روايات

رواية بيت القاسم الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ريهام محمود

رواية بيت القاسم الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ريهام محمود

رواية بيت القاسم البارت الثاني والعشرون

رواية بيت القاسم الجزء الثاني والعشرون

رواية بيت القاسم
رواية بيت القاسم

رواية بيت القاسم الحلقة الثانية والعشرون

.. حين ناداها زياد والتفتت له لم تتبين من يقف معه.. بلحظتها كان ظهر عاصم لها،
عاصم شبح الأيام الماضية.. من أرق نومها، وأثر بالسلب على حياتها..
جمدت مكانها وهي تراه يقف أمامها يحدق بها وصدمتها بالتأكيد لن تعادل صدمته، كادت نبضات قلبها أن تكف عن الخفقان من خوفها وحمدت الله أن زياد لا ينتبه..
شحبت ملامحها وكأنها بعالم الأموات وهو يقترب منها بخطورة يميل عليها ويهمس بنبرة جعلت أطرافها ترتجف..
-مبروك يا يارا…. ولا أقولك يااأمنية..!!
.. ابتعدت حتى كادت أن تتعثر فأمسك بها يضغط على ذراعها، يزفر بقوة وغضب بوجهها..
حاولت أن تبتعد.. تركض من أمامه تختبئ بيت جدها كما فعلت وقت أن ضربته وفرت منه..
التفت حوله ومازالت أمامه، لا تقوى عل الفرار.. غمغم بخفوت ونبرة خطرة.
– هستناكي عند عربيتي برة.. دقيقتين وتكوني أودامي..
أحسنلك..
يشدد على كلماته بتحذير ونظرات عيناه ترسل شرارات وكأنها تخبرها..
“احذري أيتها الشاه فلا مجال للعبث مع الذئب..”
…… أقل من خمس دقائق وكانت أمامه، يستند هو على المقدمة و هي أمامه..
متعثرة.. متوترة… خائفة، تخفي عيناها عنه بـ غُرة، وجهها أصفر وكان الدم سُحب منه..
يجلس بسيطرة، لايراع صغر سنها ولا ارتجافة جسدها..
الآن الأمور عادت لنصبها الصحيح، هيئتها الصغيرة، عفويتها في الحديث،
أحلامها الوردية وبلاهتها، بعض كلمات ألقتها عليه لم يفهمها بوقتها والآن فهمها..
– كنتِ بتتسلي بيا، بقى أنا حتة عيلة في ثانوي تتسلي بياا..!!
زعق بها هادرًا، يهز رأسه بغير تصديق فانتفضت هي ورفعت رأسها تقابله بنظرات خاوية.. وأخيرًا خرج صوتها، كان متحشرجًا مهزوزًا..
– أنا مكنتش بتسلى.. انا كنت بحبك…
تجاهل “كنت” ورفع حاحبه بدهشة مصطنعة..
-ولما انت بتحبيني، مقولتليش ليه..!!
ثم استطرد بنبرة أقوى وقد غامت عيناه بغضبٍ شديد..
– خليتيني مغفل!! حتة عيّلة زيك تخليني انا عاصم النجار مغفل…
المفروض أنا صاحب زياد
زياد لما يعرف أن اخته كانت عندي ف البيت هيعمل إيه.!
رمشت بعينيها تهز رأسها..
– زياد مش هيعرف.. أنا مش هقوله..
نوبة ضحك هاجمته، كان يضحك بتقطع يثير اعصابها واستغرابها..
نهض ليقف أمامها، فأصبح هو سيد الموقف والمشهد..
-لا ياحلوة.. أنا اللي هقوله..
ترجته بشهقات تنذر عن بكاء..
– لأ أرجوك …
ألقى بتوسلها تحت قدمه، يستكمل كلامه من أجل ارعابها أكثر..
-ياتري زياد لما يشوف صورنا سوا هيعمل إيه..!!
… ولا كلامنا… مممممـ ولا لما يعرف ان انت كنت عندي ف البيت..
ثم تحولت ملامحه فجأة وابتسامة شيطانية داعبت ثغره، كانت ترتجف أمامه كقطة صغيرة دخلت لعرين الأسد بالخطأ، رفع غرتها عن عينيها بانامل خشنة، وربت على وجنتها، ربتة، وربتة أخرى، وأخرى،
ملمس كفه على وجهها واقتراب أنفاسه عاد لها ذكرى تلك الليلة التي حاول فيها اغتصابها.. اجفلت وشعرت بنوبة غثيان.. واختنقت أنفاسها..
فازاحت يده عنها بقوة لم تؤثر به قيد أنمله، وامتعضت قسماتها برفض..
عاند رفضها له.. واقترب غير مكترث بأنه لازال بالشارع بمكان عام وأمام المكان الذي يقيم به الحفل.. يمسك بذراعها يسحبها نحوه..
قاومته تصرخ منفعلة وتذكرت مافعله تلك الليلة بها ..
– لأ…
تغمض عيناها بشدة، تفاجأت بآخر يسحبها بعيداً يزيحها برفق..
لتجده أحمد صديق نيرة تقريبًا.. اليوم فقط تعرفت عليه..
يقف أمام عاصم يفوقه طولًا.. وقوة..
كان عاصم يلهث بعنف، يحدق به وكأنه كان مغيب منذ قليل..
غمغم بحدة.. يريد الوصول لـ يارا..
-إبعد عن طريقي…
ولكن الآخر لم يتراجع.. هتف من بين أسنانه..
– لما بنت تقولك لأ.. يبقى لأ..
وآخر كلامه كانت ضربة من رأسه وجهت لأنف عاصم.. فارتد للخلف وترنح قليلًا، وانتصب بطوله يمسك أنفه النازفة يقترب منه
فرفع الآخر حاجبه ينتظره.. يتحداه ، ولكن نظرة واحدة من عاصم لأحمد جعلته يتراجع فالفرق بينهما كبير وبالتأكيد الغلبة لأحمد..
انسحب يهز رأسه بوعيد، يرسل الأخرى رسالة بعينيه..
” لم ينتهِ الموضوع هنا”..
.. وركب سيارته وغادر تحت أنظارهما، مع الفارق بينهما..
استدار أحمد واقترب منها يراها مذعورة فسأل بقلق..
-إنتِ تمام؟
اومأت برأسها بعد أن التقطت أنفاسها بمغادرة عاصم..
فسأل بفضول..
– مين ده!!
اذدردت لعابها بتوتر.. واكتفت بالصمت.. فتابع..
– مش قصدي أتدخل.. ولكن يُفضل انك تقولي لاخوكي..
ردت مسرعة..
-لأ لأ.. مش عايزة زياد يعرف..
عقد حاجبيه مستغرباً فتداركت حديثها..
-هيقلق ع الفاضي.. خلاص موقف وعدى..
هز رأسه متفهمًا، بلّ شفتيه ثم قال..
– إنتِ ممكن تيجي مع نيرة، لو محتاجة Self-defense..
عقدت حاجبيها تستفهم.. وعادت لمعة عيناها ثانيةً فارتبك واشتعلت أذناه ..
شرح بكفه..
-كورسات دفاع عن النفس.. اعتقد انها هتفيدك…
تمتمت بعد تفكير قصير..
– لأ شكراً مش محتاجة..
ثم ارتسمت ابتسامة ممتنة على شفتيها..
-شكرًا انك جيت ف الوقت المناسب..
ابتسامتها تلك زادت توتره.. وسخونة جسده.. غمغم بخفوت وابتسامة واسعة..
-متشكرنيش.. أي حد مكاني كان هيعمل كدة…
وودعته بإبتسامة قابلها هو بتنهيدة وخفقات سريعة .. وشئ غريب يحتل قلبه! …..
…………………………….
.. فتح باب السطح فأصدر صريرًا مزعجًا دلّ على أهماله وتقصيره بالصعود كما كان يفعل سابقاً بشكل يومي.. ورغم اعتماده على والدته بأنها ستصعد من أجل إطعام حماماته، إلا أنها هي الأخرى قصرّت..
.. دخل بخطى رتيبة.. يحفظ خطواته هنا.. هنا يعود قاسم..
يتوجه صوب الخزائن الملونة يفتحها واحدة تلو الأخرى فتتطاير الحمامات أمام ناظريه بشكل عشوائي..
سار باتجاه آخر، بركن جانبي يوجد صنبور فتحه وملئ عدة أطباق خزفية مجوفة وقام بوضعها بالخزائن بشكل متفرق…
استقام يقف أمام خزائنه وحمامه بحنين شاب ملامحه.. يضم ساعديه خلف ظهره.. يتأمل بصمت ونظرات خاوية…
سمع صوت باب السطح يُفتح وصوت خطوات تأتيه من الخلف، ولكنه لم يلتفت.. لم يهتم أكيد أمه أو نيرة.. ولكن رائحة أكرم الثابته وصلته قبل أن يضع أكرم كفه الخشن على كتفه ،حضوره جعله يعقد حاجبيه متعجبًا..
أكرم يجاوره بوقفته أمام الخزائن على السطح!!
دون كلام كلًا منهما يجاور الآخر بصمت وأنفاس متلاحقة ونظرات تحكي عن وجع مختلف لكليهما..
صمت لم يدُم حين سألَ أكرم بنبرة غريبة..
-حنيت..!
يسأله عن الحنين.. مجرد كلمة حنين تعصف بقلبه وتهتز ثوابته، رفع ذقنه بتكبر..
ينفي باندفاع..
– أنا محنش لحد باعني..
التفت أكرم له.. يقول بهدوء..
– ده شئ ميعيبكش.. محدش فينا ليه سلطان ع قلبه..
وغامت نظراته، شُرد بعينيه باللاشئ وكأنه يعني حاله بكلامه
تنهد وهو صار يعلم بأن الحنين له مذاقٌ مر كالعلقم.. أتاه صوت قاسم مغلف بقسوة..
-يبقى انت متعرفنيش يا أكرم.. انا قلبي تحت طوعي عمري ماهذله لحد..
أحس بألمه.. ورفض هزيمته فقرر مشاكسته..
– شكلها حنت ليك..
ضيق قاسم عيناه يرمقه بنظرة غريبة مبهمة.. ثم تركه وتحرك قليلاً ليفتح خزانة مرتفعة ويمسك بحمامة بيضاء يداعبها من رأسها يتحسسها برفق..
– عارف يا أكرم.. الفترة اللي فاتت دي كنت بطير الحمام اللي أودامك ده بعيد.. بعيد أوي عشان يتوه وميرجعليش تاني..
بس كان بيرجعلي ف الآخر…
ثم ألقى الحمامة في الهواء الطلق لتعود داخل الخزانة مرة أخرى تحت أنظار أكرم..
اقترب قاسم منه يقابله..
-عارف ليه؟!
-ليه؟ نطقها أكرم بعفوية، مأخوذًا بكلام قاسم
قال بثقة وهدوء أصبحا متلازمان له مؤخرًا..
-عشان تربية ايدي.. متربي أودام عيني.. كدة كدة هيرجعللي ف الآخر..
ثبت أكرم نظرته بعيني شقيقه.. يجابهه
– واللي غاب!
حينها استدار قاسم عنه يرفع رأسه عالياً فيقابله صفو السماء.. فيزفر محاولًا الثبات.. تحدث وكأنه يطمأن قلبه قبل أكرم..
-مسير الغايب هيرجع.. هيغيب شهرين… سنة… أكتر
ف الآخر هيرجع بس وقت مايرجع مش هيلاقينا معاه زي زمان…
أتاه صوت أكرم أجشً بخفوت..
-أول مرة أخد بالي انك شبهي ياقاسم..
التفت له قاسم رآه يرمقه بغرابة وكأنه للتو يكتشفه، اكتشاف خاطئ
ومقارنة ظالمة أن يضع نفسه مع أكرم..
ارتفعت زاوية فمه بشبح ابتسامة ساخرة.. يقول بنبرة ذات مغزى..
– أنا مش شبهك ياأكرم..
عمر ما كان اللي ساب زي اللي اتساب….
ثم ربت على ذراع أكرم بخفة يتابع..
– الفرق بيني وبينك زي الفرق بين حنين ونورهان..!!
………………………..
.. “بشركة عاصم”..
. . يجلس على طرف مكتبه يؤرجح ساقه بعبث، ممسكًا بهاتفه أمام وجهه يبتسم بشيطنة لرقمٍ أمامه، وقد مر يومان من وقت حفلتها ورؤيتها.. أنفه مضمدة بلازق طبي إثر كدمته التي تلاقاها من رأس أحمد..
تظن أنه تناساها.. غبية هي..
فبفعلتها فتحت على نفسها باب من أبواب الجحيم..
هو شهر يار زمانه، يمنّ على تلك، ويترك هذه، ويعبث مع أخرى
تأتي هي وبكل بساطة تتسلى به..
ضغط على رقمها أمامه واتسعت ابتسامته،طال الرنين ولم تجب
ولم ييأس.. ينتظر… وسينتظر…
إلى أن أجابت.. جاؤه صوتها مرتجفا مهزوزا تُجيب بتلعثم أحسسه بالمتعة..
متعة سادية بشخصه وهو يرى من أمامه يتلوى ألمًا وخوفًا منه..
يغمغم بعبث وثبات نبرة..
-برافو إنك رديتي… لو مكنتيش رديتي كنت هتصرف تصرف مش هيعحبك..!
سكت برهة يستمع لسؤالها المتلعثم.. ليضحك بخشونة وهو يتجه نحو شباك مكتبه الواسع يقف أمامه يتطلع على الشارع بلا مبالاه..
-تؤ تؤ عيب عليكي يعني أنا بجلالة قدري مش هعرف أجيب رقم أخت زياااد… صاحبي..!!!
ثم أطلق تنهيدة حارة.. ساخنة..
-آه وحشتيني يايويو… ولا اقولك ياأمنية..!
ولم ينتظر الرد ليتابع بهيمنة..
– هقولك ياموني.. لايق عليكي أكتر… ده كفاية أنه الاسم اللي اشتغلتيني بيه…
فسألته يارا عما يريد منها فأجاب بنبرة مشتعلة..
-عايزك ياروحي.. عايزك كلك على بعضك..
وصمت.. ينظر أمامه بنقطة وهمية، يتخيلها هناا..
وخيالاته لم تكن بريئة مثله.. بل وقحة تناسب وضعه…
تأفف بملل.. يقلّب عيناه..
– متعيطيش….. متخافيش طول ما إنتِ بتسمعي الكلام مش هقول لزياد حاجة…
وتابع بخبث ذئب..
-آه لو زياد شاف صورنا سوا ولا مقابلاتناا… أوف ده هيتصدم فيكي صدمة عمره…..
وانتظر ردها ولكن لم يجد سوا بكاء.. فقال بنفاذ صبر ووعيد…
-بكرة تجيلي النادي.. في مكاننا هستناكي وطبعاً عارفه لو اتأخرتي أو مجتيش أنا هعمل إيه..!؟
وكاد أن يستكمل وخوفها منه أبهجه.. ليدلف زياد من باب مكتبه دون أن يطرقه كعادته..
أغلق الهاتف بتلقائية.. يدقق بملامح زياد يتبين إن سمع شئ من حديثه ام لا.. ولكن تباسط الآخر في جلسته ابعثت الطمأنينة لصدره..
يلتف حول المكتب فيجلس مقابل زياد..
وبعض الأوراق والمستندات بينهما، يتناول زياد مستندًا ويذيله بآخر..
وحديث عن العمل لاينقطع.. وحين رفع زياد وجهه لعاصم تفاجأ من كدمة بمنخاره..
عقد حاجبيه متسائلاً..
-إيه اللي حصل لمناخيرك…
ارتبك عاصم وغطاها بأصابعه فتوجّع وكأنه للتو ضُرب فيها..
-مفيش اتخبطت وأنا قايم من النوم…
ضيق زياد عينيه بشك..
-خبطة المناخير دي مش غريبة عليا…
نهره عاصم..
-بطل تفاهه ووريني باقي الورق….
واستكملا العمل سويًا.. وبعض الملاحظات المرحة من زياد تلطيفًا للجو ….
………………………
.. كانت حنين تجلس بحديقة الفيلا.. ممسكة بالهاتف تتصفح الفيس بوك. تقلّب بلا اهتمام حقيقي من أجل مرور الوقت،
جائها إشعار بأن زياد حدث حالته فدخلت فورًا لحسابه،
للتو انزل منشور به بعضًا من صور الحفل، العديد من الصور..
وهو كان من بينهم..
يقف بثقة وثبات.. ذقنه المشذبة أظهرت وسامة ملامحه.. ولكن عقدة حاجبيه كما هي..
هو الوحيد في الحفل من كان يرتدي بنطال وقميص وجميعهم ببدلات رسمية أو معاطف خفيفة.. بعمره ما أرتدي بدلة حتى بفرح نيرة وأكرم لم يرتديها اكتفي بملابس عادية..
ملابسه بالحفل كانت مهندمة لاقت به، لوهلة تخيلت هيئته وهو يرتدي بدلة، سيكون مميز بالتأكيد..
متى أحبته هكذا..!
بل متى تجدد حبه… تذكر جيدًا انها كانت معجبة به بأول مراهقتها..
كان هو فتاها الأول.. والوحيد الموجود أمامها…
وقتها كتبت له رسالة ودستها بين أوراقه.. وحين وجدها وقرأها ضحك ملئ شدقيه.. وكان نادرًا مايضحك هكذا.
كانت ضحكته جميلة صادقة وقتها كانت فتاه لم تتجاوز الخامسة عشر بجديلة جانبية..
حكّم رأيه بأنها مثلما كتبت تلك الرسالة لابد وأن تقراها أمام عينيه..
وخجلت واحمرت وجنتيها، وهو كان متشبث برأيه بشكل غريب..
فقرأت كلماتها بخجل.. وحياء فطري.. تتلعثم بالحروف وكأنها لم تكتبها بنفسها له…
“طفلة الأمس التي كانت على بابك تلعب
والتي كانت على حضنك تغفو حين تتعب
أصبحت قطعة جوهر..
لا تقدر ..
صار عمري خمس عشره
صرت أجمل ..
وستدعوني إلى الرقص .. وأقبل…! ”
وحين قرأتها.. طلب منها أن تعيد قراءتها مرة أخرى.. ولكن تلك المرة قرأتها بثبات أكثر
بعدها وقف أمامها، يبتسم ابتسامة رجولية جميلة.. بل كانت أجمل ابتسامة رجولية رأتها عيناها وقتها ..
يحدق بها بصمت.. كان يمشط نظراته عليها يتفحصها وكأنه للتو لاحظ أنها كبرت..
بعدها قال بصوت اجش أسرها…
“حنين قاسم”
لم تفهم وقتها..
ولكن بعدها فهمت أنه يشار بأن اسمها مرتبط باسمه…
افاقت من الذكرى مبتسمة بشوق كبير، وعاد من جديد شعورها بتلك الفترة.. كم كانت وردية وبريئة حينها…!
.. وضعت أحببت فقط على صورته دون صور البقية..
ومع ارتفاع معدل اشتياقها، هاتفت نيرة..كما أخبرتها
وأحست منها بأنها لاتريد الكلام..فقالت بتلعثم خفيف..
– إنتِ قولتيلي ممكن اكلمك عادي ف أي وقت..
وبررت نيرة بصدق تعلم بأن حنين ستأخذ الأمور بحساسية..
-أي وقت تكلميني فيه.. بس انا دلوقتي هروح للدكتور مع زياد..
وأنهت الإتصال معها.. تلتفت برأسها تتأمل الحديقة الواسعة..
.. ماذا لو غفت هنا.. أليس أكثر أمانًا من غرفتها. ..
…………
-وأخيرًا.. كتر خيرك انك فضتلي نفسك والله..!
قالتها جيلان بضيق حقيقي.. بعد العديد من الاتصالات وسماع حجج فارغة منه.. أخيرًا أتى.. يجلس أمامها بصالون منزلها، يرتشف من فنجان قهوة أعدته هي له، ومن ملامحه الممتعضة يبدو أن مذاق قهوتها لم يعجبه..
تمشط نظراتها على وجهه ذقنه السوداء باتت أكثف وملامحه ذابلة اليوم على غير العادة.. كل فينة وأخرى يرفع ساعة معصمه يرى الوقت وكأنه ندم بمجيئه..
ترك الفنجان أمامه على الطاولة.. يغمغم..
-الفترة اللي فاتت بس كنت مشغول بكام حاجة كدة..
. هكذا.. بكل برود العالم يعطي أسباب باردة كعلاقتهما..
زفرت بعنف وهي تتحدث بحدة خافته
– لاا أنا مش هعاتبك ياأكرم، عشان تبررلي وتديني أعذار وحجج فارغة..
أنا ممكن احرجك اودام نفسك وأقولك إنت روحت لنورهان كام مرة واتصلت بيها كام مرة..!
سحب نفس عميق.. ثم أردف بضيق..
– لما بكلم نور بكلمها عشان ملك أو أمر متعلق بيها..!
“نور” هو يقصد أن يلفظ باسمها هكذا أمامها دون أدنى حساب لمشاعرها..
تهكمت بكبرياء مجروح..
-طبعاً طبعاً.. مصدقاك.. أكيد مش هتكلمها عشان وحشاك ..!
اعتدل بجلسته.. يشد جسده بتحفز.. يصيح بانفعال..
– ف ايه ياجيلان .. مش ملاحظة أن كلامك حاد وجامد ..!
ومضت دموع بمقلتيها.. تحبسهما بشدة.. تتحدث بحشرجة تلومه..
-وإنت مش ملاحظ أن متجاهلني وراكني ع الرف..؟
ثم تابعت..
مش ملاحظ أن المفروض الفرح ف الكام يوم اللي جايين دول
ومفيش أي ترتيبات إنت عملتها..!
– إنتِ عارفة إن أنا معترض ع الفرح .. خليها حفلة بسيطة و خلاص.. ونسافر بعدها..!
يتكلم ببساطة وكأنها لاتعني له شئ.. بل هي لا شئ لديه فعلاً..
-والله أنا أول فرحة لماما أكيد يعني أبسط حقوقي وحقوقها أن يتعملي فرح..!
عاند..
-وأنا لسه عند رأيي ومش عايز فرح…
أشارت على صدرها بألم..
– وأنا..
تجاهل نبرتها المتألمة، يكفي مابه، قال بهدوء بعد أن مسح وجهه عدة مرات يجلب الهدوء لنفسه..
-أنا شايف إن أنا وأنتِ أعصابنا مشدودة شوية.. ايه رأيك نبعد عن بعض فترة يمكن نهدا ونعرف نفكر..؟
غامت عيناها وهي تهتف بقهر..
عارف يااكرم.. إنت طول عمرك كدة من أيام الجامعة.. مش عارف إنت عاوز إيه .. منفوخ ع الفاضي..
نهرها بغضب…
-جيلان احترمي نفسك..
وقفت أمامه.. بذقن مرفوعة..
-أنا هحترم نفسي فعلآ من هنا ورايح..!
.. وأستطردت وكأن الأمر لها تحافظ على ماتبقى من ماء وجهها..
-سيبني أفكر ياأكرم ف موضوع ارتباطنا من تاني.. لأن حاسة إني ضيعت من عمري كتير أوي وأنا مستنياك..
ابتسم بسخرية.. ابتسامة طفيفة لاترى ولكنها لمحتها.. يقول بقسوة جرحتها..
– إنتِ مستنتيش، متضحكيش عليا ولا ع نفسك.. ارتبطتي بغيري واتخطبتي….. يعني حياتك مكنتش واقفة عليا..!
بادلت سخريته بسخرية..وقد فاجأها
-لا والله.. اللي يشوفك دلوقتي ميشوفكش من كام شهر وأنت بترجع الحب القديم.. وبتبني وعود وأحلام فاضية زيك..!!
وقف هو الآخر ينوي الرحيل.. يهمس بخفوت فاتر وملامح جامدة..
-من غير مانغلط ف بعض ياجيلان .. يوم مارجّعت الحب القديم يوم ماارتكبت في حقك وف حق نفسي أكبر غلط….
………………..
.. “ليلًا بغرفة حنين”..
كانت ممدة على فراشها تغطي جسدها بغطاء خفيف، تشعر بالملل والضيق بهذا المنزل..
لا أحد هنا يجلس معها أو يهتم بها.. وخاصًة أمها..
أمها.. تلك المرأة لغز يصعب حله.. معادلة مستحيلة
يوجد أمهات بالفطرة.. الغريزة موجودة وحنانهم يفيض..
وأمهات الله وحده أعلم بحكمته في إعطائهم هذا اللقب العظيم..
نفضت عنها التفكير..
نهضت من فراشها تفتح خزانتها الكبيرة تأخذ ملابس وتتجه نحو حمام غرفتها تدلف وهي تحمد ربها بأن من حسن حظها يوجد حمام بغرفتها..
ماذا سيكون الوضع وهي تستحم بحمام خارجي ووتتقابل معه..
أغلقت الباب تنوي أخذ حمامًا باردًا يهدأ من ثورة أفكارها..
وقفت تحت رذاذ الماء تستقبل قطراته براحة.. وجسد بدأ يتراخى..
وبعد مرور دقيقة أحست بشئ.. ففتحت عيناها وجمدت مكانها مما رأت…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت القاسم)

‫7 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى