روايات

رواية بيت البنات الفصل السابع عشر 17 بقلم أمل صالح

رواية بيت البنات الفصل السابع عشر 17 بقلم أمل صالح

رواية بيت البنات الجزء السابع عشر

رواية بيت البنات البارت السابع عشر

بيت البنات
بيت البنات

رواية بيت البنات الحلقة السابعة عشر

هناك صفعة تكسِرُنا وتُضعفُنا وهناك صفعة تعيد ترميم جروحنا وتجعلنا أقوى لنقف على أقدامِنا من جديد وكأن ما أصابنا شيءٌ لا يُذكر.
استيقظت جنى باليوم التالي بعد أن قضت ليلتها منهارة تبكي على حالها وما يحدث لها، فردت ذراعيها واعتدلت لتجلس فوق الفراش وهي تشعر بالغرابة لتلك الطاقة الفُجائية التي تخللتها.
تشعر بحماس غريب لا يلائم الوضع بالمرة، وكأنها قضت ليلتها أمام البحر تستمع بموجاته الهادئة ونسمات الهواء العليلة التي تبعث الراحة بالنفوس وبعيدًا عن ضجيج العالم، إنها المتعة الحقيقية!
زفرت مطولًا وكأنها تزيح آثار ذلك العبء الذي كان يملئ صدرها، بكاؤها بالأمس جعلها هادئة ومطمئنة عن ذي قبل، كانت تحتاج لهذا البكاء بحق!
تركت مضجعها وتحركت للنوافذ في غرفتها تفتحها لتقتحم أشعة الشمس الساطعة غرفتها فانتشر الضوء بها جاعلًا منها منيرة ومريحة للأعين كذلك، إنها شمسُ يوم الجمعة كما تعلمون، الشمس في ذلك اليوم تكون جميلة بشكل غريب عن باقي الأيام!
وما ساعد في هذا أيضًا هو لون طلاء غرفتها الفاتح الذي زاد من تلك الإنارة.
مرت من أمام المرآة فتوقفت تتطلع لوجهها بتعجب ودهشة، كيف يكون وجهها ساطعًا هكذا بعد هذا البكاء بالأمس!! لقد صدّقت ذلك المنشور الذي رأته والذي كان مضمونه أن اليوم التالي بعد نومِكَ باكيًا تكن فيه نشيطًا وصافيَ الوجه!
وقع نظرها على الرداء الأسود الذي ترتديه – العباية – فزفرت بحنق لنومها به وهي مَن كانت تصرخ ببسملة ألا تنام بملابس الخروج!
تحركت لخزانة ملابسها وأخرجت منامة بيتية ثم خرجت من الغرفة لتلقي تحية الصباح على كل من تراه، كانت وجيهة تقف أمام الغسالة تجفف الملابس التي انتهت من تنظيفها عندما وقفت أمامها جنى تسألها: صباح الخير يا ماما، قدامك كتير ولا إيه؟؟ عايزة آخد دُش على السريع كده عشان أنزل المكتب.
رفعت وجيهة حاجبيها بإستنكار: تنزلي المكتب؟؟ أنتِ يابنتي مش النهاردة إجازتِك؟؟
اومأت بالإيجاب وهي تفسر لها: أيوة بس لازم أنزل النهاردة عشان أشوف هعمل إيه في المكان والحاجة اللي اتبهدلت دي.
وعلى ذكر مكتبها تألم قلبها مرة أخرى وهي تتذكر هيئته وكيف تم تدميره، وقبل أن تتعمق في بحر الذكريات قفزت لشاطئ الواقع بسرعة تنظر حولها في البيت متسائلة: فين البنات؟؟
انشغلت وجيهة بالملابس بين يديها بينما تجيبها: بسملة نزلت عند عمك حامد ترجع جهاز الأكسجين وبسنت قاعدة جوة في أوضتها وندى عند مراة عمك سلطان فوق.
– هي جَت؟
تسائلت بحدة فرمقتها وجيهة متنهدة بحزن: ايوة الصبح ولاد عمك وأبوكِ جابوها من المستشفى وأنا وبسملة وبسنت نضفنا الشقة فوق ليها، والله ما عارفة أبص في وشها بس صعبانة عليا.
ربتت جنى على ذراع والدتها بسخرية: ميصعبش عليكِ غالي يا وجيهة يختي، صحصحي كده وشوفي الست دي عملت فينا ايه.
– يابنتي أنا عرفت من شهيرة مراة حامد إن عمك سلطان اتجوز عليها في الغربة، الله وحده أعلم بحالها دلوقتي هي ونرمين!
زفرت جنى بملل وحاولت تغيير مجرى الحديث فأردفت: بسملة عملت الجلسة طيب؟
– أيوة امبارح لقيناها مش قادرة تاخد نفسها فجأة عملناها وبعدها نامت مصحتش غير وأنا بقومها الصبح عشان تطلع معانا فوق…
وتابعت وجيهة بلهجة محذرة وعينها مصوبة على إحدى الغرف: خلي بالك نرمين في الأوضة مع بسنت، بايتة هنا من إمبارح وباين عليها يا عمري زعلانة خالص وحالتها صعبة، فخفي لسانِك وخلي بالك من اللي بتقوليه.
ولجت جنى المرحاض وهي تتمتم مغتاظة من طيبة والدتها الزائدة عن اللزوم، بينما وجيهة أخذت تدعو الله أن يصبّر تلك المسكينة ويكن معها هي وابنتها.
وبغرفة بسنت وبسملة، كانت بسنت تقوم بترتيب ملابسها هي الأخرى حيث ستعود غدًا هي وبسملة للجامعة لأداء آخر الإختبارات، كانت شاردة في لاشيء وفجأة انتفضت في مكانها عندما شهقت نرمين وهي تستيقظ من ذلك الكابوس المرعب.
اقتربت منها بسرعة تناولها زجاجة من المياه تسألها بقلق: أنتِ كويسة يا نرمين؟؟
ارتشفت القليل وأعادت الزجاجة لمكانها وهي تجيبها بأنها بخير، ترددت بسنت في الحديث ولكنها في النهاية يجب أن تعرف؛ فقالت وهي تغلق الزجاجة تتصنع الإنشغال بأي شيء: طنط منة رجعت النهاردة.
توترت نرمين وارتبكت وقد شعرت أنها تسبب الازعاج بوجودها، لا تعلم كيف تخبرها أنها خائفة من البقاء رفقة والدتها وقد رأت تحولها بهذا الشكل.
خافت بسنت أن تفهمها خاطئًا فاستكملت بسرعة: لو عايزة تخليكِ هنا عادي يا حبيبتي بس لازم وواجب عليكِ تطلعي تشوفي مامتِك وتطمني عليها، لو ماطلعتيش هتزعل منِك يا نرمين، أنتِ بنتها!
اومأت نرمين بألم والتزمت الصمت فاحترمت بسنت هذا الصمت وعادت تتابع ما كانت تفعل.
بالطابق الثاني حيث منزل حامد طرقت الباب وهي تدعو الله ألا يراها أو تراه، فبعد ما فعله بالأمس وإغلاقه للمكالمة بوجهها – كما تظن هي – لم تعد تريد الحديث معه بهذا الأمر وستساعد نفسها بنفسها، قالت هذا لنفسها بكبرياء.
فتحت لها شهيرة تحمل بين يديها مغرفة كبيرة فابتسمت ما إن رأتها وهي تفتح الباب على مصرعه: تعالي يا بسبوسة تعالي، ايه النور ده!
ابتسمت بسملة وهي ترفض بينما تمد يدها لها بالجهاز: شكرًا يا طنط، أنا طالعة أرجع الجهاز بس.
– أنتِ عاملة ايه يا حبيبتي دلوقتي؟؟ ما تخليه عندك فوق عشان لو لقدر الله حصل حاجة.
نفت بأدب: الحمد لله كويسة، وأنا مش بحتاجه كتير كل فترة كده بتعب بسبب الحساسية لكن دلوقتي أنا الحمد لله بخير.
أشارت لها شهيرة للداخل وهي تقول بنبرة معتذرة: طب معلش حطيه على السُفرة هنا لأحسن أنا ايدي كانت في المطبخ ومش عايزة أعكه، بعمل أكل لمنة مراة عمك ربنا يقومها بالسلامة ويريح بالها.
دخلت بسملة سريعًا لوضع الجهاز كما طلبت منها الأخرى وقبل أن تخرج تفاجئت بصياح سامر من خلفها: ايه ده إي ده؟؟ بسملة هانم بذات نفسها عندنا؟!!!
اغمضت بسملة عينيها بقوة تتوعد لذلك الغبي بداخلها قبل أن تلتفت لتطالعه بإبتسامة صفراء، عادت شهيرة لما كانت تفعل وتركتهما سويًا مبتسمة وهي تعلم أن صوت صراخهما سيرتفع بعد قليل.
جلس سامر على إحدى الغنائم وأشار بتكبر على الأخرى أمامه: تعالي يابت اقعدي كده.
رفعت شفتها عاليًا بإستنكار واقتربت منه بغيظ: بَتة تبِتَك يا صوباع المحشي أنت، أنت هتفوق عليا ياض؟؟ اصطبح كده واقول ياصبح..
وكانت كلماتُها لا علاقة لها بصوتها الرقيق، كان الأمر أشبه بالذكاء الاصطناعي!!
ضحك وهو يكرر بإحترام: أنا آسف يا بسملة هانم، اقعدي بليز يا ملكة عايزِك في موضوع.
اقتربت بعجرفة وجلست أمامه واضعة قدمًا الآخر فدفع هو تلك القدم وهو يتقدم في جلسته للأمام: أنتوا راجعين السكن امتى؟؟
رفعت حاجبها تحاول فهم المغزى من سؤاله فصاح بها عندما طال صمتها: إنجزي!!
ابتسمت ببرود: راجعين بكرة الصبح عشان عندنا امتحان الاتنين.
– ربنا معاكِ يا بوسي يارب تطلعي الأولى بإمتياز.
لوت شفتيها: نعم يا عنيا؟
رمقها بإشمئزاز: حاجة متخصكيش، قومي يالا اتكلي على الله.
وقفت وتحركت ناحية المطبخ حيث تتحرك شهيرة، ابتسمت لها مستأذنة: طنط ممكن آخد السـ.ـكينة المشنشرة دي؟؟
ضحكت شهيرة وهي تعطيها الإذن: بتاعتك يا قلب طنط.
وخرجت بسملة من المطبخ تحمل ذلك السـ..ـكين تتحرك به مباشرة ناحية سامر الذي فتح هاتفه يعبث به وهو يدندن بإستمتاع: دا اللي من زمان نفسي أبقى جنبه.
رفع وجهه لذلك الظل الذي أحاط به فوجدها تبتسم بسمة واسعة مرعبة وهي تردد بينما تقترب منه ببطئ: وتصرخ مهما تصرخ ولا حد يسمعك.
ترك هاتفه ووقف يعود للخلف بتوتر: صلي على النبي يا بسبوسة، مين مزعلِك بس؟؟
وارتفع صوت الصراخ كما هو متوقع حتى انتهى شجارهما بحبس بسملة لسامر بإحدى الغرف، أعادت السكين لشهيرة التي كانت تضحك عليهما وشكرتها بعد أن قالت: قفلت عليه باب الحمام من برة، ربعاية كده وافتحي يا طنط.
وخرجت من منزل عمها البسمة تزين ثغرها وهي تشعر بالقليل من التحسن عن أمس، ربما جلسة صديق أو مزاح مع العائلة قد يعيد لنا البسمة وربما رؤية أحدهم قد تزيل تلك البسمة.
وها هو يظهر من العدم أمام وجهها لتنمحي تلك البسمة على وجهها، كادت تتخطاه وتصعد فاستوقفها بعصبية: بسملة!
تنهدت ثم التفت له بجمود: نعم يا مَجد، عايز إيه؟؟
وقف أمامها مردفًا بإنفعال: أنتِ اللي في إيه؟؟ عاملة نفسك مش شايفاني وبتتجاهلي وجودي من ساعة ما جيت!
أغمض عينيه وزفر الهواء من فمه ليهدأ وهو يستغفر الله، عاد ينظر لها فوجدها ساكنة هادئة لا تبالي فتحدث بنبرة هادئة: إيه اللي حصل إمبارح يا بسملة، معرفتش أفهم حاجة من كلامِك، والتلفون فصل شحن وأنتِ معايا ولمـ…
قاطعته بدهشة: فصل شحن؟!!
اومأ إيجابيًا بضيق: أيوة عشان خرجت من البيت بسرعة ومن غير ما أشحنه ولما جيت أرن عليكِ من تلفون عمي توفيق مردتيش!!
توسعت عيناها أكثر وارتفع حاجبيها بتعجب وهي تتذكر بالأمس عندما وصلتها مكالمة من رقم والدها وخافت أن تجيب ظاننة أن مَجد أخبر والدها بكل شيء.
بينما تطلع هو لشرودها وزهولها يحاول فهم سببهما أو بماذا تفكر، تنهدت بسملة ونظرت له معتذرة بصدق: تمام شكرًا لمكالمتَك واسفة على سوء الفهم، والعموم مش هدخلك في حواراتي دي تاني هتصرف أنا بعد كدا.
وتحركت خطوة تستعد للصعود فعاق حركتها بالوقوف أمامها مرة أخرى، كور قبضتيه واغمض عينيه يستغفر بصوت عالٍ: أستغفر الله العظيم يارب!!
نظرت لها بعدم فهم وعاد هو يتحدث متصنعًا الهدوء كي لا يثور عليها؛ تجبره ببرودها وعنادها أن يخرج عن طور هدوئه: إيه اللي حصل يا بسملة، وبلاش كلام فاضي بالله عليكِ عشان أنا خلقي ضيق!
تطلعت له بغضب: ما قولتلك مفيش حاجة!
وسع بقى عشان أشوف اللي ورايا.
– بسملة!
صرخ باسمها متخليًا عن ذلك الهدوء المصطنع فانتفضت بفزع وهي تتطلع لوجه الغاضب بصدمة وقليل من القلق، تابع وهو يجز على أسنانه في محاولة لعدم الصراخ بها: بطلي تهرب وانجزي، حصل ايه إمبارح خلاكِ خايفة وتتصلي تقوليلي ألحقِك، كلمِك؟؟؟
قال الكلمة الأخيرة بصيغة سؤال فأخفضت رأسها تجيبه بصوتٍ يكاد يكون مسموع وبنبرة مرتجفة: هددني..
قطب جبينه يكرر: هددِك؟!! هددِك بإيه؟!!
أخبرته سابقًا أن جميع لقاءاتهم كانت بأماكن عامة يراهم بها الناس كما قالت أنها لم تسمح له بتجاوز حدودها التي رسمتها بينهما، فبماذا سيهددها.!!!
لم تعلم بسملة بماذا تجيبه، كيف تخبره وكيف تريه تلك الصور المزيفة، خجلت لمجرد رؤية تلك الصور وتلك الوضعيات بها فكيف تفعل وتجعله يراها؟!!
ماذا عن ردة فعله؟ هل سيصدقها إن أقسمت أنها ليست مَن بالصور!
– يا بسملة!
نادى بيأس من صمتها الطويل وتحاشيها للنظر له، رفعت وجهها فرأى ارتباكها وتقوس فمها للأسفل بخجل ليفهم الأمر قليلًا.
– أنتِ كنتِ صادقة معايا في كل كلمة قولتيها مش كده؟؟
أجابت فورًا وهي تنظر لعينيه بلهفة: آه والله.
تنهد وهو يبثها بالأمان بكلماته التي احتضنتها بحنان: وأنا مصدقِك في اللي قولتيه واللي هتقوليه، أنا واثق في عمي وفي تربيته…
قطع حديثه لبرهة من الزمن قبل أن يتابع بصوت أكثر دفئًا: وفيكِ.
غزت الدموع عينيها بعد أن اقشعر جسدها بفضل حديثه وتخلت عن خوفها منه لتستلم لذلك الأمان الذي أحاط بها تخبره بالأمر كاملًا، وما انتهت نظرت له تتمنى ألا يخذلها فلم ترى في عينيه سوى الغضب، لم تستطع أن تميز حتى إن كان هذا الغضب منها أم عليها.
تعلقت الدموع في عينيها تمنع نزولها بقوة كي لا تجرح كبرياءها أمامه، صعدت السلالم ببطئ وتمهل على أمل أن يناديها ويخبرها أنه معها حتى ينتقم لها من ذلك الحقير عمر ولكنه لم يفعل..
بالتأكيد ظن بها سوءا، صعدت بقية الادراج ركضًا تلملم ما تبقى من كرامتها وهي تبتسم على نفسها بإستهزاء وسخرية.
أما مَجد ما إن صعدت حتى ولج منزلهم ليلتقط مفاتيح سيارتهم وهاتفه وبعض الأموال – إحتياطيًا – وخرج من البناية كاملة لا يرى أمامه من الغضب، هو لم يرى تلك الصور حتى لكن مجرد التخيل جعل الدماء تغلي بعروقه.
يصدقها ؟؟
نعم يصدقها ولم يشكك بكلمة واحدة مما قالت، ولم يكن صمته سوى قنبلةٍ ابتعد بها عنها كي لا تنفجر أمام وجهها، قنبلةٌ كرر أن يشعل فتيلها بوجه ذلك القذر؛ عمر.
بالداخل، هبط توفيق وحامد بعد أن بقت ندى رفقة زوجة عمها – منة – رغم كونها لا تريد هذا؛ ولكن لا يوجد غيرها في هذا الوقت، ودقائق وصعدت شهيرة وهي تحمل بين يديها صينية محملة ببعض الأطعمة التي تساعد في تحسن حالة منة..
دلف توفيق الشقة والتعب بادٍ على قسماته بعد أن قضى يومه بالمشفى، جلس فوق أول ما قابله زافرًا بتعب وهو مغمض عينيه.
– أنا نازلة يا ماما.
فتح عينيه مجددًا بعد أن اقتحم صوت ابنته جنى أذنيه، نظر لها وهي تجلس أمام باب المنزل ترتدي حذاءها وهي تتحدث مع والدتها ويبدو أن لم يلاحظ أحد عودته حتى الآن.
– لأ مش هتأخـ… بابا.!
بترت حديثها عندما أبصرت عيناها وجه أبيها، وقفت مقتربة منه بعد أن انتهت من الفردتين: حمد الله على السلامة، عملته إيه؟؟
جلست أمامه فرمقها توفيق بصمت وهو يمعن النظر لها، اهتمامها بالجميع من حولها، قلقها على كل صغيرة وكبيرة، رغبتها ببقاء الجميع سعداء، كل تلك الأمور توضح له بقوة أنه أنجب فتاة قوية سيجدها بجانبه قبل أي أحد.
تنهد ليجيبها بعد صمت طويل تعجبت له: كلمنا عمِك سلطان وبحاول نقنعه ينزل البلد أهو، لما يرجع ونشوف آخرة اللي بيعمله إيه؟؟
اومأت بتفهم فقد أخبرتها والدتها بأمر زواج عمها كما عرفت من بسنت التي أخبرتها نرمين، عقدت حاجبيها بضيق: وطنط منة؟
كان سؤالها مجاملة أو شيء مجبرة على فعله، حرك توفيق رأسه بالإيجاب: خيطنا دماغها بس شكلها لسة مصدومة، الدكتور قال كلام غريب كده ودكتور نفسي ومش عارف ايه، بس هي كام يوم وترجع حلوة يعني.
كان يتحدث بلامبالاة وهو ليس على علم تام بماهية الطبيب النفسي أو بماهية المرض النفسي حتى، يتحدث بمحدودية معلوماته البسيطة.
وقفت جنى وقالت قبل أن تتحرك نحو باب البيت: أنا هنزل المكتب عشان أشوف هعمل إيه واحاول أرتب دنيتي تاني.
وما كادت تفتح الباب وتغادر حتى استوقفها واقفًا: جنى..
التفت له ترفع الحقيبة على ذراعها فقال: هاتي الشيخ معاكِ وأنتِ جاية..
رفعت حاجبيها بدهشة لذلك الطلب المفاجئ وتحرك هو لغرفته بعد أن تركها تتطلع له وهو يتحرك بتعجب.
ولم تعقب على هذا وغادرت وخرج هو يحمل بين يديه ملبس آخر تحرك به ناحية المرحاض يتطلع لأثرها بندم وحزن؛ انقلب حال فتاته للنقيض، بين ليلة وضحاها تحولت من فتاة مرحة لا تغادر البسمة وجهها لأخرى غارقة بالهموم والأحزان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبمكان لأول مرة قد نذهب إليه، مكانٌ جديد لكنّ شخصياته ليست كذلك، عمارة كبيرة من خمسة طوابق، بالطابق الثالث تحديدًا حيث عائلة شريف القاضي.
وقف أمام باب المرحاض يصرخ بأعلى صوت لديه وغضب أعمى: عشان غبية، عشان إيـــه ياست وسام؟؟ غبيـــــة.
صرخت الطفلة التي حجزت نفسها بالخطأ داخل المرحاض ثم بررت بأنها أردات أن تجرب شيئًا ما، مشهدٌ حدث وتكرر بكثير من بيوتنا ولكنه لأول مرة يواجههم.
– أنا عايزة بابا.
وضع عثمان يديه في خصلاته يجذبها وهو يشعر أنه سيجن، يريد أن يكسر ذلك الباب فوق جسد تلك التي تسمى طفلة عله ينتهي من العذاب: يابت، يابت ماتجننيش أمي يابت.
وما كان جوابها إلا أن صاحت ببكاء: بابــــا.
دفع مصطفى باب المنزل بعد أن أحضر المعدات اللازمة لكسر الباب وجلس أمامه متحدثًا بصوت غاضب هو الآخر: اسكتي يا وسام، اسكتي عشان مكسروش فوق دماغك..
– اكسروا، بالله عليك اكسروا فوق دماغ أمها الحيوانة دي.
صاح عثمان يحرضه بحماس فرمقه الآخر بنظرة أخرسته قبل أن يعود لمحاولته في فتح الباب على طفلته الصغيرة “وسام”.
وبينما هما منشغلون بكل هذا اقتربت منهما فتاة بمنتصف العشرينات، تثائبت وتحدثت بنعاس وهي تحاول فتح عيناها بصعوبة: عايز أدخل، أنتوا واقفين طابور ولا إيه؟؟
التفت لها عثمان: غوري من وش أمي دلوقتي.
فأتاه صوت حاد من خلفه: وماله يا قلب أمك وماله.
نظر لوالدته التي خرجت من المطبخ تحمل معلقة في يد ومغرفة في أخرى بينما تحيط خصرها بمنشفة ثم تطلع لتلك العائلة وللوضع الفوضوي من حولهم وأخيرًا رفع وجهه للسماء: يارب أنت اللي عارف يارب!
أهلا ومرحبا بك عزيزي في منزل عائلة شريف القاضي، السيدة أم مصطفى ترحب بك!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت البنات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى