رواية بين دروب قسوته الفصل التاسع 9 بقلم ندا حسن
رواية بين دروب قسوته الجزء التاسع
رواية بين دروب قسوته البارت التاسع
رواية بين دروب قسوته الحلقة التاسعة
“كيف السبيل للإبتعاد عن روحها الموجودة به”
بدأ “عامر” بالتحرك نحوها، مظهره لا يبشر بالخير أبدًا، لقد غليت الدماء بعروقه بسبب تلك الغيرة التي تنهش داخله بعد رؤيته لها في مثل هذا الوضع القذر بالنسبة إليه إلا لو كانت معه هو.. فالأمر هنا يختلف.
في لحظة والأخرى بينها خطوة انطفأت الأضواء جميعها وانقطعت أصوات الموسيقى الصاخبة فجأة وكأن هناك عطل قد حدث دون تدخل أحد..
وقف للحظات فقط ثم تدارك ما حدث وأراد أن يخرج هاتفه من جيب جاكيت بدلته ليشعل الضوء الخاص به وقد فعل البعض في المكان مثله ولكنه لم يكن يحتاج لذلك بعد أن عادت الأضواء مرة أخرى وارتفع صوت الموسيقى الصاخبة مرة أخرى تزلزل المكان..
وضع الهاتف بجيبه ثانيةً وشعر بالغليان في رأسه إلى آخره بعد أن اختفت من أمامه.. يقف “هشام” وبيده هاتف وبجانبه “إيناس” صديقتها الحقيرة.. استدار برأسه وعيناه في المكان من البداية إلى النهاية.. تحرك خطوات بقدميه لينظر جيدًا ربما تكن تحاول الهرب منه..
شعر بالانزعاج الشديد والضيق احتل كل خليه به، الغضب كان أكثر شيء يلازمه مع غيرته العمياء عليها، مؤكد كانت هي، أنه لن يخطئ في حبيبته “سلمى” لن يخطئ، مستحيل لقد كانت هي وهربت عندما علمت بوجوده… لم تحذر أبدًا لن يتركها اليوم..
عاد إلى “جومانا” التي وقفت باستغراب تُبصر ما يفعله بعينيها وتتسائل داخلها ما به أو ما الذي يبحث عنه، أردف بجدية:
-جومانا أنا لازم أمشي
لم يعطيها الفرصة للرد عليه من الأساس فقد ذهب وتركها تقف تحاول أن تفهم ما الذي فعله الآن لقد أتى بها إلى هنا والآن يتركها ويرحل.. لم يمر عشر دقائق على وصولهم إلى المكان..
خرج من المكان بسرعة كبيرة وبخطى واسعة، صعد إلى سيارته وبدأ في القيادة بسرعة وعجلة من أمره فقط لكي يراها في الطريق قبل أن تعود إلى المنزل أو حتى قبل أن تدلف إلى الداخل.. إنها لن تستطيع أن تصل قبله وهو بهذه السرعة.
الآن هي على علاقة بـ “هشام الصاوي”؟ هل هذا حقًا!.. هل هي على علاقة معه، أنه لأول مرة يكون لا يفهم شيء ولكن هناك خيط رفيع يربط الأمور ببعضها.. وقفتها معه اليوم في تلك الوضعية الدنيئة القذرة منها تقول إن ذلك الشيك كانت هي من أتت به منه وليست ابنة عمه!..
هذا يدل أيضًا على أنها تعرفه منذ الكثير!.. ولما قد يعطي إليها هذا الشيك للجمعية في ذلك الوقت بالتحديد؟ وما المقابل له، لا يمر عليه أنه تبرع دون مقابل.. لا يمر ذلك على عقله أبدًا..
أيعقل أنها تجعله ذلك المغفل وتدلف وتخرج مع ذلك الحيوان من دون علم أحد بالمنزل! أيعقل أنها على علاقة جادة به؟..
ضرب المقود بيده بعصبية شديدة وزاد من سرعته ضاغطًا على شفتيه بغل وحرقة بأسنانه الحادة.. لقد نهش المظهر داخل قلبه وهو يراها تقف في أحضانه بهذه الطريقة الرخيصة.. كيف لها أن تفعل ذلك.. كيف لها أن تسمح له؟..
لن يجعل هذه الليلة تمر إلا عندما يفهم كل شيء، سيعلم هل هي على علاقة معه حقًا أم لا، هل هي من كانت هناك تقف بين أحضانه أم لا؟، هي هي هي.. صرخ عقله بتلك الكلمات مؤكدًا أنها هي، لقد كانت خصلات شعرها السوداء القصيرة بالضبط، جسدها الممشوق المتناسق، وقفتها ومظهرها.. لقد كانت هي..
قبل تلك اللحظات التي مرت وبالتحديد عندما أطفأت الأضواء شكرت الله كثيرًا وارتفع صوتها أمام “هشام” وهي تتمتم بالحمدلله واستغلت الفرصة معه سريعًا وأخذها إلى الطاولة في لحظات خاطفة مُمكسًا بيدها يجعلها تُسير خلفه إلى الطاولة في تلك العتمة لتأخذ حقيبتها ثم قادها إلى المخرج سريعًا وعاد إلى مكانه مُمسكًا بيده ابنة عمه في لحظات لا يعلم كيف أنجزته هكذا وقادته بتوفيق وأتم المهمة هذه..
خرجت هي سريعًا تركض على قدميها وجسدها يرتعش بالكامل وهذه ليست مبالغة أبدًا، وقع قلبها بين قدميها عندما علمت بوجوده، “عامر” معها بالداخل.. سيكون هناك مذبحة إذا علم شيء من الذي تفعله..
أخذت سيارتها وانطلقت بها في لمح البصر وكانت قد اختفت عن الأبصار وابتعدت عن الطريق.. تعرف كيف يفكر “عامر”.. تحفظه عن ظهر قلب، لو كان رآها حقّا وأكتشف الآن أنها اختفت سيعلم أنها هربت منه وسريعًا سيعود إلى المنزل لرؤيتها. عليها أن تكون هناك وقبله.. عليها أن تكون لم تخرج من الأساس من الفيلا..
أخذت الطريق في دقائق معدودة وعقلها لم يتوقف عن التفكير، ماذا لو علم بعلاقتها معه؟ أنها تخفيها وتحاول أن تدبر الأمر حتى عندما يظهر يكون هو وضع أمام الأمر الواقع.. ستحاول بكل الطرق أن تجعله يصمت ويبتعد عنها ولكن بعد رؤيته لها في هذا الوضع لا تضمن النتيجة وحتى إن تركها اليوم وأعتقد أنها لم تكن هي ستظل عينه عليها طيلة الوقت..
يا الله كيف تتخلص من عذاب حبه وحرقة قلبه، كيف تبتعد عن ذلك الهلاك الموجع لقلبها، كيف السبيل للإبتعاد عن روحها الموجودة به..
وصلت إلى الفيلا، تركت السيارة في مكانها كما كانت وفتحت الباب لتخرج منها ومعها حقيبتها الصغيرة، أغلقتها وذهبت سريعًا إلى الداخل بخطوات واسعة، وقفت أمام البوابة الداخلية وأخرجت المفتاح الخاص بها من الحقيبة بأنفاس لاهثة وهي على عجلة من أمرها وقلبها يدق بعنف، فتحت البوابة ثم دلفت وأغلقتها سريعًا خلفها، قابلت إحدى الخادمات في طريقها إلى الداخل فوقفت للحظة تقول بجدية ولهفة:
-فايزة أنا مخرجتش من الصبح سامعة؟..
قابلتها الأخرى بعدم فهم لقد رأتها للتو تدلف من الخارج كيف لم تخرج إذًا:
-نعم!
صاحت “سلمى” بنفاذ صبر وسارت سريعًا بقلق وخوف إلى الداخل وهي تهتف:
-يعني لو عامر سألك أنا خرجت يبقى لأ مخرجتش
استدارت وهي على أولى درجات السلم تأكد عليها بعينين قلقة ولكنها حادة لتجعلها توافق على ذلك الكذب:
-سامعة!
أومأت إليها الأخرى برأسها بقوة عدة مرات متتالية وعندما رأتها تصعد على الدرج حركت رأسها يمينّا ويسارًا باستنكار ودهشة…
عندما قاربت على الولوج إلى غرفتها قابلت “هدى” شقيقته في طريقها فصاحت سريعًا تستنجد بها في لحظات الهلاك القادمة عليها:
-هدى.. هدى أنا مخرجتش ماشي؟
استغربت هيئتها ونظرت إليها باستغراب وذهول ثم أمسكت بيدها التي تضعها عليها وتسائلت بجدية:
-مالك في ايه
عقبت الأخرى على سؤالها مُجيبة بلهفة وسرعة:
-عامر هيجي دلوقتي لو سألك أنا خرجت قولي لأ مخرجتش وإني قاعدة هنا من زمان وأنك كنتي فوق عندي وأنا هفهمك بعدين ماشي
رأت مظهرها الخائف المُرتبك، وعينيها تتأمل بها الخضوع لرغبتها وإخراجها من ذلك المأزق التي وقعت به والتي هي لا تعلمه فحركت رأسها إليها بالايجاب فابتسمت الأخرى وتركتها وفرت إلى غرفتها ركضًا..
أغلقت الباب خلفها ودلفت إلى الداخل تركض بحركات هوجاء غريبة، ذهبت إلى الكومود جوار الفراش وفتحت درجه أخرجت منه أوراق كثيرة وقامت برميها على الفراش، ثم ذهبت إلى طاولة في الغرفة صغيرة عليها حاسوب أخذته هو الآخر وقامت بفتحه ووضعته على الفراش جوار الأوراق..
أخذت الحقيبة وأخرجت منها الهاتف وتركته معهم ثم انخفضت ودفعتها أسفل الفراش بما داخلها، رفعت البلوزة التي كانت ترتديها للأعلى تخلعها عن جسدها بسرعة وتعجل، وهي تسير إلى داخل غرفة الملابس وعلى حين غرة استمعت إلى صوت سيارته في الأسفل فركضت للداخل تلقي البلوزة أسفل الملابس تخفيها وفعلت بالجيب المثل بعد أن خلعتها عن جسدها وأخذت روب كان معلق أمامها ارتدته سريعًا تحكم غلقه عليها وهي تخرج إلى الغرفة ثم صعدت على الفراش تجلس عليه براحة تحاول أن تضبط أنفاسها المسلوبة منها، أخذت الحاسوب على قدميها وما كانت أن تجذب السلسال من حول عنقها إلا أن باب الغرفة فُتح بقوة مرة واحدة…
ظهر من خلف الباب بوجهٍ جامد ملامحه حادة قاسية، رفع بصره عليها وتوقفت عيناه السوداء في تلك اللحظات على خاصتها حتى أنه دلف إلى الغرفة وأغلق الباب من خلفه وعينيه عليها كما هي..
بعد رؤيتها له والنظر إلى مظهرة، ارتفعت وتيرة أنفاسها بقوة وصوتها كان واضح ولأجل أن تخفي ما بها صاحت بقوة وصوتها يرتعش يخرج بغير اتزان:
-قولتلك مليون مرة متدخلش الاوضه كده خضتني
حرك لسانه داخل جوفه وظهر هذا من الخارج، رفع يده إلى رأسه من الخلف وحكها بأصابعه وعينيه مازالت عليها بطريقة ثاقبة تجعلها تموت داخلها..
لسانها سليط، عنيدة، شرسة وقوية ولا تهابه ونعلم جميعًا ذلك ولكنها تعلم أن هناك حدود لـ “عامر” إن تخطتها عليها تحمل نتيجة لن تعجبها أبدًا ولأن حظها عثر هي الآن ترتعش بسبب هذه النظرات وعقلها على دراية تامة بذلك لأنها تخطت أول وأكبر حد وضع بينهم.. ولعبت في أمر مرفوض تمامًا وهو الغيرة..
عندما وجدته صامتًا ويقف أمامها بهذه الطريقة لا يتحرك فقط عينه عليها أردفت قائلة بتساؤل وهي تحاول أن تضبط نفسها:
-في ايه؟
أقترب إلى الفـراش بخطوات ثابتة بطيئة وجسده صلب شامخ أمامها، تفوه بكلمات خافتة هادئة ولكنها حادة قاسية:
-هو أنتي فاكرة إنك لما تخلي فايزة وهدى يقولولي إنك مخرجتيش كده أنا هصدق؟..
تصنعت الغباء وعقبت قائلة باستغراب وعينيها عليه:
-مش فاهمه؟ قالولك ايه ومخرجتش فين؟
ارتسمت على شفتاه ابتسامة ساخرة ومازال يتقدم منها بهدوء، أجابها يتهكم عليها ثم أكمل بجدية:
-لا يا شيخة؟ أنتي لو في وسط مليون واحدة كلهم نفس الشكل والهيئة دي بردو هعرفك
ابتلعت ما وقف بحلقها وحقًا لا يهمها أي شيء ولكن أن يعلم “عامر” أنها من كانت في أحضان “هشام” سيقتله ويقتلها إن لم يفعل الأسوأ:
-أنت بتتكلم عن ايه بالظبط
وقف أمامها بالضبط جوار الفراش وتسائل ببرود بعد أن وضع يده الاثنين داخل جيوبه:
-تعرفي هشام الصاوي منين؟
رفعت وجهها للأعلى لكي تستطيع النظر إليه بعد أن أصبح أمامها وهي تجلس على الفراش وقالت بجدية وبعد أن حاولت الهدوء تحلت بالقوة:
-قولتلك معرفوش
حرك لسانه على شفتيه يبللها، ووزع بصره على ملامحها المتوترة التي أكدت له منذ أن دلف إليها أن ما فكر به صحيح:
-مش هسألك تاني بعد المرة دي!.. تعرفي هشام الصاوي منين؟
صاحت بقوة هذه المرة أكثر من السابق وعينيها حادة عليه لكي يتراجع:
-قولتلك معرفوش
رفع قدمه اليمنى ودفع بها قدمها المتدلية من على الفراش بقوة ألمتها وجعلتها تصرخ بعنف بعد أن اصطدمت بالكومود، أكمل بعد فعلته ببرود:
-اللي في رجلك ده ايه؟ مش كنتي لبساه وأنتي في حضـ ـنه يا حيوانه
انخفضت وهي جالسة على الفراش تضع يدها على قدمها التي تناست أن تخلع عنها حذائها ذو الكعب العالي التي كانت به في الخارج، يا لها من غبية، حركت يدها بقوة على قدمها والألم مرتسم على ملامحها بفعل ضربته القوية عليها..
القادم أسوأ بكثير، لو كانت اقنعته أنها هنا ولم تخرج وهذا مستحيل فالحذاء الخاص بها محى كل ذلك وجعله يتأكد أكثر..
خلعت الحذاء من قدميها الاثنين وألقته على الأرضية ثم وقفت أمامه بوجه جامد حاد مثله بعد أن وجدت أن الكذب لن يفيدها معه:
-نعم؟
أقترب خطوة واحدة وأصبح لا يفصل بينهم أي شيء ثم حرك شفتيه يسألها بعمق:
-ايه علاقتك بيه؟
نظرت داخل عينيه بقوة وأجابته بثبات:
-علاقة عادية
ضغط على أسنانه وحرك فكه وشفتيه بحديث غاضب حاد وعينيه تشتعل بالنيران في الداخل يغطيها ذلك السواد بها:
-علاقة عادية وأنتي واقفة في حضنه وهو أيده رايحه جايه عليكي زي أي واحدة زبالة
رفعت صوتها عليه وهي تُجيبه بحدة وقوة نافية ما يقوله عنها بعد أن أحرقها ذلك التشبيه التي كانت حقًا به:
-احترم نفسك يا عامر أنا مش كده.. أنا كنت هقع وهو كان بيسندني مش أكتر
ازعجه صوتها وتلك الحدة التي تتحدث بها، أقترب إلى أن التصق بها بغضب وقسوة يمسك ذراعها بكف يده العريض القوي يضغط عليه بحدة وقسوة ثم أردف بثبات وتأكيد ولم يكن تهديد أبدًا:
-كدابة.. كدابة وستين كدابة وسنينك الجاية معايا سودة… لو مفكرة إنك ممكن في يوم من الأيام تتجوزي واحد تاني غير عامر القصاص وديني وما أعبد اقتلك فيها وهحصلك بردو مش هسيبك..
حاولت جذب يدها منه بالقوة ولكنها لم تفلح، بقيت عينيها الزيتوني عليه وصاحت بعناد:
-اوعا سيبني كده أنت اتجننت ولا ايه.. أنا وأنت خلاص مافيش الكلام ده بينا كل واحد راح لحاله وأنا هشوف حالي بعيد عنك
أقترب بوجهه منها وابتسم ابتسامة صغيرة ساخرة يبادلها نفس العناد الذي تتحدث به ولكنه كان واثق أكثر منها وضغط على ذراعها أكثر:
-مش كل شوية هنقول الكلام ده بقى.. حالك هو حالي وأنتي اللي جبتيه لنفسك وبما إنك بتفكري في الموضوع بقى يبقى استعدي للي جاي
كرمشت ملامح وجهها بانزعاج شديد وضيق لأ تتحمله، لن توافق عليه مهما حدث، الخائن الذي باع كل ما كان بينهم من حب وود، القاتل الذي أودي بحياة عائلتها:
-مش هيحصل مهما عملت يا عامر.. مهما عملت عمرك ما هتلاقيني موافقة عليك من تاني.. أنت أسوأ قدر قابلني في حياتي ووصمة هتفضل ملزماني بذكريات وفقدان بشع
حرك سواد عينيه عليها وأردف مُعقبًا بتأكيد وثبات واضح:
-قولي مهما تقولي.. أنا لحد النهاردة ولحد اللحظة دي وبعد ما رفضتيني للمرة المليون متأكد مليون المية إنك بتحبيني.. أنتي عنيكي فضحاكي قدامي…. وقدام الكل
صمتت وهي تستمع إليه، ذلك الغبي يحاول أن يكون الأقوى، يحاول أن يجعلها ضعيفة مرة أخرى أمامه وتستسلم لحبه وتقول ما فات قد مات ودُفن، يحاول أن يؤكد بها أنها مازالت تحبه وهو يعلم ذلك.. ولكن ليفعل مهما يفعل ستكون كما هي..
أمسك ذراعها الآخر بيده الأخرى وضغط عليهما معًا بقوة جعلتها تأن بألم وهو يقرب وجهها منه ليردف بقسوة وعنف:
-أنا كان ممكن أحاسبك بطريقة وسخـ* فعلًا على العمله دي بس وديني ما هتعدي بالساهل
صرخت بقوة وعنفوان:
-هتعمل ايه ها؟ قول يلا هتعمل ايه
صدح صوتها وأنفاسها تلوح أمام وجهه ليستنشقها بحب ورغبة، ثم ابتسم وهتف بنبرة واثقة باردة:
-يا خبر بفلوس
نظر إليها مطولًا نظرة ذات مغزى ومن بعدها ترك يدها الاثنين وتوجه إلى الباب بخطوات واثقة ثابتة على الأرضية، نظرت إليه للحظات وهو يبتعد وعقلها يحاول التفكير ما الذي يقصده، ثم في لحظة صرخت وهي تقترب منه لتجعله يبتعد بعقله عن “هشام”:
-استنى عندك.. أنا وهشام مافيش بينا أي حاجه ده مجرد صديق مش أكتر
استدار وهو عند باب الغرفة، نظر إليها من الأعلى إلى الأسفل ثم العكس ووقف عند عينيها وهتف بنبرة جادة وعنين قاسية تنظر إليها:
-منا عارف.. ماينفعش يكون في بينكم أكتر من كده لأنك بتاعتي… بتاعتي لوحدي وقريب أوي هتتأقلمي على الوضع ده وأنا محدش يعرفني قدك يعني لما بقول… بنفذ
ثم فتح باب الغرفة وخرج منه دون حديث آخر وأغلقه خلفه، لقد كان ما فكر به صحيح وهي من كانت هناك معهم، ولكنها مؤكد ليست في علاقة مع ذلك الغبي فهي تحبه إلى أبعد حد وحتى لو كانوا بعيدين عن بعضهم، هي لا تستطيع أن تحب أحد غيره وقلبها الذي كبر على عشقه من المستحيل أن يفكر في رفيق آخر غيره..
متأكد من ذلك كما أنه متأكد من كونه “عامر القصاص” ولكن عليه أن يلقنها درسًا لتتعلم منه كيفية التصرف حتى وهي بعيدة عنه..
وقفت في الداخل تفكر باستغراب كيف لـ “عامر” بعد أن علم أنها من كانت بين يدي الآخر يتركها هكذا دون أن يفعل شيء؟ كيف له أن يكون هكذا حقًا؟ وما الحديث الذي تفوه به عن القادم منه وكيفية التأقلم عليه؟ إنها من المستحيل أن توافق عليه وهو لن يفعلها بالقوة لو كان يريدها هكذا لما كان يتركها كل ذلك الوقت!..
أشياء كثيرة داخلها تجعلها مُشتتة وأول ما بها معرفته أنها تعرف “هشام الصاوي”…
ولكن حمدًا لله أنه مقتنع أنها لا تحب غيره لذا ستكون نظرته مُبتعدة قليلًا عنه..
❈-❈-❈
“بعد يومين”
بعد تواجد الجميع في غرفهم داخل هذه الفيلا التي فقدت روحها منذ عامين وإلى اليوم ليس هنا أي شخص داخله تعمل معه، هناك من فقد روحه للأبد وهناك من تبادل مع الآخر أرواح مأخوذة بالقوة..
كان يرتدي ملابس بيتيه، بنطال أسود قطني يعلوه قميص بنصف كم من اللون الرصاصي حذاء منزلي بإصبع واحد مفتوح من الأمام والخلف، خصلات شعره السوداء مصففة بعناية ومظهره أنيق يتناسب مع هيئته في الخارج ومع اسمه “عامر القصاص”..
سار بهدوء في الصالة ويده الاثنين في جيب بنطاله، تقدم إلى مكتب والده الذي كان مفتوح إلى المُنتصف، وقف أمامه للحظة واحدة يأخذ نفس عميق براحة ووجه هادئ للغاية يحث نفسه على التكملة بنفس هذا الوضع حتى يخرج من الداخل..
دلف إليه وسار إلى أن وقف أمام مكتبه ووالده تحت ناظريه يراه وهو يعمل على أوراق بيده يرتدي نظارته وينظر إلى الأوراق بدقة.. وقف “عامر” أمام المكتب وأصدر حمحمة رجولية من فمه حتى يجذب انتباه والده إليه..
رفع والده عينيه من على الأوراق ونظر أمامه ليجد ابنه يقف هكذا يضع يده الاثنين في جيوب بنطاله وينظر إليه بجدية، أخفض النظارة من على وجهه واضعًا إياها على المكتب أمامه ثم أخرج كلمة وحيدة مُتهكمة من فمه:
-خير؟
أخرج “عامر” يده اليمنى من جيبه ورفعها إلى جبينه يمسح عليه بحدة، أخفض يده وحمحم مرة أخرى ثم أردف بجدية وعيناه البُنية على والده:
-خير متقلقش
صمت من بعد هذه الكلمات وبادلة والده نفس ذلك الصمت واضعًا يده الاثنين على المكتب أمامه متشابكين منتظر أن يكمل ويقول ما يريد، ففعل وتفوه بكلمات جادة للغاية ناظرًا إليه:
-أنا عايز اتجوز سلمى
بقيت نظرات والده عليه بل اخفضها ليأتي به من الأسفل إلى الأعلى واستقر أمام عيناه بثبات وكأنه في البداية يشعره بكم الاستهزاء الذي وقع عليه:
-ومين قالك أن سلمى هتوافق ولا أنا حتى هوافق
وضع “عامر” يده داخل جيبه مرة أخرى ووقف أمامه شامخًا حرك رأسه للأمام وضم شفتيه إلى بعضهما ثم هتف يتساءل:
-طب سلمى وعارفين مش هتوافق ليه أنت بقى ايه المانع
عاد والده للخلف يستند بظهره إلى ظهر المقعد وأبعد يده عن المكتب قائلًا بوضوح:
-أنت عارف المانع كويس وكان واضح من الأول
تحدث “عامر” باستهزاء وسخرية وداخله يموت أكثر من مرة في الثانية لأجل ما يفعله معه والده، ولكنه يقابله بالبرود التام:
-آه كان واضح حتى إنك قولت لعمي الله يرحمه بلاش دا ابني وأنا عارفه على أساس محدش يعرفني غيرك
أكمل على حديثه بنبرة جادة:
-بالظبط كده ولسه عند كلامي.. سلمى متستاهلش واحد زيك، البنت جميلة وبريئة وردة مفتحة محتاجه اللي يظهرها ويظهر جمالها.. مش أنت، كفاية اللي حصلها بسببك
اهتاج بعد الاستماع إلى هذا الحديث وأخرج يده من جيبه ورفعها أمامه يحرك إصبعه السبابة واثقّا من حديثه الذي أصبح حاد:
-سلمى مش محتاجة غيري ومش هتكون لحد غيري لو هعاند الدنيا كلها وأنت وهي أول ناس بردو مش هتكون لغيري
أبصره والده بقوة للحظات وهو يعيد ترتيب حديثه داخل رأسه ثم عقب بجدية شديدة:
-أنا لو هقف قصادك العمر كله مادام هي رافضة ومش عايزاك مش هسمحلك تغصبها وتضغط عليها واللي هي تختاره هتاخده، أنا هنا مكان أبوها اللي رمامها ليك
أخفض “عامر” يده ونظر إليه بقوة اجتاحتها القسوة هاتفًا:
-وأنا بقولك يا أنا يا مافيش… أعتبر الرجـ ـالة خلصت لحد هنا
أكمل حديثه هذه المرة بنبرة عادية ينظر إليه بعمق ليجعله يفهم أنه سيفعل ما يريد مهما حدث ولن تكون إلا له:
-أنا جيتلك الأول احترامًا لأنك أبو البيت زي ما بيقولوا بس الظاهر إن مالكش رغبة في الموضوع ده.. ننقل بقى لصاحبة الشأن نفسه وهي هتوافق وبكرة تشوف
وضع يده في جيبه مرة أخرى ونظر إليه بتحدي وعمق ثم استدار رافعًا رأسه يصدر صوت صفير حاد عالي وهو يسير للخارج ببرود، منذ لحظات قليلة كان يشتعل لأجل حديثه الغير مقبول بالنسبة إليه أبدًا، ماذا عن الآن يبدو باردًا، هادئ، يفعل ألحان من ذلك الصوت الذي يصدره من فمه..
سار بثبات وهدوء وكأنه يخطط لشيء ما نتيجته محسومة بالنسبة إليه..
نظر إليه والده ورآه وهو يخرج من المكتب دون أدنى اهتمام يعطيه إليه، بل أشعره باللا مبالاة التامة من ناحيته، يخاف على ابنة أخيه منه خوف يقتل داخله، تركها “عامر” عامين ولم يفتح الأمر مرة أخرى وكونه الآن فكر بده فهو سينفذ ولكنه لن يتركه يفعل معها أي شيء لا تريده..
سيقف جوارها ويبقى معاها إلى أن يطمئن عليها.. سيكون سند لها وحتى إن أضطر إلى أن يقف أمام ابنه كما قال..
لن يتركه يفعل بها ما يريد، ولن يتركها تأخذ القرار وحدها فهو يعرف أنها إلى الآن تحبه وتهوى قربه أكثر من أي شيء آخر ولكن الماضي يؤثر عليها في كل مرة تقرر العودة إليه..
❈-❈-❈
جمعت أشيائها الخاصة في حقيبتها الصغيرة ذو اللون الأسود، ثم وضعت الحاسوب في حقيبته ووقفت على قدميها تأخذهم الاثنين بيدها اليسرى تسير متجهة إلى خارج مقر الجمعية، ورفعت مفاتيح سيارتها التي كانت تتمسك بها في يدها اليمنى، حركت وجهها للناحية اليمنى بقوة لتتحرك خصلات شعرها القصيرة إلى الخلف كي لا تزعجها..
أثناء سيرها في الرواق وجدت من يتقدم منها بابتسامة عريضة ووجه بشوش، لقد كان “هشام” يدلف ومعه “إيناس” ابنة عمه وقفت في مكانها بعد أن رأتهم ولم تتحرك خطوة نظرت إليهم باستغراب وهتفت بجدية:
-ايه ده محدش قال إنكم جاين يعني
ضيق عينيه عليها بخبث وأردف بطريقة مُعاتبة مازحة ليبقى قناع وجهه كما هو:
-ايه مكنتيش عايزانا نيجي ولا ايه
حركت رأسها وابتسمت بهدوء مُجيبة إياه بنفي:
-لأ طبعًا مش قصدي.. بس مفاجأة يعني مش أكتر
تحدثت “إيناس” هذه المرة وهي تقترب منها بعيون حادة كعيون الصياد البارد الذي يدعى البراءة:
-بعد اللي حصل آخر مرة هشام قرر يعوضنا بسهرة حلوة وفي مكان عامر مستحيل يعرفه
اعترضت على هذا الحديث والإقتراح الغبي المقدم من ناحيتهم:
-لأ لأ يا جماعة معلش أنا بجد تعبانة النهاردة
أبصر عينيها بعمق وقوة وأردف بنبرة جادة:
-مش هتفلتي مني يا سلمى أنا بقالي كام يوم مش عارف أقعد معاكي
كرمشت ملامح وجهها وحاولت الإعتراض مرة أخرى بطريقة أقوى كي تتراجع هي وهو:
-هشام والله مرة تانية بجد أنا تعبانة
استمعت إلى صوت “إيناس” الساخر منها التي تعلم جيدًا ما هي مخاوفها:
-تعبانة ولا خايفة من عامر
حركت وجهها إليها ونظرت إلى عينيها بعمق للحظات خلف بعضها دون حديث ثم أجابتها بحدة قليلة وضيق ارتسم على ملامحها:
-وأنا هخاف منه ليه يا إيناس قولنا مليون مرة هو من طريق وأنا من طريق القصة كلها في إنه شافني في وضع وحش
تدخل “هشام” قائلًا بنبرة مُلحة ليجعلها توافق على تطلبه وتتقدم معه إلى المكان الذي يريده:
-طب وأنا اعتذرت عن الوضع الوحش ده وهو مش هيشوفك خلاص بقى
حركت رأسها بنفي مرة أخرى واعترضت بجدية واضحة:
-بجد مش هينفع
أقترب منها خطوة وهو يُصر عليها بقوة ضاغطًا عليها أكثر عندما أخذ منها حقيبة الحاسوب ورفع عينيه صوبها ببراءة لا مثيل لها:
-لأ هينفع هاتي
أخذت نفس عميق ما أن أخذ حقيبتها ثم أردفت متسائلة وبعدها أشارت إلى ملابسها المكونة من بنطال أبيض يعلوه قميص حرير لونه وردي تختفي أطرافه داخل البنطال وحذاء رياضي مريح:
-طب رايحين فين وبعدين بصوا شكلي
تقدمت منها الأخرى وأمسكت بيدها قائلة بابتسامة عريضة:
-شكلك زي القمر وبعدين إحنا هنروح مكان أمان ومحدش هيشوفك
تابعتها “سلمى” بعينيها وتسائلت:
-فين ده؟
بنفس تلك الابتسامة أجابتها وعينيها تخفي بريق لا مثيل له ليس معروف ما هو أصله:
-شقتي الجديدة
ارتبكت “سلمى” كثيرًا، كيف لها أن تذهب إلى شقتها ومعهم ابن عمها؟ لن تفعلها أبدًا ما هذا الهراء:
-لأ خليها مرة تانية بلاش دلوقتي
اختنق الآخر من كثرة المحايلة في كل مرة يريد منها القرب فقال بنفاذ صبر:
-ايه ده اللي بلاش دلوقتي هو أنتي مالك بجد يا سلمى
أشارت بيدها وهتفت بقوة وعينين حادة وهي تصيح:
-ماليش يا هشام بس مش هينفع أروح معاكم شقة
استدار يوليها جانبه ونظر إلى ابنة عمه قائلًا بقوة ونبرة حادة متضايقة:
-قصدك ايه بالكلام ده؟ أنتي مش واثقة فيا ولا ايه؟ نبرتك اتغيرت وأنا بجد اتخنقت
صاحت هي الأخرى مثله:
-مش قصدي يا هشام مش قصدي
نظر إليها بقوة ثم استدار بجسده بالكامل وسار إلى الخارج بعنف وقوة وجسده متشنج، أنها أصبحت مصدر إزعاج حقًا بالنسبة له ومنذ أن رآها “عامر” وهي تبتعد عنه بقدر ما استطاعت.. ولكنه لن يتركها مهما حدث.. سيكون خلاصها من الجحيم بيده هو.. هو وحده..
جذبتها الأخرى بكامل الخبث الذي تحمله داخلها وتحدثت بجدية وعتاب:
-يلا بقى يا سلمى بلاش تزعليه هي أول مرة يعني نبقى سوا.. وبعدين هنقف نتكلم هنا..
سارت معها على مضض ومازالت تعترض وتتفوه بقوة أن ذلك لا يجوز ولن تفعله:
-مش هينفع صدقوني..
❈-❈-❈
دق باب الشقة التي كانت متواجدة بها بعد رحيل “إيناس”، وقفت على قدميها وتقدمت من الباب لترى من الطارق ربما تكن هي، ولكن أليست معها مفتاح لشقتها؟..
أخذت نفس عميق ثم وقفت أمام الباب من الداخل، أمسكت المقبض بيدها وأدارته لينفتح الباب مع حركة يدها التي تجذبه للداخل..
كانت الصدمة كبيرة عليها هذه المرة، اتسعت عينيها بقوة وانخفض ضغط الدم بجسدها، ارتمى قلبها أسفل قدميها وتوقفت دقاته هنا، أو تسارعت أكثر وكأنه في سباق عليه الفوز الحتمي به.. لا تستطيع التحديد الآن ما الذي يحدث به..
لم تستطع حتى أن تبتلع ما وقف بحلقها بعد رؤيته هنا، نظراتها مُثبتة على عينيه، جسدها بدأ بالارتجاف بقوة وأنخفضت يدها عن مقبض الباب والخوف احتل كل خليه بها..
الرهبة واللهفة المُتعطشة لأي حركة قد تدلها على الخير وأن القادم لن يكون سيء، ولكن ذلك لن يحدث..
لم يكن هو يحتاج لأي نظرة خوف أو عتاب، أو رهبة منها، لأنه لن يتراجع عما يريد، إن كانت مرت عليهم ليالي تحمل من السوء ما يكفي فهذه الليلة ستكون بداية الأسوأ الذي ينتظرها..
عينيه انخفضت عليها غمامة سوداء حالكة حادة، نظرتها جامدة قوية تحمل من القسوة ما يكفي بلاد الاحتلال، شفتيه لو تراها وهي مضمومه بهذه الطريقة وفكة الذي يتحرك بعنف ضاغطًا على أسنانه في الداخل ستقول أنه على وشك قتل أحدهم..
صدره يعلو وينخفض بغضب عارم، جسده مُتصلب وبقوة، يضغط على يده الاثنين بعنف حتى ابيضت مفاصلة ونظرته نحوها كانت تحمل كل الشر الموجود بقلبه ناحية كل من أراد التفريق بينهم..
عينيها لم تصدق الذي رأته وقلبها لم يساعدها والتفكير الذي دائمًا موجود برأسها اختفى الآن تاركّا إياها في عطلة لم تكن تريدها أبدًا، رهبتها وخوفها من أن يفهم ما يحدث بأنه خطأ أكبر بكثير من خوفها الذي احتل الموقف بينهم بعد هذه النظرات التي تقول إنه هنا لقتلها لا محالة..
تقدم خطوة والأخرى ببرود تام وعينيه لم ترمش مرة واحدة، حادة عنيفة قاسية كما هي مُثبتة على عيون الزيتون خاصتها، يبشرها بكل عنف وقسوة قادمة إليها منه، يبشرها بكل ما هو سيء قام إليها منه..
تراجعت خطوة خلف الأخرى كلما تقدم هو، ابتلعت ما وقف بجوفها منذ أن رأته ولم تكن تستطيع فعلها، حاولت أن تجعل صوتها يخرج لتخفف حدة ما يحدث، لتخفف نظرته نحوها ولتبرر موقفها الذي يحكي وحده عما يدور من دون علمه.. وللحق لو أحد آخر غيره لن يصدق أي حديث تقوله..
ابتعدت شفتيها عن بعضهما في محاولة بائسة منها لشرح موقفها العثر، وأصبحت وتيرة أنفاسها عالية لاهثة، تعود للخف وهو يتقدم إلى أن بقيٰ معها داخل الشقة، ثم دفع الباب بيده بقوة وعنف ارتجفت لها الجدران وارتجف جسدها معها.. ومازالت عينيه عليها لم تتحرك..
هنا ابتلعت ما وقف بجوفها مرة أخرى ناطقة باسمه بنبرة خافتة تُكاد تكون مختفية من الأساس، وعينين ترتجف كارتجاف شفتيها وجسدها:
-عامر
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)