روايات

رواية بين دروب قسوته الفصل السابع 7 بقلم ندا حسن

موقع كتابك في سطور

رواية بين دروب قسوته الفصل السابع 7 بقلم ندا حسن

رواية بين دروب قسوته الجزء السابع

رواية بين دروب قسوته البارت السابع

بين دروب قسوته
بين دروب قسوته

رواية بين دروب قسوته الحلقة السابعة

“انتفاضه شعر بها القلب في لحظة خوف كادت أن تقتله”
ثبتت عينيها على خاصته بخوف وذعر شديد، قلبها أصبح ينبض بقوة وشدة غير معقوله بخفقات متتالية على غير العادة.. أنفاسها غير منتظمة وملامحها تحولت إلى شخص آخر خائف متوتر بشدة..
ما الكذبة التي تستطيع أن تختفي بها الأمر وتدلف عقله؟ ما المُبرر الذي تستطيع أن تخترعه في لحظة ويصدقه!..
حاولت أن تنظم وتيرة أنفاسها وتنظر إليه بجدية ماحية تلك النظرة التي تحتلها الرهبة وما بداخلها أكثر منها.. حاولت أن تبقى على الثبات لتستطيع أن تفكر في الإجابة السريعة والتي طالت كثيرًا وهو مازال أمامها كما كان لم تتغير ملامحه ولو بشيء بسيط..
مازال مُخيف، مُهيب يلعب على أعصابها بطريقة غير مرغوبة أبدًا…
أبعد نظرة عينيه من عليها وتقدم منها بوجه جامد حاد تعابيره مقتولة.. أبتلعت ما وقف بحلقها عندما وجدته تحرك ناحيتها بعينين سوداء ونظراته تقتلها.. ولكنه تخطاها وتقدم إلى بوابة الفيلا التي كانت قامت بفتحها لتدلف إلى الداخل..
وقف أمام البوابة ثم أمسك المقبض الحديدي الكبير بيـ ـده وجذبها مرة أخرى لتُغلق كما كانت.. عاد إليها مُنتظر منها رد على سؤاله البسيط للغاية الذي ألقاه عليها ومن هنا بدأ الشك يسلك طريقه إلى قلبه من ناحيتها..
أطبق يده بقوة على الورقة وكأنه يستعد للكم أحدهم في وجهه، عينيه أصبحت عليها مرة أخرى بحدة وقسوة ثم أعاد السؤال بطريقة واضحة ضاغطًا على كل حرف من كلماته لتظهر بنبرة جادة قاسية:
-سألتك تعرفي هشام الصاوي منين؟ ردي عليا
أبتلعت ما وقف بجوفها مرة أخرى ونظرت إليه عن قرب، لا تخاف منه ولا تهابه وعلى مدار العامين الماضيين والسنوات السابقة وخلال كل ما حدث بينهم لم تكن تخافه ولكنها تعلم جيدًا متى عليها أن تخاف منه.. وكان هذا هو الوقت المُحدد ولأجل ذلك أخفت عن الجميع ما يحدث معها..
تفوهت بنبرة حاولت قدر الإمكان أن تجعلها جادة حتى لا يشك بأمرها وجعلت عينيها عليه حتى لا يشعر بأنها خائفة:
-معرفوش
رفع الورقة التي هشمها بين يده القوية وتسائل ثانية مضيقًا عينيه عليها بشك واستغراب:
-ده معاكي بيعمل ايه؟ ووصلك منه إزاي؟
أغمضت عينيها للحظة واحدة وفتحتها مرة أخرى بعد أن توصلت إليها الإجابة السريعة المقنعة إليه وإليها:
-إيناس.. الشيك ده إيناس اللي جابته من عمها تقريبًا أو ابن عمها مش عارفه بصراحة تبرع للجمعية وأنا أخدته
رفع أحد حاجبيه وأقترب منها خطوة واحدة بثبات وعينيه تنظر إليها نظرة ثاقبة، أردف بشك واستنكار:
-متأكدة؟
رسمت على ملامحها الضيق والانزعاج الشديد منه محاولة الالتهاء عما كانت تشعر به منذ قليل وأجابته بقوة:
-آه متأكدة هو تحقيق ولا ايه
أجاب هو الآخر على سؤالها الأخير بقوة وتأكيد وكأنه لا يهاب أحد:
-آه تحقيق ولا مش عاجبك
وضعت ذراعيها أمام صدرها ونظرت إليه بعمق مُردفة بحديث بعيد عنها لتجعله يلتهي:
-أنت عارف إنه مش عاجبني أنا بس جاوبتك علشان اللي في دماغك تبعد عنه
ابتسم بسخرية واستهزاء للحظة، أتيًا بعينيه عليها من الأسفل إلى الأعلى ثم قال ببرود وقسوة:
-أنا فعلًا بعيد عنه علشان أنتي عارفه لو حصل أنا هعمل ايه! وفي مين
للحظات وأخرى بادلته النظرات الغارقة في ماضي أليم، لم يُشفى منه أحد إلى اليوم وإلى هذه اللحظة، بادلته بلون أعينهم العتاب المستمر بينهم منذ عامين ماضيين وإلى عامين قادمين..
مدت يدها إليه قائلة بعد صمت طويل:
-هات الشيك
قدمه إليها ووضعه في يدها قائلًا باستهزاء:
-اتفضلي الشيك
استدارت لتدلف إلى الداخل وأخذت نفسٍ عميقٍ تستعيد به الحياة بعد تلك الورطة التي وضعت بها معه، لقد شعرت أن وجهها شحب وكأنها تفارق الحياة وتسارعت دقات قلبها وأصبحت وتيرته عالية..
ماذا لو أتى “هشام” لخطبتها؟.. ما الذي ستفعله وما الذي سيصدر من “عامر”، أنها تُخاطر.. تُخاطر بشدة..
❈-❈-❈
وقف الآخر على قدميه كوالده، نظر إليه بقوة وعينين حادة قاسية وتسائل بجدية:
-وهتستفاد ايه من موتها
ظهرت ملامح والده أكثر وضوحًا بعد هذا السؤال من ولده، ظهرت القسوة الحقيقية، وهنا بدأ الجحود يأخذ مكانه وقد دعم هذا وذاك بنبرة صوته الحادة:
-هبقى موت أحمد القصاص بجد.. كأنه مجاش على الدنيا
عارضه ابنه ونفى حديثه هذا ولكنه في صفه ويدعم فكرة الاستكمال والبداية من الأساس، ظهرت ملامحه هو الآخر وجعلنا نتناسى الرقة والهدوء الذي كان يعامل بها المقصود بها الحديث:
-مش هيفيد بحاجه اللي أنت بتقوله.. كفاية اللي ماتوا وهي دي بس اللي تقدر تفيدنا والدخول ليها سهل أوي
اتسعت عينين والده بقوة وأصبحت مُخيفة للغاية دون مبالغة في الأمر، ولكن ملامحه جميعها مُخيفة ولا تستدعي أكثر من ذلك:
-أنا هبقى استفدت وشفيت غليلي وبردت ناري.. هبقى فرحان لأول مرة في حياتي بموت عيلته كلها
وضع “هشام” يده الاثنين بجيب بنطاله وأجاب بجدية هادئة ليأخذ الحديث من والده إلى ناحيته:
-عيلته كلها ماتت فعلًا ومفيش غيرها اللي باقيه
جلس والده على المقعد مرة أخرى ووضع يده الاثنين متشابكين أعلى المكتب، نظر إليه وقال بغل وحرقة:
-يبقى لازم تمـ ـوت زيهم.. كان المفروض تكون معاهم في نفس القبر بس أهو اللي حصل وملحوقه
بقيٰ هو واقف على قدميه ولكنه عاد مرة أخرى إلى الجدية التامة وهو يُجيب على والده بقوة فارضًا عليه رأيه لينتقم منها كما أراد:
-أنا مش هسمحلك تموتها قبل ما أعمل اللي أنا عايزة واخليها تضيع كل اللي في البيت كفاية إنك مسمعتش كلامي ودبرت الحادثة اللي حصلت زمان من ورايا
استهزأ به والده وأردف مُعقبًا:
-تسمحلي ولا متسمحليش أنا هعمل اللي في دماغي.. أنا مش محتاج منهم حاجه غير إني أبرد ناري
حاول “هشام” أن يُغريه بحديث أخر خوفًا من أن يفعل ما أراد ويقوم بقـ ـتلها دون أخذ استفادته منها:
-ولو قولتلك إني هخليهم يعلنوا إفلاسهم قريب وبعديها تمـ ـوت
تهكم عليه بوضوح وأردف بسخرية واستهزاء ناظرًا إليه بقوة شديدة وعينيه لا تمزح أبدًا:
-وده هتعمله إزاي ما أنت بقالك سنة معاها مش عارف تعمل حاجه
أبعد “هشام” نظرة إلى البعيد في الفراغ وظهرت لمعة غريبة في عينيه السوداء القاتمة، المُخيفة إلى الحد الذي قبل والده ثم هتف بخفوت وتمني:
-اتجوزها… اتجوزها بس وهوريك أنا هعمل فيها ايه وفي عيلة القصاص كلها
وقف والده على حين غرة وصرخ به بعد الاستماع إلى حديثه، لا يصدق أن ابنه الذي يعلم كل ما حدث في السابق وواجه المعاناة بقوة بسبب والدها يقول هكذا:
-تتجوزها؟ أنت اتجننت.. عايز تتجوز بنت الراجل اللي كان السبب في خراب حياتنا.. بنت القصاص!..
احتدت نظرته وتحولت ملامحه إلى الأسوأ وعقله كان يأتي بكل ذكريات مرت عليه ورأها وللأسف ليس هنا أحد قد ظُلم مثله هو وجاء دور الجميع في تلقي العقاب:
-متحسسنيش إني دايب فيها.. أنا لا طايقها ولا طايق حد من عيلتها وخلي في علمك بقى هي كمان مش بتحبني أنا هارش اللي فيها.. هي بتحب عامر وأنا هحسرهم على اللي بينهم ده وهضيع عمرهم كله بس أنت اديني الفرصة
حرك والده رأسه بالنفي وهو ينطق بكلمات الرفض التام:
-مستحيل.. مستحيل تتجوزها
غمز بعينه الشيطانية وهو يهتف بخطة خبيثة في رأسه كل خيوطها وأبعادها والآن يسرد عليه النتيجة وما بها:
-لما تعرف اللي في دماغي هتوافق.. وبدل ما تموتها وتبرد نارك موتها وخد اللي قدامهم واللي وراهم وزلهم وبكده تبرد نارك وناري وتفرح وتنسى الهم اللي عشناه
أغرى الحديث والده، لما لأ؟ لما لأ يفعل كما يريد ابنه ويأخذ ما يجعله يصبح أكبر وأكبر بكثير، لما لا يجعلهم يتحسرون على أنفسهم ثم يقتلها بدم بارد، لما لأ يفعل ذلك:
-دي آخر مرة هسمع كلامك فيها يا هشام وبعد كده ابقى اقرالها الفاتحة مع اللي ماتوا
ابتسم ابنه بشر وجلس على المقعد بعد أن جلس والده، أردف بخبث ونبرة ماكرة شيطانية مُخيفة:
-هقراها… هقراها وقريب أوي بس على كيفي
❈-❈-❈
كانت “هدى” جالسة على مكتبها، الذي أصبح ملك لها منذ عام ونصف، منذ أن ذهب مالكه الأصلي وتركها وحدها هنا تعاني غيابه، لكنها لم تتركه وحده أصرت على أن تجعله موجود بين الجميع وأمامهم.. أصرت على أن تجعله حي بوجودها مكانه في منصبه وتأدية دوره على أكمل وجه..
دلف “تامر” المكتب بعد أن طرق الباب وأذنت له بالدخول..
شاب ثلاثيني، لون بشرته قمحية، خصلات شعره سوداء حالكة كشقيقها.. ملامحه شرقية جذابة، ملابسه مهندمة ومظهره وسيم للغاية..
سار ناحيتها بخطوات ثابتة وعينيه عليها إلى أن وقف أمام المكتب قائلًا:
-عايز أتكلم معاكي شوية
تركت الأوراق التي كانت بيدها وأشارت إلى المقعد متسائلة باستفهام:
-اتفضل، في حاجه؟
جلس على المقعد التي أشارت إليه وأبصرها بجدية خالصة وداخله أمنيات لو تحققت لكان أسعد البشر:
-فكرتي في كلامي؟
بادلته النظرات ولكن هذه المرة بحدة خالصة داخلها هدوء وانجذاب ولكن لا تريد إظهاره مهما حدث، حدثته بنظرات ثاقبة حادة وداخلها عتاب غير مرئي له:
-كلام ايه اللي هفكر فيه يا تامر.. أنا من أول لحظة قولتلك فيها ردي أنت اللي مش مقتنع بيه وبكده هتعمل بينا مشاكل ملهاش لازمه
أقترب إلى المكتب ونظر إليها بقوة قائلًا باقتراح قاله كثيرًا من المرات مترجي إياها:
-اديني فرصة واطلعي من اللي أنتي فيه ده
أشارت إليه بإصبع يدها السبابة وبنبرة حادة تسائلت:
-أنت راضي عن اللي بتعمله؟ راضي إنك تسيب خطيبتك علشان تتجوز مرات صاحبك
وقف على قدميه عند ذلك الإتهام البشع، هو ليس خائن، ليس بشع إلى هذه الدرجة أن يكون مع أخرى ويتركها فقط لأجلها، لأجل أنها أصبحت غير متزوجة من صديقه:
-لأ يا هدى.. لأ… خطيبتي وأنتي من البداية عارفه أن بينا مشاكل ومش متفقين وكان لازم يحصل أما مرات صاحبي فهو الله يرحمه ومعتقدش أن اللي بتعمليه ده يفرحه
وقفت هي الأخرى على قدميها قبالته من خلف المكتب وصاحت بعناد وتأكيد:
-يفرحه يا تامر.. يفرحه أنا مخلصة في حبي ليه ومعنديش استعداد أشوف حد غيره مهما حصل حتى لو كان الله يرحمه
أقترب إلى المكتب وهو واقف أمامه على قدميه، استند بيده الاثنين ومال ناحيتها ناظرًا إليها بعمق وقوة مقررًا ألا يتركها تذهب من بين يديه لأنها تكن له شيء بداخلها ولكن ترفض أن تخرجه:
-وأنا مش هيأس وهفضل وراكي لغاية ما توافقي وتديني فرصة وتدي نفسك فرصة.. أنتي مش أول واحدة حبيبها ربنا يسترده ليه
تغيرت تعابير وجهها واتجهت إلى الصرامة والحدة، نظرت إليه بعينين قاسية حادة وأردفت وهي تسير إلى باب المكتب:
-لو سمحت كفاية كده وروح على مكتبك.. مش عايزة كلام في الموضوع ده تاني وإلا مش هيحصل كويس، أنا بحترمك وبقدرك لأنه كان بيعمل كده بردو ومظنش أننا لو اتجهنا لطرق تانية هنرتاح
أومأ إليها برأسه قائلًا:
-تمام.. بس بردو أنا مش هيأس
تركها وأتجه إلى باب المكتب ليخرج منه.. تلك الغبية التي تريد أن تقتل نفسها وهي على قيد الحياة، تُخلص إلى زوجها الراحل، الراحل منذ عامين.. لن يلوم عليها يعلم أنها كانت تحبه للغاية والجميع يعلم بذلك ويقدر ذلك بها ويجعلها تكبر في نظره أكثر وأكثر ولكن عليها أن تستفيق مما هي به..
لن تبقى إلى الأبد وحيدة دون رفيق درب آخر، لن تبقى هكذا تعيش على ذكرى راحل.. الذكريات ستختفي ويتناسها العقل، الذكريات ستمحى وهي وحدها..
ولأنه تعيس الحظ، وقع في حبها من خلال العمل معها، لأنه تعيس الحظ يريد قربها، لأنه تعيس الحظ يريد الزواج منها وهذا بالنسبة إليها من عاشر المستحيلات..
لأنه تعيس الحظ وقع في حب مُخلصة.. ولكنه لن يشعر باليأس مهما حدث سيظل يحاول ويحاول إلى المنتهى..
سيحاول إلى أن يذهب إلى “ياسين” وإلا لن يكون هذا حب بل في تلك اللحظات سيكون وهم.. وسيكون حبها لزوجها الراحل أقوى بكثير منه..
سيبقى خلفها إلى أن ينال ما يريد منها، ألا وهو قلبها..
❈-❈-❈
“اليوم التالي”
كان “عامر” في الشركة الخاصة بهم، يجلس داخل مكتبة على المقعد وأمامه حاسوب وبعض الأوراق التي يعمل عليها.. ينتقل من هنا إلى هنا ونظراته لا ترتفع إلى أي مكان آخر إلى حين لحظة دخولها المكتب..
طرقت على الباب مرتين متتاليتين ثم أدارت المقبض وفتحته، طلت منه بابتسامة عريضة على وجهها ثم دلفت بخطوات ثابتة رشقية وأغلقت الباب مرة أخرى..
كانت “جومانا الصياد” صديقة “عامر” التي اكتسبها في الفترة الأخيرة، والوحيدة التي كانت ترافقه أماكن السهر ويد العون له في العمل كما أنها السكرتيرة الخاصة به..
فتاة جميلة حد الفتنة، بشرتها بيضاء لامعة، خصلات شعرها شقراء طويل خلف ظهرها على عكس حبيبته التي أصبحت خصلاتها قصيرة للغاية، عينيها خضراء وأنفها صغير، شفتيها وردية صغيرة جسدها ممشوق رائع ترتدي فستان وردي وكأنه مفصل على جسدها بالضبط يصل إلى بعد ركبتيها بقليل.. ويتوسطه حزام على الخصر كأنه فضفاض ويحتاج ذلك..
تقدمت منه إلى الداخل ووقفت جوار المكتب ناحيته، لم تقف بعيدًا ولم تتعامل منذ لحظة دخولها أنها هنا سكرتيرة أو عاملة لديه، بل هي صديقة وأكثر بالنسبة لها..
رفعت ملف به بعض الأوراق أمام عيناه التي بقيت عليها باستفاهم ليعرف ما الذي تريده منه، وقد قالت هي بنبرة مرحة:
-محتاجين امضتك يا باشا هنا
أشار إلى الأوراق بعينيه متسائلًا بجدية:
-ايه ده
رفعت كتفيها الاثنين واخفضتهم بدلال ونظرة لامعة من عينيها الخضراء المُبادلة إياه النظرات ثم هتفت تجهل ما في الأوراق:
-أكدب لو قولتلك أعرف
استغرب حديثها الأبلة ورفع حاجبيه الاثنين ناظرًا إليها باستنكار وضيق لما تتفوه به:
-نعم؟ اومال أنا اللي أعرف يا جومانا
أقتربت منه وجلست على طرف المكتب ناحيته، ثم سردت له بهدوء وتروي ما حدث:
-هدى بعتتلي وروحتلها قالتلي أخد امضتك على الورق ده وحتى مفتحتوش والله
قدم إليها يده بجدية بعد الاستماع إلى حديثها مطالبًا بالأوراق:
-هاتي
رفعت الأوراق إلى يده ثم تركتهم معه، أخذهم هو ونظر أمامه يتفحصهم جيدًا، لحظات وأخرى ثم تركهم على المكتب يحضر قلم من عليه ثم بدأ في وضع توقيعه على الورق خلف بعضهم البعض..
ترك القلم وأمسك بالملف مرة أخرى قدمه إليها بجدية فأخذته وبقيت كما هي ثم قالت بتساؤل:
-مش هنسهر بالليل؟
عاد مرة أخرى إلى حاسوبه وعمله وأجابها بجدية شديدة وهو ينظر إلى الحاسوب:
-مش عارف
وضعت يدها على ذراعه وأردفت بدلال ونظرة لامعة من عينيها تنطلق نحوه:
-ايه ده اللي مش عارف خلينا نسهر النهاردة
نظر إلى يدها الموضوعة على ذراعه ثم أبعد نظرة إلى عينيها بعمق وثبات وتسائل بجدية ووضوح:
-اشمعنى
لوت شفتيها باستغراب وأجابت بعفوية وهدوء على سؤاله الغريب فهو دائمًا كان يخرج معها:
-هو ايه اللي اشمعنى ما إحنا مخرجناش من زمان
تهكم على حديثها وعاد ببصره مرة أخرى إلى حاسوبه يهتف بسخرية وتهكم صريح:
-وهو إحنا متعودين نخرج مع بعض كل يوم ولا ايه
احرجها بحديثه المتهكم، جذبت يدها من على ذراعه وابتلعت ما وقف بجوفها ثم تفوهت بنبرة عادية:
-لأ مش كده بس يعني تغيير
أومأ إليها برأسها قائلًا:
-تمام
تسائلت بعد كلمته المقتضبه مضيقة عينيها عليه بدقة:
-هنخرج؟
أردف بانزعاج وضيق بسبب حديثها وذلك الإلحاح به:
-معرفش يا جومانا هشوف
احتدت نظرتها عليه وهي تستمع إلى صوته المنزعج، إنه يفعل ما يحلو له دائمًا ولو كان هو من يطلب منها الخروج لما كان يفعل ذلك أبدًا:
-لو عايز تخرج هتخرج على فكرة بس أنت بتعمل كل حاجه بمزاجك
ابتسم بسخرية واستهزاء ناظرًا إليها بقوة وهتف بنبرة واثقة:
-وايه المشكلة؟
أجابته بقوة وجدية معترضة على طريقته معها التي تجعلها لا تفهم ما الذي يريده، ولكن للحق يكفي أنها تعلم ما الذي تريده هي منه:
-لأ دي مشكلة.. أنا مش بمشي على مزاج حد
حرك عينيه على ملامحها ببرود وبطء ثم أردف بقوة وتبجح لم تتوقعه منه:
-مقولتلكيش تمشي على مزاجي.. إحنا مجرد صحاب
كادت أن تُجيب على كلماته التي خرجت بتبجح منه ولكن باب المكتب قد فُتح في لحظة وهي تجلس هنا على هذا الوضع..
فتحت شقيقته الباب على مصراعيه ونظرت إليه وإلى “جومانا” من الأسفل إلى الأعلى بتقزز واشمئزاز، إنه الذي يدعى الحب على ابنة عمها، إنه من دمر العائلة وأخلف الخراب عليها، وجعل الجميع بتذوق مرارة الأيام وحدتها.
صاحت بحدة وصرامة وهي ترى “جومانا” تنخفض سريعًا بحركات هوجاء من على المكتب فور أن رأتها:
-كل ده بتمضي ورقتين ولا أنتي أصلا مش فاضية بتأدي دور تاني
أقتربت منها الأخرى وهي تقدم إليها الأوراق وحركت شفتيها بخجل لأجل تبرير موقفها ولكن شقيقته منعتها من فعل ذلك وصاحت بقوة أكبر:
-هنا شركة وشركة يعني شغل مش حاجه تانية
بدلت بصرها إليه ودقتت به جيدًا ورأته ينظر إليها مُبتسمّا باستهزاء ولا مبالاة فقالت مرة أخرى:
-ياريت الكل يكون فاهم ده
أبعدت نظرها إلى الأخرى وصرخت بها:
-اتفضلي على مكتبك
خرجت “جومانا” ووجهها بالأرض خجلًا من ذلك الموقف السخيف التي وضعت به أمامه وأمام شقيقته، يا لها من غبية هي الأخرى كيف لها أن ترفع صوتها عليها هكذا ولما ذلك الأحمق لم يدافع عنها..
ألقت شقيقته عليه نظرة أخيرة ثم أمسكت مقبض الباب وخرجت من المكتب صافعة الباب خلفها بحدة وقوة كبيرة..
وتركته هو بالداخل مُبتسم بغرابة من تصرفاتها التي أصبحت أحد عليه وأعنف بكثير منذ فقدانها زوجها.
ليته كان هو من رحل وترك الجميع طالما وجوده غير مرغوب إلى هذه الدرجة
❈-❈-❈
“المساء”
بعد إلحاح دام لأكثر من ساعة من قِبل “إيناس” ومن بعدها ابن عمها “هشام” الواقع تحت مسامع “سلمى” التي شعرت بالضيق والحنق الشديد منهم هم الاثنين بعد كل هذا الحديث المرهق لها، خضعت لرغبتهم التي لم تكن موافقة عليها بالمرة ولكنها اضطرت للخضوع بسبب إلحاحهم المستمر عليها والتي لم تستطع أن تهرب منه بأي حجة قالتها لهم..
كانت رغبتهم قوية في أخذها معهم للسهر في الخارج في مكان ما صاخب كالعادة لديه هو وابنة عمه وهي لا تحب هذه الأماكن أبدًا بل تكرهها وبشدة منذ زمن قد فات وهي لا تهواها وأصبحت تبغضها بضراوة بعد ما شاهدته بها على يد حبيبها..
أصبحت تبغضها بعد أن رأت الخيانة بها على يده..
وقفت أمام المرآة تعدل من مظهرها بعد ارتداء ملابسها بالكامل والانتهاء منها، كانت مرتدية جيب قصيرة قليلًا تصل إلى ما بعد ركبتيها بقليل، لونها أبيض باهت وبها نقوش خفيفة تكاد تكون مختفية، يتوسط خصرها حزام قماشي يتدلا بشكل رائع على جانب خصرها، يعلوها بلوزة خضراء اللون بحملات عريضة تخفي كتفيها، صدرها واسع قليلًا على شكل رقم سبعة وتختفي أطرافها داخل الجيب، تركت العنان لخصلات شعرها السوداء القصيرة تدلى على جانبي وجهها وخلف رأسها بكثافة..
تضع على وجهها قليل من مستحضرات التجميل التي لا تحتاج إليها من الأساس فهي بملامحها الطبيعية خلابة ورائعة تخطف الأنفاس..
وضعت بمعصم يدها واحدة من الأساور الرائعة، ثم رفعت عينيها إلى المرأة مرة أخرى تقيم مظهرها وهي تضيق عينيها على صورتها المعكوسه بالمرآة..
أطلقت تنهيدة وهي تستدير لتذهب ناحية الفـ ـراش الذي جلست عليه وأمسكت بالهاتف بين يدها تنظر إلى الساعة به التي تخطت التاسعة مساءً، ضمت شفتيها المكتنزة للأمام وتوجهت للناحية الأخرى بجسدها وهي جالسة تجذب الحقيبة الخاصة بها، لونها أبيض باهت كما لون الجيب صغيرة للغاية تأخذ فقط بعض الأغراض الشخصية.. وضعت بها الهاتف ومفاتيح سيارتها ثم أغلقتها وتركتها بجانبها على الفراش..
تقدمت للأمام قليلًا منحنية على نفسها للأسفل وأمسكت بحذاء موضوع على الأرضية مفتوح من الأمام والخلف به خط واحد رفيع بالمنتصف باللون الأبيض والأسود ذو كعب عالي، بدأت في ارتدائه ثم بعد انتهائها وقفت على قدميها وأخذت الحقيبة بيدها..
اتجهت إلى المرآة وأبصرت مظهرها بها برضاء وحركت خصلات شعرها ثم اتجهت تسير بثبات ورشاقة وجسدها الممشوق يتمايل باتزان…
وصلت بعد وقت أمام ملهى ليلي تخرج منه الأصوات الصاخبة، وقفت أمامه للحظات تنظر إليه بعد أن تركت سيارتها تبصر هيئته، لما قد أتت إلى هنا! أنها تبغض هذه الأماكن بشدة ولا تحب الولوج إليها أبدًا..
لقد فعلتها وأتت، ستكون هذه المرة فقط..
دلفت إلى الداخل بخطوات ثابتة وعينيها حادة واثقة، لم تلتفت إلى أحد من الجالسين أو الذين يقفوا يبصرون هيئتها الفاتنة بنظراتها القاتلة..
كانت تعلم أين هم لذا عندما أبصرتهم أكملت سيرها في اتجاههم بثبات… كان “هشام” مع “إيناس” يقفون حول طاولة مرتفعة للأعلى قليلًا ليست بمقاعد بل تقف جوارها..
تقدمت إليهم فنظرت إليها “إيناس” بابتسامة عريضة وقد ظنت أنها لن تأتي إليهم وصاحت بصوت عالي لكي تستمع إليها من خلال الموسيقى الصاخبة:
-فكرتك مش هتيجي بجد.. قولت بتهاودينا
أبصرها “هشام” بنظرة ثاقبة من عينيه الحادة التي تصبح نظرتها لينة عندما يراها:
-ايه الجمال ده.. خطفتي قلبي وعنيا
ابتسمت ابتسامة هادئة ارتسمت على شفتيها المكتنزة وعقبت على كلماته برقة:
-ميرسي يا هشام
صمتت قليلًا ثم أبصرت المكان من حولها ترى الضجة والأصوات الصاخبة التي تزعجها بقوة، والحركة في المكان كثيرة تجعلها مُشتتة:
-ما تيجوا نغير المكان يا جماعة.. أنا بصدع من الوش ده ومش بحب الدوشه
ارتشفت “إيناس” من المشروب الذي بيدها وقالت بجدية ونظرة مستغربة:
-ليه ده حتى الجو حلو وكله حماس
لوت شفتيها المكتنزة بسخرية معقبة باستهزاء:
-لأ واضح
أتجه ناحيتها “هشام” بعد أن ارتشف من كأسه وتركه بقوة على الطاولة مقدمًا لها يده بحماس:
-تعالي نرقص
اعترضت على اقتراحه وأجابت برفض ونبرة متضايقة:
-أنت عارف إني مش بحب الأجواء دي
أمسك كف يدها بقوة وقام بجذبها ناحيته ولم يعطي إليها الفرصة وسار بها إلى ساحة الرقص:
-تعالي بس
حاولت جذب يدها منه وهي تصيح من خلفه بصوت عالي معترضة على ما يفعله:
-هشام استنى
وقف في منتصف ساحة الرقص بين الفتيات والرجـ ـال وجذبها لتقف أمامه وتمايل تحت أنظارها على صوت الموسيقى، وجدها تقف ثابتة كما هي ترسل له بعينيها كم انزعجت منه فلم يُعيرها اهتمام وقام بامساك يدها وجعلها تلتف حول نفسها ووضع يـ ـده على خصرها يقربها إليه..
قبل تلك اللحظة بلحظة أخرى كان يدلف “عامر” إلى صالة الملهى مع “جومانا” ولأجل أن “سلمى” تعيسة الحظ دائمًا لم يجد إلا هذا المكان ليتوجه إليه..
ولج إلى الداخل والأخرى تسير بجواره ولكنه وقف في لحظة ما وعينيه على فتاة على ساحة الرقص تعطي إليه ظهرها تتمايل مع “هشام الصاوي” المُقترب منها للغاية!.. هذه “سلمى”!!.. إنها هي جـ ـسدها وخصلاتها وحركاتها.. إنها هي ومن بين مليون فتاة يستطيع أن يعرفها..
ضغط على يده بقوة وأسودت عيناه التي انخفض عليها غمامة سوداء تساعد مظهره أن يبدو غاضبًا أكثر وهو من الأساس لا يحتاج ذلك..
أصبحت وتيرة أنفاسه عالية للغاية وعينيه مثبتة عليها، يشعر بغضب عارم سيحرق هذا المكان بأكمله..
في الناحية الأخرى وضعت “سلمى” يـ ـدها بضيق على يد “هشام” لتبعده عنها ولكنه ثبت نظره خلفها وابتسم داخله بقوة وفرحة عارمة احتلت كيانه.. ولكن ليس هذا الوقت المناسب لإظهارها..
أردف بجدية شديدة وقلق ظهر على ملامحه بوضوح مُرتسم بدقة وحرك شفتيه بنبرة جادة بجانب أذنها:
-سلمى!.. عامر وراكي
رفعت عينيها المُتسعة على خاصته سريعًا برهبة وانتفاضة، ارتعش جسدها للحظة وهي تسمتع إلى الكلمات البسيطة ودق قلبها بعنف خوفًا من الذي قد يحدث إذا رآها “عامر” حقًا:
-ايه؟ عامر!!..
❈-❈-❈

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى