رواية بيت السلايف الفصل الرابع عشر 14 بقلم خديجة السيد
رواية بيت السلايف الجزء الرابع عشر
رواية بيت السلايف البارت الرابع عشر
رواية بيت السلايف الحلقة الرابعة عشر
إنزفى ياعين دموعك
وإشتكى ياقلب أوجاعك
وأصرخ ياأبنى بقوتك
وورى الناس حرمانك
يمكن تلاقى اللى يسمعك
وقلبه يرق علشانك
صعبان عليا ياإبنى
من صغرك الحرمان طالك
عايش فى أسوة الأيام
ومن بدرى ضاع زمانك
وبتدور على إنسان
يخفف عنك ألامك
الدنيا خليت من الناس
ولا الناس فقدوا الأبصار
وفين راح الأحساس
بطفل بهدلته الأقدار
دا الحنان مكانه القلوب
ولا القلوب إتملت أحجار ؟
بقلم حمدى شاهين
***
قـبـل لـحـظـات.
دخل دياب من بين النيران يتنفس بصعوبــة، ولمن بستطيع إلتقاط شهيقًا واحدًا، لكنه كان مصر على إنقاذ عيسي حتي وجد عيسي ممدد على الأرض فاقد الوعي، والدماء تسير من راسه يبدو وكانه خبط في شيء صلب نتيجه فقدان الوعي ركض نحوه وهو يقول بخوف شديد:
-عـيـــسي ااا ردي عليا عـيـــسى ااا. حجك عليا يا أبن عمي إني إللي غلطان
بدون تفكير حاوطــه من كتفيه وحاول بيده الأخرى يضعها على أنفــه كي يمنع تلك الرائحة الخانقة للدخان من أختراق رئتيــه، وبصعوبـة حمله و وصل بــه إلى الخارج ، تركــه على الارض بعيد عن الحريق أمتار.
وفي الخارج دقيقتين وكان انتبهت أهل البلد وقد لمحوا تلك الأدخنـة الكثيفة والمتصاعد من أعلى الأرض, ليصرخ بفزع قائلاً:
– يا اهااااااااـل البلد في ارض بتولع.
دب القلق والخوف في قلوبهم وركضوا يحاولوا اطفاء الحريق, ربت دياب على وجنتيه عيسي ولكن لم يستجيب، بلا كأن مثل الصنم لا يتحرك زاد رعبه علي رفيق عمره,تقدم منه أحد من البلد وهو راضي الغفير الآخر وهو يصرخ بهلعٍ: -عيسي بيه مالو
اغمض دياب عينيه فقد اصابت عينيــه بالإحمرار والدموع، سعل دياب عدة مرات كدليلاً على أختناقــه وهو يُصيح:
– انت لساتك عتسال اتصرف واطلب الإسعاف بسرعه
هز رأسه الراجل سريعا ورحل يطلب الاسعاف, بينما قفز قلب دياب رُعبًا بين ضلوعه، بل كاد أن يقتلع منه، وهو يحاول أن يرجع النفس إليه بلا قلبه أيضا وقف بالكامل, شق دياب سريعه جلبابه الصعيدي ولف حوله رأس عيسي حتي يقف الدماء وفعل إنعاش وتدليك للقلب.
بدت الرؤيـة مشوشـة لدى دياب ورأسه بدأت بدوار شديد، فبدون أن يشعر وقع جالسًا على الأرض، وأرجع رأســه للخلف كي يسندهــا على الحائط، لم يشعر بعدهــا بتلك الناس من حوله، وكأن الموت حام فوق رأسه
شاهد جابر راضي يركض سريعاً, سأله بقلق شديد:
– في ايه يا راضي بتچري اكده ليه؟ وايه الدخان اللي اهناك ديه
هتف راضي يلهث بخوف:
-الحج يا چابر عيسى بيه شكله بيطلع في الروح ومات! ديه قاطع النفس خالص و غرجان في دمه؟ ودياب بيه معاه
وهنا اعتقد جابر أن عيسي مات ودياب من قتله بسبب العداوه التي بينهم وركض إلي السيده عديله يبلغها بما حدث .
***
جلس جلال أعلي الفراش يتابع اسيف التي كانت تلم ملابسها وترجعها الي الحقيبة, في حين تسال باستنكار:
– ايه كل الهدوم دي كلها؟ ده انتي واضح كنتي مخططه رحيل بلا رجعه كل دي هدوم كنتي واخداها معاكي
تابعت ما تفعله وكانها لم تسمعه, تنهد بياس منها و تطلع الي عرفتها باعجاب قائلا:
– هي دي اوضتك شكلها حلو!
نظرت اليه متحدثه بسخرية:
– لا اوضه الجيران وكنت سلفها منهم عشان احط فيها حاجتي؟
ابتسم بسماجه متسائلا:
– ده ايه الخفه اللي نزلت عليكي مره واحده دي
قالت اسيف باستخفاف:
– ما انت اللي بتسال اسئله مش منطقيه بصراحه يعني فاتحه الدولاب وبطلع منه هدومي يبقى ايه اوضتي ولا اوضه الجيران؟
جلال بضيق:
– هو الواحد ما يعرفش يهزر معاكي شويه كملي ..كملي خلينا نمشي ونخلص
اكملت ما تفعله هي, حتي نهض وامسك برواز صوره متسائلا بابتسامة:
– دي والدتك! شبهك قوي؟
حاولت تجاهل الامر وامتدت يدها بشكل تلقائي لتزيل احدى خصلات شعرها الشاردة على وجهها حيث انقبض قلبها بذات اللحظة بالم غير طبيعي
تسال جلال بفضول وتردد:
– هي ماتت ازاي؟
ازدادت غصّتها الكاتمة انفاسها وهي تلالات عينيها الخضراء بمشاعر عاطفية هي اكثر واحدة تعرفها جيدا, قائله بصعوبة:
– كان عندها كانسر
كان احمد السيوفي يجلس بجانبه المأذون ثم ابتعدت ثريا لتهمس لحياه زوجته الاولي وام اسيف بالهاتف بصوت منخفض:
– انا فاعل خير و بقول لك جوزك دلوقت بيكتب كتابه على واحده غيرك خلي عندك كرامه بقى واطلبي الطلاق؟
اخبرتها ثريا كغيره انثي علي حبيبها وزوجها حتي تطلب حياة الطلاق ويصبح احمد لها لوحدها هي فقط!
لكن لم تعلم بان باخبارها هذا كم الالم التي تسببت بها لحياه. ولم تكتفي بهذا بل ارسلت شخص اليها بصور و رسائل العشق الذي بينهما من احمد الي ثريا.
وضعت حـياه يدها علي فمها وصرخت باعلي صوت لكن صرخه بلا صوت لم تريد يسمعها صوتها و بالاخص ابنتها اسـيف استمرت بالصراخ والدموع تنهمر من عينيها بالم شديد فمنذ قليل جاء لها خبر زواج زوجها عليها من مكالمه مجهوله الهويه لا يهم من إرسالها لكن الاهم ان بالفعل تاكدت بصوت وصوره من حقيقة زواجه بغيرها وشاهدته بنفسها كم كان سعيد .
سعلت بحشرجه قاسيه جعلتها تتاوه وتنزف دماء من فمها فهي مريضه بمرض خبيث ولا يعلم احد وتموت بالبطيء لتتاوه بقوه والم شديد فتحت عينها بصعوبة شديدة تشعر بكل عظمها تتألم وبكل انحاء جسدها لتتسائل ايمكن النـهاية الان .
سندات راسها بجزع بداخل غرفتها والباب مغلق عليها لتفكر فورا في ابنتها الصغيرة لا يوجد احد يهتم بها غيرها وما مصيرها الان ، ظلت تسعل وشعرت بانها ستختنق قامت من مجلسها نحو الهاتف لتتصل بزوجها احمد السيوفي تستغيث به ولكن لم يرد عليها مثل كل مره أغمضت عينيها بـقهر وحسره ثم سمعت صوت طرقات علي الباب من ابنتها الصغيرة تبكي بحرقه قائله بخوف عليها فقد سمعت صوت تالم والدتها لكنها لن تستطيع التحرك اليها حتي فقدت الوعي :
– يـا ماما افتحي الباب بقي عشان خاطري .
سمعت اسيف وهي بعمر السبع سنوات ارتطام جسده والدتها بالارض ابتعدت عن الغرفه بفزع شديد لتذهب وتاتي بنسخه اخري من المفتاح وتضع الكرسي حتي تصل الي فتح الباب وبالفعل نجحت في ذلك ودخلت الي والدتها لتتفاجا بـ؟
كان مشهد يحبس الانفاس, حياه ممدودة علي الارض و الدماء تهبط من فمها, رات ايضا صور والدها مع ثريا عده صور بمشاهد حب وغرام واضح باعينهم وتقاربهم الي بعض كان هذا كافي حتي تكره اسيف ثريا بهذا القدر الان ..
نزلت علي ركبتها امام حياه وهي ضائعة خائفة تائهة تود استيقاظ والدتها ولا احد معها ولا تعرف ما اصابها ولا ماذا تفعل, صرخت اسيف ببكاء شديد:
-مــامــا ردي عليا عشان خاطري مــامــا ..ما تسبنيش
حاولت ايجاد نفسها التائهة المصدومة ولكن عبثًا لقلبها الخافق بجنون وهي ترى موت والدتها بهذا الشكل,امسكت الهاتف لتتصل بولدها لكن لم يجيب وهنا حياه فارقت الحياه للابـد وخسرت اسيف روحها معها ايضا!
لم تنسى اسيف هذا المشهد في حياتها ابدا. بل اصبحت تستيقظ علي كوابيس فراق والدتها.
يا حسرةَ قلب على نفس من الشتات و روح متمردة تقاوم العذاب حتى الممات حبيب في الماضي يتخلى ثم يتوسل البقاء وقريب ام غريب يقترب قسرًا بكل خيلاء والضياع يستوطن العقل وهنيئًا بالاوجاع
يا ويل النفس من الام وفواجع الاقدار
بكل دقيقة من حال الى حال ويتفاقم الشقاء
وحنين ولهفة الى الماضي كداء السراب
وبقاء اجباري ولا مجال للاعتراض والخيار
نظر جلال يراقب ملامح وجهها الشاحب, فقد ندم بان سألها سبب موت والدتها ولكن سؤال مزّق نياط قلبّها ثم همس لها:
– اسـيف انتي كويسه؟
لم تجيب عليه اقترب منها حتي يواسيها لكن استمع الي صوت هاتفه واجاب بصمت حتي نطق بصوت مهزوز:
– اا عـ عيسي.!
***
امسك ضاحي الغفير من ياقه الجلباب بقسوه,
وعينـاه حمراء حادة وعروقـه بارزة بجنون وكانه سيقتله عندما سمع خبر نقل دياب الي المستشفي: -بتجول ايه يا مخبل انت مين ده اللي جتل عيسى دياب وهو عيعمل اكده ليه
ابتلع ريقه الغفير قائلا بخوف:
-واني مالي يا ضاحى بيه البلد كلها بتجول اكده, المهم دلوج الاثنين في المستشفى بين الحياه والموت
لتقف جميله متجمدًا مكانها تحاول الاستيعاب عندما اتسعت حدقتاها بخوف وهو تهمس:
-ااا د ديـاب
نهضت بسرعة احلام تركض نحو زوجها بلهفة تسأله بقلق واضح :
– ماله دياب يا ضاحي انطج بسرعه
قال ضاحي بخوف شديد:
-ما اعرفش حاچه هو فجاه كان بيتحدد مع عمي صلاح وطلع يچري ما اعرفش راح يعمل ايه جعدت انده عليه وما سمعنيش حتى عم صلاح اختفى. ما اعرفش راح فين هو كومان. انا لازم دلوج اروح المشفى اشوف اخويا
كادت جميله تصرخ والفزع يجعل قلبها متحجرًا بانين مكتوم ثم همست بحروف متقطعة :
-اا ضـ اا ضاحي خذني معاك ابوس ايدك خذني معاك اشوف دياب ماله؟
هزت احلام راسها بسرعه برفض بعنف تنظر لها مستنكرة, تريد ان ترى دياب وتطمن قلبها عليه هي اول الزائرين,هاتفة بصوت حزين وغضب :
– يخدك معاه فين هي فسحه خليكي اهنه مع العيال واني اللي عيروح معه. ونبجي نجولك من هناك اللي حصل؟
دون مقدمات جذبتهـا جميله من ذراعيها بعنف وهي تزمجر بجنون أفقدها ثباتها تمامًا :
-احلام اسكتي خالص انا اللي فيا مكفيني مش ناقصه حد. وبعدين تروحي تعملي ايه هو جوزك ولا جوزي انا
حدقت احلام بها بذهـول مُحرج فاصبحت جميله ليس تلك القطه البريئه التي اتات اول يوم, وليست التي كانت تخاف من الجميع حتى ضلها ثم صاح ضاحي بغضب:
-اكتموا انتم الاثنين هو وجته خناج دلوج. اني عاروح لوحدي مش رايد حد معايا
هزت راسها نافيه وهي تتخطاها مغمغمًا بالم تحتجز تلك الدموع داخلها قائله بحده :
– والله العظيم لو ما خدتنيش معاك يا ضاحي هخرج دلوقتي لوحدي واسال لحد ما اعرف مكان المستشفى اللي فيها انا عاوزه اطمن على جوزى فاهمين ولا مش فاهمين؟
***
في القاهره بداخل مكتب نادين كانت تجلس اعلي المقعد امام العملاء في صفقه جديده. حتي اقتحم زين المكتب ليخرج صوته مبحوحًا هامسا :
-نادين
نهضت نادين بخضه نحوه متسائلة بقلق:
– زين مالك في ايه؟
نظر لها و الصدمـة جعلته جامد شاحب صامت يستنجد باي احد حتي الصراخ ان يخترق مسام صمته المؤلم للروح والقلب هتف زين باسي محزن:
– عيسى يا نادين! عيسي في المستشفى بيموت
عقدت نادين ما بين حاجباهـا هامسة ببحة متاثرة:
-بتقول ايه جبت الكلام ده منين؟
ادمعت عينيه زين قائلا بالم:
– من جلال، اتصل بيا وقال لي انا لازم انزل الصعيد حالا
وضعت يدها الحانية التي اسرعت تضمه لها بقوة وهو يهمس باسمها متاوهًا من الم علي اخيه وقالت:
– حاضر هتنزل وانا معاك مش هسيبك! و ما تقلقش ان شاء الله خير ، عزه الغي كل المواعيد النهارده
***
الحزن كمجرم مع ايقاف التنفيذ ياتي ليخطف منا اشياء كتيرة يخطف برائتنا ويخطف ضحكتنا يخطف طفولتنا ويخطف احلامنا ويخطف اهم ما بنا وهي روحنا يجعلنا جسد بلا روح مثل الانسان الالي يسير وينفذ كل ما يامر به ولكن بدون روح ايظل ذلك المجرم هكذا مع ايقاف التنفيذ ام سياتي وقت وينفذ عليه الحكم (خواطر ميرو)
انتشر الخبر بسرعه البرق وعلم الجميع, حادث الحريق الذي ادي الي اصابه عيسي ودياب.
والان امام غرفة الطوارئ بالمستشفى ينتظر الجميع والقلق يستوطن كل خلية حية بخلايـا قلوب الجميع من جـلال وزيـن وفـرحـه، التي تتمنى وتتمنى ان ما سمعته عن دياب اخيها ليس صحيح ولكن احيانا تصبح الامنيـات على قيد خيوط العقل ليس الا، وبجانبها عديله التي تقف بقلب يشوبه مدمرًا ثباتها الشعوري المميت ، وهو فقدان الابن والسند
انتبه الجميع للطبيب الذي خرج يمسح وجهه بارهاق فساله جلال بلهفة لم يستطيع اخفاءها :
-عيسي.. عيسي اخبار ايه يا دَكتووور
تساءلت فرحه بسرعة و همست بنبرة مرتعدة :
– و دياب كومان؟ اتصاب في الحريج؟ حصلله ايه؟
لتنظر والدة عيسي لها وهي تصيح بضيق واضح:
-انتي ليكي عينه لساتك تسالي عليه و هو السبب في رجدت جوزك ديه
اغمضت عينيها بقوه ولم تجيب رغم كانت ثقيلة كلماتها على ذلك القلب الذي يستجدي تخفيف ضغط ضربات القدر عليها، ليقول الطبيب:
-اطمني دياب حالته مش خطيره وممكن تدخلي تشوفي دلوقت هو جروحه بسيطه مش خطيره
لتهرع عديله بصعوبة بالغة تسير علي اقدامها الي الطبيب غير قادرة على الانتظار لتعرف حاله ابنها و سالت الطبيب بلهفة وقلق واضحين:
– طمِّنيْ يا دَكتووور علي ولدي.
الطبيب بزفرة عميقة:
– خير ان شاء الله بالنسبه لي حاله عيسى بيه الحمد لله النزيف وقف هو دلوقتي في الافاقة وهينزل الرعاية المركزة بعد كده ، اذا الـ 48 ساعة الجايين عدوا على خير كده احنا نقدر نقول اننا عدينا مرحلة الخطر ان شاء الله خالوا بالكم هو نزف كتير جدا والنزيف دا ادى انه الضغط عنده ينخفض بشكل خطير، احنا حاولنا اننا نرفعه بالادوية، عموما الساعات الجاية محتاج لدعواتكم فعلا. عن اذنكم.
ابتلعت عديله ريقها بصعوبة بالغة لتقول بثقل:
-رايده اشوف ولدي!
هز الطبيب راسه يكمل باسف وهو يخبرهم :
-للاسف دخل في غيبوبه الضربه كانت قويه على راسه ونزف كتير, ادعواله الـ 48 ساعة الجايين يعدوا على خير ذي ما قولتلك
شهقات مختلفة صدرت عن الجميع واولهم فـرحه التي لم تتوقع ان يحدث ذلك لزوجها
شعرت عديله بنصل حاد ينغرز بصدرها كلما زادت ادركت الحقيقة داخل ثنايا عقلها هل من الممكن فقدان طفلها؟ تفقد اعز ما لديها عيسي الاب والام والابن لها. نـعُم فقدان روح ليس ابن فقط.
بينما جلال وزين كانوا يحترق كل منهم داخله بصمت عن فقدان السند والاخ. وبدا وكان النيران تتصاعد من بين عيناهم التي احتدت فبدا زين ينزف الدموع ساكنًا وغير قادر على التحمل، بينما جلال ضاغط على يده بعنف يكتم الدموع بعينه فيها وعروقه التي كادت تخترق جسده
نظر جلال باعين زائغة لوالدته التي طالعته بالم شديد فقال وباشفاق مرددا بهمس :
– قدر الله وماشاء فعل.اهدي يا ماما ان شاء الله تعدي على خير
ثم ربت على كتف اخيه زين عدة مرات وهو يتخطاه بهدوء هامسا وهي اشاره بعينه ان يصمت من اجل والدته وقال:
– اجمد عشان امك
وهنا لم تستطيع عديله ان تتمالك نفسها اكثـر فصرخت علي فرحه تصرخ فيها مزمجرة بجنون ولكن دون ان تمسها كونها تجلس على كرسي متحرك:
– بتبكي على ايه هو انتي اللي كيفك, وكيف اخوكي عنده دم ويحس اخوك ديه مخلوج من ايه؟ عشان يحرج جلبي على ولدي اكده؟ صعبان عليكي وخايفه و بتسالي علي اخوكي و مش صعبان عليكي جوزك عيسى. المسكين اللي يا عالم عيعيش منها ولا لا؟
اصبحت تشعر فرحه ان الهواء انسحب من حولها حتى بات الاختناق رفيقهـا كادت تصرخ لكنها صمتت وابتلعت اهانتها فهي لا تعرف من محق صمتت و عينـاها ممتلئة بالدمـوع اللؤلؤيـة. وشفتاها الصغيرة ترتعش من الخوف علي زوجها واخيها فهي بين نـارين حـقـا.
اكملت مع صراخها المنفعل خاصه تعلم انها على حق ومن فعل ذلك هو دياب, نظرت اليها عديله بشر متمتمة صارخًا بصوت قوي مُخيف :
– بس زين انه بخير وعايش؟ الله بسماء يا فرحه ما حد واخد تار ابني غيري اني؟ عملك ايه عيسى ولا عمل ايه لي دياب عشان يعمل فيه اكده و يحرمني منه
تدخل جلال وزفـر بصوت مسمـوع :
– خلاص ياما احنا مش عارفين حاچه لحد دلوج مين اللي عمل اكده في عيسي وبعدين هي ما لهاش ذنب في حاچه.
قالت عديله بصلابة تخفي خلفها ثوران مشاعره تجاه ابنها:
-هي مين اللي ما لهاش ذنب, اقطع ذراعي اذا كان عمك صلاح واخواتها الاثنين هما السبب في اللي حصول؟ انا عارفه شر وخبث عمك صلاح زين و متاكده من اكده؟
رفـعت فـرحه انظـارها للجميع وهي تعض على شفتاها الصغيـرة بالم لتمنع بكاءهـا بصعوبة ومن دون تردد كانت ترحل تشعر بعجز وبالنيران التي تحتل قلبها.
***
سارت جميله بخطوات سريعة في الممر في الطابق المنشود حيث دياب وخلفه ضاحي، لمحت فرحه من على مسافة بعيدة فسارعت خطواتها حتى وصلت اليها، وهي تسال بلهفة ولهاث حاد: -طمنيني يا فرحه دياب اخباره ايه؟ عامل ايه وايه اللي حصل؟
رفعت وجهها اليها وجميله امامها ترتديه النقاب, وأجابت فرحه بوهن:
– چميله هو انتي اللي چابك اهنه؟ ما تجلجوش دياب بخير
تركهم ضاحي وذهب الى الطبيب يسال عن حالته الصحية, جميله وهي تجلس الى جوارها هتفت بحزن:
-هو انتم كلكم ليه؟ مش عاوزين اجي واشوف جوزي هو انتم ناسيني ان اللي اتصاب يبقى جوزي صعبان عليكم اجي و اشوفه
ربتت فرحه على كتفها وقالت بنفي:
– والله ما اجصد يا چميله ما تاخديش على كلامي اني مش خابره اني بجول ايه ولا بعمل ايه سامحيني وما تزعليش مني
تنهدت جميله بحزن شديد وقلق على حال صديقتها متسائلة:
– كنت لازم اجي يا فرحه عشان دي الاصول وده جوزي، المهم طمنيني ايه الاخبار عن جوزك انتي كمان؟ سمعت انه اتصاب مع دياب هو كمان هو عامل ايه.
رفعت فرحه رأسها حالها وشكلها، كان وكانها قد كبرت فوق عمرها عشر سنوات من الحزن :
– لسّاته جوّه يا چميله ربنا يجيب العواجب سليمة.
– ان شاء الله هيقوم منها على خير يا فرحه.
قالت لبرهة تحاول بث الطمانينة في نفس فرحه التي أصابها الوهن خوفا وذعرا على حال الاثنين زوجها و اخيها, هاتفة بعطف :
– ربنا معاكي يا فرحه ويقويكي على ما ابتلاكي
سالتها علي غرفه دياب فاستاذنت منها وقامت متجهة اليه، قبل ان تفتح باب الغرفة قد رات ضاحي يخرج بعد ان اطمئن علي اخيه .
***
دخلت جـميـله الغرفه ببطء لتجد دياب يجلس اعلي الفراش ناظر للفراغ كما هو منذ ان دخل واستيقظ ولكن تلقائيًا نظر الي من الزائر ليراها وهي تزيح النقاب اعلي وجهها ليعتدل ببطء متاوه ثم لم ينطق سوى بكلمة واحدة هادئة :
جربي يا چميله واجفه اهناك ليه؟
تقدمت جميله تجلس جواره انتبه دياب لدموع جميله الصامتة، ليربت على كتفها فرفعت عينيها الذابلتين اليه فقال بابتسامة صغيرة وهو يمسح دموعها بابهامه:
– ليه الدموع دي؟
رنت منها نظرة الي كتفه الملفوف باكمله بشاش وبعض احمرار حروق في وجهه نتيجه الحريق لانقاذ حياة عيسي قبل ان تجيبه وسط شهقات بكائها الخافتة:
– خوفت عليك اوي! انا حاسه ان جرالي حاجه وانا جايه في السكه مع ضاحي قلبي كان هيقف من كتر الخوف! كل ما اتخيل انه كان حصل بعد الشر لا قدر الله، متاكده انا كنت هموت بعدك.
ابتسم دياب بحزن قبل ان يسحبها عليه محتويا وجهها بين راحتيه رافعا وجهها اليه وقال وهو يغوص بعينيه بين غابات الزرق خاصتها:
– للدرجه دي خوفتي عليا ويهمك حالي وصحتي عامله ايه؟
جميله فتحت عيناها بشده قائله بلهفة:
– طبعا! ان شاء الله اللي فيك ييجي فيا و انت لا
مال عليها لتلفحها انفاسه الساخنة:
– بعد الشر عليكي يا چميله! وجع الدنيا كله ما يساويش حاچه جصاد انك تحرميني من نظره واحدة بس من عيونك الحلوين دول؟
رفـع جسدها له لتصبح جالسة جانبه ليجد عينـاها ممتلئة بالدمـوع اللؤلؤيـة. وشفتاها الصغيرة ترتعش بضعف كالاطفال بينما هي تهمس بصوت مبحوح
– انا عارفة انه الكلام دا مش وقته دلوقتي لكن حبيت اقولك انه اللي مريت بيه دا خلّاني اعرف حاجة مهمة اوي.
قطبت دياب متسائلا بهمس:
– ايه هيّ؟
رفعت راسها له تستند على صدره وهي تهمس بينما تنظر لعيناه بعاطفة خاصة له وحده :
– انك اهم واغلى حاجة عندي، واني مستعدة اخسر اي حاجة في الدنيا و واي حد الا انت يا دياب. جوزي وحبيبي والانسان اللي خلي لحياتي طعم جميل من تاني ، ورجعلى ثقتي في نفسي ، والدنيا ما تسواش حاجه من غيره. اوعي تفكر تبعد عني يا دياب لانك وقتها هتكون حكمت عليّا بالموت انا بـحبـك يا دياب.
شهقة خفيفة صدرت عنها لتختفي سريعا ما ان احتواها دياب بين ذراعيه دافنا راسها في صدره وهو يضغطها اقرب من قلبه مرارا وتكرارا كلمتها بذهول هل اعترفت بالفعل وقالت احبّك!.
***
كان الجميع يجلسون في الاستراحة حتي تسال جلال بجدية:
– قولي يا راضي شوفت دياب وهو بيضرب عيسى؟
هتف راضي قائلا بتوتر:
– الشهاده لله لا يا بيه ، بس اني شفت و الاراضي بتولع ودياب بيه شايل على كتفه عيسى بيه وخارچ به بعيد عن النار وبيچري وزعج فيا وجالي اطلب الاسعاف بسرعه.
صاحت عديله بغضب شديد وقالت :
-طب طالما كان بيساعد عيسى كان بيعمل ايه في وجت كيف ديه هناك
انزلت فرحه وجهها في الارض بخجل ليقول جلال بحده:
-خلاص ياما كل حاجه هتبان اول ما يفوق عيسى والبوليس ياخد اقواله
***
فتحت ام العربي المساعده بالمنزل باب السرايا لتقول لتتفاجا :
– ست نادين كيفك وكيف احوالك
اجابت نادين بابتسامة خفيفه:
-ازيك يا ام العربي انا بخير, هو صحيح اللي حصل لي استاذ عيسى هو فعلا في المستشفى.
هتفت ام العربي بحزن:
– ايوه حصل يا ست نادين! وكلاتهم راحوا المستشفى
قالت نادين بزعل وهي تعطيها ابنتها وتين النائم علي كتفها:
-طب معلش يا ام العربي خذي وتين و نيميها في الاوضه بتاعتنا انا و زين وشوفي لي حد يوصلني لمستشفى اللي هم فيها عاوزه اروح ازورهم
هزت راسها ام العربي بطاعه وهي تاخذ ابنتها منها بحنان قائله:
– حاضر يا ست نادين هنادي لحد من الغفر اللي بره يوصل حضرتك للمستشفى
تقدمت اسيف منهم وقالت بهدوء:
– ممكن تاخديني معاكي انا كمان يا نادين عاوزه اروح اشوفه واطمئن
***
دخلت فرحه غرفه دياب وجلست امامه وقالت بخفوت:
-كيفك يا اخويا وكيف صحتك
اشاح دياب وجهه وعينه عنها وقال بتوتر:
– زين
-تعرف لما جالوا لي وسمعت ان عيسي چوزي اتصاب في حريج الارض و دياب اخوي هو السبب, جلت لا وعتبت نفسي جوي لما فكرت في اكده بيني وبين نفسي لحظه واحده.
قالتهـا وزفـرت بصوت مسمـوع، وداخلها شيء لا تستيعاب حتى الان ما كاد يحدث
قلق وخوف داخلها اصبحنا كالاشواك ينغـزان صلابتها وقسوتها التي احكم هو لجامها حول ترانيم الشكوك نـحـوه
اصبح يشعر دياب ان الهواء انسحب من حولـه حتى بات الاختناق من حديثها رفعت عيناها ببطء لتجد دياب كما هو صامت لتكمل بدموع :
-ما هي حاچه ما تخشيش العجل. باه اخوي اللي كان مربيني على يده واني صغيره ويعلمني الصح من الغلط ايه. يجتل برضه صعب!.
ضغط على يداه بقوة وعنف وهي تتحدث بصلابة تخفي خلفها ثوران مشاعره من غضب :
– بس اول ما دخلت الاوضه ودورت وشك عني عشان عينيك ما تجيش في عيني واني الشك بجي جويا من ثاني ، ما تسكتش جوم و زعق فيا ان شاء الله تضربني، بس جولي انتي كيف تشكي فيا بالطريجه ديه؟
بدات تهز راسها بهيستريـا وهي تخبره وسط بكائها الحاره ثم همست بحروف متقطعة :
-جولي اني مستحيل اعمل حاچه كيف ديه بس ما تسكتش سكوتك يجتلني يا دياب.
قالت بضعف:
– ما تخليهمش يشمتوا فيا اكثر من اكده
نظرت اليه بيأس وهو مازال صامت لتنهض للخارج حتي سمعت يردد بصوت مبحوح :
-حصل يا فرحه
تجمدت تقف مكانها تلوي ظهرها في اللحظة التالية. تتنفس ببطء وكان روحها ستُزهق وتسال السؤال الذي تعلم ان اجابته لن تُرضيهـا بل ستهدم شيءً وتزرع شوكًا قاسيًا داخلها. اكمل لها اخيرًا بعد صراع تغلب فيه بين العقل والقلب ليرد بصوت كان قاسي بالنسبه لها لكنه كان صوته حزين مخجل :
– مش ديه اللي كنتي رايده تسمعي؟ اني اللي جلت لعمي صلاح يحرج الارض وكنت خابر بالمعاد كومان! بس كنت موافج على حرج الارض بس انما جتل عيسي لا يا فرحه. ما جتلتش حد, واول ما عرفت ان عيسى محبوس في المخزن وهو محروج سبت كل اللي في ايدي وجريت الحجه سامحيني يا فرحه سامحيني يا بنت ابويا
اغمضت عينيها بقوه والدموع تنهمر منها بالم محاولاً السيطرة على انفعالها مما سمعته كانت صدمه كبيره بالفعل ان تعرف ماذا فعل اخيها من شئ محزن ومحرج، ثم غادرت الغرفـة وكانها تهرب من تواجدها امامه اكثر من ذلك. و تسير انهارت في وصلة بكاء عنيف تعبر عن الالم التي تشعر بها!
بينما دياب حاول يهدأ نفسه من الدموع الحبيسة في عينه مما فعله فقد ندم اشد الندم من موقفه امام اخته.
اكشف غطا وجهك ومزع القناع
بلا حكومة، بلا حكومة بى بطولة بلا بتاع
يااسمر يابو القلب الحديد
ياللى واجهت الموت ، فى كل اتساع
يااسمر يابو الوجه العنيد
يا مصرى ولحد النخاع
كله طلع كلام يا خال
والحال رجع تانى حال
اتارى الحرام هوه الحلال
واتارى الهدى هوه الضلال
شموا نفسهم من جديد .
والمرة دى بدمك انت يا بطل مع الاسف
عبد الرحمن الابنودي
***
كانت تجلس عديله في الاستراحة في المشفي بحزن علي عيسي, حتي تقدمت فرحه وجلست أمامها بقلبها المتحجرًا بانين مكتوم فيبدو ان الحظ اختار ان يصبح السكين البارد من نصيب فرحه لينغرز بمنتصف قلبها بقسوة من كم لحظات وصدمات عاشتها مريرة اليوم .
هتفت عديله بقسوة شديدة:
– انتي لساتك موچوده اهنه. اني فكرتك روحتي اكيد طبعا رحتي تطمئني على اخوكي والغلبان اللي چوه مش صعبان عليكي؟ مش كفايه مستحملك وانتي كيف الارض البور اكده وعماله تتعوجي عليا كل ما افتح امعاكي موضوع چواز عيسي ويجيب اخ لي صالح؟ حتي حته عيل حرماه منه مش جادره تجبيه ولا مخالياه يروح يتجوز عشان يكبر عايلته. ولا عشان هو اكمنه غلبان ومش عيتحدد امعاكي في الموضوع انما اوعي تفكري عيسي مش نفسه في عيل تاني لا هو ساكت عشان ما يضايجك بس انتي عماله تسوجي فيها يا بنت فاطمه.
اكملت بلهجة حادة والدموع تسيل على وجنتيها:
-لا و كومان اخوكي دياب رايح يجتله يا شيخه حسبي الله ونعم الوكيل فيكي وفي اخوكي، ديه اللي كان مفكره صاحبه وعشره عمره، وعيصون العيش والملح
أكملت عديله حديثها بحرقه قائله بحزن عميق: -اخرتها اكده, راجد على السرير وبين الحياه والموت. بس جسما بالله العظيم لو عيسي چراله حاچه,مش عتكفيني راحه حتي.
نظرت فرحه لها ثم همست بحروف متقطعة بشكل هيستيري مرددة :
– وحياه اغلى حاچه عندك يا مرات عمي تهمليني في حالي, اني اللي فيا مكفيني سيبوني في حالي بجى. كيف ما انتي زعلانه علي ولدك و ديه حجك اني كومان حجي ازعل على اخويا وچوزي. اذا انتم محروج جلبكم على واحد اني محروج جلبي على الاثنين. و ديه حجي كيف ما هو حجكم
ثم امسكت يداها بعنف تضعها على قلبها وهي تقول شبه منهارة :
– لو رايده تحرجي جلبي وتشوفيني موچوعه. فحطي يدك اهنه وشوفي جلبي عامل كيف بيرتجف من الالم وروحي عماله تنازع جوه.
ثم تعمقت النظر لعيناها المتحجرة بالدموع واكملت بصياح الذي يحمل لونًا واضحًا من الالم والسخط خلفه :
-عيني بجت عامله كيف الحجر من كثر اللي بيفرجوني يا مرات عمي جلبي ساكت بس حابس جواها روح بتنهار كل ليله .
ثم تركت يداها فجاه لتبكي بانهيار واجتمع الجميع علي صوتها ومن ضمنهم زين الذي اشفق علي حال فرحه بشده و كانت عديله صامتة. تحدق بها بشفقة حقيقية والحزن يستوطنها بتلقائية على تلك المسكينة
ابتعدت فرحه عنها و كانت تحدق في الفراغ وعيناها تنطق بالف كلمة وكلمة ، وفجاة سمعت صوت عديله وهي تهتف بصوت خالي من التعابير متسائلة :
– هو دياب حصلله حاچه, مش بيجولوا بجي زين
تطلعت فيها فرحه حينها بعيناها الحمراء، و حينها فقط ظهر جرحها غائر اكثر مما توقعت ، لكن لم تتوقع ان بعد كل ذلك تسال عديله عن دياب، اخر سؤال قد تساله حماتها عنه وهو السبب في قتل ابنها لكن اشفقت عليها حقا ولا تعرف ماذا اصابها.
شعرت ان عديله ترتدي قناع جديد ، قناع من الحنان يخفي كل بواطن الروح! لتقول بصوت منخفض:
-لا زين
حينها رفعت عديله عيناها لملامحها المتالمه وهي تخبرها هامسة بصوت جامد قبل ان تفتح يدها لها بجمود :
– تعالي مش عفضل فاتحه يده كتير بس اوعى تفكري انك اكده صعبتي عليا
بينما هي تعلقت بنظرات عديله الجامدة. ولكنها مهزوزة:
– ولاه سامحتك .ااا لا دي حاچه ودي حاچه تانيه!
قبل ان تكمل حديثها اترمت فرحه بحضنها تبكي بهستيرية لانها بحاجة الى ذلك الدافئ والحنان, ومهما كان يكن .
***
دلفت نادين الاستراحه متعجبة من تلك الاصوات البكاء : زين هـ
ولكن فجاة صمتت وهي تشهق بعنف عندما اخترقت صورة زين يجلس بجانب لوحده يبكي لتركض تجاهه وهي تصيح باسمه بفزع حقيقي لا يحتل الا جوانب خوف حقيقية :
– زين ، في ايه؟
حينها نظر اليها وهمس زين بصوت يكاد يسمع : -نـادين.
بعد ثواني جلست بجانبه وهي تهبط لمستواه لتضع يدها على وجهه تمسح دموعه وهي تردد بصوت مبحوح :
– زين مالك بتعيط ليه؟ اا هو عيسي جراله حاجه
هز راسه بنفي وهو يتنفس بصوت مسموع قائلا: -لا الدكتور قال ان النزيف وقف الحمد لله, و لو عديت على حالته الـ 24 ساعه اللي جايين على خير هيبقى عدي مرحله الخطر.
تنهدت نادين براحه و تساءلت بتردد:
– الحمد لله ، طب مالك بقي ان شاء الله هيفوق وهيبقى كويس؟
هتف وسط دموعه هو بالم وهو يقول بحزن علي اخيه :
– صعبان عليا اللي حصل لعيسى، حتي ماما مش مبطله عياط وجلال بيحاول يتماسك بس مش عارف هو احنا ايه اللي حصل لنا ليه حالنا اتشقلب كلنا كده.
وبمجرد ان بدا زين يبكي بصوت مسموع لتتقدم بتلقائية وهي تحتضنه بلهفة :
– استغفر ربنا يا زين,ده امر ربنا يا حبيبي. وبعدين كل حاجه هترجع زي الاول واحسن ما تقلقش انت شيل اي افكار سلبيه من دماغك
ضمها اليه هو الاخر بسرعه وعض علي شفتاه السفلية وتشدق بعبث متحسرًا :
– تفتكري يا نادين، انا صعبان عليا اللي وصلنا لي حتي دلوقتي عمال الوم نفسي لما زعقت له ساعه موضوع طلقنا قلت له انت ظالم
كان راسه داخل حضنها وهي تمسد بحنان علي كتفه حتي توقفت يدها فجاه عندما قال اخر جمله, عقدت ما بين حاجبيها وهي تحدق به متسائلة بصمت نفسها معني ذلك حديثه كان حقيقة وهو عاد لاجل حزن اخيه عيسي و والدته، ليس كما كانت تظن عاد لاجل ارض اخيه جلال.
***
تقدم جلال بعد عودته ولاحظ اسيف بجانب فرحه ووالدته بعد عودته من مصلى المشفى حيث كان يصلي هرع اليها جلال ما ان وقعت عيناه عليها، امسك بمرفقها وابتعد بها عن والدته وفرحه، وهمس لها بقلق:
– خير يا اسيف ايه اللي جابك؟
زفرت بضيق وقالت:
-يعني ايه اللي جابني يا جلال؟جيت عشان لازم اكون مع فرحه في وقت زي ده ، وما ينفعش كلهم يجوا اللي انا
ثم قالت بتردد:
– وبعدين كنت عاوز اطمئن علي عيسي اخوك و اطمئن عليك انت كويس؟
نظر لها بحنان علي اهتمامها وهو يحرك راسه والحزن قد حفر معالمه في وجهه ثم قال بحزن: -انا مش مصدق لغاية دلوقتي اللي حصل، ربنا يسترها
قالت اسيف بنبرة حنونه:
– ربنا يسترها عليه، هيقوم بالسلامة ان شاء الله, بس لازم كلك تشدوا حالكم
جلال مؤمنا على حديثها:
– ونعم بالله انا عندي يقين كبير اوي بربنا، هو انتي جيتي ازاي هنا صحيح؟
أردفت اسيف:
– جيت مع نادين مرات اخوك. في غفير وصلنا هنا.
حانت منها دون قصد نظرة الى زين الذي مولي اياه ظهره ذلك الذي يقف مرابض امام غرفة العمليات بينما تقف نادين بجواره والدته،وصوته جلبة جذب انتباهه انها استمعت الي هذا الصوت من قبل لكن لم تتذكر؟
ثم هتف جلال بجدية: زين، يلا روح امك وفرحه و اسيف ومراتك كفايه كده، وانا هفضل هنا واطمنكم اول باول
التفت اليه زين بتلقائية لتتسع اسيف عيناها بصدمه هامسة: زين.
انزل عيناه زين بسرعه بضيق شديد ما ان هتف جلال بحديثه حتى فوجئ الجميع بعديله وهي تنحني تجلس في مكانها, قائله بنبرة قويه وباصرار:
– انا مش ها اخطي خطوه واحده من اهنه من جدام العمليات غير لما الدكاتره يجولوا ان اخوك بجى بخير ونخدوا معانا . فاهم منك ليه؟
زفر جلال بعمق وياس فهو يعرف عناد واصرار عديله جيد ثم انتبه جلال لدموع فرحه الصامتة، ليربت على كتفها فرفعت عينيها الذابلتين اليه فقال بابتسامة صغيرة وهو يمسح دموعها بابهامه:
– فرحه امشي مع زين وانا هاتصل بيكي كل يوم وهقول لك حاله عيسي
هزت راسها فرحه برفض تاما وهي تمسح دموعها, ليقول جلال بحده:
– فرحه يلا هتروحي يعني هتروحي حتى لو بالغصب.
تطلعت فيه بدهشة فهذه اول مره يعلي صوته عليها بهذا الطريقه وامام الجميع, كم المها واشفقت علي حالها تطرد بالقوه من جانب زوجها وهي احق واقرب شخص له من المفترض تكن جانبه, لترحل مع زين بهدوء.
***
بـعـد يـوم كـامل.
قال ماهر متسائلا بقلق:
– هو ممكن يا ابوي حد يجيب اسمنا في حاچه ونسجن, انا قلقان جوي من دياب
هز راسه صلاح هاتفا بجدية:
– ما هو لو چاب اسمنا في حاچه مش عيتسجن معنا هو كومان اياه, طب اياه يچيب اسم حد فينا بس، واني ساعتها مش عاسكت وعجول ان هو اللي حرضنا وعمل كل حاچه وهالبسه الليله كلاتها لوحده
هتف ماهر بخوف:
– ما المشكله انا اللي هلبس الليله لوحدي عشان انا اللي حرقت الارض, انا قلقان قوي انت مش بتقول دياب اول ما سمع ان عيسى بيموت جرى فط رمح كيف الخيل، يبقى شكله حن لي رفيق عمره كيف زمان.. انا قلقان ليكون حد كمان شافني
صلاح بغضب مكتوم:
– ما ديه اللي حارج دمي، انه رچع يحن من ثاني لعيسي ,وبعدين بطل رط كيف الحريم, اني عاشيع حد للمشفى يسال عنه وعن عيسي
***
دلفت اسيف الى جناح عيسي وهي تحمل صينية بها كوبا من عصير المانجو وشطائر، وضعته على الطاولة الصغيرة التي تجاور الفراش الذي تجلس عليه فرحه، كانت فرحه ترقد مولي اياها ظهرها، جلست اسيف فوق الفراش بجانبها ومدت يدها تمسد كتفها وهي تقول بحنو:
– فرحه حبيبتي انتي ما اتغدتيش ولا فطرتي قومي اشربي كوباية المانجة دي انا عملتها لك بايدي وكوليلك حاجه معاها
اعتدلت فرحه في مكانها وجلست تضم ركبتيها اليها وقالت وهي تنظر الى اسيف بشبح ابتسامة تحمل حزن بين طياتها:
– تسلم يدك يا خيتي ، بس تعبتي نفسك على الفاضي ماليش نفس
زفرت اسيف عميقا ثم قالت:
– وبعدين يا فرحه ما ينفعش كده يا حبيبتي، من ساعة ما جينا من المستشفى امبارح وانتي لا اكل ولا شرب، كده غلط عليكي ، لو علي موضوع عيسى ان شاء الله هيفوق ويقوم بالسلامه, بس قعدتك كده من غير اكل مش هتفيدك بحاجه بالعكس هتتعبك اكثر
نظرت فرحة بعتاب الى اسيف وقالت:
– ديه جوزي مش رايداني ازعل عليه زيهم ولا ايه؟ مش كفايه طردوني وخلوني اسيب المشفى غصب. ولا فاكره اني ما ليش جلب وجلبي حچر! بس معكم حج، صحيح واني ليا عين ازعل علي جوزي واخويا السبب في راجده دي
قالت اسيف بنبرة هادئة:
– اول حاجه ما اسمهاش طردناكي, اسمها خلاكي تمشي عشان يريحوكي, وبعدين وقفتك هناك مش هتحل حاجه.
قالت وسط شهقات بكائها الخافتة:
– برده اللي اعرفه ان الست مطرح ما يروح چوزها تبجى جاره تحت رچله
قالت اسيف بابتسامة خفيفه:
– للدرجه دي بتحبي؟
تطلعت فيها فرحه والتي شعرت معها بالراحة وكانهما يعرفاها منذ زمن, قالت فرحه وعيناها الزرقاء تلمع بينما ارتسمت ابتسامة حزن على شفتاها المكتنزة لتظهر غمازة خدها الايمن بارزة بوضوح:
– احبه بس اني باعشجه! ديه هو سندي في الدنيا بعد ابويا الله يرحمه ، هو عشجي الاول والاخير، هو اللي علي طول يطيب بخاطري كل يوم وكل ساعه وكل دجيجه، هو اللي نظره واحده منه بس بسرح في الدنيا بحالها بيها، هو اللي مستحمل جناني وعنادي معاه!
ابتسمت اسيف بتاثر علي حديثها, ولمعت عيناها فرحه بحب عميق ما ان همست قائله بدموع منهمره بمرارة:
-عيسي ، ديه نفسي اللي ما اجدرش اعيش من غيره دجيجه واحده، اجول لك على سر ما حدش يعرفه، اني بحب عيسى من اول ما فتحت عيني على الدنيا ديه، صحيح عمري ما جلتله اكده حتى بعد جوازنا!
دلفت نادين ونظرت اليها فرحه واسيف لتجلس جانبهم وتكمل فرحه قائله بدموع :
– ولا حتى لما اتجوزت اني كومان ما بطلتش تفكير ولا طلع من جلبي، بس رچعت انبت نفسي جوي و جلت ما ينفعش افكر في واحد غير جوزي طالما بجيت على ذمه واحد ثاني؟ وحاولت اقنع نفسي ان اني نسيته، بس لما سمعت اني اتجوز ورد بنت خالته, اتوجعت جوي.
صمتت وابتلعت ريقها بصعوبة شديدة ولم تقاوم هذا الشعور بالم وقتها, وهي تمسح دموعها بابهامها:
-بس شيلت الحديد ديه من راسي وحاولت اعيش مع ماهر و اتجي ربنا فيه, بس لما امي الله يرحمها طلبت من عيسى يتجوزني, صرخت ورفضت عشان ما تدنيش امل وتفتح في الجديم من ثاني.
ابتسمت وسط دموعها الشديد المنهمره:
-وكبرت وانى خابره انه ديه جسمتي ونصيبي, بس اوعاكو تفتكروا اني اتزوجت عيسي ساعتها غصبانية لاه كنت راضية، مفيش حد يعرفه الّا ربنا رايد لي ، عيسي ساعتها سالني بعد موت امي لو رايده تطلجي يا بنت الناس اني مش عيغصبك على حاچه؟ ولو رايده تعيشي معايا وتربيلي صالح وتعتبري كيف ولدك برضه براحتك, الراي رايك انتي لوحدك.
همست بنبرة صادقة و أعين تلمع كاحجار كريمة بعشقٍ خالص:
– مجدرتش ساعتها اصرخ واجول له بتخيرني بحاچه كانت نفسي تحصل من زمن, بس بعد ما اتجوزنا جلتله اللي اني حبيته جوي. هو صحيح عمره ما جالها لي؟ هو كومان بس اني ساعات بشوفها في عينه
– كفاية حنيته وطيبته, كفاية خوفه عليا وعلى مشاعري لما حد يجول له معاشر واحده مش بتخلف ليه؟ دايما بيجف جنبي وما يرضاشي لاي حد يجولي اجلَّها كلمة تزعلني, حتى اخوي الكبير دياب, لما يلاجيه متعصب مني جوي عشان اتجوزت من وراء, هو وضاحي كان يجف لهم حتى امه رغم انه بيسكت علي حديدها معايا و زعيجها بس اني متاكده انه بينه وبينها بيحاسبها ويجول لها ملكيش دعوه بفرحه. لانه عارف اني مش بحب الخناج وكتر الحديت
دمعت عيناها اسيف و نادين وهو يسمعوا ذلك التصريح عن الشامخ، عن عيسي ذلك الرجل ذو المهام الصعبة كما لقبته نادين منذ ان تزوجت زين وهي تراه يحل دائما كبيرة وصغيرة، اما اسيف كانت تراه كالطود الشامخ. قلبه قُدّ من حجر. لا تتذكر انه قد سبق لها ولمحت ابتسامة له ولو عابرة، كانت تتعجب حينما تتحدث عنه فرحه واصفة رجل غاية في الرقة مع محبوبته، وكيف انه لا يتحمل حزنها او غضبها. كانت تظن فرحه تبالغ في وصفها له ولكنها الان وفي هذه اللحظة تيقنت من وصف زوجته عنه ان رجل بمعنى الكلمه
مسحت نادين علي كتفها بحنان وسط حزنها الشديد عليها وعلي عيسي. أوقفت اسيف دموعها متاثر بحديثها وذلك العشق التي تتحدث عنه كم تنتمي مثله.
-عرفتوا ليه ما اجدرش استغنى عنه؟ عرفتوا ليه مش جادره احط لجمه في جوفي من غير ما هو جنبي
كادت ان تتحدث و لكن بصرها قد تعلق على تلك الصور التي تجمعها سواء ويقف صالح بالوسط. تلك النظرة تعرفها، تلك الابتسامة تعشقها ، وذلك الوجه المالوف لن تخطئه في عشقها.
يا صبور الصبر واعر
للدماغ وللمشاعر
قلبى ندل وحزنه داعر
ليتنى ما كنت شاعر
كنت افلت من الكمين
صرختى بتموت فى همسي
ليتنى ما غادرت امسي
ليتنى ما صاحبت نفسي
ليتنى ضميت خوامسي
يوم ما اقسمت اليمين
يا قمر عاشنى فى “يافا”
واتقتلنا فى “دير ياسين”
يا قمر
خدته ليافا
خدنى هوه لدير ياسين
“عبد الرحمن الابنودي”
***
كان زين يجلس اعلي الفراش ويضم ابنته وتين يحاول اشغال نفسه حتي لا يفكر في حاله عيسي حتي دلفت نادين واحضرت صينية الطعام لتضعها بجوارهم فوق الفراش وتقول وهي تكشف الاطباق:
– زين قوم يلا يا حبيبي عشان تاكل حاجه قبل ما ترجع المستشفى ثاني
ابتسم زين ابتسامة صغيرة :
– تعبتي نفسك ليه يا نادين ما ليش نفس لاي حاجه
هزت راسها برفض وقالت بلوم:
– لا ما هو مش هينفع كده هو انتم كلكم هتصوموا علي الاكل ولا ايه وبعدين لازم تاكل حاجه عشان تعرف تصلب طولك مع اخوك جلال و والدتك
عقد حاجبيه متسائلا:
– ليه مين ثاني مش راضي ياكل انا بجد ما ليش نفس يا نادين
مالت عليه ناظرا في عينيه وهي تضع الملعقة امام ثغره الوردي فتحها تلقائيا لتدفع بها الى داخل فمه وهي تهمس بينما تتقد عيناه بشرارات من نار جعلت الدم يجري ساخنا في اوردته كالعسل الدافئ:
– انا وبنتك مش راضيين ناكل غير معاك. مش صح يا وتين
هتفت وتين بصوت رقيقه جعله يلين بسهولة :
-ايوه يا بابي لازم تاكل
ابتعد عنها بعد برهة بتوتر لينظر الى عينيها وهو يهمس بين فحم عينيه المشتعل:
-احم طب تكلي معايا انتي و مامي ماشي يا وتين
– حاضر يا بابي
هزت راسها لهم مبتسمه نادين لتقرب صينية الطعام قائلة:
-يلا خذوا
***
وضعت اسيف كوب الحليب اعلي الطاولة بداخل المطبخ لتسال نادين التي كانت تطعم ابنتها قائله بزعل علي فرحه:
– برضه ما رضيتش تاكل حاجه
جلست اسيف جانبها بضيق قائله بحزن:
– مش راضيه خالص تاكل ولا تشرب كل ما احاول معاها ما ترضاش، تقولي اللقمه هتنزل في بطني زي السم عشان عيسي مش موجود. هو ما حدش اتصل من بره وطمنا انا اتصلت بجلال من شويه بس ما ردش تلاقي ما سمعش التليفون
اجابت نادين قائله:
– انا من ساعتين كلمت زين، هو قالي الوقت اللي حددوا الدكتور لسه ما عداش وفاق المفروض يعدي 24 ساعه يوم كمان يعني.
اومات براسها بالإيجاب بتفهم لتقول بدعاء:
– ربنا يصبرهم كلهم و يفوق علي خير ربنا يستر احسن فرحه قاعده على اعصابها حاسه لو جراله حاجه لا قدر الله فرحه هتروح وراء
نظرت اليها نادين مؤيده حديثها قائلة:
– اكيد يا اسيف، اللي بيحب مش ممكن يتصور حياته من غير اللي بيحبه، يتمنى انه هو اللي يجراله اي حاجة بس حبيبه يفضل بخير، وحتي الهواء ما يلمسوش، وفرحه بتعشق عيسي اوي.
لتسأل نادين بتردد:
– انتي عمرك حبيتي قبل كده يا اسيف؟
تطلعت فيها بدهشة وتعجب وهتفت مستنكرة:
-احب مستحيل طبعا
عقدت نادين حاجبيها متسائلة:
– ليه؟ ما له الحب؟
اسيف بجمود:
-مجرد كذبه مش اكثر؟ عمري ما اقتنعت بي ولا حتى بامن بيه.. و لو حصل مش بيجيب لصاحبه غير الوجع والالم وبس!
تعجبت نادين من طريقه حديثها قائلة بقصد:
– ومين بقى اللي خلاكب تاخدي الفكره الوحشه دي عن الحب. حبيتي قبل جلال وطلع ما يستاهلش
اسيف بجفاء:
– اولا انا مش بحب جلال! وجوازنا مجرد جواز صالونات مش اكثر وثانيا انا ما حبتش في حياتي كلها ولا مره واحده حتي
استنكرت حديثها وهي تتذكر الصورة التي رسمها لها زين ونظراتهم لبعض يوم كتب الكتاب, ثم قالت نادين بفضول:
– امال اللي خلاكي تتكلمي بالفكره دي عن الحب؟ ما اكيد في سبب؟ لو مش حابه تقولي لي انتي حره
اسيف بعدم اهتمام:
– مش لو في حاجه عشان اقول لك؟ الموضوع مش كده يا نادين بس انا حقيقي عمري في حياتي كلها ما حبيت ومش لازم يكون في سبب ولا حاجه عقدتني من الحب كل الحكايه شايفه من التجارب اللي حواليا ومش عاوزه ابقى زيهم. عند اذنك هروح اتصل بجلال ثاني عشان اشوف لو في اخبار جديده! اطمن فرحه
اطلقت نادين تنهيده طويله بعد رحيل اسيف, لا تعرف ما هي الحقيقة الكامله من علاقه زين واسيف في الماضي؟ الاثنين ينكرون دائما ان يوجد علاقه في السابق؟ والصور التي محتفظ بها حتى الان زين ماذا عنها؟
***
قـويـه الـنـفـس
عملت حويط !
وجامد قلبي زي الحيط
وخبيت الدموع اللي جوايا .
وقولت اكيد !
في يوم لما هحتاجهم
هلاقي حد ويايا .
وفي الاخر
طلعت عبيط !
وسرقوا مني احلامي
وكسروا بخاطري من تاني
واخدوا عمري وشقايا.
***
وضع جلال صينية تحمل كوبا من الشاي بالحليب ومخبوزات فوق طاولة صغيرة بجانب والدته عديله التي رفضت ان تترك المشفي حتي يفيق عيسي, فقد خصص جلال لها غرفه خاصه حتي تقيم بها، قال بهدوء وهو يجلس بجوارها:
– اتفضلي ياما انتي على لحم بطنك من صباحيِّة ربّنا كُلّك جرجوشتين مع كوباية الشاي ديْ
زفرت عديله بعمق ثم نظرت الي ابنها وهي تقول مهموما:
– كيف عاوزاني اكل ولا اشرّب حتى وروحي مش معايا؟ وخيك عيسي فيه اللي فيه ديه؟.
حاول جلال حبس دموعه هاتفا بابتسامة:
-اكده يا عديله يعني عيسي بس اللي روحك وانا وزين وحشين
عديله بحزن شديد وقد لمعت عينيها المغضنتين بالدموع:
– كلاتكم عيالي وجلبي وروحي وعجلي وكل اللي ليا في الدنيا, بس عيسى ابويا مش ابني. وموت الاب بيكسر الضهر يا چلال يا ولدي, واني مش رايده تتكسر ظهري, وابجى من غير سندي في الدنيا ديه من غيره …
____
حاول جلال حبس دموعه هاتفا بابتسامة:
-اكده يا عديله يعني عيسي بس اللي روحك وانا وزين وحشين
عديله بحزن شديد وقد لمعت عينيها المغضنتين بالدموع:
– كلاتكم عيالي وجلبي وروحي وعجلي وكل اللي ليا في الدنيا, بس عيسى ابويا مش ابني. وموت الاب بيكسر الضهر يا چلال يا ولدي, واني مش رايده تتكسر ظهري, وابجى من غير سندي في الدنيا ديه من غيره …
اكملت عديله بمرارة:
– اني حاسة كيف ما اكون بحلم، لاه ديه مش حلم ديه كابوس ولعاذ بالله ليه كل اللي حوصل ديه؟
جلال باسف:
-خلاص ياما عشان خاطري كفايه اللي بتعمليه ده مش حل وما تتعبيش نفسك وتتعبينا معاكي اكثر من اكده
قالت عديله بحزن بين طياتها:
– اللي مجطّع جلبي تجطيع؟ ان اني كنت فاكره ان هو اللي عيحضر دفنتي وعزايه, مش اني اللي.
قاطعها جلال بحده والدموع تنهمر من عينيه بوجع ويحضن عديله بقوه:
– بس ياما ، متكملهاش عيسي هيعيش ان شاء الله
***
استمعت فرحه الي دقات هاتفها حيث كانت بجانب صالح تحاول التخفف عنه وتواسيه لاجل والده, لتنهض تجيب: الو
– ازيك يا فرحه عامله ايه؟
عقدت حاجبيها متسائلة: مين معايا؟
-طب نسيتي نمرتي وقلنا ماشي لكن ما معقول مش فاكره صوتي, ايه صوت حبيب القلب عيسي كفايه عليكي. انا ماهر يا فرحه جوزك وحبيبك
اتسعت عيني فرحه بدهشة قائله بحده:
– جوز مين؟ انت اتخبلت في مخك ولا چرالك حاچه؟ اني چوزي عيسي بيه كبير البلد كلاتهم و العمده وبس.
صاح ماهر بغضب وغيره:
– وانا كنت بالنسبه لك ايه يا فرحه؟ كنتي بتضحكي عليا طول السنين ديه وانتي مقضيها مع البيه من ورايا
قالت فرحه بانفعال:
-انت بتقول ايه يا مچنون انت؟
ماهر بسخرية هاتفا بحده:
-امال اللي يخلي واحده محترمه بعد طلاقها وعدتها بيوم واحد بس تتجوز على طول اكيد كنتي مستغفلاني انتي وهو. بس والله العظيم يا فرحه لا اندمك على الجواز من عيسى، عيسي يا فرحه ملقتيش غير ابن عمي ،وعلى اكده بجى عملتي جوازي الثاني حجه عشان تطلبب الطلاق. ما تــردي سـاكـتـه لـيـه؟
– الحديد دي ميتردش عليه الا بحاچه واحده بس يا ماهر.!
اغلقت الهاتف بوجه قبل ان تسأل عن شئ اخر, مما اغضبه والقي الهاتف في الارض بانفعال.
***
في يوم جديد نهضت فرحه بقلق شديد فهي لم تنام ساعه واحد من الخوف علي زوجها, عضت علي شفتاها السفلية وتشدقت بحسرة علي حالها:
-لا انا مجدراش استنى دجيجه واحده كومان, اني عاروح المشفى واللي يحصل يحصل
بعد فتره طويله، دخلت فرحه الي غرفه عيسي بالمشفي ونظرت اليه بخزع وقالت بحزن عميق:
– مش ناوي تفوج بجى يا ابن عمي! اتوحشتك جوي.
وكانه اخترق صوتها تناهى الى مسامعه من خلف الغيوم التي تلف عقله في الغيبوبه، كلماتها جعلته انتشل بنبرة صوتها المترجية من غيابه في نومه العميق ليرمش باهدابه عدة مرات قبل ان يفتح عينيه، دار يحدق يمينا ويسارا حيث استقر شيئا فشيئا حتى توضحت تماما الصورة, ليقول بابتسامة شاحبة وصوت ضعيف واهن:
– فـ. فيــ فرحه!
رفعت عينيها بلهفة غير مصدقا لما تراه, قالت وهي تميل عليه ممسكا بيده:
– جلب وعجل فرحه اني اهنه يا حبيبي, اني اهنه يا عمري كله
لتغمر يده بعدة قبلات علي ظهره وباطن يده بحب:
– سلامتك يا ابن عمي ان شاء الله اني وانتي لاه.
ابتسم عيسي لها وهمس بضعف:
– بعد الشر عليكي يا فرحه, اتوحشتك يا فرحه
تنهدت فـرحـه من اعمق اعماق قلبها بحرقة هاتفه بشهقة ضعيفة:
-وانا كومان اتوحشتك!
فقطب حاجبيه وهمس بتساؤل وهو يرفع يده بضعف الى عينيها:
-ليه الدموع ديه! عتبكي ليه يا فرحه؟ ما اني زين جدامك اهو, شكلك كنتي عتبكي كتير جوي يا فرحه عينيك حمراء كيف كاسات الدم
نظرت اليه وأردفت بعينين تغشاهما غلالة رقيقة: -واااه هو اني عندي حد اغلي منك؟ عشان ما مبكيش عليه ده اني كيف اللي روحه رديتلي؟ اني من غيرك ما جادرش اعيش. انت روحي يا عيسي
همس بحب:
– دموعك غالية جوي عليا يا بنت عمي متنزلش على حد واصل حتى لو كنتّ اني
ابتسمت فرحه لتهتف من اعماقها براحه شديده:
-فداك دموعي وروحي كلاتها انت اغلى من الدموع ديْه ،اغلى من روحي ذات نفسيها كومان
بدا عيسي يحاول الجلوس وهو يتاوه مغمضًا عينـاه الى ان جلس بالفعل، فتنهد بارتياح وكانه قد فعل شيء عظيم, متسائلا:
-هو انا بجى لي كثير في المشفي
هزت راسها قائله بابتسامة:
– لاه ديه هم كلاتهم يومين بس!
ليقول عيسي بمرح الذي يداري المه بذلك بضحك خافته:
– امال مالك محلوه اكده ليه؟ كان عدي سنين وخراط البنته خرطك من تاني. ولا انتي في العادي بتحلوي كل يومين
عضت فرحه شفتاها بحرج مبتسمة ابتسامة واسعة:
– انت الظاهر الخبطه اثرت على مخك, اني عاروح ابلغهم انك فوجت عيفرحوا جوي كلاتهم بره مستنينك تفوج من بدري
زى المسمار القلاووظ
قصير وتحس انه قصيٌر اكتر
لما يقوم
اسمر و كانه قديم
الدم صعيدى ما زال
الوش الحامى والقول
صادق من القلب
وعمره ما كان كذاب
او معمول
“عبد الرحمن الابنودي”
***
في المشفي امسك زين يد عيسي وهو يبكي قائلا: -وحشتني اوي يا عيسي حمد لله على سلامتك
واقترب جلال يقبل اليد الاخر و راسه هاتفا بارتياح شديد:
-حمد لله على سلامتك يا اخويا بركه ان قمت بالسلامه.
ثم ادمع قائلا بصوت حزين:
– مش عارف لو كان بعد الشر جرالك حاجه كان هيحصل لنا اي من غيرك يا عيسى.
نظر اليهم عيسي بحزن ثم صاح بغضب شديد مصطنع:
– في ايه عمالين تبكوا كيف الولايا اكده ليه شكلي كنت طول السنين اللي فاتت كنت باربي في حريم مش رچاله, سبتوا ايه للحريم ايه اللي بتعملوا ديه, وبعدين اني كنت عامل اجوى فيكم عشان في الاخر اول ما اتعب شويه تعملوا اكده
مسح دموعه جلال وقال:
– في ايه يا عيسى مش عاوزنا نزعل عليك هو احنا عندنا حد اغلى منك
هتف زبن بحزن عميق:
-عيسى احلف برحمه ابوك انك مش زعلان مني لما قلت عليك ظالم وبجحت فيك
تنهد عيسي قائلا بنفاذ صبر وحاده:
-عارف يا زين لو جبت سيره الموضوع ديه ثاني عاعمل فيك ايه عسفخك كف على وشك وانت كيف الشحط اكده, ما خلاص عاااااد كفاياكم ديه اني كنت موت احسن
هتف جلال و زين في نفس واحد: بعد الشر
لينفتح الباب بقوه وتدلف فرحه وهي تسند عديله التي ابعدت يدها وركضت بلهفة وسعاده كبيرة تحضن عيسي :
-يا حبيبي يا جلب امك. وحشتني يا عيسى, اكده يا عيسى رايد تهملني في نص الطريج لوحدي, هو احنا مش جلنا كيف ما ابتدينا سوا هنروح سوا
حاول عيسي اسناد امه جانبه بمساعدة اخواته, وحاول رغم الالم احتضنها قائلا بعتاب:
– بعد الشر عليكي ياما ان شاء الله اني وانتي بخير اني زين يا حبيبتي ما تجلجيش عليا
ادمعت عينيها بالم وهي تقبل وجهه بين يدها بلوم:
– اول ما سمعت الخبر جولت لازم اصلي ركعتين شكر لله الاول وبعد اكده اجيلك. الحمد لله انك رچعتلي ثاني
ابتسم عيسي وقال بحب:
-اهدي اماااال يا عديله العمر لسه فاضل فيه, عمر الشجي بجي. امال لو كنت فرجت مع الحبايب كنتي هتعملي ايه
قالت عديله بحزن عميق وصدق:
– كنت رحت بعدك يا ولدي
***
دخل دياب بتعب شديد من الخارج فا هو منذ يومين في القسم حتي تم الإفراج اليوم, هرول اليه ضاحي متسائلا بقلق:
– دياب اخيرا سابوك, ايه ما لجوش عليك حاچه صوح مش عترچع ثاني للجسم
تطلع فيه مطولا ثم هتف بندم:
– لا خلاص ما تخافش ما حدش هيطلبني ثاني, اصل خلاص عيسي فاج و جال اجواله.
ضاحي يصعق:
– ايه! عيسي فاج, واعترف علينا ولا ايه
ابتسم دياب بسخرية هاتفا بغضب من نفسه:
-وهو لو كان اعترف علينا كان زماني دلوج اني وانت جاعدين في الدار لحد دلوج. عيسى برانا يا ضاحي! بعد كل اللي عملناه فيه ولساتنا بنعملوا لساته برده محافظ على صله الجرابه اللي ما بينا
تنهد براحه وقال بحده:
– و يعني هو اللي ملاك يا دياب, ما هو واكل حجنا واحنا مش عارفين ناخذ منه لحد دلوج حج ولا باطل ولولا اللي عملوا ماهر وعمك صلاح هو ديه اللي كان عيجيب لنا حجنا منه.
صاح دياب بنبرة حادة قائلا بانفعال:
– جصدك اللي كانوا هيودينا في داهيه و استخبوا كيف الفئران على جحورهم، تجدر تجول لي ماهر وعمك صلاح فين لحد دلوج. اول ما عرفوا ان فيها نيابه وحكومه, هربوا وسابونا احنا! نشيل الليله كلها لوحدنا مش ديه اللي حصل ولا اني بكذب؟
نظر ضاحي اليه بتوتر وصمت فهو محق ماهر و صلاح لم يظهروا حتي الان, وقال :
– معاك حج يا اخويا عشان اكده المره الچايه لازم نفكر زين جبل ما نعمل حاچه
دياب باستهزاء:
– ديه لو فيها مره ثانيه
ضاحي بحده:
– قصدك ايه يا دياب هنسيب حجنا, من اول واجعه
هتف دياب بنبرة حادة مقصودة :
– اوعي تفتكر عشان الحكومه سبتني يبجى مش شاكين فيا, واي خطوه عنعملها ثاني او بعدين احنا على طول اللي عيتشك فينا رايد تعمل حاچه وتروح السجن اتفضل انت حره
***
بـعـد عده ساعات.
في السرايا خرج عيسي من المشفي بعد اصرار شديد منه, وجلس علي الفراش بمساعده جلال و زين ثم هتف عيسي بتلك العبارة بحنق قائلا:
-ماتشلوني احسن هو اني خلاص اتشليت ماتهملوني واني اعرف اجعد لحالي
قالت عديله بلهفه:
– بعد الشر عليك يا ولدي هما بس خايفين عليك وبيساعدوك
اعتدل عيسي بتافف ووضع جلال الوساده خلفه واقتربت فرحه تساعده حتي قال جلال:
– الف سلامه عليك يا اخويا قولي يا عيسى هو مين اللي عمل اكده فيك؟ ولما الحكومه سالتك قلتلهم ايه، انت خرجتني كلاتني بره، انا عاوز اعرف اللي حصل بالضبط
نظرت عديله الي فرحه التي توترت بشده قائله بسخرية:
– وهي فيها قول؟ ما اللي عمل كده معروف.
زين بجدية:
– عيسي لو دياب هو اللي عمل كده فعلا قول للحكومه وهي تتصرف معاه, عشان نخلص الموضوع ده خالص.
اضطربت فرحه بخوف واضح علي اخيها, و تطلعت الى زوجها عيسي تبتلع ريقها بصعوبة شديدة ثم نهضت لترحل للخارج باحراج من الجميع, لكنه اوقفها صوت عيسي قائلا بنبرة حادة:
– جبتوه منين الحديد ديه وان دياب هو السبب في اللي اني فيه
عديله باستنكار:
– من اهل البلد كلاتهم بيجولوا اكده
قال زين :
-ايوه يا عيسى اهل البلد هما اللي بيقولوا كده و ان دياب هو اللي حرق الارض وضربك في راسك. هما صحيح في ناس منهم معظمهم بيقول العكس و ان هو اللي ساعدك وطلعك, عشان كده عاوزين نعرف الحقيقه منك
تنهد عيسي مجيب قائلا بجدية:
– انا مش فاكر حاچه! و ما شفتش من اللي حرج الارض! ولا شفت دياب وهو بنفسه بيحرج ارض ولا ضربني وبعدين السبب في خبطت راسي اني اللي دخت من الدخان و وجعت من نفسي.
نظر الجميع اليه بدهشة واستنكار بينهما فرحه التي صدمت من نفي دياب هو من فعله ذلك به حتي قال جلال بصرامة:
– ايوه بس برده اللي حرق الارض هو نفسه السبب في اللي انت فيه دلوقت؟ هو انت اللي دوخك ووقعك في الارض غير الدخان.
عديله بغضب قائله:
– ايوه يعني في الحالتين هو السبب في رجدتك دي, عيسى لو هو فعلا جول, ديه كان عيموتك يعني ما فيهاش صحوبيه ولا ولد عمك وخايف عليه.
تذكر عيسي عندما استمع الي صوت دياب وهو في الداخل قبل أن يغفي عن الواقع:
“عــيـــسي سامعني اجمدي يا عــيـــسي ااا، استحمل هطلعك من اهنه! سامحني يا ولد عمي انا السبب في اللي انت فيه”
قال عيسي بهدوء غريب : – طب طالما انتم متاكدين ان هو دياب, متجبضش عليه لحد دلوج واترمي في السجن ليه, هو يعني اني كنت عابجى متاكد ان دياب هو اللي عملوها هبراءه يا چلال.
جلال بعدم تصديق:
– ماشي يا اخويا!
***
بمجرد ان فتح الباب دياب صاحت جميله و بدات تبكي بصوت مسموع وهي تحتضنه بلهفة :
– كنت هموت من الرعب عليك, حمد لله على سلامتك يا حبيبي
استقبالها وضمها دياب اليه وهو يتاوه من الالم : -اهدى يا چميله ده انا كده اللي هموت
ابتعدت عنه سريعا بلهفة:
– انا اسفه بعد الشر عليك, من وحشتي ليك نسيت نفسي قولي انت عامل ايه دلوقت، مش هياخدوك ثاني صح مش كل شويه حكومه ومستشفى. انت مش متخيل انا بيحصل لي لما بتبعد عني,و لما كنت بعوز ازورك اخوك ضاحي منعني
بمجرد ان اخترقت جملتها اذن دياب شعر بالندم يتاكل اطرافه, ليقول بابتسامة خفيفه:
– انا اسف يا چميله معلش ما تزعليش من اللي بيحصل واني نبهت على ضاحي انك ما تجيش تزوروني في السجن, وبعدين خلاص ما تجلجيش من حاچه ومش عاسيبك ثاني.
جميله بحزن:
– انت فهمت غلط على فكره, انا مش بقول لك كده عشان زهقت انا بقول لك كده من الخوف بس هم ليه بياخدوك كل شويه وانت ما لكش ذنب في حاجه, مش انت زي ما قلتلي انقذت ابن عمك من النار
دياب بتوتر:
– ما هم بياخذوني يحججوا امعايا ويخرجوني ثاني, مجرداً اجراءات عاديه يا چميله
هزت راسها بهدوء, لتقول بنعومة:
– طب تعالي اغير لك على الجرح
بدات جميله تخرج الاسعافات الاولية ثم عادت لتفتح ازرار قميصه بتركيز لتسمع صوته مبحوحًا وهو يقول قائلا:
– بتحبيني فعلا يا چميله كيف ما جولتي واحنا في المستشفى.
توردت وجنتيها جميله تلقائيًا وهزت راسها بالايجاب بخجل, اتسعت عيناه بعدم تصديق قائلا بابتسامة:
-عنچد! من ميتى وحبيبتي فيا ايه؟
اقتربت جميله وهي تحتضنه. تحتضنه بقوة ثم همست بعمق من اعمق اعمق دواخلها :
– السؤال مفروض ما يتسالش كده يا دياب، علشان انت المفروض تتحب وأي واحده مكاني لازم تحبك على طول حبيتك عشان حنيتك معايا، حبيتك عشان طبتك ودفاعك عني على طول، حبيت الثقه اللي خليتها جوايا من ثاني, حبيت قوتك اللي زرعتها فيا! حبيت حبك اللي بقى جوايا ليك يوم عن يوم؟ من غير ما احس امتى وازاي دياب انت انسان جميل اوي راجل بمعنى الكلمه بجد.
ابتسم بحزن علي ما فعله وقال بسخرية هاتفا:
-متاكده من كل ديه يا چميله فيا؟
ابتعدت عنه ونظرت اليه داخل اعينه وقالت:
– طبعا متاكده! وبعدين هو انت مش واثق من نفسك ولا ايه
اقترب منها ببطء امسك كفها البارد ليطبع قبلة عميقة على باطنه ثم نظر لعيناها التي يغرق بها ليهمس :
– يعني مش عتبعدي عني ولا تفكري تسيبيني مهما تعرفي عني ولا مهما اعمل
ابتسمت هي بخجل تعلقت عيناها بعيناه الهاردة بمشاعر جياشة تشعرها بها تجاه:
– انا اللي عاوزك ما تبعدش عني مهما حصل
ليهمس تلقائيًا:
– مش هبعد يا چميله، صوح عملتي ايه في موضوعك
عقدت ما بين حاجبيها وهي تحدق به متساءلة : -موضوع ايه؟!
حمحم دياب قائلا بجدية:
– كيف بنت بنوت وانتي كنتي متچوزه؟ لازم نعرف الحكايه ديه, اني انشغلت الكام يوم دول, بس لازم نعرف الحجيجه ايه؟
عضت علي شفتاها السفلية بعبث علي حالها قائلة من وسط دموعها بمرارة بالم:
-مش محتاج تدور وتفكر, اكيد اللي عارفه الموضوع كله ومعاها الحقيقه كلها هي خالتي مش عارفه لو طلعت بعد كل ده كانت مستغفلاني في دي كمان هعمل ايه؟ انا خلاص تعبت من كثر الظلم اللي اتظلمتوا من تحت ايديهم
فجاه وجدت من يحتضنها هامسًا بصوت رجولي جذاب :
– ما تجلجيش ولا تشيلي هم حاچه طول ما اني معاكي, تعرفي كان نفسي اعمل احتفال صغير لينا؟! عشان حاجتين؟ اول حاچه عشان كانت او ليله لينا من يومين وثاني حاچه على اعترافك بحبك ليا بس ملحوجه؟
قالت جميله بحزن:
– بس نظرت الشك اللي شفتها في عينيك وجعتني قوي يا دياب ما فهمتش تقصد منها ايه وتشك فيا ليه اصلا ؟
ابعدها بهدوء وقال موضح:
– عشان مش بحب حد يستغفلني ولا يكذب عليا يا چميله, وبصراحه انك تكوني متجوزه طول السنين ديه و انتي مش خابره اذا كنتي بنت ولا لاه؟ ما كانتش داخله دماغي في الاول
قالت جميله بالم وصدق:
– بس انا والله العظيم ما بكدب,انا عارفه انك من حقك تشك فيا واي حد مكانك هيفكر كده؟ بس والله انا اتصدمت زيي زيك
اجاب دياب ليقترب منها اكثر حتى اصبحت ملتصقة به بينما هو شعر بمشاعر شتى وهي بين احضانه رائحتها تخدره وقربها يهلكه حرفيًا ويهيج تلك العاطفة الموقدة دائمًا داخله ازداد من احتضانه لها يشعر بجسدها المرتعد ويلف يداه حول خصرها لتداعب انفاسه وجهها حتى ادركت انه قريب جدًا منها يكاد ينال شفتاها التي يشتاق لها ثم همهم :
-خابر يا چميله حجك عليا رد فعلك خلاني اشك ان الموضوع في ان وانك فعلا ما تعرفيش حاچه كيف زيي, اخلص من اللي اني فيه ديه وهوديكي لخالتك تعرفي منها الحجيجه
كادت جميله ان تسعل من الخجل. انفاسه الساخنة تداعب رقبتها وجسدها ارتعش تلقائيًا من لمسته وكانه يستشف شوق الاخر الحار له، ولكنها حاولت تجاهل شعورها فتركت الشاش وهي متمتمة بصوت مكتوم :
– انا خلصت و غيرت على الجرح عاوز حاجه مني ثاني؟
هز راسه نافيًا ببساطة وقال بحنان:
-معلش يا چميله شلتي الهم معايا في الايام اللي فاتت
صدحت ابتسامه الانثوية الناعمة التي خطفت قلبه وجعلته في عالم اخر هما الاثنين فقط! قائله:
-ولا يهمك تعبك راحه
وبحركة مباغتة كان يجذب راسها له ليستطيع اكل شفتاها براحة. يروي ظماه الذي يزداد يومًا عن يوم حتى تاكد انه لن يرتوي من شفتاها ابدًا بل سيشتعل شوقه اكثـر وهي كالعادة كانت مستسلمة تشعر بفراشات تدغدغ معدتها لتتشبث بقميصه الدامي تلقائيًا لم يبتعد الا عندما شعر بحاجتها للهواء
فقال من وسط لهاثه العالي :
– اتوحشتك جوي، في الايام اللي فاتت ديه
عضت جميله شفتاها بحرج مبتسمة ابتسامة واسعة:
-وانت كمان وحشتني
ليمسك وجهها الصغير بين يداه وهو يقترب ببطء منها. شفتاه تعزف ترانيم الشوق لها بكل تمهل وعشق ولهفة .
***
كانت اسيف تدلف المطبخ لتحضر كوب عصير برتقال لها لتتفاجا بزين خارج واصطدم بها, ليقول سريعا بتوتر واضح قائلا:
– اسف يا مرات اخويا ما كانش قصدي ما شفتكيش وانا معدي
ليرحل سريعا دون انتظار تعليق منها لكنه تجمد مكانه حين قالت:
– زين استني عايزاك
اجاب زين دون النظر اليها بارتباك:
-نعم يا مرات اخويا
عقدت اسيف حاجبيها بدهشة متسائلة بضيق:
ايه يا مرات اخويا اللي ماسكها لي وكل شويه تقولها هو انت فعلا مش فاكرني يا زين؟
تنهد بغير ارتياح ونظر حول بتراقب وحذر: -عاوزه ايه يا اسيف؟ ويا ريت تقولي بسرعه عشان واقفتنا كده غلط ، بدل ما حد يشوفنا مع بعض
عقدت اسيف ذراعيها امام صدرها لتقول بجدية وثقه:
– طب ما يشوفنا هو احنا بنعمل حاجه غلط انا لسه بتكلم معاك, ومش بتكلم معاك يعني في اوضه لوحدنا ، احنا واقفين اهو في المطبخ وعلني. وعلى فكره طريقتك دي اللي هتشكك اللي حواليك فيك, مالك كل ما تشوفني تتدور وشك الناحيه الثانيه, وتقعد تبص حواليك ذي اللي عامل عامله زي دلوقتي بالضبط مع ان الموضوع مش مستاهل كل ده؟
زين بقلق:
– يا اسيف انتي مش فاهمه حاجه, هنا غير مصر, لو حد عرف اللي كان بينا زمان هتبقى مصيبه وعشان خاطري فعلا يا اسيف لو لسه بتعزيني زي زمان اوعي تجيبي سيره لاي حد هنا, على اللي كان بينا زمان. خصوصا جلال هو شكله بيحبك, ممكن الموضوع ده يعمل حساسيه بينا و هتبقى مصيبه
قالت اسيف بنبرة ساخره وحاده:
– مصيبه مش بقول لك مكبر الموضوع طب اسمعيني بقى وبطل الهبل اللي عمال تعمله ده انا ولا هيجيب سيره لحد ولا عاوزه اعمل مشاكل و إيه اللي كان بينا اصلا يا زين عشان تخاف منه قوي كده ده كان مجرد لعب عيال وكل واحد فينا راح لحاله, ده حتي طول الفتره اللي احنا فيها عمرنا ما قلنا لبعض كلمه حب واحد ولا اعجاب. يعني حتى ما تتسماش علاقه حب
نظر اليها بلهفة هاتفا:
– بجد يا اسيف مش هتقولي لاحد اصلك مش عارفه انا كنت مرعوب من الموضوع ده قد ايه ده انا من اول جوازك من جلال وانا بطلت اجي هنا, ولما كنت باجي غصب عني كنت اضطر ابيت بره البيت عشان ما تشوفنيش
جزت علي اسنانها بغيظ متحدثه بغضب:
– هو انت للدرجه دي شايفني وحشه على العموم ما تخافش قلت لك مش هقول لاحد حاجه, انا بس طريقتك دي هي اللي قلقاني وتشكك اي حد فيك
انتبه زين الي نفسه وقال سريعا:
– انا والله ما اقصد يا اسيف ما تزعليش مني بس انا واخواتي قريبين من بعض اوي خصوصا جلال ومش عاوز اي حد يفرق ما بينا او اي مشكله زي دي, ويا عالم هيفهموا ايه ساعتها, وجلال ممكن نظرته ليا تتغير . وانا مش هستحمل كده
اسيف بنفاذ صبر وجد:
– قلت لك ما تخافش يا زين مش هقول لاحد وبطل تكبر الموضوع على الفاضي ويا ريت تتعامل معايا عادي و ابسط من كده انا حتى لما بحاول افتكر علاقتنا زمان كان شكلها ايه مش بفتكر اي حاجه خالص, عشان هي كانت مجرد علاقه عابره وراحت لحالها واحنا دلوقتي اخوات وبس
تنهد زين براحه كبيرة وسعاده ليضع يده علي كتفها دون قصد منه بحركه تلقائيا بابتسامة عريضة قائلا:
– متشكر يا اسيف. مش عارفه ريحتيني ازاي بكلامك قد ايه.
بادلته الابتسامه له اسيف ايضا ورحل هو من امامها.
وكان كل هذا تحت انظار نادين التي اشعلت داخلها غضب يؤلمها بشده من هذا المنظر الذي امامها صحيح لم تسمع عن ما يتحدث معها لكن تلك النظرة والابتسامه اللعينة قد وجعت نادين بشده, لتدمع عينها بحده وغيره، لكن مهلا؟ هل تغار على زين بالفعل منذ متي, يمتلكها هذا الشعور؟
***
بداخل جناح عيسي كان يجلس بالشرفه تطلع الي السماء الصافية وقفت فرحه امام عيسي تطالعه بتفحص بينما هو الاخر شعر انها تريد شئ لكن الحروف فرت هاربة من بين شفتاها او مترددة تتحدث أو ربما خائفه.
ولكن حاولت فك عقدة لسانها وهي تقول بنبرة يلوح منها التوتر :
– انا اا رايحه احضر الغداء ليك معوزش حاچه من تحت
هز راسه برفض قائلا بهدوء:
– لا يا فرحه تسلم يدك مش جعان دلوج لما اجوع عاجول لك, روحي نامي وارتاحي انتي, اكيد الايام اللي فاتت تعبتي عشاني كتير
ابتسمت له وقالت بحب:
– تعبك راحه المهم انك جومت بالسلامه, ما تعرفش اني فرحانه اد ايه اني شايفك جدامي وبخير دلوج
عيسي بهدوء:
– ربنا يفرحك دائما انا بخير يا فرحه ما تجلجيش عليا
صمتت فرحه عده ثواني حتي تساءلت بتردد:
-هو انت زعلان على الارض اللي ولعت و راحت هي والمحصول
أومأ عيسي مؤكدًا ثم اخبرها باختصار :
– اكيد زعلان مش تعب وشجيا فرحه يلا الحمد لله كل اللي يجيبه ربنا زين, بس چلال جالي عياخد كل الرچاله ويحاول يصلح اللي ينفع في الارض
قالت فرحه بتلقائية دون قصد:
-ينفع ايه بس هو في حاچه عاد عتنفع فيها ديه دياب وعمك صلاح ولعوا فيها كلاتهم و…
شهقت فرحه لتوضع يدها بسرعة علي فمها وهي تغمغم بصوت حاولت سرقة بذور التوتر منه :
– ااا ما كانش جصدي
كور عيسي قبضتـاه معًا، يشعر بالغليان الذي كان فتيله رؤية دياب و عمه صلاح امام عيناه و رغبة عنيفة بالقتل تتولد داخله، لكنه تماسك هو كان يشك بالأمر! لكنه تاكد الان
قاطعها عيسي بلهجة حادة وامره:
– روحي شوفي وراكي ايه يا فرحه؟ وهمليني
تطلعت فيه مذهولة ولكن عيسي تجاهل نظراتها ونزلت فرحه علي ركبتها امامه بينما تردد بالم واضح وكأنه انتشلها من جنة الخلد :
– انت كنت خابر صوح كنت خابر ان اخويا دياب هو السبب في حريج الارض صوح.. بس ما رضيتش تجول جدامهم ولا حتى رضيت تجول للحكومه
تنهد عيسي بضيق شديد من نبره صوتها المؤلمة ولم يجيب, اقتربت فرحه منه تقبل كتفه بحنان قائله بحب وسط دموعها بمرارة :
– ربنا يخليك لي ويچبر بخاطرك كيف ما جبرت بخاطري يا عيسى, جميلك ديه عيفضل فوج راسي يا ابن عمي
تنهد بخفه وفجأة وجدت من يحتضنها الي قلب هامسًا بصوت رجولي جذاب :
– مش هتطلعي احسن مني يا فرحه, وبعدين اني اللي بردلك الجمايل مش انتي, چميل انك مراعيه امي و اخواتي و ولدي صالح, وبعدين اني خذت عهد على نفسي من زمان اللي بيعملوا اخواتك انتي ما لكش صالح بيه.
ابتعدت عنه قليلًا, ثم بللت شفتاها والتوتر يزحف لكافة جوارحها ببطء ثم خرج صوتها مبحوحًا يتحجزه القلق :
– طب عاجول لك حاچه اخيره وبعد اكده اسيبك تستريح براحتك.. هي مش حاچه هو طلب بس مش ريداك تردني فيه ولا تزعل وتهدي اكده وترد عليا بالراحه وتفكر في الحديد زين
عقد حاجبيه بدهشة متسائلا:
-اني اكده جلجت في ايه, ايه كل المقدمات دي جولي رايده ايه على طول
ضغطت علي شفتيها بعنف كانها تريد تدميرها ولا تقول هذا الكلام الان، و كسهم قاسي انطلق ليصيب قلبها الذي يتلاطم بين امواج عشقه و جرحها, حتي أغمضت عينيها بقوه والدموع تنهمر امام بغزارة قائله:
– ريداك تتجوز يا عيسى وتجيب اخ لصالح
** ** **
يتبع……
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت السلايف)