روايات

رواية بين دروب قسوته الفصل الحادي عشر 11 بقلم ندا حسن

رواية بين دروب قسوته الفصل الحادي عشر 11 بقلم ندا حسن

رواية بين دروب قسوته الجزء الحادي عشر

رواية بين دروب قسوته البارت الحادي عشر

بين دروب قسوته
بين دروب قسوته

رواية بين دروب قسوته الحلقة الحادية عشر

“اختارت الحُب وهو، دام الحُب ورحل هو”
صرخ بصوت عالي جهوري اهتزت له أرجاء غرفة المكتب وهو يسبها:
-اخرسي يا زبالة يا وسخـ*، ايه فكراها زيك.. مفكراني هصدقك يا حيوانه
ابتسمت بهدوء وقالت بجدية والسعادة تكبر مع كلمة تخرج منها إلى أذنه:
-مجبور تصدق يا عامر علشان ده اللي حصل فعلًا
صرخ مرة أخرى وهو لا يطيق الاستماع إلى هذا الحديث، لا يطيق وضعها في جملة واحدة مع غيره، ماذا عن الذي تتحدث عنه!:
-بقولك اخرسي.. اخرسي همـ ـوتك يا إيناس وديني همـ ـوتك
لوت شفتيها وأكملت ببرود وابتسامة شامته به وبها وقلبها يرفرف فرحًا وسعادة والحقد يكبر وبجواره الغل والكـ ـراهية:
-خليك كده مش مصدق عنها أي حاجه.. هشام دلوقتي عندكم في البيت رايح يطلب ايد سلمى من أبوك وبيعجل في الجوازة علشان اللي حصل.. بيحطوك قدام الأمر الواقع يا أهبل.. غلط معاها يبقى يشيل الليلة وده اللي هما عايزينه وأنت عبيط لسه عايز تتجوزها..
ثقلت أنفاسه بسبب ذلك الاهتياج والكلمات التي يستمع إليها تعصف بكل خلية به، عقله كاد ينفجر ولم يعد يشعر بنفسه حقًا، لكنه أردف بنبرة ثقيلة حادة غاضبة:
-حسابك تقل يا إيناس تقل أوي عندي وأنا مش هحاسبك دلوقتي.. هسيبك للناهية
أغلق الهاتف بوجهها، ونظر إلى شاشته التي أراد تحطيمها ولكن كان الهاتف يحتوي على كنز كبير سيجعل تلك الغبية تصدق حديثه وتبتعد عنها، وضع الهاتف في جيبه وتقدم من المقعد يأخذ جاكيته بسرعة وبحركات غير محسوبة..
وأخذ مفاتيحه من على المكتب ثم أنطلق سريعًا يفتح الباب راكضًا إلى الخارج تحت أعين “جومانا” المُتسائلة ما الذي يحدث..
أخذ السيارة ليعود إلى المنزل ويرى ما الذي تتحدث عنه، هل هو الآن هناك حقًا يود الزواج منها؟..
أول شيء لن يصدقها.. مهما حدث لن يصدقها، “سلمى” لا تفعل هذا.. يستحيل أن تترك نفسها لتنحدر في وادي الحرام وتكن من محبيه وزواره..
لا يعقل، لن يصدق ولن يواجهها بهذا الحديث الآن، لن يزعجها بحديث بغيض مثل ذلك ولن يفتحه أمامها سيفكر في شيء جدي لتلك الحقيرة ومن هنا سيجعل حبيبته تعلم بكل شيء.. ولكن الأكيد والمؤكد أنها لم تفعل ذلك ولن تفعله.. إلا معه
هناك شيء آخر كيف ذلك الحيوان الآخر في بيتهم يطلب يدها؟ أخذ منهم ميعاد ولم يقول له أحد؟ هل بقيت في المنزل اليوم لأجل ذلك؟ هل تريده حقًا..
أسئلة تتهاوى على عقله ولا يمتلك لها أي إجابة، يكاد قلبه يتوقف بسبب الذي استمع إليه، تشنج جسده بقوة وأصبح لا يدري ما الذي يحدث..
ولكن، هو يعرف ثلاثة أشياء فقط ويتأكد منهم كما أنه متأكد أنه “عامر القصاص” ألا وهما، أن “سلمى” لأ تفعل ذلك وأن هذه الزيجة لن تحدث وهي ستكون زوجته، وأن إيناس ستحاسب بقسوة مهما تركها تلهو معهم…
❈-❈-❈
تفهم “هشام” أن “عامر” علم بكل شيء وما كانت تضعه “سلمى” حجه أمامه قد اختفى، فانتهز الفرصة ودون حتى أخبارها بأنه قادم لخطبتها، فجأة قرر ذلك بعد أن أخذ إذن والده أن يقوم بفعلها وحده في البداية..
ثم يستكمل درب الانتقام معه، والذي سيكون شديد القسوة على الجميع وعليها هي ومن يرى نفسه رجـ ـل على الجميع..
إنها ستوافق رغمًا عنها بسبب تعليقها له كل هذه الفترة، الأمر الذي يعيق هذه الزيجة هي موافقة عمها ثم من بعده يضرب “عامر” رأسه في الحائط..
الآن هو جالس في منزلهم يتحاور مع عمها، ويراها تقف في الخارج تكاد تدلف توبخه أمام الجميع على هذه الحركة الصبيانية..
لقد علمت من “هدى” التي صعدت إليها تقول بأن “هشام” ذلك الذي تحدثوا عنه في الأسفل يريد الزواج منها، عقلها توقف للحظات عن العمل، كيف أتى دون اخبارها؟.. كيف يقوم بالتقدم لطلبها دون أن توافق من الأساس!..
لما وضعها في هذا الأمر الصعب، يضعها أمام الأمر الواقع وأمام الجميع حتى لا تستطيع أن تضع له حجه بعد اليوم.. ولكنها لا تريد!.. لا تريد الزواج منه!..
هذا العقل المشوش والقلب الخائن لا ينفعوها بشيء، لا ينفعوها بشيء أبدًا، واحدًا منهم يطالب بالزواج منه وهو لا يرغبه من الأساس والآخر يطالب بالعودة إلى الخائن الآخر الذي مثله..
استمعت إلى صوت عمها الجدي الهادئ في نفس الوقت:
-وأنت جاي من غير والدك ليه
رفع “هشام” وجهه المهذب الهادئ إليه وأجاب بصوت عاقل رخيم، الجميع هنا يجيد التمثيل ولديهم خبرة به:
-بصراحة أنا جاي أخد الموافقة المبدئية منك وبعد كده والدي هيجي معايا في الزيارة الجاية إن شاء الله
ضيق “رؤوف” عينيه عليه، وعقله به الكثير من التساؤلات عندما أدرك من هو “هشام الصاوي” لقد كان غافل عن الإسم وما خلفه، لأ يدري كيف لم يفكر في الأمر ولم يخطر على باله سابقًا، هل هذا من أحكام السن؟ أو من كثرة هموم عائلته! ولكنه عندما عرف نفسه إليه أدركه جيدًا وشعر بالخوف للحظات على ابنة شقيقه وهو ينظر في ملامح ذلك الشاب:
-وأنت واثق إنك هتاخد الموافقة؟
ابتسم بثقة وعينيه ثابتة عليه ثم أجابه:
-أنا واثق من رأى سلمى بس فاضل حضرتك طبعًا الرأي الأهم
يتحداه، إنه يعرف هذه النظرة جديًا، يقول شيء وداخله غيره والآن ازداد الخوف أكثر من ناحيته وتذكر أشياء مدفونه من الماضي، يبدو أنها تريد الخروج، تفوه عمها بجدية:
-أنا رأي هيكون على حسب مصلحة بنتي.. سلمى
أومأ إليه الآخر بنفس الابتسامة وهو ينظر إليه بهدوء:
-أكيد طبعًا
كاد أن يتحدث “هشام” مرة أخرى ولكن صمت الجميع وهم يستمعون إلى صوت وقوف سيارة بقوة، يصدر عنها صوت مُرتفع أفزع الجميع لوهلة وجعلهم في حالة صمت..
فتح باب الفيلا ودلف إلى الداخل بهمجية واهتياج وازداد بعد رؤيته للسيارة في الخارج، وقف في الردهة ونظر إليها بعمق وقوة ضاغطًا على أسنانه بعنف ووالدته تجلس في صالة الفيلا مع شقيقته خلف “سلمى”..
بادلته النظرات، ولكنها خائفة، مُتوترة مُرتبكة من كل ما يحدث ولم تكن تتوقع أن آخر ما ينهي ختام هذه الليلة هو حضور “عامر” وذلك الأبلة في الداخل..
وقف للحظات ينظر إلى عيناها يعيد على عقله وهو يرى تلك النظرة البريئة أنها لا تفعل ما قالته صديقتها، لا تخونه، لا تخون عائلتها ونفسها، ليست بلهاء لتقدم نفسها إليه بهذه الطريقة..
أخفض عينيه من عليها وسار إلى الداخل، توجه إلى غرفة الصالون ودلف إليهم ليراه يجلس مع والده، كانت الدماء تغلي وتفور داخل عروقه وقلبه ينبض بقوة وجسده بالكامل يريد أن يتعامل مع البشر بعنف وهمجية لأجل كل ما استمعه ويراه الآن ليس لأجل شيء واحد..
سار في الغرفة ببطء بعد أن وضع يده في جيوب بنطاله ثم أردف ببرود تحلى به بعد التفكير قليلًا:
-إحنا عندنا ضيوف ولا ايه
والده يريده الآن، يريده وبشدة، فور أن دلف ونظر إليه شعر أن الخوف الذي انقض عليه لن يجعله يذهب إلا “عامر”، وهو والده دوره أن يسانده في قراره الذي سيتخذه الآن ويرفض ذلك الشاب..
أردف بهدوء وهو يشير بيده إلى “عامر” الذي كان ينظر إلى الآخر:
-أقعد يا عامر عايز أخد رأيك
نظر عامر إلى والده باستغراب، أولًا بسبب نبرته الغريبة ثانيًا لأنه يريد أن يأخذ رأيه في زواجها!.. مستحيل، جلس “عامر” فقط لأجل نظرة والده إليه، فقال مرة أخرى:
-ده هشام الصاوي طبعًا أنت عارفه.. جاي يطلب ايد سلمى، أنت رأيك ايه يا عامر
نظرة والده ذات مغزى، سؤاله خلفه شيء، ما يحدث ليس طبيعي، نظر إليه بقوة يحاول أن يفهم ما الذي يريد الوصول إليه ولكنه في النهاية أجاب بعد أن نظر عليها في الخارج:
-مش موافق
عاد والده بظهره للخلف ونظر إلى “هشام” الذي كان يريد الفتك بابنه، هتف بهدوء وصوت جدي عاقل:
-عامر ابني هنا الكل في الكل.. مش بقولك إن كلامي مابيمشيش لأ، كلامي بيمشي بس عامر ليه نظره في الناس وفاهم الدنيا والبشر.. وأنا للأسف مش هقدر أخالف كلمته.. طلبك مرفوض
اعتدل “عامر” في جلسته، اتسعت عيناه على والده، حديثه كاذب، كل ما قاله كذب، إنه لا يستمع لأي حديث منه، لما يفعل ذلك؟ لقد قال إنه سيزوجها لمن تريد وسيقف أمامه إلى الممات ويدافع عن ابنة أخيه، لما جعله يرفضه ووافق هو الآخر..
وهي في الخارج شعرت بالذهول، عمها يتفوه بحديث غريب لم يحدث سابقًا، لم تتوقع من الأساس أن يسأل “عامر” عن رأيه في الزيجة، أتى الرفض في صالحها لأنها تراجعت عن الزواج به ولكن ما الذي يحدث حقًا..
اشتعلت النيران داخل “هشام” وهو يرى ذلك العجوز يقوم بترتيب لعبة لأجله، يحققها مع ابنه الذي لا يطيقه من الأساس، يقفون أمام مخططه هؤلاء الاثنين وهو لن يسمح بذلك..
أردف بقوة ونبرة واضحة مؤكدة أن حديثه صحيح ناظرًا إليه بعينين قوية حادة:
-سلمى اللي هتتجوز مش عامر.. يعني رفضه مايهمنيش مادام صاحبة الأمر موافقة
كاد أن يتحدث “عامر” ولكن والده سبقه بالحديث بثقة:
-وأنا لو جبت صاحبة الأمر وقولتلها إني رافض مش هتكسر كلامي
ابتسم بسخرية وقال:
-معتقدش
نظر إليه “رؤوف” بتحدي واضح ثم صاح بصوت عالي مناديًا باسمها، أجابته من الخارج ثم دلفت ببطء وارتباك
سألها بوضوح وقوة وعينيه على ذلك الذي لم يرتاح لدلوفه منزلهم منذ النظرة الأولى:
-أنا رافض الجوازة دي.. عندك مانع يا سلمى ولا اعتراض على رأي.. قولي ومتخافيش أنتي عارفه إن ليكي حرية الإختيار
نظر إليها “هشام” وكان يشعر بالنصر لأنها لن تخذله ولكن عند الاستماع إلى حديثها الجاد الذي خرج من بين شفتيها بارتجاف:
-لأ يا عمي الرأي الأول والأخير ليك أنت
وقف “عامر” على قدميه وأشار لها بالذهاب ففعلت ثم أشار للآخر قائلًا:
-ورينا عرض كتافك
وقف على قدميه، وعينه مثبتة على “عامر” بقوة وقسوة، والشراسة تندفع من داخله ناحيته..
لقد أنهى المهمة الخاصة به بكلمتين فقط؟ وتلك الحقيرة هدمت كل ما بناه هو بالخضوع إلى رأي عمها العجوز!.. تحولت نظرته من الهدوء والاحترام إلى نظرة شرسة عنيفة وملامحه تغيرت بالكامل تدل على الشر الخالص القابع داخله..
كل هذا رآه “عامر” وكان يعلم سببه جيدًا بينما والده نظرته ابتعدت إلى مناطق أخرى ربما يعلم تفاصيلها أكثر منهم..
سار “هشام” خارجًا من الغرفة بخطوات ثابتة قوية تهتز لها الأرضية، وقف على أعتاب الباب بعد أن خرج منه ينظر إليها على جانبه الأيسر تجلس مع زوجة عمها وابنته، ابتلعت ريقها ونظرت إليه بتردد وارتباك فبادلها نظرة حادة غريبة ثم استكمل طريقة مُقررًا داخله أنه لن يترك الأمر يفلت من بين يده..
لن يتركها له بهذه السهولة.. وسيحقق انتقامه مهما كلفه الأمر..
خرج عمها من الغرفة ومن خلفه ابنه، سار إلى أن وقف أمامها فوقفت هي الأخرى بوجهٍ باهت تطالعه بعينين ذابلة فقال هو بجدية يتخللها الحنان:
-هتكلم مع عامر شوية وأجيلك يا سلمى.. أنا عايزك
أومأت إليه برأسها موافقة على الرغم من استغرابها واستغراب الجميع لما يحدث بين “رؤوف” و “عامر” لأول مرة يطلب التحدث معه ولأول مرة يجعله يتحكم في أمر ما خاص بابنة أخيه.. الأمر داخله شيء مخفي..
سار إلى غرفة مكتبه وخلفه “عامر” الذي لم يكن يقل استغرابه عن أي شخص منهم..
أغلق باب المكتب من خلفه، جلس والده على الأريكة به فدلف إليه “عامر” يشاركه الجلسة..
نظر إليه للحظة ولم يكمل الأخرى إلا وهو يهتف مُتسائلًا باستفهام عاقدًا ما بين حاجبيه:
-ليه عملت كده؟ أنا مش فاهم حاجه
علق نظره بعينيه وهو يجيب على سؤاله بجدية وعقلانية كي يقنعه:
-مش مرتاح للولد ده ومش هرتاحله وخصوصًا إنه من عيلة الصاوي
ضيق “عامر” عينيه على وجه والده ولم يدلف حديثه عقله، أجابه مُعقبًا على حديثه بجدية هو الآخر:
-ما إيناس صاحبتها ومن عيلة الصاوي وياما اعترضت على ده وأنت ساكت والكل كده
أشار والده بيده وهو على اقتناع تام أن “إيناس” مهما كانت سيئة لن تستطيع أن تفعل لها شيء سيء بينما هو يستطيع أن يفعل كل شيء:
-إيناس غير الولد ده.. كفاية أنها لوحدها يعني مش عايشه معاهم وأهي في الأول ولا الآخر بنت متعرفش تأذي سلمى غير أنها كويسه معاها.. لكن الولد ده لأ
تسائل “عامر” مرة أخرى وهو يريد معرفة كل شيء:
-وأنت ايه اللي يخليك تقول كده؟
لا يريد والده الاستماع إلى كثير من الأسئلة لأنه لن يجيب عليه ولا يريد النبش في أشياء قديمة وهو يعلم عقلية ابنه كيف تكون:
-شكلك رجعت في كلامك، أسألتك بتقول إنك موافق على جوازها منه
نفى الآخر سريعًا بعنف فور الاستماع لكلمات والده:
-لأ طبعا أنا مقولتش كده
تسائل والده مرة أخرى:
-اومال ايه الأسئلة دي
اعتدل “عامر” في جلسته ونظر إلى والده بعمق ثم طرح عليه ما يريد معرفته منه وما جعل عقله يشعر بالاستغراب:
-عايز أفهم ليه رفضته، وليه عاملتني قدامه كده مع إنك كان ممكن ترفض من غير أي تدخل مني
أجابه بصدق وجدية يبادله الحديث كي يتفهم الوضع كيف يكون وما الذي يريد والده فعله حتى لا يخطأ ويحدث أمر آخر:
-قلقان منه وعايزاها تبعد عنه بأي طريقة وأنت الوحيد اللي تقدر تعمل كده بعيد عن أي خلاف بينا، وعملت معاك كده علشان اوريله إنك معايا وواقف في ضهري وأنا في ضهرك.. أكيد هو عارف كل حاجه عننا شكل علاقته بسلمى من زمان
هنا علم “عامر” أن والده يعلم جيدًا أنه الوحيد الذي يستطيع إبعاد “سلمى” عنه ويعلم أيضا أن القوة كامنه بيده هو ومن دونه سيكون الأمر صعب، عاد للخلف مُتسائلًا:
-اعتبر ده موافقة مبدئية على جوازي منها
نفى حديثه بجدية دون خوف منه أو تراجع عما قاله سابقًا هو وابنة أخيه الذي يعتبرها أهم من أبنائه الآن ويريد الحفاظ عليها:
-لأ طبعًا، أنا رفضت الولد ده لمصلحتها وطول ما هي رافضة الجواز منك أنا كمان رافض واللي هي عايزاه هيحصل بس أكون مطمن عليها..
ابتسم إليه بيقين أنه هو من سيتزوجها وقريب للغاية، ثم اتسعت ابتسامته وهو يفكر في كل لحظة مرت عليه هو ووالده وهم مُبتعدبن عن بعضهم وهناك فجوة بينهم، ثم الآن الأمر يختلف كُليًا:
-موافقة سلمى عليا جاية جاية.. المهم دلوقتي إني عرفت المعنى بتاع مثل أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب
وقف “عامر”على قدميه يود الرحيل بعد أن فهم ما الذي من المُفترض أن يفعله هو ولما فعل والده ذلك، ولكن والده استوقفه وهو يتوجه ناحية الباب قائلًا بصوت خافت حزين:
-عامر.. خد بالك منها وبالراحة عليها.. أنا هعتمد عليك
استدار له “عامر” نظر إليه للحظات وهو يعيد نبرة صوته داخله يستمع إليها مرة واثنان واستنتج أنه خائف، قال بجدية وعينين حادة تتعمق به:
-كلامك مش مريحني
ابتلع والده ما وقف بحلقه ثم عاد إليه بنبرة جادة قائلًا:
-لأ ارتاح.. أنا بس حابب أعتمد على ابني وفي الفترة دي هنسى كل خلاف بينا وأفتكر مصلحة بنت أخويا بس، ياريت تعمل زيي
أومأ إليه بهدوء ثم استدار يستكمل سيرة إلى أن خرج من غرفة المكتب، لم يدلف حديث والده عقله، ما به “هشام الصاوي” يجعله يرفضه هكذا ويريد لها الإبتعاد عنه، إنه كان يعلم بالأمر لما الآن فقط فعل هذا؟ لا يدلف حديثه إلى عقله أبدًا وإلى الآن يفكر ما الذي قد يكون حدث منه ليجعل والده هكذا!..
إنه متيقن أن هناك شيء ما جعله يحتاج إليه ليقف جواره في مثل ذلك الموقف التافهه الذي لو كان قام بدوره فيه وحده لانتهى الأمر قبل بدايته…
سار صاعدًا إلى غرفته في الأعلى وعقله يعمل بجدية على استنتاج أي أمر يجعله يفهم ما الذي يحدث، لأنه يعلم أن والده لن يصارحه بهذه السهولة..
❈-❈-❈
جلست “سلمى” في غرفتها بعد صعود زوجة عمها وابنتها إلى غرفهم، ذهبت هي الأخرى إلى غرفتها وجلست بها، تفكر فيما فعله “هشام” وما فعله عمها وتلك الأحداث التي أتت خلف بعضها هكذا دون سابق إنذار وقبل أن تخطط لأي شيء..
ربما ما فعله “هشام” كان مناسب لجعلها تتفهم ما الذي تريده هي، لقد كانت موافقة عليه وتود الإرتباط به على الرغم من أنها تحب “عامر” وتريده هو لكن ما بقيٰ منها يرفض ذلك فتركض بخبية أمل ناحية الآخر لتكمل ما بقيٰ من حياتها معه على أمل أن
تحبه يومًا ما..
ولكن حضور “هشام” المفاجئ إليهم ليتقدم لخطبتها جعلها تستفيق مما كانت به وأشعرها بالرهبة والخوف مما تفعله ومما هي قادمة عليه، كيف لها أن تكون بهذه الحقارة؟ تعشق رجـ ـل وتريد الزواج من آخر؟ وما ذنبه هو ليتحمل إمرأة خائنة القلب مثلها؟ ما ذنبه ليبقى معتقدًا أنا تحبه وتهواه من قلبها وذلك القلب الخائن من الأساس مع رجـ ـل آخر!..
لا تريد ذلك، لا تريد الزواج منه، هي لا تحبه، لا تريد تكملة دربها المفقود معه، قلبها إلى اليوم لم يجد أحد آخر غير الخائن حبيبها السابق ليكمل معه ذلك الدرب ومنذ الفراق وهو مفقود..
ما توصلت إليه اليوم وكان من أهم الأشياء التي حدثت أنها لا تريد الزواج من “هشام” تراجعت عن ذلك ولن تفعلها حتى لا تظلم نفسها وتظلمه هو من قبلها بزواجه من خائنة..
بينما ما فعله عمها لا تدري ما الغرض منه، ولما رفضه بهذه الطريقة؟، ولما الآن فقط وأمامه أقترب من “عامر”؟ تساؤلات كثيرة داخل عقلها ليست حاصلة على أي إجابة وربما لن تحصل ولكنها تريد أن تفهم لما قد يحدث كل هذا!..
قبل أن تكمل تفكيرها دق باب الغرفة، تقدمت ثم فتحته فطل من خلفه عمها، فتحت الباب إلى آخره وأشارت إليه بيدها ليدلف إلى الداخل ففعل وتوجه ليجلس على الفراش فبقيت هي واقفة على قدميها تنتظر منه الحديث..
لكنه أشار إليها لتأتي وتجلس جواره، تقدمت ببطء وفعلت كما طلب منها ثم نظر إليها وأردف بصوت هادئ حنون:
-سلمى يا حبيبتي أنتي عارفه إني عمري ما ازعلك ولا أاذيكي.. أنا بس عايز مصلحتك وأنا شايف أن مصلحتك مش مع ده
أردفت بجدية ويقين أنه يفعل ذلك لأجل الحفاظ عليها ولكن في تلك اللحظة داهم عقلها سؤال ألقته عليه:
-وأنت عارف إن عمري ما أكسرلك كلمة لأني عارفة ومتأكدة إن اللي بتعمله لمصلحتي.. لكن سؤالي هنا عايز تجوزني لعامر؟
رد رافضًا ما قالته بقوة داعمًا موقفها مهما كان:
-لأ طبعًا طول ما أنتي رافضة عامر أنا رافضة ومش موافق على جوازك منه
رفعت حاجبيها للأعلى وتسائلت باستغراب بعد تفهمها أنه مازال رافضًا زواجها من ابنه:
-طب أنا عايزة افهم ليه رفضت هشام؟ وايه اللي خلاك تقرب من عامر بالطريقة دي فجأة كده؟
أجابها بما صرح به لابنه بالأسفل وأكمل حديثه مُتسائلًا باستفهام:
-هشام ده مش سالك وأنا مش مرتاح ليه نهائي، تعرفي إن ده أكبر منافس لينا؟
تذكرت أن “عامر” كان قد قال لها هذا الحديث سابقًا ولكن ما دخلها بكل ذلك:
-عامر كان قالي قبل كده، بس أنا ماليش علاقة بأي حاجه بتحصل
استغرب كيف لها أن تقول هكذا، أنها هنا تمتلك مال وبيت وأسهم في الشركة كما الجميع، أوضح لها قائلًا:
-مالكيش إزاي يا سلمى.. أنا خايف عليكي صدقيني الناس دول لو وصلت معاهم للقـ ـتل علشان مصلحتهم يعملوها
اتسعت عينيها أكثر عن وضعها الطبيعي وتسائلت برهبة:
-يعني ايه؟
وضع يده فوق كف يدها الموضوع على ركبتها وقال بجدية مُحاولًا معها إلى أن تتفهم حديثه وتقتنع به:
-يعني اللي سمعتيه يا سلمى، هما مش زينا وعمرهم ما هيكونوا زينا، أنتي فكرك أنا ساكت عن إيناس ليه وأنا عارف إن عامر معاه حق؟
أكمل بجدية وهي تنظر إليه تستفهم من حديثه أي شيء:
-إيناس مهما راحت ولا جت مش هتعرف تعمل معاكي أي حاجه ولا توديكي في طريق غلط لأن أنا عارف تربيتنا عاملة إزاي.. لكن دلوقتي أنا ملاحظ إنك بداتي تتخلي عن مبادئك
أنكرت ما قاله بشدة ودافعت عن صديقتها وابن عمها أمامه ولم تكن تعلم أنها بلهاء تدافع عن من يريدون إلحاق الأذى بها:
-لأ يا عمي أنا متخلتش عن مبادئ اللي حصل كان غلطة وإيناس بنت كويسه حتى هشام مشوفتش منه حاجه وحشه
أردف بصوت جاد وبه بحه من الرجاء الخالص لها:
-سلمى أبعدي عنه الولد ده وخلي علاقتك بايناس محدودة.. علشان خاطر عمك يا سلمى أنا خايف عليكي
وقفت على قدميها تنظر إليه وعقلها لم يستوعب أي كلمة مما قالها، هتفت بجدية شديدة وهي تتسائل بضيق وانزعاج لما يحدث وهي لا تفهم شيء:
-خايف عليا من ايه أنا مش فاهمه حاجه.. عمي أنت كلامك من الشرق والغرب وبجد مش فاهمه فيه ايه
رد عليها بتفهم وجدية واضحة مؤكدة حديثه السابق مرة أخرى:
-اللي قولته واضح يا سلمى، ناس مش كويسه يمكن طمعان فيكي يمكن ليه غرض تاني المهم أنهم مش كويسين أنا عارفهم يابنتي..
أكمل بهدوء لكي تقتنع أنه لا يغصب عليها في شيء وأن لها حرية الإختيار:
-أنا لسه عند رأي اللي أنتي عايزاه هيحصل ولو مش عايزة عامر يبقى لأ وليكي حرية الإختيار لكن ده لأ يا سلمى لأ
وقفت أمامه ونظرت إليه للحظات، ترى صورة والدها به، إنه يحبها ويستحيل أن يلحق الأذى بها ويعرف ما الذي يتحدث عنه، لو كان والدها لسارت خلف حديثه وهي مغمضة العينين ولأنه شقيقه ستفعل ذلك:
-على الرغم من أني مش مقتنعة بالكلام ده لكن كلامك هيمشي
وقف على قدميه وأقترب منها مُحتضن إياها وهو يحمد الله داخله أنها اقتنعت بحديثه لكي تبتعد عن ذلك الشاب الذي يشعر أن الخراب سيأتي من أسفل رأسه:
-هي دي بنتي
بقيت للحظات ساكنة في أحضانه ولكن عقلها لم يهدأ أبدًا…
بعد خروج عمها من الغرفة استمعت إلى صوت رنين هاتفها، تقدمت منه لتراه هو “هشام” يهاتفها..
أخذت الهاتف وقامت بالايجاب عليه ثم رفعته على أذنها ولم تتحدث بحرف واحد إلا وكانت تستمع لصوته الغاضب عبر الهاتف:
-ايه اللي عملتيه ده.. بعد ما أعملك مفاجأة علشان افرحك وأجي اخطبك ترفضيني عادي كده علشان خاطر عمك وابنه
أجابت على حديثه بجدية وعينيها تدور في المكان من حولها قائلة بقوة وتأكيد:
-أنا مرفضتش أنا وافقت على كلام عمي لأني مقدرش أكسر كلامه.. عمي هنا يبقى مكان بابا وهو ولي أمري
صرخ بعنف وهو يهتف بقوة عبر الهاتف وكانت شرارات الغضب تقطر منه من كل جانب بسبب فشل مخططه:
-يعني ايه ولي أمرك هو أنتي عيله أنتي عندك ستة وعشرين سنة بلاش شغل عيال صغيرة
ضغطت على حديثها الجاد حرف خلفه الآخر كي يلزم حده معها:
-كلمني بأسلوب كويس ووطي صوتك
مرة أخرى يهتف بنبرة حادة وفي نهاية حديثه يتسائل باستغراب وقوة:
-أنتي خليتي فيها كويس.. أنا مش متخيل إزاي قدرتي توافقي كده بسهولة معقولة أنتي بتحبيني.. معقولة!
صمتت للحظة كانت بها لا تعرف ما الرد المناسب على حديثه الحقيقي، تقول أنها لا تحبه حقًا؟ أم تكمل في الكذب وتقول أن هذه رغبة عمها:
-هشام الموضوع مش كده
استمعت إلى صوته الحادة الذي تسائل بقوة وغل استشعرته به:
-لأ كده وأبو كده.. ولا تكونيش لسه بتحبي عامر
ضغطت على نفسها لتكمل ذلك الحديث الكاذب، فهي لن تستطيع أن تعترف بما فعلته ستكون خائنة وهي تعرف جيدًا معاناتها كيف تكون:
-أنا لو بحب عامر مكنتش هوافق على جوازنا
صرخ مرة أخرى بصوته الحاد على ذكر ابن عمها وقال بقوة واستغراب حقيقي لأنه كان متوقع أن توافق عليه دون تفكير:
-واديكي رفضتي وابن عمك عامل نفسه كبير عليكي وبيرفض بقلب جامد وأنتي ساكتة.. إزاي مش عارف
جلست على الفراش بضعف ثم أجابته بقلة حيلة وضيق شديد احتل كيانها:
-أنا مكنش ينفع أكسر كلام عمي يا هشام.. صدقني غصب عني اللي حصل ده
هددها وبنرة حادة وهو يعلم أثر كلماته عليها الذي سيخفيها بعد قليل وكأنها لم تأتي ولكن ستزرع الرهبة بها:
-كلميه وقوليله إنك موافقة على الجواز مني وبتحبيني وإلا مش هيحصل كويس
للحظة شعرت بالخوف واستمعت إلى كلمات عمها المحذرة إياها منه في أذنها ولكنها تسائلت باستنكار:
-قصدك ايه
أصبحت نبرته لينة ضعيفة، رخيمة تحمل إليها الحب والحنان وما بدر منه ما هو إلا غضب لأجل سرقـ ـتها منه:
-قصدي إني بحبك يا سلمى وأنتي عارفه كده، وعارفه بقالي قد ايه بصبر نفسي علشان تكوني ليا ومعايا وبعد كل ده نبعد كده عادي
حاولت الحديث والبدأ باعتراف كي تستطيع أن تكمل:
-أنا آسفة بس…
مرة أخرى يلعب على ذلك الوتر الحساس وهو يڨاطعها:
-مابسش أنا مستعد أجي مرة تانية وانسى كل اللي حصل علشان خاطرك.. علشان نكون مع بعض
يعلم أنها تحب “عامر” ولكن يعلم أيضًا أن ضميرها لا يتركها يوميًا بسببه، بسبب أنها جعلته ينتظرها منذ عام على أمل الزواج منها، لن تكسر خاطرة وتكون خائنة كما “عامر”:
-أنا مش هقدر استغنى عنك بالسهولة دي يا سلمى.. مستحيل أنا حياتي كلها واقفة عليكي دلوقتي وأنتي كنتي موافقة من الأول مكنتش أعرف إن كل ده هيحصل
أجابته بقلة حيلة وهي ترى نفسها المخطئة هنا:
-ولا أنا كنت أعرف إن ده هيحصل
تحدث بجدية وقوة قائلًا:
-يبقى تتصرفي.. أنا أبويا وافق على الجواز وسألني ومقولتش أنه رفض أنا قولت إنكم هتفكروا ياريت بقى تخلصي الموضوع ده
أومأت برأسها عدة مرات وكأنه يراها ثم نطقت بكلمة الموافقة من بعدها تهربت لإغلاق الهاتف:
-طيب.. أنا هقفل دلوقتي
فعلتها دون حتى الاستماع إلى حديثه، أنها الآن في موقف لا تحسد عليه أبدًا، لقد وقعت في شر أعمالها، كانت تحاول أن تنساه فجعلت غيره يقع في حبها وهي تمادت في الأمر وجعلته يتعلق بها إلى درجة بعيدة وأصبح البعد عنه شيء صعب عليها للغاية
ضميرها لن يتركها ترتاح لأنها من فعلت به ذلك وفتحت له الطريق للإقتراب منها وهي من أعطته الموافقة في بداية الأمر وجعلته يتعايش على أمل الزواج منها..
لم تكن تعلم أنها ضعيفة إلى هذه الدرجة وستعود عما كان في رأسها وتتطالب بشخص غيره وغيره وغيره إلى أن تصل إلى مرادها المرفوض “عامر”
ليتها رحلت مع من رحلوا منذ عامين، كان الوضع سيكون أفضل من هذا بكثير.. على الأقل لن تكون وحيدة إلى هذه الدرجة..
ليتها تستطيع أن تفهم لما عمها قام بفعل ذلك، ولما تحدث عنه هو ووالده بهذه الطريقة لأول مرة، ولأول مرة بحياتها تراه يتحدث عن أي أحد بالسوء من الأساس، ليتها تستطيع أن تغير ما حدث وما فعله الجميع..
ليتها تستطيع أن تنزع حب “عامر” من قلبها وتضع ذلك الأحمق الآخر مكانه لتستطيع أن تقف في وجه الجميع وتطالب بالزواج منه مهما كانت العواقب..
الشجاعة مسلوبه منها لفعل أمر كهذا والأسباب كثيرة كأنها لا تحبه من الأساس، كأنها لا تريد الزواج منه، كأنها لن تجعل حديث عمها يضرب به عرض الحائط لأجل سواد عيناه..
يطلب منها حل وينتظرة، ما الذي بيدها تفعله؟ لقد وافقت على حديث عمها بل وقالت له أنها ستبتعد عنه من الأساس، وحتى لو لم تقول هكذا ولم يفعل عمها هذا من البداية، “عامر” لم يكن ليتركها تفعل ما يحلو لها معه، لم يكن ليتركها تذهب وتخرج هكذا دون وقفة حادة منه معها، هو من الأساس يتحدث عن الزواج منها بكثرة هذه الأيام وقلبها يرتاب منه ومن أفعاله الدنيئة التي اعتادت عليها..
أتدري ما عليها فعله! الانتظار.. حقًا هذا هو..
أن تجلس بهدوء وحدها في ركن بعيد عن الضجيج المزعج منتظرة العاصفة المُدمرة، التي ستسلب منها كل ما بقيٰ، أو تعطيها حتى ترضى
❈-❈-❈
“اليوم التالي”
وقفت “سلمى” في غرفة المكتب التي كانت تخص والدها الراحل، وقفت في أحد زوايا الغرفة أمام مكتبة الكتب الخاصة به، تنظر إليها بعينين ذابلة حزينة، توزع نظراتها عليها وهي غير واعية لما تبصره من الأساس..
عقلها منشغل بما حدث معها، وما الذي عليها فعله بعد ليلة أمس وأحداثها الغريبة كُليًا، كم تحاول تصفية ذهنها وعدم التفكير في أي شيء يجعل رأسها يداهمه الصداع الشرس الذي ينهش به..
مدت يدها وأمسكت بكتاب من بين الكتب الموضوعة على رفوف المكتبة أمامها.. أمسكته تنظر إليه بعينيها ثم مرة أخرى وضعته في مكانه بضيق وتشتت واستدارت بجسدها تعود للخلف ذاهبة لكنها اصطدمت به!..
منذ لحظات وهو يقف هنا خلفها مباشرة يتابع ما تفعله، تأخذ الكتب وتضعها مرة أخرى في مكانها، يبصر بعينه خصلاتها السوداء اللامعة بالبُنية، يبصر كل زفره ضيق ويستمع إليها مُستمتعًا بأي حركة تصدر عنها، يستنشق عبيرها الرائع الذي يدغدغ أنفه كلما تحركت خطوة بسيطة..
استدارت تذهب لكنها تعثرت به، وجدته جسد صلب شامخ يقف أمامها ولا يفصل بينهم شيء، عادت للخلف خطوة واحدة لترى أن المكتبة خلف ظهرها فلم تستطع الإبتعاد أكثر عنه..
بنظرة من عينيها على خاصته قد ظهر له أنها لا تفكر في أي شيء الآن، نظرة واحدة فقط فهم منها وأدرك أنها حتى لا تريد التفكير، تبدو مُشتتة، حزينة وهو أتى ليزيدها حزنًا ثم سيسلبة منها مرة واحدة دون أي إنذار..
بقيت تنظر إليه، عينيها تبادله النظرات الحزينة، الضعيفة، أزاحت كل شيء عن عقلها وبقيت تنظر إليه، هل هذا يكفيها منه؟ بعض النظرات فقط؟..
تنهدت بعمق أمامه مغلقة عينيها بهدوء ثم فتحتهما وأشارت إليه بيدها قائلة بنبرة خافتة:
-عديني
أخذ دورة للتعمق بنظراته عليها وخاصة عينيها ذات اللون الزيتوني، وقال بجدية مُلقيًا حديثه عليها:
-استني.. عايز أتكلم معاكي
أجابته بهدوء كما هي تبصره بدقة:
-نعم
أردف بجدية شديدة ووضوح تام وبعينين قوية فعلها ناظرًا إليها:
-أظن كده كفاية أوي.. إحنا لازم نتجوز
فتحت عينيها المُتسعة عليه بصدمة وذهول تام، كيف له أن يكون هكذا؟ يتحدث وكأن الأمر حتمي ويجب فعله، ابتسمت بسخرية لاذعة ثم قالت:
-مين قال إنه لازم؟ ومين قال إني هتجوزك يا عامر… أظن أن أنا وأنت والعيلة كلها في غنى عن كلامي اللي بقوله كل شوية واللي هو إني مش هتجوزك مهما حصل
عاد للخلف خطوة بعد أن وضع يده داخل جيوبه ثم أعطاها ظهره قائلًا بتأكيد وثقة:
-ده كلام فارغ مش هيحصل منه حاجه
أطلقت الكلمات منها بعنف بعد أن أغضبها حديثه الذي يصر عليه:
-هتتجوزني غصب؟
استدار بهدوء تام ونظر إليها بعينين حادة قائلًا بثقة:
-لأ برضاكي وهاخد الموافقة منك دلوقتي
رفعت يدها الاثنين أمام صدرها ونظرت إليه بسخرية شديدة ثم أردفت:
-ودي هتعملها إزاي بقى؟
ابتسم هو الآخر يبادلها تلك السخرية ولكنه كان كالصقر الجارح، كان فهد، في تلك اللحظات وبعد سخريته مثلها كان كالصياد الماهر المنتظر القبض على فريسته، أقترب منها ما ابتعده ويده مازالت في جيبه، تحدث ببرود وقسوة ظهرت على منحنيات وجهه:
-أنا مكنتش أحب أخد موافقتك كده لكن أنتي اللي بتضطريني.. بس معلش ولأخر مرة هسألك موافقة على جوازنا يا سلمى برضاكي؟..
أقتربت الأخرى خطوة مثله، تقلصت المسافة بينهم أكثر، وقفت أمامه وجهًا لوجه وبكل عنف وقوة أجابته ماحية كل مرة ضعف شعرت بها:
-نجوم السما أقربلك مني.. إنك تمسك نجمة من السما أقرب من إنك تتجوزني وتلمس مني شعرة واحدة يا عامر
أبتعدت شفتاه الرفيعة عن بعضهما وهو يبتسم ببرود، نظر إليها للحظات وأخرى بثبات وعيناه تلقي عليها ما لم تفهمه، ثم في لحظة أخرج يده من جيبه ساحبة معها هاتفه ليفتحه أمام وجهه ثم يأتي بما يريد أن تراه وهنا نستطيع القول إنه انخفض إلى أبعد من مستوى الدنائة…
مد يده إليها بالهاتف فنظرت إليه باستغراب وعدم فهم، لكنها بالأخير أخذته منه، أشار إليها بعيناه أن تنظر به ففعلت..
ابتعد عنها وأخذ يُسير في غرفة المكتب ببرود تام، ثم تحدث بكل القسوة الموجودة في العالم، وبكل القهر أشعرها بذلك قائلًا:
-بصوابع ايدك الحنينة الحلوة اللي كنتي بتمسكي بيها ايد هشام الصاوي فري في الموبايل وتأملي نفسك وجمالك الخلاب
استدار في سيره ينظر إليها بوقاحة وخبث شامتًا بها:
-الصور فيها هضاب ومرتفعات بس جامدة الصراحة، تخيلي بقى بعد موت عمي اللي يرحمه الراجل الطيب الأصيل بنته تعمل فيه وفي سمعته كده؟ لأ لأ مايصحش.. تعرفي إني الصور دي في صالحي من أي إتجاه
وقف ثابتًا على بعد خطوات منها ينظر إليها بثبات وقوة ولم يحمل لها في تلك الكلمات إلا القسوة والذل:
-مهو أصل أنا لو نشرتها هتتفضحي وعمي الله يرحمه معاكي والعيلة كلها وبعدها هتجوزك علشان نلم الفضيحة.. ولو حبيتي نمسح الصور هنمسحها وتتجوز من غير فضيحة وكان يعز عليا والله إني احطك في الموقف ده بس أنتي اللي عملتي كده
انهمرت الدموع من عينيها بغزارة، تنظر إلى صورها الفاضحة في هاتفه، تستمع إلى حديثه القاسي الذي ينهش بجسدها دون رحمة أو هوادة، انهمرت الدموع بكثرة وهي لم تستطع الحديث أو النظر بوجهه، كيف له ان يفعل بها ذلك؟ كيف؟
بقيت على وضعها لحظات وعقلها لا يطرح عليها إلا التساؤلات الغير موجود لها إجابة، في لحظة خاطفة رفعت عينيها الباكية عليه لتراه يتعمق بالنظر عليها..
فور أن رأته ينظر إليها دون ذرة شفقة بعينيه فارت الدماء بعروقها واشتعل الغضب داخلها، تقدمت منه بخطوات سريعة متعثرة ثم ألقت الهاتف بوجهه لكنه تمسك به جيدًا ونظر إليها مُبتسمًا بسخرية..
أقتربت أكثر ثم رفعت يدها في الهواء لتهوى عليه بصفعة تذكره بمن هي ومن هو ولكنه لم يجعلها تحذر بأن ذلك سيحدث، أمسك بذراعها وثناه خلف ظهرها ثم أمسك بالآخر بعد أن ألقى الهاتف من يده على المقعد جواره، جعلها تستدير إليه لتواجهه بظهرها وضغط على ذراعيها الاثنين بعنف وقسوة هاتفًا بضراوة بجوار أذنها بعد أن قربها منه للغاية:
-الفرح هيبقى بعد شهر من دلوقتي وهتقولي للكل إنك موافقة بمزاجك وإلا أنتي عارفه اللي هيحصل
استمع إلى نحيبها الذي خرج منها ولم يرأف بها أبدًا متذكرًا خيانتها لثقته وخروجها مع ذلك الحيوان فصاح بعنف وشراسة أكثر وهو يضغط على ذراعيها:
-مش هسيبك تروحي مني مهما حصل.. مش هتكوني لحد غيري
أردفت بضعف ونبرة خافتة خرجت من بين شهقاتها المستمرة بفعل بكائها:
-أنا بكرهك

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى