روايات

رواية بيت البنات الفصل العاشر 10 بقلم أمل صالح

رواية بيت البنات الفصل العاشر 10 بقلم أمل صالح

رواية بيت البنات الجزء العاشر

رواية بيت البنات البارت العاشر

بيت البنات
بيت البنات

رواية بيت البنات الحلقة العاشرة

– لقينا ورق زي اللي لقيناه من كام سنة تاني، بصورة لينا كلنا وكلام غريب مكتوب بالأحمر..
توسعت عيني وجيهة وهي تضرب على صدرها بفزع: عَمل؟؟ حد عمل لينا عَمل تاني؟؟!!!
ابتلعت ندى ريقها، ضمت كفيها اللذان يرتجفان معًا وهي تسألها بإرتباك: صـ صورة لينا كلنا؟؟ لـ لينا كلنا ولا لحد معين؟؟
كانت تترقب إجابة معينة، تنتظر ذلك الرد الذي سيبرد قلبها من تلك النيران التي جعلته يحترق بالداخل، نظرت لها جنى ولصدرها الذي يعلو ويهبط بتوتر، تمنت أن تكذب عليها وتخبرها ما تريد لكن لن الأمر، يجب أن يعلم الجميع بهذا الأمر.
أجابت بسنت بالنيابة عنها بهدوء: صورة لينا كلنا يا ندى، الصورة اللي خدناها على الركنة بعد ما فرشنا الشقة وخلصناها تشطيب.
هبطت دموعها واتسعت عيناها بعدم تصديق، أخذت تنفي برأسها وهي ترى ذلك الشريط من الذكريات يعاد أمام عينِها، تلك الذكريات السوداء التي تود مسحها من رأسها.
اقتربت وجيهة منها بسرعة، أخذت تربت على كتفها وهي تهدأها بمحاولة فاشلة، رفعت رأسها لزوجها الذي يجلس صامتًا، صمتُ رجلٍ نال من الزمن ما يكفي، واجه الكثير وعانى أكثر وهو يشيد هذا البيت ويربي بناته، كان طيبًا ودودًا مع الغريب قبل القريب، حرص على ألا يسيء لأي حد مهما كان، لماذا إذن؟!!!
لماذا قد يفعل أحد هذا به وبعائلته؟؟
لماذا قد يصل شر إنسان لهذه الدرجة؟!!
تنهدت جنى وهي تتابع متصنعة التماسك: خدت الورق وديته للشيخ محمد، كلمني وفهمني المفروض أعمل إيه لو تعرضت لحاجة زي كدا تاني، قالي المفروض البيت كله يترقى وكمان لازم نشغل الرقية الشرعية فيه على طول، وجابلي مياه مقروء عليها وقالي ارش منها في البيت كله ومفيش مشكلة نستخدمها في الشرب، أنا لسة جاية من عنده وشوية وهيجي..
كان توفيق يستمع لها بإنتظار أن تنتهي ليتحدث هو وما إن فعلت حتى خرج صوته هادءًا وهو يسألها: وأنا فين من كل ده أنا وأمك؟؟
كانت بسملة بعالمها الخاص، تجلس معهم بجسدها لكنها تصب كامل تركيزها مع تلك الأفكار والأحداث التي حدثت معها منذ ساعة، ولكن ما إن سمعت صوت والدها ارتجف جسدها ورفعت عينها تلقائيًا تطالعه بخوف.
مسحت يدها التي تعرقت بسبب فركها المفرط لها، حاولت أن تسيطر على تلك الرعشة التي سارت بجسدها لكن صراخ والدها زاد الأمر سوءًا: ما تردي يا هانم؟؟ بتتصرفي من دماغك ولا كأن أبوكِ وأمك دول ميتين، من أول ما لقيته حاجة زي دي المفروض تيجوا تتنيلوا تعرفوني مش تروحوا وتخلصوا خطتكم بعدين تيجوا تعرفوني وكانكم بتحطوني قدام الأمر الواقع…
وقف دافعًا الطاولة الزجاجية الصغيرة التي كانت تتوسط المكان بقدمه، انتفضت أجسادهم بفزع ولكنه لم يساوي أبدًا فزع بسملة التي شعرت بالمكان يضيق من حولها، رفعت وجهها عاليًا وهي تحاول أن تلتقط أكبر كم من الهواء لكي تتنفس لكن دون جدوى.
تحطمت الطاولة لأجزاء صغيرة أسفل أقدامهم سرعان ما عادوا جميعهم للخلف بخوف، أما توفيق فاسترسل بصوته العالي: فضلوا يقولولي يا بختك بالبنات بالبنات، يجوا يتفرجوا على خلفتي وكل واحدة فيهم مشيالي بمزاجها، قال يبختي قال د، ده يبختي الأسود بيكم..
صرخ بجملته الأخيرة وهو يلج لغرفته صافعًا الباب من خلفه بقوة، وكل هذا ولم ينتبه أيٌ من الجالسين لتلك التي تصارع في جنب بمفردها، حاولت بسملة الصمود، حاولت أن تتنفس وألا تصدر أي صوت وانتهى بها الأمر مغشي عليها بعد أن عاندت حتى مع مرضها!!!
ظلت جنى ثابتة جامدة أمام صراخ والدها وهي تعلم أن تلك الكلمات القاسية تفوه بها من خلف قلبه، تعلم أنه قال ما قال بسبب غضبه وحزنه، لكن تلك المرة كان الأمر قاسيًا جِدًّا يا أبي.
– بسملة!!
صاحت بسنت وهي تندفع من مكانها ناحية بسملة التي عاد رأسها للخلف بعدما خارت قواها واستسلمت لهذا الظلام الذي حل عليها، هرولوا جميعًا عليها وهم ينادون بإسمها بإستثناء ندى التي بقت كما هي، مغيبة عن واقعها تمامًا وقد أخذها قطار الذكريات لتلك المحطة التي ظنت أنها لن تعود لها، لكن ها هي تعود لتلك النقطة السوداء من جديد.
أبعدت جنى كلًا من بسنت ووجيهة عن بسنت، فتحت النافذة فوقهم لتدخل أي ذرة هواء لتلك المسكينة التي لا تعي بأي شيء حولها، مسحت جنى حبيبات العرق فوق جبين بسملة ثم نادت بإسمها وهي تضرب على وجهها بخفة: بسملة … بسملة!
التفت لبسنت التي انهارت وهي ترى نصفها الآخر جثة هامدة أمامها ثم صاحت بها: هاتي أي ازازة برفيوم بسرعة، قومي بسرعة يا بسنت!!
ركضت لإحدى الغرف لتلبي طلبها، بينما جنى امسكت بيد بسملة ثم التفت تلتقط دبوس من حجابها لتضغط به أسفل ظفر إبهام الأخرى وأخيرًا استجابت لها..
فتحت عيناها شيئًا فشيء تزامنًا مع خروج بسنت بزجاجة العطر، زفرت جنى براحة ونظرت لها فوجدتها على وشك أن تغمض عينَها مرة أخرى فالتقطت زجاجة العطر بسرعة من بسنت ترش منها على وجه بسملة بكل غباء.
أخذت الأخيرة تسعل بقوة فجلست جنى لجانبها تربت على ظهرها: معلش والله مجاش في بالي حاجة لما لقيتِك بتقفلي عيونِك تاني.
جلست وجيهة لجانبها من الناحية الأخرى، جذبتها لداخل أحضانها وهي تتحدث ببكاء: كدا يا بسملة، كدا توقعي قلوبنا يابنتي!
ولم يكن يهمها بالأساس كل هذا، نظرت حولها بحثًا عن والدها فلم تجده، ابتعدت عن والدتها بسرعة وهي تسالهم بقلق لم يفهموا سببه: فـ فين بابا؟؟
ظنت أنه خرج للقاء مجد، ربما الآن يجلس رفقته ويقص عليه مجد ما رآه، ازداد تنفسها وتوسعت عينها بخوف وهي تتخيل أبشع ردات الفعل.
– بابا في الأوضة يا بسملة.
أجابتها جنى بنبرة ساخرة، فهو حتى لم يكلف نفسه وخرج ليرى سبب صرخاتهم منذ دقائق! كل هذا بسبب أنها ذهبت للشيخ دون إخباره، ماذا سيفعل إن علم بأمر عصام إذًا؟؟ أسيقتـ…ـلها ؟!!
هدأت بسملة قليلًا بعد إجابة جنى، وكانت تراقبها بسنت التي لاحظت انفعالها وخوفها وكذلك هدوءها، استطاعت أن تفهم بكل سهولة أن تؤامها تخفي شيئًا، وكبيرًا.!
تهربت بسملة من كل تلك العيون لغرفتها وكانت عيني بسنت تتابعها حتى دخلت واغلقت الباب خلفها.
مسحت وجهها من الدموع التي أغرقته بسبب خوفها الذي لم تهتم له بسملة حتى، التفت على صوت جنى التي قالت وهي تنظر لوالدتها وجيهة التي كانت تنظر لندى: أيوة يعني أقول ايه للشيخ اللي جاي ده؟؟ امشي معلش أصل أبويا مش طايق حد!
عنفتها وجيهة بنبرة حادة وهي تقف: جنى! اتكلمي بأسلوب كويس وأنتِ بتتكلمي عن أبوكِ، هو حقه يعمل اللي هو عايزه خصوصا إن الموضوع ده أنتِ عارفة هو عمل فينا ايه قبل كده.
كانت تتحدث والدموع تملئ عينيها، تحركت ناحية ندى وجلست لجانبها، أخذت تمسح على كتفها: ندى، تعالي معايا المطبخ نكمل الأكل سوا.
كانت تريدها أن تبقى معها والا تختلي بنفسها كي لا يحدث ما يحدث الآن، نظرت لها ندى وتحدثت بصوت مختنق: تاني يا ماما، تاني!
طبطبت على ظهرها وهي تتحدث بصوت حاولت جاهدة ان يخرج طبيعي حتى لا تزداد حزنًا: ربنا موجود، وخلاص جنى الشيخ قالها إنه تصرف بالورق، متقلقيش!
أضاء المكان حولهم معلنًا عن عودة الكهرباء فرفعت وجيهة وجهها لبسنت التي تتابع الحوار بينهما بحزن دفين: انزلي تحت يا بسنت عند عمك حامد وهاتي جهاز الأكسجين من شهيرة عشان نعمل جلسة لبسملة.
اومات لها بسنت وتحركت نحو الباب، ووقفت جنى لتقول قبل أن تتحرك لغرفتها: ياريت تتكلمي مع بابا عشان لو كده أتكلم مع الشيخ محمد اعرفه لو هيجي ولا لأ.
اغلقت الباب خلفها ووقفت امام المرآة تقوم بإزالة حجاب رأسها، ابتسمت بتهكم وهي تتذكر كلمات والدها التي يُسمعهم إياها كلما غضب، لا تعرف لماذا وكيف تذكرت ذلك الشاب من مركز الشرطة وتلك الجملة التي مرت بعقلها عندما وقع بصرها على ما ترتديه “وحياة حتة العباية السمرا دي لأكسر دماغها ودماغ أبوها.”
تبدلت تلك الابتسامة الساخرة لأخرى لم تستطع تفسيرها، ولكنه ولو للحظة صغيرة جِدًّا استطاع ان يغير مزاجها.
التفت تنظر لباب الغرفة عندما سمعت صوت والدها العالي مرة أخرى وهو يصرخ بوالدتها أنه لا يريد رؤية هذا الشيخ فعادت لترتدي حجابها بملل وهي تتمتم: واضح إني مش هعرف ارتاح في أم ده يوم!!
خرجت من الغرفة بعد أن انتهت، رأت والدتها التي تخرج من غرفتها ومعالم وجهها المختنقة توحي بما حدث بالداخل.
وقفت أمامها وتحدثت وهي ترتدي حذاءها: هنزل أعرف الشيخ، زمانه طلع من بيته فبدل ما يطخ المشوار على الفاضي.
تنهدت والدتها وحركت راسها لها بالإيجاب، وخرجت جنى من البيت بخيبة أمل كبيرة أخفتها خلف قناع البرود.
بالطابق الثاني حيث منزل حامد الهلالي، طرقت بسنت الباب وفتح لها سامر الذي توسعت عيناه مرحبًا بها بشكل مبالغ فيه: يادي النور يادي النور، مش مصدق عيني والله داحنا زارنا النبي!!
ابتسمت على ذلك المرح المحبب ثم قالت بصوت عادي ولكن لم يخفى عليه ذلك التعب البادي على ملامحها: ولا كأنك لسة شايفني من مفيش ساعتين!!
تابعت وهي تنظر له: أنا كنت قرأت إن جملة زارنا النبي دي مينفعش نقولها يا سامر، متقولهاش تاني!
قالتها ناصحة إياه فوقف يستمع لها بأعين هائمة، يتمنى ألا تنتهي من الحديث، وآهٍ عندما خرج إسمه من بين شفتيه، تمنى لو سجل تلك اللحظة ليعيد الاستماع لها وقتما شاء.
– أنت معايا ؟؟
نطقت بها بإستغراب بعدما وجدته يطالعها بصمت دون أن يجيب فاعتدل سريعًا يرد عليها بحرج وهو يعبث بخصلاته: ماشي مكنتش أعرف..
– المهم أنا كنت طالعة عايزة جهاز الأكسجين بتاع تيتة، ماما قالتلي إنه عندكم هنا.
توسعت عيناه وأجاب بتلقائية سبّ نفسه عليها: يا خبر! دانا أديكِ عيوني!
نظرت أرضًا بسرعة: ايه يا سامر الأوڨر ده!! خش هات الجهاز وأنا مستنية يلا!!
نظر حوله بإرتباك، دخل بسرعة دون أن يطلب منها الدخول حتى وكم ارتاحت كثيرًا لعدم فعله هذا.
مر من أمام الباب مجد الذي كان على وشك ان يغلقه فاستوقفه رؤيتها، نادى بإسمها بإستغراب: بسنت!!
نظرت له فاستكمل وهو يفتح الباب على مصرعه: واقفة كده ليه ادخلي!
نفت براسها: لأ لأ أنا جاية آخد جهاز الأكسجين وأنزل تاني، سامر بيجيبه من جوة.
– جهاز الأكسجين؟؟ ليه أنتوا كويس؟؟
أجابته متنهدة بحزن وهي تتذكر بسملة وكيف رأتها: هنعمل لبسملة جلسة، أغمى عليها وإحنا قاعدين فجأة وتقريبًا بسبب الحساسية اللي عندها، بس دي أول مرة يغمى عليها بالشكل ده!!
قالت الأخيرة بتعجب فجفف حلقه وهو يستمع لها بصدمة وتوتر، أيعقل أن يكون هو السبب؟!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت البنات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى