رواية جحر الشيطان الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم ندى ممدوح
رواية جحر الشيطان الجزء الثالث والثلاثون
رواية جحر الشيطان البارت الثالث والثلاثون
رواية جحر الشيطان الحلقة الثالثة والثلاثون
الخوف استبد بقلبها من حبيب بات عدوٌ، لم تعد تتلاقى دروبهم، خوفٌ جعل الدمع يهوى من مقلتيها بغزارة، وهي تحاول الإفلات جاهدة، أو التحرر من كفه الضخم المكمم لفمها فتستنجد بأحد.
لكن (عبد الله) لم يترك لها الفرصة، إذ غرس فوهة سلاحه في جنبها وهو يهتف بخشونة سرى لها الرعب في أوصالها :
_أمشي معايا من غير صوت … هبعد دلوقتي إيدي بس قسمًا بالله لو نطقتي بحرف لأفرغ رصاصات المسدس فيكِ!
أومأت ( شيماء) موافقة، فأبعد كفه عن فمها مع همسه الضعيف :
هتيجي معايا دلوقتي من غير ولا كلمة!
همت بالفرار من أمامه لكن … ما كادت حتى أن تستدير وتركض وكانت قبضته تحيط إحاطة السوار بالمعصم، على معصمها وضغط بشدة على يدها وهو يسحبها إليه مجددًا ويلصق فوهة السلاح في صدغها، قائلًا بامتعاض :
_شكلك مستغنية عن عمرك وانا رهن إشارتك.
أعتصرت ( شيماء) عينيها وهي تدرك أن لا مفر من حصاره أبدًا.
كم أصبحت تمقته يا الله؟
أنها تستحق كل هذا فهي من أمانته عمياء البصيرة رغم تحذير الجميع!
ويلٌ لهذا القلب أن ذاق من كرهه كما ذاق من حبه الزائف وانخدع بسهولة!
لكن الآن لا بُد أن تتعلم مما أقترفته بنفسها!
مؤلم هو ذاك الحب، بلى أشد إيلامًا أن جاء من قلب حسبنا إنه لن يؤلمنا يومًا ولن يطعننا فإذا به يطلق علينا كلايبه محميةٌ بالنار، ويذرنا نحترق غير آسف أو صان للحب والود!
صوت وقع أقدام رزينة تهبط الدرج، نبه ( عبد الله) الذي بادر بكتم فم ( شيماء) التي تلوت بين يديه هائجة وقد راودتها فكرة الصراخ والأستنفار بالشخص لكن صرختها انحسبت في صدرها وبكت بضعف حين تلاشى وقع الأقدام، ثُم أحست بقبضة ( عبد الله) تضغط على فمها وهو يديرها ليخبط ظهرها في عنف في الحائط، ويهتف :
_ أصرخي يلا أصرخي …
لوح بالسلاح أمام عينيها، وهو يضيف:
_ عشان تكوني سبب في موت اي حد يحاول بس يقرب.
لهثت ( شيماء) في أنفعال وهي تغمض عينيها، مخافة رؤية وجهه البغيض، الذي لم يعد فؤادها يهواه بل يهابه ويخشاه، لكنها نظرت له فشهقت وهي تضع كفها على فمها، واتسعت عينيها ذُعرًا وذهولًا، وهي تهتف ونظرها على بقعة دماء فوق قميصه :
_ إيه ده أنت متصاب …
_ بالضبط يا حبيبتي كده، وعشان كده زي الشاطرة هتيجي معايا عشان تعملي اللي هقولك عليه!
هتفت (شيماء) باستنكار وقد استجمعت جأشها :
_أجي معاك؟ أنت اتجننت؟ مستحيل طبعًا، وأمشي من هنا بدل ما حد يشوفك و وقتها هتتسجن.
ببسمة باردة قال (عبد الله) مشدوهًا:
_ بقي ليكِ صوت معايا وتتكلمي يعني وتعارضيني!
صاحت (شيماء) في عصبية شديدة وقد فاض بها :
_ تعرف إنك أذبل وأحقر أنسان عرفته في حياتي، هو أنت شايف نفسك راجل …
بترت عبارتها صفعة قوية أسقطتها أرضًا أسفل قدمين ( عبد الله) الذي مال عليها وأمسك حفنة من شعرها المتواري أسفل حجابها الذي تشعث وأسفر عن خصلاتها المستترة تحته، وقال بغلظة :
_ مش الراجل ده اللي كنتِ هتبوسي إيديه ورجليه عشان يتجوزك؟
سحبها لتقف على قدميها وهو يشد من قبضته، هاتفًا بسخط :
_ اسمعي هتيجي معايا من غير ولا كلمة وهتمشي عدل لحد العربية وإلا والله هتبقى مذبحة هنا وأنتِ السبب ومش هيهمني كام شخص هقتله لو فكرتي تصرخي!
صرخت ( شيماء) من فرط الألم، ولهثت من شدة خفق قلبها، حينما دفعها هو بقوة، وهتف :
_ امسحي دموعك وأخلصي!
ترنح لوهلة أمامها وبدا شديد الشحوب وهو يمسك جانب بطنه في توجع ففكرت بضربه والعدو هربًا، لكنه عاد يصوب المسدس عليها وسبابته على الزناد، وقال وبنبرة واثقة :
_بلاش الأفكار تلعب بعقلك اخلصي معنديش صبر.
اضطرت ( شيماء) صاغرة أن تنفذ، وتسير بجانبه وهو يخفى السلاح في سترته ويهددها حتى وصلا إلى السيارة واستقلاها وقاد في صمت وهو يتأوه كابحًا وجعه.
هل يكره المرء نفسه؟
ربما حين يفضل من لا يستحقون!
ربما عندما يحب القلب من لا يليق به الحب!
ربما حين يظل القلب يخفق من أجل من خان، وغدر.
كانت في الأمس القريب تتصور أحلام، وتبني حياةً محورها هو فقط، وفلكها هو فقط
أنّى أنهدمت تلك الأمنيات في لحظة!
كيف لمن ظنته الأمان أن يصبح أكثر من تخشاه في الحياة؟
لقد زلها الحب الذي حسبته روضة في قلبها، وأطاح بروحها دون شفقة.
وها هي ذا تذوق ثمار هذا الحب الذي أغرقها هي.
توقفت السيارة أمام بناية متهالكة نوعًا ما، وترجل من سيارته وهو يأمرها أن تحذوا حذوه، ففعلت خاضعة و وقفت خلف باب السيارة كأنما تحتمي فيه منه، وكم غدا مؤلم لها هذا الأمر أن لا تجد ملجأ ممن ظنته ملجأها الوحيد، وأبت أن تتزحزح من مكانها، فـ أثارة غضبه وهجم عليها وجذبها من ذراعها في قسوة وهو يهتف من بين اسنانه :
_ مفيش حد هنا ممكن تستنجدي بيه لأن الحارة مفيهاش غير الشممين وبس.
تحركت معه إلى شقته التي أغلق بابها فور دخولهما، فـذاد أرتجاف جسدها وهي تتراجع للخلف كأنما استوعبت لتوها إنها معه في الشقه بمفردهما وهي الآن لست زوجته …
ألقى هو جسده على أقرب أريكة وراح يرفع قميصه ليتراءي لها جرحًا غائرًا نازف، بشع المنظر جعلها تشمئز، واضجع في مقده وهو يقول :
_ متخافيش أول ما تخلصي هخلص عليكِ وهدفنك في إي مكان وخلاص.
كانت تعرف إنه لا يمزح …
تعلم إنه لا يخدع …
إنه يعني بالفعل كل حرف نطق به …
لن يتورع في قتلها دون أن يطرف له رمش …
في مرارة هتفت (شيماء) :
_ يمكن الموت أفضل من وشك ده ربنا ياخدك، أنا إزاي كنت مخدوعة فيك كده؟
تجاهل عبارتها عمدًا، وقال في حنق :
_ إحنا هنرغي؟ يلا هاتي علبة الأسعافات من جوه وتعالي نضفي الجرح ده … عشان نشوف اللي ورانا!
جلبت ( شيماء) علبة الأسعافات وراحت تنظف جرحه قسرًا، وفيما هي كذلك سألته :
_ أنت ناوي على إيه بالظبط؟
فتح عينيه المسبلتين وشرد باسمًا رغم الوهن والحرارة التي أستعمرت جسده، وقال هائمًا :
_ هنجبر أروى تيجي.
ثُم ادار رأسه إليها قائلًا :
_بالأحرى أنتِ هتطلبي منها تيجي لأنك واقعة في مشكلة …وهتيجي.
أذدردت ( شيماء) لعابها في توتر فـ أروى قد سافرت أنّى لها بالمجيء لكنها كبحت جماح خوفها وهي تؤمأ برأسه لتجاريه، وتهربت بسؤال آخر بينما استرخي هو وأسبل جفنيه:
_ مين اللي عمل فيك كده؟
أجاب ( عبد الله)، وصوته يخفت تدريجيًا، وكأنه يوشك على فقدان الوعي:
_الشرطة
اتسعت عيني ( شيماء) ذهولًا، وهي تردف مسرعة خيفة أن يغرق في النوم :
_الشرطة؟! ليه؟ عملت إيه بالظبط؟!
بدا صوته كأنه يأتي من مكانًا سحيق وهو يقول :
_ رشيت ظابط يجبلي بعد المستندات وكشفونا وهو بيسلمهم ليا ونجحت في الهرب منهم بس الرصاصة مرت من جنبي أصابتي إصابة سطحية.
بدا كأنه يهذي، ولا يدرك ما يقول، وبغتة أدار الحوار، وقال :
_ أنا عايز أروى اول ما هتيجي هخطفها وههرب بيها بلاد بره وهتجوزها و …
فقد وعيه دون أن يستكمل عبارته، وبكل المقت، والبغض الذي سكن قلب (شيماء) نحوه بصقت على وجهه، وهبت واقفة نحو الباب وحاولت فتحه إلا إنه كان محكم الإغلاق ولا يوجد أثر للمفتاح، فعادت إلى جسد ( عبد الله) وأخذت تبحث في ملابسه عن المفتاح دون جدوى، وغمرها اليأس وهي تقف حائرة لا تعلم كيف النجاة،
وأظلمت الدنيا في عينيها وأُغلقت الأبواب.
كيف السبيل للخروج من هذا المنزل؟
والنجاة من براثن حقير مثل ( عبد الله)
تعرف إنه لن يتوان في قتلها أن استيقظ وعاد لكامل صحته.
ولوهلة سبحت في ذكرياتها في بحر حزنها..
وراحت تسترجع لحظاتهما معًا، أحاديثهم، وكلامه التي كانت تذوب فيه.
كم أحبته …
إنها لم تحب في حياتها كلها سواه، ولم يخفق قلبها إلا من أجله
وتعجبت كيف خدعها وأوهمها بحبه لكنها كانت واهمة أشد وهمًا.
كيف سمحت لقلبها ألا تسمع تحذير أخيها وأقرب ما لها.
أقدام آتية من أمام الباب جعلتها تفوق من ذكرياتها فحثت الخطى إلى الباب وطرقته في عنف وهي تصرخ في رجاء :
_ حد هنا .. حد يساعدني ويفتح الباب أنا محبوسة هنا.
ولم تدرك أن صراخها وطرقها المدوي على الباب جعلا ( عبد الله) يتململ فاتحًا جفنيه في أرهاق ولم يأخذ وقتًا ليتذكر ما حدث بل أعتدل جالسًا ورمقها بتجاهل وقال:
_ محدش هنا هيهتم بيكِ!
شحب وجهها حين بلغها صوته، وتسمرت قبضتيها على الباب في تهالك أليم لكن صوته القاسي كان أشد إيلامًا وفي بطء أستدارت له ورمقته شزرًا وهي تراه جالسٌ في استرخا وقد استرد بعض من عافيته وشرع ينثر الماء من الزجاجة على وجهه، ثُم يصبها فوق رأسه لتغمر المياه رأسه بأكملها وأخذ ينفضها بقوة وهو يمسح بكفه وجهه، لتتناثر قطرات الماء حوله ثم ألتفت وحدجها بنظره صارمة لا مبالية، ونهض آخذًا من البراد زُجاجة عصير وشرع يتجرعها في ارتياح وهو يسترخى في مقعده قائلًا في هدوء آثار الرعب والقلق في أوصالها :
_ متستعجليش على عمرك هريحك مني ومن الدنيا كلها بس اصبري شوية وقت مش اكتر لحد ما أنفذ خطتي.
سرت أرتجافة قوية في قلبها وهي تفقه إلى ما ترميه عبارته، وأنكمشت أمام الباب الذي دفعها في قوة إلى الأمام لتسقط على وجهها مع ظهور ( محمد) أمامه وهو يهتف لاهثًا في أنفعال :
_ متأخرتش صح؟ أنتِ كويسة؟
وأندفع يعاونها على النهوض متأسفًا لسقوطها بسببه.
وعندما نهضا وجدا محمد ينظر لهما باستمتاع وهو يسند ذقنه إلى راحته مغمغمًا :
_ الله، إيه المشهد الحلو ده؟ البطل جه ينقذ البطلة!
وصفق بكفيه في حرارة وهو ينهض في تلكؤ، ويتابع :
_رائع بجد رائع ابهرتوني جدًا! مش أنت اللي أنقذتها برضو المرة اللي فاتت؟
وصوب بصره إلى (شيماء) التي تشبثت في ذراع (محمد) مرتعشة وأختفت وراء ظهره مع صوت ( عبد الله) وهو يضيف ويقترب منهما :
_ أنتِ يا حلوة لحقتي تحبي ؟ قلبك ده غريب يا شيخة والله، بس بقولك ايه يا اخ أنت شيماء دي محبة بجد.
صبا ( محمد، وشيماء) سمعهما إلى (عبد الله) الذي غفلهما ليغلق الباب مجددًا وانتزع مسدسه من جيبه وأشهره في وجههما، وقال :
_ بس للأسف انتوا الأتنيين هتموتوا سوا، بس مش قبل ما تقولي بتدافع عنها ليه؟
تحفز جسد ( محمد) تلقائيًا، وأبعد جسد (شيماء) وراءه وكان مستعد ليفيدها بروحه ولا يصيبها أذى حتى يرد لخالد بعض من صنيعه لأجله وفضله.
وهتف مراوغًا ( عبد الله) :
_ بدافع عن خطيبتي، عندك مشكلة؟
نظرت له (شيماء) بطرف عينيها في دهشة واستنكار، بينما صاح ( عبد الله) مبهورًا وهو يرخى ذراعه إلى جانبه التي تمسك السلاح :
_ واو خطيبتك! إيه يا شوشو بالسرعة دي؟ برافو عليكِ أتخطيتي لعبتي في أعجوبة تستحق التصفيق.
وقهق ضاحكًا فهجم عليه محمد بجسده وسقطا معًا على الأرض، تفاجئ (عبد الله) من صنيعه وسقط على ظهره صارخًا من الألم الرهيب الذي طحن عظامه، وكاد يرفع السلاح على صدغ ( محمد) لولا ان هذا الأخير قبض باصابع من فولاذ على معصمه وراح يضرب كفه في الأرض حتى ترك السلاح، فأطاح به محمد بعيدًا، في نفس اللحظة الذي دفعه ( عبد الله) لينقلبا ويصبح هو فوقه وأمسك برأسه وضربه في الأرض عدت مرات…
لكن فجأة، قبضة أصابع( محمد) على عنقه مما اضطر ( عبد الله) بترك رأسه وشرع يحاول إفلات عنقه من أصابع محمد التي بدت كبقضة فولاذية صعب فكها، وسعل مختنق وكاد يتهاوى أرضًا، فشهقت ( شيماء) بخوف وهي تبتعد منكمشة في إحدى الزوايا وكم تمنت أن يكون حمزة معها.
فتشعر بالأمان ويزول خوفها!
فقط لو كان موجودًا لكنها الآن تدرك أن ما بينها وبين حمزة بحار، وجبال، وبلاد.
ورغم أن ( محمد) كان موجودًا وبدا إنه قد ظفر عندما ضرب (عبد الله) في جرحه الذي نزف مجددًا وركله فإرتد (عبد الله) على الحائط وسقط على وجهه، ورفع رأسه رامقًا السلاح فلاحظ ( محمد) نظره على السلاح وتدارك إنه ينوي أخذه وقبل ان يقفز نحوه كان ( عبد الله) المبادر في الوثب عليه و وقف ضاحكًا في شماتة مصوبًا السلاح على قلبه مباشرةً.
خبئت ( شيماء) وجهها بين كفيه، وتركت لدموعها العنان، وهي تنادي حمزة أن يكون موجودًا … الآن فقط أدركت أن أمانها كان يكمن في أخيها و وجوده.
الآن ادركت إنه سندها وإنه قد يضحى بروحه لأجل سلامتها.
سحب ( عبد الله) إبرة سلاحه بصوتٌ مسموع، رهيب، أرجف جسد (شيماء) التي وقفت في ذعر وهي تقلب بصرها بينما، وتحفز جسد ( محمد) ورأت (شيماء) سبابة ( عبد الله) متحفزة على الزناد وفي بطء راح يضغط، فصرخت في انهيار وهي تغمض عينيها في عنف، وتسد أذنيها مع صوت إطلاق النار.
نعم أنطلقت الرصاصة …
لكن وللمفاجأة، إنها خرجت من مسدس (ياسين) الذي حضر توًا أمام الباب ولم يلبث أن أطلق على ( عبد الله) وأخترقت رصاصته ذراعه وانزلق السلاح من يده، ونظر بهلع إلى الشرطة التي اندفعت تحيط به إحاطة السوار بالمعصم، فعلم إنها النهاية …
نهاية خائن لوطنه …
فالخائن ليس له مكان قط في وطن يعظم أبناءه!
الوطن يضم من يحافظ عليه فقط!
وهذا خائن لا يستحق إلا سجنٌ سحيق.
أنتهت حياته وانتهى حبه.
فتحت (شيماء) جفنيها وما كادت ترى (ياسين) إذ أنطلقت نحوه ملقية نفسها بين ذراعيه وهي تبكي منتحبة :
_ خالوا.
ضمها ياسين رابتًا على ظهرها برفق، هامسًا :
_ أنتِ بخير؟ متقلقيش مفيش حاجة أنا جنبك يا …
أتسعت عيناه في هلع مع بتره لعبارته وهو ينظر لشيء وراءها صائحًا :
_ لا، لا إياك.
ودوى صوتُ رصاصة أفزع ( شيماء) وأرتجف قلبها وهي تلتفت في سرعة وشهقت في عنف عندما تراءى لها جسد ( عبد الله) متهاويًا أرضًا والدماء تنفجر من رأسه بعدما جذب سلاح إحدى الجنود واطلق فورًا النار على نفسه.
صاح (ياسين) في عطف وهو يأخذ ( شيماء) خارج الشقة :
_ تعالي معايا.
والتفت إلى ( محمد) الذي تبعهما، قائلًا :
_ خدها دلوقتي عند والدتك لحد ما اخلص شغلي.
وافق ( محمد) بإمأة من رأسها وأخذها إلى شقته التي يقطن فيها مع والدته، التي كانت سبب في نجاة شيماء، ودرء مخطط ( عبد الله) فقد رأته وهو يسحبها قسرًا لداخل البنية وتعرفت عليها فورًا حين ذهبت لمنزل آل الشرقاوي في حفل زفاف ملك الذي لم يتم، وبلى هوادة أتصلت على ابنها لتخبره بما رأت وقام ( محمد) بدوره بإبلاغ ياسين وذهب هو لإنقاذ (شيماء) ويرى ما عليه فعلاً.
وقد كان ما كان ..
🥀 اللهم صل وسلم على نبينا محمد 🥀
في المطار وبين الذاهبون والقادمون وقفت خديجة تحترق شوقًا في انتظار ظهور الفتيات بعد ما حُطت الطائرة على أرض المطار، وشرعت تشرأب برأسها وتشد قامتها، وتقف على أطراف أصابعها تنظر في الوجوه بلهفة، حتى رأتهم أمامها جميعًا، فتهللت أساريرها وهي تلوح لهم، فلوحوا لها وهُم يحثوا الخطى إليها، وبدا مشهدًا مثيرًا للدموع، ودافئًا للقلب لكل من يرآه وهن يتعانقن في شوق امتزج بدموعهن.
آترون إنهن يبالغن!
وإن الغياب لم يطيل وإذا به يتتوجه بالتلاقي!
ربما … هكذا تظنون لكن أولاء لم يغيبن يومًا عن بعضهن فماذا عن تلك الأيام والليالي التي مرت وهن لست معًا!
كانت عسيرة شاقة إذ كانت نوارة البيت غائبة.
وخديجة هي منارة البيت إذ غشاه الظلامُ ليلًا.
وهي السراجُ المنير لقلوبهن إذ لفتهن الظلمة لحظة.
فتحتم اللقاء بكل هذا البكاء … بكاء الفرح، والأشتياق، وربما عتاب الغياب أيضًا.
لكن ملك كان لها النصيب الأكبر من حضن خديجة التي كادت تخفيها بداخلها.
أسفًا لأنها لم تكن بجانبها في نكبتها.
وحزنٌ إنها لم تكن موجودة لتؤزرها.
عزاءها الوحيد إنها لم تكن بمفردها فيما مرت به، عزاءها إنها لم تكن قريبة فتذهب إليها وقتما تشاء، وإلا فيعز عليها تركها.
قالت خديجة والدمعُ يهطلُ من عينيها في أذن ملك وهي تضمها بشدة :
_سامحيني عشان مكنتش جنبك يا ملك، بس كنت عارفة إنك هتعدى، كنت متأكدة ان ملك قوية مش هتنهار من اي حاجة.
رحبت بالشباب في غبطة، وصافحهم أراس بذات الفرحة التي قبلت بالبرود التام من طرف الشباب.
أستقلوا ثلث سيارات نقلتهم إلى المنزل الذي استاجروه بقرب منزل خديجة.
كان منزل صغير يطل على حديقة رائعة المنظر، ألوانه هادئه تبعث السكينة في القلب، وجلسن الفتيات معًا في إحدى الغرف تاركين الشباب مع بعضهم.
وعلى الفراش الذي احتواهن، قالت خديجة لملك :
_ ها عاملة إيه في العلاج مع دكتورة هيام.
أشارت لها ، ملك باسمة بـ :
_”إنها طبيبة جيدة وتعاملها كأنها أخت وليست مريضة لديها. ”
كانت قد بدأت في الجلسات مع طبيبة أقترحتها لها خديجة ومالك بعد ما رفضت رفضٌ تام أن يكون معالجها مالك، ربما خجلًا منه فمع شخصٌ غريب حتمًا سيكون الأمر هين عليها.
في أول الجلسات كانت تجاهد ألا تمد يدها على شيء بكل جهدها، وهي تنفذ كلام الطبيية، والحق إن الفتيات في تلك الفترة تركوا كل شيء ليكونوا معها ويمنعوها حتى من سيطرت هذا المرض عليها.
الطبيبة تحادثها يوميًا عن طريق الرسائل ، وباتا صديقتين مقربتين، وكان الفضل يعود لعائلتها التي شاركوها محنتها.
أنفض اليوم وغادرت خديجة برفقة أراس، بعد ما ابلغتهن إنهم سيذهبوا لزيارة صديقة لها مريضة، و وافقن البنات فورًا.
في اليوم الثاني مرت عليهن خديجة وتناولت معهن الفطور ، لم يكن الشباب موجودين ولم تسأل لأنها كانت تعرف إنهم حتمًا سيقابلوا خالد أخيها، وأخذتهن لزيارة منة، كانت تشعر خديجة بالقلق طيلة الطريق مخافةً أن يروا البنات آجار وتحدث مشكلة وما شابه، وكانت تدعوا الله ان يمر الأمر بسلام، وحين وصلن لمبتغاهم، ركن أراس السيارة جانبًا وأنتظرت خديجة البنات حتى نزلن فالتفتت إليه، وقالت بقلق لم يخف عنه :
_ هل حادثت آجار وسيرحل من غرفتها؟
لم يدري ما سر اهتمام، وحذر خديجة بأن يرحل آجار حتى لا يتقابل مع البنات فزفر بضيق، وهو يقول :
_ أجل يا خديجة لن يبقى …
ثُم أرْدَف مستفسرًا:
_ لماذا تصرين على هذا؟ ما الذي يخيفك ويقلقك؟! هل ليّ بتفسير لذلك.
رمشت خديجة ذاهلة إثر السؤال المباغت، وتجلى التوتر في عينيها وهي تغمغم بارتباك :
_ لا يوجد سبب لذلك لماذا ظننت هذا؟ أنت تعرف إن البنات لن يوافقن على زيارة منة في حضرة غريب لهذا السبب.
لم يزاوله الشك إلبتًا، ومع ذلك أومأ لها متصنع التصديق، وهمس :
_ حسنٌ يا خديجة، أنتِ أدرى!
تنفست خديجة الصعداء وهمت بفتح الباب لكنها عادت تنظر إليه حين ناداها، قائلًا :
_ خديجة، إنتبهي لنفسك جيدًا وأن حدث أي شيء أتصلي بيٌ، ونجيب سيبقى في أنتظاركن هُنا لن يبرح مكانه حتى يوصلكن.
ألتقط كفها ولثمه، وقال بنبرة حنونٌ رخيم :
_ سأشتاق إليكِ كثيرًا.. فلا تغيبين.
كادت خديجة أن تجيبه عندما أطلت أروى على النافذة ودقت عليها بسبابتها، هامسة :
_ يلا يا خديجة.
فـ اومأت لها خديجة وردت في عجل :
_ جايه اهو.
ودارت رأسها إليه قائلة :
_ سأذهب الآن.
أفلت أراس كفها من راحته وهو يؤمئ برأسه، كادت خديجة أن تترجل حينما أمسك مرفقها مجددًا بلهفة يستوقفها :
_ رويدك رويدك.
قالت خديجة بحنق :
_ ماذا هناك أيضًا؟ ما الذي أصابك اليوم؟
كيف يجيب وهو لا يدري سبب تلك الغصة في حلقه؟
أنى له أن يعرف سر تلك القبضة الباردة التي تعصر قلبه بألمٌ ساحق.
ترآه يبالغ إذ قال إنه لا يريدها أن تغادره؟ وأن تظل بجانبه هكذا حتى تزول هذه الغصة التي لا تفتئ تمزق قلبه!
فجأة، ضمها بقوة إلى صدره فتفاجئت خديجة بفعلته وتوترت مخافةً وخجلًا إن يرآهما أحد، وهمست بصوتٌ خافت :
_ اراس ما لك اليوم لا تبدو على سجيتك هل حدث شيء؟
غشاوة دمع ظللة عيناه كبحها بداخله وهو يتمالك جأشه، قائلًا :
_ أنا بخير.
وأحاط وجهها براحتيه، ونظر لعينيها، وهمس بنبرة آسره مفعمة بالحنان والحب :
_ انتبهي لنفسك جيدًا من أجلي، وأعلمي إني لم أحب غيرك، ولم يخفق قلبي إلا لكِ، ولم يسكن سويداءي سواك، ولم ترى عيناي غيرك، اعرفي أنني …
سكت هنيهة قبل أن يستتبع قائلًا :
_ بدونك لا شيء مجرد فُتات تذره الريح أين ما تشاء، وإني أهد وأحرق الدنيا …
صمت لحظة، وقال:
_ ناهيكِ عن الدنيا، انا أحرق العالم كله لأجل عينيكِ يا خديجة إياكِ أن تفارقيني فأفارق نفسي أو تغيبي فيغيب روحي.
لمست كلماته قلبها، فتطلعت حولها خجلة، وقلبها يخفق في تأثر، ثُم قالت بصوت خافت :
_حسنٌ هذا ليس المكان المناسب لهذا الكلام، حين أعود.
ودفعت الباب تغادر السيارة بعجلة فابتسم متابعًا إياها بعينيه التي امتلئت بالحنان والدفء.
جميلة هي خديجة!
عذبة الحديث، رقيقة الشمائل، منبعٌ من حنان، إنها كوكبٌ دُريٌ في سماء قلبه ازالة سواده وأترعته بالضياء.
إنها عيون النجوم تضيء طرقات ليله، هي الحبيبة التي لم يعرف القلب حبيبه غيرها.
لا يمكنه أن يتخيل خسرانها، يتحمل إي شيء وقد يدخل في لجة اللهب لأجلها ولا تصاب بأذى.
غيابها عن عينيه وإن كان لدقائق مؤلم يهاب دائمًا ألا تعود ويجد نفسه بلى ملجأ.
هي موئله في هذه الحياة ليته كان سربالٌ فيتيح له إحاتطها في كل حينٍ و وقت.
آهٍ من تلك النخزة الطاعنة لفؤاده المكلوم تنبههُ أن امر جلل سيحدث!
دارت خديجة بصرها في البنات وهي تسأل متعحبة :
_ أين لمياء، لا أراها؟
فتنبه الفتيات لغياب لمياء عنهن دون أن ينتبهن أين ذهبت؟
وشملهن القلق، والتوتر، والخوف وهن يدرون حول نفسهن
إما لمياء فقد كانت تلحق مسرعة بـ آجار ظنةً منها إنه إسلام وراعها أن تجده في المستشفى وهي على يقين إنه ذهب مع الشباب لمكان لم يسفروا عنه أمامهن.
لم تستطع مجابهة خطواته وهي تنادي بإسمه ولأنه كان يتحدث في الهاتف باهتمام لم يلتفت إليها، فأسرعت خطاها نحوه وما كادت تقترب منه وتلفظ بإسم إسلام.
وفجأة! كان يستدير آجار ممسكًا بمنكبيها ودفعها في الحائط بقسوة وهم بأن يستل سيفه فتسمر أمامها وهو ينظر لها مبهوتًا، هامسًا :
_ لمياء!!
تلقت لمياء الارتطام بتأوهٌ مكتوم وهي مصدومة مما فعل، وتشهق بخوف جلي، فاذدرد آجار لعابه بتوتر لقد ظن في بادئ الأمر إنه أحد يود أغتياله لذلك تصرف بذلك العنف وكان من الجيد أن تنبه قبل أن يخرج السلاح، نظر لها بإشفاق وهو يرى الخوف يطل من عينيها، فغمغم بهمس خافت يهدء من روعها :
_ اهدئي رجاءً، أنا أسف لم أظن إنه أنتِ؟
للحظات ظلت تنظر له كالحةُ الوجه، وأطل الهلع في مقلتيها، وأخذت نفسًا عميق تهدئ من أعصابها الثائرة، وهي تقول :
_ يا الله اخفتني يا إسلام ما الذي جرى لك؟ ثُم ما الذي تفعله أنت هُنا بالله عليك؟ ألم تذهب برفقة الشباب؟
لم يدرك آجار بما يجيب؟!
بم يقول …
بما يفسر …
والأدهى ماذا لو علمت هويته وإنه ليس إسلام؟
انفرجت شفتيه لكنه عاد يطبقهما وقد أنعقد لسانه، فحثته لمياء، قائله :
_أخبرني ماذا تفعل هُنا؟
بدا تائهًا زائغ العينين، وعن قرب أوقف أراس سيارته ودفع بابها وكاد أن يغادرها لولا إن رأى خديجة تقبل عليهما فجأة وتتحدث معهما، ثُم أخذت بكف لمياء وغادرت، لم يفقه شيء مما جرى!
ولكن … بدا له إن آجار يعلم ما هية لمياء حق المعرفة.
ثُم توتر خديجة الملحوظ الذي ذاد من أرتيابه في الأمر.
لم يسمح لذهنه بالغرق في التفكير، أنما ادحره بعيدًا وأغلق باب السيارة وقاد اتجاه آجار و وقف بجانبه ليصعد آجار وينطلق.
🥀 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 🥀
” ماذا تنوي فعله بالضبط؟.. ”
صاح بهذه العبارة آجار وهو جالس بجانب أراس على مقدمة السيارة أمام الشاطئ.
فهز أراس كتفيه وهو يجيب وراحتيه تستند على السيارة خلف ظهره :
_ سأكمل ما بقى ليّ من عمر في مصر مع خديجة.
عاد آجار بظهره للخلف وأسند كفيه خلفه في محاذاة أراس، وهتف مستنكرًا :
_ أراس، ما بك يا صاح اليوم، هل تتحدث بصدق، هل تنوي فعلًا هذا الأمر الجنوني؟
ألتفت له أراس، سائلًا في تعجب :
_ جنوني! .. ما الجنون في الأمر يا رجل؟ .. لن أحرم المرأة الوحيدة التي أحب عن عائلتها.
هتف آجار في دهشة وهو يضرب كفًا بكف :
_ أنت مجنون حتمًا.
في حنق رد عليه أراس وهو يسبل جفنيه مستنشقًا الهواء بنفس عميق :
_ ما بك يا رجل اليوم لا تملك إلا كلمة الجنون تنطق بها؟ نعم سأستقر في مصر من أجل خديجة وربما أأخذ هنا معي.
ران لحظات صمت، سبح فيها الأثنين في تفكير عميق، وإذ فجأة انبعث صوت آجار بنبرة تحمل حزنٌ دفين :
_ إذن سأعود وحيدًا مجددًا، لماذا يتلاشى من بين يدي كل ما أحب؟ لماذا الفرحة لا تطرق باب قلبي يا رجل؟ هل نحنُ على خصام، أما إنها لا ترى غيري في الوجود؟
نبرته الأليمة ذادت قلب أراس إيلامًا، آهٍ لو يعرف المرء أن بعض الكلمات التي يظنها ألمه فقط هي طعنة في قلب احباءه، لما نطق بها، لما فكر في ان يتألم.
وآجار لم يكن يومًا بغريب أواه، كان اخٌ ضمه في قلبه وأحتواه بين ذراعيه، لا يفتئ يخشى عليه من لمسة رياح قد تصيبه بأذى.
لا يزل يرآه في قلبه ذاك الطفل الصغير الذي كان يرجوه بعيناه إلا يتركه.
يا لجمال الصداقة حين تكون برباطٌ متين لا ترخيه الأيام.
ضم آراس كتفه إليه، وهمس بنبرة تتفعم بالحنان والعطف :
_ يا لك من غبي يا فتى، وهل تظن إني قد أتخلى عنك؟ ثمة أواصر ألفة تربطنا اقوى من ألف رابط دم، فكيف بالله أتركك؟
تنهد آجار تنهيدة حزن وهو يسند رأسه على كتفه، وغمغم :
_ إذن لا تسافر!.
زفر أراس ولاذ بالصمت لفترة قصيرة، وقال وهو يميل برأسه لترتاح فوق رأس آجار:
_ ضع نفسك مكاني وإذ بالفتاة التي تذوب فيها عشقًا، وغرامًا وطنها، وعائلتها، وسعادتها بأكملها في بلدٍ آخر … ألن تستقر في هذا البلد لأجل راحتها؟
عقد آجار حاجبيه بضيق، وقال :
_ أنت ايضًا وطنك هُنا، هل ستتخلى عنه لأجل خديجة …
قاطعه آراس يقول بنبرة تقطر حُبًا، و ولعًا :
_ أتخلى عن كل شيء لأجل عيون خديجة يا آجار ببساطة لأنها وطني الذي أوجدته بعد غربة شاخ لها قلبي وهرمت روحي.
غربة لم أذق فيها إلا العذاب، والمهانة، والوحدة، وهجران الروح، أتظن إني بعدما وجدت روحي بعد طيلة هذا الهجران ألا أذهب في لمح البصر لأستقر في وطني؟
تنهد ساجيًا للحظة، وقال بصوتٌ رخيمٌ، عذب :
_ خديجة هي وطن إذ وجده المرء لا يغترب منه ابدًا لأن العالم بدونها غربة مخيفة، موحشة.
رفع آجار عينيه في عيني آراس، وهمس :
_ أتحبها لهذه الدرجة يا رجل؟ لدرجة أن تغادر وطنك، بكل ذكرياته التي عشتها فيه، وأهلك وتذهب دون ان تولي على شيء!
رد أراس وهو يؤمأ برأسه :
_ ربما سأذر ذكريات لم تأتيني منها إلا الوجع، وقهر الضمير لأصنع ذكريات أجمل.
تهدج صوته بغتة، وخُيل لآجار أنه رأى عينيه ترقرقتا بالدموع، وهو يستطرد :
_ هُنا ليس ليّ ذكريات غير ذنوب، ومعاصي، واخطاء، هُنا لم أصنع إلا كل ما يغضب ربي، أنا الآن اشعر أني بتُ إنسان يا رجل، إنسان يعيش وهو لا يفكر إلا كيف سيموت، ومتى، وأين، وإن مات هل سيغفر ليّ الله؟ هل سيعفو عني؟
بسط كفيه أمام وجهه وتابع بحسرة :
_ تُرى هل ستشهد عليّ يدي بكل من قتلتهم؟
حين يوارى جسدي الثرى تُرى هل سأثبت عن سؤال الملكين وأجاوب، هل سيستنير قلبي بنور الله أم سيظل مظلمًا، هل سيكون قبري حفرة من حفر النار أم روضة من رياض الجنة؟
حين سأقف فوق الصراط هل سأسقط، أم تتخطفني الكلاليب، أما سأمر سالمًا.
هل ستكون خديجة زوجتي في الجنة ام لا؟
هل تظنني كنت احيا، ربما انا ايضًا حسبت نفسي إني كنت احيا لكني علمت أن حياة القلب في رحاب الله فقط.
وان لذة الراحة بقربه لا تعادلها اي لذة.
خديجة غيرت فيّ الكثير أشعر باني مهما افعل لن اوفيها حقها، كل ما اريده ألا يحرمني الله منها.
حين ألتفت إلى آجار وجده صامتًا، مأخوذًا بكلامه، دامع العينين، ولفهما صمتٌ طويل، شقه آجار يقول :
_ أتعلم، أنا ايضًا أهاب أن يسرق المرض مني منة، منة التي كانت سببًا في أنعاش قلبي … لماذا الحياة توجعنا فيمن نحب يا رجل تختار اكثر ما يؤلمنا وتصفع.
خيم عليهما الصمت، والسكون مليًا، قبل أن يقهق أراس ضاحكًا، ودفع بكتفه آجار متمتمًا :
_ أنظر ماذا فعل بنا العشق يا رجل؟ لقد جعلنا عطفيين للغاية.
أطلق آجار ضحكة مرحة وهو يغمغم :
_تبًا على الحب الذي حطمنا.
صاح الأثنين فجأة معًا وهما ينظرا لبعضهما:
_ حطمنا؟؟
ضحكا مجددًا وهما يصفقا كفًا بكف، وامتزج صوت ضحكتهما مع امواج البحر التي هاجت فجأة معلنة عن وجودها، وسماعها، ومشاركتهما، كأنما تخبرهما أن الدنيا بما فيها لا تستحق الحزن على شيء إلا البعد عن الله عز وجل.
تلقى آجار رسالة على هاتفه من إسلام جعلت ضحكته تخفت وهو يقراها :
” يجب أن نتلاقي الآن … أنا في انتظارك، تعال على هذا العنوان **** لا تتأخر ”
زفر آجار وشرد فساله أراس في اهتمام :
_ ما بك عبست فجأة، هل كل شيء على ما يرام؟
قفز آجار واقفًا وأستدار له، قائلّا :
_ بخير لا تقلق، ثمة امر طارئ سأذهب الآن.
أومأ اراس متفهمًا، فخبط آجار على كتفه مودعًا.
🥀 اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد 🥀
قضين البنات يومًا جميل هادئ مع منة التي بدت نفسيتها مرتاحة في وجودهم كأنها تفتقد للمة العائلة وجوها، وانغمست مع الفتيات اللآتي تعاملن معها كأنها واحدة منهن ولست وحدة قد تعرفا عليها في يومٍ واحد، وذادت بهجتها حين حضرت هنا وشاركتهن الجلسة.
” إذن ستخرجين غدًا، كم هذا رائع ”
هتفت بتلك العبارة، أروى في حماس، فتدخلت خديجة تقول :
_ غدًا لن يكون يومًا عادي سنخرج ونروح عن أنفسنا.
ترقعت هنا بأصبعيها فجأة وصاحت في لهفة :
_ أتركن امر غدًا ليّ هذا عندي سأخذكم لأمكان ولا الأحلام.
وكانت صادقة فهم بصدد الذهاب إلى مكان لم يخطر على بال أبدًا.
نظرت منة إلى لمياء الشاردة، وسألتها في اهتمام :
_ ما بكِ يا لمياء شاردة هكذا؟ أأنتِ بخير؟
تبسمت لمياء، وهزت رأسها وشاركتهن الحديث.
ولمّا عسعس الليل، وجاء وقت ذهاب البنات، ودعنها على وعد أن يتقابلا غدًا، واستقروا في السيارة التي كان نجيب يقودها، بينما ركبت هنا على دراجتها النارية وثبتت الخوذة على رأسها ثُم أرتدت قفزات في كفيها، ثُم انحنت لتقبض على ذراعين الدراجة ، بعد ما ادرات المفتاح فيها وصدر صوت المحرك وهي تدور دورة دائرية خفيضة، وابطئت وهي تنطلق بمحاذاة سيارة البنات ومالت برأسها على نافذتهما ملوحة لهم.
وفجأة، ضفط على دواسة الوقود وأنطلقت بصورة جعلت البنات يشقهن في هلع وتتطلعن من النافذات الجانبية يحاولن استشفاف أين ذهبت؟ وان اصابها مكروه، لكنها لم تلبث أن لاحت من بعيد تنطلق بذات السرعة فتنهدن في ارتياح.
تنبهت خديجة إلى أن نجيب متوترًا، ينظر إلى المرآة بحذر، ويسرع بالسيارة، فنظرت لما خلف البنات الذين ألتصقن في انفسهن حتى يكفيهم المقعد في قلق، ونقلت بصرها إليه وسألته في اهتمام :
_ نجيب، لماذا أرآك متوترًا، قلق، هل حدث شيئًا ما؟
أتتها الإجابة لكنها ابدًا لم تكن من نجيب، بل من رصاص انهمر على السيارة بغتة، فصرخ نجيب وهو يناور السيارتين اللتين تلحقان بسيارته :
_ انبطحن للاسفل، هيا.
أنصعن الفتيات في هلع وانخفضن اسفل المقعد ودوي الرصاص المفزع كاد يصيبهم بالصم، فتمسكوا ببضعهن في خوفٌ جلي.
وارتجفت أجسادهم بصوره واضحة، وارتعشت أفئدتهم، خوفًا من السيارة التي تنهب الأرض نهبًا، والرصاصات التي انهالت عليهم كالمطر ولكنها للعجب لم تصيب زجاج السيارة، إنما كان قناصيها محترفين إذ كانت جم الرصاصات متوجهة إلى العجلات فقط، بصورة اوحت انهم يريدون إيقاف السيارة.
راوغ نجيب وناور …
وظن إنها النهاية …
لكنه أخرج سلاحه حاسمًا الأمر فأن كان الموت حتمًا فسيقاتل لآخر رمق، سحب إبرة مسدسه وهو يقول :
_ من منكن متعلمة قيادة السيارة.
فصاحت أروى في سرعة :
_ أنا.
هتف نجيب وهو ينحرف يسارًا :
_ إذن تعالي للأمام، هيا.
تحركت أروى منحية للمقعد الأمامي للسيارة في نفس اللحظة التي فتح فيها نجيب باب السيارة وقفز خارجها، فتسلمت أروى القيادة في سرعة مندهشة، تدحرج نجيب في مرونة، و وثب واقفًا، وصرخ ملوحًا لـ أروى :
_ ابتعدي بهن، هيا.
قالها، وهو يركض مستترًا خلف حاجز ضخم وراح يطلق النار على السيارتين اللتين لم تتوقفان.
ورفضن الفتيات أن ينطلقن بالسيارة ويتركوه بمفرده، فما همت اروى بإيقاف السيارة إذ فجأة حانت منها إلتفاتة للأمام، ورأت هنا تنطلق بالدراجة نحو السيارتين القادمتين، وكادت ترتطم في جدار لولا إن تداركت نفسها وتحكمت في السيارة، وتطلعت رؤوس البنات من الزجاج الخلفي للسيارة فرأين هنا ترتفع بدراجتها النارية فوق مقدمت إحدى السياراتين التي تهشمت زجاجها الأمامي تمامًا في وجه السائق والذي يليه و علا صراخ الرجال فيها وهم ينبطحن عن سقف السيارة التي احتكت أطاراتها في الأرض ودارت حول نفسها وأنقلبت كذا مرة حتى استقرت رأسًا على عقب ، وهبطت بالدراجة إلى الأرض، ثم دارت مجددًا وأندفعت إزاء السيارة الآخرى وصاحت إزائهم وهي تشير لهم بكفها :
_ هيا فجاؤوني بمهارتكم أيها الأوغد، تعالوا.
وأنطلقت في مسار متعرج لتفادي الرصاص وهم خلفها وقبل ان تختفى عن أنظارهم، وآخر ما رؤوه هي دراجتها تنقلب بها جانبًا بدوي مخيف، وشعرن برزاز مخدر يملئ السيارة قبل أن يسقطن جميعًا في هوة سحيقة، عميقة، مظلمة.
وهُنالك كان نجيب مُلقى أرضًا بعد ما خدره أحدٍ ما من الخلف غدرًا.
🥀 الحمد لله رب العالمين 🥀
” ها قد أتيتُ ما الذي تبغيهُ مني يا أخي ”
قالها آجار، مكفهر الوجه، ممتعض الملامح، برغم إنه على دارية بما سيحادثه أخيه.
فعقد إسلام كفيه، وقال مغضبًا :
_ ما هذه اللهجة التي تخادثني بها؟ ولكن هذا ليس موضوعنا، لماذا قتلتم لمار جدتي يا هذا؟
ابتسم آجار ساخرًا، وقال في تهكم وهو يقرب وجهه من وجه :
_ أوه، جدتك! أرآك قد نسيت إنها من قتلت و والدك وشتت شملنا! أما إنك غبي يا هذا؟
دفعه إسلام بغلظة، وقال بخشونة :
_ أنت الغبي، معمي العينين في هذا الـ ماهر، ماهر … الذي يلعب بك كالخاتم في أصبعه، تعال وشاهد أمك كيف تتحرق شوقًا إليك، يا هذا إنني منذُ علمت بأني على قيد الحياة وهي تدعوا الله أن تكون أنت أيضًا على قيد الحياة، يا ليتك عشت مع لمار عدت ايام لتعلم معنى الحنان، لمار يستحيل أن تأذى أحد يا غبي، هذه كلها لعبة من ماهر، قتل أبينا ورشى ضياء وزوجه من عمتك إسراء، وكاد يقتل خالتك سجى لو أن أفتداها جدي يوسف! هل لك أن تقول ليّ ألا، يوجد لديك عقل لتفكر!
نفى آجار في برود، وغمغم بلامبالاة :
_ لم اقتنع بكلامك قط ولن اقتنع، لماذا قد يفعل ماهر هذا بالأساس، لا أجد أي سبب لصنيعه إلا إنه على حق.
” إذن فلتبق في هوتك السحيقة يا رجل ”
انبعث هذا الصوت فجأة من خلف آجار مصحوبًا بإبرة تنغرز في ذراعه فما هم بالأستدار، راعه أن وجد ماهر الذي ينتحل خالد شخصيته وراءه وما كاد أن ينقض عليه حتى تهاوى أرضًا، فاقد الوعي.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية جحر الشيطان)