رواية جاري سداد الدين الفصل السابع 7 بقلم دفنا عمر
رواية جاري سداد الدين الجزء السابع
رواية جاري سداد الدين البارت السابع
رواية جاري سداد الدين الحلقة السابعة
البرد يُرجف الأجساد هذا المساء.. والشتوية تنتشر بالأجواء والسماء تُسقط أمطارها بسخاء شديد!
وهو جالسًا بشرفته يتلقى ثلج محيطه دون ارتجاف يصيب بنيته ..لا يشعر سوى بلهيب شوق لها ولأطفاله وأصواتهم الصاخبة حوله ..وهند تعيد عليهما عشرات المرات تحذيرها بضرورة النوم مبكرًا حتى يتثنى لهما الأستيقاظ براحة..! والمخادعين الصغار يراوغون بالوعود ولا يفعلون، ويضطر هو لحمل جسديهما بعد أن يسقطوا بالغفوة، ويُرقدهما بالفراش..!
أما هو فكان يعبث بأصابعه على شاشة الهاتف متصفحا حسابه او متتبعا أخر اخبار العالم أو مشاهدًا لمقاطع عشوائية من مباريات سابقة.. تاركًا إياها غارقة بغسل الصحون التي لا تنتهي، وتعيد ترتيب ما بعثره الصغار أثناء اللعب.. ثم ينتهي الأمر بغفوتها هي الأخرى على أحد المقاعد جواره!
تنهد عصام وهو يستعيد بعقله تلك الذكريات القليلة، والضيق يتملكه بشده وربما الغضب.. نعم منحها وقت لتهدأ.. ولكنه ظن أنها لن تتحمل الأبتعاد كثيرًا لتعود بمفردها دون ضغط..!
فغرقت أكثر في أمور عائلتها خاصتًا بمرض فريال التي رغمًا عنه لا يُحبها.. منذ اللحظة الأولى يبغضها..ولكن لا يمنع أن يتمنى لها السلامة بالطبع فهي مجرد مريضة.. وهاهي انضمت هي الأخرى لمن يحتاجون رعاية زوجته الحنونة هند..!
أليس لها زوجات ابنائها، وأبنائها انفسهم ليراعوها؟؟؟ لما يقع هذا على عاتق زوجته ..لقد بالغت هند وأصبحت لا تطاق.. ولم يظلمها حين اتهمها أنها أنانية بخصوص أهلها.. تقصر معه نعم.. اما هم فلا تقصر ابدًا..!
البرد يزداد.. والارتجاف بدأ يسيطر على جسده.. وثقل شديد تملك من رأسه، فمال على الجدار خلفه يريحها، ورغم جلوسه يشعر بدوار شديد، ماذا يجري له، ربما لأنه لم يتناول طعامًا طيلة يومه! يشعر بالضعف.. هل يسقط بغفوة الآن؟ أم يفقد الوعي؟!!!!!
—————————————-
منزل الأم فاطمة في الصباح!
_ معلش يا يمنى ممكن أتأخر شوية عليكي، لأن بعد ما اروح لفريال.. هعدي على بيتي أجيب منه حاجات مهمة للولاد وهرجع.. وبأذن الله مش هتأخر!
_ ولا يهمك ياهند أنا موجودة أهو ماتقلقيش، وخدي راحتك لو وراكي مشوار اعمليه.. وأحمد أصلا شوية وهيكون جه..!
_ تسلمي حبيبتي.. يلا أسيبك في رعاية الله!
————————————————-
تصادمت بكتف أحدهم أثناء صعودها لشقة فريال
فقالت معتذرة: أنا أسفة، معلش أصلي مستعحلة وخبطت فيكي!
السيدة: ولا يهمك ياهند ماحصلش حاجة..
أنتي مش فاكراني؟
هند بعدم تركيز: أسفة مش واخدة بالي!!
فهتفت السيدة: معلش الله يكون في عونك، أنا ام ياسين جارة ابن اختك عبد الله!
الآن تذكرتها، هي سيدة ودودة أتت مرارًا تطمئن على والدتها.. فلا يفوتها واجب قط.. فهتفت:
_ أه افتكرتك، معلش سامحيني أنتي عارفة الظروف اللي انا فيها..!
ام ياسين بتفهم: ولا يهمك.. طمنيني الحاجة فاطمة عاملة أيه وأختك أم عبد الله أزيها دلوقت؟ أنا قلت اعدي أطمن عليها، أما عرفت من رجاء باللي حصلها وطلعت خبطت مالقيتش حد فتحلي!
هند: نحمد ربنا على كل حال، إن شاء الله يكونوا أحسن،أنا فعلا لسه جاية، طب اتفضلي اطلعي تاني معايا..!
ام ياسين: طب هروح أوصي علي حاجات عند الجزار، وبتاعة السمك.. يجهزوهالي، واعدي عليكي بعدها..!
أومأت هند برأسها وأخبرتها أنها ستنتظر، وهمت بالصعود سريعًا .. ثم وقفت فجأة واستدارت تنظر للجارة هاتفة: ام ياسين!
_ نعم ياهند في حاجة ياحبيبتي؟!
تتفحص هند موديل عبائتها السمراء التي ابتاعت مثيله گ هدية لوالدتها، من صديقة لها جلبته بتوصية من دولة خليجية.. هي أكيدة أن هذا الموديل ليس بالأسواق المصرية.. كيف حصلت أم ياسين عليه؟!!!
طال صمتها الشارد، فتسائلت الجارة: مالك ياهند في حاجة؟! نادتيني ووقفتيني وسكتي، عايزة تسأليني عن شيء؟؟؟
هند: أصل… العباية بتاعتك عجبتني أوي، وعايزة اعرف المحل اللي اشتريتها منه فين؟
أم ياسين بكرم لا تدعيه: يالهوي ده أنا اغسلها واكويها واعطرها وابعتهالك ياحبيبتي ماتغلاش عليكي ابدا يا هند!
أجابت بابتسامة مجاملة: تسلمي يا ام ياسين.. بس ياريت تقوليلي جبتيها منين!
_ وحياتك ماجبتها من محل، أصلها ياختي خليجي مش من هنا.. واشتريتها من رجاء مرات ابن اختك عبد الله .. جاتلي في يوم تقولي واحده عايزة تبيعها عشان ضيقة عليها، وطلبت فيها 500ج .. بصراحة لقيت العباية تستاهل، وكل اللي يشوفها زيك يوقفني ويسألني جبتها منين..!
أصابها عدم توازن، وترنحت قليلا، فأمسكت الجارة ذراعها هاتفة بجزع: أيه ياهند مالك أمسكي نفسك، حصل أيه ماكنتي كويسة دلوقت!!!!
تجرعت صدمتها وتمالكت نفسها هاتفة: مافيش يا ام ياسين أنا كويسة.. من قلة النوم دوخت.. معلش هسيبك وأسفة إني عطلتك!!!
ذهبت الجارة.. أما هي فخارت قواها وأصبحت عاجزة عن الوقوف.. فجلست على الدرج وعيناها تهطل دموعًا وهي تعيد ربط الأشياء ببعضها، لتتشكل بعيناها صورة بشعة لحقيقة كانت تجهلها.. والآن فقط ادركت لما أوصاها أحمد على رعاية فريال، وعصبيته حين اخبرته أن رجاء وعايدة لن يتروكوها.. هل كانوا يذهبون لرعاية والدتها بدلًا من فريال؟ لذا كانت تصر دائما فريال ألا ينتظرها احد ويغادرون وهي ستأتي بعدهما.. كانت ترسلهما إذا.. وهما من كانوا يسرقون أشياء والدتهما.. الخاتم؟؟؟؟؟
الخاتم سُرق ولم يضيع؟؟؟
الآن فهمت نظرة الأم وهي تستغيث بها لتأخذ مصوغاتها، كانت تشير بعيناها لقرطها وسلسلة عنقها، أرادت تحذيرها وإخبارها بما يحدث.. وهي لم تفهم! لذا لم تنطر لوجه فريال حين أتت، وكانت عابسة..غاضبة!
انفجرت دموعها بغزارة وهي تنوح:
آه يا أمي.. كل ده بيحصل معاكي وأنا غافلة ومعرفش! بيسرقوكي وإنتي شايفة ومش قادرة تنطقي وتحمي نفسك منهم!!! إزاي يحصلك كده وانا معرفش إزاي؟؟؟؟؟
ظلت تبكي وتلوم نفسها رغم أنها لم تقترف ما يستدعي لومها القاسي لذاتها.. الآن ادركت كل شيء،، أحمد يعلم ولم يخبرها، لذا قرر فجأة أخذ والدتهما لمنزله بتلك الليلة.. وعندما علم بضياع الخاتم انقلب وجهه وثار ونزل گ بركان.. اصبحت الآن تعلم أين كانت وجهته يومها؟؟؟
رفعت وجهها ببغض نضح بعيناها وهي تتمتم: فريال!!
————————————–
ضجر شديد يتملكها.. تشعر بالوحدة منذ ملازمتها للفراش وعدم قدرتها على الحركة إلا بالقدر اليسير!
يتناوبون أولادها في رعايتها، كما تأتي لها هند كل صباح لتهتم بها سويعات ثم تغادر!
وبالمساء تأتي رجاء أو عايدة، ولكن للأسف تشعر انهنا مجبرين، لا يحسنون خدمتها قط.. وخاصتًا عايدة، التي ما أن يغادر ولدها خالد، حتى تهملها تمام، ولا تدخل لغرفتها لتتفقدها إلا اذا استنجدت هي بها، لتساعدها بقضاء حاجتها..أو تعطيها بعض الماء ..ورجاء، تتركها لتشاهد مسلسلات متتابعة وايضا لا تتفقدها، تشعر بوجودهما أنها وحيدة.. وتعجز عن الشكوى لأولادها، فإن علموا بأفعال زوجاتهما .. ربما يصل الأمر للطلاق، وهي لن تكون سببًا لتضر مستقبل أحفادها أو تهز استقرار حياتهما.. ستتحمل حتى تتعافى، فلن تظل تحت رحمتهما كثيرًا..
شق سكونها صوت الباب وأحدهم يدلف إليها.. هو موعد هند. مؤكد هي من أتت!
ظهرت هند على عتبة باب غرفتها تطالعها بصمت وعبوس شديد.. فتسائلت فريال: أتأخرتي ليه ياهند مستنياكي من بدري، عايزة اروح الحمام مش قادرة، خوفت اتحرك لوحدي اقع ومحدش معايا..! قلت اما هند تيجي تسندني وتساعدني!
اقتربت منها ببطء وقدماها تطالبها بالأبتعاد حتى لا تفعل ما يؤذيها، ولكن هل تؤذيها حقًا.. تصارحها بجحودها ونتيجة إهمالها، تعاتبها.. تصرخ عليها.. هي الآن لا حول لها ولا قوة.. تنتظر يدها لتسندها..!
ليتها بتلك القسوة حتى تقهرها وتخذلها كما خذلت والدتها ورمتها تحت رحمة قلوب متحجرة گ نساء أولادها.. مصيبتها أنها لا تعرف القسوة!!
أصبحت أمامها تمامًا، مدت يدها المرتعشة وقالت بصوت شديد البرودة: أنا جيت يافريال.. هسندك بإيدي وهساعدك.. مش هخذلك.. لأني مش هعرف اعمل كده!!!
نظرتها صوتها حديثها.. كل شيء في شقيقتها ينبأها بإنفجار وشيك.. ماذا حدث لها، لما تخاطبها بهذا الغموض والبرود، أين ابتسامتها ومرحها وتهوينها لمرضها وأنها قريبا ستكون بخير.. من تلك التي تقف تمد يدها بتردد وكأنها لا تريد المساعدة! .. ليست شقيقتها هند.. ابدًا ليست هي!!
_ على فكرة.. أنا مش هفضل معاكي كتير.. هعملك اللي محتاجاه وهنزل..!
فريال بضعف: يعني مش هتفضلي معايا لحد مايجي عبد الله أو خالد؟
هند باقتضاب: لأ..!
هذا اقصى ما استطاعت فعله.. فعلت لها ما ارادته وتركتها وتوجهت لمنزلها، تريد الإختلاء بنفسها لتبكي وتصرخ بحرية دون أن يستفزها أحدًا بسؤال لا يجوز الإجابة عليه.. فالإجابة تُخجل ..تجرح.. تُدمي القلب!!
——————–
واقفة تتأمل منزلها الكئيب دون أطفالها.. تشعر ببرودة.. أين دفء مسكنها، وأين عصام؟
نعم تذكرت.. هو الآن حتمًا بعمله!
راحت تُطفي الأنوار وهي تغمغم : مش هتبطل العادة دي ياعصام .. بتسيب كل الأنوار مفتوحة قبل ما تنزل! تفقدت مطبخها، فوجدت أشيائها مبعثرة، وطناجرها محترقة.. يد الإهمال تسيطر بقوة على كل شيء.. أسندت ظهرها على الجدار واغمضت عيناها وهي تأنب روحها: أنا أسفة ياعصام .. سايباك لوحدك محتاس وغرقانة في مشاكلي.. سامحني!
جففت دموعها ونحت ضيقها جانبًا.. فلا وقت لديها للنواح، يجب أن تفعل له شيئًا..!
بدأت بترتيب البيت وتنظيفه وأعداد طعام كثير حتى يتناوله حين يأتي من عمله..ويكفيه لأيام أخرى.!
أنتهت من كل الغرف والمطبخ، ولم يبقى سوى غرفتها.. أصابها الحنين لها ولفراشها الذي يضمها هي وزوجها.. ورائحة المعطر الذي كان يحب نثره بفضاء الغرفة.. لم لا تشمه الآن! كم اشتاقته واشتاقت زوجها.. بدأت بنفض الفراش وتغيره بملاية وردية وراحت تهندم كل شيء.. والتقط لحاف الفراش لتضعه على سور الشرفة حتى يتشرب من الشمس ولا تكون رائحته سيئة!
وما أن عبرت حتى شهقت فزعًا من وجود عصام جالسًا فوق مقعده مغيبًا بنومه.. فتفقدته وهي تهز جسده.:
_عصام .. عصام أيه اللي نيمك هنا، عصام فوق وادخل نام جوه، عصام!!!!
أختل توزنه ومال بشكل خطير وكاد يسقط، فأسندته سريعًا وشهقت بهلع بعد أن تيقنت أنه فاقدًا للوعي وليس غافي!!!
فراحت تهزه ببكاء: عصاام… عصااااام فوق ياحبيبي عصااااااام!
هرولت تطرق باب الجيران لتستغيث بهم!
وتحمد الله أنها وجدت من ساعدها وأحضر طبيبًا، اخبرها أن زوجها مصاب بحمى شديدة لتعرض جسده للبرد طوال الليل!!!
أعطاه دوائًا عن طريق الوريد، وأوصى بمتابعة حالته وأخذ دوائه بالمواعيد المحددة حتى يتحسن سريعًا..!
————————————-
عايدة: شوفتي الخيبة اللي أحنا فيها، أهي أمه اخدت في عياها اللي ورانا والل قدامنا، حتى دهبنا أجوازنا باعوه وبقينا على الحديدة!
رجاء: نصيب بقى، وبعدين ماهو بيني وبينك كان صعب يسيبوها، العملية كانت لازم تتعمل.. واتحطوا في موقف وكان لازم يسدوا فيه..!
عايدة باستنكار : وذنب عيالنا أيه، ده كان ناقصهم حاجات ياما.. والعيشة ضاقت علينا أكتر.. حتي القرشين اللي صمدتهم من ورى الكركوبة جدتهم أضطريت اصرفهم في البيت..!
رجاء بنفاذ صبر: بطلي ندب بقى عايدة قلنا موقف والرجالة اتحطوا فيه وكان لازم يتصرفوا.. ولا عايزة الناس تاكل وشهم ويقولوا سابوا امهم من غير مايعالجوها..!
عايدة: أنا ملاحظة إنك بقيتي ملاك فجأة.. رجاء، إحنا دافنينه سوا ياحبيبتي.. ماترسميش دور البريئة الطيبة وتطلعي زرابيني عليكي.. ده انتي اللي خلتيني اتجرأ. أمد إيدي على حاجة الوليه فاطمة وقلتي ده حقنا..!
رجاء: دي حاجة ودي حاجة تاني يا امو مخ ضلم.. فاطمة جدتهم وعيالها كانوا أولى بيها مننا.. يراعوها ويتكفلوا بيها.. إنما فريال تبقي أم رجالتنا يا فالحة، يعني مسؤلة منهم ويتعابوا ويبقوا لبانة في بق الخلق لو اهملوها..يارب تكون البعيدة فهمت..!
عايدة بتهكم: فهمت ياحنينة ياعاقلة.. روحي ياختي شوفي حالك، وخليني أنزل لحماتك أخدمها.. ماهو مرار طافح ومولد مش هينفض، نخلص من الجدة نتبلي بالعقربة بنتها..!
——————————-
في محل الصايغ( جواهرجي)!
_صباح الخير ياعم حلمي!
_ صباحك قشطة يا ست الكل!
_ أنا معايا خاتم وعايزة ابيعه، أصلي في ضيقة، وقلت هو عن حلمي اللي هيراعيني في المصنعية ويبحبحها معايا..!
_ تحت أمرك يا ست الكل.. هاتي أوزنه واشوف يجيب كام.. ومش هظلمك!
ناولته خاتمها المسروق، الذي ادخرته لذاك الوقت دون بيعه.. فأخذه الصايغ وراح يعاينه بشكل اوجسها، فقالت: في حاجة يا عم حلمي؟ ده دهب والله أنت شاكك فيه ولا أيه؟!
أجاب ومازالت عيناه تتفحص قلب الخاتم:
لا ابدا، هو دهب أكيد.. ثواني هوزنه!
وبعد ظهور الوزن أجاب: ده حوالي سبع جرامات، وتمنهن هيكون (…… ) ..!
فقالت: طب حلال عليك.. قبضني تمنه عشان يدوب أمشي اروح لحماتي.. وواصلت: أصلها ياكبدي عاملة عملية صعبة، ومابتقدرش تتحرك إلا بمساعده!
أومأ العم حلمي برأسه: الله يشفيها..!
ثم رمقها بنظرة متفحصة: ويديكي على قد نيتك!
لا تعرف لما قرأت بعيناه شيء اقلقها، فهتفت:
طب يلا الله لا يسئك هات تمن الخاتم خليني أمشي!
أجاب: سامحيني السيولة دلوقت مش معايا، لأني حاسبت على حاجات للمحل، ولسه بقول ياهادي، خدي الخاتم وعدي عليا يكون تمنه جاهز.. وعشان أنتي تبع الحبايب.. مش هخصم. منك مصنعية زي الغريب!
ألتمعت عيناها بطمع: بجد؟! كتر خيرك، أنا قلت مافيش غير عم حلمي الأمير اللي هيراعيني ومش هيظلمني ابدا
فرمقها بنظرة ثاقبة: أوعدك أني مش هظلمك!
وهم بإعطائها خاتمها ، فوفع دون انتباه، فتمتم:
أسف، ثواني هشوفه، وكمان هحطهولك في كيس قطيفة عشان مايقعش منك!
وبالفعل التقطه ووضعه بكيس أحمر قطيفة، فتناولته وذهبت على وعد بالعودة ثانيًا..!
****************************
فريال بصوت واهن: يا عايدة.. ياعايدة أنتي فين يابنتي!
أتت على مضص هاتفة: جرى أيه؟! عايدة عايدة، عايزة أيه من زفتة؟ هو ماينفعش اقعد اريح جتتي شوية!
فريال بنفس مكسورة: بتكلميني كده ليه يا عايدة، ده أنا حتى زي أمك!
ضحكت بصخب ساخر: حلوة زي أمك دي!! طب خلي حد غيرك يتكلم ..هو لو أمي عايشة كنت هقصر معاها زي ما أنتي عملتي وكنتي بتبعتينا بدالك؟؟
المهم قولي عايزة أيه وخلصيني؟؟
صمتت فريال ولم تجد ما تقول!
فهتفت عايدة: ماتقولي كنتي بتنادي ليه عليا؟
أجابت بضعف: كنت عايزة ادخل الحمام ساعديني وبعدين ارجعي ارتاحي تاني!
فقالت: بقولك أيه أنا دخلتك مرة وايدي مش حاسة بيها.. أستني شوية أما يجي حد من عيالك، أنا مبقاش فيه جهد أه.. هلاقيها منك ولا من العيال..!
والتفت لتركها، ثم عادت تنظر لها بتحذير: وإياك تشكتيني لجوزي ولا أبنك عبد الله، عشان تبقي خربتي بيتنا كمان وارتاحتي!
غادرتها والندم والحزن يأكلها.. وتحصرت على حالها..!
هو القصاص العادل لما اقترفته بحق والدتها.. الآن أدركت ماذا فعلت، إن كانت تعاملها هي بتلك الطريقة
وهي أم زوجها.. فكيف فعلت بالجدة إذًا..!
راحت تبكي بقهر.. ليتها تستطيع الذهاب لطلب السماح والغفران، ولكن كيف وهي بتلك الحالة؟!
قرع رنين الباب فذهبت عايدة لتتبيت الطارق.. فلم يكن سوى الخال أحمد! ارتجفت من نظرته، وتجرعت ريقها بريبة متمتمة: أت أتفضل يا خالي..
رمقها بإزدراء وهو يغلق الباب خلفه: على فكرة أنا مش خالك..! لأنه مايشرفنيش!
أزدادت توتر، ونظرته تخترق عيناها وكأنه يقرأ كل خفاياها المخجلة، فتظاهرت بالتماسك مرددة:
شكلك جاي تقول ما مشاكل.. وانا مش هتكلم عشان أنت خال جوزي وعيب أرد عليك!
وهمت بتركه، فهتف: بعتي الخاتم؟؟؟؟؟
أتسعت عيناها بذهول.. كيف علم بأمر الخاتم!
فأجابها دون سؤال: ماتستغربيش عرفت ازاي.. بصراحة الصدفة كشفتك! الصايغ اللي روحتي تبيعي عنده الخاتم، هو نفسه اللي أنا اشتريته من عنده أنا وهند في عيد الأم اللي فات، ولأنه عارفني أتصل بيا وخلاني اروحله، وأشوف الخاتم..!
فضحها لسانها فهتفت بتسرع: شوفته ازاي وهو معايا مابعتوش؟!
ثم أغمضت عيناها وعضت شفتيها من غباءها.. لقد اعترفت ولم يعد مجال للإنكار.. فاكتسبت بقوة وهمية نبعت من شيطان. داخلها..!
_ وأنت جاي عايز ايه، ولو فاكر هنوح واقولك أستر عليا تبقى غلطان، أنا أخدت حق خدمتي لأمك، ومافيش حاجة في الدنيا دي من غير تمن يا سي الأستاذ.. أعتبر تمنه.. هدية منك لولاد ابن اختك!
يا أما خده .. أنا لسه مابعتوش!
يذل قوة جبارة في السيطرة على نفسه ليبقى هادئًا أمام وقاحتها، وهتف بهدوء ظاهري وهو يضم قبضته بشدة: روحي هاتي الخاتم!
هللت لطلبه، هو إعجاز لم تتوقعه أن ينتهي الأمر بأخذ الخاتم دون ثرثرة هنا وهناك..!
وذهبت واحضرته، فقال: افتحي الكيس وطلعيه!
ففعلت، وما أن طالعت الخاتم حتى ذهلت متمتمة:
ده مش الخاتم اللي كان معايا، وراحت تقلبه بدهشة،
فهتف أحمد بسخرية: طبعًا مش هو!
ثم بسط كفه أمامها فوجدت الخاتم يلتمع بين أصابعه وكأنه يسخر منها بتراقص بريقه الساطع لعيناها..!
فهتفت وهي مغيبة: إزاي؟؟؟ أنا مابعتوش أنا…… .
فأعاد عقلها لحظة وقوع الخاتم من يد الصايغ، إذا هو تعمد إسقاطه وابدله بغيره دون أن تراه، حتى يعيده لصاحبه.. تبًا له .. عجوز ماكر استطاع خداعها بسهولة!!
أحمد بتشفي:
خاتم أمي اللي محفور إسمها جواه.. أهو في ايدي .. رجع تاني لأن فلوسه حلال.. ولأني ماكنتش هسكت إلا أما ارجعه!!!
تمالكت صدمتها سريعا بشكل ادهشه حقًا حين هتفت:حلو أوي الفيلم ده! طب الخاتم خلاص رجعلك، وكده خلاص مالكش عندي حاجة، وانفضينا من المسرحية دي.. وانا بيت أمك مش هعتبه تاني، اتفضل بقى وكفاية عطلة خليني اشوف أختك عايزة أيه!!!
صاعقة سقطت على إحدى وجنتيها، وهي تتلقى صفعة شديد من أحمد. والتي على أثرها ترنحت وسقطت ارضًا أمامه، وجانب شفتيها ينزف!
اقترب منها مطلقًا بصوته فحيح ارعبها : أقسم بالله لولا ولاد خالد وإني مشفق عليه من صدمته فيكي، لكنت خربت بيتك وخليتك تتحرمي من ولادك، وانتي عارفة خالد لو عرف هيطلقك ويرميكي زي الكلبة في الشوارع.. بس أنا مراعي إن العيال مالهمش ذنب.. وكفاية ذنبهم إن واحدة زيك أنتي أم ليهم..!
بثق بوجهها، ثم استدار عنها ليذهب لشقيقته..!
تركها أرضًا وعيناها حمراء گ عين شيطان رجيم تتلوى بنارالغضب والحقد داخلها بعد أن صفعها وأهانها بهذا الشكل.. فلم تشعر بنفسها إلا وهي تلتقط بيدها سكينة قريبة ..ونهضت خلفه صارخة وهي توجه نصل السكين بظهره! ولكن لم. تصيب هدفها.. أو بالأحرى أصابت هدفًا آخر.. خالد!
الذي أتى وسمع حديثهما خلسة، فشلت الصدمة تفكيره وهو يحاول استيعاب الحقيقة المخزية لزوجته عايدة، وافاق من غفوته المصدومة، على نصل سكين يقترب من ظهر الخال أحمد دون أن ينتبه.. فهرول ليدفعه بعيدًا عن مرمى نصلها، فأنغرز به عن أخره وجحظت عيناه وهو يطالع وجه زوجته القبيح!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية جاري سداد الدين)