روايات

رواية بين دروب قسوته الفصل الخامس عشر 15 بقلم ندا حسن

رواية بين دروب قسوته الفصل الخامس عشر 15 بقلم ندا حسن

رواية بين دروب قسوته الجزء الخامس عشر

رواية بين دروب قسوته البارت الخامس عشر

بين دروب قسوته
بين دروب قسوته

رواية بين دروب قسوته الحلقة الخامسة عشر

“ربما البداية السعيدة، أو النهاية القاسية”
اقتحمت الصدمة قلوب الجميع في المنزل بعد استماعهم للكلمات البسيطة التي هتفت بها تلك الفتاة ذات المعاني الكثيرة، هبت “هدى” واقفة على قدميها تصرخ بها باستنكار تام ومن خلفها والدها ووالدتها، “سلمى” والجميع ينظر إليها بعينين مُتسعة رافضة ما تقوله..
بقيٰ”عامر” جالسًا يطالعها بعينين قوية من رأسها إلى قدميها يُقيم هيئتها الماثلة أمامه في محاولة منه لفهم ما الذي تتفوه به وهل هو صحيح أم مجرد افتراء على ابن عمه الراحل “ياسين” وأي شخص منهم يعرف “ياسين” جيدًا سيقول وهو متأكد مليون بالمئة أن ذلك افتراء وكذب ولا يصدق وحتى لو خرج “ياسين” بنفسه من قبره وأعترف على نفسه، إنه كان رجل حكيم، عاقل، لا تُغريه النساء وكان يحب شقيقته كثيرًا وأراد الزواج منها وفعلها ولم يكن يرى غيرها، كان يراه في عمله جاد صارم مع الجنس الآخر ولا تهتز له خصلة معهم على عكسه تمامًا مرح ويمزح مع النساء في العمل كثيرًا.. ما هذا الهراء!..
تقدمت منها “هدى” بخطوات واسعة حادة تدب في الأرضية وعينيها عليها بثبات وحدة واقتربت منها واقفة أمامها بالضبط ثم صاحت بشراسة وعنفوان:
-بتقولي ايه؟ مرات ياسين مين؟ ياسين مين ده اللي مراته ها أنتي بتقولي ايه أنتي
أجابتها بثبات ونظرت إليها هي الأخرى بقوة تبادلها الجدية والتأكيد على حديثها:
-بقول الحقيقة، أنا غادة يُسري مرات ياسين أحمد القصاص جوز حضرتك وأخو حضرتها
أنهت جملتها وهي تُشير بيدها إلى “سلمى” الذي تقف في الخلف لم تبدي أي ردة فعل فقط تنظر إليهم..
صرخت بها “هدى” بعصبية ووجهها أصبح لونه أحمر قاتم بسبب غضبها الذي شعرت به من تلك المجنونة:
-أنتي مجنونة ولا إيه أمشي اطلعي بره أنتي بتقولي ايه
تقدم والدها رؤوف منها وهو يردف بصوتٍ جاد في محاولة منه لفهم الأمر:
-اهدي يا هدى يا بنتي خلينا نفهم
عقبت بسخرية وغضب ناظرة إليها بعنفوان:
-تفهم ايه يا بابا دي بتقولك مرات ياسين
أكملت وعينيها تقابلها مُباشرة قائلة بسخرية لاذعة:
-يا ترى بقى اتجوزتي ياسين امتى امبارح ولا من شهر ولا من سنة ولا تكونيش اتجوزتيه في الجنة
وضعت الأخرى يدها الاثنين أمام صدرها ووقفت بجدية أمامها مُعقبة بوضوح:
-أنا مرات ياسين القصاص من تلت سنين، يعني قبلك ومعايا قسيمة جواز وأصلية والآنسة سلمى أخته اتأكدت منها وأهي عندكم تقدروا تسألوها
أغمضت “سلمى” عينيها بقوة تعتصرهما بألم شديد في قلبها، لقد وضعتها تلك الحقـ ـيرة في موقف لا تحسد عليه أبدًا، تعلم الآن أن الأعين تنصب ناحيتها في ذهول تام مُستنكرين كيف لها أن تكون على علم بأن شقيقها مُتزوج من أخرى غير ابنة عمه!!
فتحت عينيها لتجد كما توقعت عيون الجميع تقع عليها وأولهم “هدى” الذي قابلتها بعينين مذهولة دامعة، والخذلان يتألق في اللؤلؤ المتجمع في مقلتيها ولكنها والله لم تكن تعلم بشيء إلا عن قريب.. لم تكن تعلم!..
أبعدت عينيها عنها لتجد “عامر” هو الآخر يتهمها بعينيه ويقول كثير من الأشياء المخفية داخله، عن كون شقيقها خائن، وعن كونها أخفت ذلك الأمر أيضًا وعن كونها خائنة هي الأخرى وسيصاحبها ذلك دائمًا..
صرخت “هدى” ثانيةً بعدم تصديق وهي تتقدم من تلك الفتاة تتمسك بذراعيها بقوة:
-أنتي كدابة إزاي ياسين اتجوزك قبلي.. ولو ده حصل كنتي فين.. كنتي فين كل ده وكنتي فين لما مات
سارعت “سلمى” في سيرها لتقف جوارها ثم أمسكت بيدها الاثنين المُمسكة بهم الفتاة تطالبها بأن تهدأ وتبتعد بصوت خافت هادئ:
-هدى الموضوع مش زي ما أنتي فاهمه اهدي
نفضت يدها عنها بقوة ونفور ونظرت إليها بقهر وضعف شديد ولكنها صاحت بشراسة:
-ابعدي عني يا سلمى.. كنتي عارفه إن أخوكي متجوز، كنتي عارفه ومقولتيش.. متجوز قبل ما يتجوزني!
لم تعطِ لها الفرصة لتجاوب بل أجابت هي بسخرية لاذعة وقسوة ضارية:
-هقول ايه ما أنتي متعودة على الخيانة
بادلتها النظرات المُتألمة، لما لا يشعر بها أحد؟ إنها في الداخل تحـ ـترق لا هذا ليس احتـ ـراق هناك تخبط في المشاعر يساعد في الداخل على توليد الإنفـ ـجار الذي يتبعه إنهيار تام لكل خلية بها..
هنا تحدثت “غادة” التي تدعى أنها زوجة ابن عائلة “القصاص” قائلة بجدية:
-الموضوع مش زي ما أنتي فاهمه، ياسين اتجوزني شهامة منه مش حاجه تانية وكان هيطلقني بعد الجواز على طول على فكرة وأظن إنك طول الفترة اللي فاتت دي محستيش بوجودي قبل جوازك ولا بعد جوازك لأنه كان معاكي أنتي مش أنا.. متكبريش الموضوع
صرخت بها بقوة وضراوة والشراسة تنبعث من عينيها:
-موضوع ايه ده اللي مكبروش يا بني آدمه أنتي.. جاية تقوليلي جوزك كان متجوزني ومكبرش الموضوع أنتي مجنونة
أكدت “غادة” حديثها بجدية وثبات وهي تنظر إليهم واحدًا تلو الآخر داخل أعينهم جميعًا:
-أيوه متكبريش الموضوع.. ياسين اتجوزني شهامة قولتلك لاني كنت هموت، لو عايزة تعرفي القصة يبقى تتفضلوا تقعدوا علشان احكيلك ولو مش عايزة يبقى أقول أنا جاية ليه
أردفت “هدى” بقوة متسائلة:
-وأنتي جاية ليه إن شاء الله؟
بمنتهى البرود والجدية والثبات نظرت داخل عينيها ثم انتقلت إلى والدها “رؤوف” قائلة:
-جاية أخد ورثي
دفعتها “هدى” في ذراعها بقوة وهي تصرخ بها بعنفوان والحديث الذي قالته لا يدلف عقلها ولا تصدقه وإن كان حدث فهي أيضًا لن تتقبله:
-ورث مين يا أم ورث.. ورث مين يا بت أنتي
رفعت أحد حاجبيها ونظرت إليها باستنكار لطريقتها التي تغيرت مئة وثمانون درجة عن ابنة العائلة المرموقة:
-جاية أخد ورثي من جوزي الله يرحمه ياسين أحمد القصاص
بعد صمت دام طويلًا تحدث “عامر”وهو يستند بظهره إلى ظهر الأريكة قائلًا يتسائل بجدية شديدة وعينيه مُثبتة عليها:
-وأنتي أفتكرتي دلوقتي إنك متجوزة وليكي ورث؟ كنتي فين من سنتين؟
رفعت بصرها إليه للحظة وهي تتعمق به ثم أجابته:
-من بعد موت ياسين وأنا بره البلد ولسه راجعه من شهرين بالظبط
تسائلت والدته هذه المرة بفضول يلح عليها منذ أن أردفت أنها زوجة زوج ابنتها:
-وأنتي عرفتي ياسين إزاي واتجوزك ليه
حركت عينيها إليها هي الأخرى وأردفت:
-قولتلكم لو عايزين تعرفوا اتفضلوا
أشار إليها “رؤوف” كي تدلف إلى الداخل لتجلس وتقص عليهم الذي حدث في الماضي الذي اتضح له مؤخرًا أنه يخفي أشياء كثيرة ستخرج في الحال خلف بعضها:
-اتفضلي
صاحت “هدى” بقسوة واعتراض وهي تُشير بيدها بهمجية:
-اتفضلي فين يا بابا
تحدث بهدوء ووقار يناسبه في تلك اللحظات قائلًا بجدية:
-استني يا هدى خلينا نفهم ايه اللي حصل.. متقلقيش أنا هعرف إذا كان حقيقي ولا لأ
أشار إليها مرة أخرى فدلفت إلى الداخل وجلست على مقعد مجاور الأريكة التي يجلس عليها “عامر” تقدم الجميع من خلفها وجلس كل منهم مُنتظرين الإستماع إلى قصتها التي سترويها عليهم ليعرفوا كيف تزوج بها “ياسين”..
عندما جلست “سلمى” جوار “عامر” نظر إليها بسخرية مُميتة شامتًا بها وبأن شقيقها الذي كانت تضرب به المثل في كل عراك بينهم أصبح هو الآخر خائن..
نظرت “غادة” إلى “هدى” التي لم تود الجلوس كما الآخرين وبقيت واقفة وثبتت نظرها عليها ثم بدأت في الحديث بجدية وهي تعود بذاكرتها للخلف:
-أنا.. أنا كنت بحب واحد مكنش عليه القيمة وعيلتي مكنتش موافقة بيه بس أنا كنت مخدوعة فيه وفي حبه ليا وهو كان كداب بس عرف يرسم الدور عليا كويس وخلاني فعلًا حبيته واتأكدت إنه بيحبني وحاربت أهلي كتير علشانه وللأسف أنا أهلي ناس شديدة أوي لأبعد ما تتخيلوا و…
قاطعتها “هدى” بنفاذ صبر ولا مبالاة قائلة:
-وإحنا مالنا ومال القصة دي ما تقولي عرفتي ياسين إزاي
لم تهتم بحديثها الأبلة إنها تعلم شعورها جيدًا في ذلك الوقت لذا لن تأخد حديثها على محمل الجد وإلا لن تمر هذه الليلة مرور الكرام على الجميع وهي أولهم.. لا داعي لذلك.
أكملت مرة أخرى منتقلة بعينيها إلى عيني “عامر”:
-ولما أهلي رفضوا مرة واتنين وعشرة جوازنا أنا اعتقدت إني مش هلاقي حد في حياتي يحبني زيه ومش هعرف اعوضه.. هربت معاه وسبت البيت
نظرت إلى الأرضية ثم رفعت عينيها وأكملت بخجل شديد وندم خرج ليالي طويلة على هيئة مياة مالحه تخالط الوسادة:
-حاول معايا من غير جواز بس أنا كنت رافضة بس هو كان أقوي من رفضي ده بعد كده رماني على الطريق وأنا بين الحياة والموت
تعمقت بالحديث وتجمعت الدموع بعينيها لا يدري أحد أهي مزيفة أم لا:
-ياسين كان ماشي بعربيته لقاني مرمية اخدني ووداني المستشفى وفضل معايا لحد ما بقيت كويسه ودفعلي حساب المستشفى وبعد كده حاول يكلمني ويرجعني لأهلي لما لقاني بعيط طول الوقت وبقوله معنديش حد اروحله.. حكيتله قصتي وهو اقنعني أنه هيرجعني لأهلي ومش هيعملوا معايا حاجه..
خرجت دمعة من عينها تحت نظرات الجميع المنتبهه لحديثها ما عدا “سلمى” التي استمعت إلى ذلك الحديث سابقًا:
-بس اللي حصل كان غير كده أول ما وصلنا أهلي قاموا علينا وكانوا هيقتلوني ياسين حاول يتكلم معاهم وفعلًا قدر يعمل كده لكن أول ما حكي ليهم اللي حصل أخويا قام جاب سكينة وكان مُصمم يقتـ ـلني ولو مكنش ياسين معايا كان ده حصل فعلًا… حتى ياسين يومها اتعور من السكينة وهو بيحوشه عني أضطر يقولهم أنه هو ممكن يتجوزني وهنا كلهم سكتوا ووافقوا لكن هو كان بيعمل كده جدعنه منه مش أكتر، شهامة ورجولة مكنش عايز واحدة تموت قصاد عينه
أردفت والدتهم مُتسائلة بجدية وهي تتابعها بعينيها:
-وليه مطلقيش بعدها..
رفعت نظرها إلى “هدى” بتوتر وارتباك ولم تكن تريد أن تتحدث بهذا الشيء أبدًا أمامها ولكنها ابتلعت ما وقف بحلقها ونظرت إليها قائلة:
-هو كان هيطلقني بعد الجواز بأربع شهور بالظبط وكنا رحنا للمأذون فعلًا.. بس أنا، أنا كنت في الوقت ده حامل
صدح صوت “هدى” الصارخ بانفعال شديد ووجهها يصرخ قبل شفتيها وصوتها المرتفع:
-حامل إزاي!؟ حامل إزاي يعني
أردف “عامر” بلا مبالاة وسخرية شديدة وهو يمُر بعينيه على “سلمى”:
-هتكون حامل إزاي يعني! باللاسلكي
حركت “سلمى” عينيها عليه بانزعاح واضح وصريح أظهرته له من خلال عينيها وهي تعرف تمام المعرفة ما المقصود من حديثه وطريقته الساخرة ونظراته التي يلقيها عليها..
أكملت “غادة” موضحة لها بجدية:
-ياسين قربلي هي مرة واحدة طول السنة اللي اتجوزته فيها متقلقيش حتى الطفل اللي كنت حامل فيه مكملش ونزل بعدها.. مقربليش حبًا فيا هو كان متخانق معاكي أنتي وجالي وقتها
ترقرقت الدموع بعيني “هدى” مرة أخرى ونظرت إليها بقهر وحرقة لا نهاية لها يشعر بها قلبها ثم صاحت قائلة:
-قومي أطلعي بره
وقفت “غادة” على قدميها ثم فتحت حقيبتها الصغيرة ومدت يدها بها وأخرجت منها ورقة مطوية وأخرى غيرها، أقتربت ووضعتها على الطاولة في المُنتصف وقالت بجدية:
-دي قسيمة الجواز تقدروا تتأكدوا إذا كان كلامي صحيح ولا لأ وده كمان عقد شقة كتبها ياسين باسمي بعد الجواز علشان أعيش فيها وكل ده الآنسة سلمى أخت ياسين اتأكدت منه قبل كده وعرفت إني كلامي مظبوط..
تقدمت خطوتين للأمام لتذهب ثم استدارت ونظرت إلى “رؤوف” ومن بعده “عامر”:
-أنا هامشي واسيبكم يومين على ما تتأكدوا وهرجع علشان أخد حقي..
رفعت عينيها إلى عيني “هدى” وهي تسير إلى الخارج ذاهبة بعد أن فجـ ـرت قنـ ـبلة بالداخل لن يشعر بانفجارها أحد سوى “هدى” المُعذب قلبها بعد اكتشافها أن زوجها وحبيبها الذي رفعت حداد قلبها عليه كان خائن ومتزوج من غيرها.. ومهما كانت الأسباب الذي دفعته لفعل ذلك الفعل المشين فهي لن تسامحه لأجل خداعه لها كل ذلك الوقت..
لن تسامحه لأنه خائن مثله مثل شقيقها الذي كان يعذب “سلمى” ليلًا ونهارًا ولكن على الأقل شقيقها لم يكن يخاف أحد وكان يفعل ذلك علنًا ولا يكذب بل يعترف بكل ما يفعله حتى وإن كان خطأ وسيحاسب عليه..
نظرت إلى “سلمى” تعاتبها متحدثة بكم الخذلان الذي تعرضت له منها هي الأخرى وكأنها تضعها في محلها عندما انصدمت في الجميع من حولها..
أقتربت منها بعينين تحولت إلى أخرى حادة صارخة بالخيوط الحمراء داخله مانعة البكاء، تسائلت بجدية:
-كنتي عارفة إن أخوكي متجوز ومقولتيش؟ كنتي عارفه كل ده وسيبتيني على عمايا
وقفت “سلمى” على قدميها تنفي ما قالته بكل جدية وتأكيد وهي تنظر إليها بثبات:
-والله أبدًا وأنا هعرف منين أنا زيي زيك على فكرة الفرق الوحيد إني عرفت من شهرين بس.. هي بنفسها قالتلك أنها راجعة من بره من شهرين ولما رجعت جاتلي الجمعية وكانت أول مرة أشوفها
صرخت بها بعصبية وغضب شديد وهي تنظر إليها باحتقار:
-بردو مقولتيش.. مقولتيش إن أخوكي خاين
أجابتها “سلمى” بصوت حاد قوي تدافع عن شقيقها الراحل أمام الجميع:
-أخويا مش خاين يا هدى قالتلك إنه اتجوزها علشان متموتش.. كانت هتتـ ـقتل قدامه، كنتي عايزاه يعمل ايه
صدح صوت “هدى” الصارخ مرة أخرى بكره وندم لما اشعرت به نفسها عندما وافقت على “تامر”:
-ما تولع.. ما تولع، يعني متجوز من قبلي أصلًا وأنا الغبية رافعة الحداد عليه وبعذب نفسي وأقول إني مكنش المفروض أوافق على تامر علشان كده كأني محبتش ياسين
خرج صوت “عامر” الساخر من “سلمى” والشامت بما قد ظهر لأجل ألا تتحدث مرة أخرى عن وفاء شقيقها لشقيقته:
-يعني لو اتجوزت واحدة هتتـ ـقتل يا سلمى يبقى دي مش خيانة بالنسبالك!.. طب الحمدلله كده أقدر أعملها
استدارت تنظر إليه بحدة وهي التي أتت به من المشفى منذ قليل وحاولت البدأ معه من جديد يعود هو بها إلى نقطة الصفر:
-متدخلش نفسك يا عامر في الموضوع ده وخلينا كويسين مع بعض أحسن
هتفت شقيقته بحدة وهي تأكد لها أن شقيقها الذي خانها في السابق فعل ما فعله زوجها بها:
-ميدخلش نفسه ليه يا سلمى، مهو ده عامر الخاين بردو.. اللي سيبتيه علشان خاين هو زيه زي أخوكي بالظبط
استدارت “سلمى” برأسها إليها وأجابتها بحدة وعنف نافية أن “عامر” مثل “ياسين” ولا يجوز من الأساس التشبيه بينهم:
-عامر مش زي ياسين.. عامر حاجه وياسين حاجه
عارضتها الأخرى بقوة وأشارت بيدها بحدة وهمجية وهي تشعر بالنيران داخلها لأجل ما تعرضت له الآن:
-لأ زي بعض
مرة أخرى تنفي حديثها وتسرد عليها جزء من مميزاته:
-لأ يا هدى عامر مش زي ياسين والكل عارف كده.. ياسين مش خاين وبيحبك ومايقبلش عليكي نسمة هوا تضايقك
ترقرقت الدموع في عيني “هدى” وهي تستمع إلى هذه الكلمات البسيطة وتأكد أنها صحيحة بالفعل وهو كان كذلك ولكن ذلك لا يمحي أنه خائن وكان متزوج من أخرى غيرها:
-دي الكدبة بتاعته.. متجوزش عليه إلا الرحمة
استمر “عامر” في السخرية وهو ينظر إليهم ولا يتدخل فيما حدث إلا بحديثه الساخر:
-أحسن حاجه حصلت إني مش لوحدي اللي خاين.. مع إني مش عارف خونتك امتى بس يعني مطلعتش لوحدي
مسحت والدتهم على وجهها بقوة وطال الصمت الخارج منها أمام الاستماع إلى حديثهم سويًا ثم أردفت بنفاذ صبر:
-كفاية يا عامر قوم أطلع ارتاح يابني وأنتي يا سلمى كمان
ابتسم “عامر” بسخافة وسخرية وهو يُشير إلى “سلمى” بيده قائلًا:
-اطلع ليه ما تخلونا نتفرج.. دي سلمى بتدافع عن حد خاين لأول مرة في عمرها
أجابته “هدى” بحرقة لا يشعر بها أحد سواها:
-علشان أخوها
نظرت إلى “عامر” ثم انتقلت إلى “هدى” شقيقته وصاحت بصوت عالي وعصبية شديدة وهي تريها الجزء الذي تناساته وتجعلها تتذكر ما يفعله شقيقها وزوجها الراحل، تجعلها تتذكر أن المقارنة بينهم مستحيلة:
-انتوا هتعملوا عليا حفلة.. آه ياسين مش خاين ومش زي عامر، ياسين كان قارفك في عيشتك؟ كان بيغير عليكي من طوب الأرض؟ ولا عاقل؟ كان عصبي وأيده بتتمد عليكي؟ كسر قلبك وشوفتيه في حضن واحدة بعينك؟ عينيه زايغه وبتاع ستات؟ سُكري ياسين؟ هاا عامر بقى فيه كل الصفات دي.. إن شاء الله يغيرها لأن اللي فات غير اللي جاي
لم تتحدث “هدى” بالفعل هي معها حق، لم يكن هناك أحد مثل “ياسين” في أي شيء و “عامر” يختلف عنه كامل الاختلاف ولا يأخذ منه شيء، لن تنكر أنها رأت معه أسعد لحظات حياتها وأنه أحبها أكثر من نفسه لكنها مصدومه بما علمته، مصدومه به كثيرًا، اتضح لها أنه كان مُخادع، كان متزوج وأقام علاقة مع زوجته الأخرى قبل زواجه منها هي..
كانت تظن أنها أول إمرأة يقوم بلمسها! أول إمرأة ينام جوارها وأول مرة إمرأة تحمل اسمه وتكون زوجته واعتقدت أنها الأخيرة..
لقد أحبته كثيرًا ودابت فيه عشقًا ولم تكن تتوقع أن تعلم بشيء مثل هذا في يوم من الأيام.. كان “ياسين” بالنسبة إليها شخص لا يخطأ، كان كل شيء لطيف وجميل في دنياها!..
عندما رأت نفسها تنجذب إلى “تامر” قامت بتشغيل وضع جلد الذات وتأنيب الضمير وقاربت على العودة عن قرارها فقط لأجل أن تكون زوجة “ياسين القصاص” فقط!.. لم تكن تعلم أنه هو منذ البداية خائن مخادع لا يؤتمن..
طال صمتها ولم تستطع الإجابة على حديث ابنة عمها وبقيت تنظر إليها بعينين دامعة وقلبها يحـ ـترق من الداخل والصدمة إلى الآن تجعله يدق بعنف وحرقة..
تحدث والدها “رؤوف” بجدية شديدة وهو يُشير إليهم بوجه جامدة تعابيره:
-يلا كل واحد على اوضته.. أنا هتأكد من كلامها يا هدى
نظرت إليه “سلمى” قائلة:
-أنا اتأكدت يا عمي مالوش داعي تعبك.. هي فعلاً مرات ياسين
أكد حديثه مرة أخرى يُصر على التأكد بنفسه إن كانت زوجته أم لا:
-هتأكد تاني يا سلمى.. ولو طلعت مراته بجد يبقى تاخد حقها وتمشي
نظرت “هدى” إلى والدها بصدمة وهي تستمع إلى حديثه وصاحت بعنف وقسوة لا تناسبها:
-حق ايه ده اللي تديهولها.. لأ طبعا مش هتاخد حاجه
امتص والدها غضبها بالهدوء الذي قابلها به وتحدث بجديدة وصدق:
-لو مراته يبقى زيها زيك يا هدى وهتاخد حقها.. إحنا مش نصابين ولا ناس متعرفش ربنا.. هتاخد حقها
تركها من بعدها وصعد على الدرج بخطوات ثابتة ليذهب إلى غرفته ومن خلفه ذهبت زوجته، لحظات وقفت “هدى” تنظر إلى “سلمى” بعينين مُعاتبة إياها بقوة قائلة لها بأنها لم تتوقع أن تفعل ذلك بها.. حتى لو كانت تعلم في الأمس..
صعدت هي الأخرى خلفهم ونظرت إليها بنفور واحتقار لأول مرة بحياتها تفعلها وتقابل “سلمى” بتلك النظرات ولكن صدمتها من شقيقها وما تعرضت إليه يؤثر عليها وبقوة وجعلها تفعل ذلك وهي لن تلوم عليها..
استدارت “سلمى” تنظر إليه ووقفت مقابلة له وهو ينظر إليها بلا مبالاة تامة فاردفت قائلة:
-ليه بتعمل كده.. المفروض أننا بنبدأ صفحة جديدة
ابتسم بزاوية فمه باستخفاف بها وبحديثها ثم أجاب مُتهكمًا:
-وأنا عملت ايه.. بقول أن ياسين الله يرحمه خاين زيي
أشارت إليه بحدة وأردفت تضغط على كل حرف يخرج من بين شفتيها:
-ياسين مش خاين يا عامر وأنت عارف كده كويس، ياسين مش زيك.. عمره ما كان زيك
وجدته لا يُجيب فأكملت تترجاه أن يعود عما يفعله وإن كان حقًا يود البدأ معها حتى وإن كانت زوجته وحتى إن كان ذلك لأجل التأكد مما يشك به:
-بلاش تشتغل بمبدأ دس السم في العسل أرجوك اللي بينا هدى ملهاش دعوة بيه ولا حد ليه دعوة بيه وإحنا قادرين نعالجه وقولتلك كده في المستشفى.. انسى بقى
أقترب للأمام ببطء لأجل جرحه وأردف هو الآخر بجدية شديدة وعيناه مُثبتة عليها يبادلها نفس الجدية والتأكيد:
-مش هنسى حاجه غير لما اتأكد من اللي في دماغي ومش هتعدل بردو غير لما ده يرجع يشوفك سلمى من تاني
أكمل بقية حديثه وهو يُشير بيده إلى الناحية اليسرى من جانب صدره موضع قلبه تمامًا
نظرت إليه بعينيها الزيتونية للحظة ثم قالت:
-تصبح على خير
توجهت للصعود للأعلى دون الحديث معه بأي شيء آخر، تفكر فقط في القادم عليهم جميعًا، في الفترة الأخيرة أصبح هناك مواضيع كثيرة وأشياء تظهر لم يكن يعلم عنها أحد شيء..
❈-❈-❈
صعدت “سلمى” إلى غرفتها وقد تعمق الحزن داخلها، حتى أنها لم تعد تفهم الذي تفعله مع ابن عمها صحيح أم خطأ، لم تعد تحدد بين الصواب الذي عليها فعله والخطأ الذي عليها الابتعاد عنه، قلبها لا يساعدها بل تغمد الحزن داخله وعقله لا يستطيع التفكير بشكل صحيح..
جلست على طرف الفراش واستندت بيدها الاثنين عليه مغمضة عينيها ترفع رأسها للأعلى، تنفست بعمق محاولة أن تجعل ضجيج عقلها يهدأ لأنه يثور داخلها بلا داعي ولا يأتي بفائدة..
دق هاتفها فأخذته بعد أن فتحت عينيها عليه، وجدت أن تلك الصديقة الحقـ ـيرة التي كانت تعتبرها كشقيقتها هي من تهاتفها، أمسكت الهاتف بيدها ونظرت إلى شاشته للحظات بعينيها الزيتونية تسترجع كل لحظة مرت عليها معها لحظة طيبة جميلة وأخرى خبيثة ماكرة لم تكن تدري أنها ستكون كذلك..
أجابت عليها ثم وضعت الهاتف على أذنها ولكن لم تخرج الكلمات من بين شفتيها في إنتظار الاستماع إلى الأخرى والذي خرج صوتها بلهفة مصطنعة أصبحت تعرفها:
-سلمى فينك يا بنتي بكلمك مش بتردي
خرجت الكلمات من الأخرى بنبرة حادة قاسية مُتسائلة:
-نعم عايزة ايه
تصنعت الأخرى الاستغراب وأردفت بنبرة خافتة لينة:
-في ايه مالك
وقفت “سلمى” على قدميها وسارت في الغرفة بثبات وهي تتحدث بجدية وعنف خالص تطلقه ناحيتها:
-لأ بصي هاتي من الآخر وشيلي قناع الطيبة والحنية اللي أنتي لابساه خلاص مبقاش لايق عليكي يا إيناس
مرة أخرى تردف بنبرة مستغربة ترفع حاجبيها وكأنها تراها لترسم الدور عليها جيدًا:
-ايه اللي بتقوليه ده أنا مش فاهمه حاجه
اشتدت نبرة “سلمى” وأصبحت أكثر حدة وهي تلقي كلماتها القاسية عليها:
-لأ أنتي فاهمه كل حاجه وعارفه أنا بتكلم عن ايه وقصدي ايه فهاتي من الآخر عايزة ايه مني
لم تستسلم الأخرى بسهولة بل أكملت المسرحية التي تقوم بها لتجعلها تصدق ما تتحدث به:
-لأ بجد أنتي غريبة النهاردة.. متخانقة مع عامر ولا ايه
لم تكن تعلم أنها علمت كل شيء وبالدليل التي طالبت به كثيرًا لذا سيكون من الصعب تصديقها مرة أخرى، صرخت بها قائلة:
-متجيبيش سيرة عامر على لسانك الوسخ ده، عايزة ايه مني ومن عامر ها.. عايزة ايه انطقي
تغيرت النبرة المُتحدثة لها “إيناس” وخرجت بتهكم وسخرية:
-وأنا هعوز منكم ايه
عقبت “سلمى” على حديثها بحرقة داخل قلبها تكويه كل لحظة والأخرى فقط عندما تتذكر ما الذي قامت به معه ومع الجميع:
-لأ أنا اللي بسألك.. الغريب إني أعرفك من زمان ومعرفتش نيتك القذرة من ناحيتي والغريب أكتر إني أصدقك وأكدب عامر اللي متربية معاه وأنا متأكدة إنه بيحبني.. بجد كنت غبية
ابتسمت “إيناس” بسماجة وتهكم وهي تُجيب عليها ساخرة منها وقد كشفت القناع عن وجهها:
-ما إحنا عارفين إنك غبية طول عمرك ده مش شيء جديد عليكي
تحدثت بنبرة حادة تطالب بالابتعاد عنها ثم أخرجت كلمات مُهددة إياها لتزرع الخوف بقلبها:
-اخرسي يا إيناس وابعدي عني أنتي وابن عمك.. أنا لو سبت عامر عليكم مش هيطلع عليكم صبح وأنتي عارفاه كويس
ضحكت عبر الهاتف مُتهكمة على حديثها توصل إليها أنها لا يهمها كل ذلك ثم قامت بالقاء جزء من القنبلة المخفية عليها لتجعلها تتشوش من ناحيته:
-طب خدي بالك منه بقى وفتشي وراه.. لسه في أسرار كتيرة متعرفيهاش والأسرار دي معايا بس هدوخك شوية يمكن تخفي من الغباء بتاعك ده شوية
أكملت ساخرة أكثر من السابق وهي تقول:
-سلام يا بطل.. مش كان بيقولك كده بردو؟.
أغلقت الهاتف ثم ألقته على الفراش بعد غلق الأخرى وكلماتها تعبث بها، ما الذي يخفيه عامر عنها إلى الآن؟ ما الذي يخفيه عنها وتعلمه “إيناس” وهي لا؟ هل هناك شيء بينهم وهي الغبية المتواجدة بينهم؟
أسرعت تمحي ذلك التفكير الغبي مرة أخرى من رأسها معنفة نفسها بقوة فـ “عامر” من البداية لا يطيق الاستماع إلى اسمها ولم يكن يريدها أن تكون صديقتها منذ أول مرة وقعت عينيه عليها وأخبرها بها أنها ليست فتاة مناسبة لتكون صديقتها..
غير أن “عامر” مؤكد لن يخونها مع صديقتها هذا من أبعد الأشياء الذي من الممكن أن تفكر بها! إنه توقف عن خيانتها منذ الكثير وبهذه المرة الأخيرة كانت رأت الأمور بمنظور خاطئ وإن فعلها لن يقوم بفعلها مع “إيناس”..
خيانته لها كانت عبارة عن مهاتفة فتيات من الملاهي الليلية، والنظر بعينيه الخبيثة الوقحة على مفاتنهن في غيابها والسرقة المستلزه في حضورها.. كانت عبارة عن مكالمات قذرة يقوم بها معهن كانت كل هذه أشياء تجعلها تبتعد عنه وتطالب بالانفصال الفوري لأنه لا يكتفي بوجودها بحياته وهو يعلل بأنه يحبها أكثر من نفسه وما يفعله ما هو إلا لهو وتسلية طفيفة.. غير مبالي لمشاعر الأنثى داخلها التي تثور وتنفجر بما يفعله، ويقوم كل مرة بالعودة إليها عن طريق الوعود الكاذبة وهي الخاطئة لم تكن تتعلم أي شيء، يرق قلبها ناحيته وترى الحياة من غيره مـ ـوت فتعود مُرغمة وقلبها يضغط عليها بالاقتراب أكثر وسيكون في أفضل حال ويقوم والدها بتهدئتها قائلًا بأنها بعد الزواج ستكون المُسيطرة عليه ولن يفعل هذا مرة أخرى..
تعترف أنه قبل الزفاف كان قد توقف عن كل ذلك وما دفعها للموافقة مرة أخرى على زيجته منه هو ذلك ولكن لم تكن ثقتها به كافية لتتأكد من أنه لم يخونها وقد فعلتها “إيناس” في الوقت المناسب ثم من بعدها انقلبت حياتها رأسًا على عقب.. بسبب صديقتها المخلصة التي رأتها دومًا هكذا وقد حظرها منها مرارًا وتكرارًا ولكن العقل لم يكن واعي بالكفاية ليقوم برؤية خبثها عليها..
والآن أيضًا تقوم بفعل ذلك مرة أخرى وتريد أن تجعلها تُشتت من ناحيته بعد أن علمت بكل الحقيقة المخفاه.. لا لن تفعل ذلك ولن تجعلها تأخذ ما تريد عندًا بها وبابن عمها القذر الحقير الذي كان هو الآخر يكذب عليها ستحاول قدر الإمكان أن تصلح علاقتها بـ “عامر” وتعود إليه من جديد وتترك المعاناة إلى أحد آخر غيرها فقد اكتفت منها..
❈-❈-❈
دق باب المكتب عليها في الجمعية التي تديرها، أذنت للطارق بالدخول ورفعت نظرها إلى الباب لترى من بالخارج..
فتح الباب بهدوء وبطء وولج إليها لتقع نظراته الماكرة الخبيثة عليها ووقفت عيناه على عينيها الزيتونية الخائفة والتي ظهرت له ما بداخلها بوضوح..
أغلق الباب بيده بعد أن ولج للداخل وتقدم إلى أن جلس أمامها بغرور وعنجهية، يلقي عليها نظرات حادة ماكرة واثقة، وعقله داخله يبتسم ضاحكًا بصوت مُرتفعًا يصل إلى عنان السماء شامتًا بها مُتذكرًا ما فعله..
انتشلته من ذكرياته القذرة الحقـ ـيرة مثله وهي ترتفع بصوتها الحاد ناظرة إليه بعدم خوف والجدية تتحدث عنه:
-جاي ليه يا هشام وعايز مني ايه
ابتسم بسماجة وتهكم واعتدل في جلسته ليستطيع النظر إليها جيدًا:
-وحشتيني بس قولت اجي وأقـ ـتل الاشتياق ده
حدثته بجدية شديدة وحدة قاتلة وهي تنظر إليه بقسوة تنبع من داخلها بعد معرفة حقيقته:
-هات من الآخر وأتكلم على طول.. قول عايز مني ايه؟ وليه بتعمل معايا كدة
وجدته لم يعطيها أي إهتمام فأكملت هذه المرة بنبرة مذهولة وحاجبيها معقودان باستغراب شديد:
-دا أنا حتى مكنتش أعرفك، اللي عرفتني عليك هي بنت عمك يعني لا ليا عداوة معاك ولا عملتلك حاجه من الأصل ليه بقى بتعمل كده وعايز مني ايه.. أنا كنت صدقت إنك حد كويس بجد وفكرت في الجواز منك إزاي تطلع كده
أشار إليها بيده وعقب على حديثها بكلمات قاسية تعرفها جيدًا وقد جلدت ذاتها بها سابقًا:
-اللي حصل ده بسبب غبائك، أنتي واحدة غبية مش ذنبي ده خالص، لو كنتي سمعتي كلام ابن عمك اللي بيحبك ومربيكي مكنتيش وصلتي لهنا، بس أنتي خاينة زيه ويمكن أكتر منه واكيد أنتي عارفه كدة كويس.
ابتلعت ما وقف بحلقها ونظرت إليه بقوة قائلة بثبات:
-كل ده مايخصكش ومالكش دعوة بيه.. أنت عايز ايه وليه بتعمل كده وليه إيناس كمان عملت معايا كده أنا كنت بعتبرها زي أختي
ابتسم مرة أخرى وهو يرمي عليها بكلمات سامة وقعها عليها حاد وهو يغمز بطرف عينه لها:
-لأ سيبك من إيناس دي حكايتها حكاية وهتصدمك أوي أصلها تخص حد من حبايبك.
أكمل بلا مبالاة تامة وهدوء لا مثيل له وهو يقول بثقة ناظرًا إليها:
-أما بالنسبة ليا بعمل كده ليه؟ بكرة تعرفي مش دلوقتي خالص وبالنسبة لعايز ايه؟ فأنا عايزك متتجوزيش عامر
تهكمت عليه وعادت للخلف بالمقعد عندما رأته ينحدر بتفكيره في تلك المنطقة محذورة:
-وأنا المفروض اسمع كلامك مش كده؟
نظر إليها بثقة، عينه الهادئة تحولت إلى أخرى قاسية شديدة القسوة والحدة وهو يقول بنبرة هادئة:
-هتسمعيه، عارفه ليه؟ علشان أنا أقدر أخلي السكينة المرة الجاية تخلص عليه مش مجرد مطوة تالمه تجرحه
حركت رأسها يمينًا ويسارًا ترفض ما يهتف به ذلك الأبلة وشفتيها تتبعها:
-مش هتعمل كده أكيد
ابتسم بسماجة على براءتها الغبية التي ترفض أي فعل دنيء من أي شخص يقربها، ألا تعلم أن العالم لا يوجد به إلا ذئاب بشرية؟:
-وليه أكيد ما أنا عملتها قبل كده أصلًا أقدر أعملها تاني وتالت وعاشر واجيب أي عيل يلبسها ولا شاكه فيا ومفكره قلبي ضعيف
عارضته بشدة وهي تهتف بجدية وثقة مطالبة بالقرب من حبيبها الذي فرقتهما الليالي الخائنة:
-مش هتعمل كده، مجرد ما عامر يكون كويس هنتجوز، كفاية أوي اللي راح من عمرنا واحنا بعاد عن بعض بسبب بنت عمك الخاينة
صحح ما تتفوه به ببرود:
-بسبب غبائك وعينه الزايغة
أكمل بتوعد وجبروت ظهر في عينيه وجميع ملامح وجهه:
-ورحمة أمي لو اتجوزتيه لكون محصرك عليه العمر كله مش بس سنتين فراق
نظرت إلى عينيه للحظات خلف الأخرى تحاول أن ترى أي شيء من الذي كانت تراه به سابقًا ولكن لم تجد سوى الكبر والقسوة، الخيانة والخبث فتسائلت باستغراب:
-ليه بتعمل كدة!؟
وقف أمام مكتبها واعتدل في وقفته ثم بدأ في الاسترسال يقص عليها ما كانت تغفل عنه:
-اوعي تكوني فاكرة الشويتين اللي حصلوا بينا دخلوا عليا لأ أنا عارف كويس أوي إنك بتحبيه ومش عايزاني ولا أنا كمان عايزك ولا كنت طايقك أصلًا بس جيتي في الجون بقى أعمل ايه
أكمل وهو يتوجه للخارج بلا مبالاة ولم يفكر بها، بل يفكر في مخططه الذي حتم عليه بالنجاح أمام الجميع:
-فكري في كلامي.. لو عايزه تتجوزيه ماشي اتجوزيه بس استني عليا وهرد عليكم الرد التمام وبالهداوة واحدة واحدة
سار إلى أن وقف أمام بابا المكتب وفتحه ليخرج منه بعد أن فعل ما أتى لأجله ولكنه استدار إليها قائلًا بسخرية وتهكم داخله تهديد رأته بوضوح:
-سلام… يا سلمى هانم
نظرت إليه وهو يخرج وتابعته بعينيها، دق قلبها بعنف بعد خروجه، لقد حبست أنفاسها أثناء وجوده معها هنا في الغرفة، ظهرت بوجه جامد حاد والثقة تنبعث منه ولكنها والله والحق عليها أن تبوح به كانت تموت داخلها، والآن ازداد ألم قلبها الذي يرقص على طبول الخوف والرهبة، كيف لها أن تبعد ذلك المجنون عنهم، أو تترك “عامر” الذي افترقت عنه عامان من القسوة والعنف، عامان من الجفا والحرمان ولم تكن أبدًا أيام تمر بل كانت ليالي يقتلها بها الاشتياق والندم…
❈-❈-❈

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى