رواية بين دروب قسوته الفصل الثالث عشر 13 بقلم ندا حسن
رواية بين دروب قسوته الجزء الثالث عشر
رواية بين دروب قسوته البارت الثالث عشر
رواية بين دروب قسوته الحلقة الثالثة عشر
“حاول سلب روحها الخائنة فلم يستطع، لحظات وسُلبت منه روحه”
جلس في حديقة الفيلا الخاصة بهم بعد أن قام بتنفيذ انتقامه ناظرًا إلى السماء ونجومها البراقه، الآن أرتاح قلبه قليلًا بعد أن نال منهم هم الاثنين، يعلم أن تأثير ما قاله سيكون صعب على كلاهما إذًا فهو مُتأكد من أن العواقب ستكون وخيمة..
يريد النيل منهم هم الاثنين معًا، يريد أن يرى كل منهم ذليل أمامه ليمتع عيناه بقهرهم وذلهم، يريد أن يشبع أنظاره من رؤية القهر على وجوههم وملامحهم تتحدث به..
لم يكن “عامر” عدو له من الأساس، إنه كان يريدها هي فقط، يريدها وحدها ليستطيع النيل منها وتشكيل العذاب عليها كما يريد ولكن “عامر” كان الحامي لها، كان “عامر” سـ ـارق قام بسـ ـرقة فريسته منه ليجعل انتقامه متوقف على بعده عنها وقد كان ولكنه كان الأقوى في قربه منها حتى في الفراق..
لم يكن يريد منه شيء ولكن عندما وقف أمامه وقام بتعطيل ما يريده منها جعله من أوائل المُسجلين في قائمة الانتقام لديه من بعد والدها وعائلتها بأكملها..
رفع نظرة إلى السماء مرة أخرى بعد أن اخفضها ونظر إلى النجوم المنيرة بها، وضع يده الاثنين أمام صدره وتكرمش جسده وعيناه تتابع النجوم باهتمام..
عادت ذاكرته لمشهد وقع أمام عيناه منذ سنوات عديدة، مشهد حُفر داخل عقله بالنيران المُشتعلة وهو طفل بعمر الستة سنوات!!..
“كان طفل بعمر الستة سنوات يلعب ويلهو في حديقة منزل والده وعائلته، وهو يضع الرمال في عربته المُحملة بالكثير نظر إلى البوابة ليجد والده يخرج منها بوجهٍ متهجم جامدة تعابيرهه ثم سار إلى الخارج..
بعينين طفل بريء للغاية نظر إلى المنزل وخفق قلبه للحظة لا يعلم لما حدثت وما سببها..
ترك السيارة ورماله التي كان يعتبرها بضاعه تباع وتشترى منه هو وألعابه الكثيرة، وقف على قدميه ثم نفض الغبار عن ملابسه ومسح بيده الاثنين بقوة حتى يدلف إلى والدته نظيف كي لا تعنفه على توسيخ ملابسه التي ارتداها في الصباح ولم يفت عليها وقت طويل.. يعلم هذه الإسطوانة جيدًا..
سار بخطوات هادئة وعيناه السوداء تتابع المنزل والطريق إلى أن دلف إلى الداخل.. كان تارك والدته في المطبخ قبل خروجه تعد له الكيك والحلوى الذي يحبها فتوجه في سيره إلى المطبخ ليراها ولكنها لم تكن موجودة به عند دخوله إليه، اشتم رائحة الكيك الخاصة به فدلف إلى الداخل أكثر ثم مد يـ ـده إلى الطاولة في المطبخ والتي كانت موضوع عليها قطع شهية من مأكولاته المفضلة..
أخذ قطة منهم بيده وبدأ في تناولها بنهم واستمتاع شديد ثم سار إلى الخارج من أخرى وأتجه في سيره إلى الأعلى ليصعد إلى والدته.. همهم في أثناء صعوده الدرج وود شكر والدته على هذا الطعم المثير الذي يجعله يستمتع كثيرًا وهو يتناوله..
وصل إلى الرواق يسير إلى أن وصل إلى غرفة والدته وقطعة الكيك بيده يأكل منها، بيده اليمنى كان يقربها من فمه ليأكل وبالأخرى كان يفتح مقبض باب غرفة والدته..
في لحظة جحظت عيناه السوداء البريئة، وقعت قطعة الكيك الشهية من يده على الأرضية الرخامية، أطبق شفتاه فوق بعضهما مُحاولّا ابتلاع ما وقف بجوفه، ارتعش جسده وانخفضت يده لا إراديًا عن مقبض الباب.. طفل صغير لا يدري ما الشعور الذي يراوده الآن سوى أنه خائف وبشدة ينظر إلى والدته المعلقة في الهواء من عنقها في حبل متصل بسقف الغرفة، بعينين مفتوحة على وسعيهما وجسده مُتدلي لا يتحرك..
بلل بنطاله برعب قفز إلى قلبه وهو يقف عند ايطار باب الغرفة ينظر إليها بعينين دامعة..”
عاد مرة أخرى إلى واقعة، رفع يده الموضوعة أمام صدره إلى أسفل عيناه يزيل تلك الدموع التي انهمرت منه وهو لا يشعر، دموع تسارعت خلف بعضها على وجنتاه وهو لا يدري بها حزنًا على ما مر به في طفولته التعيسة..
تنهد بصوت مسموع وأخذ نفس عميق ناظرًا بسواد عيناه إلى النجوم المنيرة، مُعتقدًا منذ صغره أن والدته واحدة منهما، تنظر إليه في كل وقت وتحدثه وتنتظر منه القدوم إليها ليجلس هذه الجلسة وينظر إليها متحدثًا بقلبه عما يشعر به..
إنه الآن شاب في الثلاثين من عمره، ولم يتخطى تلك الحادثة ولن يتخطاها أبدًا، إنه منذ ذلك الحين وإلى الآن يتيم فقد حنان والدته في لحظة لم يشعر بها، ولكن طفولته التعيسة وعذابه المُستمر منذ أربعه وعشرون عامًا لن يذهب هباء.. سينتقم أشد انتقام وكما تعذب هو كل ذلك الوقت سيجعلها هي في الأيام القادمة تنال عذاب يعادل عذابه لكل هذه السنوات.. سيكون دون رحمة، لم يبقى إلا هي لينال منها وذلك الاخرق ابن عمها الذي أوقع نفسه في طريقه دون مجهود منه..
عليهم الإنتظار والصبر كما قال “عامر” سيتبع هو الآخر طريقته، سيكون هذه المرة صياد ماهر ولن يتخلى عن فريسته..
❈-❈-❈
كان الحُب هو السبيل الوحيد لجعله يعيش بين البشر حيًا بروحه وقلبه، أتى الفراق فمات القلب وسُلبت منه روحه، ولكن الأمل بقيٰ بداخله للعودة والآن وبعد سنوات اكتشف بمرارة قلب عاشق أن من أحبها خانت العهد!..
قلبٍ مفتور حزنًا على حبه الضائع، على ثقته الذي ألقاها عليها من كل جانب قائلًا بأنها حبيبته وروحه الموجودة بجسدها، لم يكن يدري أنها ستطعن قلبه بذلك الخنجر وهي تبتسم..
نظر إليها بعينيه الدامعه، وجدها تبكي بغزارة وتنحدر دموعها على جانبي وجهها ولم تعد تستطيع أن تتمسك بيده لقد خارت قوتها ولم تعد أعصابها تتحمل الضغط عليها، كانت تنظر إليه بعينين ذائغة توضح له كثير من الأشياء وتنظر إليه نظرات خلف الأخرى جميعها ذات مغزى وأولهم أنها تحبه، لم تخونه، وتعذبت من فراقه، تودعه بسلام وتقول بتلك العينين الزيتونة أن لا ينساها ويخلد ذكراها بقلبه وستكون راضية إن مـ ـاتت على يده، فإن لم تنعم بالعيش داخل أحضانه غارقة بحبه وغرامه لها فلا مانع أن تمـ ـوت على يده، كانت على وشك غلق عينيها ففي لحظة واحدة جذب يده عنوة عن نفسه وأبعدها عن عنقها..
لم يكن هو من يخنقها، لم يكن هو من يريد قتـ ـلها كان هذا الحب الذي جمعه بقلبها ليتربع على عرشه في الداخل فعاد مُنتقم بعد أن خانت كل ما حدث بينهم..
جذب يده عنوة وكأن هناك شخص آخر لا يريده أن يبتعد عنها، يريد مـ ـوتها في الحال..
بعد أن أبعد يده تنفست بقوة وعنف، استمع إلى لهاثها بوضوح وهي تأخذ أنفاسها الذي سلبها منها لتلقى حتفها في لحظات ويكن هو الجاني والمجني عليه.. وتكن هي الأخرى كذلك..
مال عليها وجذبها من يدها اليمنى لتقف على قدميها ولكنها كانت في عالم آخر تمـ ـوت وهو لا يدري، أنفاسها مسلوبة وجسدها مُسترخي ولا تستطيع أن تميز ما الذي يحدث في تلك اللحظات..
ولكنه لم يعطيها الفرصة جذبها من يدها لتقف أمامه مُتمسكّا بها ثم وضع الأخرى خلف ظهرها جاعلها تستند عليه وسار بها بثبات وجدية وجسده متصلب، سار إلى باب المرحاض الموجود بغرفتها ودفعه بقدمه ليُفتح..
ثم دلف إلى الداخل بها وجعلها تقف أمام حوض الغسيل ومد يده إلى صنبور المياة يفتحه من بعدها بدأ بملئ كف يده بالماء والقاءه عليها، مرة خلف الأخرى وهي تشهق بعنف كلما فعلها..
سالت الدماء التي كانت على جانب شفتـ ـيها ومحيت بالمياة ولكن مظهرها كان يثرى له، المياة تغرق مقدمة صدرها وما طالته من خصلاتها القصيرة الغير مُرتبة بعد أن جذبها منها عدة مرات..
وجهها باهت حزين، يتحدث بملامحه الجميلة الفاتنة كم هو حزين مقهور مسلوب الإرادة.. يبرر فعله ليست لها بها ذنب…
مرة أخرى دفعها للخارج ليخرج من المرحاض ثم دفعها بيده لتجلس على الفراش وهي في صمت تام، كل تفكيرها به بعد أن استفاقت، لقد صدق أنها تخونه وتخون عائلتها، صدق أنها تخون والدها وتربيتها، تخون حبيب عمرها وسـ ـارق أحلامها؟ تخون عامر؟ من لم تقع عينيها إلا عليه وحده، من اشتهى القلب وجوده وحبه وحنانه..
مرة أخرى تسائلت، قارب على قتـ ـلها؟ خنقها بيد العاشق المُتألم داخله وسمح لنفسه أن يقتـ ـلها؟ يستطيع التخلي بهذه السهولة وتكون قُتـ ـلت على يده!..
عذاب قلبها في تلك اللحظات لا مثيل له، عند الاستفاقة على يد حبيبها تذبـ ـحها حقًا وليست كلمات!..
أقترب منها بوجهٍ لا يوجد عليه أي تعابير سوى القسوة:
-وديني يا بنت عمي لتشوفي مني وش عمرك ما شوفتيه.. لو كنت حبيتك في يوم فأنا دلوقتي بكرهك أضعاف
عقبت على حديثه الذي نغز قلبها بقوة بلهاث ودموع تنهمر دون صوت ولكن قلبها المتحدث:
-صدقني أنا معملتش حاجه.. أنا لسه زي منا أقسم بالله ما عملت اللي بتقوله ده يا عامر أنت ظالمني والله العظيم ظالمني
نظر إليها بعينين حادة قوية، داخلها ألم لا ينتهي وعذاب يكفيه إلى مـ ـوته ولكنه ضغط على نفسه مُنتظرًا خروجه من هنا، أخرج من جيبه هاتفه ثم عبث به أمامها للحظات وهي تنظر إليه باستغراب لما يفعله ولكن لحظة وقد فهمت وهي تستمع إلى صوت صديقتها المقربة “إيناس”.. وهي تطعن بشرفها لإبن عمها وتسبها بألفاظ بشعة.. تقول أنها أقامت علاقة مُحـ ـرمة مع ابن عمها الحقير لذلك أتى لخطبتها..
بكت بقوة مرة أخرى وارتفع صوت بكائها واضعة يدها على فمها لتكتم شهقاتها وهي تستمع إلى ذلك الحديث الذي وقع على أذنها كالسيوف الحادة التي تـ ـذبح بها، لقد حذرها منها! منذ سنوات وسنوات وهو يحذرها منها، يبعدها عنها وهي تقترب، يهتف بأنها ليست صالحة لتكون رفيقتها وهي تعاند، يفعل كل ما بوسعه لتكون بأمان في مكان لا تراها به وهي لا تقتنع فتعود إليها مرة أخرى مُعتقدة أنه كاذب ولا يحبها بدون سبب واضح وصريح.. اعتقدت أنه كان يريدها مجردة من البشر وحيدة أمامه ومعه وحده..
ظهر الحق وأتضح أن “عامر”هو أكثر من خاف عليها، أتضح لها أنها كانت تقهر قلب مظلوم من جميع البشر وينتظر العوض منها فقامت هي الأخرى بقهره..
استمعت إلى سبه لها ونكرانه لما تقوله، استمعت إليه وهو يقول أنها شريفة لا تفعل ذلك ويثق بها أكثر من نفسه والأخرى تُصر على حديثها.. يلا قهرة قلبها الآن!!
رفعت أبصارها إليه بعينين دامعه حمراء بشدة من كثرة البكاء الذي تعرضت إليها اليوم وفهمت من ذلك الحديث أنه كان منذ أن أتى “هشام” ولم يصدقه إذًا ما الذي حدث مرة أخرى..
أخفض عيناه من عليها ثم قام بتشغيل الآخر من خلفه وجعلها تستمع مرة أخرى إلى صوت ذلك الحقير الذي قام بتهديدها اليوم صباحًا وفهمت ما كان قصده عندما قال أن أجابته على ما فعله ستصل إليها في المساء..
من أين علم بالشامة الموجودة بظهرها؟ لا تستطيع أن تقول أن إيناس من قالت له لأنها لم تراها من الأصل!.. عندما كانت ترتدي ذلك الثوب المشؤوم كان مغلق من الخلف فلم يكن ظهرها مُتعري!
لن تفكر في الغدر الذي تعرضت له عليها فقط الآن أن تقنعه أنها لم تفعل ذلك، وقفت عن الفراش واتجهت نحوه بنظرة مُعاتبة مُرهقة ثم أردفت بصدق وألم:
-صدقني يا عامر.. والله العظيم كدابين أقسم بالله كدابين أنت بنفسك اللي كنت بتحذرني منهم إزاي دلوقتي هتصدقهم
بادلها النظرات ولكن خاصته كانت غيرها تمامًا كانت نظرات حادة قوية عليها ونبرته رجـ ـولية مجروحه:
-عندك دليل على كلامك
خرجت الدموع من عينيها أكثر من السابق وانتحبت بقوة وهي تتقدم لتقف قبالته ثم تسائلت من بين بكائها الحاد:
-أنت محتاج مني دليل يا عامر؟ محتاج من سلمى دليل؟ أنت أكتر واحد عارف أنا ايه؟ أكتر واحد عارفني إزاي بتطلب مني دليل ومصدق إني أعمل كده
لحظة خلف الأخرى يتابع الدموع المنهمرة على وجنتيها وينظر إلى عتابها عليه ويستشعر كل كلمة خرجت من بين شفتيها، ولكنه لا يستطيع التمرير بهذه السهولة فأجاب على حديثها بقسوة وجمود:
-أنا معرفكيش!.. أنا كنت أعرف واحدة والظاهر إنها فعلًا ماتت من سنتين مع بقيت أهلها
تقدمت أكثر منه ووضعت يدها على قميص بدلته تجذبه ناحيتها منه وهي تلح عليه بالصدق ليستمع إليها والقهر مُرتسم على كافة ملامحها:
-لأ مموتش.. أنا لسه عايشه وزي منا.. والله العظيم دي لعبة منهم هما الاتنين أنا النهاردة كنت قابلته وقولتله إني مش عايزاه هددني أنه هيعمل حاجه مش هتعجبني وأهو عملها وأنت صدقت
وضع يده فوق يدها وتسائل بعينين حادة دون تفكير:
-المفروض مصدقش؟ قوليلي طيب إيناس شافت الحسنة اللي في ضهرك دي؟
أردفت بعدم تصديق لما يحدث ونفت أنها أظهرتها لها سابقًا وهذا شيء هي متأكدة منه:
-لأ مشافتش أنا والله هتجنن إزاي عرف بس والله العظيم أنا مظلومة معملتش حاجه صدقني
دفع يدها بعيدًا عنه بنفور وعاد للخلف خطوة ناظرًا إليها بقسوة وشراسة ثم أردف ببرود:
-الفرح بعد أسبوع يا بنت عمي مش شهر.. بكرة الصبح تعرفي الكل إنك موافقة جهزتي مجهزتيش مش مشكلتي
تفوهت بضعف وخوف يسيطر على قلبها:
-بلاش يا عامر علشان خاطري
ابتسم بسخرية دون داعي وقلبه ينـ ـذف ألمًا ثم سخر منها وجرح ما تبقى منها قائلًا:
-ايه؟ خايفة؟ خايفة أعرف إنك كدابة؟ متخافيش مش عامر اللي ياخد حاجه مستعملة
حركت رأسها يمينًا ويسارًا تنفي ما تحدث به وما ألقاه على قلبها المُدمر والمخذول منه هو وحده:
-والله العظيم لأ.. لأ والله لأ يا عامر أنت إزاي مصدق أنت عارفني
تذكر ما فعلته معه وعاد بذاكرته للخلف، ثم هتف به ليذكرها هي الأخرى وليجعلها تعلم أن الأيام تستعيد ما حدث مرة أخرى ولكن هي التي في موضع الإتهام:
-وهو أنتي مكنتيش عرفاني؟ ما أنتي كنتي أكتر واحدة عرفاني وبردو كدبتيني وأنا بجري وراكي من مكان لمكان وبحلفلك إني مخونتكيش
أشارت إلى نفسها وهتفت بثقة:
-بس أنا شوفتك
صاح بجنون وعنف وهو يسأل بصوت مرتفع حاد:
-شوفتيني بعمل ايه؟ شوفتيني في السرير
لم يستمع إلى رد منها فقط بقيت بعينيها الباكية تنظر إليه ومشاعر كثيرة تخاطبه فصاح هو مرة أخرى قبل أن تغلبه هي:
-ما تردي!
وضحت له ما حدث في الماضي وما يحدث الآن والاثنان شتان وهو الوحيد الجاني عليها ومن يهمها من بين الجميع:
-أنا مقدرتش استحمل صدقني والله مقدرتش كنت خلاص تعبت من كل حاجه.. لكن دلوقتي غير أنت بتسمع لناس عارف أنهم كدابين وكتير حذرتني بس أنا اللي كنت غبية
قال بجدية وهو يوثق ما حدث منذ لحظات في كلمات بسيطة تدعوه لتصديق ما قاله والنيل منها وأي شخص عاقل أو غير عاقل سيصدق ما استمع إليه كما هي قامت بفعلها سابقًا:
-سألت شاف الحسنة فين مش عارفة طب إيناس شافتها لأ.. نتجوز بردو لأ.. أصدق ولا مصدقش!.. اديني عقلك
نظر إليها بضعف وحزن، بقهر وألم ولكنه لن يكون ذلك الذي اضعفه حب وقتـ ـله أمامها بل سيكون ذلك القائد القوي الذي يهزم وهو وحده، بصوته الحاد وبنبرته القوية الشرسة استمعت إليه يهتف بقسوة:
-الفرح الأسبوع الجاي.. واحدة زيك متستاهلش تلبس فستان أبيض من أساسه بس إكرامًا لعمي اللي كان واخد دور أبويا هعملك فرح متعملش في البلد كلها
خرجت الدموع أكثر وأكثر من السابق وارتعشت نبرتها مرة أخرى وهي تهتف:
-أنت بتظلمني والله العظيم أنا ما عملت حاجه والله والله
عاد للخلف بجسده ومازال ينظر إليها ذاهبًا إلى الباب ليخرج منه، ناظرًا إليها بعيناه السوداء القاتمة ولم يبخل عليها بقوله القـ ـاتل:
-بكرهك يا سلمى.. أنتي من النهاردة بنت عمي وبس
خرج من الغرفة وجذب الباب خلفه بقوة شديدة أصدرت صوتًا عاليًا، بقيت واقفة تنظر إلى الباب بعد خروجه، عيناها لم تتوقف عن البكاء في صمت، لحظات وهي لا تستوعب ما حدث ووقف عقلها هنا عنده هو فقط ثم في لحظة لم تحسب أنها قادمة مرة أخرى بحياتها وقعت جالسة على الأرضية تبكي بقهر وألم حاد داخل قلبها يكاد يقتـ ـلها..
وضعت يدها الاثنين على فمها لتكتم شهقاتها العالية التي ملئت الغرفة عليها، وانحنت على نفسها للأمام والألم داخلها يزداد لحظة بعد الأخرى..
هي لن تفعل شيء، لقد اتُهمت بأبشع الجـ ـرائم، لقد وقع على عاتقها تُهمة لو كان السيف على رقبتها وفعلها هو المنجي لها لن تفعلها.
إنها يا “عامر” لم تستطع الزواج من غيرك ومجرد إقتراب الفكرة عليها دق قلبها بعنف وارتعش جسدها مُفكرًا بك وبغرامك الأبدي القـ ـاتل لقلبها..
على الرغم من أنك سـ ـارق أحلامها ولكنها تحبك! تهواك وأتى الفراق عليكم لعامان ولكن قلبها كان متعلق بكل ذكرى جمعتكم لتبقى أنت فقط في قلبها المغروم…
ازداد بكائها وارتفع صوتها ولم يعد كتم فمها بيدها ينفع بشيء فكان الألم كثير والقهر أكثر، عذاب مُستمر ولم يتوقف عليها إخراجه بتلك الصرخات والدموع المُتتالية…
عندما خرج من الغرفة سند بيده على بابها، وقف للحظات خلف الباب وهو رافض أن تبكي عيناه ولكنه كان ضعيف للغاية، كان أضعف مما يكون فانهمرت الدموع على وجنتيه للمرة الثانية ولكن والله هذه المرة ألمها يفوق الأخرى..
استمع إلى بكائها في الداخل، وبادلها هو في الخارج وقلبه يدق بعنف وقوة شديدة مُحذرة إياه،
الخيانة شعور صعب للغاية ويالا حظك التعيس إن كان من خانك من أعظم احبائك..
لقد ثار قلبه وعقله توقف عن التفكير، تشنج جسده وانخفضت الدماء بعروقه ووالله حينها شعر بأن قلبه قد كُسر..
سلبت نفسها منه عنوة وهو الذي أحبها حد الجنون، باعت ما كان بينهم بأرخص الأتمان وابتعدت عنه جاعلة الفراق يأكل ما كان بينهم أكثر وأكثر منها..
كأنها طعنته في مُنتصف قلبه، أو مُنتصف ظهره لا يدري ولكن في الحالتين هي كانت تبتسم بسعادة، لأنها تبتعد عنه وتقترب من غيره لتسلم إياه نفسها ولتكن أخرى غير حبيبته التي يعرفها..
دمعات “عامر” لم تتوقف عن الهبوط ويده ارتفعت إلى قلبه يضعها فوقه بعد الشعور بأنه حقًا سيتوقف على أثر ضرباته العنيفة المُتتالية، ثم لم يترك نفسه لتلك البقعة فابتعد عن غرفتها وهو مازال يبكي خارجًا من المنزل بأكمله..
❈-❈-❈
أطفأت نيران قلبها قليلًا، فقط قليلًا، ما فعلته بهم الليلة لا يساوي دمعة واحدة خرجت من عيناها في تلك الليالي الحزينة التي سببها إليها “عامر القصاص” كما تسميه قاهر قلوب العذارى..
خمد دخان النيران التي كانت مُشتعلة في قلبها وعقلها وروحها التي كانت مسلوبة منها بقهر وحزن شديد شعرت به لكثير من الوقت بسببه هو وحده ومن بعده ابنة عمه المصون.. التي ستجعل حياتها بمثابة الجحيم..
مؤكد أن “عامر” قال لها أن هي وابن عمها من تحدثوا عن شرفها بالسوء، ستكون غبية حقًا هذه المرة إن لم تصدقه ولكنها على كل حال ستعرف..
فقط ينتظر قليلًا وستقوم بحرقة الأخضر واليابس المُحيط به، ستشعل حياته بالنيران المُلتهبة التي تأكل كل شيء في طريقها من حياته..
ستجعله تعيس إلى المُنتهى وستأخذ منه حبيبة عمره أو أن تجعله حزين العمر كله عليها.. لن تتركه ينعم بحياته هذه المرة فقد طال الإنتظار وهي تمثل الحب عليها فقط لكي تحصل على ما أرادت وما خططت له..
قد أتى وقته وكانت الفتيلة منذ عامان عندما فرقتهما، صحيح لم تكن تعلم أن عواقب فعلتها ستكون موت أهلها وهي ربما كانت تكون معهم ولكن حدث ما حدث.. ستكمل ما بدأته منذ عامان وستسير على نفس هذا النهج وتفرق بين هذان القلبان.. ستجعلهما يتألمان شاعرين بأن نهاية العالم قد بدأت من موضع النبض لديهما.. ستكون ضريبة خيانته لها غالية الثمن.. غالية للغاية..
بعينيها وذاكرتها عادت للخلف قبل خمس سنوات حيث كانت في ذلك الوقت هي وحبيبته في عامهم الواحد والعشرون..
“جلست على مقعد عالي قليلًا أمام البار في داخل الملهى الليلي وبيدها كوب به مشروب مُحـ ـرم تناوله ولكنها في ذلك الوقت كانت فتاة صاخبة كالموسيقى الصاخبة في المكان الجالسة به، مليئة بالحيوية والنشاط في مُقتبل عمرها الذي أضاعته هباء في كل هذه الأفعال المُحـ ـرمة التي قامت بها..
خصلاتها سوداء تتخطى كتفيها، عينيها سوداء حادة حالكة لا تحبها أبدًا، شفتيها مضمومة للأمام بلونها البنفسج البارز هذا، كانت ملامحها حادة ولكن ربما تكن أيضًا جميلة، لكنها أضاعت جمالها بطريقتها المُخفية وتصرفاتها المنافية للآداب والأخلاق..
تتراقص بجسدها العلوي على المقعد وتحرك الكأس بيـ ـدها بطريقة راقصة، تنظر بعينيها في كل إتجاه وكأنها تبحث عن شخص ما.. إلى أن وجدته..
ثبتت في مكانها وتوقفت عن الرقص، رفعت الكوب إلى فمها وارتشفته مرة واحدة ثم تركته على البار أمامها بحدة وعينيها على من يدلف إلى الداخل مُتقدمًا منها وقد ارتسمت الابتسامة على شفتـ ـيها فور أن رأته..
وقف أمامها بعد أن أقترب منها ولم يكاد يتحدث فوجدها هي التي تهتف بقوة وصوت عالي كي يستمع إليها من بين أصوات الموسيقى العالية:
-وحشتني
ابتسم بسخرية شديدة مُحركًا رأسه يسارًا ويمينًا مُستنكرًا حديثها ثم صاح بقوة هو الآخر:
-أنتي لسه عرفاني من يومين وحشتك إزاي يعني
ذمت شفتـ ـيها البارزة بقوة وهتفت بما شعرت به ونظرة جدية:
-وهو أنت زي أي حد بردو.. طب ورحمة أمي من وقت ما شوفتك أول مرة وأنت واحشني
صعد على المقعد المقابل لها هو الآخر وصاح بجدية ناظرًا إليها:
-طب بس بلاش تجيبي سيرة الميتين خليهم في حالهم هما نقصينك أنتي كمان
عاد النادل بملئ الكأس الذي أمامها وقام بملئ واحد مثله إليه فأخذته وارتشفت منه ثم هتفت وهي تنظر إليه بعينين مُدققة به ربما تهواه:
-مش هتعرفني عليك أكتر!..
نظر أمامه بعيد عنها يتابع بعينيه الخبيثة النساء أمامه بطريقة وقحة، أجابها قائلًا بثقة:
-مش كفاية عليكي اسمي
نظرت إليه مُطولًا، إنه محق يكفي اسمه وهيبته، مظهره ووسامته، عقبت على حديثه وهي تراه يُتابع بعينيه الكثيرات أمامه:
-اسمك لوحده هيبة ومركز يا.. يا عامر
عاد بعينيه إليها مُستديرًا برقبته فقط ثم هتف قائلًا بنبرة جادة:
-وأنتي منا بردو معرفش غير اسمك
استندت بيدها على البار واقتربت منه بوجهها ثم أردفت بصوت ناعم يملؤه الشغف تجاهه:
-عايز تعرف ايه تاني وأنا أقولك
ابتسم بسخرية داخلة وهو ينظر إليها ويراها هكذا وهي في مثل هذا السن الصغير، أردف بنفي ثم دللها بعينين خبيثة:
-لأ مش عايز أعرف.. كفاية عليا ناني وحياتك
بادلته نفس النظرة الخبيثة وتفوهت بالكلمات المُبادلة له الدلال والرقة:
-هستغنى عن إيناس ده خالص، ناني طالعة منك فوديكا
تسائل بشفتيه وهو ينظر إليها:
-أنتي ايه اللي جابك هنا النهاردة
أجابته بنعومة ورقة بالغة وهي تريه أنها وقعت في شباكه في لمح البصر:
-جيت أشوفك مش قولت إنك بتيجي حد وخميس.. أنا كمان بقيت باجي الحد والخميس
ابتسم بشفتيه ابتسامة واسعة وهو يعقب على حديثها مُهينًا لكرامتها داخل حديثه:
-دا أنتي واقعة أوي.. طب داري نفسك شوية
عادت للخلف رافعة حاجبيها للأعلى قائلة باستنكار:
-أنت واضح وأنا واضحة يبقى ليه أداري
تحدث مؤكدًا حديثها الكاذب:
-عندك حق وحياتك
تسألت بعينين وقحة وهي تنظر إليه نظرات مراهقة وليست شابة ناضجة:
-طب ايه؟
تسائل بعينيه قبل شفتيه وهو يراها كالمجنونة أول مرة لها أن تتعرف على رجل ولكنه كان واثق في قدراته مع الجـ ـنس الآخر:
-ايه؟
ضغطت على جانب شفتيها بأسنانها بطريقة مغرية للغاية وهتفت برقة ودلال:
-ما تيجي نرقص
نظر إليها بعينيه وكأنه تسلبه نحوها لفعل شيء بشع يود فعله منذ زمن ولكن حبيبته تعوقه، يريده معها هي وحدها وليس غيرها..
ارتفع صوت الهاتف بجيبه ولكنه لم يشعر برنينه ولم يستمع إليه في ظل أنه مُثبت نظره عليها يرى كم هي وقحة أو مجنونة بل شعر باهتزازه داخل جيبه، أخرج الهاتف ونظر إلى شاشته فوجد من يقوم بمهاتفته حبيبته رفع وجهه إلى الجالسة أمامه ثم عاد مرة أخرى إلى شاشة الهاتف ينظر إلى الإسم المدون عليها والذي كان حبيبتي أغلقه ثم أعاده إلى جيبه مرة أخرى ونظر إلى “إيناس” وكأنه فكر بها بعقله فأتت إليه لتجعله يعود عما في رأسه كما كل مرة..
تحدث بجدية ليخلي مسؤوليته بطريقة غير مباشرة وليهتف بحديث ظاهر فقط وعندما يتعمق يقول ها قد قلت لك..
تحدث بحنية ورقة ومعها الجدية الكاملة ليشتتها ويكون فعل ما وجب عليه فعله:
-بصي يا ناني أنا باجي هنا علشان اتسلى.. أي حاجه بتحصل هنا بتبقى تسلية، ماشي يا ناني
نظرت إلى تغيره بعينيها واستشعرته حقًا بعد رنين الهاتف ونظرته إليه وإليها:
-ده أكيد كان حد مهم اللي كلمك علشان كده خوفت
ابتسم بثقة ثم قال بتأكيد:
-مش عامر اللي يخاف أنا بس بعرفك
استشعرت ثقته أيضًا وحديثه المؤكد الواثق، هيئته ونبرته، فقالت مُتسائلة:
-مش هترقص؟
وقف على قدميه وارتشف من كأسه ثم أخرج ورقة مالية وتركها على البار غامزًا له في نهاية حديثه:
-لأ همشي.. وهبقى أكلمك
تحرك من أمامها فتحدثت هي الأخرى وعينيها عليه:
-هستناك…. يا عامر”
عادت إلى واقعها مرة أخرى بعد أن أغلقت ذكرى رؤيته للمرة الثالثة في ملهى ليلي، كانت هذه المرة الثالثة الذي رأته بها، تعرفت عليه، جلست معه، تحدث إليه، تقابلا مرات كثيرة بعدها، وكم كانت الأمور تسير بشكل جيد إلى ذلك اليوم المشؤوم.. ولكنه هو من قام بخداعها!.. هو من فعل كل ذلك فعليه تحمل النتيجة وحده هو وحبيبته..
❈-❈-❈
لم يجد مكان يحتويه سوى الملهى الليلي!.. بعد أن انهارت حصون قلبه ووقعت قلعته مُتدمرة بعد غزو الخائنة حبيبته عليه..
سالت الدموع من عيناه فور أن خرج من الفيلا إلى وصوله هنا وكأنه لم يبكي عندما كان طفل، كأن عيناه لم تعرف البكاء يومًا..
شعوره لا أحد يستطيع وصفه ولا حتى هو يعرف بماذا يشعر، لقد مـ ـات قلبه ودُفن بعد أن اكتشف خيانة وقسوة الحب الذي كان بحياته..
لا يعرف لما يحدث معه هكذا؟ هل هي ليست مكتوبة لأجله؟ هل هي مقدرة لغيره وهو يكابر!، منذ زمن وكلما أقترب من الحصول عليها يحدث شيء يبعدهم الآن بدأ في الإقناع أنها ليست له.. ولكن مع ذلك لن يتركها.. سيجعلها ترتشف من كؤس العذاب كما حدث له..
لا يدري لما يشعر الآن أنه وحيد حقًا، هو كذلك ولكن الآن يشتد عليه هذا الشعور وبقوة، لا والد له ولا صديق ولا هي من كانت له الدنيا وما فيها..
تنهد وهو يبتسم بسخرية مُتذكرًا قبل سنوات وعمه على قيد الحياة ووالده يشتد عليه يوم بعد الآخر…
“عندما كان عمره سبعة وعشرون عامًا، عاد وقرآن صلاة الفجر يقرأ في الثالثة صباحًا صف السيارة ثم خرج منها وهو يترنح بقوة للخلف والأمام بسبب ثمالته التي نتجت عن شربه الكثير من الكحوليات، دفع باب السيارة بقوة أصدرت صوتًا عاليًا ثم سار في وجسده غير مُتزن يترنح من هنا إلى هنا وعقله ليس معه، رفع نظرة إلى شرفة حبيبته التي لا تريد أن تحنن قلبها عليه وتوافق على الخطبة في هذا العام.. يا لها من قاسية كل يوم تأجل زواجهم ليست صغيرة هذه إنها بالغة صاحبة واحد وعشرون عام لما لا تتزوجه وتجعله ينعم معها بكل ما يريد..
أخفض وجهه إلى الأرضية وأكمل سيره إلى الداخل ولكنه وجد عمه “أحمد” يخرج إلى الحديقة ينظر إليه بانزعاج وضيق شديد، وقف أمامه ونظر إليه بقوة قائلًا بجدية:
-ليه كده يا عامر مش كنا اتفقنا إنك مش هترجع للطريق ده تاني
صمت ولم يجب عليه فقط نظر إليه بسخرية وهو من الأساس ليس معه، أمسك عمه بذراعه ليساعده وهو يهتف:
-أمشي تعالى أغسل وشك من الحنفية اللي ورا قبل ما تدخل أبوك مستنيك
أردف “عامر” بنبرة مهزوزة ولكن حديثه يحمل الجدية:
-مش لازم يا عمي هو متعود مني على كده
جذبه من ذراعه بقوة وهو يُسير باتجاه جانب الفيلا حيث هناك صنبور مياة في الأرضية يخص الزرع الأخضر والورود الموجودة بحديقة الفيلا، أخذه إلى هناك ثم فتح الصنبور وبدأ في السكب على وجهه كميات كبيرة من الماء بقوة لتجعله يستفيق مما هو به..
كان الآخر مُنزعج بشدة وحاول الإبتعاد ولكن عمه لم يتركه يفعل ذلك لأن والده إن وقعت عينيه عليه وهو في هذه الحالة لن يحدث خير أبدًا..
صاح “عامر” وهو يبتعد للخلف:
-خلاص فوقت
وضع يده الاثنين على جانبي رأسه يضغط عليه بقوة بسبب الألم الذي داهمه بعنف وشراسة، أغمض عينه ضاغطًا عليهما ثم فتحهما مرة أخرى ووقف معتدلًا ناظرًا إلى عمه الذي هتف بقوة وجدية:
-أبوك قاعد جوا لحد دلوقتي علشان مستنيك، هتدخل معايا وتحترم كلامك يا عامر معاه مهما يقول متردش بطريقتك عليه لأنه المرة دي معاه حق مليون المية
احتدت نبرته وأسودت عيناه وهو ينظر إليه قائلًا بعنف وحدة:
-معاه حق ولا لأ هو أخر واحد ممكن يتكلم معايا
نظر إليه عمه بقوة وهتف بتأكيد يذكره بما كان يحدث:
-متنساش إنه أبوك وإنه حاول معاك كتير وأنت اللي كنت بتعاند وتبجح
تسائل الآخر بعينين حادة مُثبتة عليه ثم أجاب على نفسه بقسوة:
-وبعدين؟ عمل ايه بعدين؟ بقى يطردني برا البيت ويقولي روح للصيع بتوعك، بيسيبني للصيع بتوعي ليه؟ وأنا واثق إنه هيطردني دلوقتي وهتشوف
نظر عمه إلى الناحية الأخرى ثم دفعه مُربتًا على كتفه وهو يقول:
-مش هيطردك يا عامر.. يلا أدخل
سار معه إلى الداخل وهو مُنزعج بشدة والحنق سيطر عليه من كل جانب غير ذلك الصداع الذي احتل رأسه وكأنها مكانه..
دلف من البوابة وعمه معه وهو بتلك الهيئة، طوله الفارع ووجهه الطويل وتلك النظرة الحادة المزروعة بوجهه وملابسه السوداء مبلله ولكن لم يظهر ذلك..
وقف “رؤوف” والده في مُنتصف الصالة عندما وجده يدلف إلى الداخل وضع يده الاثنين خلف ظهره ورفع وجهه إليه بشموخ ثم صاح بقوة:
-كنت فين يا عامر لحد دلوقتي
أجابه الآخر بنبرة جدية مُعتدلة كما قال عمه له في الخارج:
-كنت سهران مع صحابي
استنكر والده حديثه وتسائل بسخرية:
-مع ستات وخـ ـمرة
بجح به الآخر وبقوة وهو يهتف أمامه أنه كان يحتسي الخـ ـمر دون أي خجل منه:
-خـ ـمرة بس ماليش في الستات
صاح عمه من خلفه مُناديًا بإسمه بقوة وحدة كي ينبه أن يعتدل في الحديث مع والده:
-عامر
استهزأ به واستدار ينظر إليه بمزاح ولا مبالاة:
-ايه أكدب يعني
تقدم والده منه بخطوات ثابتة وهو ينظر إليه نظرات حادة تهطل من عينيه عليه قائلًا في سيره بقسوة:
-لأ إزاي متكدبش قول كل اللي عندك ماهو أصل أنا اللي غلطان نسيت اربيك يا عديم التربية
حرك “عامر” يده إليه بلا مبالاة وعدم اهتمام كبير لحديثه وهو يردف بملل:
-اسطوانة كل يوم، لو في جديد قوله علشان ننجز مش معقول كده كل يوم يعني نفس الكلام لازم نغير بردو
أشار والده هو الآخر عليه بغيظ شديد لأنه لم يعد يستطيع أن يفعل معه أي شيء ولم يأتي أي مما قام به معه بالنفع فصاح بقوة وعنف موضحًا له ما يستحقه:
-أنت ولد قليل الأدب ومش متربي والعيشه اللي أنت عايشها دي متستهلش ربعها لأنك بترفص النعمة برجليك وكمان سُكري ونسوانجي دا أنت مليان ذنوب ومعاصي أرحم نفسك
داخله تألم لأن والده يعلم أنه في مثل هذا العمر وملئ بالمعاصي والذنوب ولم يحاول مرة واحدة أن يجعله يعود عنها باللين والهدوء، هتف مرة أخرى بلا مبالاة:
-لو قولتها بطريقة أحسن من كده كان ممكن أقتنع
نظر إلى أخيه في الخلف الذي دائمًا يُدافع عن ابنه وينصحه باللين ولا يفعل بما يقوله له، أشار إليه بغضب وعصبية وهو يقول بصوت عال:
-شايف البيه اللي أنت بتحبه وبتقولي دا طيب وغلبان عايز اللي يحتويه؟ الشحط ده عايز اللي يحتويه ولا هامه واقف يهرج ويبجح في اللي عايش من خيره
أردف “عامر” هذه المرة بجدية شديدة مُتخليًا عن تبجحه ولا مبالاته:
-أنا عايش من خير نفسي بشتغل وبشغلي بتدفعلي فلوس مش باخد منك رحمة ونور
تقدم منه والده وقال بعصبية موضحًا له مركزة:
-لأ وأنت الصادق أنت لسه يدوب من كام سنة شغال لكن طول عمرك عايش في خيري وبتاكل منه
تحدث “عامر” بتبجح مرة أخرى وهو يُشير إليه بعصبية وغضب بعد أن فارت الدماء بعروقه من كثرة ثرثرته يوميًا:
-أنت مش خلفت يبقى تشيل ولا عايز تخلف وتجري
أقترب عمه منه في خطوات سريعة وأمسك به يدفعه للداخل كي يصعد إلى غرفته:
-أخرس يا عامر بقى.. أمشي أطلع اوضتك
أشار إليه والده مرة أخرى وأردف بقسوة وحدة وصوته عالي في منتصف صالة الفيلا:
-عايز تجوزه بنتك يا أحمد.. ده عايز تأمن على بنتك معاه، ده هيبقى أب وزوج ويشيل مسؤوليه!
عاد إليه “عامر” وابتعد عن عمه ليقف أمامه بقوة وعنف متحدثًا بجدية شديدة وشراسة ليوضح إليه أن “سلمى” لن تكون لغيره:
-بقولك ايه.. أعمل أي حاجه وقول اللي أنت عايز تقوله بس كله إلا سلمى علشان أنا هتجوزها غصب عن الكل
أقترب والده منه ليقف أمامه مُباشرةً وتسائل بجدية:
-غصب عن مين
نظر “عامر” في عينيه بقوة وعنف ولم يتراجع عن أي مما يفعله أو يقوله بل أكمل قائلًا بشراسة:
-عنك أنت أول واحد
رد والده عليه بصفعة قوية على جانب وجهه بكفه العريض، التف وجه “عامر” على أثرها الناحية الأخرى..
شهقت بعنف وتفاجئ وهي تراه يصفعه هكذا واضعة يدها على فمها وكتمت شهقتها بها كي لا يراها أحد أو يستمع إليها..
ضغط على شفتيه بأسنانه بقوة شديدة قد جرحت على أثرها وخرجت منها الدماء، كور قبضة يده الاثنين بعنف كي يحاول التحكم بنفسه بعد هذه الصفعة التي تلقاها منه..
عاد ناظرًا إليه ليراه يبعث إليه القسوة الخالصة..
جذبه عمه من يـده بقوة ودفعه إلى درج السلم قائلًا بصراخ:
-أطلع فوق… أطلع
عادت للخلف سريعًا عندما وجدته يصعد وذهبت إلى غرفتها ركضًا حتى لا يراها ويعلم أنه رأته في ذلك الموقف الذي لا يحسد عليه..
بعد أن تأكدت من أن كل منهم دلف إلى غرفته، ذهبت بتلك المنامة إلى الأسفل لتفعل له فنجان من القهوة وتأخذ إليه الحبوب المسكنة للألم.. ليته يعود عما يفعل.. ليته يترك الطريق الذي دلف إليه فجأة دون سابق إنذار..
صعدت على الدرج بهيئتها الفاتنة وجمالها الأخذ، بخصلات شعرها الطويلة قليلًا ذات اللون الذهبي، عينيها الزيتونية وشفتيها الوردية المُكتنزة.. لقد كانت كتلة جمال متحركة أمامه..
دقت باب الغرفة فلم يجب عليها، علمت أنه في المرحاض فدفعت الباب ودلفت إلى الداخل تاركه الفنجان ومعه مُسكن للألم..
عادت إلى باب الغرفة وفتحته لتخرج فوجدته هو الآخر يخرج من المرحاض ناظرًا إليها بعينين خالية من أي مشاعر.. فتركته هي الأخرى بعد أن أشارت له على ما جلبته إليه..
الوحيدة التي تفكر به، على الرغم من كل ما يحدث أمامها مازالت هي ووالدها فقط من يقفون معه.. انحدر بطريق الخطأ ولا يستطيع الرجوع عنه، لما لا يجعله يعود باللين؟.. لما يفعل معه هكذا.. إنه لا يحب نفسه بهذه الطريقة، لا يريد أن يكمل على نفس هذا النهج.. إنه يريد أن يعود “عامر القصاص” كما عاهدوه..”
عاد “عامر” من تذكره لتلك الأمور التي مضى عليها كثير من الوقت والأعوام، ترك الكأس الذي كان بيده وأخرج من جيبه المال وتركه على الطاولة ثم وقف على قدميه مُتحركًا للخلف بظهره ليذهب من هنا..
اصطدام بأحد خلفه وعلى أثر الاصطدام وقع كأس الآخر منه مُتهشم على الأرضية، إلتف ينظر إليه بجدية وكان سيعتذر عن ذلك الخطأ ولكنه وجد الآخر يهتف بتبجح وصراخ:
-ما تفتح يا أعمى ولا تحب افتحك أنا
نظر إليه وإلى من معه بثبات ثم أجابه بثقة:
-عندي اوبشن أحسن، أنا ممكن أعميك أنت
صرخ الآخر عليه وتقدم منه بجسده الصلب العريض وهو يقول بصوت خشن عالي:
-وريني كده يا أبو الرجـ ـولة
رفع عامر يده ليلكمه في وجهه بقوة وعنف عندما وجده يقترب منه ثم قام بدفعه للخلف فدافع عن نفسه بقوة..
أقترب الآخرين منه واحدًا منهم لكمه في وجهه كما فعل هو بالآخر فرد له لكمته بقوة وعنف..
وقف صوت الموسيقى وارتفعت أصواتهم الرجـ ـولية المزمجرة عاليًا وحاول “عامر” أن لا يترك لهم الفرصة في النيل منه وهو يتبادل معهم الضربات..
ولكنه على حين غرة وجدهم يبتعدون عنه تاركين الفرصة لمن تشاجر معه في البداية ليقترب منه بجسده العريض بثبات وثقة ليقف أمامه ثم فجاة ودون سابق إنذار أخرج من خلفه مدية وقام بفتحها ليدفعها بكل قوته في مُنتصف بطنه لتخترق القميص الذي كان يرتديه ومن خلفها خرجت الدماء بغزارة تُسيل مغيرة لون القميص من الأبيض إلى الأحمر..
جذب الآخر المدية وظهر على وجهه الإجرام والقسوة وهو ينظر إليه بثبات كما كان، وضع “عامر” يده على بطنه موضع الجرح الذي يخرج منه الدماء بغزارة وصرخ بقوة متألمًا وتغيرت ملامح وجهه بالكامل ثم وقع على الأرضية وهو لا يحتمل ذلك الألم والدماء تسيل منه بغزارة دون توقف..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)