روايات

رواية أشرقت بقلبه الفصل الأول 1 بقلم دفنا عمر

رواية أشرقت بقلبه الفصل الأول 1 بقلم دفنا عمر

رواية أشرقت بقلبه الجزء الأول

رواية أشرقت بقلبه البارت الأول

أشرقت بقلبه
أشرقت بقلبه

رواية أشرقت بقلبه الحلقة الأولى

العتمة خلف نافذتها تغزو كبد السماء وتبدو قاتمة، تنذر بإنهمار مطر وشيك، ودوي الرعد بدأ يعلن عن نفسه بقوة يصاحبه لسان البرق الضاوي، فترى “أشرقت ” الجو كئيب يشبه دواخلها وهي منكمشة فوق أريكتها تطالع الأفق بشخوص وعقلها يُحصي الأيام التي تركها زوجها تمكثها بمنزل شقيقها، تدفق من ذاكرتها تفاصيل لبعض مما كان يحدث بينهما، صوت صياحها الغاضب المقهور يمتزج بضحكاته الساخرة حينها.

“بتضربني يا عزت؟! يعني بدال ما تجيب حقى وتنصفني تيجي عليا وتفرحهم فيا؟!
بذهول وعيون دامعة حدثته ليجيبها بقسوة:
أمال احسس عليكي لما تضربي اختي؟ الإيد اللي تتمد على قمر” اقطعها، والصوت اللي يعلى على امي أخرسه.

أشارت لصدرها بكسرة هاتفة: طب وأنا حقي فين؟ أنا ضربت أختك لأنها طلعتني حرامية وقالت اني سرقت الخاتم بتاعها، وامك بدال ما تقولها عيب صدقتها و بهدتلني.

ثم دنت إليه قائلة وهي تتفرس ملامحه: انت مصدق ان مراتك حرامية يا عزت؟

رمقها مليا قبل أن يطعنها بقوله:
ليه لأ؟
ارتحت ذراعيها جوارها وترقرقت حدقتيها بحزن مخذولة من جوابه، ليشع داخلها وميض التمرد بصراخها:

_أنا خلاص مابقيتش قادرة اتحمل العيشة دي، تعبت منكم ومش حاسة اني بني آدمة و متهانة وسطيكم، أسمع يا عزت انت لازم تجيبلي شقة لوحدي اسكن فيها.
أجابها بسأم: وبعدين في موال كل يوم ده، مش هنخلص؟.
هدرت عليه وقد نفذت طاقتها: لا مش هنخلص غير لما تنفذ طلبي, وتشوف لي شقه في مكان تاني بعيد عن أمك, وتوفي وعدك اللي قلت عليه لما اتجوزتني وتبقى أد كلمتك مره واحده في حياتك يا عزت
حدجها باستخفاف، وسريعا ما تبدلت نظرته وهو يطوف على قدها بنظرة شهوانية تعرفها أشرقت جيدا، اقترب فحذرته بحدة: انسى، مش هخليك تقرب مني بعد كده انا خلاص زهقت منك، انا مش عبدة عندك ولا جارية اشتريتها لمزاجك.

عزت ببرود و هو يحل أذرار قميصه: انا جوزك وده حقي
_ وهو انت ما تعرفش غير حقك وبس، طيب فين حقي وراحتي أنا؟ من يوم ما اتجوزتك ماليش حقوق عندك، بس دلوقت مش هتنازل عنها.
_ يعني هتعملي ايه؟
_ هسيبلك البيت.
_قهقهته الساخرة افقدتها عقلها لتصرخ عليه: ماتضحكش انا مش بهزر يا عزت، و همشي دلوقت حالا عشان تصدق إني مش بهزر.
“عايرها” بقوله المحتقر لها: هتمشي تروحي فين؟ لاخوكي الخيخة؟ ولا مراته اللي بتشغلك خدامة عندها هي وولادها؟ طب علي الاقل انتي هنا بتخدمي في بيت جوزك وامي أحق بخدمتك من رباب مرات اخوكي
اشعلتها معايرته و ذمه بشقيقها فصاحت بصراخ: من انهاردة مش هخدم أي حد، مش هسمح اتظلم تاني، ولا انت ولا امك ولا رباب ولا أي مخلوق في الدنيا

جلجلت ضحكته ثانيا ثم دني ليهدئها، بالطبع ليس رغبة في إرضائها بل لإرضاء نفسه ونيله لها، فكلما ثارت عليه راقت لعيناه، واصلت رفضه فلم يستسلم، قاومته فتغلب عليها بقوة جسده، لتنتهي الليلة بينهما بشكل مهين لها، فازدادت مرارة و قهر وألم، قررت أن تضع حد لما تكابده فعزمت على الهروب من عرينه بأول فرصة بعد سقوطه في النوم، غادرت المنزل لتنهي عذابها معه، أو بالأحرى تنقذ ما تبقى منها فإن ظلت بعد ما حدث لن تكون تلك الجدران سوى قبرا، قبر سيبتلعها كل يوم، كل ساعة، سترحل لآن!”

عادت لواقعها بعد ان تخلصت من أطياف ذكراياتها وزفرت بحزن تنعي حالها و ثلاثة أشهر لم يفكر عزت أن يطل عليها أو يحاول إرضائها وكأنها عديمة القيمة وأقل من أن يتعطف ويراضيها، منصتًا لوالدته التي اقسمت لن تعود إلا بمفردها كما غادرت وكأنها تتدلل حين هربت من بين جدرانهم التي لاقت بينها كل ألون الظلم والمهانة، ألا يكفي حرمانها من منزل خاص بعد أن احتال وأخبرها ان معيشتهما لدى والدته مؤقتة ولقلة خبرتها وافقت ولم يعترض أخيها، وكم يملأها اللوم ناحية الأخير على تفريطه بهذا الحق نيابة عنها، فقط ليتمكن من شقة أبويها وتكون له ولعائلته، أتم زواجها بعزت مصدقا كل وعوده بسذاجة وها هي ثلاثة أعوام مضت وأضحت مجرد ضيفة في منزل عائلته لا تمتلك سوى غرفه و كل أعباء المنزل و من يقطنه تقع على عاتقها تشعر انها غدت عجوز استنفذت كل قوتها الجسدية على خدمة الجميع والدته و شقيقه و شقيقته المدللة، أما هو فقصة أخري مهما بثته استيائها وإحساسها بالظلم ورغبتها في منزل خاص لا يسمع أو يهتم فلم يكن أمامها سوى الصبر لكن أن يصل الأمر لإهانتها گ خادمة أمام صديقات شقيقته لانسكاب أكوب العصير رغما عنها على إحداهم! هنا فاض بها الكيل و أشرقت تصرخ عليهم ثم ابتعدت توصد باب غرفتها بقسوة متوارية عن الجميع ظنًا أن لها رجلًا سوف يحميها ولن يرضيه إهانتها أمام الاغراب هكذا گ خادمة لديهم!

وكم كانت مخطئة حين عاد وعلم ما فعلتلوا، لم يهتم لإهانتها أو يحاول إنصافها، بل فارت دمائه لأجل صفعة الشقيقة ووالدته التي بثت سمومها في أذنه قبل أن يصل لعتبة غرفتها ويتبين منها، نالت منه ضربا مبرحا قضى على ماتبقى من قوة جسدها الذي امتلأ بكدماته الزرقاء! ورغم كل ماحدث وكسرة روحها وتجبره عليها صبرت وتغاضت عما حدث واكتفت باعتزاله كزوج لفترة، لكن لم يكن خنوعها لتجبرهم عليها كافيا، افتعلت شقيقته المدللة ضياع خاتمها واتهمتها لسرقته، هنا لم يعد داخلها صبرا يكفى لهذا الحد!

وبعتمة ليل تشبه تلك الليلة غادرت وهى تجر قدميها جرًا هاربة من جحيمهم لبيت شقيقها الذي اكتفى بتوبيخه بالهاتف، كم تمنيت وجود والديها أحياء هما فقط من كانا سيبددان ظلمة روحها ويبثوها الأمان الذي تفتقده!

تقلب على صوت أناتها فرمشت عيناه الناعسة بصعوبة وهمهم بخفوت: في أيه يا رباب مالك!
_ ضهري واجعني ورجلي تعباني كل حتة فيا تعبانة!
استفاق قليلا وغمغم: معلش هانت وتولدي!
هي الساعة كام؟
هتفت: ستة وربع!
_ يدوب بقي عشان انزل، قومي حضري فطار!
هتفت بحنق: هو البعيد معندوش دم؟ مش شايفني تعبانة ومانمتش؟
_ خلاص ياساتر على لسانك ع الصبح!
فقالت بسخرية: قوم يا اخويا هتلاقي اختك صاحية وهتحضرلك الفطار!
ثم واصلت بهمهمة ساخطة: معرفش هتفضل مشرفانة لحد امتى! المفروض تشوفلك حل وترجعها بيتها.

أعتدل بجلسته حانقا بعد أن استعاد كامل وعيه علي قولها:
_ يعني اقولها امشي وسيبي البيت وهي جوزها مغضبها؟ مش كفاية مصيبتها وسقوطها في العيل اللي كان في بطنها وهي غشيمة مش عارفة انها حامل!

استغلت الفرصة لتزرع بعقله الوساوس:
أديك حطيت إيدك على “أس” الموضوع، بصراحة كده أنا خايفة تكون بتحقد عليا عشان حملي، أكيد في عقلها بتقول اشمعنى انا ابني راح، وبتتمنى في ضميرها سقوطي زيها!
_ ياشيخة اتقي الله دي اختي وتفرحلي وبتحب عيالي ومقالتش ولا كلمة تثبت سوء ظنك ده، وبكرة ربنا يعوضها بتؤام بدال اللي راح!

همهمت ساخرة: تؤام؟ إزاي يا عنيا؟ بالمراسلة؟! ماهي سايبة بيتها وراجلها، هيعوضها ازاي بقى؟
_ وهي سابته بمزاجها؟ مش من المرار الطافح اللي شايفاه معاه!

_ خليك كده يا جلال مقويها ومخليها تتفرعن، وهو يا اخويا كل واحدة جوزها يضربها قلمين ولا يتعصب عليها بكلمتين يجيلها انهيار عصبي وتسقط؟ وكمان تسيب بيتها بالشهور؟

_ بلاش افترى يا رباب انتي عارفة ان المخفي جوزها إيده مرزبة، وأمه بتهد حيلها في شغل البيت وهي مستحملة وساكتة عشان تعيش بس هو زودها في أخر مرة لما اتهموها في سرقة خاتم اخته والمحروس مدافعش عنها عايزاها تعمل إيه أي واحدة عندها كرامة هتسيبه وتمشي!

_ ماشي يا ابو كرامة تسيب البيت يومين ولا اسبوع ولا حتى اسبوعين، لكن 3 شهور غضبانة وقاعدة مقسمانة اللقمة والنومة أحنا وعيالنا؟ يا راجل ما انت عارف البير وغطاه والبيت يدوب سايعنا بالعيال!

_ جرى إيه يا رباب انتي عايزاني اطرد أختي؟ ماهو البأف جوزها لو راجل كان بعتلها مصاريف ايدها ولا حتى جه سأل وصالحها بكلمتين، بس ده مصدق.
وواصل وحنقه يتصاعد: وبعدين هو انتي رحماها يامفترية ده شغل البيت كله عليها وانتي عاملة برنسيسة وانا ساكت وبقول حريم مع بعض ومش بتدخل!

ثارت بحنق مماثل: يوه لهو انت عايزني كمان اخدم الست اختك يا سي جلال؟ فيها إيه أما تساعدني في البيت والله مش عاجبها العيشة ترجع بيتها محدش ماسك فيها!

نهض بضجر وهو يغمغم بكلمات ناقمة مغادرا: لا انا هقوم انزل شغلي بدال ما نتخانق ع الصبح عيشة تقصر العمر!
وهتقومي تعمليلي لقمة اطفحها عشان امشي ولا لأ؟
_ ما قلنا اختك زمانها صحيت هتلاقيها حضرت الفطار، ثم اضجعت على جانبها مغمغمة: اطفي النور واقفل الباب وانت خارج خليني اكمل نومي، احسن ابنك بيخبط في ضهري طول الليل معرفتش انام!

برطم هامسا في خاطره: والله واد بيفهم، بيربيكي ويعلمك الأدب وهو لسه في بطنك يا خميرة العكننة!
وصلها صوت غلقه الباب لتعتدل وهي تمط شفتيها بتهكم : هتجيبولي شلل انت اختك! جاتكوا الهم!
________

وجدها ترص أطباق الأفطار وتصب الماء في كوب زجاجي، ولم تنتبه له فتنحنح قائلا: صباح الخير يا أشرقت

ردت تحيته بوجهٍ ذابل: صباح الخير يا جلال، يلا حضرتلك الفطار انت ورباب والعيال!

اقترب وتمتم برفق: تسلم ايدك يا أشرقت ليه حضرتيه انا كنت هعمل لنفسي لقمة وانزل، والعيال رباب كانت أكيد هتقوم تفطرهم، وأساسا ليه بتصحي بدري كده ومش بتنامي غير تخاطيف!

غيم على وجهها الحزن فحاولت نفضه عنها:
عادي يا جلال، بلاقيني مش عارفة انام غصب عني، وبعدين رباب على وش ولادة وعارفة انها تعبانة وانا مش بحضره لحد غريب يعني، ده اخويا وولاده!

ربت على كتفها: وولادك انتي كمان ورب الكعبة بكرة ربنا يعوضك أحسن من اللي راح ولو عايزاني اروح للبني آدم جوزك ده اكلمه أنا

قاطعته بعزة: أوعى ياجلال تذلني لو مجاش من نفسه مش هرجع ده حتي سقوط حملي الأول مخلهوش يحس ويجي يسأل، لازم يجي ويراضيني ويردلي كرامتي”

أزعن منصاع لقولها: اللي تشوفيه يا أشرقت ، ثم تلفت حوله وجذبها بحذر لغرفتها تحت أنظارها المتعجبة، وجدته يخرج من جيب بنطاله ورقتين من النقود ودسهما بكفها هاتفا: خدي ال 200ج دول مصروفك يمكن تحتاجي تجيبي حاجة، أصل قبضت امبارح!

وسامحيني لو مش قادر اديكي اكتر من كده، انتي عارفة مصاريف العيال، دول اربعة غير اللي جاي، وبنت اللذينا دي عاملة زي الأرنبة مش مبطلة!

ضحكت رغم رقرقة عيناها متأثرة بلفتته الحانية، فضمها مغمغما: بكره كله يتعدل، صحيح رباب متقلة عليكي و

قاطعته وهي تجفف وجنتيها: ماتقولش كده رباب عشان ظروفها، وبعدين يا اخويا هقعد اعمل ايه اديني بتسلى في شغل البيت والمطبخ عشان مخي يبطل تفكير، ماتشغلش انت بالك ويلا عشان نفطر وانا هروح انادي العيال وانت صحي مراتك!
_ لا سيبيها دي مانامتش طول الليل لما تصحي تبقي تفطر هي!
_ ماشي طب روح اتشطف واتوضى وصلي الصبح وهنستناك على ماتيجي!
_________
ارتدت أشرقت عبائتها وذهبت لتبتاع من المخبز القريب، أرغفة خبز بلدي طازجة، فظروف زوجة شقيقها لا تسمح لها بنزول الدرج كثير وقد اقترب موعد ولادتها، وهما يقطنوا في طابق عالي نوعا ما، انزوت قليلا حتي يعدأ زحام المخبز، وهاتفت خالتها لتطمئن عليها بمكالمة سريعة:ازيك يا خالتي وحشتيني
_ازيك انتي يا روح خالتك، عاملة ايه يابت يا أشرقت؟
زفرت بحزن: الحمد لله يا خالتي أديني لسه عايشة
_ هو لسه الفاشل جوزك ما سألش عليكي وحاول يصالحك؟
ندت عنها تنهيدة أكبر وهي تغمغم: وغلاوة سارة بنتك افتكري سيرة عدلة يا خالتي، أل يصالح أل، ده مصدق.

صمتت هنيهة ثم عادت العجوز تهتف: ربنا يهديه يابنتي، طب رباب مرات اخوكي عاملة إيه معاكي، اوعي تكون بتعاملك كده ولا كده عشان قاعدة عندهم؟

صاحت بنبرة بائسة كمن لم تعد تكترث لشيء: يعني هتعمل ايه يا خالتي، كويسة ماتقلقيش! المهم طمنيني جوز خالتي السكر ظبط عنده ولا ايه؟
_ أه بقا حلو وزي الفل، والبت سارة إلهي يسترها، واخدة بالها من ابوها ومراعياه علي الأخر، انتي عارفة بتعشقه ازاي،
ابتسمت ابتسامة يظللها مسحة حرمان: مش أبوها يا خالتي؟ ربنا يبارك فيه ويفرحكم بسارة يارب.
_ تعيشي ياحبيبتي ويعوضك خير، بقولك ايه صحيح ماتيجي تقعدي عندي يومين؟

_ لا معلش ياخالتي خليها وقت تاني، رباب بردو على وش ولادة وبطنها تقلت وانا اللي قايمة بشغل البيت كله، وبعدين اديني مستنية المحروس جوزي يمكن يجي.
واستأنفت باستفاضة: مكدبش عليكي ياخالتي قد ما انا مش طايقة عزت جوزي ومقهورة منه، بس لو جه يراضيني بأي كلمة هرجع معاه علي طول، مش عايزة ابقى تقيلة على اخويا والعيشة صعبة برضو، مع إني والله ياخالتي ماليا حس وباكل طقة واحدة اساسا ماليش نفس للأكل!
تنهدت العجوز ودمعت عيناها لحال ابنة شقيقتها الراحلة وقالت: معلش يا أشرقت يا بنتي، مفيش حد مرتاح في عيشته، ولا في راجل ملاك، وجوزك مسيره يرجعك، بس انتي اصبري واحتسبي أمرك للي خلقك هو قادر ينصفك ويجبر خاطرك.
هتفت بمرارة: و أنا حيلتي ايه غير الصبر اديني صابرة ومستحملة لحد ما ربنا يفرجها عليا وارجع لبيتي تاني.
واستطردت على عجلة من أمرها: طيب هسيبك بقي عشان انا اصلا كنت نازلة اشتري عيش، بس الفرن كان زحمة وقلت اكلمك على ما يخف شوية، يلا سلام وابقي سلمي على سارة وجوز خالتي !
_ ماشي يا عين خالتك، ربنا يابنتي يصلح حالك ويهديلك البأف جوزك وياخد أمه عن قريب ان شاء الله!

ضحكت رغم ما بها: وربنا ياخالتي انتي عسل، مش عارفة دي دعوة في صالحي ولا لأ، بس شكرا و ربنا يستجيب منك الدعوة الأخيرة دي بالذات ويخلصني من حماتي.

ابتاعت بعض الأرغفة الساخنة وعادت تصعد درج البناية المتهالك وعقلها شارد بحالها، فاصطدم كتفها بأحدهم ليصدح صوت الجارة: متأخذنيش يا أشرقت خبطت فيكي غصب عني يا حبيبتي!
_ ولا يهمك يا ام شيماء حصل خير!
استطردت الجارة بفضول واضح: هو عزت جوزك لسه ماسألش عليكي ولا حتى حماتك حاولت ترجعك يا أشرقت ؟
أكثر ما يحنقها الفضول والتطفل الزائد، فأجابتها بفظاظة: بقولك ايه خليكي في حالك يا ام شيماء، دي أمور شخصية محبش الكلام فيها لو سمحتي، عن إذنك بقا.

وعادت تصعد الدرج المتهالك وتركت الجارة تمصمص شفتيها بهمهمة تعلم طبيعتها لكنها تغاضت عنها، وأكملت الصعود للدور الأخير حتى انقطعت أنفاسها ودخلت منزل شقيقها تلهث !
_________

“يادي الورطة اللي احنا فيها هو ده وقته! شوفتي يا أشرقت الأنبوبة خلصت فجأة گالعادة، مين هينزل يجيب غيرها وعزت في الشغل و اخوكي بيجي جعان مابيصبرش علي الجوع؟

تعلم أن لا غيرها سيفعلها لتهتف دون ضغينة:
_متحمليش هم أنا اللي هنزل اجيبها يا رباب.
التفت الأخيرة إليها متصطنعة الاعتراض:
لا يا أشرقت بلاش، اخوكى يعملى حكاية ويقولى نزلتى اختى تشيل أنبوبة.
ثم ربتت على بطنها المتكور هاتفة بخبث: وحياتك لولا بطنى و خوفى يحصلى حاجة بعد الشر يعني، كنت نزلت انا اجيبها..! العيال و ابوهم هايجو جعانين و لازم يلاقوا الغدا خلصان.

صورة أخرى من استغلالها تتأكد لها كل لحظة، ثمنًا لإقامتها بينهم ولقمتها الزهيدة، حسنًا ستتحمل، هم في النهاية شقيقها وأطفاله قطعة قلبها و نقطة العسل الوحيدة التي تبتلع لأجلها علقم عيشتها و ذلها الذي تتغاضى عنه لأجلهم!

_خلاص يا مرات اخويا قلت انا هجيبها وان كان على اخويا اطمنى هنقوله الراجل طلعها عندنا.
_إن كان كده ماشي، وانا اجيبلك الفلوس
_انا معايا لما اطلع نبقى نتحاسب!

وحملت اسطوانة الغاز الفارغة وهبطت على الدرج وبحثت عن أخرى ممتلئة وبمجهود جبار صعدت بها لشقة شقيقها مرة أخرى، بقوى منهكة وهى تلهث بشدة و أنفاس متقطعة، وجدت رباب غافية، و الصغار علي وشك المجيء ولا مفر من بذل مجهود أخر لإعداد وجبة غداء لأجل الجميع.
________

يشعر بضجر شديد وكلما عاد وجد غرفته فارغة من زوجته، لولا تحكمات والدته لأعادها للمنزل منذ زمن، طال عقابها وتجاهلها و هو يتركها في منزل شقيقها الوحيد دون سؤال، لم يرسل لها حتي نقود خاصة لها، قرر ان يتحايل علي والدته بأي سبب كي يعيدها ثانيا، فقد اشتاق لها ليس حبا فقلبه لا يفهم أو يعي هذا المعني، هي بالنسبة له فقط وسيلة لإفراغ طاقته الرجولية، وسيلة لا تكلفه شيء. توجه لوالدته الجالسة تتجرع أرجيلتها والأدخنة تعبئ محيطها برائحة كريهة لكنه يعتادها، فهو يشاركها عادتها الكريهة هذه.

_ صباح الخير ياما عاملة ايه؟
تركت فم الأرجيلة وقالت: صباحك عنب يا عزت.
تنحنح قبل ان يبادر بقوله: كنت عايز اقول يعني مش كفاية بقى كده ع البت أشرقت مراتي؟ أنا بقول اروح أجيبها من عند أخوها، واهي كده اتربت واتعلمت الأدب ومش هتطول لسانها على حد تاني ولا تعمل مشاكل!

نفثت دخان الأرجيلة من جديد وهتفت بتهكم:
_ أنت ضعفت وحنيت لها ولا ايه يا واد؟
بمراوغة أجابها: مش قصة ضعفت وحنيت ياما، بس دي بقالها تلات شهور سايبة البيت، و انا بردو راجل وليا مطالب ومحتاج أرجع من شغلي ألاقي مراتي مستنياني زي أي راجل متجوز، وانتى تفهميها و هي طايرة و مش محتاجة كلام!

أطلقت ضحكة عالية اهتز لها جسدها السمين، ثم نفثت بعضا من دخان أرجيلتها و قالت: ومالوا، روح رجعها البيت يا حنين، واهو فرح اختك “قمر” قرب خليها تخدم على الناس اللي هتيجى تبارك وتنضف البيت اللي البرنسيسة اختك مش بتمد ايدها فيه، وليل نهار تكلم المحروس خطيبها علي “المحمول”!
تهللت ملامحه متغاضيا عن الإهانة المبطنة لإعتبار زوجته مجرد خادمة لعائلته. لا يهمه سوى عودتها وممارسة حقه بها.
توجه على الفور لشقيقها جلال كي يعيدها لبيته،
وجحيمه!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أشرقت بقلبه)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى