رواية بين دروب قسوته الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ندا حسن
رواية بين دروب قسوته الجزء الخامس والعشرون
رواية بين دروب قسوته البارت الخامس والعشرون
رواية بين دروب قسوته الحلقة الخامسة والعشرون
وقف “هشام” في الخارج مع ابنة عمه بعد أن وضع يده على جيب بنطاله من الأمام والخلف يبحث عن هاتفه المحمول الذي ربما يكون فقده في الداخل، وستكون هذه مشكلة كبيرة إن وجده أحد..
أشار إليها لتذهب إلى السيارة الخاصة بها قائلًا:
-أمشي أنتي خدي عربيتك وأنا هحصلك.. شكلي نسيت موبايلي جوا
أومأت إليه برأسها وتلهفت حقًا لتركه في الانتظار هنا فهذا المكان لا يشكل إلا خطرًا كبيرًا لحياتهما، أردفت بجدية قائلة وهي تذهب من أمامه:
-متتأخرش بس
أومأ إليها هو الآخر ثم نظر إليها وهي تصعد السيارة وتنطلق بها مُبتعدة عن المكان، نظر في أثرها لحظة والأخرى ثم استدار من بعد ذلك كي يدلف إلى الداخل مرة ثانيةً ليأخذ هاتفه ويرحل خلف ابنة عمه..
ولكنه لم يكن متوقع أن ما ينتظره سيحدث بهذه السرعة، في لمح البصر كانت عربات الشرطة تتوجه ناحيته من الطريق المخالف لطريق ابنة عمه ومعهم سيارة “عامر القصاص”.. دق قلبه بعنف وارتعشت قدماه في وقفته يبتلع ريقه الواقف بحلقه ولم يستطع فعل أي شيء سوى أن يركض ناحية سيارته كي يذهب هو الأخر سريعًا..
لكن حظه العثر لم يساعده على وجود المفتاح بها فهنا أدرك أنه قد قبض عليه حتمًا..
خرج من السيارة سريعًا محاولًا الهرب ركضًا على قدميه ولكنه تفاجئ بوجود عناصر الشرطة تركض ناحيته من كل إتجاه وأصبح محاصرًا بينهم ليس هناك أي سبيل للهرب منهم.. ليته ذهب مع ابنة عمه وترك ما تركه هنا
وجد من يجذبه من الخلف جاعلة يستدير إليه صارخًا بعنف وهو يلكمه في وجه بقوة وعنف، نظر في وجهه ليراه.. إنه هو، ابتسم بوجهه بسخرية وتشفي مُحاولًا أن يظهر شماتته به ولكن الآخر لم يكن صبور إلى هذه الدرجة بل لكمه مرة أخرى أقوى من الأولى وأعنف ومازال الآخر يبتسم..
صاح “عامر” بصراخ وعصبية ضاغطًا على عنقه وهو مُستسلم له تمامًا:
-سلمى فين؟
أراد “هشام” أن يشتته إلى أن تتم المهمة في الداخل ويقوم بالتخليص عليها وتسليمها إليه جـ ـثة هامدة فقال:
-مش هنا.. سلمى في مكان بعيد محدش يعرفه غيري
ضغط على عنقه أكثر وهو يسأله مرة أخرى بنفاذ صبر والقلق يعمي عيناه عن كل شيء وقلبه ينذف حزنًا وألمًا لفراقها:
-بقولك سلمى فين
عاند هو وابتسم أكثر غير مبالي بما يحدث معه وأجابه:
-مش هقول مكانها.. هسيبك تلف عليها طول العمر
تركه “عامر” على حين غرة وعاد للخلف قليلًا بعد أن دفعه ليصطدم بالسيارة خلفه، ثم وضع يده خلف ظهره يخرج المسدس الخاص به وفي لمح البصر رفعه أمام رأسه قائلًا بعنف دون تردد:
-أنت اللي جنيت على نفسك
لقد كان على أهبة الاستعداد لقتـ ـله، خرجت الرصاصة القـ ـاتلة من مسدس “عامر” وهي تعرف طريقها الصحيح ومقرها المناسب غير مبالي بأي شيء سوى أن ينال منه ولكن في لحظة ضغطه على الزناد كان ضابط الشرطة رفع يده للأعلى لتنطلق الرصاصة في الهواء الطلق..
صرخ الضابط بصوت عالي به وبعصبية شديدة:
-عامر.. خلينا نشوف شغلنا
دفع “هشام إلى عناصر الشرطة لكي يقوموا بالتحفظ عليه إلى حين الانتهاء من تفتيش المكان والعثور على “سلمى” زوجته..
تقدم “عامر” بخطوات راكضة معهم إلى تلك الغرفة المتطرفة قليلًا عن الطريق والبعيدة بخطوات عنهم، حاول فتح الباب بعد أن وقف أمامه ولكنه لم يفلح..
شعر بوخزة في قلبه ولحظة عنف مرت عليه من داخله تدق بسرعة رهيبة غير عادية، وكأن الوحي قد قال له أنها بالداخل فصاح مُرددًا بصوت عالي وهو يطيح بالباب ليكسره:
-سلمى جوا
لم يفلح مرة واثنان فتقدم أحد العناصر معه لتكن تلك الفاصلة بينه وبينها، فُتح الباب إلى آخره وطل من الخارج ينظر في الظلام المُحيط بالغرفة ليستمع إلى همهمات تصدر من الزاوية المُخفية عنه فتقدم سريعًا ومن خلفه الشرطة وقد أنارت الغرفة ووقعت عينيه على زوجته..
في الزاوية متوارية عن الأنظار تتلهف للوصول إليه وإلقاء نفسها داخل أحضانه متخفية من الجميع مبتعدة عن كل الأنظار، متواجدة داخل الأمن والأمان والسكن والمكان الوحيد الذي يؤذيها ويحميها..
نظرت إليه بعيون باكية إلى المـ ـوت، وجه مُرهق إلى المُنتهى شفتيها مخفية خلف شال ملتف عليها مربوط من الخلف ليمنعها من الحديث، الصراخ، أو البكاء بصوت مرتفع..
عينيها تحاول أن تقول شيء له ولكنه لم يهتم بل دلف سريعًا إليها رافعًا ذلك الشال من عليها متقدمًا مُلقيًا نفسه في أحضانه أخذها في عناق حاد يكسر الأضلاع وبقوة..
دفنت وجهها في صدره بشراسة وكأنها تود أن تدلف إلى الداخل حقًا، تلف يدها الاثنين حوله تضمه ناحيتها والبكاء مع صوتها يرتفع عاليًا يريد الوصول إلى عنان السماء..
هنا الأمن! هنا السند! هنا البيت الأم! هنا المكان الذي يزعجها ويقودها إلى كل سيء ولكن هو نفسه المكان الذي يُغنيها عن الجميع، هو نفسه الذي يسعدها ويحزنها.. هو كل شيء وأي شيء
حطم أضلعها في ذلك العناق الذي كان يسترد فيه روحه الغائبة عنه، ضغط عليها بقوة وشراسة يستعيد حقه الضائع منه.. أغمض عيناه يتمتم بالشكر لله من المرات القليلة التي يفعلها في حياته..
أبعدها للحظة عنه ينظر إلى هيئتها، ملابسها المُمزقة، وجنتيها الحمراء التي عليها علامات الضرب، أسودت عيناه بشدة وسألها مُحاولًا أن يكون هادئًا:
-أنتي كويسه؟
اومات إليه برأسها وأقتربت منه مرة أخرى تنام برأسها على صدره ثم خرج صوتها خافت:
-واحد واقف ورا الباب، معاه مطوة ومسدس
أعادها للخلف ثانية ونظر إلى عينيها مُحاولًا أن يبث إليها الاطمئنان، أنتظر لحظة وهو ينظر إليها ثم أبعد يده للخلف من ناحيتها يخرج مسدسه الذي وضعه محله..
نظرت إليه بقلق وخوف وهي تتمسك بيده الذي يحاول أن يرفعها:
-متخافيش
فور أن انتهى من جملته استدار بزاوية ظهره كي يكون مسموح إليه رؤيته جيدًا وبلحظة واحده أطلق عليه رصاصة نارية من مسدسه الخاص تعمقت في ركبته فوقع منه مسدسه الذي كان يرفعه لحماية نفسه ووقع هو الآخر على الأرضية صارخًا..
تقدمت عناصر الشرطة التي لم تكن رأته كما لم يراه “عامر” الذي كان مشغول في روحه العائدة إليه، وتقدموا منه وسحب المسدس الذي كان على الأرضية وذلك الرجل الذي بقيٰ يصرخ بعنف..
انتشرت عناصر الشرطة في المكان باحثين عن أي أفراد أخرى هنا معهم وعاد “عامر” يأخذها في أحضانه يسترد أنفاسه المسلوبة منه..
فعلت المثل محاولة أن تأخذ أكبر قدر من الأمان والاطمئنان، قربته إليها بيدها ضاغطه عليه بعنف كي لا يبتعد، مُثبته رأسها على صدره تستمع إلى دقات قلبه التي أصبحت تعود إلى مقرها تخرج بانتظام.. ولكنها! لكنها لن تصل بعد إلى هذه المرحلة..
استمعت إلى صوته الحاد يخرج من بين شفتيه إليها يتسائل بجدية شديدة الخطورة:
-مين اللي عمل فيكي كده
ضغطت بيدها على ذراعه وهي تتذكر ما الذي كان يحاول فعله معها ذلك الرجل الضخم وقد كان سيحدث لو لم يكن استمع إلى صوت عناصر الشرطة وزوجها “عامر” في الخارج..
أجابته بنبرة مُرتعشة:
-خلينا نمشي الأول وهحكيلك
أومأ إليها برأسه ثم أبتعد عنها يخلع جاكيت بدلته عنه ثم وضعه عليها يحاول أن يخفي جسدها الظاهر بعد تمزيق ملابسها، وقف معها مُحتضن إياها يتقدم للخروج من هنا بعد أن أخذ مسدسه معه وتوجهت عناصر الشرطة للتحقق فيما حدث وبدأ مشوار أخر..
في طريق العودة إلى المنزل قصت عليه كل ما حدث معها بداية من حديث “هشام” ثم بعد ذلك حديث ابنة عمه وذلك الرجل الضخم وضرباته القاتلة لها، لم تترك شيء لم تقصه عليه جعلته يشعر بتأنيب الضمير لأن جزء مما حدث لها كان بسببه هو، مع كثير من الدمعات الهابطة على وجنتيها والارتجاف المتقطع والنظرات الحزينة..
كل ما حدث معها وجهته إليه وكأنه يحدث أمامه، فلم يجد أي شيء يفعله أو يقوله سوى أنه سيفعل بهم ما أرادوا فعله بها!.. في القريب العاجل
❈-❈-❈
أخذها والده منه فور دلوفهم إلى المنزل وقص ما حدث عليهم، يجلس على الأريكة في صالون الفيلا وهي جواره منذ أن أتت يحتضن إياها وكل لحظة والأخرى يقوم بتوبيخ ابنه لأنه لم يبلغه بما حدث كان ساعده وفعل أي شيء يستطيع فعله للعثور عليها.. ولكن داخله يقول أنه لو كان يعلم لكان ذهب هو الآخر خلف الآخرين فقط من بعد استماع خبر خطفها.. إنها عزيزة قلبه المتبقية من أحبائه..
قبل أعلى رأسها وهي تستريح به على صدره تستمد الشعور بالأمان منه هو الآخر بعد أن أخذ محل والدها في قلبها وحياتها..
كانت تريد أن تأخذ ولو بعض الوقت القليل لترتاح فيه ولكن عمها لم يجعلها تبتعد عنه وأخذها عنوة عن زوجها لتظل جواره.. نظرت إليه بعينين تسرق ما هو من حقها، وجدته يتابعها من بعيد ونظرات الندم والقلق والحب والعتاب تتهاتف عليها..
فعادت مرة أخرى تهرب إلى مكان آخر بنظراتها، تبتعد بكل ما لديها عنه، كم كانت متناقضة في اللحظات الأخيرة بينهم ولكن مستقرها إلى الآن لا تعرفه..
ابتعدت عن عمها للخلف، نظرت إليه بعينين دامعة قلقة، مُترقبة إجابته بعد سؤالها:
-عمي، بابا فعلًا عمل كده؟ كان بيخون ماما؟
نظر إليها في بداية حديثها يسترق السمع إليها بكل حواسه، ولحظة أخرى وهو يتبين له معالم حديثها أبتعد بوجهه إلى الفراغ ينظر به بنظرات خائبة خائفة ولم يُجيب عليها..
عادت مرة أخرى تتابع بإصرار أن تعلم ما الذي حدث لهم بسبب والدها وهل هو كاذب أم أنها خُدعت بشخص آخر:
-بابا كان السبب في مـ ـوت الست دي؟
استدار إليها صارخًا نافيّا حديثها الغير صحيح والذي به تتهم والدها بأبشع الجرائم:
-لأ.. لأ يا سلمى أبوكي معملش كده.. هي مـ ـاتت بسبب جوزها، مكنتش قادرة على العيشة معاه مش بسبب أبوكي
وقفت على قدميها تنظر إليه بصدمة، معنى ذلك الحديث أن والدها كان خـ ـائن لوالدتها، كان على علاقة بأخرى!:
-يعني كلامه صح! بابا كان بيخـ ـون ماما معاها
جذبها من يدها إليه بنظرات حنونة هادئة وأكثر ما يبدو عليها الإرهاق، أجلسها جواره مرة أخرى وأمسك بيدها ثم هتف بهدوء:
-أقعدي أنا هقولك كل حاجه
تساءلت باستغراب وحاجبيها معقودان:
-تقولي ايه
تابع عينيها بعمق وبدأ في الاسترسال في الحديث يقول إليها ما حدث سابقًا:
-أبوكي أيوه كان بيحبها، بس متكتبتش ليه.. بعدوا عن بعض وهي اتجوزت وهو اتجوز بس للأسف فضلوا على علاقة ببعض لحد جوزها ما عرف بس قبلها كان أبوكي فاق لروحه وبعد عنها
وقفت مرة أخرى تصرخ بعنف وغضب:
-فاق لايه بالظبط.. فاق لايه؟ ما كده كلامه صح
استدارت تنظر إلى زوجة عمها وابنة عم والدها تصرخ قائلة بعصبية وغضب:
-كده هو خاين خان أمي ودمر بيت تاني.. هشام ده مجنون ومعقد بسبب اللي حصله عايز ينتقم مني علشان بابا أنا السبب في دمار بيته وهو كده صح
وقفت زوجة عمها جوارها ووضعت يدها عليها تحاول تهدئتها قائلة بوجه باهت:
-يابنتي اهدي مش كده.. كل ده فات
نظرت إليها بذهول وصدمة دلفت بها من بعد أن علمت أن ليس هناك شخص بحياتها كان في محل الثقة:
-فات إزاي؟ فات إزاي اومال ده ايه.. كل حاجه فاتت هما عملوها بترجع ليا أنا علشان اتعاقب عليها.. طب وأنا مالي يا طنط.. أنا مالي يا عمي
نظرت إلى عامر قائلة بدموع تغرق وجنتيها:
-كده عامر عنده حق يخوني.. عنده حق يخوني مع أقرب الناس ليا مهو أنا أهلي خاينين واستحملوا.. كان لازم يقف قدامي يقولي بتسلى من غير ما يخاف على مشاعري
وقف يقترب منها يخرج صوته الرجولي وعيناه ترسل إليها كثير من الأعذار والاعتذارات:
-سلمى أنا آسف
نظرت إلى عمها وإليه وهتفت بضياع وقلة حيلة:
-آسف على ايه بس.. أخويا خاين، بابا خاين، جوزي خاين.. مجاتش عليك أنت كان لازم تكون زيهم وإلا متبقاش منهم
نظرت إلى عمها مُبتسمة والدموع تتهاتف على وجنتيها وتسائلت بنفس تلك الابتسامة:
-وأنت يا عمي.. مالكش أي سوابق
نظر إليها بشفقة وحزن، لم يستطع كيف يُجيب عليها وكيف يستطيع التخفيف عنها، كيف يجعلها تتناسى كل ما حدث وكيف يشعرها أن القادم أفضل..
وقف خلفها “عامر” يتمسك بذراعيها وهمس قائلّا بجانب أذنها:
-سلمى تعالي.. أنتي محتاجه ترتاحي
ابتعدت عنه صارخة بصوت مُرتفع وجسدها مُتشنج للغاية وعروقها بارزة:
-ارتاح فين؟ هي فين الراحة دي
تابعت بصراخ تنظر إليه بحزن يطغى على جميع خلاياها:
-قولي أنت أنا عملت ايه وحش في دنيتي؟ والله معملتش.. مستاهلش كل ده والله
استمعت إلى عمها يأنب نفسه خلفها بصوت نادمًا يخرج مرتعش:
-أنا كنت عارف أن ده اللي هيحصل.. كان لازم ابعدك عنه بنفسي مكنش ينفع اسيب عامر يتعامل معاه.. كنت عارف إنه جاي ناوي على شر
أقترب منه عامر متابعة باستغراب وذهول تام ثم قال:
-كان لازم تقول.. سألتك كتير تعرف ايه وأنت مقولتش.. مكنش المفروض تسيبني على عمايا كده
رفع عينيه عليه وأعترف بخطأه قائلًا:
-أنا اللي غلطت.. أنا يابني
أشارت إلى “عامر” ضاحكة تخالط الضحكة أصوات البكاء والنحيب:
-واحد كان بيخوني مع صاحبتي وعارف أنها عايزة تنتقم مني وساكت
ثم أشارت إلى عمها وأكملت بنفس الطريقة الضاحكة الباكية والسخرية توازيها:
-والتاني عارف أنه عايز يأذيني مش يتجوزني وساكت
تعمق بعينيها وغاص بها، يعلم أن ما تقوله صحيح لقد أخطأ الجميع هنا بحقها، لقد كانت هي الضحية من وسط الجميع، قال عمها بتوعد:
-أنا مش هسكت يا سلمى يا بنتي، من بعد ما عرفت إن هما اللي قتلوا أخويا ماينفعش أسكت
تفوهت بكلمات مُستنكرة:
-ونفضل طول العمر جوا دايرة الانتقام دي ومحدش بيتأذي منها غيري؟
ابتعدت عنهم إلى الخلف ونظرت إليهم واحدّا تلو الآخر بعينين باكية وشفتين ترتعش وبوجه مرهق وصوت بكائها يقطع نياط القلب قالت:
-أنا أكتر واحدة اتأذت في البيت ده.. فقدت أهلي في لحظة، واحد ورا التاني يطلع خاين وكداب، ماليش صحاب، ماليش أهل، الوحيد اللي حبيته في حياتي عينه شايفه كل الستات مع مراته، الوحيد اللي رميت قلبي في حضنه رجعهولي مهروس تحت جزمته.. أنا اللي وحيدة هنا، مش لاقيه مكان ولا أمان، أنا اللي بتعاقب على أخطاء غيري
لم يستطع أحد منهم الحديث، لم يقوى على ردعها عن حديثها، ولم يقوى عن تبرير موقفه معها، نظر إليها بحزن، قلبه يبكي لأجلها، لأجل أنه ظلمها معه، دمر حياتها بقربه منها..
أخذ سعادتها وبدلها بحزن كما قالت له، ولكن إلى الآن لا يعترف بأي شيء سوى أن “سلمى القصاص” لا تناسب إلا “عامر القصاص” مهما كانت تعيسة ومهما كانت وحيدة.. هي لا تناسب غيره
ابتعدت عنهم تصعد على الدرج لتكن وحدها في الأعلى تاركة خلفها كل من كذب وخانها، أو تحاول فعل ذلك، فهى حتى لو تركتهم رأسها لن يفعل وعقلها لن يتوقف عن التفكير وقلبها لن يصمد أمامها.. روحها النازفة لن تتوقف…
وصلت إلى مكانها، غرفتها وفراشها ذلك المكان الذي جمعهم سويّا كثير وكثير وكثير من المرات، هنا كانت ترى الحب على هيئة أشكال وألوان، هنا كانت ترى عينيه ولمعتها الخالصة بالوفاء لها، تستمع إلى الكلمات الغرامية من شفتيه وتشعر بلمسات الفراشة الطائرة على جسدها المحملة بعطور العشق..
جلست على الفراش، بينما كانت تجلس تحول عقلها إلى قضية أخرى يفكر بها غير قضيتها معه، والدها! لقد كان لها المثل الأعلى، الأب والشقيق والصديق وأول من أحبته، لقد كان سندها، مستمع لاسرارها..
كان والدها السبب الأول في زواجها من عامر، لحظة!..
ضيقت ما بين حاجبيها ونظرت في الفراغ تملي على عقلها أن والدها كان يلقيها لـ “عامر” بأي ثمن فقط لأنه حرم من حبيبته؟ جرب ذلك الشعور وأخذ الفقد سبيلًا فلم يريد أن يجعل ابن أخيه الذي كان بمثابة ابنه يجربه فألقى ابنته إليه وهو يعلم أنه ليس مؤهل لذلك!
حاول عمها منعه وهو على دراية تامة بابنه ولكنه كان يوافق كمثلها! كانت هي فتاة غير ناضجة ولكن هو كان رجل عاقل واعي لكل شيء، كان يرى “عامر” الذي يفعل كل ما هو محرم ومع كل ذلك وافق على الزواج في كثير من المرات إلا عندما هي قالت لا..
كان والدها يحبه أكثر منها، كان والدها خـ ـائن، كان والدها كاذب، وكان السبب في عذاب طفل ودمار عائلة وضياع شاب..
كان السبب في أن يقع قلبها قتيلًا.. كان والدها
وجدته يدلف إلى الغرفة، أقترب منها وجلس جوارها، نظرت إليه مُبتسنة بسخرية ها هو الفراش يجمعهم ثانيةً..
استمعت إلى صوته يقول بنبرة لينة مرهقة:
-أنا مش هحاول اتكلم معاكي حتى، أنا كل اللي طالبة إنك ترتاحي وبعدين نعمل اللي أنتي عايزاه
أجابته بجدية، بنبرة واثقة غير دامعة وبقوة تنبع من داخلها وكأنه لم يكسر منذ لحظات:
-اللي أنا عايزاه هيحصل سواء ارتحت ولا مرتحتش
تنهد بصوت مسموع ونظر إليها راجيًا العفو:
-سلمى أنا آسف.. والله العظيم آسف اوعدك من النهاردة هتشوفي واحد تاني.. اللي حصل مش شوية عليا صدقيني
تابع قائلّا بحب ينبع من داخله عندما وجدها لا تُجيب:
-أنا بحبك يا سلمى، والله العظيم من يوم ما اتجوزتك وأنا عيني حتى ما جات على واحده.. سلمى أرجوكي اللي بينا أكبر من كل ده
نظرت إليه، ابتسمت بهدوء وتسائلت:
-هو فين اللي بينا ده؟
عاد للخلف برأسه واعتدل في جلسته يتسائل هو الآخر:
-يعني ايه
وقفت على قدميها تتابعه بعيون قاتلة هي من تود الانتقام من كل شخص جعلها فقط ترهق نفسها بالتفكير:
-يعني خلاص كده اللي بينا ده أنا حتى مش فكراه
وقف هو الآخر أمامها، كرمش معالم وجهه وتابع برجاء وقلق:
-أنتي بتقولي ايه.. سلمى اهدي وارتاحي دلوقتي
تحركت من أمامه وهي تخلع جاكيت بدلته عنها الذي معها إلى الآن ألقته على الفراش وتابعت وهي تذهب إلى المرحاض:
-مبقاش في راحة خلاص.. انسى
تابعها وهي تبتعد تدلف إلى المرحاض، جلس مرة أخرى مكانه وعقله يكاد ينفجر بسبب ما حدث اليوم له ولها، بسبب أنه لا يعلم ما الذي تفكر به.. أتريد الانفصال؟ لا لن يفعلها مهما حدث.. لن يحدث ذلك إلا عندما يموت..
لقد تأذت كثيرًا وعانت بحياتها معهم وهي كانت كالوردة في بستان أشواك..
تحولت ملامحه إلى أخرى شرسة وتوعد لكل من فعل بهم شيء، ليس اليوم سيرده ولكن في الصباح الباكر سيحدث.. وهنا هو يعني الصباح الباكر..
❈-❈-❈
“اليوم التالي”
بعد أن تم القبض على “هشام” ابن عمها عادت إلى المنزل سريعًا والخوف يهلع داخلها، منذ الأمس وهي لا تستطع التفكير بأي شيء، تخاف أن يقوم بالاعتراف عليها وقول أنها شريكته بهذه المؤامرة، وهذا إن حدث ستكون انتهت لا محال..
يدق قلبها بعنف ولهفة خائفة، التوتر لم يتركها منذ تلك اللحظات الأخيرة، تود أن تستمع إلى الأخبار السعيدة كأن “سلمى” مـ ـاتت أو كأنها اغتصـ ـبت، تترق أذنها للاستماع لمثل هذه الأخبار وإن حدث سيذهب كل التوتر والخوف من أن يبلغ عنها ابن عمها..
لقد كانت هي العقل المُدبر لكل ما حدث، لقد كانت هي صاحبة فكرة ذلك الرجل الذي تركوه معها ليأخذ منها أعز ما يملكه “عامر”، الانتقام من “عامر” ليس بهذه السهولة، لقد بقيت سنوات وسنوات معها لتستطيع الوصول إلى هذه اللحظة وها قد وصلت إليها ونالتها ولكن ابن عمها كان هو الغبي عندما أخذها ولم يفكر حتى بتفتيشها..
انقطع حبل أفكارها ووجدت باب منزلها يُطرق، دق قلبها معه ووقفت بخوف وتوتر، ارتبكت بشدة وهي ذاهبة بقدمين ترتعش خوفًا من أن تكون الشرطة..
وقفت خلف الباب ونطقت بشفتين ترتعش مُتسائلة:
-مين
أتاها صوت خشن من رجل غليظ يهتف بجدية:
-اوردر مبعوت لواحدة اسمها إيناس الصاوي
فتحت الباب بعد أن تنفست الصعداء فهي لم تكن تعلم أن هذا هو الطُعم الذي سيأخذها به، نظرت إليه فلم تجد معه شيء وفي لحظة غير ملحوظة وجدت الباب يُدفع ومن خلفه يدلف اثنين من الأشخاص الآخرين..
صرخت بعنف عندما تبين لها ما الذي سيحدث وذهبت إلى الداخل ركضًا لتحتمي منهم، أسرعت في الركض إلى غرفة النوم محاولة غلق الباب خلفها ولكنها لم تستطع حيث أنه دفع الباب بجسده الضخم العريض كمثل ذلك الرجل الذي أتت به إلى “سلمى” ولكن الاختلاف هنا أنهم ثلاثة أشخاص كل منهم بجسد ضخم كمثل أجساد المصارعين ووجوههم يبدو عليها الإجرام..
عادت للخلف سريعًا والهلع يقتلها ونبضات قلبها تكاد أن تتوقف من سرعتها، أنفاسها مسلوبة منها دون إرادة وعقلها توقف تماما عن التفكير..
تمسكت بمزهرية أعلى الكومود بجوار الفراش وقامت بالقاءها عليهم صارخة بعنف ولكن واحدًا منهم قد التقطها بيده وابتسم إليها ضاحكًا..
تقدم منها مُمسكًا إياها بعنف وعصبية يكبلها بيده بينما أتى واحدًا غيره يضع لازق على شفتيها حتى لا تستطيع الصراخ.. ثم بعد ذلك دفعها على الفراش بعنف وتقدم الثلاثة ليقفوا أمامها بطريقة مُرعبة ومُخيفة..
هتف أضخم من فيهم بابتسامة عريضة ساخرة:
-قبل الحفلة ما تبدأ علشان احتمال تموتي.. بيقولك الباشا عامر القصاص ده اللي كنتي عايزة تعمليه في مراته.. محبش يخلي نفسك في حاجه وأهو بيردهالك
مع آخر جملة له انقض عليها هو ورفقته كالذئاب البشرية ينالوا منها بطريقة مقززة لا تتناسب مع أي فتاة مهما كانت تفعل، انقضوا عليها بأسنانهم وأيديهم وفكرهم في أن يخرجوا من هنا وقبل أن يفعلوا طلبات من أمرهم يمتعون أنفسهم بما هو محرم عليهم..
جعلوا من جسدها مسخ، مشوه ومقتول تحت محاولات ضعيفة للغاية منها بأن يتركوها ولكن ذلك لن يحدث، تحت دمعات تخرج ساخنة تلهب وجنتيها دون النحيب..
نال منها “عامر القصاص” بطريقة قاسية للغاية لا يتمناها أحد لألد أعداءه، نال منها بشراسة وعنف، فعل بها ما كانت تريد فعله بزوجته ولكنه ضاعف العدد والعدة، ضاعف كل شيء لها لتقوم من أسفلهم متجهة إلى الأمـ ـوات..
نال منها بطريقة مقززة وحشية، قد أخطأ هذه المرة في تفكيره ولكن ما خرج منه ما هو إلا قليل مما شاهده على يدها..
ما فعله ما هو إلا “كل ساق سيسقى بما سقى”
بعد وقت ليس بقليل نال فيه كل منهم ما أرادوا منها وتمتعوا بها على أكمل وجه، ذهبوا وتركوها وحدها بجسد ميـ ـت وعقل عقيم لا يستطيع التفكير..
تركوها بيدين مكبلة رغم أنها حرة ولكنها لا تستطيع تحريكها..
ظلت لوقت طويل تبكي وتبكي وتبكي دون صوت، تنظر إلى سقف الغرفة وتتذكر ما حدث لها بطريقة بشعة لا ترضي أحد..
روحها سُلبت منها هذه المرة، قلبها دقاته تتألم قبل منها وهناك ألم بجسدها لم تشعر بمثيل له من قبل ولن تشعر به..
رفعت يدها ببطء تزيح عن شفتيها ذلك اللازق وفور أن رفعته بدأت في البكاء العالي والنحيب المستمر لفترة طويلة والألم يشتد عليها كل لحظة والأخرى..
كثير من الوقت وهي هنا في الفراش المتسخ من كل جانب تبكي وتنتحب وتندب حظها العثر الذي اوقعها مع “عامر القصاص” لقد كانت تعلم أنه ليس سهل أبدًا ولكن ليس لهذه الدرجة..
حاولت أن تبتعد عن الفراش واقفة ولكنها لم تستطع، وقعت على الأرضية فزحفت على جسدها المهترئ إلى أن وصلت إلى الكومود بجوار الفراش ولأن عقلها عقيم في تلك اللحظات أخرجت منه علب من الأدوية الكثيرة ولأنها رافضة واقعها بقوة ومعارضة على ما حدث لها.. ولأنها تعلم أنها لن تستطيع التكملة بهذه الطريقة بعد أن نال منها “عامر” بدأت في سكب الدواء على يدها بطريقة مبالغ فيها وتذهب بيدها إلى فمها لتبتلعه..
مرة وخلفها الأخرى والأخرى من أدوية مختلفة وبطريقة جنونية رافضة الواقع وكل ما به، ثم تركت كل ذلك وتمددت على الأرضية تكمل وصلة البكاء التي بدأت والغير منتهية إلى أن تذهب للبعيد..
لحظات وأخرى والألم بدأ أن يشتد أكثر عليها غير آلام جسدها ولحظات والأخرى غابت عن هنا، لتلقى حتفها بعد أن خسرت دنيتها وأخرتها.. بعد أن دلفت في تجارة خاسرة منذ البداية ولكن المكابرة كانت أسلوب حياة معها.. والآن تركت كل شيء بعد أن نالت العقاب الأكبر بحياتها..
❈-❈-❈
توجهت عناصر الشرطة إلى منزل إيناس للقبض عليها بعد أن قام “هشام” بالاعتراف عليها وقول كل ما هو كان مخفي منذ البداية حيث أن “عامر” قام بالتوصية الشديدة عليه فمنذ أن دلف إلى هناك وهو تحت ضغط وعذاب لا نهائي لا يتحمله أحد..
وجدت الشرطة “إيناس” التي كان عليها علامات التعدي واضحة للغاية وهنا بدأت جريمة أخرى وقضية أخرى غير الذي هم تواجدوا لأجلها..
تم القبض أيضًا على والد “هشام” بعد أن قام ابنه بالاعتراف عليه هو الآخر وقول أنه هو من قتل عائلة “أحمد القصاص” وبعد أن تم القبض عليه وعلم أن ابنه اعترف لم يخفي هو شيء بل بدأ في الاسترسال قائلًا كل ما حدث ولأنه وقع بالجرم وشعر أن النهاية أقتربت للجميع أعترف أيضًا أنه هو من قام بقـ ـتل زوجته وما حدث لم يكن انتحـ ـار بل هو من فعل ذلك وجعل الجريمة تظهر وكأنها هي من فعلت ذلك..
تركت القضية بايدي الشرطة مع توصيات واصلة من “عامر” وهذا أيضًا بعد أن دونت قضية “إيناس” ضد مجهول..
لقد نال من الجميع، نال من كل شخص عبث بحياته معها بعد أن شكر الله لوجوده جوارها، نال من كل شخص أراد التفريق بينهم، نال من كل من أراد أن يمسها السوء في وجوده.. صمته كل ذلك الوقت لم يكن ضعف ولكنه يحب الصبر والهدوء، صحيح لم يكن يعلم أن الأمور ستصل إلى هنا ولكن هو يستطيع أن يعالجها بالطريقة الصحيحة القاسية والشرسة حتى لا ترد إليه مرة أخرى..
بعد ذلك مر شهر، واثنان، ثلاثة أشهر، أربعة أشهر.. واحدًا تلو الآخر يمر إلى أن أصبحوا ستة أشهر، نصف عام كامل وهم كل واحدًا منهم في درب مختلف..
كانت تجمعهم دروب قسوته ولكن “سلمى” أعلنت رفضها التام لتلك القسوة معه فتفرقت الدروب وذهب كل منهم في درب مُختلف بعيد عن الآخر كل البعد.. منهم من يريد العودة وتجديد اللقاء في بداية الطريق مغيرًا اسم الدرب من القسوة إلى السعادة ولكن الآخر يرفض ذلك رفضًا قاطعًا مقررًا أن الفراق هو الحل الوحيد وليس هناك محل للملتقى في الطرق الجديدة..
بعد أن تمت محاكمة كل من “هشام” ووالده محاكمة قاسية يأخذ كل منهما فيها جزاءه على كل ما فعله في حياته طالبت “سلمى” بالبعد إلى فترة لا تعلم ما هي.. وقد كان في هذه اللحظات ولبى لها زوجها هذا الطلب غير قادر على رفضه لأنه يعلم أن ذلك في تلك الفترة هو الحل الأمثل إلى كليهما وإليها هي بالتحديد لأنها تود أن تكون بعيدة عن الجميع وتأخذ قسطًا من الراحة وحدها محاولة أن تسترد نفسها مرة أخرى وتعود “سلمى” من جديد لمواجهة الحياة وتحديها وتحمل الصدمات القادمة..
لم يكن يعلم عندما ترك الفيلا وذهب إلى شقة أخرى يجلس بها وحده بعيد عنها أن تلك الفترة ستذهب بهم إلى هنا.. ستة أشهر وهو بعيد عنها لا يستطيع حتى المزح معها أو الإقتراب منها، أو لمسها بيده
كل ما كان مسموح له فعله هو الإتصال بها والاطمئنان عليها، إن فعل أكثر من ذلك يذهب إلى الجمعية الخاصة بها أو يذهب إلى الفيلا ليرى الجميع ومنهم والده الذي تحسنت علاقته به كثيرًا..
كان محرم عليه منها الصعود إلى الأعلى لجناحهم الخاص.. كانت كالغريبة عنه وكلما طالب بالعودة مرة أخرى رفضت رفضًا قاطعًا وتهتف بأنها لا تستطيع فعل ذلك وربما تطالب بالطلاق منه!…
فيعود ليصمت مرة أخرى ولا يتحدث حتى لا يحدث أشياء لا يردها..
وفي تلك الفترة أيضًا، أصبح “عامر” أكثر جدية، أكثر ثقة، أكثر حب وأكثر اشتياق لها، تغير مئة وثمانون درجة عن “عامر” الذي تعرفه وأصبح رجل أخر حكيم هادئ ولا يفعل إلا ما تريده ولتظهر الحقيقة أكثر هو تغير مئة وثمانون درجة ولكن هناك بعض الصفات السئة مازالت به بنسب بسيطة.. كأنه مازال يشرب الخمر، مازال يدخن، مازال ينظر إلى النساء بعينيه الوقحة، مازال وقح ويتبجح ولكن بنسب بسيطة.. ليس كالسابق..
حاول أن يظهر إليها ذلك لتعود إليه راضية عنه وعن حياتهما معًا، حاول لتعود الثقة به على الرغم من أنها لم تكن موجودة من الأساس ولكنه حاول فعل كل شيء لتكون راضية عنه..
بينما هي في حين محاولته هذه كانت تحاول أن تعود طبيعية، تتناسى مع حدث معها من كل شخص منهم، تمر بسلام من فترة الاكتئاب الحاد التي دلفت بها، تحاول أن تكون “سلمى القصاص” تلك الفتاة الرائعة التي ظهرت في بداية روايتها..
تبدل عيونها الباكية الزابلة بعيونها الزيتونية الرائعة، تبدل شفتيها الرفيعة بتلك المُكتنزة الوردية، تحاول أن تعود بوجنتيها المُمتلئة ومظهرها الرائع الخلاب، عقلها الصافي وروحها المرحة..
قلبها المُحب له، الذي يدق إليه وبه، الذي يشعر به وله، الناطق بكلمات الحب والغرام فور الاقتراب إليه..
تحاول أن تعود بكل انش بها إلى طبيعته.. أن تكون “سلمى القصاص”
❈-❈-❈
ركضت سريعًا حافية القدمين على الأرضية الرخامية ترتدي شورت قصير وتيشرت أبيض بحمالات رفيعة وأسفلها المياة تكاد أن تأتي بها على ظهرها، ولكنها أكملت بضحكات عالية مُرتفعة إلى السماء ووجها يبتسم بسعادة مع دقات قلبها الفرحة والقلقه ثم أتت نهاية الأرضية لتلقي بنفسها في حمام السباحة بطريقة رائعة قافزة إلى الأعلى ثم إلى المياة..
ومن خلفها أتى هو من الداخل يركض بشورته الداخلي ليصل إليها ثم صرخ بتوعد مُتهكمًا:
-وحياتك لو رميتي نفسك في المالح.. وراكي
قفز خلفها وبنفس الطريقة التي فعلتها فأخذت تسبح إلى الناحية الأخرى لتبتعد عنه، نظرت خلفها لتبصره وهي تضحك بصخب ولكنها لم تراه فوقفت في المنتصف تهتف بانزعاج:
-عامر متستهبلش.. أطلع
لم يظهر نفسه إليها ولم يصعد إلى أعلى الماء فزفرت بضيق وعادت بخصلاتها الغارقة في الماء إلى الخلف وصاحت:
-متبقاش غتت أطلع بقى
ظهر من أسفل المياة أمامها بالضبط مُمسكّا بخصرها بقوة فصرخت بفزع وهي ترى خصلاته تهبط على جبينه ومظهرها بشع للغاية، تابعها بخبث وهو يأخذ أنفاسه هاتفًا:
-غتت وجوا كنت خنيق، ومن لحظة واحدة مفتري
ضحكت بسخافة وهي تنظر إليه تحرك أهدابها بطريقة مُضحكة تنم عن تراجعها عما قالت له ورفعت يدها الاثنين تعود بخصلاته إلى الخلف لتعدل من مظهره البشع فاستمعت إلى نبرته الماكرة:
-أحاسبك على ايه بالظبط بقى الأول؟ شوفتي أنا طيب إزاي بخيرك أهو
ضغط على خصرها أسفل المياة بيده فاستمع إلى تاوه خرج من بين شفتيها الضاحكة بسخافة، أقتربت منه تحاول بطريقة أخرى تعلم نتيجتها:
-ما الطيب أحسن
ابتسم باتساع وهو يقترب منها ينظر إلى شفتيها بعبث مُتحدثًا بلين ولهفة:
-أنا بقول كده بردو
أقترب أكثر إلى أن وضع شفتيه على خاصتها يقطف منها قبلة بها رحيق العسل والورود رائعة المظهر والرائحة مع طعم أول قطفة..
عادت برأسها بعد لحظات وقالت مُتسائلة تنظر إلى عيناه بجدية:
-هنرجع القاهرة امتى.. عمي كلمني كتير بيقول إن الشغل مش ماشي وإحنا اتأخرنا
قربها مرة أخرى هاتفًا أمام شفتيها وهو يحصل عليها ثانية بطريقة أخرى أكثر صعوبة عليها:
-سيبك منه، يقول اللي يقوله
دفعته للخلف وصاحت بضيق واضعة يدها على صدره العاري:
-حاسب الله
رفع إحدى يديه إلى خلف رأسها كي لا تنال فرصة الابتعاد مرة أخرى وتفوه بعبث معها:
-يبقى متبعديش وأنا أحاسب وحياتك
تحدثت سريعًا قائلة قبل أن يعود وينال منها مرة أخرى:
-استنى بس.. إحنا المفروض نرجع علشان تلحق تشتغل علشان هدى اتفقت معايا أننا نطلع كلنا سوا مرة تانية
تركها ونظر إليها بجدية وأردف قائلًا بصوت جاد:
-لأ
استغربت رفضه فتابعته وتسائلت:
-ليه
أبتعد عنها وذهب إلى الحافة ثم خرج من المياة وجلس على المقعد أمامها والمياة تتساقط منه من كل جانب، مد يده إلى الطاولة الصغيرة أمامه وأخذ من عليها علبة السجائر الخاصة به ليقوم بتدخين واحدة وهتف قائلًا بعد أن تسائلت مرة أخرى:
-علشان أنا ماصدقت إن تامر مشي من الفيلا هو وهدى، مش عايز أنا أي اختلاط معاه ولا مع غيره وبعدين إجازة يعني بحر وجو وقلع زي دلوقتي كده ولو معانا مش هنعرف ناخد راحتنا مبالك بالكل بقى هدى وتامر وعمك ومراته.. لأ لأ مش سكتي أنا أحب ابقى معاكي لوحدي
أقتربت من الحافة وظلت في المياة واستندت عليها بيدها تتابع ما يقوله وأكملت خلفه قائلة:
-بس كده هيزعلوا وبعدين تامر مشي من الفيلا من زمان أوي أوي ده تقريبًا قبل ما نبعد
أخرج دخان سيجارته من فمه وأجابها بعينين وشفتين جادة وقحة:
-يزعلوا
خرجت من المياة وأقتربت منه قائلة بتهكم:
-ما تبطل سماجة بقى
دهس السيجارة بيده في المنفضة أعلى الطاولة ثم جذبها إليه ليجلسها على قدميه الاثنين وقربها منه قائلًا بخبث وعبث:
-ما تسيبك منهم وتركزي معايا.. ايه رأيك في الأيام اللي فاتت هنا أنا وأنتي والشيطان تالتنا لوز اللوز مش كده
كرمشت ملامح وجهها وهي تقول باشمئزاز كالعادة على حديثه الغريب:
-لوز اللوز؟ بيئة
وقف حاملًا إياها يدلف إلى الداخل وهو يؤكد عليها:
-أوي.. أنا بيئة أوي وهأكدلك دلوقتي
انزعجت بقوة وهي تصيح صارخة تحرك قدميها في الهواء تحاول الابتعاد عنه:
-تاني!؟
اختفي بها في الداخل وصوته يرتفع أمام شفتيها بلهفة وشوق:
-وعاشر
مرة أخرى ينال منها ومن كل ما بها، يحاول أن يأخذ القدر الكافي الذي يكفيه ولكنه لا يصل إلى هذا الحد، لا يكتفي ولا يشعر بالارتواء، كل مرة كأنها الأولى، كل لحظة كأنها الأولى والمشاعر متجددة في كل المرات..
كل همسة ولمسة تصدر منه إليها تشعر بأنها فراشة لا تطير إلا في البساتين المرفهة الغالية، في الحدائق الخاصة الرائعة..
كل نظرة تشعرها أنها عصفورة نادرة تُسر أعينه كلما نظر إليها..
كل كلمة تخرج من بين شفتيه الرفيعة تشعر بالحب الخالص والغرام الذي لا مثيل له..
غمزة عينيه لها في اللحظات العصيبة وسط العائلة تشعرها بالخجل المميت على الرغم من أنها تخلت عنه معه..
كبداية زواجهم تحولت حياتهم مرة أخرى إلى السعادة والحب، الفرح والغرام، الثقة والابتسامات..
كبداية أول نظرة حب لهم في الطفولة، عادت مرة أخرى وكأنها الأولى في كل مرة وكل لحظة..
كانت طفولة مُرهقة بالحب والقسوة تبدلت إلى قسوة الأيام ومرارة الفراق، ومن بعدها كان الفراق فراق مسافات، ثم أصبح فراق أرواح، تعاشت مع ذلك فدام الألم للمُنتهى، حاولت التغاضي عنه، التعايش معه وقبول صدماته وما به ولكن تلك الانتفاضه التي شعر بها القلب في لحظة خوف كادت أن تقتله فسريعًا حاولت أن تداويه واختارت الحُب وهو، دام الحُب ورحل هو، ومع رحيله دونها حاول سلب روحها الخائنة معه فلم يستطع، لحظات وسُلبت منه روحه، شعرت بعد ذلك أن هذه ربما تكون البداية السعيدة، أو النهاية القاسية، فلم تجد منه إلا حب مفعم بالهوس والجنون، لتلتقي بالجنون الأكثر على الإطلاق وتقابل من الحب ما قتـ ـل، ولكنه علم براءتها وظهر له نقاء روحها فأمسك بيدها وفي لمحة خاطفة أعاد بها من المـ ـوت إلى السعادة، ولأن السعادة لا تدوم رأت من لعن اسم الحب فور تركها له، كل هذا كانت محطات مرت عليها معه في الفصول السابقة من حياتهما ولأنه يعترف أنه لا يساوي أي شيء دونها.. لأنه يعلم أنه “عامر القصاص” لا يكون هو إلا بها ترك كل شيء وعاد بقلبه وروحه وعمره على يده يطالب بالقرب منها والسماح الأخير والنظرة المُحبة..
يطالب بالاستماع إلى همسة عتاب ولمسة حب منها، يطالب بكل الحب والغرام الذي تركه معها ولها ليتمتع به بين أحضانها..
إنه “عامر القصاص” يطالب بالرحمة من معشوقة قلبه وروحه، يطالب أن تبادله هوسه وجنونه في حبها، يطالب بألا تتركه لأنه.. لا يكون دونها، أنها النصف الآخر والتكملة الكونية له، أنها نصف روحه وكل قلبه، والأحبال المسؤولة عن التفكير داخل عقله.. أنها “عامر القصاص” وكل ما به.. أنها رفيقته أثناء السير “في دروب قسوته”
❈-❈-❈
“تمت بحمد الله”
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)