رواية ثلاث صرخات وحدها لا تكفي الفصل السابع عشر 17 بقلم اسماعيل موسى
رواية ثلاث صرخات وحدها لا تكفي البارت السابع عشر
رواية ثلاث صرخات وحدها لا تكفي الجزء السابع عشر
رواية ثلاث صرخات وحدها لا تكفي الحلقة السابعة عشر
قالت فريده علينا أن نحمل الجثة!
شمرنا أقدام بناطلينا وغصنا في الماء حتي وصلنا، حملنا الجثة بين ايدينا نحو بقعه بعيدة عن الماء ، انزلناها علي الارض باحترام وانا أضع يدي علي انفي من رائحة العفونة، من أين أنت تلك الجثة سألت دون أن أوجه كلامي لأحد، مما لا شك فيه، سفينه غارقه وحملت الأمواج تلك الجثة تجاه الشاطيء.
يجب أن ندفنه، قالت، فريده.
الأن اجبت باستنكار؟
إكرام الميت دفنه يا عوني، بقايا ذلك الشاب تستحق دفن لائق يليق بتلك النهاية المأساوية!
لكن ،لا نمتلك فأس، معول؟
يمكننا أن نحفر بأيدينا خلال الرمال المبتلة وضحت فريده وهي تزأر!
قلت، لكن المياه ستتلفها؟
بكل حال وطبقا للظروف المعتادة حتي لو حفرنا القبر بين الصخور الوعرة فإن الدود سيلتهم الجثة، شرح احمد عبد الهادي بحكمه.
شرعنا نحفر القبر بأظافرنا وشفرات الحجارة، وضعنا الجثة وكلنا عليها التراب، بعدها لم تكن لدينا رغبه بالنوم، اشعلنا الحطب وجلسنا حول النار صامتين!
بالصباح عندما ارتفعت الشمس رأينا بقايا حطام السفينة، الأخشاب التي وصلت الشاطيء، بعض الملابس وساري السفينة المربوط به علم احمر!
كيف تحطمت برأيكم سألت!؟
اصطدمت بحاجز بحري، الصخور المتوارية أسفل مياه البحر، أبناء الشيطان ردة فريده!
أبناء الشيطان ؟ استفهمت!
البحارة يطلقون علي تلك الصخور التي لا يستطيعون رؤيتها وتخرق سفنهم أبناء الشيطان يا عوني قرأت ذلك في عمال البحر لهوجو!
حملنا امتعتنا والقلق بادي علي ملامح احمد عبد الهادي، ذلك اليوم سرت انا بالمقدمة ، كان الشك واللوم قد ضرب عقلي، انا من تسبب في كل ذلك، كان يمكنني أن أخوض مغامرتي بمفردي دون أن اورط فريده واحمد عبد الهادي معي.
بعد مسيرة نصف يوم اتضح ان الاستمرار بمسارنا الحالي حدود شاطيء البحر مستحيل، تكاثرت الصخور وتكالبت لتسد طريقنا وتحتضن البحر، الامواج ترتطم بها بلا هوادة ورزازها يحلق عاليا ليصفع وجوهنا.
علينا أن نغير طريقنا قلت!
لكن المخطوطة لم تذكر ذلك يا عوني؟
من قال ان الكتب تذكر كل شيء؟ تمنحنا رؤس الفكر وعلينا أن نكمل الباقي، بهدوئها المعتاد رمتني فريده بنظرة إعجاب استقرت بصدري، سنلتف حول التلة ونسير بمحاذاة البحر بحيث تفصل بيننا الصخور وعندما نجد بقعه ممهده نعود لطريقنا مره اخري!
قطعنا درب ممهد طرقته الأقدام قبلنا اصطدمنا بالصحراء الجرداء، بيداء لا اول لها ولا اخر، نسير بمحاذاة التلال ولن نضل طريقنا قلت ذلك وانا اتقدمهم، لكن حتي بعد مضي ثلاثة أيام متواصلة من السير بالنهار والتخييم بالليل لم نجد ارض سهله تصلنا بالساحل!
اليوم السادس عندما انطلقنا كان كل منا يفكر كما تقول المخطوطة، تبقي يوم واحد حتي نصل الميناء حيث تنقلنا سفينه لتلك المدينة الغامضة، مدينة أبناء الساعة.
لكن كما هو واضح ان التلال تزداد ارتفاع كلما تقدمنا بالسير ولا اي شخص عاقل يتصور انه من الممكن أن يتسلق تلك الصخور الوعرة المسننة.
انها محاوله فاشله ستؤدي للموت دون شك.
كان اليوم السادس اوشك علي نهايته عندما لاحظنا ضباب خفيف يسبح حولنا وكلما تقدمنا كان الضباب يزداد كثافه لكن لا يحجب الرؤية.
انه ضباب البحر يا احمد لا تقلق!
ولماذا لم يظهر ذلك الضباب إلا الأن فقط سألت فريده؟
ليخفف عنا لسعات الشمس قلت بنبره مبتسمه.
انا متشائم قال أحمد عبد الهادي وهو يحك حاجبه وكانت اول كلماته منذ مده طويله!
قلت بنبره وديه، منذ متي وانت غير متشائم يا احمد؟ انه مجرد ضباب لن يلبس ان يزول فور شروق الشمس، اقسم بحلول الغد سيتبدد الضباب وتلسع الشمس مؤخرتك السخينة ويتعرق ابطك وتصبح رائحتك كريهة لا تطاق!
بدرت ابتسامه قلقه من أحمد عبد الهادي بينما لاذت فريده بالصمت، ليس من عادة فريده ان تصمت؟
صمتها، شرودها ينبأني بمصيبه وشيكه لكن شكوكي سرعان ما تبخرت مثل بخار مياه الصيف!
ألم يلحظ احدكم اي شيء غريب؟ سألت فريده.
هناك واشارت بيدها للضباب!؟
حدقت انا واحمد خلال الضباب بنظرات ملئها رعب وتوجس، كان الظلام محدث ولم نري اي شيء.
أنا لا اري اي شيء زعق احمد عبد الهادي وهو يرفع كتفيه بغضب ولا انا وضربت ساقي بيدي!
ماذا رايتي؟ سأل احمد عبد الهادي اخته بنبره جاده لكن مرتعشة!
لا شيء، هيئ لي اني رأيت ما يشبه علامه واشارة طريق، علي كل حال سنخيم هنا الليلة وعندما يحل الصباح سنستكشف تلك العلامة!
تناولنا طعامنا ورقدنا بجوار الحطب الذي يطقطق ويخرج من اطرافه عصارة رماديه.
غفونا جوار النار، قبل الفجر غمرنا الضباب والصقيع واختفينا خلاله.
استيقظت وأطرافي متجمدة من البرد ورغم قرب المسافة الا انني استطعت رؤية فريده واحمد عبد الهادي بالكاد!
زحفت نحوهم برعب، لكزت احمد في كتفه، افيق، استيقظ نحن في ورطه.
بغبش وهو يفرك عينيه نهض احمد عبد الهادي، مسح الارجاء بعينه قبل أن تتلاقي عيوننا مره اخري، ارجوك أخبرني ان تلك المخطوطة حقيقيه وليسا من اختراع عقلك اللعين؟ خاطبني احمد عبد الهادي بنبره متوسله!
اقسم لك يا صديقي اني اخبرتك الحقيقة كامله، كل حرف، كل كلمه، فكر احمد عبد الهادي وهو يحك ذقنه بإبهامه! لماذا لم يأخذ عمك المخطوطة معه، كيف عرف الطريق وحده؟
ذلك امر سهل يا اخي ربما نسخها اجبت بتوتر!
ما الذي يحدث هنا زعقت فريده وهي ترتعش، كانت اول مره المح الخوف في عينيها!
كنت ظننت ان تلك الفتاه صخره لكن لكل فتاه قدره علي التحمل تعادل كرهها للرجال!
كما ترين يا عزيزتي، نحن غارقون في الضباب وضرب احمد عبد الهادي رأسه!
متي حدث ذلك؟
ونحن نيام طبعا!
قبل أن تفكر او تسأل قلت، المخطوطة اللعينة لم تذكر اي شيء حول ذلك!
ربما علينا العودة بادرنا احمد عبد الهادي فجأة وكأنه امر مقرر.
لماذا تكبدنا كل تلك المشقة يا اخي؟
عوني؟ اختك ليست هي الحاضرة معنا توشك ان تفقدها، من فضلك الزم الصمت ودعنا نناقش تلك المسئلة العائلية بيننا!
لم تعجبني نبرة احمد عبد الهادي فأنا لم أجبره علي تلك الرحلة ثم ان روعي وقلقي علي فريده لا يقل عنه.
انا اعتبرها مثل اختي.
سنظل هنا لمدة يوم آخر، ربما حينها ينقشع ذلك الضباب ابن الزانية وتتضح الرؤية!!
لم اعلق علي كلام أحمد عبد الهادي كنت احمل بصدري غضب لا متناهي من طريقة كلامه الهجومية!
حتي لا نضيع من بعضنا وقد اقشعرت ابداننا من البرد جلسنا متجاورين والشك يجلس معنا، يسير، يلف ويدور.
عوني؟
نعم!
ارجوك لا تغضب من أحمد! انه لم يقصد ذلك، ارتفع الادرينالين فجأة في ذهنه واندفعت الكلمات دون تفكير!
ثم اسرت لي بأذني!
انا لا اشك انه تبول ببنطاله اردفت بنبره ممازحة، بدرت مني ابتسامه مغتصبه ولذت بالصمت.
اظلمت الدنيا واصبحت الرؤية مغبشة، عسس ليل ، أشباح ، أطياف!
وضعت الحقيبة أسفل رأسي وغططت في النوم.
سمعت شخير احمد عبد الهادي يشبه نقنقة الضفادع وكانت فريده راقده الي جواره ملتصقه به، سحبت ورقه وقلم، حاولت أن اتخيل انني اكتب وانا مغمض العينين، كتبت الرسالة مثلما تمكن لي، دسستها بجيب احمد عبد الهادي، حملت حقيبتي فوق ظهري ورحلت!
التصقت بصخور التلة حتي لا أتيه وتقدمت للأمام وانا اتعثر كل فتره.
من حقه ان يخشي علي اخته من الخطر، لو كنت مكانه لفعلت ذلك، الان يمكنه العودة، مسيرة نصف يوم بطريق الرجوع، تعود الرؤية ويعودون للمدينة مره اخري.
سرت ملتصق بالصخور وكل ما أرغب به أن ابتعد ميلين علي الأقل حتي لا أسمع ندائهم ويغمرني الحنين، انها رحلتي منذ البداية وانا وحدي فقط من عليه أن يتحمل تبعاتها كيفما كانت!
بعد مسيره لا بأس بها جلست انتظر ان تشرق الشمس وتبدد تلك الظلمة،
اتكأت علي صخرة وغفوت ولم أشعر الا وقدم تلكزني، أفق يا وغد!
وغد ؟ انا اعرف هذا الصوت، فريده؟
ومن سواها سيهب لنجدتك؟
اسمعي يا فريده ليس لدي مزاج للمزاح، ثم اين احمد؟
تركته هناك حيث كنا نخيم!
ماذا!؟
تركته هكذا؟
بدرت منها قهقه رتيبة، احمد خلفي يحاول اللحاق بي، هل ظننت حقا انني من الامكان ان اكمل الرحلة مع شخص احمق لا يطاق مثلك بمفردنا؟
لحظات وسمعت سعال احمد عبد الهادي!
لماذا لم ترحلوا كما طلبت منكم بالرسالة؟
خطك سيء ولم نتمكن من قراءته بالظلام أجابت فريدة سحقا، يهيئ لي أن فريده، تلك الفتاه، لا تفوت فرصه الا وتنتهزها للتنكيد علي.
لم أكن أعلم أن لديك قدميين حديدين وقلب أسد، كيف تتركنا هكذا يا عوني؟ السنا اصدقاء؟
صداقتنا هي التي دفعتني لذلك يا احمد صدقني، لن نبدأ التعارف الان صرخت فريدة بنبره حماسيه، أمامنا طريق ونحتاج لخطه!
قلت بخجل كنت افكر ان نسير بمحاذاة الصخور حتي نصل للميناء او نسمع حتي صوت بشري يدلنا علي الطريق.
ذلك الضباب لم ينبلج من العدم، حدثي يؤنبني ان قصتنا بدأت للتو!
ماذا تقصدي يا فريده؟
لا وجود للميناء ولا السفن ولا جزيره، اذا كان هناك وجود لمدينه فأنها تقبع هناك خلف الضباب.
تناولنا طعامنا بمكاننا ورغم ان الشمس أشرقت الا ان ما كنا نأمله اصبح سراب!
تبدد جزء من الضباب لكنه كاف فقط لرؤية بعضنا وخطوتين أمامنا، يجب أن نتحرك، قالت فريده!
حملنا حقائبنا وسرنا بخط واحد للأمام، الضباب يزداد كثافه ولا وجود لأي علامه تذكر، مضي اليوم الأول ونحن نسير ونتعثر وعندما اهلكنا السير نمنا بمكاننا متجاورين!
في الصباح ابتكرت فريده حيله جديده تمكنا من السير خلال الليل، ربطنا حبل يصلنا ببعضنا وهكذا لا نخشي ان يضيع أحدنا ، بغض النظر عن ما فكرنا به فإنه لم يعد مهم، بحلول منتصف اليوم التالي ارعبتنا العظام البشرية التي تعثرنا بها، جثث متعفنة أيضا!
هناك من حاول الوصول قبلنا لتلك المدينة، لكن ما لفت انتباهي شيء آخر ولم اخبر به احمد عبد الهادي ولا فريده!
الجثث التي قابلتنا كانت ملقيه وجوها عكس طريقنا وهذا يعني شيء واحد، اولائك الأشخاص كانوا فارين من تلك المدينة وليس نحوها.
بيني وبين نفسي لعنة العم شكري والمخطوطة وتلك المدينة المسماة مدينة الساعة، خلال ما تبقي من اليوم لم انطق ولا كلمه واحده، الضباب يزداد كثافه ومعه راحت الجثث تتكاثر.
مصيبه قالت فريده ، لو كنا بحرب حقيقيه لم تعثرنا بكل تلك الجثث، هل تقودنا لمدينة أشباح يا عوني؟
لا أعلم قلت بفتور.
بعد ان اهلكنا السير اضطررنا للنوم وكانت تلك الليلة هي الأصعب، كان علينا أن ننام بين الهياكل العظمية والجثث المتعفنة.
التصقنا ببعضنا، رقد احمد الهادي بالمنتصف بيني وبين فريده، راحت الرياح تزمجر وازداد الظلام ومع كل حركه انقلعت قلوبنا من الرعب.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ثلاث صرخات وحدها لا تكفي)