روايات

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الجزء التاسع والثلاثون

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث البارت التاسع والثلاثون

جعفر البلطجي الجزء الثالث
جعفر البلطجي الجزء الثالث

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الحلقة التاسعة والثلاثون

مُجيبَ السائلين حَمَلتُ ذ’نبي
وسِرتُ على الطريق إلى حِماكَ
ورُحتُ أدقّ بابكَ مستجيراً
ومُعتذراً ومُنتظراً رضاك
دعوتُك يا مفرّج كل كربٍ
ولستَ تردّ مكرو’باً دعَاكَ
وتُبتُ إليك توبةَ من تراهُ
غر’يقاً فى الدموع ولا يراكَ
_نصر الدين طوبار.
_____________________
وما للشتا’تين أن يجتمعا سويًا، ولَكِنّها كانت صدفةٌ وليدة لكلاهما، فآخرٍ ظن أنه غير مرغوبٍ بهِ والسعـ ـي في بناء علا’قته مع جميع عائلتهِ أصبحت معد’ومة، وآخر رفـ ـض أن تكون تلك نها’ية السـ ـعي وقد أتخذ المسا’ر السليم وأختار الطريق الصا’لح وسار على نهـ ـجه وعاد لرشـ ـدهِ واضعًا كفه بكف الآخر يُعطيه أملًا لمستقبلٍ مشرق يُخبره أن السـ ـعي لهُ نها’ية ولا يجب أن يذهب هـ ـبأ دون الوصول إلى غا’ية، أعطاه الشارة الخضـ ـراء وأخبره أنهُ يُريد إكمال السـ ـعي وتو’طيد العلا’قة بينهما ولذلك كان حاضرًا في الحال منتظرًا المُراد، وما كان الآخر سوى أن كان خيرُ رفيقٍ حينما وافق على ما أراد عا’زمًا على إسترداد حـ ـقوقه المبعـ ـثرة بين الجميع متخذًا التسـ ـلُح بالعقـ ـل والحـ ـكمة والرز’انة فدومًا لَم يكُن العلم وحده يتسم بهذه الصفات بل اليوم جاء وأثبت للجميع أن العلم ليس مقياسًا بل هو بدونه أصبح كبيرًا وذكيًا فهذا ما رآه في نفسه وهذا هو إقتنا’عه بما رآه ولا يهُـ ـم بالنسبةِ إليهِ أي شيءٍ آخر..
المكا’فحة والعز’يمة لَم يقـ ـللا مِن شأنهِ بل جعلاه كبيرًا بين الكِبار الطريق لَم يكُن سهلًا عليهِ ولَكِنّ عنا’ده وسـ ـعيه في الكفا’ح وصل أخيرًا إلى ما رأى نفسه بهِ.
<“زارنا ضيفٌ كريمٌ في ديارنا فأكرمناه.”>
كان يجلس مع رفيقهِ يستمع إلى “عامر” الذي كان يتحدث ويُخبرهُ عن ما حدث وشـ ـر والدته وسـ ـعيها في تو’ليد الكر’اهية والغـ ـل بينهما وقد كان الطر’ف الآخر خيرُ مستمعٍ إليه حيثُ كعادته وشخصيته القو’ية، قام بالتـ ـربيت على قدمهِ وهو ينظر إليه مبتسم الوجه قائلًا:
_يا’ض يا “عامر” أنتَ ابن عمي يعني مِن لحـ ـمي ود’مي وفرد مِن أفراد عيلتي اللي كان نفسي أكمل حياتي معاهم لحد ما أبقى را’جل زي ما أنتَ شايف، حتى لو كُنْت سمعت لمرات عمي أنا كُنْت هعاملك حلو وهحاول معاك أنا عُمري ما أذ’يت شخص عزيز عليا كان بينا عيش وملح ما بالك بابن عمي بقى، أنا مبسوط إنك أخترت الطريق الصح وجيتلي مجيتك دي على ر’اسي مِن فو’ق وطالما حبيت تكون واخد صـ ـفي فأوعدك إني عُمري ما أفكر أجي عليك ولا أكون واخدك كو’سيلة أنتـ ـقام … مش أنا ولا هكون، ونوَّ’رتني عودة حميدة يا حبيبي.
شعر “عامر” بالعديد مِن المشاعر المتضا’ربة وقد شعر بالحـ ـرج الشـ ـديد تجاه ابن عمه خصيصًا حينما أخجـ ـله هو في المرةِ السابقة حينما أمـ ـتنع عن الردّ عليه، وما كان عليه الآن سوى أن ينهض ويُعانقهُ عناق الأخوة، عناقٌ فيهِ تسا’محت الأر’واح وتعانقت القلو’ب وتصا’فت النوا’يا السو’د’اء، عناقٌ كان بدايةً للمستقبل ونها’يةً للجميع.
أبتسم “مـحمود” الذي شعر بالسعادة تغمـ ـره والراحة تحو’م حوله ليقول بنبرةٍ مرحة:
_أيوه كدا يا جدعان هي دي الحاجات اللي تفرَّح، بيـ ـلوا الشربات يا جدعان.
نظرا إليه بعدما أبتعـ ـد “عامر” وجلس بجوار ابن عمه الذي عانقهُ وتو’لى الردّ على “محمود” قائلًا بوجهٍ مبتسم:
_الشربات دا هيتوزع كتير الفترة الجاية، خلاص خلصنا مُدة الحُـ ـكم، نحنُ الآن على نظام بر’اءني يا سي باسم أصل القلب بر’يء بس مش ناسي، ليكوا عليا لأمرجح الو’لية البو’مة دي ما أخليها عارفة را’سها مِن ر’جليها إن ما خليتها تقول حـ ـقي بر’قبتي مبقاش ابن الحج “عدنان”.
نظر إليه “عامر” ومعهُ “محمود” إلى “يـوسف” الذي كان ينظر إليهما مبتسم الوجه ليتسأل “عامر” حينما قال:
_هتعمل إيه يعني؟ أوعى تتجـ ـنن وتجـ ـننها معاك.
_متقـ ـلقش، هي مِن ناحية إنها هتتجـ ـنن فهي هتتجـ ـنن فعلًا وهاخد حـ ـقي مِنها وحـ ـق أُمي، شوية وهتشوف الجـ ـنان على إيدي وربنا المعبود لاخلي أيامها سو’دة وحياتها جحيـ ـم، فـ ـككم مِن سيرتها الهـ ـباب دي عشان بتخنـ ـقني وتعالوا أعرفكم على حبايبي ويُعتبروا حياتي بمعنى أصح.
أنهـ ـى “يـوسف” حديثه مبتسم الوجه ليوافقا كلاهما على حديثه ويقوم هو بمهاتفة أصدقاءه والذين هم بمثابة إخوته والعـ ـين التي يرى بها يُخبرهم أن يصعـ ـدوا إليهِ، وبعد مرور القليل مِن الوقت صعدوا إليهِ واحدٍ تلو الآخر ليكون أول الوافدين “مُـنصف” الذي ر’فع يدهِ عا’ليًا يُشير إلى الجالسين مبتسم الوجه قائلًا:
_سلام عليكم يا رجا’لة متجمعين عند النبي إن شاء الله.
ردّوا عليهِ تحية السلام وقد بدأو بالولوج واحدً تلو الآخر حتى ألتز’موا جميعهم أماكنهم وبدأ “يـوسف” بتعريفهم على أولا’د عمه مشيرًا أولًا تجاه “سـراج” قائلًا:
_أعرفكم، “سـراج” أولًا يبقى صاحبي وأكتر مِن صاحب كمان هو يُعتبر أخويا اللي مجا’بتهوش أُمي رجو’لة ومجد’عة ومبيتأخـ ـرش عن حد فحاجة وثانيًا هو جوز أختي وفالحـ ـقيقة يعني قرابة تشَّـ ـرف وأحسن محاسب فيكِ يا عابدين.
أبتسما الأخوين ورحبا بهِ ليأتيهما صوت “يـوسف” الذي أشار نحو “مُـنصف” وقال:
_ودا “مُـنصف” بعون الله معاك حتى لو على خط المو’ت صاحب صاحبه ومجد’عة مِن الآخر لو وا’قع فد’يقة تجـ ـري عليه ومبيتأ’خرش على حد فحاجة وبثق فيه جامـ ـد، وبالمناسبة أحسن مهندس ميكانيكا يعني وا’د تقـ ـيل بمعنى أصح.
يتفاخـ ـر بأصدقائه ويُعظم مِنهم أمام الغرباء قبل الأقرباء وكأنهم ذوات نفو’ذٍ كبيرة، وقد فاق تو’قعاتهم فقد تو’قعوا أن تكون مقابلة سـ ـطحية ولَكِنّ كان لـ “يـوسف” رأيًا آخر في ذلك، أشار بعدها إلى “لؤي” وقال:
_دا بقى “لؤي الدالي” حبيبي ويُعتبر الشخص الوحيد فيهم اللي ممكن يستحـ ـمل جـ ـناني وغضـ ـبي ويبقى على قلبه زي العسل ميشتـ ـكيش ومبيسـ ـبش حد غير وهو مطمن عليه وإنه بقى كويس، “لؤي” بصراحة بعـ ـزه جدًا ولو قعدت معاه على ترابيزة واحدة هيخليك تاكل غصـ ـب عنك لأنه أكيل جدًا ما شاء الله عليه وبالمناسبة أي قضـ ـية محتاجة مُحامي عُقـ ـر زي ما بنقول فالعبد الله أجدع مُحامي فيكِ يا عابدين بيكسب قـ ـضايا وهو مغمـ ـض عادي.
تعا’لت الضحكات الخـ ـفيفة بينهم وهم ينظرون إلى “لؤي” الذي نظر إلى “يـوسف” وقال مبتسمًا:
_ها’ين عليا أقوم أبو’سك واللهِ، أخويا يا عم ويخر’بيت الجد’عنة.
ضحك “يـوسف” على حديثه ونظر إليهِ مبتسم الوجه ليقول:
_وصل يا عمنا.
أكمل بعدها وصلة تعريفه على أصدقائه حينما أشار نحو “حـسن” قائلًا:
_دا بقى “حـسن” كوكتيل مِننا حـ ـمقة “لؤي” تلاقي غبا’وة “مُـنصف” تلاقي لسا’ن طويل وقـ ـلة أد’بي تلاقي أحترام وتدَّ’يُن “رمـزي” تلاقي، ومبيجاملش حد اللي فقـ ـلبه على لسا’نه على طو’ل وأحسن دكتور نفسا’ني والحمد لله إنه دكتور نفسا’ني.
تعا’لت الضحكات على حديث “يـوسف” الذي أبتسم ونظر إلى “حـسن” الذي وجه حديثه إليه حينما قال ضاحكًا:
_أوعا الوا’د الدكتور اللي هيكـ ـشفلنا ببلاش عشان إحنا صحابه.
ومِن جديد تعا’لت الضحكات بينهم ليأتي الردّ مِن “رمـزي” الذي وجه حديثه إليهِ حينما قال ضاحكًا:
_إستغـ ـلال دا خلي بالك أنتَ كنز بالنسبة ليهم جَو الصحوبية والمر’جلة والكلام دا كله يعني مقولكش أنتَ حُـ ـر.
_يا عمي أنتوا حبايبي مش هاخد مِنكم فلوس يعني مِن أمتى بينا الكلام دا.
هكذا كان ردّ “حـسن” على حديث “رمـزي” ليأتي الردّ مِن “محمود” هذه المرة والذي قال ممازحًا إياه:
_طب بالمناسبة بقى أنا عايزك تعا’لجني لاحسن أنا جالي ترو’ما مِن كل حاجة.
نظر حينها “حـسن” إليهِ مبتسم الوجه ليقول مشيرًا بسبابته على كلا عـ ـينيه:
_مِن العيـ ـن دي قبل العيـ ـن دي يا غا’لي وبالمناسبة بقى أي حد مِن طر’ف “يـوسف” هيتعا’لج مجانًا يلا إن شاء الله عن ما حد حَو’ش.
_رجو’لة وجد’عنة أقسم بالله تسلم يا أبو الجد’عنة.
هكذا ردّ “يـوسف” على صديقه وهو يضع كفه على صد’ره مبتسم الوجه ثم بعدها بثوانٍ أشار على آخر رفيقٍ إليهِ وهو يقول بكل فخـ ـرٍ:
_دا بقى حبيبي واخويا والمحترم الوحيد اللي فينا، الشيخ “رمـزي إبراهيم” إمام مسجد متد’ين وأي لفـ ـظ بيخر’ج بيسمعنا عليه مرشـ ـحات أقسم بالله مش واحد مجد’عة وأحسن واحد ينصح وياخد بإيد الواحد للطريق الصح، ومدرس لغة عربية يعني إحنا بنعا’ني معاه بسـ ـبب أغلب الكلمات اللي بتطـ ـلع مِننا.
أبتسم “رمـزي” حينها ولَم يتحدث ليشعر بنظرات “محمود” و “عامر” مصو’بة تجاهه لينظر لهما تلقائيًا ويتعجب مِن نظراتهما إليهِ ولذلك نقل بصره إلى رفيق دربه الذي أبتسم قائلًا:
_عايزين يقولولك إن في كام فرد فالعيلة عايزين إعادة تأ’هيل لعقو’لهم مِن ناحية الدِّ’ين بس مكسو’فين وأولهم أمهم.
ألا يخجـ ـل حينما يتحدث عن زوجة عمه بهذه الطريقة؟ وكيف يصمتان هذان الشابا’ن على حديثه وكأنهما يسمحان إليهِ ولا يشعران بالغـ ـضب مِنهُ، عِدة أسئلة طُرِحَت على عـ ـقله ليأتيه الجواب مِن رفيقه حينما قال:
_هما عارفين إن أمهم عايزة ضـ ـرب النا’ر ومُعتر’فين بكدا، يا ابني إحنا عيلة مُعتر’فة ومتصا’رحة جدًا مع الغريب قبل القريب عادي.
نظـ ـف “رمـزي” حلـ ـقُه وأبتـ ـلع غصتهِ بتروٍ ثم نظر إلى الشا’بين وقال ببعض الخجـ ـل:
_متأ’خذونيش يعني، بس “يـوسف” اللي يكمل علا’قته معاه يضمن إنه هيتفـ ـضح رسمي، الظاهر إنه بيعـ ـز الحجة جامـ ـد يعني.
_أوي يا “رمـزي”، أصل طنط “و’يـلات” دي ليها معزّ’ة خاصة فقلبي فتلاقيني بذكرها كتير فكلامي.
هكذا ردّ عليهِ “يـوسف” مبتسم الوجه وكأنه يُعا’نده لير’مقه “رمـزي” نظرةٍ ذات معنى مغتا’ظًا ثم زفـ ـر بعمـ ـقٍ وأستغفر ربه بداخلهِ سرًا ليأتي إليهم صوت “مُـنصف” الذي أشار تجاه “يـوسف” قائلًا:
_أعرفكم أنا بقى على البيه، “جـعفر” سابقًا و “يـوسف” حاليًا قـ ـليل الأد’ب وبلـ ـطجي ومبيهمهوش حد ومِن الآخر ربنا على الظا’لم والمفـ ـتري.
حينها أغتا’ظ “يـوسف” كثيرًا مِنهُ ليقوم بأخذ الوسادة التي كانت بجواره وقام بإلقا’ءها نحوه بعـ ـنفٍ ليتفاداها الآخر حينما أنحـ ـنى بنصفه العلو’ي إلى اليسا’ر ثم عاد كما كان ناظرًا إلى الآخر ليقوم بإغا’ظتهِ كالمعتاد لتعلـ ـو أصوات الضحكات بينهم وهم يشاهدون هذا الشـ ـد والجذ’ب بينهما لينظر “محمود” إلى أخيه “عامر” الذي تأكد أن والدتهُ بالحـ ـق كانت تُسيطـ ـر عليهِ حتى تتو’لى ذِ’مام الأمو’ر وقد أتخذ قـ ـراره أخيرًا تجاه هذا الوضع الغير لا’ئق لينظر إلى ابن عمه يُناديه بإسمه لينظر إليهِ الآخر منتظرًا سماع ما سيُقال لتتجه جميع الأنظار إليهِ كذلك ليتحدث “عامر” بنبرةٍ جامـ ـدة حا’سمة وهو ينظر إليهِ قائلًا:
_أنا معاك يا ابن عمي فأي حاجة حتى لو على خـ ـط المو’ت.
أبتسم إليهِ “يـوسف” وقد أبتسم “محمود” كذلك ليتبادل النظرات بينه وبين ابن عمه الذي نقل بصره نحو “عامر” وأردف مبتسم الوجه:
_حمدلله على سلامتك يا ابن عمي.
___________________________
<“وإن كان الشـ ـر ما’كرًا فالقنا’ص ماهرًا.”>
منذ أن عَلِمَ الحـ ـقيقة مِن أخيهِ الصغير وعز’م على أن يحظى بوقتٍ أكبر في الصعيد لأجله حتى تُثبـ ـت بـ ـراءته أمام الجميع فقد كان المجـ ـني عليه مثلهم تمامًا وضـ ـحيةٌ لأفعا’ل شخصٍ كأبيهِ، ولج إلى المنزل وهو يتحدث في الهاتف مع زوجته قائلًا:
_مش عارف لسه هعمل إيه يا حبيبتي بس أكيد مش هسـ ـيب أخويا غـ ـرقان كدا، حاضر أنا نا’وي على كدا فعلًا، بإذن الله خُدي بالك مِن نفسك ومِن الو’لاد وبليل هكلمك تاني أتطمن عليكم، فرعاية الله.
أنهـ ـى مكالمته مع “أزهار” التي كانت تطمـ ـئن عليهِ منذ أن تركها وسافر ليرى والدته تقترب مِنهُ مبتسمة الوجه لتقول:
_حمدلله على سلامتك يا حبيبي، مش تقول إنك جيت أخلي أختك تحضرلك الغدا.
_لا يا حبيبتي مش جعان، أنا جاي أكلمك فموضوع تاني مهـ ـم.
تعجبت هي كثيرًا لتعقد ما بين حاجبيها قائلة:
_خير يا حبيبي موضوع إيه دا قولي.
أخذها “صلاح” وتوجه إلى غرفة المعـ ـيشة وهو يُحادثها قائلًا:
_تعالي نقعد بعيد عن الكل ونتكلم سوى على رواقة.
لَبـ ـت إليهِ مطلبهِ وذهبت معهُ إلى حيثُ يُريد ليجلسا سويًا معًا بجوار بعضهما البعض تنتظر سماع ما سيقوله مبتسمة الوجه، أما عنهُ فنظر إليها قليلًا برهةً مِن الوقت ليقول:
_أنا نا’وي على حاجة وقولت أخد رأيك فيها.
_خير يا حبيبي قول؟.
أبتـ ـلع هو غصته حينها بتروٍ وتما’لك نفسه وجمع شتا’ته ليقول بنبرةٍ هادئة جا’دة لا تقبل الرضو’خ:
_أنا روحت زورت “حـليم” أخويا وقبل ما تقا’طعيني، مدير المـ ـصحة كلمني وقالي إنه محتا’جني ضـ ـروري والنهاردة قبل بكرا، بيني وبينك أنا خو’فت عليه وقولت أخويا حصـ ـله حاجة، متأ’خرتش بصراحة سـ ـيبت مراتي وولا’دي وجيت جـ ـري وأنا مرعو’ب عليه د’ماغي طو’ل الوقت عمالة تودي وتجيب، ولمَ روحت لقيته زي الفُل بس الحز’ن وا’كله ووشه بهـ ـتان وخا’سس، قعدت معاه وسمعته وبصراحة هو صد’مني جا’مد أوي وحكالي بلا’وي سو’دة عارفها وساكت عليها.
وأخذ يقـ ـص عليها كل شيءٍ قاله أخيهِ إليهِ بالتفصيل الممـ ـل دون أن ينقـ ـص حرفًا واحدًا فيما كانت هي تستمع إليه طوال الوقت لا تصدق ما تسمعه وكأنها تستمع إلى قصةٍ لفيلمٍ ما أو شيئًا مِن هذا القبيل، فيما كان هو يسرد ويسرد دون أن يتوقف وهي تستمع إليهِ مصد’ومةً مِمَّ تتلقاه أذناها، أبعد هذا كله يكون زوجها هو السـ ـبب الرئيسي فيما وصلوا إليهِ الآن؟.
ترقرقت مقلتيها بالعبرات وهي تشعر وكأن عـ ـصا حـ ـديدية سقـ ـطت على رأسها أطا’حت بعـ ـقلها بعيـ ـدًا، شعرت بثقـ ـلٍ في جسـ ـدها ورأسها وببر’ودة أطر’افها وآ’لمِ قلبها فهذا مِن المفترض أن يكون زوجها وحبيبُ العمر كيف لهُ أن يكون بكل تلك القـ ـسوة؟ سقـ ـطت العبرات على صفحة وجهها ووضعت كفها على رأسها التي أنكـ ـستها إلى الأسفـ ـل تبكي بحسـ ـرةٍ على ما مر مِن عُمرها برفقة رجـ ـلٍ كان الغـ ـل والشـ ـر يمـ ـلئان قلبه، فيما آ’لمه قلبه وهو يرى حالتها المؤ’لمة تلك وهو ما عليهِ سوى أن يو’اسيها ويؤ’ازرها فما عليه سوى أن يفعـ ـل ذلك.
ضمها إلى أحضانه يو’اسيها متمنيًا أن يأخذ هذا الأ’لم مِن قلبها إلى قلبه هو، شـ ـدد مِن ضمته لها ولثم رأسها بحنوٍ ممسّدًا على ظهرها برفقٍ وقال:
_بالله عليكِ ما تعيطي دموعك غا’لية عليا أوي يا حبيبتي، حـ ـقك عليا أنا عارف إنك مو’جوعة أوي دلوقتي وو’جعك مُضا’عف بس هنعمل إيه هي دي الحياة، أهـ ـدي أنا جنبك ووعد وعهـ ـد عليا هرجعلك “حـليم” لحضنك وهيبقى جنبك وأنا جنبك ومش هسيبك ووعد اللي غـ ـلط هيتعا’قب بابا غـ ـلط كتير أوي سواء فحـ ـقك أو حـ ـقنا، وعد يا حبيبتي.
أنهـ ـى حديثه وهو يُلثم رأسها بحنوٍ ممسّدًا على ظهرها برفقٍ ليسمعها تقول بنبرةٍ باكية:
_رجعلي “حـليم” يا “صلاح” رجع أخوك لحضني تاني.
_وعد هيرجع أنا نا’وي إني أرجعه صدقيني، هجيبهولك لحد عندك وهيرجع لحضنك وهيتجوز اللي يشاور هو عليها وهتفرحي بيه وبعوضه وتشيلي عياله كمان، متقـ ـلقيش عليه “حـليم” را’جل وصا’لب طو’له يتهـ ـز آه … بس ميو’قعش.
ربتت بكفها على صـ ـدره بحنوٍ وأبتسمت أبتسامة خـ ـفيفة مـ ـليئة بالو’جع ليُعاود هو لثم رأسها بقْبّلة حنونة ثم قال:
_أنا مِن ساعة ما كُنْت عنده آخر مرة وأنا بحاول أخرجه أدعيلي ربنا ييسرلي الطريق وأخرجه أخويا كويس أنا عارف الفترة اللي بِعِد فيها عننا أتعا’لج فيها وخـ ـف بس أبويا ما’نع عنه الخروج وبحاول بقصا’رى جهـ ـدي أخرجه مِنها.
_هيخرج وربنا هيكرمك وترجعوا لحُضني مرة تانية، أنا عايزة أفرح بيه زي ما فرحت بيك، ربنا يكرمك وييسرلك الحال يا ابني.
أبتسم “صلاح” ولثم جبينها هذه المرة وقد شعر أن الطريق أصبح مُيسرًا أمامه بعد هذه الدعوة ولذلك قضى بعض الوقت بجانبها وبجانب شقيقته “بهيرة” التي تسعد حينما يجاورهم ليودعهما سويًا ويتحرك نحو وجهتهِ المنشو’دة عازمًا على عد’م العودة إلا في حضرة أخيه.
ولج إلى المـ ـصحة وتوَّجه مباشرةً نحو مكتب المدير الخاص بها ليقف طارقًا على الباب ليسمع بعد لحظاتٍ صوته يسمح إليهِ بالولوج ولذلك ولج إليهِ ليراه ينهض مِن مجلسهِ يُرحب بهِ بحـ ـرارةٍ ليُبادلهُ “صلاح” بأخرى فا’ترة ثم قال دون مقدمات:
_قولي أبويا الحج “عبد المعز الأسيوطي” دافعلك كام عشان “حـليم” أخويا يدخل وهدفعلك الضعـ ـف ويخرج.
حسنًا أستطاع توجيه ضـ ـربتهِ دون أن يُر’هق نفسه كثيرًا ليرى تندي جبين الآخر الذي أبتـ ـلع غصتهِ بتروٍ وحاول الحفاظ على ماء وجهه أمامه ليتحدث بتلعـ ـثمٍ قائلًا:
_إيه الكلام الغريب دا يا أستاذ “صلاح” فلوس إيه وكلام فا’ضي إيه المـ ـصحة دي مـ ـصحة محترمة.
تعا’لت ضحكات “صلاح” تد’وى في أرجاء الغرفة ردّاً على حديث هذا المخا’دع المنا’فق الذي يقبل الر’شوة وكل ما هو محـ ـرمٍ دون خو’فٍ أو خشـ ـيةً بأن هُناك ربٌ كريم يطـ ـلِّع على العباد ليقوم بوضع الكثير والكثير مِن الرُزَم النقدية ير’مق المدير نظرةٍ ذات معنى حا’دة ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_معاك ١٠ بواكي وأظن كتير فأهـ ـلك بس ميغـ ـلوش على اخويا، هروح أخد أخويا ولو ربنا كرم الحج وعرف يكلمك متنساش تقوله أبنك “صلاح” باعتلك السلام وبيقولك المستـ ـخبي مسيره يبا’ن ودافع ١٠ بواكي وخد أخوه ومشي وتقطـ ـم لا كلمة زيا’دة ولا أقل، سامع؟.
حرك المدير حينها رأسه برفقٍ بحركاتٍ سـ ـريعة يوافق على حديثه ليبتسم “صلاح” ويخرج متجهًا إلى الخارج بعدما وضع النقود أمامه على سطـ ـح المكتب ليأخذ أخيهِ بعدما أستطاع إيجاد ثغـ ـرةٍ يولج بها نحو هذا الحـ ـقير معد’وم الضمير ليقف في صالة الأستقبال منتظرًا أخيه بعدما أوصى ممرضًا بتجهيزه وتجهيز أغراضه حتى يخرجا مِن هذا المكان ويعود الفتـ ـى لموطنه الأصلي.
ظل ينتظر وينتظر فبعد أن مر ثلاثة أيامٍ على آخر مقابلةٍ بينهما وبعد التفكير الطو’يل أخذ قـ ـراره الأخير وعز’م على تنفـ ـيذه فلو أجتمع العا’لم أجمعه على الوقوف أمامه بالمر’صاد فلَن يقد’ر عليهِ أحد فالأسـ ـد الجا’ئع لا يهـ ـدأ سوى بإشبا’ع معدته، العديد والعديد مِن الدقائق تَمُر عليهِ حتى لمح طـ ـيفه مِن بعـ ـيد يقترب مِنهُ بخطى هادئة، لا’نت معالم وجهه حينما رآه أمامه يقترب مِنهُ ليبتسم دون إر’ادةٍ مِنهُ ويقوم بالتفر’قةِ بين ذراعيه في الهواء يستقبلهُ بعد أعوامٍ عِدة مِن الإنقطا’ع التام.
فيما شـ ـد الآخر خطواته نحوه ليقوم بالإر’تماء داخل أحضان أخيهِ الأكبر يُعانقهُ بكل ما يحملهُ مِن قو’ةٍ، أما عن “صلاح” فقد طبـ ـق بذراعيه عليهِ يضمه أكثر إلى أحضانهِ غير مُصدقًا أن أخيهِ أصبح في حما’يته وطو’عيته بعد أعوامٍ عِدة مِن العد’اوة الأخوية خلقها الأب بين الشقيقينِ، كلٌ مِنهما يحتاج إلى الآخر وكلٌ مِنهما دا’عمًا ووا’قيًا للآخر لا ينبـ ـغي أن ينقـ ـطع الوصال بينهما مهما حدث.
_وحشتني أوي يا “صلاح”، وحشتني أوي يا خويا.
كان هذا “حـليم” الذي تحدث بنبرةٍ شبه منكـ ـسرة حز’ينة يُخبر أخيه كم هو مشتا’قٌ إليهِ وكم هو بحاجةٍ إليهِ كذلك ليأتي الردّ مِن الأخ الأكبر الذي شـ ـدد مِن عناقهِ إلى أخيهِ الصغير وقال:
_واحشني يا “حـليم”، حمدلله على سلامتك يا حبيبي عودة حميدة.
أبتعـ ـد “حـليم” عن أخيهِ ينظر إلى معالم وجهه التي أفتقـ ـدها كثيرًا لتلتـ ـمع العبرات في مقلتيهِ ليسمع أخيه يقول معنـ ـفًا إياه قائلًا:
_متعيطش أنتَ كُنْت ضـ ـحية مش ذ’نبك اللي حصل دا نها’ئي.
_غصـ ـب عني يا “صلاح”، أنا كل ما أفتكر إني كُنْت لـ ـعبة في إيديه بتو’جع أوي عامل زي العيل الصغير يقوله تعمل دا ومتعملش دا روح قول كذا ومتقولش كذا، د’مرني يا “صلاح” وضيَّـ ـعني.
حز’ن “صلاح” لأخيهِ كثيرًا ولذلك تسـ ـلح بالشجا’عة والقو’ة أمامه يُسانده ويد’عمه بكلماته قائلًا بنبرةٍ صا’رمة:
_”حـليم الأسيوطي” ميو’قعش مهما حصل حتى لو جاب أ’خره، حركة زي دي تجمـ ـدك متضـ ـعفكش عايز تضعـ ـف يبقى تضـ ـعف بينك وبين نفسك وقدام الكل تبقى عد’يم الإحساس ميحو’قش فيه حاجة لمَ يشوفك جبـ ـلة ولسه على ر’جلك صا’لب طولك هيتغـ ـل وهيعرف إنه فشـ ـل فإنه يو’قعك، سامع ولا لا؟.
حرك “حـليم” رأسه برفقِ دون أن يتحدث يوافق على حديثه ليُشـ ـدد الآخر مِن أز’رهِ مربتًا على كتفهِ ثم أخذه وتوجه إلى الخا’رج عا’زمًا على فعل ما أنتو’ى عليهِ فعله فإن كان الشـ ـر ما’كرٌ فالقنا’ص ماهرٌ في التلا’عب معهُ، توجه بهِ عائدًا إلى المنزل مرةٍ أخرى والصمت يسيـ ـطر على المكان فقد كان “حـليم” شاردًا رأسه خا’وية مِن أي شيءٍ وبجواره أخيهِ يُفكر في خطواته المقبلة وهل سيُحالفهُ الحظ ويسير كل شيءٍ كما يريد أم سيكون للقدر رأيٌ آخر.
________________________
<“لا بُد مِن إتخاذ القـ ـرار المناسب.”>
وبعد مرور ثلاثة أيامٍ مِن الخصـ ـام والبُعـ ـد بينهما قـ ـررت اليوم تصـ ـليح الأمر بينهما وإعادة الوِ’د بينهما مِن جديد، كانت تجلس على طر’ف الفراش تنتظر قدومه وهي تنظر إلى تلك العُلبة الكـ ـحيلة بين كفيها تنظر لها بشرودٍ حتى أستفاقت على ولوجه إلى الغرفة بهدوءٍ كما أعتادت في خصا’مهما لتراه ينز’ع چاكته بهدوءٍ، شعرت بالتو’تر في حيال أنها كانت تُخـ ـطط لمصا’لحتهِ وحينما رأته تبخـ ـر كل ما كانت تُفكر في القول بهِ.
وبعد الصر’اع الطا’حن النا’شب بينها وبين نفسها نهضت أخيرًا وأقتربت مِنهُ بخطى هادئة حتى وقفت خـ ـلفه وأبتـ ـلعت غصتها بتروٍ قبل أن تقول بنبرةٍ جاهـ ـدت حتى تخر’ج هادئة ومتسائلة:
_هتفضل ز’علان مِني كدا كتير ومبتكلمنيش؟.
وكما كانت تظن لَم يأتيها الردّ مِنهُ ولذلك حاولت معهُ مِن جديد قائلة:
_على فكرة بقى أنا مبيهو’نش عليا ز’علك وخصوصًا لو مِني أنا واللهِ ما أقد’ر على ز’علك وخصـ ـوميتك حاسه إن نا’قصني حاجة كبيرة أوي فيومي.
وكانت النتيجة كسابقتها _عد’م الردّ_ تركها وتوجه نحو الأريكة الصغيرة وجلس عليها بهدوءٍ دون أن ينظر إليها ونظر إلى الأسفـ ـل حيثُ أرضية الغرفة، أما عنها فلَم تيأ’س في مصالحته بل جلست بجانبهِ وقامت بمعانقتهِ قائلة بأسفٍ:
_أنا آسفة حـ ـقك عليا واللهِ ما كُنْت أقصد أي حاجة مِن اللي قولتها دي أنا مقد’رش أز’علك بس أنا فلحظة غضـ ـب قولت كدا بس صدقني أنا مقد’رش أز’علك ولو حتى بفـ ـعل صغير، سا’محني أعتبرني زي “ليان” وغـ ـلطت إيه مش هتسا’محني يعني؟ … أنتَ حبيبي اللي شا’ل همـ ـي قبل همـ ـه وخلاني أكمل تعليمي عشان أخد الشهادة ويشوفني كبيرة وأتو’ليت مسؤ’وليتي وشـ ـيلت هـ ـم كبـ ـير فو’ق طا’قتك، حـ ـقك عليا بالله عليك ما تز’عل أنا عارفة إني غـ ـلطت وز’علتك جا’مد بكلامي ممكن تسا’محني وتقبل أعتذاري.
تأ’ثر بالطبع بحديثها ولَكِنّ لا يزال غا’ضبًا مِنها ولذلك كان يتخذ الصمت معها ردّاً على كل ما تقوله وهذا ما كان يُز’عجها دومًا ولذلك حتى هذه اللحظة هي لَم تيأ’س بل لجـ ـأت إلى تلك العُلبة الكـ ـحيلة لتنظر إليه وإليها قليلًا قبل أن تَمُدّ يدها بها إليهِ، أما عنهُ فقد نظر إلى ما تُريد إعطاءه إليهِ لينظر إليها مِن جديد ويقول متسائلًا:
_إيه دا؟.
_شوفها بنفسك.
نقل بصره مرةٍ أخرى إلى ما تُريد إعطاءها إياه ليقوم هو بأخذها بالفعل أسـ ـفل نظراتها ويبدأ في فتـ ـحها جا’هلًا ما يكمُن بدا’خلها، لحظاتٍ ورأى ساعة يد فضية اللو’ن تُزينها بعض الفصوص الفضية اللامعة كإلتماع النجوم في السماء ليلًا، تبدو با’هظًا الثمن ولذلك نظر إليها مِن جديد ليسمعها تقول مبتسمة الوجه:
_بصراحة دي عشانك، حبيت أصالحك وأديك حاجة ففكرت كتير وملقيتش غير الساعة دي قدامي شـ ـدتني جدًا وبصراحة متر’ددتش إني أجيبها.
_بس أنا مبتصالحش بالهدايا، أنا أهم حاجة عندي مِن الهدايا إن الإنسان يتعلم مِن غـ ـلطه وبكلمة واحدة يقدر يصـ ـلح كل حاجة، أنا مش بتاع هدايا يا “بيلا” وبصراحة مستغرب إنك بعد كل دا لسه متعرفيش أنا بتصالح أزاي.
تلاشت بسمتها الحما’سية تدريجيًا حتى إختفت تمامًا مِن على وجهها وبالأخير ألتزمت الصمت برهةً مِن الوقت فقد كانت هذه أملها الوحيد الآن أخمـ ـد آمالها أجمع، أما عنهُ فقد تذكر حديث والدته إليهِ في الصباح الباكر ولذلك أبتـ ـلع غصتهِ وأعاد يُكمل حديثه قائلًا:
_بس أنا مقدرش أرفـ ـض أي حاجة مِنك لأنك ليكِ مكا’نة كبيرة أوي فقلبي ومقدرش أز’علك وعشان كدا قبلتها مِنك بس أنا واثق إنك عارفه أنا بتصالح أزاي وعلى الرغم مِن كل دا برضوا كُنْتِ بتسـ ـعي عشان تراضيني ودي حاجة كفيلة إنها تخليني أسا’محك وأقبل أعتذارك.
نظرت إليهِ بذهولٍ بعدما أستطاع جـ ـذب إنتبا’هها بحديثه لتراه أخيرًا أبتسم إليها بعد عتـ ـمة ليلٍ طالت لثلاثة ليالٍ، أما عنهُ فبطيبة قلب “يـوسف” وحُبّ “جـعفر” الكبير لها قد صفح تلك الورقة ليبدأ مِن أول السطر معها في صفحة بيـ ـضاء خالية مِن الشو’ائب والأحبا’ر السو’د’اء، حاوطها بذراعه ضاممًا إياها إلى أحضانه يحاوطها بحصو’نه المنيـ ـعة التي تحـ ـمي مملكته مِن أي أذ’ىٰ قد تطو’لها.
أما عنها فقد كانت سعيدةٌ وبشـ ـدة حينما أستمعت إلى حديثه وكذلك حينما قام بمعانقتها إلى أحضانه لتكون مرحبةً بهذا العناق الذي كانت تنتظره منذ ثلاثة أيامٍ لتعانقهُ كذلك تلـ ـف ذراعيها حول عنـ ـقهِ والسعادة تغمرها لتعلـ ـو ضحكاته على أفعا’لها التي تكون مند’فعة بعض الشيء ليقوم بمحاوطتها بذراعيه ممسّدًا على خصلاتها النا’عمة دون أن يتحدث ليلتزما الصمت كلاهما فقط يسعد كلاهما بتلك اللحظة الهادئة والحبيبة على القلب.
في الخارج.
كانت “شـاهي” تحمل “لين” وتلا’عبها لترى تجا’وب الصغيرة معها وعلـ ـو ضحكاتها لتضحك هي كذلك وتقوم بلثم وجنتها الصغيرة، نقلت بصرها إلى حفيدتها الأخرى “ليان” التي كانت هادئة للغاية على غير العادة لينتا’بها الخو’ف كثيرًا عليها فإنطوائها ذاك يُقـ ـلقها وبشـ ـدة، دقائق معدودة وخر’ج و’لدها ومعهُ زوجته لترى البسمة تزين ثغر “بيلا” ولذلك أبتسمت فو’ر أن عَلِمَت أنها أستطاعت مصا’لحته.
أقترب “يـوسف” مِن والدته ليقوم بأخذ صغيرته حا’ملًا إياها بين كفيه ليُلثم وجنتها الصغيرة بحنوٍ تليها أخرى ليراها تتحرك بتـ ـلهفٍ تُبدي سعادتها بتلك القْبّلتان اللتان جاءتا بغـ ـتةً ليبتسم هو ويمنحها واحدة أخرى ثم بعد دقائق معدودة أعطاها إلى والدته ثم توجه نحو حبيبة الفؤاد التي كانت تلتزم الهدوء ليجلس بجانبها ويقوم بمحاوطتها بذراعه ضاممًا إياها إلى د’فئ أحضانهِ ما’سحًا بكفه على رأسها برفقٍ ليسمع والدته تقول متسائلة:
_هي مالها يا “يـوسف” يا ابني ساكتة كدا ليه، هو أنتَ مز’علها؟
نظر إليها “يـوسف” ونفـ ـى قولها ذاك حينما قال:
_لا واللهِ أبدًا، مقد’رش أز’علها دي حبيبتي.
_أومال مالها ساكتة كدا ليه؟.
نظر هو حينها إلى صغيرته وقام بحمـ ـلها وإجلا’سها على قدمه ضاممًا إياها إلى أحضانه ليُحادثها بنبرةٍ خا’فتة قائلًا:
_مالك يا كتكوتة بس ساكتة ليه وحرما’نة مِن صوتك الر’قيق دا ليه حد ز’علك؟.
حينها حركت رأسها تنفـ ـي حديثه ذاك ليُمسّد على خصلاتها بحنوٍ مِن جديد قائلًا:
_أومال إيه بس، قوليلي لو حد ز’علك هجيبه مِن زما’رة ر’قبته كله إلا أنتِ يا “لولو” عندي.
ر’فعت رأسها حينها تنظر إليهِ لتقول بنبرةٍ هادئة:
_أنا عاوزة أشوف خالو “بـشير” هو مشي ليه؟.
_ممشيش يا حبيبتي هو عند تيتا قاعد شوية وهيرجع تاني.
عادت تلتزم الصمت مِن جديد ولَم تتحدث بحرفٍ واحدٍ لينظر هو حينها إلى والدته التي كانت تنظر إليهِ دون أن تتحدث ليُفكر قليلًا بينه وبين نفسه قبل أن ينهض حا’ملًا إياها على ذراعه ليوجه حديثه إلى والدته قائلًا:
_هروح مشوار قريب مِنكم هنا وراجع يا ماما مش عايزة حاجة أجيبهالك.
أبتسمت إليهِ وأجابته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_لا يا حبيبي تسلم.
تركها وتوجه نحو الباب وقد أخبر زوجته أنه سيأخذ الصغيرة معهُ ليتحرك بعدها تاركًا المنزل لهما لتعاود “بيلا” بإعداد الغداء مِن جديد ملتزمةً الصمت وهي تُفكر في حال صغيرتها وما حدث لها فجأ’ةً.
_________________________
<“شيءٌ واحدٌ حدث يُغير محو’ر الحياة بأكملها.”>
وصل إلى وجهته المنشو’دة وغا’يته الأخيرة وأمله الوحيد في هذه اللحظة، ترجل مِن سيارته وهو ينظر حوله فهو يجـ ـهل سكان هذا المكان ولا بأ’س في المحاولة، تحرك وبدأ يسير وهو ينظر حوله يتابع الأجواء مِن حوله حتى وصل بعد دقائق ورأى صالة رياضية ولذلك توجه سـ ـريعًا نحوها فقد كانت المفضلة إليهِ منذ الصغر ولذلك حينما ولج طاف ببصره إلى الآ’لات الرياضية الحديثة التي يُحبها كثيرًا ولذلك تحرك نحو تلك الآ’لات يشاهدها.
أنبهر بها وأحبها كثيرًا ولذلك كان يشاهد المكان حوله مبتسمًا حتى رأى شا’بًا قريبًا مِنهُ أمام آ’لة المشي الرياضية ولذلك أقترب مِنهُ بخطى هادئة حتى وقف بجواره وقال:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ألتفت “لؤي” ينظر لهُ ليقول بنبرةٍ هادئة:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أقدر أساعدك؟.
أبتـ ـلع “نـادر” غصته بتو’ترٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
_أنا بصراحة كُنْت بدوَّر على شقة كدا على القد هنا، متعرفش حاجة هنا؟.
_إيه اللي معرفش حاجة هنا دا أنا مفيش نـ ـملة بتعدي مِن هنا غير وأنا عارف هي مين وجاية ليه وعايزه إيه.
هكذا كان ردّ “لؤي” الساخر على حديثه ليأتيه ردّ “نـادر” حينما قال:
_طب قولي أقدر ألاقي شقة فين وإيجارها يعمل كام دلوقتي؟.
نظر إليهِ “لؤي” نظرةٍ ذات معنى برهةً مِن الوقت ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_شكلك مش مِن هنا، تعالى يا عمي نقعد على القهوة نشربلنا خربو’شين شاي حلوين ونتكلم على رواقة.
وبالفعل أخذه وجلسا سويًا على تلك القهوة المفضلة إليهم وبعدما قدم إليهِ “لؤيا” كرم الضيافة ورحب بهِ، بدأ يستمع إليهِ حينما قال:
_أنا أسمي “نـادر فارس عوض”..
وقبل أن يُكمل حديثه رأى “لؤي” يبصـ ـق ما في فمهِ بصد’مةٍ كبرى لَم يكُن لعـ ـقلهِ أن يتوقعها قـ ـط، فيما تفا’جئ “نـادر” مِن ردة فعله تلك ونظر إليهِ قائلًا بنبرةٍ قلـ ـقة:
_مالك يا “لؤي” أنتَ كويس؟.
نظر إليهِ حينها “لؤي” بذهولٍ شـ ـديدٍ لا يُصدق ما تلقطه أذناه قبل قليل ليقول بنبرةٍ متسائلة:
_أنتَ، أنتَ، أنتَ قولت “فارس عوض”؟.
تعجب “نـادر” ولَكِنّهُ أجابه حينما حرك رأسه برفقٍ يؤ’كد إليهِ قوله ليُحرك الآخر شفتيه يمـ ـينًا ويسا’رًا مراتٍ قليلة قبل أن يقول:
_يادي المـ ـصيية، يادي المـ ـصيبة السو’دة، هو عم “فارس” دا مكانش بيتهـ ـد خالص هو متجوز كام واحدة ولا مخلف قد إيه؟ هو الرا’جل دا مكانش بيتهـ ـد أبدًا.
أستنتج “نـادر” مِن حديث “لؤي” أن أباه كان سـ ـيء الطبا’ع لا يتحـ ـمله بشـ ـريٍ قـ ـط ولذلك أبتـ ـلع غصتهِ وقال بنبرةٍ شبه هادئة:
_أيًا كان إيه تفكيرك تجاه أبويا فأنا مش زيه، هو للأسف غـ ـلط غـ ـلطات كتير وإحنا اللي بند’فع تـ ـمنها دلوقتي بس الحمد لله يعني، أنا ابن الزوجة التالتة ويُعتبر الكبير لأن عندي أخ أصغر مِني بـ ٣ سنين، في الحـ ـقيقة أنا مش حابب سيرته تتجاب سواء كان بالحلو أو بالو’حش لأني حـ ـقيقي كل ما بسمع سيرته بتعـ ـب نفـ ـسيًا.
_حـ ـقك وكلامك على الرا’س، إذا كنا إحنا القريبين مش طا’يقينه وأستحـ ـملناه بالعا’فية هتسـ ـتحمله أنتَ، رَوَ’ق يا عم وصلِّ على النبي أهو راح عند اللي أحسن مِن الكل ويجوز عليه الرحمة وما علينا سوى إننا نقول ربنا يسا’محه وحـ ـقنا عند ربنا، قولي طيب أنتَ شغال فأيه ولا بتدرس إيه؟.
هكذا كان الردّ مِن “لؤي” الذي رأى الضـ ـيق على معالم وجه “نـادر” حينما ذكر أسم “فارس” أمامه ليأتيه الردّ مِن “نـادر” الذي أجابه قائلًا:
_أنا كُنْت فكلية الإعلام والحمد لله درست وأتخرجت بقالي سنة وحاليًا ربنا كرمني وأتوظفت وحاليًا بغـ ـطي أحد’اث مهـ ـمة زي الجـ ـرايم بمختلف أنواعها أو غيره.
_كان الله فالعون كلنا بنتعـ ـب بصراحة، طب بُص شكلك مجد’عة وأنا هقـ ـف معاك في شقة هنا صحابها لسه معز’لين ومفاتيحها موجودة تحب أكلمك صاحبها ونتفق؟.
وافق “نـادر” على الفو’ر وقال متسائلًا:
_مفيش مشـ ـكلة طبعًا، بس ر’سيني على المبلغ أنا شبه على الحـ ـديدية دلوقتي فلو ينفع يستنى عليا حبة أظبط أموري يبقى كتر ألف خيره ويُشكر مش هيوافق أروح أدوَّر بره.
_عيـ ـب عليك إحنا ولا’د بلد ومنقدرش نرفـ ـض لحد طلب، أعتبر الموضوع خلصان.
أنهـ ـى “لؤي” حديثه مبتسم الوجه ليشعر “نـادر” بالراحة ليبتسم كذلك شاكرًا إياه وممتنًا إليهِ كذلك، أقترب مِنهما “يـوسف” الذي كان يحمـ ـل صغيرته ليقوم بإلقا’ء التحيةِ عليهِ فيما نظرا كلاهما إليهِ وقد نهض “لؤي” مُرحبًا بالصغيرة حينما أخذها مِن صديقه وهو يُلثم وجنتها بحنوٍ، فيما نظر “يـوسف” إلى “نـادر” عاقدًا ما بين حاجبيه، يشعر وكأنه رآه مِن قبل ولَكِنّ لا يتذكر حتمًا أين ليقوم الآخر بالترحيب بهِ حينما مدّ كفه كي يصافحهُ قائلًا:
_أزيك يا “يـوسف” أنا “نـادر” أخو “بيلا” لو ناسي جيت هنا قبل كدا.
وسر’يعًا تذكره ليقوم بمصافحته وقد أبتسم إليهِ بسمةٌ هادئة وقال:
_الحـ ـقيقة أنا كُنْت بحاول أفتكرك لأن شكلك مش غريب عليا، نوَّرت، بس مطـ ـلعتش ليه يعني جاي صُدفة ولا قا’صد’ها؟.
_فالحـ ـقيقة قا’صد’ها، أنا بصراحة بدوَّر على شقة هنا و “لؤي” قالي في شقة وهيخلصلي مع صاحبها عشان أأجرها.
عقد “يـوسف” ما بين حاجبيهِ ونظر إليه نظرةٍ ذات معنى ليجاوبه “نـادر” حينها قائلًا:
_الدنيا أسو’دت فوشي بصراحة وأتقفـ ـلت كل البيبان قدامي كل اللي حيلتي دلوقتي العربية لا معايا فلوس ولا مطرح أقعد فيه، مخـ ـبيش عليك أنا واحد جَـ ـد طول عُمره مبحبش الحال الما’يل فمِن ساعة آخر مرة كُنت هنا مع أخويا عندكم وتصرفه معاكم وقلـ ـة أد’به أنا قررت أعا’قبه عشان يحترم بيوت الناس اللي بيدخلها ويحترم أهلها فأضطـ ـريت إني أحبـ ـسه وطبعًا قَوم الدنيا عليا وماما وقفت فصفه عشان الدلوع متقد’رش تقوله لا … بعدها شـ ـديت معاه تاني لمَ جيت عشان أزوركم كُنْت عايزُه يكون موجود معايا بس برضوا ز’عقنا وعلًّـ ـى صوته عليا وكان عايز يخرج مع صحابه فحلفت إني أحـ ـبسه وعملت كدا فعلًا وبرضوا كلم ماما ز’عق معاها وجَت هي مِن بـ ـره خرجته، دلوقتي طبعًا مقمو’ص وأحتاجني فأتصل بيا مردّتش كذا مرة الحـ ـقيقة كُنْت خارج شوية فأستعان بماما وماما جَت كلمتني وحـ ـقيقي لمَ عا’رضتها وقولت مش هعمله حاجة لقيت فعيونها قسو’ة أبويا، مع الشـ ـد والجذ’ب سيبتها ودخلت لميت شنطة هدومي وأنا حالف يميـ ـن ما هقعد ثانية كمان لأني تـ ـعبت وكله جاي عليا ومش حاسين بيا كل حاجة أنا اللي بعملها مبقتش قا’در حـ ـقيقي.
_محاولتش تمنـ ـعك لمَ عملت كدا؟.
كان هذا سؤال “يـوسف” الذي كان مستمعًا إليهِ في هذا الوقت بكل هدوءٍ ليأتيه الردّ مِن “نـادر” الذي حرك رأسه يؤ’كد ذلك قائلًا:
_حصل وحاولت وهـ ـددتني إنها هتاخد مِني كل حاجة بس أنا اللي مهـ ـتمش ومهتـ ـمش بيا ولا بمشاعري وإحسا’سي وأجبـ ـرتني أكلمه وأشوفه بس أنا عا’ندت وقـ ـفلت موبايلي عشان محدش يكلمني ولا يوصلي ومشيت، جيت أسحـ ـب فلوس مِن الفيزا لقيتها و’اقفة عرفت ساعتها إنها و’قفتها عشان تجبـ ـرني أرجع بس أنا عا’ندت ولقيت نفسي جاي هنا بصراحة، مبحبش فر’ض الآراء على الآخرين ولا حد يتحـ ـكم فغيره حـ ـقيقي بكر’ه البني أدمين اللي مِن النوعية دي أنا را’جل حُـ ـر نفسي بعمل اللي شايفُه صح، أنا عمومًا مش هفـ ـتح موبايلي نها’ئي خليهم كدا عشان يعرفوا قدام قـ ـيمة البني أدمين لمَ تلاقي اللي كان بيصرف ويتمر’مط عشانهم مبقاش موجود هيعرفوا قيـ ـمتي … مخـ ـبيش عليك أنا عايز أشوف حياتي ومستقبلي وعايز أستقر وأضمن حياتي مسيري هتجوز وهكون مسؤ’ول مِن بيت مش معقول هصرف على بيتين.
وافقه حينها “يـوسف” الرأي مربتًا أ’على كتفه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_عيـ ـن العقـ ـل يا “نـادر” كلامك كله صح مفيهوش غـ ـلطة، أنا حاسس بيك مش مجرد كلام لا أنا بجد حاسس بيك ربنا يعينك ويقو’يك عليهم، أعتبرني الأخ الكبير ليك بعد “أكرم” و “بـشير” أي حاجة تحتاجها ر’قبتي سـ ـدادة ومتـ ـشيلش هـ ـم الفلوس إحنا مبنبصش على فلوس أهم حاجة الصُحبة الحلوة، بُص يا ابن الناس قدامك حلين ملهومش تالت دلوقتي لأن الشقة مش هتتجاب بسهولة دلوقتي لأن صاحبها مسافر اليومين دول فيا تبات فالمسجد بتاع صاحبي لحد ما ربك يفرجها يا تقعد فأوضة “بـشير” أخوك مؤقتًا.
رفـ ـض “نـادر” أقتراحه الثانِ حينما قال بجد’يةٍ شـ ـديدة لا تقـ ـبل النقاش:
_لا يا عم كتر ألف خيرك د’لني على طريق المسجد دا وأنا هبات فيه معنديش مشا’كل كلمهولي وأنا هظبط أموري فالسـ ـريع مش عايز أبقى حِمـ ـل على حد بالله عليك كل واحد بيبقى واخد راحته فبيته فمجيش أنا أفـ ـرض نظام تقـ ـييد الحُـ ـرية، قولي المسجد منين.
لا يعلم “يـوسف” لِمَ أُعجب بتفكيره بهذه الطريقة ولذلك أبتسم إليهِ وربت أ’على كتفه ثم أستأذن مِن صديقه الذي طـ ـمئنه على فتا’ته معهُ حتى يعود وأخذه وذهب إلى المسجد حيثُ شارف ر’فع أذان المغرب، وبعد بضع دقائق وصلا ليولج “نـادر” بهدوءٍ ومعهُ “يـوسف” الذي أتجه نحو رفيقه الذي كان يقوم بتجهيز المسجد للمُصلين ليقول:
_السلام عليكم يا شيخنا.
ألتفت إليهِ “رمـزي” ينظر إليهِ ليردّ تحية السلام وبعد التعارف وشرح مبسط لحال “نـادر” وافق “رمـزي” سر’يعًا دون تفكيرٍ وهو يقول بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_بيت ربنا مفتو’ح للجميع فأي وقت ومش هما’نع ولا أرفـ ـض طلبك يا “يـوسف” أنتَ عارف كدا كويس وبعدين يعني مهما كان هو ضيفنا فالأول والآخر ولو قدرت أساعد واللهِ ما هبخـ ـل عليه بس هتتيسر إن شاء الله كلها فالآخر فا’نية معرفش مقطـ ـعين بعض ليه على حاجات تا’فهة زي دي بس ما علينا سوى إننا ندعيلهم بالهِدايا … على العموم متقلـ ـقش عليه يا “يـوسف” هو فرعاية الله وحفظه.
أبتسم إليهِ “يـوسف” وشكره ممتـ ـنًا إليهِ ثم نظر إلى “نـادر” وقال بنبرةٍ هادئة:
_لو أحتاجت حاجة كلمني مش هتأ’خر عليك، خلّي بالك مِن نفسك.
أبتسم “نـادر” وعانقه شاكرًا إياه على ما فعله لأجله ليتركه “يـوسف” ويذهب، شرد في ما هو مقبلٌ عليهِ وما ينتظره لبرهةٍ مِن الوقت قبل أن ينتشـ ـله صوت “رمـزي” مِن شروده ذاك حينما قال:
_لسه صغير على السر’حان دا أنتَ لسه بتشوف دُنيا.
نظر إليهِ “نـادر” وزفـ ـر مبتسمًا ليقترب مِنهُ قائلًا بقـ ـلة حيـ ـلة:
_نعمل إيه بس، بنتلـ ـطش يمـ ـين وشما’ل وبيتد’اس علينا ومش عايزني أبقى بالمنظر دا.
ترك “رمـزي” ما كان يفعلهُ وأقترب مِنهُ بخطى هادئة ثم وقف أمامه مباشرةً وأبتسم إليهِ قائلًا:
_محدش معصو’م مِنها بس مش معنى كدا إننا نقـ ـع مع خـ ـبطاتها ومنقو’مش، فا’نية يا “نـادر” صدقني ومش محتاجة بس لو فضلت تقـ ـع مِن غير ما تقو’م صدقني ما هتلاقي اللي يقو’مك غير نفسك كله بيصا’رع عشان نفسه محدش بيشـ ـيل هـ ـم حد، أنا عارف إنك بتمُر بمشا’كل كتير وصـ ـعبة وشا’يل مسؤ’ولية أكبر مِنك بس أفتكر إن ربك كبير وموجود إلجـ ـأله وأقعد أتكلم معاه وخر’ج كل حاجة جواك تـ ـعباك وأدعيلهم بالهِدايا، الزمن دا صـ ـعب يا “نـادر” ولمَ البني آدم بيشوف بلا’وي الناس اللي حواليه بتهو’ن عليه بلو’ته، نصيحة أخوية مِن أخ لأخوه الصغير شوف نفسك وسيب أخوك يشـ ـيل المسؤ’ولية شوية، لازم يعرف قيـ ـمة الجنيه اللي بيصرفه ويحس إنه متعو’ب عليه مش بييجي مِن فـ ـراغ ولا السما بتمطر فلوس، اللي زي أخوك لازم يتعلم دلوقتي قبل ما يفتـ ـح بيت ويبـ ـني أسرة وأنتَ خُدلك أستراحة وشوف حياتك ونفسك شوية إذا كُنْت هتشتغل بقى أو ناوي تكمل نص دِّ’ينك وتتجوز دي حياتك ودا حـ ـقك زي أي إنسان … أعتبر نفسك واخد هُـ ـدنة وأقعد عيد حساباتك تاني مع نفسك يا “نـادر” وحُط النقـ ـط على الحروف قبل ما تقول يا ريت اللي جرى ما كان.
أنهـ ـى حديثه مربتًا على كتفه برفقٍ مبتسم الوجه قبل أن يتركه ويذهب حتى ير’فع الأذان بصوته الهادئ والعذ’ب تاركًا هذا الشا’ب يُفكر في حديثه مِن جديد بعدما جلس على أرضية المسجد مستندًا بظهرهِ على العمو’د الرخا’مي الكبير القابع خـ ـلفه، زفـ ـر بعـ ـمقٍ وأغـ ـلق جـ ـفنيه لتَمُر ثوانٍ معدودة ليأتيه صوت “رمـزي” الهادئ ير’فع الأذان بصوته العذ’ب مناديًا العباد كي يؤدون فريضة المولى عز وجل، ترك عقـ ـله يستريح مِن هذا الضـ ـجيج وتهـ ـدأ رو’حه تاركًا نفسه إلى صوت “رمـزي” الذي أر’اح رو’حه وداو’ى ند’وب قلبه.
_________________________
<“ما جمع بين الشتا’تين إلا ما وَفق.”>
كانت “فاطمة” تقوم بوضع الملابس على المنشـ ـر الخاص بالملابس بهدوءٍ حتى أتاها صوت “لؤي” مِن الداخل وهو يقوم بمناداتها عا’ليًا لتقوم بمجاوبته ليأتيها صوته العا’لِ مِن جديد حينما قال:
_مش كان في كبدة باقية مِن إمبارح راحت فين؟.
توقفت عمَّ كانت تفعله فجأ’ةً لتلتفت خـ ـلفها تنظر إلى الداخل لتقول بنبرةٍ حا’دة:
_هو دا الدايت اللي حضرتك بتعملهولي يا حبيبي؟ جرى إيه يا “لؤي” إحنا هنبتدي نخـ ـيب ولا إيه؟.
لَم يأتيها الردّ كما توقعت لتترك ما تفعله وتولج إلى الداخل وهي تشعر أن زوجها يفـ ـتعل كار’ثةٌ ستجعل النو’بة الصد’رية تنتا’بها بالتأكيد، ولجت بخطى بطـ ـيئة إلى المطبخ وهي تستمع إلى ضـ ـجيجٍ متخا’فت يصدُر مِن الداخل لتولج وهي تختـ ـلس النظر كاللصو’ص إليهِ لتراه يجلس على أرضية المطبخ ويلتفت حوله عِدة صحونٍ تحتوي على عِدة أصنافٍ مختلفة لا تتناسـ ـب مع بعضها البعض.
جحـ ـظت عينان “فاطمة” بصد’مةٍ حـ ـقيقية وهي ترى “لؤي” يأكل طعامٍ لا علا’قة إليهِ بالنظام الغذائي الذي وضعه إليهِ الطبيب فصحنٌ بهِ “رنجة” وأخرًا صغير بهِ بعض “البصل” وأخرًا بهِ بعض “البطاطا المقلية” وأخرًا بهِ “المُخلل” وأخرًا بهِ “فسيخ” وكوبًا مـ ـليء بالمشروب الغا’زي، في الحـ ـقيقة قد صد’مها كثيرًا وأطا’ح بعـ ـقلها بعـ ـيدًا لتضر’ب بكفها على صد’رها بصد’مةٍ كبيرة وهي تقول:
_يا نهار أبيـ ـض ومش معدي؟ إيه اللي بتعمله دا يا “لؤي”!.
ر’فع “لؤي” رأسه ونظر إليها ليبتسم ويقوم بالإشارة نحوه قائلًا:
_تعالي عملت طبق رنجة يستا’هل بوقك تعالي كُلي معايا.
وقفت مكانها تستند بنصفها الأ’يسر على الجدار الما’ثل بجوارها واضعةً كفها على فمها متحـ ـسرةً على ما تراه ليعاود هو تناول الطعام مِن جديد متلذذًا بهِ لتقول هي:
_والدايت يا “لؤي”؟.
_طـ ـظ، أنا جعان مش هينفعني نظام السيكي ميكي دا أنا واحد بيحب الأكل.
لَوَ’ت شفتيها بحـ ـسرةٍ وهي تضر’ب بكفها على ظهر كفها الآخر بحـ ـسرةٍ قائلة بسخرية:
_يا حظك المنـ ـيل يا “فاطمة”، قال وهبدأ جَد يا “فاطمة”، كله إلا صحتي يا “فاطمة”، هخس يا “فاطمة”، دي “فاطمة” تـ ـكة وهتر’قعلك بالصوت.
ضحك “لؤي” عا’ليًا على أسلوبها في التحدث معهُ، فيما لَوَ’ت هي شفتيها بتهـ ـكمٍ دون أن تتحدث لتسمعه يقول مِن جديد:
_تعالي بس وفـ ـكك مِن الجَو اللي مبيأكلش عيش دا وأقعدي شاركيني يلا قال يعني هتعملي نفسك مش مهـ ـتمة وأنتِ أصلًا عيـ ـنك على الطبق وبتعا’ندي نفسك أكمني مش عارفك أنا يعني.
حسنًا كشـ ـفها للمرة التي لا تعلم عددها أمام نفسها لتزفـ ـر بعـ ـمقٍ وتتقدم مِنهُ بخطى هادئة حتى جلست بجواره لتراه يُعطيها الخبز مبتسم الوجه لتأخذه مبتسمة الوجه كذلك لتبدأ بمشاركته تناول الطعام حينما بدأت معدتها تُطالبها بالطعام، وفي الحـ ـقيقة بعد أن مرّ بعض الوقت كانت تُحاول ترك الطعام بعدما أمتلـ ـئت معد’تها كانت حينها كلما نظرت إليهِ تراه يتناول الطعام بطريقةٍ تجعلها لا تُريد ترك الطعام لتُكمل تناوله معهُ.
وبعد مرور الوقت تركت الطعام وهي تشعر أن معدتها ستنفجـ ـر مِن كثرة تناولها للطعام لتنظر إلى “لؤي” الذي حمد ربه على دوام نعمته ونظر إليها ليقول مبتسم الوجه:
_شكلك بيقول إنك خلاص.
_بصراحة مش قا’درة فعلًا شبعت الحمد لله، معرفش ليه لمَ بقعد معاك على الأكل وناكل بتفتـ ـح نِفسي على الأكل حتى لو مليش نِفس.
أبتسم حينها بزهوٍ ور’فع رأسه بتكبـ ـرٍ وهو يقول:
_عشان تعرفي إنك معاكِ عُملة نادرة المفروض تحمدي ربنا عليها.
_يا خويا بحمد ربنا عليك مِن غير ما تقول دا أنتَ العوض.
نظر إليها في هذه اللحظة بطر’ف عينه برهةٍ مِن الوقت مبتسمًا قبل أن يقوم بومض جـ ـفنه الأ’يسر بخـ ـفةٍ وعبـ ـثٍ قائلًا:
_أكمني بقى مش هعرف أعمل حاجة دلوقتي لا عندي أستعداد أقوم أغسل إيدي وأجيلك، بس تعرفي كلامك دا مكـ ـيفني آه وربنا المعبود بيعملي حالة مزاج كدا القهوة بتاعت “لمونة” مبتعملهاش.
ضحكت “فاطمة” على حديثه الذي يروق لها كثيرًا لتنظر إليهِ مبتسمة الوجه برهةً مِن الوقت قبل أن تقول:
_طب ما تقولي كلمتين حلوين وكمل جميلك بقى.
أبتسم حينها “لؤي” ونظر إليها نظرةٍ ذات معنى يراها تغـ ـلق جـ ـفنيها مبتسمة الوجه أستعدادًا لسماع حديثه المعسو’ل لينتظر لحظاتٍ ليقول حينها بما جعلها تصا’ب بالصد’مة الشـ ـديدة:
_بحبك يا بجـ ـرة حُبّ محبهوش الجامو’س لجامو’سته.
أنتا’بتها الصد’مة الشـ ـديدة حينها والتي جعلتها تفر’ق بين جـ ـفنيها تنظر إليهِ مجـ ـحظة العينين لتراه ينظر إليها مبتسم الوجه بسمةٌ أستفـ ـزتها كثيرًا لتقول بنبرةٍ غا’ضبة:
_هو دا الكلام الحلو يا “لؤي”؟ أنا على آ’خر الزمن وبعد دا كله يتقالي يا بقـ ـرة؟.
_ومالها قمورة وعسولة حد قال غير كدا؟.
أشا’حت برأسها بعيـ ـدًا عن مر’ماه والغضـ ـب يتأ’كلها حيـ ـة فكانت تتو’قع مِنهُ رومانسية مِن نوع آخر ولَكِنّ يبدو أنه يختلف كليًا عن بقية الر’جال ولذلك كانت صد’مةٌ كبيرة بالنسبةِ إليها، أما عنهُ فقد أتسـ ـعت أبتسامته أكثر وأقترب مِنها بهدوءٍ يقوم بلثم وجنتها بحنوٍ قائلًا:
_جرى إيه يا “فطوم” أنتِ ز’علتي ولا إيه؟ دا دلع مش شتيـ ـمة أو قـ ـلة قـ ـيمة واللهِ.
ر’مقتهُ نظرةٍ حا’قدة بعدما إز’داد غضـ ـبها أكثر عن زي قبل ليمتـ ـص هو غـ ـضبها ذاك سر’يعًا حينما قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_طب خلاص بلاها البقـ ـرة، يمشي معاكِ حتة سمسمية حلوة ومهلبية، طب إيه قولك إنك أحلى مِن السمسمية ولعلمك أنا بعشـ ـق حاجة أسمها سمسمية على فكرة لو تفتكري.
حاولت بقصا’رى جهـ ـدها ألا تبتسم في حضرته وخصيصًا في هذه اللحظة لتُكمل نهـ ـج خُطاها لترى عد’م اليأ’س مِنهُ حينما حاول مجددًا معها في مصا’لحتها وقد ظل يحو’م حولها طوال اليوم دون مـ ـللٍ مِنهُ حتى رضـ ـخت إليهِ في نها’ية المطا’ف وأبتسمت ليسعد هو كثيرًا ويقوم بلثم وجنتها بعـ ـمقٍ بقْبْلة بث فيها حُبّه إليها ليُنهـ ـي ذلك بقوله ممازحًا إياها:
_عسلية بس شـ ـقية حبتين.
___________________________
<“وأخيرًا أكتـ ـشف حـ ـقيقة الأمر فأطمـ ـئن قلبه.”>
أتجه بصغيرتهِ نحو منزل “هناء” التي أستقبلتهما مبتسمة الوجه مُرحبةً بهما حينها بسعادةٍ طا’غية حينما أخذت حفيدتها مِن أبيها وبدأت تنها’ل عليها بالقْبّلات الكثيرة حتى ضحكت الصغيرة إليها مستـ ـسلمةً لها، وحينها ر’مقها “يـوسف” نظرةٍ ذات معنى ليقول بعدما أغـ ـلق جـ ـفنيه نصف غـ ـلقة:
_يعني أنا أفضل أتحا’يل عليكِ عشان تضحكِ وأعمل اللي ما يتعملش وفالآخر تيجي الحجة دي ببوستين تلاتة تضحكِ؟ طب ما أنا كُنْت عملت كدا بقى مِن الأول ولا غا’وية تتعـ ـبيني معاكِ؟.
_يا خويا تتعـ ـبك وماله فد’اها هي ليها مين غيرك يعني، خليها تدلع براحتها دي أول فرحتنا وليها مكانة كبيرة فقلو’بنا وز’علها يز’علنا كلنا، براحتك يا “لولو” أعملي اللي نفسك فيه يا حبيبتي لو متعـ ـبش عشانك يعني هيتعـ ـب عشان مين؟.
أنهـ ـت حديثها إلى حفيدتها الصغيرة التي أبتسمت بسمةٌ خـ ـفيفة ثم طافت بعينيها المكان بد’قةٍ حتى لمحت طيـ ـفًا في إحدى الغرف الشبه مغـ ـلقة لتقوم بالتملـ ـص كي تُنزلها جدتها ثم بعدها تحركت نحو هذه الغرفة بخطى هادئة حتى فتـ ـحت الباب بهدوءٍ شـ ـديدٍ مر’اعاةً لخصو’صية صاحب هذه الغرفة لترى الحبيب الذي غا’ب عنها دون سا’بق إنذ’ار جالسًا على طر’ف الفراش.
أتسـ ـعت أبتسامتها فور أن رأته وألتمـ ـعت عينيها بوميضٍ ساحـ ـرٍ عاد لرونقهِ مِن جديد، فيما أبتسم هو إليها وفَرَ’ق بين ذراعيه في الهواء لتركض هي سر’يعًا إليهِ مر’تميةً داخل أحضانه ليطبـ ـق هو عليها بذراعيهِ مبتسم الوجه ليُلثم وجنتها بحنوٍ تليها الأخرى ليسمعها تقول بنبرةٍ سعيدة:
_وحشتني أوي يا خالو مشيت ليه وسيبتني أنا كُنْت ز’علانة أوي.
شـ ـدد “بـشير” مِن ضمته إليها ولثم وجنتها مِن جديد ومـ ـسح بكفهِ على خصلاتها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أنا آسف يا حبيبتي حـ ـقك عليا أنا عارف إنك ز’علانة مِني بس غصـ ـب عني صدقيني.
أنهـ ـى حديثه معتذرًا إليها على ذهابه المفا’جئ والذي أحزنها كثيرًا لتقوم هي بمعانقتهِ أكثر مبتسمة الوجه دون أن تتحدث، أما عن “يـوسف” فقد كان يقف على باب الغرفة يشاهدهما ليفهم في هذه اللحظة سـ ـبب حز’ن صغيرته وصمتها الدائم طوال الوقت وقد كان السـ ـر يكمُن داخل “بـشير” الذي ما إن رأته تبد’ل حالها مئة وثمانون درجة ولذلك وفي هذه اللحظة عَلِمَ أنها تعـ ـلقت بهِ وأصبح قريبًا مِنها وبشـ ـدة وتحز’ن على مفا’رقتهِ.
_كان السـ ـر ومفتاح اللغـ ـز في هذا الفتـ ـى.
كان اللغـ ـز مجـ ـهولًا والمفتاح كان “بـشيرًا”.
________________________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى