روايات

رواية بين دروب قسوته الفصل العاشر 10 بقلم ندا حسن

رواية بين دروب قسوته الفصل العاشر 10 بقلم ندا حسن

رواية بين دروب قسوته الجزء العاشر

رواية بين دروب قسوته البارت العاشر

بين دروب قسوته
بين دروب قسوته

رواية بين دروب قسوته الحلقة العاشرة

تحرك جسده ناحيتها بعنفوان وقوة وظهر طوله الفارع أمامها عندما وقف قبالتها لا يبالي بأي من الواقفين قائلًا حديثه بتأكيد:
-على جثتك ولا مش جثتك أنا قولتلك وبقولك وهقولك أنتي ليا وبس وأعلى ما في خيلك اركبيه
منذ أن أردف بكلمات الزواج تحولت إلى أخرى، صاحت أمامه بعينين قوية عنيفة حادة وهي تضغط على صدره بأصابع يدها اليمنى:
-غصب عنك مش هتجوزك وهشوف حياتي مع حد غيرك ومش هوقفها عليك ولا على تهديداتك دي
أظهر موهبته في الاستفزاز والتبجح قائلًا لها وهو يومأ برأسه للأمام بابتسامة ساذجة:
-حياتك مش هتقف فعلًا.. هتمشي بس معايا
استفزها بشدة مظهره وحديثه الذي يلقيه أمامهم بتأكيد تام وكأنه يعلم أن ذلك سيحدث بالفعل، قالت مؤكدة هي الأخرى بجدية:
-قسمًا بالله لو آخر واحد في الدنيا.. أنا مستحيل ارجعلك وأكون معاك حتى لو روحي فيك
ابتسم ببرود وأشار إلى الواقفين قائلًا بثبات:
-روحك فيا وهترجعيلي قدام الكل أهو
رفعت يدها الاثنين إلى صدرها ودققت النظر به داخل عينيه بالتحديد وبادلها ذلك تحت أعين والده وشقيقته ثم أردفت بصوت حزين خافت:
-أرجع للي كسر فرحتي بحياتي وخطف مني أهلي
عاد للخلف خطوة، هل مازالت تفكر به هكذا؟ حتى بعد أن استفاقت من صدمتها بموتهم!، إلى اليوم تعتقد أنه كان السبب بموتهم وهو من جعل حياتها حزينة؟.. تنهد بعمق مُجيبًا بقوة:
-أنا لا عملت ده ولا عملت ده.. أنتي بتبرري لنفسك وبس
نظرت إلى الناحية الأخرى لترى عمها يقف جوار ابنته فقط يستمع إليهم وإلى الآن لم يتحدث مرة أخرى، لقد كان واقع بصدمة تخص ابنة أخيه، هتفت ببرود:
-ولو ببرر لنفسي أنا مبقتش عايزاك.. مش شيفاك شريك حياتي أنت مجرد ابن عمي
رفع إحدى حاجبيه ونظر إليها بعينيه السوداء الخاصة بالغضب والتي أصبحت هكذا في أغلب الأوقات، أراد أن يجعلها تغضب أكثر فصاح:
-أنا مش شريك حياتك وبس.. أنا جوزك وعملك الأسود اللي هيلمك من الشقق والشوارع
صرخت بعنف وقوة بعد أن مزقها حديثه البغيض:
-احترم نفسك وشوف أنت بتقول ايه.. بلاش أنت تتكلم على الشقق علشان إحنا عارفين اللي فيها
بدون أدنى إهتمام أردف بكلمات غبية لا تؤخذ من رجـ ـل عاقل ولم تروقها أبدًا:
-أنا راجـ ـل براحتي وأعمل اللي أنا عايزة مافيش حاجه تمنعني لكن أنتي ست وعندك الموانع كتير وأولهم أنا
تسائلت ويدها الاثنين أمام صدرها:
-بصفتك ايه؟ ها.. الوحيد اللي ليه كلمة عليا هنا هو عمي
ابتسم بسخرية ووضع يده الاثنين داخل جيوب سترته، ونظر إليها بعمق مُردفًا بتأكيد:
-بكرة نشوف مين اللي هيكون ليه كلمة عليكي
أخفضت يدها من على صدرها ونظرت إليه بعينين لا تدري ما المعاني التي داخلها وترسلها إليه، بادلها النظر مُطولًا بعينين ضائعة غبية تسير وراء أهوائها..
صدر صوت “رؤوف” والده بقوة بعد صمت دام طويلًا وتحرك للصعود إلى غرفته وعقله به شيء واحد يريد التفكير به:
-اطلعي اوضتك يا سلمى.. اطلعي يا هدى
تحركت “سلمى” قبلها إلى الأعلى تاركة إياه يقف في المُنتصف وحده ومن خلفها صعدت “هدى” وعقل كل شخص بهذه العائلة مُنشغل بكثير من الأمور الذي تكاد أن تفجره..
صعدت على الدرج بسرعة وخطوات واسعة ثم دلفت إلى غرفتها ودفعت الباب من خلفها بقوة إلى درجة أنه أصدر صوتًا عاليًا للغاية، أبعدت الحقيبة عن كتفها وألقتها بقوة على الفراش ثم ذهبت إليه وجلست على حافته..
انخفضت بجذعها للأمام وهي جالسة، تضغط بيدها الاثنين على خصلاتها تعيدها للخلف بقوة، بدأت الدموع تخرج من عينيها بهدوء وبطء، في صمت تام ولم يخرج منها أي صوت، فقط دمعاتها تنهمر خروجًا من مقلتيها لتمر على وجنتيها المُكتنزة في طريق لا نهاية له..
حزنها الأول والأكبر كان من نفسها، لقد وضعت نفسها في موضع الإتهام وهي لم تفعل شيء، كان من المُفترض أن ترفض الذهاب معهم بكل قوتها حتى ولو كان الانزعاج مصيرهم..
كان لابد أن تبقى تلك الفتاة التي لديها مبادئ تسير عليها وتكمل نهج والدها وعائلتها، كان من المفترض أن تظل إلى الأبد بتلك الصورة التي قام والدها بتربيتها عليها، الآن عمها ينظر إليها بشك، وابنته وذلك البغيض الذي لم يرأف بها وقام بالإفصاح عما حدث ليكون الموقف بصالحه..
الآن يفكر بها السوء، لا يهم إن علم الآن بعلاقتها مع “هشام” ولكن أن يراها هناك ويظن أن المنزل له، هذا غاية في القسوة والحزن الضاري..
جعلته بفعلتها يظن بها السوء ويرفع يده عليها، شيء لم يفعله والدها ولا أي شخص بحياتها، تعلم أنه متهور غبي ولكن لما يفعل ذلك؟.. ويود الآن الزواج منها!.. مهما حدث وإن كان هذا الخيار الأخير بحياتها ومن بعده الموت فلتأخذ الموت قبله..
رفعت رأسها للأعلى واستندت بكفي يدها على الفراش تنظر إلى سقف الغرفة، لقد كانت مشفقة كثيرًا على عقلها الذي لا يمر عليه لحظة ويكن يفكر في أمر غير الآخر، مُشتت بطريقة مُرهقة للغاية، مُشتت ضائع مخدوع وقلبها المثل ينتظر الجبر بعد كل هذا الصبر، ينتظر العوض الجميل..
صعد الآخر إلى غرفته، دلف إلى شرفة الغرفة وأخرج سيجارة من علبته الغالية الخاصة به، أشعلها ووقف ينظر إلى الفراغ أمامه على الأوراق الخضراء أعلى الأشجار، عينيه سوداء تماثل السماء فوقه، بدأ عقله في التفكير المميت فأخذ يدخن السيجار بشراهة وقوة غريبة.. نفذت منه فقام بـ إلقائها على الأرضية ودعسها بقدمه ثم أخرج غيرها وهو كما هو ينظر إلى تلك الأشجار، بدأ في التدخين مرة أخرى بشراهة أكبر..
عقله يأخذه إلى أماكن محظورة بالنسبة إليه لو كان فقط لديه شك واحد بالمئة منها لكان قتلها قبل دلوفها إلى الفيلا، بل قبل خروجه من الشقة..
تحبه ويعلم هذا ومتأكد منه لذا لا يصدق أنها تهوى غيره وتريده، هذا ليس من طبعها، لا تجيد التمثيل أبدًا ولا تستطيع أن تكون ذلك الشخص ذو الوجهين، وإن كانت لا تريده فلن تستطيع النظر بوجهه..
ولكن الجانب الآخر يقول عكس ذلك، لقد علم من طرف يخصه أنها تقابله، تتحدث معه ومنذ الكثير وهو الأبلة لم يكن يرى أي من هذا ويعطي إليها الثقة الكاملة قائلًا أنها ليست مثله.. الخيوط هنا مُتداخلة ولم يفهم إلا أنها ربما ومن المحتمل الأكيد تحاول أن تراه في مكانه.. وهذا لن يحدث إلا عند مو’ته
ما جعل قلبه يبكي قهرًا داخله، ويشعر بحرارة النيران المُشتعلة بالقوة في الداخل يخرج لهيبها عليه هو رؤيتها هناك في منزله!.. لقد كان يتحدث بثقة مع الحقيرة الأخرى اعتقادًا أنها لا تفعلها ولكنها طعنته بخنجر في ظهره بالخيانة وهي هناك!..
شعر بأن الخنجر غرز في مُنتصف ظهره خيانة وقسوة من حبيبة عمره ومن هواها قلبه إلى أعوام طويلة..
يالا قسوة الأيام ومرارة الفراق، اشتعلت النيران داخله وتضاخم صدره وشعر بأنه على وشك الاختناق وإلقاء حتفه فور أن تأكد فقط من أنها هناك وذهب عقله إلى الأماكن البعيدة التي تشير إليه بفعل أشياء دنيئة.. ولكنها لا تفعلها، ولن تفعلها، ما يقوله لها ما هو فقط إلا حديث بغيض يخرج في ساعة غضبه لكنه يعلم أن حبيبته ليس هناك أنقى منها.. ولن يكون هناك.. مهما حدث لن تفعل ذلك الخطأ إلا معه ولن يكن حينها خطأ ستكون زوجته، حلالًا له وحده..
ألقى السيجارة كما الأولى وفعل بها المثل، وأردف عقله داخله بأن ما حدث لن يمر هكذا، ما فعله الليلة وتلك الفزعة التي تعرضت لها على يده كانت كافية لتجعلها تستفيق مما هي به.. وما بقيٰ له هو، يستطيع التصرف به..
سيأخذ ذلك الخنجر الذي تعنطه به ويحوله إلى أولى تذاكر الحب بينهم بعد الفراق الذي تعرضوا إليه..
❈-❈-❈
“في الصباح”
هبطت “سلمى” من غرفتها في الأعلى إلى الأسفل في الصباح الباكر، لحظة وجود الجميع في غرفة الطعام يتناولن الفطور، سارت في ردهة المنزل بملابس رياضية مكونة من بنطال رصاصي اللون يلتصق عليها، وتيشرت يماثلة في اللون مخطوط على صدره كلمة بالإنجليزية باللون الأبيض، مرتدية في قدمها حذاء رياضي أبيض..
وعقدت خصلات شعرها الأسود القصير رافعة إياه في الخلف فظهر أكثر قصرًا.. وجهها أبيض نقي خالي من أي شيء سوى مرطب شفاه وواقي من أشعة الشمس الذي استخدمته قبل أن تهبط إلى هنا..
قبل أن تقرر أنها ستبدأ من جديد وستنظر إلى نفسها وترى حياتها ماذا تريد وتفعله، ولتنظر إلى عقلها قليلًا وتخطو خطوة ناجحة تكن فارقة معها..
دلفت إلى الغرفة بهيئتها الغير مُعتادة، فلا تفعل هذا إلا كل فترة طويلة، عندما تدلف بهذه الملابس يكن اليوم مخصص لها وحدها لا يوجد به عمل ولا حتى أشخاص.. تصفي ذهنها وتبقى جالسة مع نفسها لتأخذ قرارات فارقة معها..
ألقت عليهم تحية الصباح فأجاب من كان يجلس في الغرفة، عمها وابنته وزوجته “عزة”، نظرت إلى عمها بخجل واضح ثم سارت إلى الداخل وهم يتناولون الطعام.. جلست قريبة منه في مقعد “عامر” الذي كان فارغ..
ابتلعت ما بجوفها، ورفعت عينيها الخجولة منه إليه مخططة داخلها أنها ستعتذر عما بدر منها في الأمس:
-عمي أنا آسفة.. أنا عارفه إني غلطت بس والله العظيم أنا عارفه حدودي كويس ولا يمكن اتعداها
ترك الطعام من يده ونظر إليها والباقين كذلك، تحدث بجدية وعقلانية:
-أنتي عارفه إني بخالف عامر كتير، لكن امبارح لأول مرة بتفق معاه ولو هو معملش كده كنت هشك في رجـ ـولته لأنه مش المفروض يسمحلك تروحي بيت راجل غريب.. ولا قريب حتى
رفعت يدها تشير بها بخجل وهي تلح عليه بنظرتها وحديثها المرهق:
-صدقني والله العظيم دي شقة إيناس.. أنا حتى مش عارفة ليه بيقول أنها شقة هشام
أكملت حديثها شاردة بنبرة جدية:
-أنا كنت في الجمعية وجايه على هنا والله إيناس أصرت عليا أروح أشوف الشقة الجديدة وابن عمها معاها أنا عارفه إني غلطت وأعترفت بغلطي لكن دي شقة إيناس وهشام ابن عمها شخص محترم وأنا أعرفه من زمان
رد عليها بجدية أكثر:
-تعرفيه ولا متعرفيهوش مكنش المفروض تروحي معاهم
تنهدت بقوة ثم أجابت قائلة:
-أنا آسفة أنا غلطت ومش هكرر الغلط ده تاني متزعلش مني
هتفت “عزة” بابتسامة بشوشة واسعة وهي تقول:
-مش زعلان طبعًا يا حبيبتي في حد يزعل من بنته وهي قمر كده
استدارت لها بوجهها وابتسمت إليها بحب واحترام ثم عادت إلى عمها مرة أخرى قائلة بتساؤل:
-زعلان!
نظر إليها بعينين تمتلئ بالحب لها، عينين العطاء بها يكاد يخرج منها رميًا بسبب كثرته، هتف بحنان بالغ ونظرة محتوية إياها:
-أنا مش زعلان منك يا سلمى.. أنا بس زعلت إنك حطيتي نفسك في الموقف ده وكنت عايزك تخلي بالك من نفسك أكتر من كدة
وقفت على قدميها وأقتربت منه وضعت شفتيها أعلى رأسه تقبله بحب بالغ ثم انتقلت إلى يده قبلتها كما رأسه، ترى والدها الراحل به وهو يرى شقيقه وعائلته بها.. وكل منهم يحاول مداراة النقص الذي يشعر به والفراغ المُميت الذي انقض على حياتهم عنوة..
قالت بابتسامة عريضة وصوت ناعم:
-متقلقش عليا يا حبيبي أنا بخير وهبقى بخير طول ما أنت موجود
ربت على يدها وابتسم إليها بحب، نظرت هي إليهم جميعًا مُمرره عيناها الزيتونية عليهم قائلة بحماس:
-يلا عن اذنكم هخرج أجري شوية
أردفت زوجة عمها بنبرة حنونة قلقة عليها:
-مش تفطري الأول يا حبيبتي
رفضت الأخرى وهي تخرج من الغرفة:
-ماليش نفس والله يا طنط
تركتهم ورحلت إلى الخارج، وعقلها فارغ تمامًا عن أي موضوع أو حديث استمعت إليه سابقًا، اليوم سيكون خالي من أي انزعاج فقط يوجد راحة لها..
خرجت من بوابة الفيلا ثم بدأت بالركض بطول الشارع الموجود به الفيلا، مُبتعدة عنها بمسافة كبيرة للغاية..
بعد مرور الوقت عليها وهي تركض في الشوارع في الصباح الباكر عادت مُنهمكة تتنفس بقوة ووجهها مُتعرق للغاية..
وقفت في حديقة الفيلا مُنحنية على نفسها تضع كفي يدها الاثنين على ركبتيها تقف قليلًا لتأخذ أنفاسها المسلوبة منها أثناء الركض في الخارج..
وقف الأخر على بوابة الفيلا في الداخل ينظر إليها، كان خارج بعد فطوره للذهاب إلى عمله، ولكن هناك جنية تنحني على نفسها أمام البوابة في الداخل تأخذ أنفاسها وسلبت أنفاسه هو..
رفعت وجهها لتراه يقف عيناه مثبته عليها بقوة، نظرته ناحيتها ليست طبيعية وليس بها من الحب شيء، بل الرغبة التامة المعهودة في نظراته..
سارت أمامه تقترب منه للدلوف إلى الداخل، وكلما سارت ظهرت ملامحها أكثر، شفتيها المُكتنزة الوردية مُنتفخة أكثر مما هي عليه، عيناها تسلبه بنظرتها ولونها.. وجهها مُتعرق تلهث ببطء بعد أن استجمعت أنفاسها وقد عبث به هذا أكثر..
جسدها يغريه وهو محدد بتلك الملابس الرياضية، سيرها، حركاتها وكل ما بها وآه من قلبه وعقله، وآه أكبر بكثير من جسده الذي يطالب بالقرب العاجل منها..
كادت تعبر من جواره لتدلف إلى الداخل ولكنه أمسك بذراعها وهي تسير جواره، جذبها منه لتقف أمامه تنظر إليه باستغراب فتحدث بعد أن أخذ نفس عميق:
-عايزك في كلمتين
ردت بلا مبالاة تامة:
-نعم
-شعر بأنها لا تعطيه اهتمام، ولكنه يعرف كيف يأخذه منها، أردف بجدية وتساءل:
-أنتي مفكرتيش أنا عرفت مكانك منين
وقفت مُعتدلة، استدعى انتباهها حقًا، نظرت داخل عينيه بدقة وفكرت في حديثه، أنها لم تتساءل عن ذلك أبدًا اعتقادًا منها أنه كان يراقبها:
-منين؟
أجاب بجدية شديدة وهو يضع يده الاثنين داخل بنطاله:
-من اللي عملاها صاحبتك يا سلمى
تغيرت تعابير وجهها مئة وثمانون درجة وهي تهتف بذهول مُستنكرة:
-إيناس!
أومأ إليها برأسه مُؤكدًا حديثه بقوة:
-آه إيناس
أشارت بيدها ولوت شفتيها وهي تُعقب على حديثه بعقلانية خاصة بها تراها صحيحة من وجهة نظرها:
-مش مصدقة.. إيناس ليه تعمل كده مثلًا دي هي اللي أصرت عليا أروح معاها
ضغط على يده داخل جيوبه بقوة واستنكر أنها لا تصدقه وهو يقف يحادثها بهدوء ولين، أردف بقوة أكبر وهو يتقدم للأمام خطوة:
-مش مصدقة ليه هو أنا هكدب عليكي.. الست بتاعتك كلمتني وقالتلي إنك معاه لوحدكم وفي شقته هو مش شقتها
تسائلت باستغراب جلي وعيناها مُثبتة عليه لا تصدق أن صديقتها تفعل بها ذلك:
-أنت بتقول إيه؟
دقق النظر بعينيها وجمالها، ثم أردف بما يندس في العسل المسموم ليجعلها تخجل أكثر مما حدث:
-اللي سمعتيه.. أنا كدبتها وقولت إنك متعمليش كده لكن لما شوفتك هناك حسيت إني مكنش لازم اتسرع وأدافع عنك
رفعت حاجبيها وعقبت بقوة تؤكد له أنها حقًا هكذا مثلما قال:
-لأ متسرعتش الشقة بتاعت إيناس وهي كانت معايا وأنا مستحيل أكون مع واحد في مكان لوحدنا
قال مرة أخرى بعقلانية وتفهم، بعد أن فهم هو بالأساس ما الذي فعلته وتحرى من حديث “سلمى”:
-بعد ما قولتي الكلام ده امبارح أنا اتأكدت منه وفهمت هي عملت كده ليه.. زي ما عملتها زمان وبعتتك ليا وهي اللي بعدتك عني بتعملها دلوقتي علشان أشوفك خاينة
لما قد تفعل كما يقول!.. لماذا؟:
-أنا مش مصدقة إزاي إيناس لأ دي كانت معايا طول الوقت حتى لو كانت كلمتك بعد ما نزلت أنت مكنتش هتلحق تيجي
أخرج هاتفه من جيب بنطاله بحدة وهو يراها إلى الآن لا تصدق حديثه وتتغاضى عن أفعال الحقيرة صديقتها، فتحه وعبث به ثم رفعه أمام وجهها وأردف:
-ده رقم معرفوش مش بتاع إيناس هو ده الرقم اللي كلمتني منه امبارح بصي على الوقت أهو
أشار إليها بجانب الرقم على وقت الإتصال ثم لأجل أن يجعلها تصدقه لأن هذا ليس دليل كافي اقترح قائلًا:
-تحبي أكلملك الرقم ده وتسمعي صوتها بنفسك؟
صمتت ولم تتحدث ففعل هو وضغط على زر الإتصال ثم فعل وضع مكبر الصوت وتمسك بالهاتف بيده واضعًا إياها في المنتصف بينهم لتستمتع إلى صوت جرس المكالمة..
أجاب صوت رجولي خشن يتحدث بلهجة غريبة عنهم قائلًا بحدة:
-ألو مين معاي
أبصر الهاتف سريعًا حيث أنه كان لا يستطيع التركيز سوى عليها هي، ولكن الآن جذبه ذلك الصوت الخشن فاردف سريعًا بجدية:
-مش ده رقم إيناس بردو
أجابه الآخر بنفس تلك النبرة واللهجة التي تبين أنها صعيدية أصيله:
-لاه يا أبو عمو دِه رقم محسوبك عبده
ضغط على أسنانه بقوة والدماء تغلي داخله، رفع الهاتف بيده إلى أمام شفتيه قليلًا وأردف بقوة وعصبية:
-عبده مين ده رقم إيناس الصاوي
انزعج الرجل وظهر هذا في نبرة حديثه الحادة الذي رد بها عليه:
-إيناس مين ما قولتلك دِه رقمي وبقاله عشر سنين معاي
ثم انقطعت المكالمة من قِبل الرجل الآخر، نظر إليها بقوة وقد خاب أمله في أن يجعلها تبتعد عنها باللين ليس القوة كما كان يفعل معها، لقد هاتفته تلك الحقـيرة بالأمس من هذا الرقم كيف تغير هكذا في ليلة..
بينما الآخرى تراجعت سريعًا عما كان في رأسها وحمدت الله أنه أجرى هذه المكالمة فلو كانت واجهت صديقتها بحديثه الغريب هذا لكانت انقطعت علاقتهم وأبتعدت عنها بسبب شكها الغير منطقي بها..
قالت بنظرة حزينة تنبعث من عينيها إليه وعتاب تخلل صوتها:
-ليه عايز تبعدني عنها.. البنت كويسة معايا وعمرها ما عملت حاجه تدينها، ليه عايز تاخد كل حاجه في حياتي؟ علشان يبقى أنت بس الشخص الوحيد اللي معايا.. اللي أجري عليه في كل وقت!.. ليه عايزني ابقى عريـ ـانه قدامك من كل حاجه
يالا الحظ وروعته معه.. لقد لعبت معه حقًا وفازت عليه وأخذت منه الكأس ولكنه لن يتركها مهما حدث وسيكون عقابها عظيم..
أخرج يده من جيبه ونفى ما قالته بقوة قائلًا هو الصدق:
-وديني ما فكرت في اللي بتقولي عليه ده.. البت دي فعلًا مش كويسه يا سلمى بكرة تقولي عامر قال وأنا اللي مسمعتش كلامه.. لكن علشان بحبك مش هسيبك تنقرصي منها وتقولي ياريت اللي جرا ما كان، أنا هفضل في ضهرك مهما كنت مش طايقك ولا طايق عمايلك
أبصرها للحظات وفعلت المثل تقلب الأمور داخل عقلها الذي بدأ بالتأفأف، لقد ضاع يوم إجازته، تود أن تصدقه ولكن ستجعل صداقتها تنتهي لأجل حديثه..
أنه يكرهها، يبغضها ولا يحبها، لقد جربت الصدق منه سابقًا لن تأخذه مرة أخرى منه..
أخفضت عينيها عنه ثم سارت إلى الداخل تاركه إياه..
وضع الهاتف بجيبه وتوعد إلى الأخرى بأشد عقاب ولكن صبرًا، صبرًا فقط
❈-❈-❈
جلس في مكتبه، منذ أن أتى إلى الشركة وهو لم يعمل، فقط يجلس على مقعده خلف المكتب ينظر في الفراغ يفكر كثيرًا وأكثر من الكثير، ويذهب بعينيه إلى صورتها الموضوعة على المكتب أمامها، ذات النظرة الساحرة والابتسامة الرائعة، بخصلاتها القديمة الذهبية ومظهرها الخلاب..
لم يستطع أن يجعلها تصدقه، إن وضع نفسه في محلها سيكون نفس الشيء لأنها لم تجد منه أي شيء صادق حتى الوعود.. ولكنه مع ذلك كان يطمع في أن تصدقه وتبتعد عن تلك البغيضة على قلبه..
كان يريد أن يحميها منها بالإبتعاد عنها، لن يتركها وحدها وسيكون معها دائمًا ولكنها تترك لها الأمر وتفتح لها المجال أكثر وهي جوارها طيلة الوقت..
لم يكن يتوقع أن تفعل ذلك ويكون الرقم إلى شخص أخر، أو ربما هي أعطته لشخص آخر لا يفهم حقًا كيف تم الأمر بهذه السرعة والرجل يبدو عليه من مكان آخر بعيد عنهم..
لن يفكر في هذا كثيرًا، سيترك كل شيء حدث على جانب ويتمسك بالمهم فـ الأهم، عليه أن يفكر في كيفية الزواج منها بمحض إرادتها..
لديه خطة لن يلجأ إليها إلا عندما يرى الرفض التام من قِبلها وهذا واضح وبقوة، ولكن سيحاول لمرات أخرى حتى إذا قرر تنفيذ خطته لا تحزن من بعدها..
مد يده على المكتب وأمسك صورتها الموضوعة هنا منذ الكثير، أخذها ناحيته وأخذ يتأمل بها، هذه من كانت خطيبته، تعلم عنه كل شيء، يقص عليها كل ما كان يضايقه.. يهتف بما يخفيه قلبه وعقله لها وحدها..
يسرد لها المرارة التي تغص حلقه كل يوم عندما يرى والده وهو يبغضه ويبتعد عنه.. من كانت تقرب له كل بعيد، وتربت على ذراعه قائلة بأن كل جميل ينتظره..
لقد كانت النصف الجميل له، الحلوى الذي يأخذها في فمه كل يوم بعد أخذ دواء بشع للغاية، هذه كان من المفترض أن تكون زوجته اليوم لو لم يكن سار وراء أهوائه واتبع المشروب وسال لعابه لغيرها.. على الرغم من أنه لا يتذكر أنه فعل ذلك ولكنه المخطئ هنا..
لو لم يكن حدث ذلك كانت اليوم زوجته، كان أخذ منها وارتوى بما يريد، كان كل يوم رأى كل ما هو جميل بغرفته، بحياته، كانت أيامه ستكون مذهرة بالورود كما السابق..
أطال النظر عليها وهو يعيد الذي مضى ويندب حظه ويتخيل ماذا لو؟ في كل سؤال، فتح باب المكتب من دون استئذان ودلفت “جومانا” إليه وهو شارد بصورتها وفكره..
أغلقت الباب من خلفها وبقيت واقفة تنظر إليه وترى نظرته المعلقة عليها والحزن المُرتسم على ملامحه.. منذ أن أتى وهو هكذا يبدو عليه الإرهاق والحزن، الآن تفهمت ما الذي أخفاه عند سؤالها عنه..
يالا حظها، “عامر القصاص” بنفسه وبشخصيته التي لا مثيل لها، نظرة عينيه ومظهره، جسده وحديثه ونبرته، وسامته وعصبيته، ابتسامته وحزنه كل ذلك كان ملك لها وحدها وتركته؟..
قهرت أعتى الرجال حبًا بها وعشقًا لها، قهرت قلبه والهوى يزداد داخله مُشتعلًا مع النيران المشوهة دروبه الذي سار بها وحده بعد فراقها..
لما لا ينظر خلفه ويرى من تقـ ـتل نفسها لأجله، ليس لأجل مال، أو مظهر، أو أي شيء سواه، لما لا يدور بعيناه ويرى حبها المرئي للجميع سواه!..
رفع “عامر” عيناه وتنهد زافرًا بقوة، استدار برأسه ناحية الباب بعد أن شعر بأن هناك أحد معه فوجدها تقف أمامها..
تحدث بجدية مُتسائلًا مُستنكرًا وجودها دون أن يشعر:
-أنتي هنا من امتى؟
تقدمت سريعًا بابتسامة على وجهها ماحية كل ما كان في رأسها منذ لحظات وأردفت قائلة:
-لسه داخله حالًا أهو أنت اللي كنت سرحان
وقفت جوار المقعد الخاص به أمام مكتبه، نظرت إلى الصورة بيده ثم هتفت بنبرة خالية من أي مشاعر وتعابير:
-هو ده اللي مضايقك
رفع نظرة عليها، أبصرها جيدًا وهي تقف جواره ثم سألها بهدوء:
-هو ايه؟
أشارت بعينيها على صورتها التي بيده، للحقيقة هي جميلة، جميلة للغاية، جمالها طبيعي غير معهود يسلب القلب وللحق قد سلبتها تلك البراءة والشراسة الممزوجة معها منذ أول يوم وقعت عينيها عليها..
أبعد بُنية عيناه التي عادت لطبيعتها مرة أخرى إلى الصورة ونظر إليها بحسرة وندم، وقلبه في الداخل يجعله يندم أكثر وأكثر كلما رآها أمامه..
أقتربت منه الأخرى على حين غرة وأخذت من يده الصورة ثم وضعتها على المكتب، لم تجعلها كما كانت بل وضعت الصورة بوجهها على سطح المكتب لكي تختفي من أمامه..
صاحت قائلة بقوة ناظرة إليه بعمق:
-أنت ليه موقف حياتك عليها؟ هي خلاص يا عامر مش عايزاك ليه بتعمل في نفسك كده
قدم يده إلى الصورة مرة أخرى بضيق، لقد تضايق من فعلتها ولكنه صمت فقط كي لا يزعجها، رفعها مرة أخرى ووضعها في موضعها الصحيح أمام وجهه كي يستطيع رؤيتها..
ثم عاد بظهره إلى ظهر المقعد وجلس بعنجهية يتسائل بنبرة ساخرة:
-وأنتي مين قالك أنها مش عايزاني؟
رفعت حاجبيها باستغراب وأجابته:
-كل ده ولسه هستنى حد يقول.. ما واضحه زي الشمس
نظر في سقف غرفة المكتب وهو يعود بظهره للخلف أكثر، ثم قال بهدوء ونبرة واضحة مؤكدة:
-مافيش حاجه واضحة لأي حد غيري أنا وسلمى.. إحنا الاتنين فاهمين الدنيا ماشية معانا إزاي إنما اللي حوالينا مش فاهمين أي حاجه
انتفض جسدها بعد استماع أذنيها إلى تلميحاته التي تقتلها من الداخل، والداخل أشد قسوة:
-قصدك ايه؟ يعني هترجعلك؟
اعتدل ونظر إليها من الأسفل إلى الأعلى قائلًا بسخرية وهو يبتسم:
-مالك اتخضيتي كده!
رفعت كتفيها وأخفضتهم بلا مبالاة مُصطنعة وهي تحرك رأسها قائلة بهدوء ونبرة جعلتها ثابتة قدر ما استطاعت:
-متخضتش أنا بسألك
أغمض عينيه وعاد كما كان مرة أخرى وقال بسلام نفسي شعر به فتحدث به إليها:
-سلمى راجعة راجعة يا جومانا
ابتعدت عنه وسارت حول المكتب لتقابله وصاحت بقوة وعنف:
-بس سلمى متستحقش تكون معاك.. أنت تستاهل واحدة أحسن منها تقدرك
فتح عينيه وأبصرها من بعيد وليجعلها تصمت عن ذلك الحديث الذي تلقيه عليه منذ أول يوم علمت به بقصته مع حبيبته قال بتأكيد:
-سلمى تستحق الأحسن مني، ده شيء أنا معترف بيه من البداية، لكن لنفسي مش لحد لأن مهما حصل مش هسيبها تكون لغيري.. قدرها وقعها مع واحد زيي
استنكرت حديثه عن نفسه بهذه الطريقة فقالت باندفاع:
-واحد زيك! أنت أي ست تتمناك
بنفس ذلك السلام قال وبنبرة رخيمة:
-وأنا متمناش غير سلمى
شعرت بالنيران تشتعل داخلها، حديثه يقودها للجنون، كيف لا يرى مثلها، كيف هذا الرجل ينظر إلى واحدة فقط ويتناسى كل النساء وياليتها تريده:
-عملالك سحر!..
ابتسم بهدوء، ابتسامة رائعة، خلابة اختفت من على وجهه منذ الكثير، ولكنه ابتسم وهو يردف بكلمات كان يتذكرها في تلك اللحظات:
-كانت صغيرة أوي لما وقعتني، مكنتش تعرف السحر يا جومانا
وقفت غير مُعتدلة ونظرت إليه بقوة ثم قالت بعـ ـنف وشراسة:
-تعرف إني غيرانة منها
أبصرها واتسعت ابتسامته أكثر الذي استفزتها بشدة وهي تستمع إلى نبرته الهادئة الحانية التي تصفها:
-حقك.. أي واحدة مهما كانت جميلة لازم تغير منها.. فريدة من نوعها، مافيش زيها، مبتتكررش
لحظة صمت منها ومنه ثم قال اسمها بكامل الحب والجنون، بكل الضعف والشغف الذي داخله، خرجت حروف اسمها بمعزوفة خاصة من بين شفتيه:
-سلمى القصاص
نظرت إليه بقوة والصدمة على ملامحها لم تستطيع أن تخفيها فوجدت أن الهروب هو الحل الأمثل:
-عن اذنك
خرجت من المكتب بخطوات سريعة، وذهبت إلى مكتبها في الخارج، ترقرقت عينيها بالدموع الغزيزة وعقلها يكرر عليها حديثه المادح لها في الداخل، عينيها تريها مرة أخرى مظهره وهو يتحدث عنها بطريقة العاشق الولهان..
لما هي لا، هي من تحملت حزنه، ثمالته، كل الخرافات الذي كان يلقيها في مُنتصف الليل في الملاهي الليلية، هي من استمعت إلى كل شيء ووقفت جواره، ساعدته، ساندته واستمعت إليه، هي من كانت معه في لحظات كانت الآخرى تبعده بقوة..
كانت الأخرى تبغضه وتعنفه، تكره وجوده ولا تريده وللسخرية منها مازال يحبها وهذه أخذت دور خيال المآته..
تحبه بضراوة، تحبه بقوة وقسوة، وصلت معه إلى القسوة في الحب ولكنها لا تستطيع أن تدلي له بذلك الإعتراف القاتل وهو يهوى غيرها كل لحظة..
وصلت إلى تفكير دنيء ستفعله لو عرضه عليها لا شك، تكون حبيبته الأخرى، أو زوجته الأخرى، عشيقته حتى لن ترفض ذلك.. فقط تكون معه بعيد عن لقب الصديقة المنقذة التي تنفذ له الأعمال المتأخرة، فلا تريد هذا مرة أخرى، تريد القرب أكثر..
وتناست كل ما هو حلال وحرام.. يجوز ولا يجوز!..
❈-❈-❈
جلست “هدى” في مقابلة “سلمى” منذ ربع ساعة تقريبًا تقص عليها ما يحدث معاها هذه الفترة، تحاول أن تأخذ النصيحة من شخص قريب منها كـ “سلمى” شقيقة زوجها الراحل وحبيبته قبل أي شيء آخر
أردفت “سلمى” بعقلانية ونظرة جادة من عينيها الزيتونية خافية خلفها حزنها على شقيقها وعائلتها:
-أنا عارفه إنك كنتي بتحبي ياسين الله يرحمه.. كلنا عارفين، بس ياسين راح مبقاش موجود وأنتي فعلًا زي ما عمي قال لازم تشوفي حياتك.. مش هتفضلي العمر كله لوحدك يا هدى
نظرت إلى الفراغ ثم إليها مرة أخرى، كرمشت ملامح وجهها في محاولة منها لتوضيح ما تشعر به وما تريده
-أنا مش عايزة حد ياخد مكان ياسين، مش عايزة أنساه.. منكرش إني بدأت أحس بحاجه ناحية تامر بس ده بسببه يمكن بسبب إلحاحه
وضحت لها الأخرى بجدية وتأكيد تلقي في عقلها الأفكار التي تهرب منها:
-بسبب إلحاحه ولا لأ المهم إنك بدأتي تحسي بوجوده وحباه.. ياسين مش هيكون راضي عن حالك كده أبدًا
نظرت إليها بدقة وبعينين ثابتة عليها ثم أردفت قائلة:
-ولا حالك يا سلمى
سخرت الأخرى منها مُبتسمة بزاوية فمها قائلة بتوضيح أكثر ربما هي لا تفهم ما الذي تريده:
-أنا مالي؟ أنا مش زيك مش رافضة الموضوع وركناه ومقررة أكون لوحدي أنا هتجوز وهعيش وهشوف حياتي
تسائلت شقيقته باستغراب ونظرتها نحوها متعطشة لأي حركة تطمئنها عليها بها:
-وأنتي بتحبيه؟!
راوغت في الحديث بعد أن نظرت إلى الأرضية مُبتعدة بعيناها عنها:
-أنا وهو مبقاش في حاجه بينا ولا بقينا ننفع لبعض
هتفت شقيقته بما سيفعله حتمًا:
-بس هو مش هيتنازل عنك
أبصرتها بقوة قائلة بجدية شديدة:
-وأنا مش هسمحله يكمل في اللي بدأه
❈-❈-❈
بعد أن مر عليه الوقت وهو منهمك في عمله الذي لم يكن في عقله من بداية اليوم بسبب تفكيره في ابنة عمه وما سيفعله معاها لتكن زوجته..
استمع إلى رنين هاتفه فجأة في وسط صمت مُحيط به، رفع عينه من على الأوراق أمامه وصبها على الهاتف، مد يده إليه وأخذه، أبصره جيدًا ليرى من المتصل ولكن كان رقم غير معروف هويته..
نظر إليه للحظات وعقله به أشياء كثيرة تدور داخله في دوائر ثابته، وأكثر ما به سؤال عن هوية المتصل، انقطع الإتصال ولم يكن أجاب عليه فرفع عينيه إلى الفراغ ومازال يفكر.. ولكن مرة أخرى رن الهاتف بنفس ذلك الرقم فقام بالايجاب عليه ورفعه على أذنه يهتف بجدية:
-أيوه، مين؟
أتاه من الناحية الأخرى صوتها البغيض المعروف، تُجيبه بسخرية:
-معقول بقى مش عارفني.. إحنا هنتعامل مع بعض كتير الفترة الجاية من أرقام مجهولة
أمسك “عامر” الهاتف بيده الأخرى ونقله إلى أذنه اليمنى، ثم قال بصوت قاسي جاد، تهديد خرج من بين شفتيه كالسيف الحاد الواثق من حديثه:
-تعرف أنتي لو وقعتي تحت ايدي هعمل فيكي ايه؟ فاكرة اللي أنتي كنتي عايزاه يحصل من كام سنه؟ هعمله بس على طريقتي، هخليكي تكرهي نفسك أكتر ما أنتي كرهاها
أحرقها ما هتف به، وذكرها بما فعله معها، وأتى أمامها صورتها المنكسرة أمامه ودمعاتها المتساقطة قهرًا على حالها ولكنها أجابت بعنف وكراهية:
-ايه رأيك لو حبيبة القلب هي اللي اتعمل فيها كده؟
استمع “عامر” إلى حديثها لانه لم يعطي لها الفرصة لتخرب علاقته أكثر بـ “سلمى” فهي من الأساس متدهورة، أغلق الهاتف بوجهها ثم ألقاه على المكتب أمامه وعاد للخلف بظهره يمسح على خصلات شعره زافرًا بعنف..
لحظة والأخرى وقد أتت إليه رسالة نصية علم أنها كذلك عند الاستماع إلى رنة الهاتف البسيطة..
تقدم للأمام وأمسك الهاتف وفتحه ليرى أنها من نفس الرقم إلا وهو “إيناس” عن طريق تطبيق الواتساب، تقول فيها “هرن عليك رد عليا.. أنا مش هفرق بينكم المرة دي أنا هقولك حاجه مهمة أنت لازم تعرفها قبل أي خطوة والمرة دي اللي هقوله حقيقي وتقدر تتأكد من سلمى”
بعد أن قرأ الرسالة مرة وأخرى وينظر في الشاشة وجدها قد محتها من المحادثة، يا لها من محتالة..
رن هاتفه مرة أخرى فعلم أنها هي، أخذه وأجاب عليها بنفاذ صبر وحدة:
-عايزة ايه
أجابته بهدوء وبرود تام، تضغط على حروف كلماتها والشماتة تطرق باب أذنه:
-أنا عايزة مصلحتك.. والمرة دي هديك معلومة ونصيحة وهنسى اللي بينا، مش هاين عليا أشوفك كده مختوم على قفاك
عاد للخلف كما كان ورفع رأسه للأعلى يحدثها ببرود وتهديده لها واضح للغاية:
-أحترمي نفسك وإلا وديني هطلع عليكي القديم والجديد كله.. متفكريش إني مش قادر عليكي لأ دا الصبر حلو دورك جاي
أردفت بجدية ومكر عابث به:
-هعتبر نفسي مسمعتش حاجه.. اسمع أنت بقى مني المفيد
صمتت للحظات والصمت اجتاز المكالمة بينهم، ثم أكملت ناطقة باسم حبيبته بمكر وخبث:
-سلمى القصاص، بنت عمك
مرة أخرى تصمت، اعتدل هو سريعًا على المقعد ودق قلبه خوفًا من أن يكون حدث لها شيء على يد تلك الحقيرة، فصاح بعنف ونفاذ صبر:
-مالها انطقي
بمنتهى البرود واللا مبالاة أجابته ولكن برودها يتخلله نبرة قوية حادة، لتصل إليه بجدية تامة والغل داخلها يزداد:
-سلمى عملت علاقة مع هشام ابن عمي.. غلطت معاه يعني.
انتفض واقفًا في لمح البصر بعد الانتهاء من جملتها الخبيثة القذرة، دق قلبه بعنف أكبر واهتاجت رجولته فقط لأنه استمع إلى هذا الحديث، ماذا لو تخيله؟.. كيف لها أن تفعل به ذلك؟ تخونه!.. تبيع كل ما لديها من شرف لأجل ذلك الحقير.. انتفخت عروقه بالدماء الذي تغلي داخلها وقلبه كاد أن يتوقف، فعلت ذلك!..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى