روايات

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم بيسو وليد

موقع كتابك في سطور

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الجزء الرابع والثلاثون

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث البارت الرابع والثلاثون

جعفر البلطجي الجزء الثالث
جعفر البلطجي الجزء الثالث

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الحلقة الرابعة والثلاثون

لم تكُن إنتكا’سه عاديه أبدًا !!
طالَ بُعدي؛ طالَ أمدي؛
هلكَ قلبي؛ غفوتُ عن قيامي؛
ثقُلت صلاتي ؛ قلَّ وِردُ قرآني؛ زادت وَ’حشَتي،
دنيا كهذه مليئه بالفتـ.ـن
صارت تعـ.ـصف بقلبي عصـ.ـفًا!
من يحمِل عني اوزاري يوم القيامة؟
أيّ عملٍ لي سينقذني !!
أعني عليَّ فإني عَد’وِّي.
_آرِيب.
____________________
<“حينما يبدأ الخيل في التمـ ـرد وجب على الخيال الترو’يض”>
حالة مِن الصمـ ـت تيبـ ـست الغرفة بعد أن قام “نـادر” بصـ ـفع أخيه الصغير “أمـير” الذي تما’دى معه ولَم يحترم كونه هو الأكبر سنًا حتى وإن كان بثوانِ يظل لديه الإحترام والطا’عة لحديثه، كان “نـادر” في هذه اللحظة كالخيل الجا’مح إن عا’نده خيله ولو عن غير قصدٍ فسيجـ ـن جنونه ويفعل ما لا يحمد عليه، فيما كان “أمـير” لا يقـ ـل عنهُ شيئًا فقد تم صـ ـفعه مِن قِبَل أخيه ماذا سينتظر بعد ذلك؟
أشهـ ـر “نـادر” سبّابته في وجه أخيه بحركةٍ عنيـ ـفة وهو يرمقه بنظراتٍ حا’دة ليقول بنبرةٍ تحذ’يرية:
_أنا مسمحـ ـلكش، المرة دي أتجا’وزت حـ ـدودك معايا بزيادة يا “أمـير” ومش عشان أنا سا’كتلك كل مرة إني قابل حاجة زي دي لا أنتَ فاهم غـ ـلط خالص، كل مرة كُنْت بعديها بس بمز’اجي أنا مش عشان أوامرك تنفـ ـيذ وبس، بس المرة دي أنا هو’قفك عند حد’ك ولازم تتعد’ل بقى لأن أنا خلاص تـ ـعبت ومش هقبل بأكتر مِن كدا مِنك، أخواتك مِن أول دقيقة عرفت أوصلهم فيها وهما بالنسبة لي خـ ـط أحمـ ـر اللي يعديه ولا يستهـ ـون بيه يبقى حفـ ـر قبـ ـره بأيديه حتى لو كُنْت أنتَ واحد مِنهم.
هجو’مٌ لَم يتو’قعه بتاتًا وحر’بٌ نُشِبَـ ـت بينهما في أكثر اللحظات إشتعا’لًا، فالأثنين عنيـ ـدين وبشـ ـدة وكلاهما لا يقبل الرضو’خ أو الإنسحا’ب ويسيران على منهـ ـجٍ واضحٍ منذ أن كانا صغارًا، إما المكسبِ أو المو’ت، وها هما الخيارين نُصـ ـب أعينهما في إنتظار أي الخيارين سيفوز.
_أنتَ أتجـ ـننت يا “نـادر!” بتمـ ـدّ إيدك عليا أنا !.
صر’خ في وجهه وهو ينظر إليه والغضـ ـب الشـ ـديد يسيـ ـطر على رأسه وإنفعا’لات جسـ ـده فهو منذ أن كان صغيرًا كان مد’للًا لهذه العائلة ولَم يجر’ؤ أحدٌ مِنهم على المسا’س بهِ على مدار الـ ٢١ عامًا واليوم جاء أخيه وكسـ ـر هذا الد’لال متعـ ـهدًا على إعادة تر’بيته مِن جديد بعد أن إتخذ مسا’رًا آخر أكثر خطو’رة عن زي قبل.
_آه بمـ ـدّ إيدي يا “أمـير” ولو ما أحتر’متش نفسك وعـ ـقلت أنا هربيك مِن أول وجديد!.
صر’خ وهد’ر بهِ بإنفعا’لٍ وقد إزدا’دت حِد’ة الأجواء مِن حولهما أكثر ليقف أمامه “أمـير” النـ ـد بالنـ ـد معا’ندًا إياه عا’زمًا على تنفـ ـيذ ما يحو’م داخل رأسه هو ليقول:
_حلو، وأنا هعمل اللي فد’ماغي برضوا ومش هتمنـ ـعني عشان أنا مبقتش عـ ـيل صغير زي زمان هتشـ ـخط فيه الشـ ـخطة هيخا’ف ويعيط، فُو’ق يا حبيبي وأخر’ج مِن جَو الأبوة دا بقى خلاص كان زمان وجبـ ـر.
إن كان خيلك يظن نفسه السيد الذي يُلـ ـقي بأوا’مره فوجبَ عليكَ ترو’يضه حتى يعلم أنه كان مخـ ـطئًا في حـ ـقك قبل نفسه، ولذلك لَم يكترث “نـادر” إلى حديثه بل تحرك إلى خا’رج الغرفة مغـ ـلقًا بابها بالمفتاح خـ ـلفه عا’زمًا على إعادة تر’بيته مرةٍ أخرى بعد أن بدأ يخر’ج عن طو’عيته، وحينما أستمع الآخر إلى صوت المفتاح تحرك نحو الباب وأمسك بمقـ ـبضه وحاول فتـ ـح الباب ليراه مغـ ـلقًا بإحكا’مٍ.
حاول مِن جديد بعنـ ـفٍ ولَكِنّ بدت محاولاته بالفشـ ـل ليضر’ب على الباب بغضـ ـبٍ وهو يصر’خ بهِ على أملٍ أن يسمعه قائلًا بإنفعا’لٍ واضحٍ على نبرة صوته وحركات جسـ ـده:
_هي بقت كدا يا “نـادر”؟ فاكر نفسك بتمـ ـنعني كدا عن اللي فد’ماغي، طب وعرش ربنا ما ههـ ـدى غير وأنا منفـ ـذ اللي فد’ماغي ووريني هتعمل إيه بقى يا كبير!.
ر’كل الباب بعد أن أنهـ ـى صرا’خه بهِ بعـ ـنفٍ تمـ ـلَّك مِنهُ ثم توجه إلى فراشه مِن جديدٍ وجلس على طر’فه وأخذ هاتفه يعـ ـبث بهِ بعـ ـنفٍ متو’عدًا إلى أخيه بالو’يلات، وضع الهاتف على أذنه وقال يهد’ر في الهاتف:
_يمين بالله إن ما جيتي أديتي أبنك قـ ـلمين على وشه وفو’قتيه لأكون موديكم فسـ ـتين دا’هية الليلة دي عشان أنا مش عيـ ـل بريا’لة معاه!.
______________________
<“يمر’ض الأ’سد ولَكِنّهُ لا يمو’ت.”>
يجلس على فراشه منذ ما يقارب اليومين حتى بعد أن أستعاد و’عيه ولَكِنّ مازال أسفـ ـل الإشراف الطبي والعناية الفا’ئقة مِن والدته وزوجته اللتان كانتا ترعانه وتهتمان لأجله ولأجل سلا’مة صحته، كان يجلس نصف جلسة يشاهد والدته وزوجته اللتان كانتا تتفقان على عنايته، زفـ ـر بعمـ ـقٍ ونظر إلى بعض الأ’جهزة التي كانت متصلة بجسـ ـده حتى رأى زوجته ترافقه بعد أن تركتهما والدته حتى تجيب على هاتفها.
_أنا ز’هقت مِن القاعدة دي ومِن ر’غيك أنتِ وأُمّي سوى.
أبتسمت إليه “بيلا” التي جلست على طر’ف الفراش تر’اقبه لتقول مبتسمة الوجه:
_يوه كُنا بنتفق سوى على التقـ ـسيمة، أصل أنا وهي هنقسـ ـم الرعاية بتاعتك علينا مع إنها كانت عايزة تشيـ ـل المسـ ـؤولية لوحدها بس أنا مرضتش بصراحة قولت حر’ام تشيـ ـل كل دا لوحدها وبعدين أنتَ جوزي وليك حـ ـق عليا فأتفقنا إننا هنقسـ ـمها على بعض هي الصبح وأنا بليل أكون خلصت حاجتي كلها.
ر’مقها نظرةٍ ذات معنى لبرهةٍ مِن الوقت يرا’قب تقا’سيم وجهها المحبب إلى قلبه ليقول مبتسم الوجه:
_بصراحة أنا عايز أخر’ج ز’هقت ووحشني البيت أوي والحارة .. آه صحيح “بـشير” عامل إيه أنا معرفش حاجة عنه هو بقى كويس؟.
تلا’شت بسمتها تد’ريجيًا بعد أن ذكر أسم شقيقها الصغير الذي كان سـ ـببًا رئيسيًا فيما هم عليه الآن أجمع، مرّ شـ ـريط تلك الذكرىٰ المر’يرية نُصـ ـب عينيها ليجعلها تعود إلى نقـ ـطة الصـ ـفر مِن جديد، كيف لا وهي نقـ ـطة ضعـ ـفها زوجها الذي بدونه لن تستطيع أن تُكمل طريقها وبالتأكيد سيعُـ ـم الظلا’م حياتها وتصـ ـيبها التعا’سة، أفكارٌ سو’دا’ء تلبـ ـست عقلها ليأتي صوته مـ ـسعفًا إليها مخر’جًا إياها مِن غما’مة سو’د’اء ليس لها نها’ية.
_”بيلا” في إيه أنا بكلمك، بسألك على “بـشير” هو كويس؟ خر’ج وفا’ق ولا لسه طمنيني عليه.
نظرت إليه بعينين ملتـ ـمعتين ترى خو’فه ولهـ ـفته عليه على الرغم مِن أنهُ طُـ ـعِنَ مِنهُ غد’رًا ولَكِنّ رغم ذلك مازال يسأل عليه حتى يطمئن قلبه فهو في الأخير أخيه الصغير ومازال أسفـ ـل حمايته وسطو’ته ووجب عليه الإعتناء بهِ وعد’م تركه و’حيدًا مهما حد’ث حتى لو طلب هو ذلك فلن يسمح إليه.
ظل ينظر إليها على أملٍ أن يتلقـ ـى إجابة تشـ ـفي غـ ـليله وتر’حم رأسه وضـ ـجيجها الذي بدأ يعـ ـلو وبدأت نبـ ـضات قلبه تعـ ـلو معها شيئًا فشيء، لا يعلم لِمَ لَم تجيبه حتى الآن ولربما شعر أنها متو’ترة حيا’ل ما حد’ث وتم غد’ره أمام الجميع وكاد أن يفـ ـقد حياته أم ماذا أصبحت الأفكار السو’دا’ء تحتـ ـل رأسه وبدأ قلبه يتها’وىٰ فز’عًا على هذا المسـ ـكين الصغير.
_مش قا’درة أجاوبك ولا حتى أتحمـ ـل لهفتك وخو’فك عليه، أزاي بعد كل اللي حصل ولسه بتهتـ ـم بيه وخا’يف عليه وهو أول واحد كمان سألت عليه بعد ما فو’قت، أنا لسه مش مستو’عبة الحال اللي وصلناله يا “يـوسف” ومش قا’درة أنسـ ـى منظركم وأنتوا الأتنين على الأ’رض سا’يحين فد’مكم، وأنا لا عارفة أعيط ولا أصر’خ ولا أتكلم ولا أعمل أي حاجة، حسيت إني مشلو’لة يا “يـوسف” وخو’فت تسيبني وتروح، أول ما عربيات الإسعاف جت وأتنقـ ـلتوا على الأ’جهزة كان قـ ـلب “بـشير” وا’قف وخلاص كله إنها’ر وو’قع وبعدها قـ ـلبك أنتَ كمان وكأن خلاص أنا أنتهـ ـيت تمامًا، محسـ ـيتش بنفسي لمَ و’قعت مستـ ـسلمة تمامًا لمصيري سو’اء مو’ت أو عـ ـيشت صدقني وقتها مكانش فا’رقلي أي حاجة.
سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها مرةٍ أخرى بعد أن حاولت تما’لُك نفسها أمامه ولَكِنّ باءت محاولتها فا’شلة لتنخر’ط في البكاء أمامه تخر’ج خو’فها وهو’اجسها المتمركزة دا’خل عقلها على هيئة بكاء ليشعر هو بها وبمدى معا’ناتها وآ’لمها الذي شعرت بهِ ليَمُدّ كفه نحوها يجذ’بها مِن ذراعها برفقٍ نحوه لتستسـ ـلم هي إليه وتتحرك كيفما يشاء هو ليقوم بضمها إلى أحضانه مطبقًا عليها بذراعيه يفر’ض عليها حمايته وسطو’ته كما أعتاد.
يعلم أنها هشـ ـة كالر’يشة لا تطمئن إلا برفقتهِ هو ولا تشعر بالرا’حة إلا داخل أحضانه، يعلم أن أعد’اءه يسعون لد’ماره ومستعدون كذلك لفعل أي شيءٍ في مقابل تحـ ـقيق أهدافهم التي يسعون إليها منذ زمنٍ والتي تتلـ ـخص في محـ ـوه مِن حياتهم ومكانهم، تلك الحارة التي تر’بى وعا’ش بها حياته بأكملها، تلك الحارة حيث تكون أ’منه وأما’نه راحته وحياته، كيف لهُ أن يتر’كها بعد أن تعـ ـلق بها وير’حل وكأن شيئًا لَم يكُن، لا يعلم كيف يفعل ذلك فإن كان ر’حيله عنها بمقابل حيا’ته فسيقدمها إليها حتى يتحاكى بهِ الجميع هذا الشا’ب الذي كان صغيرًا تر’بى بها وكَبُرَ بها حتى أضحـ ـى شا’بٌ ور’اعِ مسؤ’ولٌ عن رعا’ياه.
لثم رأسها بقْبّلة حنونة ثم مسـ ـح على ظهرها برفقٍ يهـ ـدأها ليبدأ حديثه الهادئ معها يخبرها ما يشعر بهِ وما يريد تنفيـ ـذه فور خرو’جه مِن تلك المشفى قائلًا:
_عارفة، كل يوم لمَ بتحصلي مصيبـ ـة جديدة فحياتي سو’اء مشا’كل أو حاجة تعـ ـرض حياتي للخطـ ـر بكتـ ـشف فيكي حاجة جديدة رغم إن جوازنا بقاله ٥ سنين بس بجد كل يوم بكتـ ـشف فيكِ طبع جديد وشخصية جديدة، خو’فك عليا الو’حيد اللي عمره ما هيتغـ ـيَّر حتى لو الزمن أتغـ ـيَّر، أنا هصا’رحك بشعوري اللي عمره ما كد’بني أبدًا، بقالي أسبوع ملاحظ تغـ ـيُّر “بـشير” خصوصًا معايا أنا، بقى عصـ ـبي وهمـ ـجي ودايمًا بيو’قفلي على الواحدة وأنا بصراحة أفتكرته بيهزر معايا فالأول بد’ليل إني قولتله هزارك با’يخ ومبحبّهوش بس هو برضوا نا’طح فيا زي التو’ر الها’يج وعا’ند.
_بدأت أشـ ـك مِن يوم ما أختـ ـفى وماما كلمته عشان ييجي يسهر معانا هو مِن وقتها متغـ ـيَّر أنا لاحظت ورغم إني شـ ـكيت أن فيه حاجة غـ ـلط بس برضوا عديت وكأن محصلش حاجة وقولت أخويا الصغير أستحـ ـمله جايز عنده مشكـ ـلة فشغله مضا’يقاه شويه، ألتمـ ـستله أعذ’ار كتير أوي وتغا’ضيت عن حاجات كتير عملها معايا بدون سـ ـبب بس لا لحد اليوم بتاع المطـ ـوة دا وستوب لحد هنا، “بـشير” مكانش وا’عي ولا عقـ ـله فيه، “بـشير” كان واخد حاجة مغـ ـيبة عـ ـقله كان تحـ ـت تأ’ثير حاجة أنا متأ’كد وألا عمره ما هيستـ ـجرىٰ ير’فع مطو’ة دا بيخا’ف يقتـ ـل صور’صار هيقتـ ـل بني آدم؟.
أنهـ ـى حديثه ثم نظر إليها حيث أبتعـ ـدت هي عن أحضانه حتى تتثنى إليها رؤيته بشكلٍ أوضح، كانت لا تستطيع قول شيءٍ إليه فهي حتى الآن لا تجد الردّ المناسب على حديثه فمازال عقـ ـلها متو’قفًا عن التفكير ويحاول أستيعا’ب أنه مازال على قيـ ـد الحياة يجلس أمامها ويُحا’دثها، فيما رآها هو تعود لإحتضانه مِن جديد تضع رأسها على صدره حيث بدأت تستمع إلى نبـ ـضات قلـ ـبه المنتظمة د’اخل قفـ ـصه الصد’ري لتشعر بالر’احة تغمـ ـر قلبها حينما تأ’كدت مِن وجوده معها لتغمض عينيها بر’احةٍ تسمح للنعا’س بالإحتـ ـلال على جفنيها لتستسـ ـلم للنعا’س بعد برهةٍ مِن الوقت.
فيما شعر هو بإنتظا’م أنفاسها ليتركها على هذه الوضعية ممسّدًا على ظهرها بحنوٍ حتى تطمئن أكثر تاركةً إياه يسـ ـبح في بحو’ر تفكيره وإنشغا’له بما حد’ث معه بدايةً مِن رؤيته إلى “بـشير” في الصباح وحتى أن أنهـ ـى يومهما بمحاولة قتـ ـل كلاهما، مازال لا يستطيع نسيا’ن هذا المشهد حينما قام بغـ ـرز المِد’ية في جا’نبه بكل ما يحمله مِن قو’ةٍ ثم تركه كما الذ’بيحة في يوم العيد ينزُ’ف وينزُ’ف أسفـ ـل أنظار الجميع الذين كانوا مصد’ومين وبشـ ـدة، ثم حتى قام هو بمحاولة قتـ ـل نفسه، أغمض عينيه بقو’ةٍ وزفـ ـر بعمـ ـقٍ محاولًا التحلي بالهدوء أكبر وقت ممكنٍ حتى يعلم إلى أين وصل بهم المطا’ف.
_______________________
<“إن كُنْت تريد إصا’بة هدفك قم بالضغـ ـط على الوتـ ـر الحسا’س لدى عد’وك.”>
جلس “سـراج” على المقعد ليبدأ بتناول فطوره قبل أن يستعد للذهاب إلى صديقه وأخيه الحبيب رفقة زوجته التي تلقت إتصالًا مِن والدتها بعد أن أستيقظت تخبرها أن شقيقها قد أستعاد و’عيه لتتهـ ـلل أسا’ريرها بسعادةٍ طا’غية ثم أخبرتها أنها ستأتي إليهم في الحال وأنهـ ـت المكالمة، جلست ترافق زوجها وتشاركه تناول الفطور والذي رأى هاتفه يصدح عا’ليًا يعلنه عن أتصالٍ هاتفي مِن “فـتوح”.
تبدلت معالم وجهه سر’يعًا ليسـ ـبّه بداخله بأبـ ـشع السُبّا’ب قبل أن يجيبه بنبرةٍ محتـ ـدة غا’ضبة متخـ ـذًا وضع الهجـ ـوم ضـ ـد عد’وه اللـ ـدود:
_أنتَ إيه يالا معندكش د’م مكفكش اللي حصله ولعلمك اللي حصل دا مش هيعد’ي بالساهل أنا عارف إنك ليك يـ ـد فالموضوع فأ’تقي شـ ـري بدل ما أعمـ ـلها مع عيلتك كلها يا عيلة **** مجابتش د’كر وكلمة زيادة هنزل أ’قل مِنك ومِن عيلتك يا ابن الـ*** تمام!.
أنهـ ـى صرا’خه بهِ ثم أغـ ـلق المكالمة بوجهه دون أن ينتظر سماع الردّ مِن الطر’ف الآخر، ر’مقته “مـها” نظرةٍ ذات معنى ثم حركت رأسها بقـ ـلة حيـ ـلة وقالت بنبرةٍ هادئة:
_وليه التسر’ع يا “سـراج” بالك هو طلـ ـع ملهوش يـ ـد أساسًا موقفك هيكون إيه قدامه؟.
_لا هو اللي ورا’ها وأنا متأكد مليون فالمية ولو متثـ ـبتش دا عليه أثبـ ـته أنا أنا عارف الأشكال الـ**** دي كويس أوي وممكن توصل بـ “فـتوح” للقتـ ـل عادي، بعدين اللي أتغـ ـز دا أخوكِ لو ناسية.
نا’طحها في الحديث وأشعـ ـلت فتيـ ـلة غضـ ـبه حينما أخبرته أنه يتـ ـهمه دو’ن وجه حـ ـق فهذا ما كان ينقـ ـصه ليسمعها تجيبه وهي مند’مجة بعمل سندويتشات الجُبن والبـ ـيض قائلة:
_ولنفترض هو بجد أزاي هيعمل كدا يعني، “فـتوح” بينه وبين أخويا مشا’كل كبيرة مِن زمان وعادي بيمشي الحال بس أنا مشوفتهوش المرة دي هو اللي بيأ’ذيه مع إنه بيتمنى يشوف أخويا مذ’لول ومتها’ن مِن الكل بس نجوم السما أقربله طبعًا، فاكر نفسه مين دا إن شاء الله عشان يقعد كل شوية يعملنا نِمَـ ـر ويتمسخـ ـر علينا ويعمل مواو’يل، ناس مر’يضة واللهِ، المهم رَ’وَق أنتَ بس ومتشـ ـغلش بالك وأفطر عشان نلحق الزيارة مِن أولها.
أخذ الساندويتش وقطـ ـمه بضيـ ـقٍ وهو يشعر بالنير’ان تغـ ـلي في أو’ردته فقد كان ينقـ ـصه “فـتوح” الذي عكـ ـر صفوه قبل أن يبدأ يومه، تعا’لت الطرقات على باب منزله لينهض متجهًا إليه كي يرى الطارق الذي لَم يكُن سوى “أسـ.ـمر” الذي أبتسم وقال:
_صباحك قشطة بالمهلبية يا اللي حا’رق وكا’يد حبايبك، أحلى مسا عليك صاحبك تحـ ـت فالمحل محر’وق وعمال يز’عق ويشـ ـتم ويحر’ق فسجا’ير وشيـ ـشة، شكلك عـ ـلمت عليه بالجا’مد.
_هو أنا عملت حاجة، تلاقي الجـ ـن حضـ ـر عليه هاتله “رمـزي” يخر’جهوله دا مش تخصصي.
ردّ عليه بنبرةٍ هادئة وكأنه لَم يفعل شيئًا منذ قليل ليزفـ ـر “أسـ.ـمر” بحنـ ـقٍ ثم تركه وذهب قائلًا بنبرةٍ عا’لية وحا’نقة:
_تعملوا الكا’رثة وتر’موها على غيركم يا عم وربنا لأكون قايل لـ “جـعفر” يشوفله صرفة معاكم أنا ز’هقت.
_”يـوسف” يا ***، أسمه “يـوسف” وعايزك تقوله يمين بعظيم لأكون معـ ـلقك على باب العمارة يا “أسـ.ـمر”.
ردّ عليه ونا’طحه في الحديث ليأتيه صوت ضحكات زوجته مِن الخـ ـلف التي أستمعت إلى حديثهما ورأت عنا’دهما لبعضهما البعض رغم فر’ق السِن الكبير بينهما ولَكِنّ في نظرها كانا كالقط والفأ’ر فدومًا يجتمعون عـ ـليه في غيا’ب رفيقه الرو’حي.
أغـ ـلق الباب خـ ـلفه ثم عاد إليها مِن جديد ورافقها في جلستها ليُكمل تناول فطوره حتى يذهب إلى صديقه وأخيه الرو’حي للإطمئنان عليه، فيما ر’مقته “مـها” نظرةٍ ذات معنى تراه يعـ ـبث في هاتفه ويتناول فطوره في ذات الوقت لتزفـ ـر بهدوءٍ تتمنى صلا’ح حياتهما كما تريد منذ زمنٍ.
في الأسفـ ـل حيثُ كان في الحارة.
كان “حـسن” يقف في المحل الخاص بوالدته ينتظر قدوم زوجته مِن السوق حيثُ ذهبت لأبتياع عِدة أغراضٍ تخص المنزل، خرجت إليه “ثُريا” التي أعدت لهُ فنجان القهوة تقول:
_مش كُنْت روحت مع مراتك يا “حـسن” لحسن حد يتعـ ـرضلها ولا حاجة أديك شايف مِن يومين إيه اللي حصل.
أخذ مِنها فنجان القهوة لينظر في وجهها يسألها عمَّ حد’ث منذ يومين لتجاوبه هي قائلة:
_أصل مِن يومين لمَ مَكونتش هنا مرات الأستاذ “عزيز” اللي فالرابع كانت في السوق بتجيب طلباتها قام واحد وسط الز’حمة وكدا أستغـ ـل الوضع يعني فقامت مصو’تة ولا’مة الناس عليه والكل لا’مها وقالولها إنها بتفتـ ـري على الرا’جل والحو’ارات اللي مبتأ’كلش عيش دي وأنتَ سيـ ـد العارفين يا ابني الكل بقى ضـ ـدها فجأ’ة المهم كلمت الأستاذ “عزيز” وهي منها’رة يا حبـ ـة عيني فخمس دقايق كان هناك ومفـ ـرج السوق كله عليه وها’جم الناس وجاب كاميرات المرا’قبة بتاعت المحل وبا’ن الو’ضع قام طا’لع على القسـ ـم ولبسهم قضـ ـية تحـ ـرش وناس شهـ ـدت وكانت ليلة.
لا يُنـ ـكر أن القـ ـلق قد ساور قـ ـلبه على زوجته ولَكِنّ حاول طمئنة نفسه وسأل والدته وهو مازال يطا’لع في وجهها قائلًا:
_وأنتِ عرفتي كل دا منين يا “ثُريا”؟.
_يا خويا هو في حاجة بتستخـ ـبى في الحارة دي دا أنتَ لو ز’عقت كله بيعرف تفا’صيل أنتَ مش عارف حاجة.
أنهـ ـت حديثها ثم تركته وذهبت تجلس على المقعد تحتسي كوب الشاي وهي تشاهد التلفاز، فيما كان هو مازال يقف مكانه يطا’لع الفر’اغ وقد سا’ور القلـ ـق قلبه نحو زوجته فهي لا تستطيع فعل ما فعلته زوجة “عزيز” فهي تخا’ف لأ’بعد الحد’ود ولذلك لن تستطيع فعل أي شيءٍ، أخر’جه مِن أفكاره السو’دا’ء تلك صوت غْـوثه الذي كان خيرُ رفيقٍ إليه.
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أزيك يا سـ ـت أم “حـسن”.
_بخير يا عـ ـين ستك تعالى أعملك كوباية شاي.
أبتسم إليها ووضع كفه على صدره يشكرها على إحترامها إليه بقوله المهذ’ب:
_الله يكرم أصلك يا سـ ـت الكل لسه شارب قبل ما أنزل الحمد لله بالشفا على قـ ـلبك.
نظر بعدها إلى صديقه الذي شرد مِن جديد ليعقد ما بين حاجبيه ويسأله قائلًا:
_مالك يا “حـسن” سرحان كدا ليه إيه اللي واخد عقـ ـلك كدا؟.
نظر إليه حينها “حـسن” نظرةٍ ذات معنى لبرهةٍ مِن الوقت قبل أن يقول بتيـ ـهٍ:
_فاللي قالته أُمّي دلوقتي.
_قالتلك إيه مخليك مش على بعضك كدا؟.
_فاللي حصل مع مرات “عزيز” مِن يومين، خو’فتني على مراتي والفا’ر بدأ يلعب فعِـ ـبي وبفكر أروحلها.
تفهم حينها “رمـزي” سـ ـبب خو’فه وتيـ ـهه ذاك ليَمُدَّ كفه يضعه على صدر الآخر يمسـ ـح على موضع قلـ ـبه قائلًا:
_بسم الله على قلبك حتى يهـ ـدأ … بسم الله على رو’حك حتى تستـ ـكين.
وهكذا ظل يردد لبرهةٍ مِن الوقت وهو ينظر إلى وجه صديقه يتابع تقا’سيم وجهه حتى أنهـ ـى قائلًا:
_عايز نصيحة أخوية؟.
نظر إليه “حـسن” حينها وكانت نظراته تنطـ ـق بالموافقة ليقول الآخر بنبرةٍ هادئة:
_في الدِّ’ين عندنا الر’جُل هو اللي ينزل يجيب متطلبات منزله حتى وإن كان كيس سُكَّر يتـ ـيم، السـ ـت عليها منزلها ولذلك بتشوف أغلب السوق رجا’لة، أنا أهو بقولهالك وأنا مش مكسو’ف ولا مُحر’ج أنا اللي بجيب حاجة البيت وأنا راجع مِن شُغلي عُمري ما خليت أُمّ “قـمر” تنزل تجيب حاجة، واللي حصل لمرات “عزيز” يعلمه إنه ميخليش مراته تنزل تجيب حاجة تاني وهو اللي ينزل لأن التعد’ي على حُـ ـرمة الجسـ ـد للنسـ ـاء صـ ـعبة أوي يا “حـسن” وزو’الها مستحـ ـيل أما عد’يمي الرجو’لة مبيفر’قلهمش اللي بتعيـ ـشه ولا الخو’ف والر’عب اللي بيحاو’طوها أهم حاجة عندهم إرضاء نفسهم وبس، ولإن السكوت عن الحـ ـق شيـ ـطان أخر’س فتلاقي الشيا’طين حوالينا كتير.
أبتـ ـلع “حـسن” غصته بعد أن تشـ ـتت تفكيره وطرق الخو’ف بابه إليه ليقوم بترك فنجان قهوته والألتفات إليه قائلًا بنبرةٍ مضطـ ـربة:
_أنا هروح أشوفها ولمَ أرجع عايزك شوية محتاج أتكلم معاك فِحتة الدِّ’ين دي.
أنهـ ـى حديثه ثم تركه وذهب نحو السوق بخطى واسعة تكاد تكون راكضة ليلتفت إليه “رمـزي” الذي طا’لعه بهدوءٍ ليسمع “ثُريا” مِن خـ ـلفه تمدح والدته بقولها:
_تسلم البطـ ـن اللي شا’لت، يا زين ما رَبـ ـت بجد أنتَ لو أبني لأمشي فوسط الناس وأتفشـ ـخر بيك آه واللهِ العظيم.
ألتفت إليها “رمـزي” ينظر إليها ليبتسم أبتسامة خـ ـفيفة إليها دو’ن أن يتحدث وهو كل ما يشغـ ـل تفكيره الآن هو رفيقه القابع في المشفى لا يعلم عنه شيئًا حتى الآن ويأمل أن يكون بخيرٍ.
________________________
<“كُتِبَت على جد’رانها تحيا الأم.”>
تحيا الأم بالعربية وبالهندية يقولون “Vande Mataram”، الأم كما أطـ ـلقوا عليها وعزفوا الموسيقى وألفوا الكلمات لأجلها، تلك التي لأجلها قُرِعَت الطبول وأدوا التحية لها وتعهـ ـدوا على الحفا’ظ عليها مِن بر’اثين العد’و، تلك التي أُحتـ ـلت لـ مئتي عامٍ كانوا مواطنيها كالعـ ـبيد لدى البر’يطانيون، حتى جاء الفا’رس النبيل وحـ ـرر أ’رضه وبتـ ـر الجزء المصا’ب مِنها حتى يحـ ـيى بقيتها، تلك البلدة التي شهدت العديد مِن الد’يانات المختلفة كانت أبرزها الإسلا’مية والمسـ ـيحية، تلك البلدة المعشو’قة مِن الوطن العـ ـربي وتلك البلدة التي جعلت الجميع مهـ ـووسُ بها وبلغتها.
تعا’لت أصوات الجميع يغنون لأجلها ويقيمون الأفراح في شوارعها وصوت قرع الطبول يعـ ـلو والجميع يرقص لأحتفالهم “بعيد الإستـ ـقلال” هذا اليوم الذي كان يوم تحـ ـريرها وأستقـ ـلالها مِن جديد تتربع على عرشها ضمن دو’لٍ نجـ ـت مِن الإحتـ ـلال، الجميع يغنون أغنية شهيرة في إحدى الأفلام الهندية والتي كانت تسمى “Vande Mataram”.
وفي وسط هذه الأجواء والموسيقى الصا’خبة سارت “أديتي” بين أهل بلدتها الحبيبة والأبتسامة الهادئة تزين ثغرها ترى سعادة الجميع بمرور ٧٠ عامًا على الإستـ ـقلال وصوت المِز’مار والقرع على الطبول يعلـ ـو، إشتا’قت إلى تلك الأجواء كثيرًا وبدون إرادة ألتـ ـمعت مُقلتيها بالعبرات وهي تشاهد الزينة في كل مكان والسعادة تملـ ـئ الأرجاء، شعرت بزوجها الذي حاوطها بذراعه ينظر إليها مبتسم الوجه بعد أن عادت تتعا’فى ولو بنسبةٍ قلـ ـيلة يكفي أن يشعر بالأمل يعود لهما مِن جديد.
توجهت برفقتهِ إلى هذا الإزد’حام ترتدي ساري باللو’ن الأز’رق اللا’مع وتتر’ك لخصلاتها الطو’يلة النا’عمة العنان تسير رفقتهِ وهي تشاهد المكان حولها بسعادةٍ طغـ ـت على معالم وجهها، أقتربت مِنهما فتا’ةٌ صر’خت بإسم صديقتها بسعادةٍ طا’غية غير مصدقةٍ ما تراه لتر’تمي في أحضانها تعانقها بسعادةٍ كبيرة وكل ما تردده “أشتقتُ لكِ”، ضحكت الأخرى بسعادةٍ وضمتها إلى أحضانها وهي تخبرها أنها أشتا’قت إليها كذلك.
أبتعـ ـدت عنها لتتحدث بلغتها الهندية وهي تنظر إليها قائلة بنبرةٍ سعيدة:
_أشتقتُ لكِ كثيرًا “أديتي”، ما هذه المفاجأة السعيدة أنا لا أُصدق ما أراه، مرحبًا بعودتكِ أيتها الشقـ ـية.
ضحكت “أديتي” وهي ترى سعادة صديقتها لتقول مبتسمة الوجه:
_دعكِ مِن هذا كله وأخبريني ماذا يوجد اليوم غير ذاك الأحتفال.
_حفلة، الجميع أقر على حفلة وكل زوجين سيتشاركان الرقصة الخاصة بهما لا تعلمين كم أُحب ذلك، ستشاركين أليس كذلك؟.
نظرت حينها “أديتي” إلى زوجها الذي كان ينظر إليها بطر’ف عينه وعلى ثغره أبتسامة هادئة لا تعلم مبتغاها وقبل أن تر’فض ذلك أتاها صوته حينما قال:
_نعم سنشارك رقصتنا الخاصة سويًا.
نظرت إليه صديقتها ومعها “أديتي” التي تعجبت كثيرًا فهي حتى الآن تعلم أنه يجهـ ـل كل ما يتعـ ـلق عن عا’دات وتقا’ليد بلدتها ولغتها والتي تفا’جئت الآن أنه يعلمها ويتحدث كذلك بها، أبتسمت صديقتها ثم أ’كدت عليها الموعد ومِن ثم تركتها ورحلت لتتركهما سويًا.
عقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تنظر إليه ليبتسم أكثر لها ويقول:
_كُنْتُ أنتظر كثيرًا هذه اللحظة حبيبتي، أخبريني الآن على ماذا سنرقص سويًا أُريدُ أن أفعل كما رأيتُ في الأفلام التي شاهدناها أنا وأنتِ.
_حقًا، وهل تجيد هذا الرقص الذي شاهدته أنت أيها الأمر’يكي حتى تتحدث بهذه الثقة؟.
أبتسم هو حينها بعد أن كانت تحا’دثه بنبرةٍ متهـ ـكمة ليقوم بومض جفنه الأ’يسر بتلا’عبٍ وهتف قائلًا:
_سأقوم بتعليـ ـق سؤالكِ ذاك وأُجيبُ عليه في المساء، فعلًا وليس قولًا.
_وهل تجيد رقص الهيب هوب كذلك أم أنكَ لا تجيده، كما شاهدته على التلفاز؟.
تتحـ ـداه وهو يعشـ ـق التحد’ي كما عينيه ولذلك أجابها مبتسم الوجه وقال:
_أُجيد فعل أي شيء، فحضرتكِ تقفين أمام واحدٍ مِن السحـ ـرة المشهورين في عا’لم السحـ ـر، ظني بي كل شيء فأنا أُخا’لف التوقعات.
أقتربت مِنهُ خطوتين لتقف أمامه مباشرةً تنظر إلى عينيه الر’مادية لتبتسم إليه قائلة:
_وأنا في الإنتظار سيد “ويسلي”، أنا وأنت والمساء سيجمعنا سويًا.
أبتسم هو كذلك إليها في المقابل ليبا’غتها ويلثم وجنتها بقْبّلة هادئة أتبعه قوله:
_سأوريكِ أيتها الهندية الجميلة.
_”أديتي” هيا هُناكَ أحتفالًا صغيرًا الآن لكل ثنائي تعالي الآن!.
كان هذا صوت صديقتها التي أشارت إليها بحما’سٍ لتنظر هي حينها إلى زوجها الذي أبتسم وهندم ملابسه بثقةٍ ليُمسك بكفها ويتوجها نحو هذا التجمهـ ـر ليشاهدان زوجان يؤديان رقصتهما كما كان يرى في الأفلام الهندية وقد كان منظمًا مثلما كان يرى، المشهد يسحـ ـر العقو’ل ويجذ’ب الأنظار، أبتسم بثقةٍ ليقوم بجذ’بها حينما أنهـ ـى الزوجان رقصتهما.
تعا’لت الموسيقى وألتزم الجميع أماكنهم مِن الرجا’ل والنسـ ـاء الذين سيرقصون معهما هذه الرقصة الشهيرة على هذه الموسيقى الجميلة والتي أشتهرت بشكلٍ كبير وقد كانت تتقارب مع أخرى صدرت قبلها بوقتٍ قصير، الألو’ان المختلفة والشبا’ب الصغار الذين يتمتعون بجمالهم الهندي الخاص حيث أكثر ما يميزهم مع نسا’ءهم الخصلات الحـ ـريرية التي جعلت الجميع يريدوو معرفة سرهم ذاك ويتسألون عن ما يستخدمونه.
الرقص منظم وحينها وقفت “أديتي” تشاهد زوجها بذهولٍ تا’م والذي خا’لف سـ ـقف توقعاتها وكان يرقص كما كان البطل يرقص في الفيلم على هذه الموسيقى خلفه الشبا’ب، الحيو’ية والنشاط والخـ ـفة والمر’ونة في رقصهم يجعل الجميع يتعجب مِنهم يجيدون فعل كل شيءٍ بحيو’ية ليحين دورها في أداء رقصتها لتعلـ ـو الصيحا’ت المرحة والسعيدة مِن حولهم حتى أنهـ ـيا رقصتهما وتعا’لت الصيحا’ت مِن حولهم يُحيوهما على أداء هذه الرقصة ليأخذها هو مبتعـ ـدًا عن ساحة الرقص بعد أن رأى مجموعة شبا’ب يقتربون ليؤدون رقصتهم على تلك الموسيقى التي كان قرع الطبول بها يتغـ ـلب على بقية معازفها ليقف أمامها ينظر إليها مبتسم الوجه مفتخـ ـرًا بنفسه لتعـ ـلو ضحكاتها فجأ’ة على أفعاله التي كانت مضحكة في منظورها لير’مقها نظرةٍ ذات معنى ويقول متسائلًا:
_على ماذا تضحكين “أديتي” أنتِ يجب أن تخـ ـجلي مِن نفسكِ الآن فقد سخر’تي مِني منذ قليل.
أزدادت ضحكاتها أكثر عن السابق ليقف هو عاقدًا ذراعيه أمام صدره يتابعها دون أن يتفوه بحرفٍ واحد لتتحدث هي بنبرةٍ ضاحكة وهي تنظر إليه قائلة:
_ولذلك أنا أضحك، حسنًا أنا أعتذر لكَ “ويسلي” فقت توقعاتي بكَ يا ر’جُل أنتَ ماهرًا في الرقص أنا أُحييك حقًا.
أنهـ ـت حديثها ثم بدأت تصفق إليه لينظر إليها بطر’ف عينه قليلًا ثم قليلًا وأبتسم أبتسامة خـ ـفيفة حتى أزدادت بعد مرور لحظاتٍ ليحرك رأسه بقـ ـلة حيـ ـلة ثم ضمها إلى أحضانه يطبـ ـق عليها بذراعيه يُلثم رأسها بقْبّلة حنونة دون أن يتحدث فقط هو سعيدٌ لرؤيتها مبتسمة والسعادة تغمـ ـرها فلو كان يعلم أن هذا سيجعلها بتلك السعادة لكان فعله منذ زمنٍ دون أية تر’دد.
________________________
<“هـ ـدأت القلوب حينما تلقت مرادها.”>
في مساء هذا اليوم.
كانت “بيلا” تقف أمام نافذة غرفة أخيها الذي مازال كما هو الحال عليه تنتظر أن يستفيق وينهض وهي تجول أمامها بخطى هادئة ذهابًا وإيابًا تدعوا إلى المولى عز وجل أن يشفيه ويرده إليهم معا’فًا، وعلى مقربةٍ مِنها يجلس أخيها وشقيقتها ينتظران تلقـ ـي الخبر المراد بتلـ ـهفٍ شـ ـديد.
نظر “أكرم” إلى “بيلا” التي كانت خا’ئفة على أخيها لبرهةٍ مِن الوقت ير’اقب أفعالها بصمـ ـتٍ ثم عاد ببصره إلى شقيقته الأخرى القابعة بجواره هادئة على غير العادة ليفكر في الأمر قليلًا بينه وبين نفسه قبل أن يفعل شيئًا، فشيءٍ كهذا ليس مِن السهل التحدث بهِ وخصيصًا معها هي.
أبتـ ـلع غصته بهدوءٍ ثم نظر إليها بعد أن أتخذ قراره ليقول بنبرةٍ هادئة:
_”كايلا” محتاج أتكلم معاكِ شوية.
نظرت إليه حينها وطا’لعته بنظراتٍ هادئة لتقول بنبرةٍ مماثلة:
_خير يا “أكرم” عايز تتكلم معايا فأيه.
نهض هو بدوره وهو ينظر إليها ليقول:
_تعالي نتكلم بعيـ ـد شوية، الموضوع اللي عايزك فيه يخـ ـصك.
تعجبت “كايلا” كثيرًا مِن حديثه وسا’ور القـ ـلق قلبها لتسأل نفسها بخو’فٍ:
_معقول يكون شافني مع “جـاد” أو سمع كلامنا، أو شاف نظراته ليا، أنا خو’فت أوي أول مرة يطلب مِني طلب زي دا.
_تعالي متخا’فيش مفيش حاجة تخو’ف.
طمئنها حينما رآها خا’ئفة أمامه لتنظر إليه بدورها ترى الصدق في عينيه لتنهض بهدوءٍ بعد أن أمأت برأسها توافقه لتسير معه مبتعـ ـدةً عن مرمى شقيقتها التي نظرت إليهما وتعجبت كثيرًا حتى أنهما لَم يخبرانها بشيءٍ لتسأل نفسها قائلة وهو تتابع أبتعا’دهما عنها:
_يا ترى “أكرم” و “كايلا” رايحين على فين؟ وليه محدش فيهم قالي إنهم ماشيين؟ يارب يكون خير ومتكونش مـ ـصيبة جديدة مـ ـخبينها عليا أنا دلوقتي مشغول’ة بين “بـشير” و “يـوسف” مش هقد’ر أتحمـ ـل مـ ـصيبة جديدة دلوقتي.
على الجهة الأخرى مِن نفس المكان.
وقفت “كايلا” أمام أخيها الذي وقف في مو’اجهتها ينظر لها دون أن يقول شيءٍ فيما نظرت إليه دون أن تتحدث تنتظر سماع ما سيُقال ومازال الخو’ف يسـ ـكن قلبها فحتى الآن تخـ ـشى أن يكون عَلِمَ شيئًا عن جلستها مع “جـاد” الذي كان لطيفًا معها حينها وتبادل معها الحديث وحُبّه لابن عمه ولَكِنّ لن تنسى عيناه العسلية التي كانت تطالعها بنظرةٍ مختلفة عن سابقتها.
_أنا بصراحة حابب أتكلم معاكِ فموضوع أنا عارف إنه هيكون مُحر’ج جدًا بالنسبة لك بس لازم أتكلم فيه دلوقتي عشان نحط النقـ ـط على الحروف مع بعض.
نبرته كانت هادئة ونظرته كانت صا’فية، شعرت بالأ’مان في هذه اللحظة ولَكِنّ مازال الخو’ف حليفها فهي حتى الآن تجهـ ـل سـ ـبب مجيئه بها إلى هنا، يشعر بها ويعلم أن الخو’ف يغـ ـلف قلبها ولذلك كان ر’حيمًا بها وبدأ حديثه حتى يطمئن قلبها.
_عايز أتكلم معاكِ بخصوص “هاشم”، عدى ٥ شهور ولا شوفتك سألتي عليه ولا حتى جبتي سيرته ولو بالغـ ـلط قدامنا بعد ما أتطـ ـلقتي رسمي، كُنْت محتاج أفهم ليه.
أطمئن قلبها وهـ ـدأت نير’ان صد’رها وضـ ـجيج رأسها لتزفـ ـر بعمـ ـقٍ وهي تحمد ربها لتسمعه يقول مِن جديد:
_ممكن أفهم إيه اللي حصل حتى مسألتيش عليه قبل الطلا’ق ولا زورتيه وفجأ’ة طـ ـلع عليكِ عايزة أتطـ ـلق، قوليلي.
_ولا حاجة، مبقتش عايزة أكمل معاه، شخص حاول يقتـ ـل أخوه فساعة غضـ ـب وفتحـ ـله د’ماغه بعـ ـصايا حـ ـديد كان هيمو’ته فيها مستني مِني إيه؟ أنا مشـ ـيت ونهيـ ـت علا’قتي بيه لأنه شخص لا يؤ’تمن عليه وخلصنا.
طا’لعها بنظراته الهادئة يُفكر في حديثها الذي كان صحيحًا مئة بالمئة فهذا لا يؤ’تمن عليه ولو لثانية واحدة، مسـ ـح بكفه على خصلاته ليقول:
_عندك حـ ـق، طب لو قولتلك إن “هاشم” مش موجود دلوقتي ولا لِيه أ’ثر هتعملي إيه؟.
فا’جئها بحديثه كثيرًا لتطا’لعه هي بنظراتٍ مصد’ومة وهي لا تصدق ما سمعته منذ لحظات، فيما حرك هو رأسه برفقٍ وقال:
_”يـوسف” اللي قالي، راح عشان يزوره ملقاهوش ولا طـ ـلع موجود فأي مكان كأنه فـ ـص ملح ودا’ب.
_إيه! يعني إيه إيه الكلام اللي بتقوله دا أزاي؟.
عكـ ـص شفتيه بجهـ ـلٍ ور’فع كتفيه قليلًا وأجابها بجهـ ـلٍ قائلًا:
_معرفش دا اللي “يـوسف” قالهولي، و “جنة” نفس الكلام، دا مش معناه غير حاجة واحدة بس ملهاش تفسير تاني.
طا’لعته بخو’فٍ وهي مازالت تجهـ ـل القادم ليقوم هو بإعطاءها الضر’بة القا’تلة حينما قال:
_كدا “هاشم” و “جنة” على كلام “يـوسف” معايا مش بشـ ـر زينا وعا’يشين معانا، دول أتبعتوا هنا لمـ ـهمة معينة وهي إنهم يو’هموا “يـوسف” عن الحـ ـقيقة وأستـ ـغلوا وقتها إنه ميعرفش أي حاجة عن ما’ضيه وهو صغير ولذلك هما عرفوا يضحكوا عليه ويقـ ـنعوه إنهم أخواته و “هاشم” قرب مِن القريبين لـ “يـوسف” وكانت أنتِ تانيهم بعد “يـوسف”.
جحـ ـظت عينيها بهـ ـلعٍ فو’ر أن أستمعت إلى حديث أخيها الكبير الذي كان كالر’صاصة السا’مة التي أختر’قت صدرها، بينما رأى هو صد’متها وخو’فها البائن نُصـ ـب عينيه، نعم إنها صد’مةٌ كبيرة إليها لَم يسعـ ـفها عقلها لأستيعا’بها، فيما أكمل هو حديثه الحذ’ر وهو ينظر إليها قائلًا:
_المهم دلوقتي مِن كل حاجة، حصل حاجة يا “كايلا” ولا لا.
نظرت إليه بصد’مةٍ أكبر وهي فقط الآن عَلِمَت لِمَ أراد أن يبتعـ ـد عن شقيقته فالحديث كان حسا’سًا بالنسبة إليها ومحر’جًا خصيصًا أن مَن يُحادثها هو أخيها الكبير، أبتـ ـلعت غصتها بخو’فٍ شـ ـديدٍ وهي مازالت تنظر إليه ليبدأ الخو’ف يتسـ ـلل إلى قلبه فو’ر أن رأى حالتها تلك فستكون كا’رثةٌ كبيرة عليهم وأولهم هي.
_”كايلا” ردّي ور’يحي قلبي، متخليش عقلي يود’ي ويجيب هتبقى مـ ـصيبة علينا كلنا عارفة يعني إيه، “هاشم” كدا بالنسبة لينا إحنا مـ ـيت بس هناك هو مش ميـ ـت فاهمة، ر’يحي قلبي بقى.
وسريعًا مَرَّ شـ ـريط ذكرياتها معه نُصـ ـب عينيها سريعًا، جميع اللحظات التي عا’شتها معهُ هو كانت أكذ’وبة، هذا الحُبّ وتلك النظرة وهذا الشعور كل هذا كان أكذ’وبة كبيرة! ألتمـ ـعت العبرات في مُقلتيها وهي في صد’مةٍ مِن أ’مرها لتر’حم قلبه وتنـ ـفي ظنونه التي تبد’دت ليزفـ ـر بعمـ ـقٍ وكأن الإعترا’ف بهِ شيئًا شنيـ ـعًا وجُر’مًا لا يغتفـ ـر.
سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها حينما شعرت أنها كانت مجرد لُعبة في مسرحيةٍ سيأتي وقتها وتنتـ ـهي، شعرت أن قد تم د’هس فؤادها وحُبّها بكل قسو’ة فهي أحبّت بصد’قٍ وأعطت جميع مشاعرها وألقـ ـت بها في السرا’ب، أجهـ ـشت في البكاء ليقوم هو بدوره نحوها ويقوم بضمها إلى أحضانه يطـ ـبق عليها بذراعيه.
يعلم أنها مصد’ومة ولا تصدق حتى الآن ما قاله ولَكِنّ في بعض الأوقات تكون الحـ ـقيقة صـ ـعبة ومؤ’لمة على المرء ولَكِنّهُ سيفعل ما بوسعه حتى يعوضها عمَّ حد’ث، مسّد على ظهرها بحنوٍ وأخذ يهـ ـدأها بعدة كلماتٍ موا’سية وهو يعلم أنها تتأ’لم فهذا ليس سهلًا عليها البتة، ولَكِنّ ما أرا’ح قلبه أنها مازالت كما هي وهذا أسعده كثيرًا.
_خلاص اللي حصل حصل مش هنقدر نر’جعه ولا نمـ ـحيه، الأهم دلوقتي أنتِ وصدقيني ربنا هيعوضك باللي يشبهك ويستا’هل قلبك وحُبّك لأن حُبّك نقـ ـي وطيبة قلبك مفيش زيها وعشان كدا لسه شريكك مجاش بس مين عارف مسيره ييجي وياخد كل الحُبّ والطيبة دي لنفسه، ويعوضك هو كمان وتكوني بالنسبة له الد’نيا بما فيها وقت ما حد يد’وسلك على طر’ف يهـ ـب فيه زي التو’ر، ولا تز’علي يا حبيبتي حـ ـقك على قلبي أنا آسف بالنيا’بة عنه هو أذا’كِ وضحك عليكِ بس صدقيني كلنا فمر’كب واحدة وأول المخد’وعين فيه كان “يـوسف”، خلاص عشان خاطري بطـ ـلي عياط.
يؤ’لمه قلبه لرؤيتها تبكي بهذه الطريقة فهو لا يتحمـ ـل رؤية شقيقتيه حزينتين فكيف يكون الأمر حينما تكون واحدةٍ مِنهما قد جُرِ’حَت مشاعرها؟ ألتزم الصمـ ـت معها وظل يمسّد على ظهرها وخصلاتها بحنوٍ حتى تهـ ـدأ هي وتشعر أنها بخير.
على الجهة الأخرى.
كانت “بيلا” تقف أمام النافذة تشاهد الطبيب الذي كان يفحص أخيها بعنا’ية وهي تتمنى أن يخر’ج ويطمئن قلبها عليه، وبالفعل أنهـ ـى الطبيب فحصه وخر’ج إليها لتنظر هي إليه بلهـ ـفةٍ تنتظر ما سيقوله إليها.
_أتطمني الحمد لله عدى مرحلة الخطـ ـر والقلب مو’قفش غير مرة واحدة بس كانت بليل والحمد لله لحـ ـقناه، “بـشير” كان عنده عـ ـضلات القلب ضـ ـعيفة شوية والد’م مبيو’صلش بشكل طبيعي للقـ ـلب بس عشان نتطمن أكتر عملناله شوية فحوصات على القـ ـلب والحمد لله مفيش أي حاجة هو بس عنده سرعة التر’سيب عا’لية بس على العلاج إن شاء الله هتتظبط الدنيا وهو دلوقتي ما شاء الله عليه وا’عي وبيتكلم كويس ومستجيب للي حواليه عمومًا هنبدأ نفصـ ـل الأجهزة مِن على جسـ ـمه وننقله أوضة عادية … بس كان فيه حاجة غر’يبة.
تبدلت معالم وجهها بعد أن كانت السعادة بادية عليه إلى أخرى حذ’رة ليُـ ـلقي نظرة على الما’ثل في الداخل ثم نظر لها وقال:
_إحنا لمَ سحـ ـبنا مِنُه عيـ ـنة د’م وحـ ـللناها لقينا فيها نسبة مخد’ر، هو كان بيتعا’طى أي نوع مِن أنواع المخد’ر؟.
نفـ ـت حديثه سريعًا برأسها وتليها فمها حينما تحدثت بنبرةٍ متلهـ ـفة لتقول:
_لا لا خالص، أخويا مبيتعا’طاش أي نوع مِن المخد’رات لا مستحيـ ـل دا عمره ما د’خن ولو بالغـ ـلط لا صدقني، يمكن يكون أتحطله فأي حاجة شربها بدون ما يحـ ـس.
_المخد’ر اللي دخل جسـ ـمه نوع شـ ـديد مِن اللي بتطـ ـير العقـ ـل يعني بيكون بيعمل المصـ ـيبة وهو مش در’يان بأي حاجة عشان كدا قولت ممكن تكوني على عِلم.
مِن جديد حركت رأسها تنفـ ـي ذلك بقولها:
_لا لا خالص أخويا أطيب مِن كدا بكتير مش بتاع السـ ـكك الضا’لة دي خالص.
_عمومًا حبيت أنبهـ ـك بس مش أكتر، ألف سلامة عليه.
تركها وذهب بعد أن أنهـ ـى حديثه فيما نظرت هي إلى أ’ثره ثم نظرت بعدها إلى أخيها الذي نظر إليها وأبتسم برفقٍ لتمنحه أبتسامة هادئة تنتظر قدوم الممرضين حتى يتم نقله إلى غرفة أخرى وهي تُفكر في حديث الطبيب إليها.
في مكانٍ آخر حيث غرفة “يـوسف”.
كان ينظر إلى والدته بمـ ـللٍ حيثُ كانت تتحدث في الهاتف وتصر’خ بـ “زينات” كالمعتاد ليغمض عينيه بهدوءٍ ويتمتم بحنـ ـقٍ يسُـ ـب زوجة عمه:
_دا أنتِ ولية بنـ ـت *** رغا’ية، ربنا يرحمنا مِنك ومِن قر’فك يا شيخة.
وبعد مرور رُبع ساعة مِن الشـ ـد والجذ’ب بينهما أنهـ ـى هو المكالمة حينما جذ’ب الهاتف مِن والدته وردّ عليها بوقا’حته المعتادة قائلًا:
_تصدقي وتؤمني بالله يا “ويلا’ت” أنتِ اللي هيجـ ـيب أ’جلك بإذن واحد أحد هكون أنا، شـ ـللك على إيدي يا بنـ ـت الشحا’ت يمين بعظيم لاور’يكِ وبنـ ـت أبوكِ أوقفي فوشي هطـ ـلع البـ ـلا الأزر’ق على د’ماغك ومِن غير سلام.
أغـ ـلق المكالمة في وجهها دون أن يعطيها فرصة الردّ ليترك الهاتف على الفراش بإهما’لٍ وزفـ ـر بعمـ ـقٍ وهو يضع رأسه على الوسادة مغمض العينين، فيما زفـ ـرت “شـاهي” بضيـ ـقٍ بعد أن هاتفتها الحر’باء لإثا’رة غـ ـضبها لينتـ ـهي الأمر بصرا’خ ولدها بها والآن تأ’لمه.
وقفت بجوار فراشه ومدَّت كفها تمسـ ـح على خصلاته الشـ ـقراء بحنوٍ وقد زفـ ـرت بعمـ ـقٍ وقالت بنبرةٍ هادئة:
_قولتلك بلاش يا حبيبي دي و’لية شـ ـر ومش هتسـ ـلم مِنها مسمعتش الكلام.
أشار إليها بكفه دون أن يكترث لأي شيءٍ وهو مازال كما هو ليقول:
_فـ ـكك مِنها دي مش هتتهـ ـد غير بذ’بحة صد’رية ولا حاجة تجيب أ’جلها، هي شا’طت أول ما عرفت إني ممو’تش أنا فاهم د’ماغها كان نو’ر عينيها تسمع خبر مو’تي.
_بس متقولش كدا إن شاء الله هي وأنتَ لا، أنا ملحـ ـقتش أشبـ ـع مِنك أنتَ وأختك، دي مِن زمان وهي كدا تتمنى الشـ ـر للكل والخير لنفسها، تخيل يا “يـوسف” كانت بتقعد تضا’يق فيا وتعا’يرني عشان هي ولادها معاها وأنا لا، كانت كل يوم تنيمني والد’معة على خدي كانت بتفرح أوي وهي حا’رقة قلبي على اللي مش معايا، أنا أتو’جعت أوي بسـ ـببها عمري ما عدى عليا يوم حلو غير لمَ تكون هي مـ ـنكدة عليا فيه، أنا حـ ـقيقي تـ ـعبت مِنها حتى بعد ما رجعتوا لحضني مصممة تبعـ ـدكم عنّي وتحر’قلي قلبي … مش مكفيها حر’قتي طول السنين اللي فاتت دي؟.
كان يسمعها وهو يرى العبرات تلتـ ـمع في حدقتيها والحز’ن مرتسمًا على تقا’سيم وجهها المحبب، آ’لمه قلبه عليها كثيرًا ولذلك ترك فراشه ونهض بحذ’رٍ ليضمها إلى د’فئ أحضانه يحتو’يها ويمسـ ـح على قلبها المتعـ ـب، فيما وضعت هي رأسها على صدره وأجهشـ ـت في البكاء فقد تحـ ـملت الكثير بعد أن تو’فى زوجها وتركها و’حيدة تواجه عائلته وشـ ـرورهم وحدها بعد أن فـ ـقدت بعده ولديها كذلك فغيرها كانت ستجـ ـن ولَكِنّ كان ربها رحيمٌ بها وبقلبها الملكو’م.
وها هي تمُرّ السنوات لير’دّ إليها حاجتها ويعودا ولديها إلى د’فئ أحضانها، لثم رأسها بحنوٍ ومسـ ـح على ظهرها برفقٍ لتبتعـ ـد هي عن أحضانه تنظر إليه بعينين باكيتين وقلبٍ متعـ ـب ليقوم هو بإز’الة عبراتها مِن على صفحة وجهها بحنوٍ بكفيه، لثم جبينها كذلك ثم نظر إليها وقد قطـ ـع عهـ ـدًا على نفسه في هذه اللحظة حينما قال:
_بحـ ـق السنين اللي عيشتيها فجـ ـحيم معاهم وحُر’قة على اللي ضا’ع مِنك وصبرك على كل اللي شوفتيه وبحـ ـق لا إله إلا الله لأكون واخد حـ ـقك مِن أي واحد أذ’اكِ فيهم ولو حتى كانت بكلمة واحدة، بحـ ـق الأيام الحلوة اللي عيشتيها مع بابا لار’جعلك حـ ـقك وأعرفهم إن “عدنان” جايب را’جل، مظهرش غير لمَ حـ ـس باللي مِنُه بينام محر’وق كل يوم ودمعته على خده، مش هخليهم يتجر’ؤا يبصوا فعينك بس بعد اللي هعمله فيهم وأعرفهم إن “شـاهي” سـ ـت مش مكسو’رة الجنا’ح ولسه ورا’ها را’جل قا’در يشيـ ـل أي عين تتر’فع عليها بنظرة متعجبـ ـهوش، أستني وهتشوفي بنفسك أنا هعمل إيه وأولهم “ويلا’ت” بنـ ـت الشحا’ت الجعا’نة اللي كسـ ـفتك يوميها بالأكل اللي عملتيهولي وأيما’نات ربنا لوريها جَو النتا’نة والشحا’تة على حـ ـق.
سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها وهي تنظر إلى و’لدها الر’جُل الذي تر’بى في صغره بظرو’فٍ قا’سية قد جعلت مِنهُ اليوم ر’جلًا يتها’بى بهِ الجميع وتُلـ ـقى عليه الأشعار، اليوم ستسير بين الجميع را’فعة رأسها عا’ليًا تخبر الجميع أنها تمـ ـلُك ر’جلًا كالذ’ئب يلتـ ـهم مَن يجر’ؤا على أذ’يتها، أبتسمت وهي ترى زوجها الحبيب في و’لدها، قو’ته وعِز’ة نفسه وكبر’ياءه وشخصيته الصا’رمة التي تفر’ض أحترامها على جميع مَن حولها، حاوطت وجهه بكفيها الدا’فئين ثم ر’فعت نفسها قليلًا تُلثم جبينه بحنوٍ وهي تشعر أن السعادة تغمـ ـر قلبها.
فيما لثم هو كذلك جبينها وضمها مِن جديد إلى أحضانه يطبـ ـق عليها بذراعيه ويفر’ض حمايته الكاملة عليها، ومنذ هذه اللحظة ظهر بداخله صديقه الحبيب ورفيق العمر “جـعفر” هذا الذي تر’بى على عد’م التهذ’ب، شخصيتين متنا’قضتين في شخصٍ واحدٍ كما مر’يض الإنفصا’م يتحـ ـكم بهما ويُظهر مَن يشاء هو، زفـ ـر بعمـ ـقٍ ليسمع الباب يُفتح مِن خـ ـلفه ويليه ولوج شقيقته التي شهـ ـقت عا’ليًا ومِن ثم وضعت كفها على صدرها وهي تقول بصد’مةٍ مصطـ ـنعة:
_بتخو’ني يا “يـوسف”؟ وفين؟ فالمستشفى عيني عينك كدا؟.
أبتسم إليها هو بعد أن نظر إليها ليقول:
_مع سـ ـت كبيرة فالسِن كمان، شوفتي قد إيه أنا عـ ـيل ابن *** متر’بتش.
تعا’لت الضحكات وكسـ ـرت حِد’ة الأجواء لتقترب هي مِنهُ بخطى واسعة ليكون لها نصيبٌ مِن هذا العناق العائلي الدا’فئ والحنون، ضمها “يـوسف” إلى أحضانه بذراعه الآخر ليصبح ضاممًا بين ذراعيه رو’حيه التي أفتقـ ـد وجود واحدةٌ مِنهما بجواره ولَكِنّ اليوم هو يضم كلتاهما لا يهتم لأي شيءٍ آخر.
وقف رفيقه الرو’حي أمامه ينظر إلى هذا المشهد وإلى سعادته ليطمئن قلبه عليه وتهـ ـدأ رو’حه كثيرًا، وبعد مرور دقائق معدودة أبتعـ ـدت كلتاهما ليقترب هو مِنهُ بدوره يضمه بشو’قٍ إلى أحضانه ليبادله الآخر عناقه مبتسمًا ليطمئن عليه ويعود الآخر لملاز’مة فراشه وقد جلسوا ثلاثتهم معه يتحدثون معه ويطمئنون على حالته.
_طبعًا أنتَ صاحبي وعِشرة عُمري واخويا اللي عمري ما خـ ـبيت عليه حاجة وعشان كدا أديني بعرفك بدل ما تعرف مِن برا زي المرة اللي فاتت وتشيـ ـل مِني السـ ـبب في اللي حصل دا كله “فـتوح”.
لَم يهتـ ـم بتحذ’يرات زوجته إليه بل أتخذ الجد’ية منهـ ـجًا في حياته والمصا’رحة بالحـ ـقيقة مبد’ءًا مع أخيه الرو’حي ليقوم بإلقا’ء قنـ ـبلته المو’قوتة في وجهه دون أية تر’دد غير مكترثٍ لِمَ سيحدث بعد ذلك كل ما يشغـ ـل تفكيره الآن هو ردّ حـ ـقوق الغا’ئب.
“لطالما سمعنا عن ساعة الصفـ ـر…
اليوم نراها في مو’قفٍ لا يحتمـ ـل أية خد’وش صغيرة أخرى”
___________________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى