رواية بيت القاسم الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم ريهام محمود
رواية بيت القاسم البارت الثاني والثلاثون
رواية بيت القاسم الجزء الثاني والثلاثون
رواية بيت القاسم الحلقة الثانية والثلاثون
.. “لا شيء يضاهي جمال المرة الأولى”..
.. “هو رجل نال إعتراف بالحب.. مرتان..!!”
رجل لمِع نجمه بعد انطفاء، كان على أعتاب الخذلان ونَصفه الحب لأول مرة..
.. الصباح الباكر حيث الشروق والبداية،بداية لكل شيء وامتداد لعتمة الليل حيث لا نهاية لوعود المساء، يوم خريفي تظهر به الشمس على استحياء، والنسمات الباردة تعطي إنذار ببداية الشتاء..
واليوم فور أن استيقظ بعد غفوة لم تزد عن ساعتين، أخذ حمامًا دافئً، باهتمام مبالغ اختار ملابس منمقة، غير تلك البسيطة الخاصة بالدكان..
وعطر ثمين نادرًا ما استعمله، واليوم استخدمه نفض عنه الغبار المتراكم إثر ركنته ونثر رذاذه الخفيف أعلى عنقه وباطن كفه.. وألقى على هيئته نظرة راضية وعلامة تقييم كاملة… وابتسامة منمقة تُزين محياه..
يعلم وجهته، من نافذة البيت رأي جده بالأسفل يجلس بمفرده يرتدي نظارته سميكة الإطار وأمامه العديد من الجرائد الورقية يقرأها.. كعادة سابقة توقف عنها بسبب كِبر عمره واليوم أراد تجديدها على مايظن..!!
ينزل درجات السلم بتمهل وعند الالتفاتة للحديقة الخلفية للبيت سحب نفس عميق لصدره، نفس محارب..أخرجه على دفعات متتالية..
يتوجه نحو جده يحمل بكفه كوب شاي بالنعناع الأخضر، وعلى ذراعه الآخر شال ثقيل..
وحين إقترب من جلسة الجد وصل لمسامعه صوت النقشبندي يصدح من مسجل صغير كان يضعه الجد على المنضدة الخشية أمامه..
اندهش الجد من وجوده ف لازالت الساعة السابعة،باكرًا عن ميعاد استيقاظه، ولكن مافاجئه بحق كانت هيئة حفيده.. وكوب الشاي بالنعناع الذي يحمله…!!
-صباح الخير ياجدي..
يُلقيها بنبرة مَرِحة على غير العادة وهو يضع الكوب الساخن على المنضدة بجوار المسجل، واستدار خلف ظهر جده يضع الشال المحاك من الصوف على كتفيه..
عدل الجد من وضعية الشال الثقيل أعلى كتفيه، ثم ابتسم يرد عليه بتحية الصباح مبتهجًا
-صباحك رضا وهنا يابني..
جلس قاسم على الكرسي المقابل، يضم ساقيه بوضعية استعداد.. يستكمل الكلام ولم يتخل عن ضحكته المفتعلة..
– أيوة كدة ياجدي إنزل الجنينة وشم الهوا النضيف.
يناول جده الكوب الشفاف بتهذيب على غير العادة ، ف يأخذ الجد رشفة ويعيده مكانه.. منتظرًا
-واحشني ياجدي والله….
زاد بمرحه وضحكته الغريبة، مرحه المفقود بالفترة السابقة، وتقريبًا استشف الجد مايريد بفطنته وبحكم خبرته وبالأساس قاسم ككتاب مفتوح أمامه من السهل قراءة مايريد من خلال صفحة وجهه التي تفضح دواخله..
يرمق كوب الشاي أمامه والأمر بديهي فالكوب ماهو إلا “رشوة”..!
-تحب أعملك مسااج!!
رمقه الجد متعجبًا، تعجب لم يطل وهو يرى قاسم يجثو على ركبتيه أمام ساقه، يستطرد بتقرير..
– هعملك مساج..
صاحب كلامه فعلهِ، وهو يدلك ركبة جده بشكل دائري وبمنتهى الخشونة..
سأله الجد وهو يعلم الجواب مسبقًا..
– هات آخرك..!
أردف قاسم مسرعًا
– أخرى عندك ياجدي..
يضطجع الجد بكرسيه يُعيد ظهره للخلف براحة، يُخبره
– عماد حكالي ع اللي عملته من يومين..
بتوجس سأله قاسم..
-آه.. وايه رأيك؟!
يتلاعب العجوز بأعصاب الفتى الجاثي أمامه
– الرأي رأي أبوها..
نُطق قاسم على الفور، ويده توقفت عن التدليك
– وانت أبوه… يعني كلمتين من عندك بقى…!
يتابع ببسمة عابثة
-خليه يكتب الكتاب قبل مايسافر..
واستنكر الجد بوضوح
– كتب كتاب مرة واحدة!!
تهكم قاسم بملامح ساخرة..
– لأ ع مرتين.. أصل هتجوز قطاعي…
والتهكم ختمه بحدة استقامة جسده، حيث أن المصلحة قُضيت.. يُصيح بخشونة وهو يحرك كفاه بالهواء
– مالك ياجدي… ماتلاغيني كدة، خليك معايا ع الخط..!
يزيد بإصرار..
-أقنعه… عرفه إن ده لمصلحته ومصلحة بنته…
…………….
.. ” بقدر العطاء يكون الأخذ”..
.. صباح روتيني، تكرار معتاد حد الرتابة وقدح من القهوة المُرة.. يقف أمام الرخامة يتناوله ببطء دون مزاج رائق..
ظلمة باردة تمكنت منه، ببرودة الجو بالخارج.. وما حدث فجرًا يعاد أمامه وكأنه شريط مصور، والمفروض يناقض الواقع بـ حدته..!!
وبقدر العطاء توقع الأخذ، حيث بالأمس كانا أكثر من السمنْ على العسل..
يأخذ رشفة من فنجانه الساخن، يزفر محتنقًا والرفض لازال يلون وجهه..
عند الرجوع بالأمس وبعد مشاكسته لقاسم على الدرج، وسهرة لطيفة أمام التلفاز لفيلم رومانسي عالي الجودة… عالي الجودة، والأمر لا يحتاج توضيح..
ودخلا معًا من أجل النوم… كان عار الجزع وكانت بمنامة حريرية.. والمتوقع سهرة حيث كما ذُكر أعطى وانتظر!!
إبتسامة ماكرة، وأخرى مترددة خَجِلة منها، واحتضان كان متمهل من ناحيته ومن جهتها كان مسرعًا باردًا أحبطه قليلاً، ولكن تجاوزه.. عدة محاولات من قبله لنيّل الرضا.. استجداء التبادل… وبالمقابل استدارت وغطت في نوم عميق..!!!
.. رائحة القهوة انتزعتها من نومها العميق.. تلتفت حولها ولا تجده بالجوار، فنهصت بتكاسل ورأس مثقل بصداع يحتاج كوب من الشاي الثقيل لتفتيته..
ارتدت مئزر فوق منامتها وخرجت تتجه صوب المطبخ تتبع رائحة القهوة بعينين شبه ناعسة..
وعند رؤيته يقف وظهره لها، تذكرت الأمس وما حدث… ونومها!
غفت مُرغمة بالفعل كانت متعبة، تصلب ظهره هكذا واعداده للقهوة دون انتظارها أشعرانها بفدح مافعلت..
اقتربت بخطى ثقيلة متوترة، ومن انحنائة رأسه عرفت انه أحس بوجودها
-صباح الخير… مصحتنيش ليه أعملك القهوة..!
رد بنبرة قاتمة ولازال على وقفته ظهرها له..
-ده فنجان قهوة مش محتاج يعني!!
وبعدها التفت، رفع عيناه نحوها بحدة وكانت ملامحه غائمة، ترى إرهاقه بوضوح.. يقف بكامل أناقته وخصلاته الفحمية المصففة بعناية، وبجوار القدح مفاتيحه وهاتفه وساعة معصمه..
ازدردت ريقها الجاف وهي تقترب منه بقدمين حافيتين، تكاد أن تضع يدها على صدره الصلد.. تهمس بخفوت
– آسفة أنا راحت عليا نومة إمبارح… كنت تعبانة و…
-عادي أنا كمان كنت تعبان… بس منمتش
النبرة قد تبدو هادئة، إلا أن الجرح مبطن بداخلها… يسحب مفاتيحه وهاتفه بشئ من حدة يقصدها، والرسالة واضحة!
يتابع بجمود ملامح.. وكرامة بالأمس وتحديداً فجرًا كانت غير موجودة
-الظاهر أن لسه الأمور بينا مش تمام وأنا اتسرعت…
احتقن وجهها بحمرة قوية تهز رأسها بنفي، وثغر مفتوح ولم يهتم
نظرته تحمل قسوة باردة.. جفاء
-اتغدو أنتو.. أنا هتأخر..
يتحرك من وقفته يمر بجوارها ويتجاوزها بصمت وأنفاس عالية، أغمضت نورهان عيناها تتشبع من رائحة عطره، تستجمع تماسكها..
وعند الباب وقبل أن يغادر هتفت بـ اسمه واللهفة واضحة
– أكرم..
توقف ولم يستدر.. ينتظر، وعقله أوهمه باعتذار ولن يقبله ، ف اقتربت هي
تقف أمامه، والشفاه قريبة جداً.
تمد يدها رغم ضئالة المسافة بينهما..
-ساعتك..!
تناولها بعد تلامس أطراف جعل الوضع مرتبك وزاد من احمرار وجهها..
ورغمًا عنها كانت تقترب رغم إبتعاده وتصلب جسده، تهمس بأنفاس دافئة قريبة لصدره..
– هستناك ع الغدا…
………….
– إفتح الباب ده، بدل مااطربق البيت ده ع دماغك ودماغ ااختك الصفرا..
..” إن كانت الزوجة غاضبة فتسلح باللامبالاه ”
منذ أن احتجزها بعد خطة أخته الصغرى، وابتلاعها اللحظي للموقف ومرت الليلة بسلام..
باليوم الثاني وكأنها تبدلت، صراخ وصياح وعصبية زائدة ونغمة واحدة لا تحيد عنها – ” خرجني من هنا.. افتح الباب”..!
وهو رجل انتهاز الفرص، حيث أن فرصته جائته على طبق من ذهب.. أيتركها؟!!
للتو استيقظ من نومه… بعد عذاب فكل مرة يغفو بها تُفيقه بطريقة مختلفة عن سابقتها، مرة صفعة، ومرة صرخة تصم آذانه.. والأدهى ركلة بمنطقة تكاد تقضي على مستقبله الأسري .. التعبير الأدق مستقبله كله..!
بالأساس هو رجل بارد.. وببروده ذالك كان يجلس بـ هاتهِ اللحظة على الأريكة العريضة المقابلة للباب، يستقبل طوفان ثورتها ببطنها المنتفخة..
مابال النسوة يزددن حلاوة وفتنة بالحمل..!!
-ياحبيبتي اهدي… العصبية مش حلوة عشانك..
يتكلم ببرود أشعلها أضعاف ..
– انت معندكش دم… مبتزهقش..!
بنفس البرود بل وأشد.. يفرد ذراعيه بمحاذاة كتفيه مستندًا على الأريكة خلفه.. يتلاعب بحاجبيه
-خالص ده أنا عاطل وفاضيلك…
استفزها.. صرخت به بحدة تدب الأرض بقدميها..
-عارف لو مفتحتش الباب ده دلوقتي… هقطعك..!
وارتفعا حاجباه بتسلية، حيث أن عقابها شديد، شديد جدًا.. ذكره بعرض مسرحي ذكر الممثل فيه لممثل أمامه نصًا ” إنت شديد أوي مع الموظفين بتوعك ياسيد بيه”..!
يعتدل بغمزة..
– طب ماتقطعيني…
عقدت حاجبيها بغباء… تود قذفه بأي شئ ثقيل أمامها يفقده وعيه وتنتهي منه..! عبست بتساؤل
– إيه اللي بتقوله ده!!
تضغط على فكيها والنية قتل من أمامها.. فبسط ذراعيه يردف ببساطة
-الحق عليا بحاول أهديكي وألطف الجو… ده أنتِ خميرة نكد..
تنفي عن نفسها، تشير بسبابتها لصدرها
– أنا خميرة نكد يابتاع النسوان!
يلتوي ثغره بشبه استهزاء.. يأخذ الأمور ببساطة
-مش فاهم مضيقاكو في إيه بتاع نسوان مش احسن ماكون بتاع رجالة!!
يتابع بنظرية علمية بحتة هو من وضعها .. حيث أنه يشرح بكفه، يزيد من التوضيح
– ياحبيبتي اللي معاها واحد بتاع نسوان بتمسك فيه باديها وسنانها.. الجو ملبّش اليومين دول.. إنتِ حرة..
رمقته بغضب قبل أن توبخه..
-مش بتاع نسوان وبس.. لأ وكمان بجح..
يستنكر
– اعترضي بقى..!
ويزيد
-ثم انك تخينة وساكت..
ألقاها وسكت.. جحوظ في العينين، وصدمة أشبه بصاعقة اصابتها تهتف بخفوت حاد..
– قولت إيه؟
والنبرة اقلقته.. أعاد ما قاله بتوجس ونصف عين مغلقة، وصوت منخفض بالكاد يُسمع
-تخينة وساكت..
حينها اقتربت من طاولة السفرة حيث طبق الفاكهة والسكين الموضوعة بجانبه… تسير صوبه بملامح تحمل الشراسة، تضع السكين الحاد بمنتصف حلقه ببساطه، فيصيح بها
– يخربيت هرموناتك!!
تميل بأذنها تقربها من فمه.. تسأله.. واللهجة شبه تحذير..
عيد تاني اللي قولته..
على ثبات الموقف وانخفاض النبرة وارتفاع منسوب الرعب
-تخينة بس ساكت وراضي والله…
استقامت عابسة.. تصرخ به
-تاني… ده بيعيدها تاني..!
يرفع كفيه باستسلام
– معنديش مشكلة مع التخن والله… أنا راجل بقدر كل أنواع الستات.. امتقع وجهها من وقاحته.. الفاسق، الوقح.. الـ…. ألف سبّة أطلقتها برأسها ببطء سحبت السكين من منتصف نحره، تجلس جواره بهبوط وأنفاس متهدجة.. تسأله وهي تستند بظهرها لظهر الأريكة بتعب ولازالت تتلاعب بالسكين
-عارف أنا نفسي أعمل إيه!!
يميل بوقاحة
– يارب يكون اللي نفسي فيه..
تتجاهل الوقاحة وتتلذذ بالتخيل.. تُقرب السكين منه ثانيةً
– نفسي احط السكينة دي ف زورك..
تتابع بلمعة عين
– وعارف بعدها هعمل ايه!
يغمغم بنفاذ صبر
– هتقطعيني حتت..
– عرفت منين!
سألته باهتمام فأجاب ببديهية
– ماهو القتل أول.. وبعد كدة التمثيل بالجثة..
تأكد ع كلامه بإبتسامة مرتاحة
– صح..
.. بتر الوقاحة.. والعبث والخيال المضطرب لزوجته.. يزفر بملل ونفاذ صبر، يعتدل ليوازيها وركبتيه ملتصقة بركبتيها.. يحتضن وجنتيها براحتيه
-بقولك إيه يانونو.. ماتسيبك من خيالك الدموي ده ونتكلم بجد بقى..
يتابع بصدق النبرة
– أنا والله العظيم بحبك وتوبت..
تهكمت بحاجبين مرفوعين… فنهرها بجدية
-لأ والله العظيم توبت بجد..
يزيد بإبتسامة ووهج عيناه الصافي
– وعايز نبدأ احنا التلات من أول وجديد… وترجعي نيرة بتاعة زمان..
رمقته بنظرة لائمة..
-الهبلة..
ينفي بهزة رأس
– اللي بتحبني… أنا بحبك والله..
يسألها ببحّة نبرته ونادرًا ماتظهر.. يراها تلين فيلين بالنظرة..
-هو انا مبصعبش عليكي.. دانا جالي جفاف من قلة البوس..
وسيظل وقح كماهو.. ضحكت بعد طول عبوس… وأخيراً تنفك عقدة حاجبيها. تتنهد بيأس
– خلاص هسامحك بس بشرط..
اشاح بوجهه بعيدًا بملامح رافضة ممتعضة، ف آخر مرة اشترطت عليه قُصم ظهره بورشة قاسم…. تضحك وهي تجذبه من ذقنه تعرض عليه بساطة الشرط
– نسمي البيبي قاسم..
ضحك عاليًا قبل أن يتهكم
-طبعًا..
تستعطفه
-قاسم اتعشم وفرحان أنه هيتسمي ع اسمه..
يتهكم بزيادة تأكيد
-أومال..
– والنبي يازياد.. بلاش تزعله..
انحنت شفتيه بثعلبية، يضع ساق فوق أخرى… يقلب الطاولة لصالحه
– خلاص موافق بس بشرط..!
رفعت حاجباها بانفعال
– ياسلاام….. طيب ايه هو!!
والتمعت عيناه.. يميل بوقاحة حد الهمس
– قربي هاتي ودنك..
والعبث انتقل لها من خلاله.. تزيد الهمس بهمس
-إيه خايف الكنب يسمعنا!!
يغمز والمعنى ببطن الشاعر
– أخاف أخدش حياؤه..
تضحك بصفاء وملامح أشرقت بالفعل، تُجاريه بالعبث
-لأ كله إلا خدش الحياء..
فجذبها دون مزيد.. يرفع خصلات شعرها المنسابة على جانب وجهها وبيده الأخرى يثبت رأسها من خلف عنقها ، يهمس لها بشئ تلاه عدة أشياء، جعلت ملامحها تبدأ باحمرار طفيف إلى أن انتهت بشرتها بإحتقان قوي وصفعة على وجنته تبعتها بصدمة خجولة ..
-ياقليل الأدب…
…………………..
.. “هناك أنثى بلذوعة المانجو، وأخرى بحلاوة الكريم كراميل”..
.. دخل للتو بيته وخلع حذائه بجوار الباب، يضعه بمكانه وعلى منضدة جانبية ألقى بمحفطته الجلدية وعلاقة مفاتيحه، خطوتان للداخل يخلع ببطء جاكيته ويمسك به حتى غرفة الإستقبال، وهناك كانت ريم تتوسط الأريكة الكبيرة المواجهة لشاشة التلفاز تضع أعلى ساقيها علبة كبيرة من المحارم ، وجهها محتقن بشدة وكأنها تبكي..!
كانت بالفعل تبكي.. سقط قلبه بين قدميه وأول ماجال بخاطره حاتم إبنه الأوسط.. حيث أنه حاد التعامل تلك الفترة مع الجميع وخاصةً معها..!
متمرد ولا يعلم سبب لتمرده هذا.. اقترب بحذر منها يسألها بقلق..
– بتعيطي ليه!!
أجفلها بوجوده، لم تنتبه وقت مجيئه.. تؤشر بيدها على الشاشة أمامها.. تجيبه من بين نحيبها..
-عشان فاتن حمامة..
أصابه غباء لحظي.. عقد حاجبيه متسائلاً
-مين فاتن حمادة؟!
توقفت عن البكاء لحظة، ترمقه بحدة وكأنه أخطأ بحقها..
-حمادة مين..! فاتن حمامة..
وتشير من جديد نحو الشاشة، هي تشير للشاشه وهو ينظر لسبابتها ببلاهة.. بلاهة تبدلت لأخرى متسائلة يوزع نظراته بين الشاشة وهي..
جاورها بالاريكة بارهاق.. تعب أنفاس.. ينظر للشاشة أمامه دون تركيز..
حيث أن الرجال آخرهم بالمشاهدة مباريات كرة قدم .. أو مصارعة حرة..!
فيلم رومانسي غبي… تبكي وتختنق بعبراتها من أجل أبطاله..!
وماذا عن من يجاورها!!
“الأنثى كائن غير مفهوم”..
تثرثر هي وقد ظنت بجلوسه أنه أهتم وانجذب للمشاهدة تتناول محرم ورقي من أمامها تمسح عبراتها وأنفها المحمر من إثر البكاء..
-عمر الشريف ضربها وأهانها … وطردها مفكر انها خانته وهي بتحبه…
تفاصيل لا يريد سماعها.. ثرثرة نسائية مملة، ما شأنه هو بشأن عمر الشريف!!
هو رجل يريد تناول العشاء، والنوم بجوارها…
ينهي الثرثرة بتقرير وزفرة مختنقة ..
-معلش هي الأفلام المصرية كدة بس ف الاخر هيتجوزو ويخلفو ويجوزوا عيالهم وينزلو بتتر النهاية..
تضايقت منه، يعاملها كطفلة.. زجرته بحدة غير مفهومة
-كمال أنا شايفة الفيلم ده ١٠٠ مرة قبل كدة… وعارفة نهايته وحفظاها صم..!
رفع حاجب بدهشة ولم يزد بالكلام، هيئتها الليلة غريبة!!
خصلاتها متناثرة بعشوائية دون عناء تصفيفه أو حتى تجميعه بربطة.. منامة واسعة ذات اكمام طويلة بلون غامق .. محتشمة على غير العادة..!!
تنهد، فرك جبينه في محاولة هروب..
– أنا هروح أنام..
يتحرك فتستوقفه باستفهام حاد
-هتنام وتسيبيني كدة..!
هو رجل حديث العهد بدرب النكد، حيث حياته السابقة كانت أشبه ببحيرة راكدة حد الملل والرتابة… على عكس بحرها الهائج من كثرة تقلبات المزاج.. وتغيير الروتين
يهتف بنبرة حادة أكثر منها حيث الأمر تافه
– كدة اللي هو ازاي…. إنتِ بتعيطي عشان فيلم ياريم..!
قلبت ملامحها بشبه بكاء جديد، هزت رأسها لتردف بخفوت متحشرج..
-لأ.. أنا عايزة شيكولاته..
تتابع بحرج وبعثرة كلمات
-أصل أنا خلصت الشيكولاته اللي ف التلاجة.. وعايزة تاني..
بدا كمال حائراً رغم استنكاره
-مش عوايدك يعني..!!
ابتلعت ريقها والحرج يزداد.. تتوتر، تهمس بصوت خفيض وهي تعيد خصلاتها خلف أذنها بترتيب..
– ماهو أنا الكام يوم اللي ف الشهر ببقى عايزة شيكولا وحلو كتير..
وفهم ماتقصده.. نوبة البكاء الحادة، ولذوعة لسانها اليوم وأمس أيضًا .. أُحرج هو أيضًا وأحمرت أذناه
-آه….
ثم بعد صمت دقيقة.. غمغم بعاطفة ومازال مُحرجًا
– طيب هنزل اجيبلك… عايزة نوع معين!
وحينها أعتدلت تهديه إبتسامة ناعمة ظهرت من العدم
-نوتيلا كبيرة وكابري..
.. وبعد نصف الساعة حيث أنه لم يجد طلبها بالمحل القريب،وصل بما كانت تريد.. يحمل الكيس بيده ويدخل حيث كانت.. وحيث تركها.. وعلى عكس بكائها كانت ضحكتها واسعة، تجلس القرفصاء وبين كفيها كوب ساخن من الأعشاب.. عيناها مصوبة، منجذبة للشاشة أمامها تتابع مسلسل مفضل مصري عائلي أصيل.. حيث اليوم الحلقة الأشهر على الأطلاق من مسلسل لن أعيش في جلباب أبي..
وانتبهت لمجيئه ، هتفت بـ اسمه بمزاج شبه رائق… بل رائق حد الكمال
-كمال.. اتأخرت كدة ليه.. غير وتعالى انهاردة فرح سنية…
– فرح سنية!!!
وتأكيد للتأكيد بأن “الأنثى كائن غير مفهوم مطلقًا..”
………………..
.. ” إذا أردت شيئًا بقوة فتمسك به… فمن الغباء أن تطلق سراحه”..
.. عودة الحب في نوفمبر.. والاعتراف به أيضًا، وتوثيقه بقراءة الفاتحة…!
لتلك اللحظة لايصدق مايحدث، لايصدق فرحته بسماع كلمة أحبك منها.. اعترافها الصريح، ونظراتها الولِهة التي باتت تخصه هو بها، وتغيرها بالكامل…..
في أمور العشق لا تسأل يومًا عن السبب..
هكذا بين يوم وليلة يصبح الرجل ملكًا..
جلسة عائلية ذكورية بحتة ببيت الجد، كان متوتر بشكل ملحوظ.. عريس متوتر أكثر من عروس وقت عُرسها.. حليق الذقن فبدا أصغر من عمره بسنوات..
. هو رجل عشقه مفضوح بعينيه، يرتدي ثياب منمقة مختارة بعناية من قِبل أكرم وقد اختار هو لون القميص، أختاره بلون من درجات البنفسجي تمسك به بناءً على حبها لذلك اللون، هو رجل مهتم بكل تفاصيلها، رجل يحفظها أكثر منها… وتعلم هي ذلك..
يجلس على الأريكة يتوسط أخويه، على يساره أكرم ويمينه كمال.. أمامه جده ويجاوره عمه عماد..
نظرات جده له داعمة يبتسم له بفخر يراه بشكل جليّ فيبتسم له بالمقابل.. وقد هدأ ارتباكه قليلًا..
كانت جلستهم خفيفة، غير صريحة للهدف الذي جاؤوا من أجله..مجرد جلسة عائلية يتحدثون عن الأمور العامة.. والعم يحكي عن حياته بالخارج وكم هو مريح الاستقرار هناك…
أحاديث اقتطعها كمال بعد أن لكزه قاسم بخصره بحده ونفاذ صبر، فحمحم بجدية يجذب انتباههم..
-احنا جايين عشان عايزين حنين لقاسم بشكل رسمي…
وكلام كمال كان واضح.. حيث أن الأمر شبه واقع.. يريد الموضوع بإطار رسمي دون تزيين..
بدا على العم عدم المفاجأة.. اعتدل أكثر بجلسته… يتنهد بشبه ضيق ونظرة حزينة ظهرت بمقلتيه، من وقت حديث حنين معه ومواجهتها له.. وهو يتجنبها والوقت ذاته أوجعه ضميره وخفق قلبه بأبوة كانت غائبة من أجلها يود تعويضها عن سنوات غيابه… وجل مايشغل باله بـ هاتهِ اللحظة أن تكون حنين مُرغمة عليه كالمرة السابقة… أن تكون تحت ضغط إما قاسم أو السفر معه… أجاب بعد صمت قصير بصوت مبتسم
– سيبوني افكر..
زم قاسم شفتيه ليتهكم
-تفكر… ليه لسه هتسال عليا..!!
باندفاع رد أكرم بنبرة باطنها لوم..
-لزمته ايه التفكير ياعمي..؟!
يتابع وقد ضاق ذرعه هو الآخر..
– قاسم وانت عارفه.. وحنين متربية اودام عنينا… ملهاش لازمة المماطلة..!!
.. اليوم معركته هو.. حلم حياته الذي قارب على الوصول إليه، فشد من عضده، يأخذ نفسًا قوي وتجاهل الجميع عدا عمه… يحدثه بنبرة ثابتة واثقة وقد تخلي عن توتره ونحّاه جانبًا..
– عمي سيبك من أي كلام، أنا راجل مسؤول عن بنتك بالظبط بقالي خمس سنين.. وبِعلمك وعِلم جدي
واقترب بجلسته للأمام يحافظ على هدوئه وثباته، يستكمل
– مسؤول مسؤولية كاملة مواعيد دروسها هدومهاو تلفونتها.. كل حاجة وأي حاجة.. وكنت بعمل ده عن طيب خاطر.. بكيفي..
.. وصمت للحظة قبل أن تغيم عيناه بذكرى أنكرها عقله الباطن.. وللتو تذكرها، غمغم برجفة شابت نبرته الثابتة فبدأ ضعيف أمامهم بتلك اللحظة
– الفترة اللي فاتت حصل مشكله وبعدتت وأنا بعدت…. بس المشاكل اتعملت عشان تبين قوة العلاقة أو ضعفها..
ثم عادت إليه الثقة وابتسم، ابتسامة ظهرت من العدم
– وآديني أهو قاعد أودامك وبقولك أنا عايز بنتك… عايز العلاقة تبقى رسمي.. عايز حنين تكون مراتي..
.. وصمت، يلهث بداخله وكأنه كان بسباق للركض وفاز به.. ينتظر جائزته..
ران صمت للحظات قبل أن يغمغم عمه بضيق نبرة رغم نظرة إعجاب لقاسم..
-أنا مش عايز أحس إنها مضغوطة أو مجبورة..!
عبس قاسم تلقائيًا و تبدلت قسماته للعصبية منذ متى دور الأب هذا؟!!
وتدارك كمال الموقف يحتويه بحكمة وقد شعر بذبذبات غاضبة من المجاور له ..
– وع إيه كل ده… إحنا ننده لصاحبة الشأن والرأي ف الآخر ليها..
وأكد على كلامه هتافه العالي لها دون انتطار رد أبيها..
-حنين..
.. ظهرت من الداخل وصوت كعب حذائها يسبق حضورها، تسير صوبهم ببطء شديد وعلى استحياء وملامح خجلة.. توقفت أنفاس قاسم وهو يتأمل حضورها، ابتسامتها الناعمة وحجابها الوردي الملتف حول وجهها فزاده فتنة بتلك اللحظة لعينيه، ترتدي سروال من الجينز الباهت وبلوزة حريريه ناعمة تنسدل على جزعها بنعومة… وتفحصه لها هكذا أمامهم أصابها بتوتر فتعثرت خطواتها فنهض على الفور لامساكها ولكن كمال منعه بـ حرج…
جلست على طرف الأريكة أمام كمال تُجيبه
– أيوة…
رد عليها بإبتسامة
– إنتِ عارفة أحنا جايين ليه انهاردة..!
وبالطبع هي تعرف… رسالة نصية من قاسم، ومكالمة من نيرة وأخرى من أكرم .. احتقن وجهها بخجل لتتمتم..
-عارفة..
رمى الكرة بملعبها وأخرج الجميع..
-طب وإنتِ إيه ردك؟!!
لم تجب فور السؤال.. أحنت رأسها فاختفتت ملامحها عن المحترق بصبرٍ كاد أن ينفذ أمامها، تتلاعب بطرف بلوزتها بأصابع مرتجفة..
كم دام صمتها لحظة.. لحظتان… دقيقة كاملة، لترفع رأسها بإبتسامة رائعة.. أروع ابتساماتها.. ترد بثقة
-موافقة طبعًا….
.. زفر نفسًا طويلًا كان يكتمه بانتظار ردها… نفس كاد أن يخنقه.. ارتاحت ملامحه، وخفق قلبه بجنون… لا هذا كثير على قلبه، سيتوقف من كثرة سعادته….
خرجت يارا من المطبخ، تقريبًا بعد أن اطمأنت لموافقة حنين، تحمل بين كفيها صينية كبيرة، تقطع حديثهم وجلستهم باقترابها المرح وشقاوتها المعهودة..
-مبعرفش أعمل لا قهوة ولا شاي… جابتلكو فانتا تفاح وجبت لقاسم شويبس رومان…
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت القاسم)