رواية بيت القاسم الفصل العاشر 10 بقلم ريهام محمود
رواية بيت القاسم البارت العاشر
رواية بيت القاسم الجزء العاشر
رواية بيت القاسم الحلقة العاشرة
-أنتي حامل؟…
سؤال مباشر دون مراوغة.. ليس بحاجة لاتساع حدقتيها ولا ذهولها وكأنها ترى كائن فضائي أمامها.. ومابين سؤاله وجوابها دقيقتان مروا.. ازدردت ريقها بتوتر وقالت..
-حامل ازاي يعني.. لأ طبعاً مش حامل..
قالت جملتها متلعثمة ترمقه بخوف.. وما أن انتهت حتى جذبت الباب تريد أغلاقه بوجهه.. وقبل أن يُصفع بوجهه استند بكفيه عليه يرجعه للخلف ثانية..
وتلك المرة أقتراب.. ونظرة غائرة ، وسؤال أشبه بتقرير..
-أومال ده إيه؟!
يشير على الحبوب في قبضته.. وينتظر..!
ثارت أنفاسها وهاجت وكأنها تعدو بسباق.. انفعلت بحدة وخير طريقة لإنهاء أي حوار هو الصوت العالي..
-إيه.. ماله… عادي انا بجيب ساعات بزياده.. وبعدين جاي المشوار ده كله تكلمني ع شريط برشام..
.. وابتسمت بتهكم.. وقالت بنبرة يشوبها الحزن رغم مداراتها..
– دانا فكرتك جاي عشان تطلقني ونخلص بقى..!!
-نخلص!! للدرجادي..؟!
نطقها مبهوتاً وكأنه صعق.. جفاء؟ ومن من؟ من نيرة!! تريد الخلاص.. وتنطق الطلاق بكل سهولة.. وعلى اقترابه كانت فرصة ليتأملها وهي أيضاً.. هالاتها السوداء قد وضحت أكثر وخط الحزن وجهها .. تلك اللمعة الدائمة بسواد عينيها قد غابت، وجسدها أصبح هزيلاً .. وهو لم يكن بأقل منها ، ذقنه ناميه بشكل ملفت وغير مشذبة وتلك ليست عادته .. خصلاته مبعثرة، وثيابه غير مهندمة وكأنه طفل تركته أمه وسافرت..
ابتسم بجمود رغم الألم.. رفع إحدى حاجبيه يتحدى..!
-حلو.. عايزة تطلقي.. يبقى تعالى نكشف ونتأكد إنك مش حامل..!!
-أنت بتعمل ايه هنا ياااض انت؟!!
“هادم اللذات ومفرق الجماعات” هكذا كان يطلق زياد على قاسم دائماً.. الاثنان كخطان متوازيان لا يتقابلان أبداً. وبعد أن قُطع عليه لحظته مع نيرة.. فهو يستاهل ذاك اللقب وبجدارة.. طحن ضروسه غيظاً وهو يلتفت للحانق دائماً صاحب أشهر عقدة حاجبين بالتاريخ.. قال ببرود وهو يبتسم بسماجه..
-واقف مع مراتي بنتكلم..
ثم زاد من سماجته..
– مبروك يااا قــ اسم هتبقى خالو..!!
حدق قاسم ببلاهة.. يوزع نظرات غباء بينه وبين شقيقته.. شقيقته التي هزت رأسها استنكاراً.. وهتفت به تنفي عن نفسها تهمة..
-لأ ياقاسم متصدقهوش.. هو بيوهم نفسه بحاجات محصلتش ولا هتحصل..
رفضها أثار غضبه.. هتف بعنف..
-بوهم نفسي!! .. طالما أنا بوهم نفسي وانتي صادقة تعالى نكشف عشان نفضها سيرة بقى..
جذبه قاسم من ياقة قميصه بقوة و سحبه بعيداً عن الباب.. وقد تجهم وجهه وصار كتلة حمراء.. قال زاعقاً..
-متكلمهاش.. كلامك يبقى مع أخواتها الرجالة.. لو شوفتك بكلمها أو بتضايقها تاني مش هخلي فيك حتة سليمة..
وعلى ارتفاع صوت قاسم.. خرجت الأم من غرفتها مرتعبة وملامحها تبين أنها كانت نائمة تعدل من حجابها الصغير على شعرها.. ومن الشقة المجاورة لشقة قاسم خرجت حنين بأعين متسعة وشعر متجمع بعشوائيه على كتفها ومنامة برسومات لديزني.. تلاها الجد المُسن يتكأ على عصاه متسائلاً عما يجري ببيته..!!
وكان أول من تحدث.. هي الأم. قالت بلهفة خائفة..
-في ايه ياولاد.. خضتوني…. صوتك ياقاسم جايب لآخر الشارع..
أجاب قاسم يركز بنظراته على زياد ومازالت ياقته بقبضته..
-الأستاذ من بجاحته جاي لنا بيتنا.. وبيضايق نيرة.. فاكر محدش هيقفله!!
انفلتت أعصابه هو الأخر.. دفعه بكفه بكل قوته ارتد قاسم للخلف قليلا فقط على إثرها.. نظر زياد للأم مردفاً
-نيرة حامل ومخبية عليا.. قولتلها تعالى نكشف و نتأكد.. ابقى أنا كده غلطت ف إيه؟
وابتهحت الأم و ضحكتها الواسعة تتراقص بوجهها.. قالت بفرحة..
-أنتي حامل بجد يانيرة.. متخبيش عليا وفرحي قلبي يابنتي والنبي..
فرحة الأم جلبت عبوس نيرة وغيظ قاسم واهتمام حنين التي قالت متجاهلة مايحدث..
-ألف مبروك يازياااد.. وأخيراً هتبقى بابا
نهرها قاسم..
-بس يابت ياتافهة انتي.. انتي ايه اللي موقفك أساساً.. خشي جوة….
تجاهلته ووقفت خلف جدها كحماية..
ضرب الجد الأرض بعصاه يفض تجمعهم بصوته الذي يرتجف بحكم عمره.. نبرته حادة وصارمة
-نيرة انتي حامل ولا لأ..؟
والأعين صوبت عليها.. ارتبكت ونزحت العرق من جبهتها بأنامل مرتعشة..
همهمت بخفوت بالكاد التقطوه.. وهي تومأ..
-أيوة..
وزغروطة الأم كانت فرحة وهي تسحب بنتها للداخل.. وضحكة زياد لم تكتمل بسبب مقاطعة الجد له بحدة ..
-زياد.. اسبقني على تحت عشان عايزك..
وتركهم ودلف بعصاه الأبانوسية يستند ويضرب الأرض بها مستاءً..
رفعة حاجبي زياد تتحدى ضيق عيني قاسم.. زاغ بعينيه على تلك التي ماتزال واقفة ترمقهم بعدم فهم.. فقرر مضايقته.. اقترب من حنين مبتسماً كثعلب.. كعابث لم ولن ينتهي عن عبثه..
-ايه الحلاوة دي ياحنون كبرتي وبقيتي زي القمر.. لأ داحنا نشوفلك عريس بقي..
وهي فهمت إلى مايرمي وقررت العبث معه. فتلاعبت بخصلاتها بخجل مزيف..
-لو هيبقى زيك كده أنا معنديش مانع..
وضحك ولم يزد.. فهو ضايقه وانتهى الأمر.. وبالنسبة لحنين فرحمة الله عليها.. شرارات لهب تخرج من حدقتي قاسم جعلتها تترك ساقيها للريح وتركض للداخل.. تغلق الباب دون صفعه.. والحمدلله تمت مهمة اغضابه بنجاح…….
………….
حين نزل الجد.. وجد زياد ينتظره بالأسفل كما أمره.. يجلس على الطاولة المستطيلة الموضوعة بالحوش الخلفي للمنزل.. حوش كبير ملئ بالزرع الأخضر والورود الملونه وبعض الأعشاب ذات الرائحة النفاذة.. كان مرهقاً بُيِّن ذلك من جلسته المتهالكة على الكرسي.. أقترب منه وعصاه تسبقه.. لينهض زياد مسرعاً يسنده بساعده ويجلسه براحة على الكرسي المقابل له.. وما أن جلس الجد حتى عاد قاسم لجلسته ولكنه اعتدل قليلاً..
قال الجد مستاءً.. حانقاً منه ومن أفعاله.
-جايب بجاحتك دي منين يازياد..
وزياد تفاجأ بحدة جده.. توتر وخاف فبرر كاذباً.
-جدي أنا مخونتهاش أن….
قاطعه الجد بصرامة مردفاً..
-زياد انت مش خاين….
فكاد زياد أن يقاطعه هو الآخر .. فأوقفه الجد بكفه يستكمل حديثه..
– انت زاني….
عارف الفرق بينهم ولا لأ يازياد..؟!
توسله يرجوه.. وقد أيقن أن الجميع ضده..
-ياجدي أرجوك..
نهره الجد ومازال على جلسته..
-لما جوزتك نيرة.. كنت مفكرك عيل طايش أول مايتجوز هيهدي ويستقر..
كنت عارف أنها بتحبك.. وأنا راجل وأعرف أن الحب بيغير.. بس الظاهر نظرتي فيك كانت غلط …. وعموماً انا هصلح غلطتي
أول مانيرة تولد وتبقى تمام هتطلقها وبالتلاته……
……………. *****
.. وعلى تطبيق “الواتس اب” جائت رسالة لحنين فتحتها وكانت من قاسم
” لو هيبقى زيك كده أنا معنديش مانع” ذُيلها بوجه أحمر غاضب..
ضحكت ملئ شدقيها وأرسلت له وجوه ضاحكة.. ثم استكملت كتابة..
“طب بذمتك زياد ده مش قمر وأي واحدة تتمناه”
لاحقها برسالة.. “انتي قاصدة تغيظيني بقى”..
وكتبت بشقاوة.. “وأغيظك ليه حبيبي.. خطيبي.؟ دانتا حيالله قريبي. ”
أرسل وانتقلت شقاوتها إليه.. “والله التأخير من عندك يابومة”
بعثت وجوه غاضبة و “أنا بومة”
ضحك فعلياً وعلى صوت ضحكته الرائقه.. وكتب” بس بومة قمر”..
وجائتها بتلك اللحظة رسالة من آخر. فحواها..
“الجميل تقلان علينا ليه.. ”
وبين هذا وذاك.. قررت تجاهل ذاك ومحادثة هذا..
وتلاعبت “مش بتقل ولا حاجة… ”
عاجلها برسالة أخري.. “اومال مردتيش عليا ليه لما رنيت..”
“كنت نايمة..”
سألها بأخرى “طب اتصل دلوقتي ”
ردت “خليها بكرة أحسن يارامي…”
ودون أن تنتظر رده أغلقت.. وألقت بالهاتف بعيدآ.. وانتبهت أنها تتلاعب باثنين في آن واحد.. وقد كرهت الفكرة وبالغد ستستشير هنا صديقتها وتطلب نصيحتها.. جائتها نغمة رسالة.. ف اقتربت وأمسكته بتردد وقرأت وكانت من قاسم هذه المرة يقول..” اطلعيلي ف البلكونة عايزك”..
……..
وعلى ضوء القمر تنهد.. وأغنية للعندليب كلماتها تصدح من غرفته يتغنى معها بشاعرية غريبة عليه.. شاعرية لم يدركها سوى معها ولها.. لم يستغرب من تغيرها المفاجئ.. يعلل لنفسه أنها منه وله.. من أمامها حبٌ كحبهُ هو ولم تقع به..!! يقف بجزعٍ مائل .. يستند بساعديه على حافة السور الرخامي لشرفته وبجواره على السور كوبين من الشاى الساخن تتصاعد الأبخرة منهما، في انتظارها هو وكوب الشاي الذي أعده لها وهو يحدثها على الواتس آب ، والتفت لباب شرفتها وهي تفتحه وضحك.. ضحكة ليس لها معنى أو إسم سوى أنها ضحكة قاسم..
كانت شرفتيهما بجوار بعضهما يفصل بينهما مسافة أقل من متر تقريباً..
على جدار شرفتها العديد من أواني الزرع الفخارية معلقة.. وقفص لعصافير ملونة كان أهداها لها بعيد ميلادها السادس عشر وفرحت به كثيراً..
وسارت بجهته وكان العندليب يشدو بألحانه من الداخل..
“ياراميني بسحر عنيك الاتنين ماتقولي واخدني ورايح فين. …….”
وكأن العندليب يأتي بالوقت المناسب.. وكأن كلماته مخصصة لها.. وكأن شفتيه تتغنى بكلماتها دون إرادته..
استندت على السور أمامه وبادلته ضحكته الرائقه ببسمة.. وضع كوب شايها على صينية صغيرة وناولها إياها بطول ذراعه.. لتأخذه منه.. وقد اتسعت ابتسامتها لشبه ضحكة..
-ايه الدلع ده كله.. بنفسك عامل لي شاي..
ورده كان صادقاً بحجم سرعته..
-معنديش أغلى منك..
هو صريح كمشاعره .. وهي قررت التلاعب.. كلمة قالها لم ولن تنساها.. “متبقيش جاحدة زي أمك”..
أسدلت بأهدابها وبعدت بعينيها عنه واكتفت بابتسامة..
وساد الصمت مرة أخرى.. هو يرتشف شاييه بمزاج.. يتطلع إليها بين كل رشفة وأخرى بحب.. وهي تنظر للسماء تستكفي بالقمر وتحصي النجوم ببالها.. قال وقد سأم..
-وآخرتها..؟
غضنت جبينها بتسائل مردفة.
-آخرة إيه.. مفهمتش..
هتف ببديهية..
-آخرة اللي احنا فيه ده.. هنقضيها شات وخلاص..؟
واستكملت ضاحكة..
– وأيموشنز…
وعادت عقدة حاجبيه مرة أخرى.. زفر بضيق وقال..
-احنا هنهزر.. حنيييين.. ردي ع سؤالي
واستفهمت بقلق..
-اللي هو إيه..؟
وأقصر طريق بين نقطتين خط مستقيم.. وهو كالخط المستقيم لا انعواج..
-انتي بتبادليني مشاعري؟
بصراحة تفاجأت.. واتسعت مقلتيها.. شهقت بصدمة وقد نست التلاعب وعادت طفلة الأمس ثانية..
-قااااااسم…
زفر وقد نفذ صبره..
-ردي…
وفصول السنة الأربعة مروا على صفحة وجهها.. والحمرة القانيه لونت خديها.. وخجلت.. وللأسف خجلت قالت تنوي الدخول والهروب ..
-مش هرد عليك.. بس هشتكيك لجدي وأقول انك بتعاكسني..
وهرولت وتركته متسع الأعين.. كاد أن يثب من شرفته لشرفتها وجذبها من خصلاتها التي يتوووق للعب بها ودس أنفه فيهم.. ويتزوجها بالإكراه.. ولكنه اكتفي بسبة ألقاها بصوت يصلها بغيظ منها ومن برودها.. وهروبها……
………….. ****
… وعند عاصم… . على طاولته التي أعتاد الجلوس عليها.. ولفظت بإسمه تقريباً.. كانت أمنية تجلس بجواره ممسكة بكوب “الهوت شوكليت” الذي تعشقه.. بطرف لسانها ذاقته كعادتها أولاً تذوق ثم ترتشف.. وتلك الحركة لاحظها فيها.. ككل شئ بها هو حفظه كـ كف يده.. تتطاير غرتها بفعل الهواء الخفيف .. يتكلمون عن أي شيء وكل شيء دون هدف محدد.. هو لاينكر كلامها يجذبه وبشدة وخاصة طريقتها وكأنها مراهقة لا تتجاوز التاسع عشر.. ولكنه مل الكلام.. هو رجل أفعال.. أقرب طريق لقلب الرجل معدته وأقرب طريق لعاصم النجار هو الفراش.. وإن كان منجذب لها سيقتل ذلك الانجذاب في مهده.. فالحلوة تسمح له ببعض التجاوزات.. حسناً ليست تجاوزات بالنسبه لعاصم.. فتجاوزاات عاصم أعاصير وبعثرة شراشف.. ولكنها تروقه فيرضي بتجاوزتها الخفيفة كمسكة يد.. واحتضان كتف.. وقبلة على باطن الكف تدغدغ مشاعر الخجولة وتحمر كالفراولة فيقبل خدها فتغضب وتنهره بعبوس لذيذ فيعتذر بتراجع لا يدوم دقيقتين..
تناول فنجان الاسبريسو خاصته ورفعه على فمه وارتشف منه.. قال وقد غير الحديث لصالحه.. ومازال ذراعه يحتضن كتفهها..
-انا زهقان من النادي.. ايه رأيك نقضي اليوم في مكان تاني..؟
تسائلت ببلاهة..
-هنروح فين طيب..
وقرر ضرب الحديد وهو ساخن.. وأقترب منها برأسه وليته ماأقترب.. وهمس بجوار أذنها وأنفاسه الحاره تضرب صفحة وجهها..
-أي رايك نكمل اليوم في شقتي؟
وتغير لون بشرتها للأصفر وكأن الدم سُحب منه كان دليل خوفها.. طمأنها بنبرة ذئب قرر اللعب مع الجميلة قبل أكلها..
-إيه ده.. انتي خايفة مني ياموني.. فكرتك واثقة فيا..!!
والصغيرة غبيه.. وبألاعيب الرجال جاهلة.. وهو ذئبُُ ماجن ولعوب
صبر عليها وحان وقت إلتهامها …….. وردها أرضاه.. ف هي في روايته مثلها كغيرها.. وفي روايتها كانت سندريلا التي فازت بالأمير…..
…………….. ***
قرأت مرة.. ” أن تنجب طفلاً يعني أن تسمح لقلبك بالسير على قدمين”
أن تستمع لثرثرته وينقبض قلبك من حزنه!! ..
طفل لم يتجاوز الستة أعوام ويريد الموت واللحاق بوالدته!!..
“أنا عاوز أروح لماما عند ربنا”
ورد بلهفة وخوف أب يرتعب من الفقد “بعد الشر عليك ياحبيبي.. ف ايه بس مالك”.. ومسح بكفه على ظهره بحنو.. وترك للطفل مساحته ليحكي ببراءة
“انت نسيت ماما.. بس انا منستهاش.. أنا عمري مانسيتها ومش هنساها”
وأجاب نافياً يحاول أبعاد تهمة عنه
” أنا عمري مانسيت ماما ياحاتم.. ماما في قلبنا”
ودبدب الأرض بقدميه غاضباً.. طفل غاضب على الدوام متمرد..
“لأ انت نسيتها.. وتحب ريم.. خلي بالك يابابا أنا بكره ريم دي عشان عايزه تاخد مكان ماما ”
قالها وركض غاضباً.. يبكي.. دخل غرفته وغلق بابها عليه.. وكمال وقف مذهولاً” من أين أتى ابنه بتفكيره هذا؟! ”
واستدار عائداً لغرفته ليجدها واقفة على بابها تستمع للحوار تحدجه بنظرة مبهمة لا يفهمها.. بأناملها أغلقت أزرار منامتها والتي للتو كان يعبث بها وتجاوزته لغرفتها وأغلقت الباب بجمود. ويبدو أنه يوم غلق الباب العالمي بوجهه.. وعاد لغرفته..كما كان.. خائب الرجاء……
ونفض عن رأسه تلك الذكرى.. واليوم أيضاً.. عدا المنامة والمنحنيات وما أدراه ما المنحنيات.. يصعد الدرج متوجهاً لبيته وينوي استكمال ماقطعه ابنه حاتم حتى وإن اجتمعت قوات الناتو على إيقافه..
يعلم بزيارة حماته اليوم.. ساعة لا أكثر وتغادر ووقتها ستصبح زوجته شرعاً وتنفيذاً..
ضحك من منحني تفكيره المنحرف لما سيفعله.. ماله أصبح رجل عديم الأدب هكذا.. بـ عمرهِ ماكان هكذا.. كان عاقل وهادئ ورزين.. يبدو أن ريم تبدله لهيئة أخرى تعجبه..
وفتح باب شقته بهدوء وبعد أن فتحه أصابه الضيق من المفترض أن يدق الجرس أولاً بما أن حماته موجودة .. ولكن هدوء البيت آثار استغرابه بحث بعيناه.. ليجد الأطفال الثلاث يجلسون معاً بغرفة مراد يلعبون.. مشي قليلاً ليأتيه صوت حماته من داخل غرفة ريم وقبل أن يطرق الباب سمعها تقول..
-ريم انسيه يابنتي.. عمره ماكان هيحبك ولا يبصلك.. انتي معاكي دلوقتي راجل، نادر تلاقي زيه دلوقتي.. فاتلمي وشيلي الواد ده من قلبك ومن دماغك…
…………… ***
وآخر بعالم آخر.. تائه وكأن ماله قد تبخر.. يطرق باب منزل والدته.. فتفتح شقيقته.. يرمقها بتعجب ترتدي ملابس بيتية مريحة بنطال قصير للركبتين وقميص بربع كم بلون زاهٍ..
فتحت له ودخلت كانت تجلس على الأريكة أمام التلفاز بجوارها ملك وطبق من “السيريلاك” تطعمها منه والصغيرة تلهو بهاتف عمتها..
جلس أكرم أمامها على الأريكة الصغيرة وقد أغلق باب المنزل.. قبل صغيره على شعرها.. ثم سألها باستغراب.
-انتي بتعملي ايه هناا؟
ضحكت وهزت رأسها بيأس منه.. والجملة النسوية الشهيرة..
-منتا لو مهتم كنت سألت.. بس الاهتمام مبيتطلبش..
ضحكته لم تصل لعيناه.. تنهد بتعب وقال..
-لاااا البوق ده تقوليه لجوزك. انا أخوكي..
معلقة ممتلئة “بالسيريلاك” وضعتها بفم الصغيرة ووضحت..
-انا قصدي أقولك انت لو مهتم.. كنت عرفت ان انا قاعده هنا بقالي كام يوم عشان هطلق..
ونالت اتساع ف الحدقتين.. وفاهٍ مفتوح.. وصدمة ملئت النبرة..
– انتي بتقولي ايه؟ هتتطلقي…
ورغم حزنها.. ورغم أن القلب عضو “مهزأ” في جسمها ومازال يخفق لأجل الخائن الا انها تعلم بأنها ستتجاوز.. لحقته بصدمة أخرى..
– قولي مبروك انا حامل.. مشفتش حظ أسود من كده؟
حاول الكلام وفشل.. حاول مرة أخرى وقال مندهشاً..
-عايزه تقوليلي أن انتي وزياد.. خلاااص finish؟!
-اه خلااص..
قوس فمه.. وضرب كف بآخر وأردف..
-خبرين عكس بعض تماماً.. مش عارف اباركلك ولا أزعل..
بس إيه بقى سبب الطلاق..
استهزأت به ورفعت حاجبها ساخرة..
-يعني مش عارف يا أكرم.. ع أساس أن انتو مش صحاب وعارف اللي بيعمله..!
أحني رأسه واختفت بسمته المصطنعة.. ولديها الحق.. رغم اعتراضه إلا أنه كان يعلم وصمت..
هتف بمرح بصعوبة يحاول جلبهُ..
-لو واد هتسميه أكرم..
وشقيقته العاشقة تحدته.. وبقوة قالت..
-إنسى .. انا لو سميت أكرم هو مش هيضايق عشان بيحبك..
ثم ابتسمت بخبث مردفة ..
– أنا هسميه قاسم..
شهق ضاحكاً..
– لأ انا كدة اتأكدت انك بتكرهيه..
وضحكتهم جلبت الأم من المطبخ ترتدي مريول المطبخ فوق جلبابها القطني .. تتسائل..
-خير متضحكوني معاكو..!!
رد أكرم مستنكرا من غير ما حد كاتب وصيتك من غير ما
-انتي ازاي ياماما متعرفيش أن نيرة بينها وبين زياد مشاكل..
لوت شفتيها باستهجان.. وغمغت بغير رضا..
-واقولك أمته انشاء الله.. ولا أقولك ليه..
ما اللي انت عملته في بنت الناس بتترد ف أختك..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت القاسم)