـقة ليراها تنظر أ’رضًا والعبرات تسـ ـقط على صفحة وجهها دون أن تتحدث ليُد’رك أن أبـ ـنته قد أفتـ ـعلت كا’رثةٌ كبيرة، وبعد تقديم كرم الضيافة وألتزام الصمت قليلًا فيها كان الطر’فين يشعران بمشاعر متضا’ربة، الخو’ف والتو’تر مِن والد “تماسي” والحز’ن والأ’لم مِن “مـحمود” الذي زفـ ـر بعمـ ـقٍ ومسـ ـح بكفيه على وجهه قبل أن يبدأ حديثه المثـ ـقل على قلبه.
لحظاتٍ حاول جمع الكلمات وترتيبها د’اخل رأ’سه قبل أن يقول شيءٍ ليجد الوضع صـ ـعبًا عليهِ ولا شيء أمامه سوى التحدث مثلما يرى فلَن يقوم بتزيين الكلمات قبل النطـ ـق بها فقد إتخذ الصراحة والمصداقية منهجًا في حياته ولَن يتخـ ـلىٰ عنهما الآن، أخذ نفـ ـسًا عميـ ـقًا ثم زفـ ـره بهدوءٍ وقال بنبرةٍ هادئة بعد أن نظر إليهِ:
_شوف يا عمي، إحنا د’خلناها بالمعروف وخرجنا بالمعروف برضوا ولحد اللحظة دي ربنا يعلم بنـ ـيتي تجاه بنـ ـتك، أنا كُنْت زوج صا’لح ليها وعملت واجباتي معاها وبز’يادة وأستحمـ ـلت وتغا’ضيت عن حاجات كتير أوي مكانش ينفع إنها تعدي بس كُنْت بقول خلي المر’كب تمشي ومتبقاش معـ ـقد ويشهد عليا ربنا إني لا مد’يت إيدي عليها ولا فكرت إني أأ’ذيها بيني وبين نفسي بس للأما’نة بـ ـنتك مقد’رتش كل اللي بعمله عشانها، “تماسي” كانت شـ ـيلاني مِن حساباتها تمامًا وكُنْت آ’خر أهتماماتها، حاولت معاها كتير بالهـ ـداوة والطيبة والدلع وهي مرديتش تسمع مِني وعلى طول ز’عيق وقلـ ـة أد’ب، أنا هسألك سؤال وعايزك تجاوبني عليه بكل مصداقية، تقبل مراتك تز’عق فيك وتمـ ـشيك على مزاجها؟.
تبد’لت معالم وجهه في لحظتها ليقول بنبرةٍ حا’دة:
_لا طبعًا هو مين فينا الرا’جل.
أبتسم “مـحمود” بسمةٌ سا’خرة بزاوية فمهِ ليُكمل حديثه قائلًا:
_بنـ ـتك بقى كانت بتحب تمشـ ـيني على مزاجها وتسـ ـيطر هي، وبرضوا حاولت مفقد’ش نفسي عشان مش عايز إيدي تتمـ ـد عشان أنا مش كدا بس لأجل الأما’نة بنـ ـتك كانت لا تُطا’ق، السـ ـبب الر’ئيسي بقى اللي جاب آ’خر الموضوع دا إنها بترفـ ـض تديني حـ ـقوقي، ويشهد ربنا مرة بالحُبّ ومرة بالدلع ومرة بالهـ ـداوة ومرة بالمسا’يسة مفيش اللي طا’لع عليها لا لا لا على طول لا تحـ ـس كلمة لا دي لبانة فبوقها وأول ما أجيب سيرة الخـ ـلفة تتجـ ـنن ووخدالي حِجـ ـة هبـ ـلة مش مقـ ـتنع بيها قال خا’يفة جسـ ـمها يبو’ظ، يعني هو دا يا حج يرضي ربنا؟ أنا بكلمك بأما’نة لو تقبل كدا على أبـ ـنك أنا مش هتكلم، يرضيك اللي بـ ـنتك بتعمله دا؟ طب هي متعرفش فدِّ’ينها إن الزوجة لمَ ترفـ ـض الملايكة بيلعـ ـنوها لحد ما توافق؟ شوف أنا مِن أمتى بحاول معاها يا حج وفالآخر برضوا خا’يف عليها رفـ ـضها مش فصالحها وهي محسـ ـتش بكل دا وكملت وأنا عشان ميبقاش عليا غـ ـلط أديتها مُهـ ـلة شهر عشان تعـ ـيد نفسها قبل ما يخلـ ـص لقيتها لسه مصـ ـممة على رأيها وبصراحة أنا خلاص جبت أ’خري وكل دا بيحـ ـسسني أنا بالنقـ ـص خلي بالك مش سهـ ـل عليا برضوا وآ’خر ما جبت أخري رمـ ـيت عليها اليميـ ـن بالتلاتة، عشان كدا جيبتك هنا النهاردة أفهمك السـ ـبب وِدي عشان مهما كان بينا عِشرة بس حر’ام أنا ضا’ع مِن عُمري سنتين كانوا سو’اد لأجل الأما’نة وأظن أنتَ فاهم الكلام دا كويس.
وفي الحـ ـقيقة كان والدها يشعر بالحر’ج الشـ ـديد أمامه فهو محـ ـقٌ وبشـ ـدة ومِن حـ ـقه فعل أي شيءٍ فلا لو’م عليهِ حتى أنه لَم يجد شيءٍ ليقوله فماذا يجب عليه أن يقول وأبـ ـنته مـ ـخطئة في كل شيءٍ فلَم تتر’ك لهُ شيئًا يقوله يُدا’فع بهِ عنها فقد أغـ ـلقت جميع الأبواب بالمفتا’ح وألـ ـقتهُ بعـ ـيدًا على أملٍ أن يعثر عليها آخرٍ ويقوم بتحـ ـريرها، ولَكِنّ أمام هذه العائلة وهي المخـ ـطئة فمِن الأفضل الأعتذار والذهاب في صمتٍ والرأ’س منتكـ ـسة للأسفـ ـل.
حاول جمع شتا’ته فهو وضع نفسه مكانه ورأى أن الأمر صـ ـعبٌ عليهِ فكيف يحتـ ـمل العيـ ـش مع امرأة ترفـ ـض قُربه؟ الأمر أشبه بنصـ ـل سـ ـكينٍ حا’د ووضع على نحـ ـره للإستعداد لإنها’ء حياته، وفي ظل هذا كله نظر إليهِ وقد أبتـ ـلع غصته بتروٍ وهو يشعر بالكلمات تهرُ’ب مِن فمهِ ليحاول النطـ ـق عدة مراتٍ وفي كل مرة كان يعجـ ـز عن التحدث، ولَكِنّ أراد إنها’ء هذا كله فمظهره أمام هذا الشا’ب الذي أضا’ع عامين مِن عمره رفقة أبـ ـنته الطا’ئشة ليس بالشيء الهـ ـين، وبين هذا كله وجد الكلمات تخر’ج مِن فمهِ دون أن يُرتبها دا’خل عـ ـقله وكأنه برمجه على نظا’مٍ معين ليقول بنبرةٍ هادئة معتذرًا بخجـ ـلٍ شـ ـديدٍ:
_أنا بصراحة مكسو’ف أوي مِنك ومش عارف أقولك إيه، حتى مليش عـ ـين أر’فع را’سي قدامك، أنا مش هنكـ ـر وأبر’أها لا أنا بـ ـنتي غـ ـلطانة والغـ ـلط ر’اكبها طبعًا ودا حـ ـقك يا ابـ ـني أنتَ مهمًا كان برضوا نفسك تخلـ ـف وتعـ ـيش حياتك وتتحب، أنا بنـ ـتي مبتشوفش غير نفسها أنا عارف كدا كويس أوي ومش قد مسؤ’ولية زوج وبيت وأنا ياما نصحتها واللهِ يا ابـ ـني قولتلها جوزك أهـ ـم وبيتك أهـ ـم بس هي كانت را’كبة ر’اسها ومنـ ـشفة د’ماغها، الله يسامح صاحبتها هي اللي مشتها وخليتها تخر’ب بيتها بإ’يديها بس هر’جع وأقولك دا نصيب وأنتوا ملكوش نصيب فبعض وأنتَ تستا’هل واحدة أحسن مِن بـ ـنتي تصو’نك وتحافظ عليك وتشيـ ـلك فو’ق را’سها، ربنا يسعدك ويوفقك ويرزقك ببـ ـنت الحلا’ل وحـ ـقك عليا أنتَ شا’ب زي الورد مليون واحدة تتمناك وأنا اللي بقولهالك … أنا بـ ـنتي هـ ـبلة وهييجي عليها وقت هتند’م فيه وتعُـ ـض صوابعها مِن الند’م عشان ضـ ـيّعتك مِن إيديها، تُشكر يا ابـ ـن الأصو’ل إنك ممشيتها’ش فالوقت دا لوحدها طول عُمري بقول عليكم رجا’لة وولا’د أصو’ل، بالإذن.
أنهـ ـى حديثه ونهض راحلًا بعدما أخر’ج ما بداخل جبعته دون أيا ترتيباتٍ، رحل منتـ ـكس الرأ’س والخجـ ـل يتأ’كله بسـ ـبب أفعا’ل أبـ ـنته فبالرغم مِن كل شيءٍ ظلوا يُعاملوها بودٍ وطيبة وما فعلته هو ما يجعل المرء ينكُـ ـس ر’أسه خجـ ـلًا، شكرهم جميعًا وأخذ أبـ ـنته ور’حل أسفـ ـل نظراتهم جميعًا مِن بينهم “زيـنات” التي قد جُـ ـنّ جـ ـنونها مع ر’حيل “تماسي” لتلتفت نحو باب المكتب القابع بهِ “مـحمود” وهي تنتو’ي على تو’بيخه وإلقا’ء كلماتها اللاذ’عة على مسا’معهِ ليوقفها صوت “عـماد” الذي قال بنبرةٍ حا’دة بعدما عَلِمَ ما تنتو’ي هي عليهِ:
_وأيمـ ـنات المسـ ـلمين يا “زيـنات” لو فكرتي تكلميه ولا تز’عقي فيه ولا تقوليله كلمة كدا ولا كدا قسمًا برب السماوات والأرض لأكون را’مي عليكِ يميـ ـن الطلا’ق وهخليكِ تحصـ ـلي حبيبة قلبك سامعة ولا لا؟.
ألتفتت تنظر إليهِ بصد’مةٍ جـ ـلية وهي لا تُصدق ما تلقـ ـطه أذنيها لتجيبه هي بعد’م تصديق حينما قالت:
_أنتَ بتهـ ـددني يا “عـماد”؟.
_آه بهـ ـددك يا “زيـنات” واللي عندي قولته لو عايزة تحصـ ـليها أتفضلي روحي أرز’عي أبـ ـنك الكلمتين عشان تجيبي أجـ ـله وتر’تاحي، أنا حـ ـقيقي تـ ـعبت مِنك وبما إن أبـ ـنك الحمد لله ربنا نوَّ’ر بصير’ته وطلـ ـق المحروسة أعتبري دا بقى إنذ’ار ليكِ عشان شكلك كدا هتخليني أعملها قريب وأطـ ـلقك أنتِ كمان وأر’تاح.
أنهـ ـى “عـماد” حديثه وهو ينظر لها نظراتٍ مشمـ ـئزة ثم تر’كها وذهب إلى و’لده أتبعه “عـامر” كي يوا’سي أخيه الصغير تا’ركان “زيـنات” تنظر في أ’ثرهما بذ’هولٍ بعدما صد’مها “عـماد” بما ينتو’ي عليه لتبدأ تستشعر الخطـ ـر الذي يحو’مها مِمَّ يُفكر بهِ زوجها.
________________________
<“في قاموس الأحباء النظرة الشاردة لشخصٍ ما تكون عشـ ـقًا.”>
في كل نها’ية تكون بداية لحياةٍ جديدة وفي كل نها’ية قصة حُبّ تمو’ت ويحـ ـيا بدلًا عنها قصة عشـ ـقٍ وهيا’مٍ يمحـ ـيان القصة القد’يمة بالممـ ـحاة بكل سهولةٍ وترحا’ب، وهكذا كانت هي حينما وجدته بعد أن كانت ضا’ئعة في علا’قةٍ كانت أشبه بالسجـ ـون المظـ ـلمة في ليلةٍ شتوية قا’رصة، كان كطاقة النو’ر في ظلـ ـمة الأ’لم الشـ ـديد ليكون الدواء مِن بعد الد’اء ويقوم هو بأبسط الأفعا’ل أن يجعل هذه الجر’وح تلـ ـتئم بكل سهولةٍ ويُسر..
كانت في السوق كعادتها تبتاع أغراض المنزل بعدما أخبرت زوجها ضـ ـرورة شراء تلك الأغراض في الوقت الحالي ليوافق هو بعد القليل مِن الشـ ـد والجـ ـذب حتى يجعلها تخضـ ـع إليهِ ويبتاعهم هو حينما يعود ولَكِنّ لشـ ـدة إحتياجها لهم تر’كها تذهب متفقًا معها على شـ ـرطٍ واحدٍ أن تُجيبه سر’يعًا حينما يُهاتفها، وقفت تبتاع الخضروات وقد بدأ الأر’هاق يكـ ـسو معالم وجهها لتأخذهم مِن البائع وتذهب بجسـ ـدٍ يكـ ـسوه التعـ ـب فقد شعرت ببعض التعـ ـب وخصيصًا أنها في شهرها السادس وقد بدأ الأمر يتجه معها نحو الطُرُقات الصـ ـعبة..
توقفت فجأ’ة بجوار متجر عصير وهي تشعر أنها لا تقد’ر على إكمال السير ولا تقد’ر حتى على وضع الحقائب على الأر’ضية، وقد رآها صاحب هذا المتجر حينما لمـ ـح طيفها ورأى أنها متعـ ـبة ولذلك خرج لها حا’ملًا مقعدًا واضعًا إياه على مقدمة المتجر بجوارها قائلًا بتهذ’بٍ:
_أتفضلي أرتا’حي شكلك تـ ـعبانة.
أنهـ ـى حديثه وأخذ الحقائب مِنها وضعها أر’ضًا لتجلس هي بحذ’رٍ على المقعد وهي تتأ’لم ليضع الحقائب بجوارها أر’ضًا ثم نظر إليها مِن جديد وقال متسائلًا:
_أنتِ كويسه يا مدام؟ حاسة بإيه طيب؟.
_أنا كويسة مفيش حاجة شوية تـ ـعب وهيروحوا.
هذا كل ما نطـ ـقت بهِ بنبرةٍ و’اهنة ليشعر عكـ ـس ذلك تمامًا ولذلك قال مِن جديد:
_ثواني هجيبلك كوباية عصير قصب وأجيلك.
تر’كها وولج إلى متجره مِن جديد حتى يُعد لها كوب العصير، فيما كانت هي تشعر بالأ’لم يز’داد أكثر خصيصًا بعد تحذ’يرات الطبيبة في زيارتها الأ’خيرة لها بعد’م بذ’ل مجهو’داتٍ كثيرة في أعمال المنزل ولَكِنّ ماذا عليها أن تفعل فقد تجا’هلت حديث الطبيبة وكأنها لَم تستمع إليهِ وعادت تفعل أعمال المنزل دون أن تكترث لشيءٍ حتى دا’همها التـ ـعب مرةٍ أخرى..
عاد الر’جُل مِن جديد ومعهُ كوب العصير الذي مـ ـدّ يدهُ بهِ إليها قائلًا بنبرةٍ هادئة مهذ’بة:
_أتفضلي أشربي العصير ممكن يكون عندك نقـ ـص سكريات.
أخذتهُ مِنهُ بعدما شكرته لتبدأ ترتشف القـ ـليل مِنهُ وهي تشعر أنها بحاجة زوجها لها في هذه الحا’لة التي دا’همتها وأصا’بتها دون سا’بق إنذ’ار، فيما نظر لها صاحب المتجر بتمعـ ـن قليلًا يُحاول تذكر أين رآها مِن قبل فهو يشعر أنهُ رآها ولَكِنّ لا يتذكر جيدًا زوجة مَن تكون ولذلك با’در وسألها مستفسرًا حينما قال:
_أنا حا’سس إني شوفت حضرتك قبل كدا بس مش متذكر أوي، هو حضرتك مرات مين؟.
نظرت إليهِ بعدما تلقت سؤاله المبا’غت ذاك لتُجيبه بنبرةٍ هادئة دون أن تهـ ـتم لهذا السـ ـبب الذي يسأل لأجله قائلة:
_”رمـزي إبراهيم”.
_الشيخ “رمـزي” إمام المسجد؟ يا ألف نها’ر أبيـ ـض واللهِ دا الشيخ “رمـزي” دا ليه جمايل عليا كتير أوي كتر ألف خيره ياما ساعدني بصراحة را’جل محترم عُمري ما شوفت مِنُه حاجة و’حشة ورا’جل حـ ـقاني مش بقول كدا واللهِ عشان أنتِ موجودة بس دي كلمة حق هتحاسـ ـب عليها.
أبتسمت “تـسنيم” بعدما أستمعت هذا الحديث يُقال في حـ ـق زوجها مِن ر’جُلٍ غريبٍ عنها وقد شعرت بالفخـ ـر لكونها زوجته، وقبل أن تُجيبه سَمِعَت رنين هاتفها يعـ ـلو داخل حقيبتها لتستسـ ـمحه قبل أن تُجيب على زوجها الذي كان يطمـ ـئن عليها مثلما فعل في المرتين السابقتين ليكون جوابها مختـ ـلفًا هذه المرة حينما قالت بنبرةٍ يظهر بها تـ ـعبها:
_لا المرة دي مش كويسة يا “رمـزي” تـ ـعبت فجأ’ة ومش قا’درة أتحرك ومش عارفة أعمل إيه أنا فالسوق لوحدي ومعايا شنط كتير أوي، لا عند محل عصير قصب الرا’جل صاحب المحل كتر خيره كارمني وساعدني، على مهـ ـلك يا “رمـزي” عشان الطريق أنا كويسة أهو بس محتاجاك، توصل بالسلامة يا حبيبي ربنا يكفيك شر الطريق، لا إله إلا الله.
أنهـ ـت حديثها معهُ وأغـ ـلقت المكالمة وهي تنظر في نقـ ـطةٍ فا’رغة شاردةً وقد عادت ترتشف العصير مِن جديد تنتظر قدوم زوجها إليها مثلما أخبرها، وقد أستغر’ق قدومه خمس عشرة دقيقة حتى أصبح معها مطمـ ـئنًا عليها بنفسه لتطـ ـمئنه هي كذلك حينما نظرت إليهِ وقالت:
_أنا كويسة الحمد لله أحسن بكتير متخا’فش.
ضمها هو إلى أحضانه ولثم رأسها بقْبّلة حنونة دون أن يُعيـ ـر للجميع أيا أهمية ليلتفت إلى “أسـ ـمر” الذي حضر للتو بُنا’ءًا على طلب “رمـزي” لهُ ليُشير إليهِ بعدما ربت على كتفه قائلًا:
_معلش يا “أسـ ـمر” هتعـ ـبك معايا أنا عارف تاخد بس الشنط دي توديها لمد’خل العمارة وتسيبهم وأنا هاخدهم بعدها وأطـ ـلع بيهم.
_عيني يا حبيبي طلباتك أوا’مر.
أبتسم لهُ “رمـزي” وربت على كتفه مِن جديد ليقول بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_تسلملي عيو’نك يا “أسـمر”، الواحد مش عارف مِن غيرك كنا هنعمل إيه، ومتقـ ـلقش أتعا’بك محفو’ظة.
مازحه كما كان معتادًا ليبتسم لهُ “أسـ ـمر” ويقوم بحمـ ـل جميع الحقائب والتوجه بها نحو المنزل، فيما ألتفـ ـت هو مِن جديد إلى زوجته ليرى صاحب المتجر أمامه ليبتسم لهُ قائلًا:
_”سـلامة” عا’ش مِن شافك يا را’جل.
أبتسم هذا المدعو “سـلامة” إليهِ ور’فع ذراعه يُحـ ـييه في حركةٍ شـ ـعبية معروفة لدى المصريين قائلًا:
_نوَّ’رت المكان كله واللهِ يا شيخنا خطوة عزيزة.
_منوَّ’ر بأهله يا “سـلامة” ربنا يرزقك ويكرمك إن شاء الله … تسلم على وقفتك جنب المدام ابـ ـن أصو’ل.
أبتسم إليهِ “سـلامة” وقد أجابه بقـ ـلة حيـ ـلة يردّ عليهِ قائلًا:
_بتشكرني على إيه بس دا واجبي يا شيخنا أهم حاجة إنها كويسة ربنا يقو’مها بالسلامة ويرزقكم بالذ’رية الصا’لحة تستا’هل كل خير واللهِ.
وبعد العديد مِن عبارات الشكر بعد أن رفـ ـض “سـلامة” أخذ ثمن كوب العصير وتقدير “رمـزي” الكبير إليهِ ها هو الآن يأخذ زوجته ويعود بها إلى المنزل ممسـ ـكًا بكفها ومحاوطًا إياها بذراعه ليقول بنبرةٍ معا’تبة:
_ينفع كدا يعني؟ شوفتي آ’خر العنا’د وصلنا لأيه؟ أنا جاي بجـ ـري وخا’يف عليكِ خصوصًا بعد ما الدكتورة حذ’رتك كذا مرة إنك متعمليش مجهو’د كتير بس هقول إيه بقى، غا’وية تتـ ـعبيني معاكِ هنا وهناك وتضـ ـيعي الصحة اللي حيـ ـلتي أصلي لاقيها فكيس شيبسي أنا.
نظرت إليهِ هي بطر’ف عينها بعدما أحتـ ـل الوجو’م وجهها لتقول بنبرةٍ يظهر بها الضيـ ـق الشـ ـديد:
_قصدك إيه بقى يا “رمـزي” بالكلام دا؟ قصدك إني مُـ ـتعبة ومش مر’يحاك يعني مش كدا؟
نظر لها مستنكرًا حديثها ليقول مدا’فعًا عن نفسه:
_أنا مقولتش كدا على فكرة، بقولك إيه يا سـ ـت أنتِ هتقوليني كلام أنا مقولتهوش ليه دلوقتي.
_بس معنى كلامك كدا يا أستاذ يا فضيل، إنكـ ـر بقى وزو’قلي فالكلام حلو عشان تهر’ب مِن اللي قولته.
أبتسم هو في هذه اللحظة بسمةٌ عا’بثة كنظراته التي صُوِ’بَت نحوها فجأ’ةً ليقول بنبرةٍ خـ ـبيثة:
_بصراحة بقى ولأجل المصداقية أنا قا’صدها، عشان لمَ أجي أصا’لح أصا’لح على مزاج.
نظرت إليهِ لترى نظراته الما’كرة مصو’بةٌ تجاهها لتعلم سر’يعًا نوا’ياه السو’د’اء الكا’منة خـ ـلف قنا’ع البـ ـراءةِ ذاك لتضـ ـربه برفقٍ بمر’فقها في معد’ته قائلة:
_قول كدا بقى، ظهرت نو’اياك يا شيخ يا محترم يا قد’وة.
_لأجل الأ’مانة أنا محترم مع الكل بس معاكِ أنتِ لا.
ترى الآن شخصيةٌ و’قحة أمامها لا تمـ ـث بهذا الخلو’ق الذي أعتادت عليهِ بصلةٍ ير’ميها بنظراتٍ خبيـ ـثة وهُناك بسمةٌ عا’بثة ترتسم على ثغره لتُيـ ـقن أن ثمة أحدٌ قام ببر’مجته في غضون لحظاتٍ ليُصبح بهذه الوقا’حة أمامها الآن..
وصلا سويًا إلى المنزل وقد تر’كها في شقتهما وذهب مِن جديد بعدما أجلسها على الأريكة وأ’مرها بعد’م التحرك حين عودته، أخذ الحقائب البلا’ستيكية وقد خر’ج يقف على مقد’مة البِنْاية ينظر حوله ييحث عن “أسـ ـمر” بعدما تر’ك الأغراض مثلما أخبره ور’حل ليزفـ ـر هو بهدوءٍ ويقول بقلـ ـة حيـ ـلة:
_كُنْت ناوي أشكرك، يلا مش مشـ ـكلة لمَ أشوفك تاني بقى.
أنهـ ـى حديثه وصعـ ـد مِن جديد إلى شقته ومِنها إلى المطبخ واضعًا الأغراض على الرخا’مية ليصدح صوته عا’ليًا يُحذ’رها مِن النهوض قائلًا:
_عالله تقومي ولا تعملي حاجة فالشقة يا “تـسنيم” هتشوفي معايا يوم أسو’د.
أتاه صوتها حينما ضحكت على حديثه وتحذ’يراته لها لتعاود الجلوس مِن جديد بيأ’سٍ شـ ـديد قائلة:
_نفسي أعرف بتعرف منين بجد، وبعدين مين غيري هيعمل كل دا الشقة محتاجة تترو’ق والأكل محتاج يتعمل والغسيل محتاج بتنشـ ـر قولي أعمل إيه بقى أفضل قعدة وكل حاجة هتتعمل مِن تلقـ ـاء نفسها؟.
زفـ ـر بهدوءٍ وأبتسم بسمةٌ هادئة وقال بنبرةٍ هادئة:
_لا يا حبيبتي أنا موجود واللهِ لسه عا’يش ممو’تش يعني اللي عايزة تعمليه قولي عليه لَكِنّ جَـ ـو ور’وح سـ ـت البيت اللي جوا’كِ دي تنسيها النهاردة بدل ما أتصل بالدكتورة أقولها على كل حاجة.
حسنًا لقد لجـ ـأ لتهـ ـديداته مِن جديد حتى تتر’اجع هي عمَّ كانت تنتو’ي فعله خو’فًا مِن تهـ ـديداته التي يكمُن خـ ـلفها وجهه الآ’خر حينما يتخـ ـلىٰ عن هذا المهذ’ب الهادئ ويُريها هذا الخبيـ ـث الما’كر، أما عنهُ فقد عَلِمَ أنها خضـ ـعت إليهِ ليلتفـ ـت برأسه ينظر إلى الخا’رج ليراها تجلس بتهذ’بٍ وكأنها فتا’ةٌ صغيرة بر’يئة لا تفتـ ـعل المشكـ ـلات لتعلـ ـو بسمته الهادئة تزين ثغره ليبدأ بإفر’اغ الخضروات واللحو’م مِن الحقائب إلى الصحون البلا’ستيكية المخصصة لها يُطـ ـبق تمامًا ما تفعله هي..
فعل كل شيءٍ في غضون دقائق معدودة وخرج لها ليبدأ مهمّـ ـته الجديدة وتنظيـ ـف المنزل دون أن يجعلها تنهض أو تساعده في شيءٍ ليُشير لها قائلًا:
_أقسم بالله ما هتعملي أي حاجة فالشقة النهاردة مش شايفة نفسك تـ ـعبانة أزاي عايزة تجهـ ـدي نفسك أكتر يعني ولا إيه؟ أنا اللي هعمل كل حاجة والنهاردة الأكل أنا اللي هعمله، شوفي بقى قد إيه أنا نَفَـ ـسي فالأكل حلو يمكن ممكن بعد كدا متقد’ريش تقا’ومي أكلي ونَفَـ ـسي فيه.
ر’فعت رأسها تنظر إليهِ تراه يبدأ في تنظـ ـيف المنزل بعدما نز’ع سترته الثقـ ـيلة الكحـ ـيلة، أبتسمت إليهِ وأجابته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_وماله لمَ تعملي على الأ’قل هيكون حلو زيك، طب بقولك إيه أنا نفـ ـسي رايحة على حمص الشام أوي ما تعملهولي.
ألتفت إليها ينظر لها مبتسم الوجه ليُجاوبها بنبرةٍ هادئة حنونة قائلًا:
_يا عمنا طلباتك أو’امر مُجا’بة، أعتبريه أتعمل خلاص أستني بس عليا أخلـ ـص الليلة دي ونعمله فالآ’خر ونقعد تحـ ـت البطانية فالصالة ونعيـ ـش بقى وأقولك على حاجة كمان أنا مش رايح الشغل بكرا إن شاء الله عن ما حد حَوّ’ش … بس طبعًا هنز’ل أأذن وأأ’م بالناس دي مفيهاش كلام بقى.
_أكيد طبعًا، بس أنا برضوا موجودة عشان لو أحتاجت مساعدة يعني.
ر’مقها نظرةٍ ذات معنى بطر’ف عينه دون أن يتحدث لتبتسم هي مِن جديد قائلة:
_بهزر معاك خلاص بلاش النظرات دي متبقاش قفو’ش أوي كدا.
تر’كته يبدأ عمله فيما كانت هي ترشده طوال الوقت أين يضع الأغراض وماذا يفعل وغيره وكان هو مُرحبًا بتعليماتها يُلـ ـبيها بصد’رٍ رحب والأبتسامة تزين ثغره حتى أنهـ ـى جميع الأعمال المنزلية وكذلك أنهـ ـى طهو الطعام ليبدأ في إعداد المشروب الشتوي الشهير _حمص الشام_ بمساعدتها حيثُ جلست على أحد مقاعد الطاولة تقوم بتقطـ ـيع الطماطم وهو يجاورها ويقوم بتقطـ ـيع البصل وبين الحين والآخر يقوم بغـ ـلق عينه بسـ ـبب مياه البصل الحا’مية التي تجعل العيون تزر’ف الدموع دون توقف..
شاركها أعمالها اليومية وكانت هي مُرحبةٌ بهِ وبشـ ـدة يتحدثان سويًا ويضحكان بين الفينة والأخرى، كانت ترشده ماذا يفعل أولًا وكان هو ير’مقها نظراتٍ يظهر بها ضـ ـيقه وكأنه لا يفهم شيئًا في إعداد الطعام، وضع بعض لمسا’ته الخاصة في طهوه كي يكون طعمه حلوٌ عن الطعم الذي أعتادت هي عليهِ، وبعد مرور السويعات وحلول الليل جلسا يجاوران بعضهما البعض والغطاء الثقيـ ـل يلـ ـتف حولهما بعدما أطـ ـمئن “رمـزي” على صغيرته التي خلدت إلى النوم يشربانه سويًا وهو سا’خنٌ لتستطعم “تـسنيم” طعمه الحلو الذي نال إعجابها بشـ ـدة لتنظر إلى “رمـزي” بإعجابٍ تمدح فيه قائلة:
_الله يا “رمـزي”، الحمص طعمه تُحفة، عجبني أوي تسلم إيدك يا حبيبي أنا تـ ـعبتك أوي النهاردة.
نظر إليها بطرف عينه قليلًا ثم أبتسم بسمةٌ حنونة وقال:
_أولًا مبسوط إنه عجبك أوي وبالهنا على قـ ـلبك، ثانيًا بقى تـ ـعبك راحة أنا معملتش حاجة وأكيد مش هتبقي تـ ـعبانة كدا وهخليكِ تقومي تشتغلي فالبيت أبقى معنديش د’م بأ’مانة، أهـ ـم حاجة مبسوطة كدا دلعتك أهو وعملتلك حمص الشام والدنيا فُل أهي.
حركت رأسها بسعادةٍ وهي تنظر إليهِ مبتسمة الوجه لتقول بنبرةٍ سعيدة:
_مبسوطة أوي، ربنا يباركلِ فيك يا حبيبي.
أبتسم لها وقد ر’ماها بنظرة عاشـ ـق تجـ ـرع مِن الحُبّ ما يكفيه ليرى نفسه بين ليلةٍ وضـ ـحاها عاشـ ـقٍ أُصيـ ـب بسحـ ـر حبيبته تا’ركًا الدواء الذي يُعا’لج الد’اء محتضنًا إياه بسعادةٍ وكأنه كان يبحث عنهُ سنواتٍ عديدة كالضا’ل الذي يبحث عن نقـ ـطة الخر’وج مِن الصحراء الكبيرة الو’اسعة، ضمها إلى د’فئ أحضانه مبتسمًا لتولج هي سر’يعًا إلى أحضانه بسعادةٍ ويُسر تنعـ ـم بتلك اللحظات الجميلة برفقتهِ واضعةً رأسها على صدره لتبدأ بسماع نبـ ـضات قلبه المنتظـ ـمة والهادئة لتعلـ ـو الأبتسامة الهادئة ثغرها لتبدأ بإغلا’ق أعينها متلذ‘ذةً بهذا الشعو’ر اللطيـ ـف.
__________________________
<“لا شيء يُحر’ك المرء دومًا سوى عو’اطفه.”>
عواطف المرء هي الد’افع الأكبر لأفعا’له تجاه أي شيءٍ يحدث إليهِ ويؤ’ذيه، القرارات التي يتخذها تكون في لحظة غضـ ـبٍ وحينما يجلس وحـ ـيدًا في الليل وبعد إنتها’ء اليوم يرى نفسه مر’تكبًا خطًـ ـأ فا’دحًا وكأنه تم إمسا’كه بالجُر’م المشهو’د للتو ويبدأ تأ’نيب الضمير يلعب دورًا كبيرًا في ذلك، ولَكِنّ عواطفه في الأ’خير هي مَن تُسيـ ـطر عليهِ وهي مَن تُحر’كه لا شـ ـك في ذلك ففي النها’ية يصفح عن الصفحة المليـ ـئة بالحبـ ـر الأسو’د الذي لطـ ـخها ويبدأ مِن جديد في صفحةٍ نا’صعة البيا’ض..
حاول إمتصا’ص غضـ ـبها حينما أخبرها بما حد’ث ليرى نفسه يفشـ ـل في تهـ ـدأتها مثلما أعتاد في بعض المواقف حينما أبتعـ ـدت عنهُ غا’ضبة تقول بنبرةٍ منفـ ـعلة:
_إيه اللي أنتَ بتقوله دا يا “يـوسف” هو دا طبيعي يعني؟ أزاي بجد تخـ ـطيت كل اللي حصل وأزاي نسيت وأزاي سا’محت بجد أنا مش قا’درة أصدقك!.
حاول معها مِن جديدٍ حينما أقترب مِنها وحاوط كتفيها قائلًا بنبرةٍ هادئة يُحاول إيضاح الأمور لها:
_يا “بيلا” يا حبيبة قلبي أفهميني بس بدون عصـ ـبية، أنا عارف إنك متعـ ـصبة ومش عاجبك الو’ضع ولا اللي عملته بس فالأول هي مهما عملت أسمها أختي الكبيرة وليها فضل عليا مِن زمان دي حاجة أنا مقد’رش أنساها وبعدين لو فكرنا شوية بالعقـ ـل منين هي أنقـ ـذتني أنا و “مـها” زمان ومنين جايه دلوقتي تعمل عد’اوة بيني وبينها وتمو’تني طب ما كانت عملت كدا مِن الأول … وغير كل دا أنا مؤ’خرًا عرفت إنها فصـ ـفنا أصلًا وهما اللي زار’عينها وسطـ ـهم عشان تنقـ ـلهم أخبارهم هي زيها زينا بس للأسف هي تحـ ـت حكـ ـمهم يعني عشان تخلـ ـص لازم هما يخلـ ـصوا الأول زي “ليان” بالظبط، وبعدين أنا مش سهـ ـل حد يضحك عليا أنا شوفت بعنيا صد’قها دا حتى منظرها وهي بتعيط قدامي وخا’يفة أ’ثروا فيا أنا شخصيًا ومش هكد’ب فحاجة زي دي، هي كانت عارفة هي بتعمل إيه كويس وهما لعبوها صح معاهم عشان يبينوا إن في عد’اوة عشان “مـاري” تطـ ـمن وتمشي اللعبة صح، “كين” أ’كدّلي على كلامها وطـ ـمني يعني أنا إحسا’سي صح، أ’مان صدقيني أنا عارف أنا بقولك إيه.
يبدو أن أحدهم أستطاع أمتصا’ص غضـ ـبها الآن وتهـ ـدأتها مِن جديد، لانت معالم وجهها شيئًا فشيء وهي تستمع إليهِ وكأنه مغنا’طيسًا يجذ’بها إليهِ بأسلوبه جا’برًا إياها أن تخـ ـضع إليهِ وتستمعُ لهُ دون أن تعا’رضه، خبا’يا أخرى ظهرت لا أحد يعلم عنها شيءٌ تكون سـ ـر إنتصا’رهم وتحـ ـريرهم مِن ذلك الضلـ ـع السا’م الذي يُمـ ـسك بهم أبيًا تر’كهم إلا أن ينا’لهم سُـ ـمه، زفـ ـرت بهدوءٍ وأغمضت عينيها تُحاول تهـ ـدأة نفسها لتشعر بهِ يضمها إلى د’فئ أحضانه دون أن يتحدث ممسّدًا على ظهرها برفقٍ لتنـ ـعم هي بهذا الهدوء قليلًا..
دقائق مرّت عليهم وهما سا’كنان هكذا حتى صدح رنين هاتف “يـوسف” عا’ليًا يُعلنهُ عن أتصالٍ هاتفي مِن “مـؤمن”، أخذه وأجابه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_وعليكم السلام ورحمة الله مش تسأل يا’ض ولا أنتَ شـ ـريان الند’الة عندك مبيوقفش ند’الة؟ وهو أنا اللي لازم أسأل على طول يا حـ ـيلة أُ’مّك ما أخوك ٢٤ ساعة بيكلمني دا مش ناقـ ـص غير إنه ييجي يبات فحضني.
أتاه حينها صوته الذي كان باديًا عليهِ الإر’هاق حينما زفـ ـر مطولًا وقال:
_أقولك إيه بس يا “يـوسف” الشغل على د’ماغي مبيخـ ـلصش مبلحقش قسمًا بالله أر’تاح حتى الوقت اللي كُنْت بقـ ـضيه مع مراتي والعيال مبقاش موجود كله شغل، بس الحمد لله على كل حال يعني نصيبنا … المهم أنتَ متعرفش عن “جـاد” حاجة مرجعش لحد دلوقتي كان قايلي إنه رايحلك الحارة؟.
تعجب “يـوسف” حينها ليعقد ما بين حاجبيه وهو يستمع إلى حديثه ليجاوبه جا’هلًا الأمر حينما قال:
_لا واللهِ يا “مـؤمن” معرفش هو فعلًا جه بس مطـ ـلعليش “مُـنصف” شافه وأتصل بيا قالي إنه شكله مش طبيعي وفي حاجة وقتها بيني وبينك كُنْت مع أهل مراتي في عريس كان متقدم لأختها فمعرفتش غير بعدها هو عرف بالموضوع مشي على طول … بقولك إيه هو مبيتكلمش معاك ولا بيفا’تحك فحاجة؟ يعني مبيقولكش مثلًا إن في حدّ فحياته أو أي حاجة؟.
هذه المرة تعجب “مـؤمن” كثيرًا مِن حديث ابن عمه ليجاوبه حينها بجـ ـهلٍ قائلًا:
_غر’يبة دي، “جـاد” أساسًا مبيكلمنيش عن حاجة ليها علا’قة بيه ولو كلمني بيبقى عالهامش كدا يا إما كلامه كله بالألغا’ز، آخر فترة حا’سس إنه متغيـ ـر وعمال يخـ ـطط لكذا حاجة ويسـ ـهر بليل وهو مش مِن عوايده السهر كدا يعني، هو متغيَّـ ـر فالفترة الأ’خيرة وقال إنه عايز يفا’تحنا فقرار خده بس مقالش إيه هو.
حسنًا لقد تأ’كدت ظنونه الآن وعَلِمَ كل شيءٍ ولذلك زفـ ـر بعمـ ـقٍ وأجابه قائلًا:
_طب لو جه خليه يردّ عليا يا “مـؤمن” بالله عليك محتاج أتكلم معاه يا إما يجيلي بكرا المهم تقوله ضـ ـروري، وسلملي على الحبايب اللي عندك ومِنهم “مـحمود” عشان بقى حبيبي خلاص.
_آه صحيح أنتَ متعرفش اللي حصل، مش “مـحمود” طـ ـلق مراته.
تفا’جئ “يـوسف”؟ بل صُدِ’مَ حينما تلقى هذا الخبـ ـر الصاد’م مِن ابن عمه الذي د’اهمه وأخبره بما جعل عـ ـقله يطـ ـير مِن الصد’مة ليقول بأستنكارٍ:
_نعم؟! أمتى وأزاي إيه اللي حصل؟!
عقدت “بيلا” ما بين حاجبيها وأبتعـ ـدت قليلًا تر’فع رأ’سها تنظر إلى زوجها الذي كان يستمع إلى ابن عمه، فيما بدأ “مـؤمن” يقـ ـص عليهِ ما حد’ث بالكامل دون أن يخـ ـفي عنهُ شيئًا ليأتي قول “يـوسف” حينما قال أسفـ ـل تأ’ثير الصد’مة:
_لا أنتَ أكيد بتهزر يا “مـؤمن”، لا حول ولا قوة إلا بالله، طب هو عامل إيه دلوقتي كويس ولا إيه النظام طمني عليه.
_حالته وحـ ـشة أوي يا “چـو” وقا’فل على نفسه، بيني وبينك مرات عمي زو’دت عليه أكتر أنا ز’علت عليه أوي واللهِ “مـحمود” طيب وغـ ـلبان بس حظه فالجواز مكانش أحسن حال وبصراحة مكانتش تُعتبر جوازة يعني، بس هنقول إيه ربنا يصلـ ـحلها حالها وهو ربنا يعوضه ويرزقه ببـ ـنت الحلا’ل اللي تعوضه بجد.
زفـ ـر “يـوسف” وقد شعر بالضيـ ـق بعدما تلقى هذا الخبـ ـر الصا’دم فهو يعلم جيدًا ابن عمه وقد رأى طيبته تلك ونقا’ء قلبه بأ’م عينه ولذلك هذا ما جعله يحز’ن كثيرًا عليهِ، أنهـ ـى مكالمته معهُ أسفـ ـل نظرات “بيلا” لهُ والتي كانت تتابعه متر’قبةً ما سيقوله فكان حديثه مليـ ـئًا بالألغا’ز بالنسبةِ لها بعدما فشـ ـلت في سماع حديث “مـؤمن”، أبتعـ ـد عنها وجلس على طر’ف الفراش قائلًا بنبرةٍ يظهر بها الضـ ـيق:
_”مـحمود” ابن عمي طـ ـلق مراته بدون ر’جعة، ر’مى اليميـ ـن بالتلاتة.
صُدِ’مَت هي أيضًا بعدما أستمعت إلى حديثه ذاك لتجلس بجواره قائلة بنبرةٍ مصد’ومة:
_أزاي؟ إيه اللي حصل خلاه ير’مي اليميـ ـن بالتلاتة؟.
بدأ يقـ ـص عليها ما قاله إليه ابن عمه وكانت هي الطر’ف المستمع في هذه اللحظة حتى أنهـ ـى حديثه مخـ ـتتمًا إياه بما يشعر بهِ قائلًا:
_وأدي “جـاد” لسه مروحش لحد دلوقتي ومحدش عارف يوصله، أنا شا’كك بس مش عايز أقنـ ـع نفسي بالحاجات دي بس أفعا’له كانت بتشـ ـككني فيه غصـ ـب عنّي لحد ما أتأ’كدت النهاردة، “جـاد” بيحب “كايلا” يا “بيلا” أنا عارف يمكن مكانش عايز يقول لحد ما يتأ’كد مِن مشاعره بس حظه جه وقت ما العريس موجود حتى مطلـ ـعش ولا كلمني قالي أنا جيت جه ومشي مِن سُـ ـكات.
أعتدلت “بيلا” في جلستها وهي تنظر في نقـ ـطةٍ فا’رغة أمامها قائلة:
_مين سمعك، النهاردة حسيت إنها مش قا’بلة العريس رغم إنه ميتر’فضش، حسيتها متلغـ ـبطة ومش عايزاه بس مش عارفة تقول وقتها شـ ـكيت قولت يمكن في حدّ فحياتها وهي مكسو’فة تتكلم حتى “نـادر” لا’حظ عليها وجه قالي … هنعمل إيه طيب، أنتَ شايف إيه يا “يـوسف”؟.
نظر لها بعد أن أنهـ ـت حديثها بثوانٍ قصيرة وقال متسائلًا:
_عايزة تعرفي رأيي إيه؟.
حركت رأسها برفقٍ تؤ’كد على حديثه لتتلقـ ـى الإجابة حينما قال هو:
_ترفـ ـض العريس، مش عشان خاطر “جـاد” عشان خاطر هو عمل حركة شـ ـككتني فيه و “أكرم” لاحـ ـظها فالقعدة، رغم إنه فتـ ـى أحلام البنا’ت بس فيه عـ ـرق الخيا’نة، هيخو’نها فيما بعد فنختـ ـصر الطريق أحسن ومنوافقش وواللهِ أنتِ ممكن تقعدي معاها لوحدكم وتكلميها تشوفي في حد فحياتها وخا’يفة تقول ولا إيه النظام ولو بتحبه تقول مش عيـ ـب وأنا متأ’كد مليون فالمية إنه بيحبها وو’اثق إنه كان جاي يكلمني ويفا’تحني فالموضوع، بس الكلام هيكون مع “أكرم” طبعًا بما إنه أخوها الكبير والمسؤ’ول.
شردت تُفكر في حديثه بينها وبين نفسها فيما كان هو ينظر لها دون أن يتحدث، فحديثه صحيحٌ مئة بالمئة لا شـ ـك في ذلك بالتأ’كيد، وبعد دقيقتين مِن الصمت الد’ائم ذاك قطـ ـعته هي حينما نظرت إليهِ عا’زمةً على تنفـ ـيذ ما قاله قائلة:
_تمام أنا هشوف ردّها إيه على العريس الأول، ولو هي ر’فضاه هبدأ أشوف هي عايزة إيه وهاجي أقولك بعدها … أنا إحسا’سي بيقول إنها مِن نصيب “جـاد” في الآخر، بس مش هيحصل حاجة لو أتأ’كدنا.
لحظةٌ تأتي فجأ’ةً كما هبا’ب الريا’ح والعواصف في ليالِ الشتاء البا’ردة تقـ ـطلع ما حولها مسـ ـببةً في الأ’خير الد’مار الشا’مل خـ ـلفها، وهذا ما حد’ث مع هذا الثنائي الذي لا يعرف مصيره حتى الآن في هذه العلا’قة الغير معروفة حتى هذا الوقت.
_القلب يهوىٰ والر’وحُ تميـ ـلُ،
ويبقى الحبيبُ عا’لقًا بينهما.
______________________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى