رواية بين دروب قسوته الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ندا حسن
رواية بين دروب قسوته الجزء الثاني والعشرون
رواية بين دروب قسوته البارت الثاني والعشرون
رواية بين دروب قسوته الحلقة الثانية والعشرون
“رأت من لعن اسم الحب “عامر القصاص”
بقيت العيون تتبادل النظرات بالمرسال وأخرى بينهم تتابع ما يبعثه كل منهم للآخر، قابلته بعينين لا تدري نظراتها نحوه ماذا تقول له، هل ترسل له أنها ندمت كثيرًا لأجل مسامحته وتكملته الدرب معه من جديد..
هل ترسل له عيناها أنها تشعر بالخذلان القـ ـاتل الذي قابلته منه بعد خيانته لها مرة أخرى؟
هل ترسل عيناها كم الألم الذي تشعر به حاليًا!، هل يشعر هو بقلبها النازف ندمًا وألمًا؟
كانت في بداية حضورها تنظر بعينين ذاهيتين كوردة متفتحة جميلة من التي كانوا على يدها ومقرهم الآن على الأرضية، ثم تحولت إلى عيون ذابلة كوردة أهملها البستاني في حديقة الأشواك..
تابعها هو الآخر بندم ولكنه والله كانت نيته كل الخير، تابعها بحزن لأجل أن القادم بينهم لن يكون هينًا أبدًا ولكنه والله لم يكن يقصد ما جال بخاطرها..
تحدثت عينيه البُنية تحاول سرد ما كان يحدث، تحاول أن تبرر موقفة أمامها، تحاول أن تبعث لها المراسل بأنه لا يحب غيرها..
ولكن نظراتها بقيت كما هي تتحول من شعور إلى آخر ترسمة له يصر على قتـ ـله.. فقد كانت نظرات قاتـ ـله ليس لها أي مثيل..
كان الصمت بينهم سيد الموقف وهو الجاني والمجني عليه يريد الحديث ولكن فمه كأنه لجم لا يستطيع فتحه للتحدث والبوح لها بما كان يحدث
لا يستطيع حتى التبرير بشفتيه ونبرة صوته ترتفع أمامها ليبرأ نفسه..
وقفت “جومانا” بينهم تتابع ذلك الصمت القاتل بينهم ولم تتحدث بل تنظر إليها مرة وإليه اثنين، تتابع كل نظرة تصدر منهما لتحاول فهم ما الذي يتحدثون به عبر لغة العيون تلك..
ضغطت “سلمى” بيدها على مقبض الباب، بغل واضح وحرقة داخل قلبها تشتعل مع كل لحظة تمر عليها والنيران تلتهب داخل عينيها الحزينة التي تخفي قهرها..
خرج صوتها الناعم الحزين بخفوت وعتاب قد أخذه منها بكل حواسه:
-المرة دي سمعت وشوفت ومحدش باعتني وللأسف المرة دي مش سكران علشان تبررلي وأصدق
خرج اسمها من بين شفتيه بخفوت يبادلها مثله ولم يكن يعلم ما الذي يقوله:
-سلمى
ابتعدت ببصرها إلى تلك الخبيثة التي كانت تقف بينهم، قابلتها بنظرة مشمئزة منها ومن هيئتها وما فعلته، ثم ذهبت بعينيها إليه مرة أخرى دون عتاب دون حديث دون أي شيء مما أخذه سابقًا..
استدارت بجسدها عائدة إلى المكان الذي أتت منه وتركت مقبض الباب وأطاحت الورود بقدمها على الأرضية لتتقدم عليها فتدعسها بقدمها وحذائها ذو الكعب العالي وهي تمر إلى الخارج، كما دعس على قلبها وسحقه أسفله!..
سارت بقلب مفتور، تحطم إلى أشلاء وتبعثر في الطرقات والدروب القاسية، قطعة واحدة فقط منه وقعت في دربه هو ونالت القدر الكافي من القسوة المُرة عليه..
ابتعدت عنه وروحها تنزف ألمًا وحزنًا، جميع خيباتها الماضية لا تعادل هذه المرة أبدًا، لا تعادلها مهما حدث..
سارت بروح مقهورة وعينين يتساقط منها اللؤلؤ الغالي ثمنه، يهبط منحدرًا دون ثمن بل كان بالرخيص منه وإليه..
خرج ورائها وحاول التحدث معها، يسير وهو يهتف بالكلمات المعتذرة مطالبًا بالإستماع إليه كي يشرح لها الوضح وما حدث..
يعترف بحبه الكبير والغالي لها ويكذب ما استمعت إليه وشاهدته مُطالبًا بفرصة واحدة كي ترى الأمور من منظورها الصحيح..
البكاء كان يعمي عينيها، الاستماع إليه في تلك اللحظات لم يحدث ولم تفهم ما الذي قاله من الأساس، هي كانت تستمع إلى كلماته المعترفة بالحب لأخرى، كانت تترد على أذنها بكثرة وبمؤثرات صوتية غبية تزعج أذنها بقوة وعنف..
هل ذلك القلب ليس مقدر له السعادة؟..
صعدت إلى سيارتها التي أتت بها وأدارت المحرك مبتعدة عنه، تريد أن تبدأ في مفترق الطريق بينهم..
أحيانًا نتلاقى في الدروب، وأحيانًا أخرى لا تسعنا من قسوتها..
زفر بضيق وبغض لأجل كل ما حدث وضرب الأرضية بقدمه في حركة عنيفة منه ثم سريعًا لم يفكر كثيرًا ذهب ليأخذ سيارته ويذهب خلفها.. تاركًا أخرى غيرهم هما الاثنين تنظر من الأعلى تتابع ما حدث..
لقد كانت تريد فقط أن تكون معه، ولم تكن تريد أن تخرب علاقتهم، ليس لها يد فيما حدث ولكن قلبها الغبي هذا هو من تحرك لأجله وجذبها خلفه مرة أخرى تطالب بالقرب منه..
لا تستطيع الابتعاد عنه بهذه الطريقة، في البداية كانت معه على هذا النحو دون اعتراض لأنه لم يكن مع أخرى غيرها بل كانت هي الأولى في حياته ومن يلجأ لها في كل شيء، ولكن الآن قد عاد إليها وأخذته منها من جديد وتركها وحدها وهي من كانت تفعل له كل ما يريد في غمضة عين
لا تريد منه أي شيء سوى بعض الحب والرقة، لا تريد سوى أن تكون معه وجوراه، هذا كل ما تطالب به ولن تزعجه في حياته معها.. لن تكون الشخص السيء، قلبها هو السيء لأنه لا يطيق الابتعاد عنه، لا يطيق أن يكون معها وحدها!..
ولج “عامر” إلى الغرفة سريعًا بعد أن وصل خلفها، نظر إليها وهي جالسة على الفراش تعطي ظهرها إليه تنظر إلى الأرضية مُنحنية على نفسها، دلف إليها ووقف أمامها ينظر إليها قائلًا بصدق وإخلاص:
-سلمى اللي شوفتيه أنتي فهماه غلط صدقيني
ترقرقت الدموع بعينيها الزيتونية ورفعت وجهها إليه تهتف بصوت مُخنتق ساخرة من حديثه:
-فين الغلط؟ حاضنها وبتقولها بحبك وهي بتقولك بحبك.. وأنا اللي وقفت في النص بينكم مش كده
ثني ركبيته الاثنين وجلس على الأرضية أمامها ينظر إليها بعينين لامعة بالصدق والحب هذه المرة:
-أبدًا.. أبدًا وحياتك اللي حصل غير كده
خرجت الدموع من عينيها وهي تهتف بحدة تقص عليه ما كان سابقًا أسباب لخيانته والآن لا وجود لهم:
-غير كده؟ لأ مكنتش سكران، محدش جبرك تقول كده، كنتوا لوحدكم مش هصدقك المرة دي
قدم يده الاثنين إلى وجهها يمسح دموع عينيها بابهامه مُكرمشًا ملامح وجهه يهتف بندم:
-أقسملك بالله أبدًا والله العظيم مش بحب غيرك، أنا معترف إن جومانا بتحبني وأنا عارف ده من زمان وغلطت
أشاحت يده الاثنين عنها ببغض وحزن يقهر في قلبها مع الاشتعال المتواجد به، وضع يده بجانبه وأكمل حديثه يحاول إقناعها:
-غلطت لما سيبتها قصادي وأنا عارف ده بس أنا هصلح غلطي وحياتك
تهكمت على كلماته ومازالت الدموع تسيل على وجنتيها بقهر وحزن شديد:
-يااه تصدق كده اقتنعت
أقسم أكثر من مرة كي تصدقه، الموقف صعب يعلم ويعلم أيضًا منذ لحظة رؤيتها أن هذا ما سيحدث خصوصًا أن تاريخه ليس مُشرف معها:
-والله دي الحقيقة، جومانا كانت عايزاني أكون معاها من وراكي بس وحياتك عندي أنا رفضت وفي دخلتك كنت بقولها إني بحبها زي أختي والله العظيم يا سلمى دي الحقيقة
أشاحت بوجهها بعيد عنه ومسحت الدموع عن وجهها قائلة ببغض واشمئزاز:
-أبعد عني
نظر إليها مُضيقًا عينيه عليها يقول برجاء:
-سلمى بلاش تعملي كده، مش قولتي إنك بتثقي فيا
عادت إليه مرة أخرى تتابعه وصرخت بصوت عالي به:
-ويارتني ما قولت.. دي المرة الكام اللي بتخوني فيها
نفى ما قالته وعارض حديثها وهو يقف على قدميه يقول بصوت مرهق:
-مخونتكيش والله مخونتك ولو عملتها هقول وأنتي عارفه بس والله معملتهاش ولا هعملها أبدًا
سألته بنبرة مرهقة مثله انخفضت وأصبحت خافته في لحظة وكأنها تمر على محطات كثيرة تظهر بها وتختفي بالأخرى:
-اومال ده اسميه ايه
أجاب على سؤالها بصدق ونبرة جدية شديدة ليس بها أي ألاعيب منه:
-صدقيني كنت بقولها إني بحبها زي أختي، حضنتها علشان كانت بتعيط أنتي شوفتي وأنا والله هنقلها من عندي ومش عايز أشوفها تاني لو علاقتنا هتتأثر بسببها
لم تنظر إليه ولم تصدقه وبقيت على وضعها والشك يكبر داخلها والحزن يأخذ مكانه، فتابع هو يحاول ويحاول معها:
-سلمى أحلفلك بايه إن ده اللي حصل، بقول وحياتك وأنا معنديش أغلى منك
مرة أخرى يعترف بحبه لها هي وحدها وينفي أي شيء غير ذلك:
-سلمى صدقيني والله مابحب حد غيرك أنتي حياتي كلها، أنا كنت بهديها علشان تبطل عياط وتفهم إني بحبك
حركت رأسها يمينًا ويسارًا بنفي وعادت إلى البكاء مرة أخرى فقد فُتر قلبها وروحها تفتت معه، فهذه ليست المرة الأولى لتكرار نفس الموقف:
-مش قادرة أصدق
أقترب مرة أخرى وانحنى أمامها يقابلها قائلًا:
-لازم تصدقي.. أنتي كده مش بتثقي فيا يا سلمى
حتى وإن كان هذا كما يقول وهو برئ مرة أخرى، أليس ما يحدث يحزن المرء ويجعل شعوره سيء!، أليس ما يحدث يخزن الحزن في القلوب!:
-أثق فيك إزاي بعد اللي شوفته
قرب حاجبيه من بعضهما رافعًا إياهما إلى الأعلى قائلًا بتأكيد:
-كلامي نفى اللي شوفتيه لازم تصدقيني
نظرت إليه والدموع تنهمر من عينيها مصرة على البكاء، شاعرة بأنها لم تبكي منذ فترة فقالت لنعود إلى عادتنا، أردفت بنبرة مرتفعة تحترق:
-كنت مصدقاك.. كنت مصدقاك في كل حاجه وجيالك بورد لحد عندك.. بحاول أخلى حياتك أحلى وأحلى وأنت بتعمل ايه
أجابها بهدوء ونظرة حنونه:
-بعمل اللي يرضيكي وبس
صاحت بشر وغل احتل قلبها بعد الحزن والضعف الذي يتمكن منها في كل مرة:
-اطردها نهائي
أجابها بتردد بعد أن استمع إليها وقال ما كان سيفعله حقًا قبل حديثها وقد أدلى به للاخرى:
-هنقلها، هنقلها مكان تاني بعيد عني
أصرت على حديثها وقالت مرة أخرى تأكد عليه وتضغط على حروفها بقوة:
-أنا بقول اطردها نهائي
تنهد بعمق وزفر ثم نظر إليها وأومأ برأسه موافقًا:
-ماشي، ماشي يا سلمى لو ده هيريحك هطردها
تابعت عينيه للحظات، ولا تدري أتصدقه وتصدق قسمه أمامها أكثر من مرة، تصدق كلمة “وحياتك” الذي لا يقولها إلا إن كان صادقًا حقًا، تصدق قلبها الحزين الذي يقول أنها تزعجهم فقط وتعكر صفو العلاقة الصافية بينهم.. أم تستمع إلى عقلها وتصدق ما يقوله عن كونه خائن وسيظل كذلك!..
حاول أن يمسك بيدها ووجهه هادئ ولكنها لم تسمح له بل جذبت يدها منه ووقفت ذاهبه من أمامه إلى المرحاض غالقه بابه من خلفها بعنـ ـف وحدة ونظرتها نحوه مازالت قاسية..
تنهد بضيق ووقف على قدميه متوجهًا إلى مكانها على الفراش ثم جلس عليه بارهاق شديد، لقد رأت مشهد غير لائق بالمرة ومعها كامل الحق فيما تفعل وإن لم تصدق لن يلومها ولكنه لم يفعل شيء..
يترك فقط إليها ذكريات بشعة غريبة على كلاهما ويطلب منها السماح والعفو في كل مرة، أليس هذا جنون؟ أو قد يكون ظُلمًا…
نظر أمامه يحاول التفكير في كيف يمكن له أن يثبت لها أن ما رأته ما هو إلا شيء ليس مهم على الإطلاق وكل المهم والأهم في حياته هي.. هي فقط!..
❈-❈-❈
“اليوم التالي”
هبطت “هدى من أعلى الدرج مع زوجها “تامر” بوجه مُبتسن بشوش يبدو عليه السعادة التي لم تنعم بها كثيرًا بل شعرت بها وكأنها نسمة هواء سريعة مرت عليه ثم ذهبت مُبتعدة إلى نهاية الدنيا، ومن بعد ذهابها أكتشفت أنها لم تكن سعادة خالصة بل كان خلف تلك النسمة الرائعة سر كبير ليتها عرفته من قبل مرورها عليها..
تقدمت من والدها ووالدتها الجالسون في صالون الفيلا وألقت عليهم تحية الصباح هي وزوجها، ابتسمت والدتها ثم أردفت قائلة وهي تقف تشير إلى غرفة الطعام:
يلا نفطر احنا كنا مستنينكم
أجابها “تامر” بهدوء وخرج وهو يستأذن منهما:
-معلش أنا مش هفطر لازم اروح الشركة أنا متأخر
وقف والدها هو الآخر مقابلًا لزوجته وأردف:
-الشركة مش هتطير تعالى الأول أفطر يابني
أمتنع مرة أخرى بهدوء ولباقه ينظر إليهم بخجل:
-لأ معلش أنا النهاردة متأخر هبقى أفطر هناك
أشار إليه بيده قائلّا:
-زي ما تحب
ثم سار إلى الغرفة ومن خلفه زوجته لكي يتناولون الطعام سويًا، نظر “تامر” إلى زوجته “هدى” وهتف بحنان وحب والابتسامة على وجهه:
-عايزة حاجه يا حبيبتي
ابتسمت هي الأخرى بوجهه وأردفت مُجيبة عليه:
-عايزة سلامتك
استدار ليرحل وهو يعلم أنها إلى الآن لم تستطع أن تكن أي من مشاعر الحب إليه، هذا واضح أمامه كوضوح الشمس في النهار، إلى الآن لم تحبه ولم تشعره بذلك فقط تتعامل معه بود ولباقة كأي شخص آخر ليس زوجها..
ولكن هو أراد ذلك، أحبها وأرادها رغم أنه يعلم كل شيء، لم يشكي ولن يأنبها على شيء، سينتظر قليل من الوقت وكثير من خلفه، سينتظر إلى أن تعبر عن حبها إليه دون ضغط أو بغض.. سيجعلها تفعل ذلك بكل إرادتها ومحبتها..
على الناحية الأخرى كانت هي تعلم أن ما تفعله ربما يكن صعب على رجل مثله، ولكنه يعلم كل شيء منذ البداية، شعرت بإعجاب ناحية شخصيته وحبه وكل ما قدمه إليها ولكن ستكون كاذبة للغاية إن قالت إنها أحبته حقًا كما أحبت “ياسين”..
توقفت عن التفكير لحظة معنفة نفسها بسبب ذكرها لـ “ياسين” حتى وإن كان ذلك داخل عقلها فقط، عليها أن تكون امرأة وفية لزوجها الذي كتب اسمها على اسمه وأصبحت حلال له، ليس من المفترض التفكير في “ياسين” أو ذكر أي شيء كان يخصه هو
ستحاول أن تظهر إلى زوجها أنها بالفعل بدأت أن تحبه وتكن إليه شيء داخل قلبها، وهي واثقة أن ذلك سيحدث تدريجيًا..
دلفت إلى الغرفة بعد أن نادت عليها والدتها، جلست على طاولة الطعام مع والدها ووالدتها ثم نظرت إليهم وتسائلت قائلة:
-اومال عامر وسلمى منزلوش ليه
أجابتها والدتها بعد أن ابتلعت الطعام قائلة بنبرة عادية:
-عامر خرج من بدري وسلمى كمان راحت الجمعية
لوت شفتيها قائلة ببساطة:
-كانوا بيفطروا معانا كل يوم ايه اللي حصل
أجابتها والدتها بعدم اهتمام لمعرفة ما يحدث بينهم أو معهم، الشيء الأهم أنهم الآن سويًا:
-مافيش حاجه حصلت بس عامر بيقول عنده شغل وسلمى كمان بتقول أنها أهملت الجمعية الفترة اللي فاتت
أومأت إليها الأخرى ثم بدأت في تناول الطعام مثلهم..
❈-❈-❈
بعد تلك الفترة الصغيرة التي مضت عليهم، فعل والد “هشام” كل ما بوسعه لكي يخرج ابنه من السجن، قدم كل ما لديه لأكثر من محام، حاول بالحديث وبغيره، بالمال وبغيره، كان على أتم الاستعداد لأي شيء قد يطلبه منه أحد يقول أنه سيخرج ابنه من السجن..
وآخر ما توصل إليه هو أن يقوم باستخدام شخص يحل محل ابنه في القضية ويأخذ الإتهام له ويقوم بالاعتراف على نفسه بأنه من وضع تلك الأشياء عنده في المكتب مقابل بعض النقود… التي ربما تكن كثيرة للغاية بالنسبة إلى الشخص الذي سيأخذها عنه
وقد كان هكذا حقًا وفعل ذلك، قام بالاتفاق مع رجل قليل الحيلة، فقير المال لا يجد الطعام ليعطيه لأولاده فكان العرض الذي عرضه عليه والده مغري للغاية، أن يأخذ نصف عمره داخل السجن وأولاده في الخارج تأكل وتشرب في طبقة عالية أفضل بكثير وكثير مما هي عليه فهذا هو الأفضل على الإطلاق..
أخذت الإجراءات وقت آخر بعد أن قام الرجل بالاعتراف بأنه هو من وضعها هناك بعد أن كان مقدم على وظيفة رجل أمن على الشركة ومن ثم وافقوا ترك أغراضه في مكتب “هشام الصاوي” لأن هذا مكان آمن بالنسبة إليه لن يعرفه أحد وكان في الصباح الباكر سيتوجه ليأخذهم، اعترافات كثيرة وحديث من هنا وهنا أدى في النهاية إلى خروج “هشام”، ولم يفكر والده للحظة في الاعتراف على “عامر” بأنه هو من دفع الرجل لفعل ذلك..
بل كان همه الوحيد أن يخرج ابنه بسلام فلا يريد أن يدخل في متاهة أخرى لا يدري ما الذي سيحدث فيها..
❈-❈-❈
تعرض “هشام” إلى خيانة كبيرة من قِبل “عامر”، لم تكن متوقعة بالمرة وأعتقد أنه لن يفعل شيء ولن يستطيع فعل شيء يرد به على كل ما فعله بهم..
استهزأ بخصم مثله وأعتقد أنه الأقوى لتأتيه الضربة منه قاسية للغاية..
صاح بصوتٍ غاضب والغل يظهر به بكل وضوح وهو يضرب الحائط بقبضة يده:
-أنا مش هسيبه ولا هسيبها.. عامر ده هيشوف مني أيام سودة وبدايتها بكرة.. يجي عليه بكرة وهيشوف هعمل فيه ايه
أجابته ابنة عمه الجالسة على الأريكة خلفه تنظر إليه باستهزاء لأنه لم يستمع إلى حديثها، فهي تعرفه جيدًا وتعرف ما الذي يفكر فيه ويفعله:
-قولتلك إنه مش سهل وسكوته مش ضعف أنت اللي عملت فيها سبع رجال في بعض
استدار صارخًا فيها بصوته الحاد ناظرًا إليها نظرة قاتلة:
-بقولك ايه أنا مش ناقصك أنتي كمان اخرسي
ابتلعت ما كانت تريد قوله داخل جوفها بعد سبه لها، اعتدلت في جلستها وتحاملت على نفسها قائلة بهدوء:
-أنا بحاول افهمك واديك عرفت أن كلامي صحيح.. المفروض تسمعلي المرة دي
مرة أخرى صرخ بها قائلًا بعنف وعصبية شديدة ينظر إليها بعينين قـ ـاتلة غير قادر على الاستماع إلى نصائح أحدهم:
-أنا مش هسمع لحد المرة دي هعملها بنفسي وهشيله من على وش الأرض
نظر إلى البعيد وتذكر تعنيف والده إليه ونعته بأنه فاشل وفي كل مرة يفشل فشل ذريع أمام “عامر القصاص” ألم يبقى سوى هذا ليقوم بالمقارنة بينهما؟
لقد تحمل فوق طاقته، استمع إلى الكثير من والده وبسبب ذلك الحيوان ليس غيره، بسبب أنه لعب من خلفه بعد أن جعله يطمئن بسكوته الدائم وما فعله لم يخطر على بال أحد فهو لم يترك خلفه أي دليل ولا أي شيء يقول أنه من فعلها..
حتى المجرم عندما يقوم بارتكاب جريمة يترك خلفه أثر يدل الشرطة عليه أما هذا لم يترك وهذا ما سيجعله يجن، حتى أنه بعد فعلته لم يبعث إليه أي رسالة يعرض بها عضلاته وأنه قادر على فعل أي شيء في أي وقت.. لم يفعل
تابعته “إيناس” وأردفت قائلة بخبث ومكر لا يؤدي إلا إلى ما تريد هي وليس ما يريد هو:
-يا غبي عامر ايه ده اللي أنت بتفكر فيه
استدار ينظر إليها بصمت وهو يراها تكمل حديثها بجدية خبيثة يظهر على وجهها الصدق والثقة مما تقول:
-الانتقام الحقيقي يبقى في سلمى، ست الحسن
أعترض على حديثها بجدية وإرهاق:
-بقولك ايه يا إيناس سيبيني في حالي
يعلم أن ما تقوله صحيح وهدفه الأول والأخير هو ابنة “أحمد القصاص” ولكن وقوف ابن عمها في طريقه ومواجهته الغبية له جعله يفكر في التخلص منه أولًا واضعًا هدفه الأساسي في أحد الزوايا.. وهو لن ينساها أيضًا مهما حدث
وقفت على قدميها، تقدمت منه بهدوء تنظر إليه بجدية وبعينين واثقة، أردفت بعد أن وقفت أمامه بنبرة هادئة:
-حالك هو حالي وأنا بفهمك، أنت عايز تنتقم منه صح! يبقى الانتقام في سلمى مش فيه
لا يعلم لم وقف منتبه إلى حديثها وتسائل عن مقصدها بشفتيه وعينيه معًا:
-قصدك ايه
ابتسمت بهدوء ومكر، تعمقت الكراهية داخلها وأكلت أكبر جزء له التحكم بها، أكلت قلبها وكل وروحها، أكلت كل عضو كان به ولو نسمة براءة داخلها:
-لما أنت تقتله يبقى أنت كده ريحته لكن لما تقتل حبيبة القلب يبقى فعلًا بتعذبه، كده أخدت منه روحه بس سيبته عايش من غيرها
تحدث بكراهية والاشتعال داخل جسده يعلم كلما تذكر ما الذي فعله به:
-أنا مش هسيبه عايش ولو كنت هعملها فده قبل ما يدخلني السجن ولولا عمك جاب واحد شالها عني كان زماني هقضي عمري كله جواه
حاولت إقناعه وهي تتحدث بهدوء تسرد إليه ما الذي سيحدث لـ “عامر” في مخيلتها بعد فقدانه “سلمى” إلى الأبد:
-لما تقتل سلمى هيتوه، هيبقى زي الغريب في أرض مش أرضه هينسى كل حاجه إلا هي
عارضها مرة أخرى وهو يسرد إليها ما الذي سيحدث أن قام بقـ ـتله هو وكيف سيكون هذا هو الداعم الأكبر له بالنسبة لحصوله عليها:
-لما أقتله هخلص من قرفه ووقفته جنبها وهتبقى هي وحيدة هتمكن منها وأعمل كل اللي أنا عايزة
حركت رأسها يمينًا ويسارًا تنفي ما يقوله وابتسمت بسخرية تحاول أن تجعله يصدق حديثها ليفعل ما تريده ويقوم بقـ ـتلها ليكون “عامر” وحدهؤ
تقف قبالته وتشمت به:
-غلطان.. عامر لو حصله حاجه سلمى مش هتكون بالسهولة اللي أنت متخيلها
ضيق عينيه عليها وأردف هو الآخر باقتناع تام بما يقوله:
-مش فاهم قصدك.. وبعدين حتى لو زي ما بتقولي هي ست مهما كان أقدر عليها وعلى عشرة زيها
أردفت بثقة كبيرة بدت أمامه ظاهرة للغاية وهي تذكرة لما قالته ولم يفعله فأتى ذلك بالضرر عليه:
-اسمعلي تكسب أنت بتكلم واحدة عرفاهم من سنين واديك شوفت اللي حصلك لما مسمعتش كلامي
استدار بجسده إلى الناحية الأخرى، نظر في الفراغ قليلًا وهو يعيد على عقله حديثه وحديثها، يفكر في الحل الأمثل إلى هذه المعضلة، ثم ابتسم واستدار إليها يهتف ساخرًا:
-بكرة.. بعده بالكتير ردي هيكون عنده وأنا عرفت هعمل ايه كويس
نظرت إليه باستغراب فلم تفهم ما الذي يقوله وما الذي توصل إليه فاقتربت منه لتكمل معه الحديث وتعرف ما الذي سيحدث منه إلى الطرف الآخر والذي سيسعدها كثيرًا..
❈-❈-❈
“في المساء”
خرجت “سلمى” من المرحاض بعد أن نعمت داخله بأخذ قدر كبير من المياة على جسدها لتستفيق بعد يوم كان شاق عليها، غير أن ذهنها من الأساس ليس صافي بسبب ذلك الغبي زوجها..
بدأت في ارتداء ملابسها وهي تفكر فيما حدث بينهم، لا تستطيع أن تجعل الأمر يمر بينهم بتلك السهولة التي يتحدث بها ويتخيلها، كيف لها أن تفعل ذلك!..
ويتحدث عن الثقة أيضًا!، أي ثقة هذه هي لم تكن تعرف أنه إمام مسجد بل تعرف أنه يشرب ما حرمه الله ويدخن وكان يحل أي شيء دون النظر إلى أساسه ويعرف النساء وبكثرة!..
لو كان رجل جاد لم يسبق لها أن تراه في مثل ذلك الموقف لكانت صدقته، ولكنها لا تستطيع..
مرة أخرى تراه في أحضان امرأة، من الممكن أن يكون حديثه صحيح ومن الممكن أن يكون صادق ولكنها!.. لا تستطيع أن تمر ما حدث بتلك السهولة..
لما كل شيء بينهم صعب إلى هذه الدرجة! ألم يعشق أحد في الدنيا غيرهم؟ أليس هناك غيرهم!، أنها تتشوق إلى نيل السعادة الأبدية، تتشوف إلى ترك كل هذه الشكوك والنظرات الموجعة لكلاهما.. تحلم باليوم الذي ستكون فيه واثقة به ثقة عمياء وإن رأته في فراشها مع غيرها.. تشعر وكأن كل شيء ضدها، السعادة لا تدوم أبدًا
توقفت عن تصفيف خصلاتها أمام المرآة عندما استمعت إلى اشعارات تأتي إلى هاتفها مُصظؤة صوت منه، توجهت إلى الفراش وجلست عليه ثم أمسكت به تنظر بهدوء ولكن لم تتوقع شيء أخر يكون ضدها مع كل ذلك..
هوية مجهولة تحادثها مرسلة إليها بعض من الملفات المسجلة، بعض من الصور المخفية عليها تحميلها، ورسالة طويلة للغاية..
فتحت أول ملف ووضعته بالقرب من أذنها لتستمع إلى ما به وكان صوت زوجها، “عامر” الروح المزروعة داخل جسدها، رفيق دربها وسبب حزنها وفرحها..
صوته تردد على أذنها بتوعد وغضب شديد وأنفاسه مضطربة:
-وديني يا إيناس سلمى ما تعرف أي حاجه عن اللي كان بينا لهندمك على اليوم اللي شوفتيني فيه
اتسعت عينيها بصدمة تامة، أبعدت الهاتف عنها ونظرت إليه بتحديق ودهشة، عقلها لم يستوعب ما الذي أردف به، استمعت إلى دقات قلبها وزقزقة عصافير معدتها، تسائلت بذهول، ما الذي كان بينهم ولا يريد أن تعرفه!؟
ارتعشت يديها المُمسكة بالهاتف، بل ارتعش جسدها بالكامل، ابتلعت ما وقف بجوفها وازدادت التساؤلات المُنبعثة من عقلها ولم تكن تحمل أي إجابة له..
رفعت الهاتف مرة أخرى وفتحت الملف المنبعث بعده، لتستمع إلى صوت “إيناس” الواضح بقوة:
-لو فاكر إنك لما تسرق موبايلي اللي عليه صورنا سوا بحجة أنه عليه صور بنت عمك العريانه إن ده هيوقفني تبقى غلطان ومعرفتنيش صح.. أنا إيناس يا عامر ومش هسيبك إلا لما تندم على كل لحظة عيشتها معايا وهحرق قلبك على أعز الناس عندك وأنت عارف هما مين كويس
استمعت إلى صوت الآخر يرد عليها بسخرية واستهزاء وصوته حاد غاضب:
-لحظات ايه يا بت اللي عيشتها معاكي، واحدة سهلة وصايعة ومش لاقيه حد يلمها اتعرفت عليها في كبارية مش هقولك نايت يا وسـ*ـه، عرفتك في كبارية مستنية اتجوزك مثلًا
أكمل بعد أن ضحك أكثر ساخرًا:
-لما أنا عامر القصاص بنفسة يتجوز واحدة زيك أنتي سلمى بقى تتجوز مين
أجابته بأنفاس لاهثة لأجل إهانته لها وهذه كانت المرة التي لا تعلم عددها:
-بكرة تندم يا عامر
انهمرت الدموع من عينيها الزيتونية خلف بعضها في لحظة، أمسكت الهاتف بيدها بقوة وضغطت عليه بعصبية شديدة متكأه على الفراش بيدها الأخرى والدموع تنهمر منها على وجنتيها الاثنين شاعرة بوخزه حادة في قلبها وقفصها الصدري يضيق عليه كلما مرت عليها الثواني وهي على قيد الحياة..
لقد كان على علاقة بصديقتها “إيناس” ما فهمته من حديثهم أنه تركها وتخلى عنها بعد أن هواها، وتوجه إليها هي ليتزوجها تاركًا الأخرى، منذ متى وهو خائن؟ منذ متى وهو يكذب عليها ولا يراها من الأساس.. ما الذي يقوله عن الحب.. ما ذلك الحديث عن هوسه وجنونه بها؟ إنه مجنون!..
سرق الهاتف لأجل صوره معاها هي وليس لأجل صورها الفاضحة!..
فتحت الهاتف مرة أخرى ونظرت إلى الصور وقامت بتحميلها واحدة تلو الأخرى ولم يكن بهم سوا هو وهي معه في أماكن قـ ـذرة الذي يرتاد عليها كثيرًا
تشوهت عينيها بسبب الدموع ولم تعد الرؤية واضحة، نظرت إلى الرسالة تقرأها بعينين مشوشة
“سألتيني ليه عملت كده وإنك معملتيش فيا حاجه، معاكي حق بس أنتي كنتي السبب في إنه يعمل فيا كده، كنتي السبب في إن واحد زي عامر نسـ ـوانجي وسُكري يقرب ويبعد على مزاجه وفي الآخر يرميني بس علشان عرف إني معاكي في الكلية، انتقامي مش منك انتقامي من عامر وأنتي أكتر حاجه عامر حبها يمكن حبه غريب، إزاي بيحب ويخون في نفس الوقت بس مقدرش أنكر إنه مجنون بيكي.. سلمى دي حاجه بسيطة عن اللي كان بينا وده مش انتقامي ولا ردي عليه لسه اللي جاي أحلى”
تركت الهاتف على الفراش ونظرت إلى الفراغ المُحيط بها، ارتعد قلبها ودق كثيرًا غير مُصدقًا الذي يحدث من حوله..
كان على علاقة بها قبل أن يعلم أنها صديقتها، وعندما علم بذلك تركها فأكملت معها فقط لكي تنتقم منها بسببه هو!..
وما ذنبها؟ ما الذي فعلته لتتعرض لكل ذلك؟ ما الذي أذنبت به، كيف يحبها؟ كيف يحبها ويخونها في كل لحظة تمر عليه وآخر ما فعله أنه لم يجد إلا هذه! صديقتها؟
ارتفع صوت بكائها وانتحبت وهي تندب حظها العثر وما تواجهه ويحدث لها، ارتفع صوت بكائها وهي تعنف نفسها لأجل بقائها هنا بعد موت عائلتها، ارتفع البكاء والنحيب وهي تتذكر كل لحظة عاشتها معه وكل فرصة أعطتها له كي يكون الأفضل، الأحسن بين الجميع ولتترك حبل موصول بينهم يستطيع أن يجذبه فتقترب منه ويدلف إليها وإلى قلبها..
ضاق صدرها وشعرت أن روحها تُأخذ منها بقوة بينما عقلها يعود بكل ذكرى سعيدة مرت عليهم سويًا من بعد زفافهم، تتذكر كل مرة نطق بكلمة حُب، كل مرة نطق بكلمات تحمل من الحب ما يكفي كثير من العاشقين..
تتذكر اقترابه الرومانسي منها ولحظاتهم الخاصة هنا، لقد كان كاذب، مخادع في كل شيء مر عليهم، لما فعل ذلك لما كذب عليها وجعلها بتلك الصورة الغبية لما جعلها تفهم دائمًا أن “إيناس” خبيثة دون سبب، لما لم يتحدث، لما لم يصارحها..
ملايين من الأسئلة تتهاتف على عقلها الذي يصارع الذكريات في حين أن قلبها يصارع الاختناق داخل قفصها الصدري الذي يضيق عليه..
سيل من الدموع تتسابق على وجنتيها بحرقة وقهرة قلب، روحها تُسلب عنوة، مشاعر لا تعرف ما هي ولكن ربما تستطيع أن تفسر أن هناك خذلان لا مثيل له تشعر به، ضيق واختناق، احتراق داخل روحها التي تسلب، اشتعال في كل خليه داخل جسدها..
فُتح باب الغرفة فرفعت نظرها إليه ورآته يقف شامخ، بطولة الفارع ونظراته الغريبة من عينيه البُنية، رأت كاذب، خائن، رأت من لعن اسم الحب “عامر القصاص”
❈-❈-❈
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)