رواية جاري سداد الدين الفصل الثالث عشر 13 بقلم دفنا عمر
رواية جاري سداد الدين الجزء الثالث عشر
رواية جاري سداد الدين البارت الثالث عشر
رواية جاري سداد الدين الحلقة الثالثة عشر
أصطبغت أجواء منزل الأم فاطمة بالكثير من السعادة بين من يطوفون حولها مقبلينها تارة ومعانقين تارة أخرى.. وقد دبت الروح في أوصالهم.. مغدقين سيل من كلمات الشاكرة الحامدة للله على شفاء الأم بشكل مذهل.. بشهادة طبيبها الذي ابدى تعجبه لتطور حالتها.. معلقا هذا على تحسن حالتها النفسية.. وهي بالاساس كانت علتها الأولى!
أحمد وفريال وعبد الله وخالد وأطفالهم الذين يتبادلون معها ألطف الأحاديث وأصدقها فرحًا وهي تتجاوب معهم بحنان وشوق لجميعهم..!
بينما أنهمكت يمنى وهند بصنع الكعكات الملونة أحتفالا بها كأنه عيد.. والدتهم الحبيبة صارت تتحدث تضحك تشاكس، هل هناك مناسبة تتطلب احتفال مثلها؟!!!
تنحنحت فريال بعد أن مضى وقتا من أحتفالهم..واختلت بأحمد وهند.. وأرادت إعلان قرار قد اتخذته مسبقًا وجاء آوان تطبيقه:
_ كنت عايزة أكلمكم في حاجة مهمة!
أجاب: خير يافريال! بينما تسائلت هند: حاجة إيه؟
دارت عيناها عليهما بحنان لم يعهدوا فيها من قبل
ثم تحدثت بهدوء:
أولا عايزة اعتذر عن كل حاجة عملتها في حقكم وتقصيري معاكم أو مع أمي.. أنا اتخليت عن مسؤليتي و بالعكس، كنت باجي كتير عليكي ياهند واستغل طيبتك واتكاسل في دوري مع ماما وكنتي انتي بتروحي وتعرضي بيتك للإهمال وتتحملي غضب زوجك عليكي..ودايما كنتي بتعذريني.. ثم التفتت لشقيقها هاتفة بامتنان:
أما أنت يا أحمد.. زي ماكنت ونعم الأبن، كنت ونعم الأخ والسند وقت ما احتاجتك.. وقفت جمبي ومع ولادي وحسستهم إنك في ضهرهم رغم زعلك مني، بس ما اتخليتش عننا لأخر لحظة بتدعم الكل وبتحتويه.. وجه الوقت اللي لازم اسد ديني ليكم ودين أمي عليا..!
دمعت هند تأثرا: إيه لازمة الكلام ده يا فريال.. مش قلنا ننسى اللي فات وكفاية فرحتنا بشفاء ماما..!
أحمد. مؤيدا: وبعدين مهما حصل هنفضل اخوات وإيد واحدة يا فريال.. كفاية لوم لنفسك، إنتي خلاص فوقتي ورجعتي تاني إيدك. في ايدينا..!
جففت دموعها، ملقية مالديها وتحدثت لأجله:
كان لازم اطلع كل اللي جوايا ليكم.. عشان كمان تعرفوا سبب قراري.. أنا هاخد ماما تعيش معايا..!
بعد برهة صمت بينهما، تحدثت هند:
تاخديها إزاي وليه، أنا مش هتخلى عن أمي أنا…..
قاطعتها فريال: مين قال حبيبتي هتتخلي عنها، ثم نظرت لأحمد المستمع لهما: أنت يا أحمد بيتك وشغلك بعيد.. بتعاني كل يوم عشان. تيجي، وقصرت في دروسك اللي بتساعدك على المعيشة، وولادك محتاجين كتير من مجهودك، ومراتك كمان بتيجي وهي كمان بتاخد أجازات واهملت في دروسها عشان تكون جمبك في أزمة أمي.. وعادت بنظرها لهند:
وانتي كنتي هتطلقي بسبب إهمالك لبيتك وجوزك.. وبيتك بردو بعيد وولادك أصغر ومحتاجينك.. إنما أنا ولا عندي زوج يقيدني، ولا ولاد صغار، ولوحدي، وهقدر اعتني بأمي طول الوقت من غير ما اروح ولا اجي، وولادي عبد الله وخالد حواليا، وانتي واحمد هتيجوا براحتكم وقت ماتفضوا بدون ما تحملوا همها..!
أنا ضميري مش هيرتاح إلا إذا رديت دين أمي وراعيتها، ولو اعتذرت مليون مرة مش هوفي حقها.. لكن لو اهتميت أنا بيها وقتها بس هحس إني قادرة ابص لنفسي بإحترام!
صمت كلا من أحمد وهند يتبادلون النظرات، ويقيموا بعقولهما اقتراح فريال، وبعد برهة نطق أحمد:
_ وأنا موافق يا فريال مادام دي رغبتك.. وفعلا هبقى مطمن على ماما وبردوا مش هسيبها لكن يمكن زي ما قلتي هيكون في فرصة أهتم بشغلي واجيلها في اخر اليوم، ده غير تعهدك ليا إن اي طارق يحصل أكون أنا أول واحد تكلميه.. أما أنتي ياهند، ممكن تيجي يومين في الاسبوع، تحمي ماما مع فريال وتعملي أكل ماما كله وكده هتكوني شاركتي بشكل مريح أكتر ومهم لأنك هتشيلي عبء كبير عن فريال!
تهللت فريال كالطفله واحتضنت أخيها ممتنة:
ربنا ما يحرمني منك يا أحمد.. ماتتصورش ريحتني ازاي، واوعدك إني مش هقصر معاها وأي حاجة هلجأ ليك أنت!
ذهبوا لإعلام الجميع بقرارهم، والذي أسعد عبد الله وخالد لأقصى حد.. فجدتهم الحبيبة ستبارك بيتهم وتنيره وسيحظون برؤيتها كلما ذهبوا..!
____________________
رعب شديد أصاب عصام منذ أن آتاه إتصال من أخيه الأصغر حسام ذو الأثنى عشر عاما.. وهو ينبئه بحادث والدته أثناء مغادرتها سيارة الأجرة.. هرع سريعا إلى المشفى.. مستفسرا عن حالتها، وعلم أن أصابها كسر بذراعها اليمنى وبعض الرضوض الغير خطيرة نتيجة تدحرجها على الطريق حين اشتبك طرف عباءتها داخل السياة دون إنتباه من السائق الذي إنطلق وجذب جسدها على الطريق، لولا صراخ الجميع ووقوفه فورًا..ليتفقد ما حدث..!
مضى اليوم وقام الطبيب بتجبير ذراعها ومعالجتها كما يجب.. مؤكدة على الحرص في التعامل وعدم وصول الماء لمكان جبيرتها الصلبة، حتى تتعافى سريعا..!
طرقات سريعة متتالية على باب شقة والدته، فذهب ليتبين الطارق، فوجد هند تندفع للداخل بهلع صادق:
_إيه اللي حصل لماما رقية ياعصام.. وإزاي ماتقوليش من الصبح.. يعني لولا اتصلت بحسام لما أنت ماردتش على اتصالاتي ماكنتش عرفت؟
أحتوى ثورتها هاتفًا: أنا كنت في أيه ولا أيه ياهند! كان كل همي اطمن على أمي ومجاش في بالي أكلمك رمقته بلوم وتوجهت من فورها إلى حيث توجد الأم رقية، وما أن رأتها وذراعها يحطه جبيرة بيضاء حتى هتفت: ألف سلامة عليكي يا ماما رقية..!
الأم بابتسامة ودودة: الله يسلمك بابنتي!
اقتربت هند وقبلت يدها متمتمة:في حاجة وجعاكي؟
أجابت: الحمد لله وجع بسيط.. ودلوقتي أحسن من وقت ما وقعت كان الألم فظيع.. ربنا ما يوريه لحد!
تمنت لها مرة أخرى متسائلة: طب ده حصلك إزاي؟
أجابت: كنت رايحة اقبض معاش عمك محمود الله يرحمه انا وحسام، نازلة من العربية شبكت عبايتي في حتة حديدة من غير ما انتبه، فطبعا أول ما مشي السواق جرني معاه ع الطريق وحصل اللي حصل.. الحمد لله على كل حال!
ثم تهلل وجها متذكرة شيئًا: نسيت اباركلك يابنتي على سلامة الحاجة فاطمة.. ماتعرفيش ازاي فرحت عشانها..!
فصاحت هند متأثرة: أنا لحد دلوقت مش مستوعبة يا ماما رقية، حاسة إني بحلم، ماما رجعت تتكلم وتناديني وتضحك معانا تاني!
ثم ارتمت على صدر الأم رقية من شدة تأثرها بعين مغرورقة.. فربتت عليها الأولى بيدها السليمة مرددة:
أمك يابنتي ست مافيش منها، أم بمعنى الكلمة ربتكم بالحلال وشقيت كتير علشانكم لحد ما كبرتكم، ومهما ربنا اختبرها.. هتفرج في الأخر، وأهو الحمد لله رجعت تتكلم.. ولسه هتتحسن أكتر وأكتر برعايتكم!
جففت هند دموعها وحمدت ربها على ما أنعم عليهم ثم هتفت: أنا هروح اعملك لقمة تاكليها عشان علاجك، وقوليلي حسام بيحب ياكل إيه عشان اعمل حسابه!
_ مافيش داعي ياهند روحي انتي افرحي بأمك واشبعي منها وعصام معايا هيتصرف!
هند بحزم: مافيش الكلام ده.. أنا اطمنت خلاص على ماما.. وانا اللي هخدمك واعملك كل طلباتك، هو أنا مش بنتك ولا أيه؟
الأم رقية بنبرة امتنان: ربنا يحميكي يابنتي وتاخدي على قد طيبة. قلبك!
……………
يراقبها وهي تتنقل گ الفراشة تعيد ترتيب بيت والدته وتعد لها ولأخيه حسام وليمة الغداء بعد أن تفقدت أدويتها حتى تعلم مواعيدها بدقة، متجاهلة وجودة بعد أن رمته بنظرة عاتبة لعدم إخباره فور معرفته!
ولا تدري أنه كان يخجل! تذكر كم ضايقها حين كانت تذهب لوالدتها المريضة وتهمل البيت أو تقصر معه!
الآن أختبر شعورها وهو اللذي كاد يفقد عقله لعلمه بحادث والدته وهرع إليها تاركًا عمله وطلابه وكل شيء في سبيل الإطمئنان عليها..!
لاحظت هند شروده وجلوسه بعيدًا بعد أن غفت والدته منذ قليل! فذهبت إليه: كنت ناوية مش هكلمك بس أمري لله.. ممكن اعرف ساكت ليه كده، الحاجة زي الفل والحمد لله إن جت على قد كده.. مجرد وقت وهترجع كويسة ليه قلقان كده، ثم ربتت على كفه:متخافش ياعصام والله مامتك هتبقى كويسة! بس فك التكشيرة الوحشة دي!
طالعها بنظرة حيرتها، ثم جذبها وتنحى بها بعيدا عن أنظار أخيه بغرفة جانبيه ثم عانقها بقوة وهو يغمغم ورأسه تستكين على عنقها: إنتي ازاي كده ياهند..إزاي بتقدري تحبي وتراعي كل اللي حواليكي وبتلبي واجبك ناحية اللي محتاجك حتى بدون مايطلب!
إزاي نسيتي إني كنت بعمل معاكي مشاكل أما تنزلي لمامتك وهي عيانة.. كان ممكن تردهالي وتقولي جرب إحساس الأم لما تتعب وتسيبيني لوحدي!
تأثرت بلومه لذاته وكرهت إحساسه بالذنب والخجل منها، فابتعدت عنه بمقدار وأحاطت وجهه وتعمقت نظرتها بعيناه متمتمة بصوت حاني: عشان كده ما اتصلتش بيا؟ أسمعني،ياعصام عشان ماتحملش نفسك فوق طاقتها.. إنت كنت بتمنعني اما أروح كتير.. لأني فعلا قصرت في حقك كزوجك وحرمتك.. وقصرت في بيتي! وحتي لو جيت عليا زيادة وضغطت عليا.. بس أنا يكفيني إنك بعد كده قدرت تفهمني وتعذرني! ثم صمتت برهة وواصلت:
فاكر لما انت تعبت وأنا نفسيتي كانت تعبانة واترميت في حضنك وقلتلك نفسي ما اتحوجش لحد واموت بصحتي؟ فاكر أنت عملت أيه رغم زعلك مني؟ احتويت كل خوفي وطمنتيني وحسستني بأمان كنت محتاجاه أوووي وماتتصورش ازاي فرق معايا.. الموقف ده بالذات يغفرلك كتير عندي.. أحنا مش ملايكة ياعصام لينا اخطاء كتير.. المهم إننا نحاول نصلحها في الأخر.. ثم قبلت بيه عيناه: وأوعى في يوم تتكسف تطلب مساعدتي وتعمل حاجز بنا..زي ما أنا بتسند عليك.. أنت كمان اتسند عليا لما الدنيا تميل!
عجزت الكلمات بحلقه أمام منطقها الإنساني.وكلماتها المؤازرة الحانية! وكل يوم يكتشف بها جانب يؤثر روحه لها..فلم يجد تعبيرًا لامتنانه لها أبلغ من قبلة أودع فيها كل مشاعره بتلك اللحظة ثم غمرها بين أحضانه وأحاطها بذراعية مرددا بسخاء عبارت عشقه الصادق لملاكه التي يكتشف نقائها يومًا بعد يوم.!
__________________
في منزل رجاء!
سلمى: أنا عملتلك الفراخ المشوية اللي بتحبيها من أيدي ومعاها رز ابيض هتاكلي صوابعك وراهم يا جوجو!
تمتمت رجاء بحزن لشقيقتها الأصغر:
مش عايزة يا سلمى.. ماتشغليش بالك بيه وروحي لعيالك وبيتك!
سلمى برفض: مش همشي إلا اما تاكلي من أيدي. وبعدين ولادي مع حماتي هي هتاخد بالها منهم!
نظرت لها رجاء وهي تقيم نبرة صوتها الراضية، فتسائلت: إنتي بتحبي حماتك يا سلمى؟!
أجابت: طبعا.. ربنا يعطيها الصحة ويبارك في عمرها..ثم واصلت: تعرفي يا رجاء.. ساعات الظروف كانت بتضيق بينا أوي أنا و علاء جوزي، وسبحان الله تفرج بعدها من وسع، تعرفي ليه؟
أومأت رجاء برأسها بالنفي منتظرة إجابتها:
لأن أمه بتدعيلنا برضا، حماتك ممكن تبقي أم تانية لو اتقيتي الله فيها.. وسهل أوي تكسبيها.. أنا مش هقولك علاقتنا كانت حلوة من الأول، بالعكس حصل خلافات كتير، بس بعد كده أنا قدرت استوعب إني لو كسبت رضاها افضلي من عداوتها، وكل اللي عملته أني عاملتها زي أمي بخدمها واخد بالي من صحتها وعلاجها واجبلها هدايا في المناسبات واحسسها إن خير ابنها ليها.. لقيتها بعد كده اتغيرت معايا وبقيت تحبني اوي.. لدرجة لو جوزي جه عليا تبهدله.. بقيت سند ليا.. أنا عارفة يا رجاء إنك متأثرة بطبع أمي، بس نصيحة من أختك الصغيرة، أكسبي حماتك واعتبريها أمك، ووقتها هتكسبي جوزك نفسه أكتر وهتكوني غالية عنده فوق ماتتصوري..!
شردت رجاء بحديث شقيقتها التي قربت لفمها قطعة دجاج مشوية.. ما أن اشتمتها رجاء حتى شعرت بغثيان شديد، فوضعت يدها تكمم فمها وهرولت لتفرغ ما في جوفها بعيدا..!
ارتعبت سلمى وذهبت خلفها، وجففت وجهها هاتفة:
مالك يارجاء حصل أيه.. إنتي عندك برد؟ طب تعالي نروح نكشف عليكي و…………
أشارت إليها رجاء بالرفض: لأ .. أنا كويسة، بس يمكن برد.. هروح أنام شوية وهبقى احسن، وأنتي روحي بيتك يا سلمى ووقت ما هجوع هاكل .. أوعدك!
تركتها بعد إلحاح شديد، وبالفعل أوصلتها لفراشها وأحكمت عليها الغطاء وذهبت!
_____________________
أخيرا تباركت عتبتها بقدوم والدتها لبيتها، بعد أن اعدت هي وهند غرفة نظيفة مشمسة تليق بوالدتها الحبيبة!
والآن جاء دور قرارها التالي لترميم ما افسدته!
زيارة ستجني منها ثمارا جديدة تروي حديقة برها وروحها التي تغيرت وتهذبت بعد ما حدث!
…………………
في منزل رجاء!
_ أفتحي الباب يا بنتي إيدي مش فاضية!
رجاء بضجر: حاضر يامه.. وذهبت وما أن أنفرج الباب وتبينت الطارق حتى اتسعت عيناها ذهولا وتسمرت مكانها..! فهتفت الضيفة التي لم تكن سوى فريال:
_ إيه يارجاء ..هتسيبيني واقفة على الباب كده!
لم تتجاوز صدمتها، ولكن تحركت جانبًا تدعوها للدخول بصمت عاجزة عن التفوه بحرف أمامها..!
تقدمت فريال ببطء وجلست على مقعدٍ قريب:
روحي غيري هدومك وهاتي شنطتك عشان ارجعك لبيتك يا رجاء..!
فجثت أمامها رجاء علي ركبتيها، هاتفة بدموع بدأت تنهمر من عيناها: إنتي بنفسك اللي جيتي ترجعيني.. لسه قادرة تبصي في وشي تاني بعد اللي عملته؟
ربتت فريال على كتفها برفق:
مش عيب الواحد يصلح أخطائه.. أنتي غلطي وأنا غلطت قبلك بس ندمت ..ووشك الدبلان وجسمك الهزيل ده خير دليل على ندمك انتي كمان يا رجاء!
بكت الأخيرة مرددة: ندم؟!!! أنا ميتة من غير عبد الله وولادي.. مافيش حاجة بقى ليها طعم!
ثم التقطت كف فريال تقبله باعتذار يمتزج بامتنانها:
سامحيني يا ماما فريال سامحيني.. أنا غلط في حقك وحق جدتي وحق جوزي وولادي، كنت جاحدة وغبية ومعنديش رحمة ولا أمينة ولا…………
وضعت فريال أصابعها على فمها لتعوق استرسالها:
وأنا كفاية عندي ندمك اللي في عنيكي.. وسامحتك يا رجاء.. وجيت عشان أمدلك إيدي ونفتح سوا صفحة جديدة..صحيح عبد الله لسه مش متقبل رجوعك ومايعرفش إني جيت أخدك.. بس أنا هكون معاكي متخافيش.. مع الوقت قلبه هيحن ليكي تاني، أنا ولادي طيبين مابيعرفوش يكرهوا زي أبوهم الله يرحمه.. وإنتي لازم تكوني قوية وتدافعي عن مكانك وسط عيالك..وتصبري لحد ما يهدى من ناحيتك ويرضى تاني!
طالعتها رجاء ولأول مرة تشعر تجاهها بهذا القدر من المحبة.. أحتضنتها بمشاعر صادقة مرددة:
أوعدك من اللحظة دي هكون بنتك مش مرات ابنك.. وإن مهما عبد الله عمل ورفضني هتحمل عشان ولادي وعشان ثقتك فيا تاني!
نفضت عنها فريال ذاك التأثر وهتفت بمزاح:
أدي نتيجة المسلسلات الهندي بتاعتك، نكد ودراما.. قومي فزي واجهزي خليني ارجع بسرعة.. مش هضيع اليوم معاكي يا كئيبة انتي!
ضحكت رجاء وهي تجفف دموعها بظهر كفها: حاضر!
فعرقلت الأم طريقها هاتفة بحدة:
ضحكت عليكي حماتك بكلمتين يا خايبة.. الأصول يجي ابنها يصالحك ويرجعك معززة مكرمة!
فهتفت رجاء بقوة استمدتها من فريال:
كرامتي وعزتي في بيت جوزي يا أمي.. وكفاية عندي مجية ماما فريال .. وانا مش هخذلها ابدا وهرجع معاها واسمع كل نصايحها..!
ثم اقتربت من والدتها مرددة بألم: نصايحها اللي كان نفسي تيجي منك انتي يا أمي.. الأصول أنا اللي خالفتها مش هما.. والخطوة اللي مشيتها حماتي لعندي.. همشي قصادها عشرة..!
ابتسمت فريال برضا لحديث رجاء.. وحمدت ربها داخلها بأنها اهتدت لهذا القرار ولم تتأخر بتنفيذه!
وتنهدت متمتمة بخفوت: فاضل دورك يا عايدة!
_________________________
عبر الهاتف!
_ السنيورة خرجت ووصلت بالسلامة!
_ عرفت راحت فين؟
_ هي جت في منطقة شعبية، ودخلت بيت في الدور الأول؟
_ اعرف مين ساكن في البيت، ويعرفها منين
وبعدها عدي عليا خد اللي اتفقنا عليه!
_ اعتبريها مقضية بعون الله!
………… .
يستعيد عقلها تلك المكالمة التي أخبرتها بخط سير غريمتها عايدة يوم خروحها من السجن.. وعيناها تلمع گ شعلة متقدة بلهيب حقدٍ لم تنطفيء ناره إلى الآن! وهي تخطو بخطى شديدة الصبر لتحقق إنتقامها من تلك التي سلبت قلب وروح ولدها.. أيمن!
قطعة روحها الذي توفي بحسرته على تلك الحية، حين علم بزواجها من خالد.. بعد أن عاد من جيشه بأول إجازة بعد مضي فترة تدريب امتدت إلى 45 يوم متواصلة.. عاد متلهفًا أن يرى التي عشقها منذ طفولتها، منتويًا إعلان رغبته فيها وخطبتها لحين إنتهاء تجنيده!
كان هاجسها الوحيد أن يقترن أيمن أصغر أبنائها واحبهم إليها، بتلك العقربة أبنة سهام التي سلبت قلب زوجها في الماضي البعيد.. لتأتي ابنتها وتسلب قلب أيمن وتستحوذ على عقله..!
راحت تتذكر أخر حديث لهما قبل وفاته، حين ثار بهستيريا وراح يقذف كل ما تطاله يده وهو يهتف عليها صارخًا:
جوزتيها؟؟؟ مع إني صارحتك إني عايزها.. حرمتيني من حلم حياتي.. من البنت الوحيدة اللي حبيتها واتمنتها تكون ليا.. ده انا كنت صابر بفارغ الصبر أخلص جيشي واتجوزها.. وأنتي عارفة إني كنت عايزها.. عارفة ومع كده جوزتيها بأيدك وحطمتي قلبي وحلمي..!
تبكي وكأنها تسمع صوته الآن، وهو يصرخ بكل كلمة ينطقها ويلومها ويتهمها بحرمانه من سعادته.. كانت تعلم بعشقه لعايدة منذ أتت منزلهم صغيرة.. وينتظر أن تكون له حين ينتهي جيشه.. هكذا أخبرها، كما ذكر أمامها أنه سيدبر لها مسكن أخر، حتى لا تعيش معها.. كان يخطط للإستقرار بعيدًا عنها.!
ويا ليت أنتهى الأمر بشجاره وصراخه!!!
فبعد دقائق من مغادرته المنزل ثائرًا گ الإعصار، تفاجأت بطرقات متتالية وسريعة على بابها، وجاءها خبر إصطدامه بإحدى السيارات أثناء عبوره الطريق!
هرولت گ المجنونة وهي تستغيث بمن حولها في المشفى الذي أنتقل إليها أيمن:
_ أبني.. أبني فين.. هاتولي أبني.. أيمن.. أنت فين ياقلب أمك!
دلتها إحدى العاملات على غرفته بشفقة وهي تتصعب على المرآة التي تكاد تفقد عقلها..!
وبعد دخولها صدمها الطبيب بجملته القاسية:
_ للأسف إبنك عنده نزيف شديد في المخ، وأحنا عملنا كل اللي قدرنا عليه وعجزنا نوقفه.. ووجوده على قيد الحياة مسألة وقت.. لو نفسه في حاجة اعمليها..!
الذكرى تقطع قلبها.. مازالت تبكي وكلماته الأخيرة ترن بأذنيها گسوط نار تجلدها..!
_ كان نفسي اعيش واتجوز البنت اللي بحبها.. بس إنتي حرمتيني منها يا أمي..!
لم تتحمل كلماته فراحت تنهال عليه بالوعود:
ماتقولش كده يا ابني .. قوم بالسلامة وانا ارجعهالك تاني.. وحيات غلاوتك اللي انت عارفها في قلبي هرجعلك عايدة زي ما ضيعتها منك.. بس ماتسبنيش يا أيمن.. هرجعهالك أوعدك.. أوعدك يا…………………
فوجئت بانسدال أجفانه گ الموتى.. لما صدح ذاك الصفير بإنتطام بعد أن كان يُعزف متقطعًا..ماذا حدث!
_ أيمن.. حبيبي قفلت عيونك ليه يا ضنايا.. أيمن رد على امك يابني وما تحرقش قلبي عليك.. أيمن!!!
أنقطعت أنفاسه ولم يعد قادرًا علي تلبية ندائها.. توفى وتركها بذنبها أنها من حرمته السعادة..!
ولكن لا.. ليست هي.. العقربة هي سبب تعاستها الآن ومن قبلها الأم سهام.. قطعت وعد ألا يُخمد لها نارًا.. إلا بسلب روح من تسببت بفقدان ولدها وهو غاضب منها.. ستموت عايدة.. كما مات أيمن حسرةً عليها!