روايات

رواية بيت البنات الفصل الثالث عشر 13 بقلم أمل صالح

رواية بيت البنات الفصل الثالث عشر 13 بقلم أمل صالح

رواية بيت البنات الجزء الثالث عشر

رواية بيت البنات البارت الثالث عشر

بيت البنات
بيت البنات

رواية بيت البنات الحلقة الثالثة عشر

– منكم لله، ربنا ينتقم منكم واحد واحد، حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله ونعم الوكيل.
صرخت المرأة في أوائل الأربعينات وهي منهارة أرضًا تضرب بيديها فوق صدرها وقد نال منها القهر قدرًا كبيرًا لتصل لتلك الحالة؛ وجهها محمر بشدة وقد امتلئ بالدموع التي تندفع من عينيها كالشلال.
ولكن…
كلُ هذا لا يساوي شيئًا جانب ألم قلبها الذي تفتت حزنًا وهمًا على طفلتها، كل هذا لا شيء جانب خيبة الأمل الذي أُعطى لها عندما طمأنها الطبيب عليها، وبلحظة سُلب منها ذلك الأمل ليقذف من فوق قمة جبل متحطمًا لأشلاء.
كان زوجها يجلس فوق إحدى مقاعد المشفى، يبكي هو الآخر بصمت بينما يخفي وجهه خلف كفيه، وهي على الأرض بجانبه.
دخل في ذلك الوقت من بداية ممر المستشفى طارق الذي يحمل زوجة عمه ولجانبه والده وعمه توفيق ومن خلفهم شقيقه وجنى وندى.
ركض سامر ليسبقه متقدمًا من إحدى الممرضات التي توسعت عيناها بدهشة مع دخولهم دفعة واحدة بهذا الشكل، تحدث بسرعة ولم يلاحظ ما يحدث حوله أو ينتبه لتلك المرأة التي تبكي بصوت عالٍ ملحوظ: دكتور بسرعة لو سمحتِ، حالة مستعجلة.
اومأت له وهي تنظر خلفه لذلك الشاب – مجد – الذي جذب ذلك السرير المتنقل الذي وجده فارغًا بجانب الجدار ليقربه من طارق الذي ترك منة من بين يديه فوقه.
التفت تلك الممرضة تركض في الممر لتنحرف يمينًا ودقائق معدودة وخرجت لهم رفقة الطبيب الذي اقترب منهم بخطوات سريعة أقرب ما تكون للركض.
أشار بيديه للأمام فحرك مجد الفراش الذي تستلقي زوجة عمه عليه حيث يشير ذلك الطبيب ولحق به كلٌ من توفيق وحامد.
أمّا طارق فجلس فوق المقعد المجاور لذلك الرجل يلتقط أنفاسه بينما انكمشت ملامحه بسبب ذلك الألم الذي شعر به في ظهره بينما يتحسسه.
التفت جانبه عندما شعر باهتزاز من يجلس جواره، رفع رأسه لسامر الذي كان يستند على الحائط أمامه والآن فقط انتبه الجميع لذلك الرجل وتلك المرأة أرضًا.!
ناولت جنى هاتفها وحقيبتها لندى التي كانت تنظر للسيدة بحزن وتردد من الاقتراب، أخذتهم منها ورأت شقيقتها وهي تقترب من تلك السيدة دون أي تردد.
انخفضت جنى لمستواها، وضعت يدها فوق كتف السيدة التي تبكي وهي تخرج آهةً من حينٍ لآخر: أنتِ كويسة يا طنط؟؟ ليكِ حد هنا؟؟
ولم تتلقى سوى البكاء الذي ازداد بعد سؤالها، التفت تنظر لندى ولأبناء عمها فلم يعرفوا ماذا عليهم أن يفعلوا.!
تحمحم طارق بحرج وهو يسأل الرجل بجانبه: حضرتك ليك حد هنا؟؟
وتابع قبل أن يجيب الرجل: ربنا يخرجه ليكم كويس.
رفع الرجل وجهه فرأى كلٌ من سامر وطارق عينَه الحمراء المنتفخة من الأسفل، تطلع الرجل لطارق بإبتِسَامة صغيرة جِدًّا وهو يربت على قدم طارق: ربنا يرحمها يابني، ربنا يرحمها..
ابتلعت جنى ريقها ودون أن تعرف أي شيء عن هوية ذلك الميت احتضنت السيدة تحاول أن تواسيها بكلمات صغيرة علّها تزيح القليل من الحزن بقلبها ولكن كيف!! الميتُ ابنتها، صغيرة أتمت العشر سنوات منذ أيام واحتفلوا بهذا هنا في المشفى، ماتت متألمة بفضل ذلك المرض الخبيث الذي أدى لتساقط شعرها بالكامل.
انهمرت دموع السيدة وهي داخل أحضان تلك الغريبة – جنى – تتذكر يومَ بكت طفلتها بسبب تساقط شعرها المفاجئ وكيف عانقتها وهي تبرر لها كاذبة كي لا تصدمها: يا عبيطة دا كدا ربنا بيحبك، شعرك كله هيقع وبعدين هيطلع أتقل وأنعم وأحلى، مش أنتِ كنتِ عايزاني أكويهولِك؟؟
أومأت الصغيرة بحماس ثم قالت بعد أن نسجت خيالها البريئ في عقلها: يعني هيبقى زي شعر كوشي كده يا ماما؟؟ طويل وناعم ولما أقف قدام المرايا بيه يفضل يطير لورا؟؟
ابتسمت السيدة وهي تعانقها بدموع حاولت منع نزولها بقدر المستطاع: ايوة يا قلب ماما، أيوة..
خرجت منها آهة طويلة وهي تردد ببكاء: آآه يابنتي..
ربتت جنى على ظهرها بدموع هي الأخرى وهي تتحدث بتأثر وقد تذكرت خلود: ربنا يرحمها يا طنط، ربنا يرحمها ويصبركم..
ومع قولها “آآهٍ يا ابنتي” امتلئت عيون ندى بالدموع، لن يشعر أحد بتلك السيدة بقدر ما تشعر هي بها، تعلم وحدها ألم الفراق فهي وحدها مَن جربته، حركت قدمَها بالقرب منهما وقبل أن تصبح أمامها استوقفها ذلك الصوت الغاضب والذي جاء من نهاية الممر.
– دي بلد بنت **، بلد ** زي اللي ماسكها واللي عنده حاجة يعملها، والله والله والله مانا قاعد في ام دي خرابة..
كان هذا عثمان الذي خرج لتوه من مكتب المسؤول، وقع بصره على تلك السيدة التي تتوسط أحضان تلك المجهولة، اقترب منهم عثمان الذي كان يلعن ويسب كثيرًا بسبب انقطاع الكهرباء أما يكفي إنقطاعها مرة واحدة باليوم وفي غير موعدها الذي اعتادوا عليه! لما يعيدون قطعها وبذلك الشكل الذي أدى بحياة أحدهم إلى الموت!
انخفض لمستوى المرأة البسيطة التي لازالت تبكي متحدثًا بلطف وشفقة بآنٍ واحد بعد أن ابتعدت عنها جنى لتقف بعيدًا عنهما معتقدة أنه قريبها: قومي يا حجة مينفعش قعدتِك كده، قومي ربنا يصبركم على فراقها.
حاول أن يعاونها على الوقوف ولكنها لم تكن تريد هذا حتى، وثقل جسدها لم يساعده في رفعها بمفرده، تحمحم بحرج وهو ينظر لجنى التي اقتربت منه تساعده في ذلك وهي تترك ذلك الاحساس الذي يخبرها انها رأت ذلك الطبيب من قبل جانبًا.
أجلسوها بجانب زوجها الذي حاوط كتفها بحنان رغم بكائه هو الآخر بينما جلس عثمان القرفصاء أمامها، ربت على كفها الذي تضعه فوق قدمها وهو يتحدث بدفء ونبرة لا تشبه تلك التي كان يصرخ بها منذ دقائق: ربنا سبحانه وتعالى بيقول في سورة الكهف “وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا” أنتِ متعرفيش الخير فين يا حجة ولا الشر فين…
نظرت له جنى بشيء من عدم الفهم والزهول، هل هذا الوقت المناسب لذلك الحديث!!
في حين طالعته السيدة وهي غير واعية لما يرمي إليه فتابع هو موضحًا ما يعنيه وبشيءٍ من التفسير: يعني الغلام ده أو الطفل ده في علم الله كان كافر فربنا سبحانه وتعالى أمر سيدنا موسى بقتـ.ـله خوف على أمه وأبوه إنه يرهقهم أو إنه من حبهم فيه يصبحوا هم كمان كفار مثله!
استرسل عثمان بسرعة وهو لازال يجثو أمامها رغم ألم ركبتيه: مش القصد إن بنتك لا سمح الله كافرة واستغفر الله طبعًا بس ربنا يمكن رحمها ورحمكم من حاجة في علمه وحده..
ابتسم عثمان ابتسامة صغيرة وهو يستكمل: وفي الآية اللي بعدها ربنا بيقول ” فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا”، ربنا صدقيني هيبدلِك خير وافتكريني بالكلام ده..
تبدلت تلك البسمة فجأة لغضب كبير وهو يحثها: وأنا والله بكلامي ده مش بدافع عن المكان هنا أو عن البلد الزبالة دي، وأنا اللي بقولك أهو ادعي عليهم كتير وبقلب ولسان مظلومة..
سرعان ما تغيرت لهجته العالية لأخرى لينة: عيطي يا حجة زي ما أنتِ عايزة دي مهما كان بنتِك وضناكِ، بس كل واحد مكتوبله عمره، من حقك تزعلي يا حجة.
وقف وتحرك للخارج تاركًا خلفه أربعة أزواج من العيون يتابعونه بمشاعر مختلفة، منهم من راقبه بحيرة وتعجب لذلك الإنقلاب الذي حدث وهو يحاور السيدة ومنهم من كان يبتسم لكلماته ومنهم من شرد بحديثه كندى التي شعرت أن هذا الحديث لها هي.
وبين مشاعر أولاد العم المختلفة كانت السيدة تبكي ولكن بصمت وهدوء، تنظر للأرض بينما تهبط الدموع بعينها وهي تردد يارب من فترة لأخرى.
بالخارج وقف ينظر للمشفى بعيون ملتمعة، ها هو يودع المكان الذي استقبله ببداية عمله، ها هو يعيش اسوء لحظات حياته وهي فقرة الوداع، يكره لحظات الوداع ويكره قلبه الذي يتألم في تلك اللحظات.
لم يكن المكان بهذا السوء قبل ستة أعوام، لم يكن هكذا عندما بدأ العمل به لأول مرة، كان منظمًا ولديه قواعد ثابتة تحافظ على أمان مرضاه وراحة موظفيه ولكن الآن لم يعد أي شيء كما كان، صار الإهمال واللامبالاة قائدي تلك المشفى.
نظر عثمان لساعة يده فوجدها العاشرة إلا دقائق بسيطة، تحرك صوب سيارته ثم صعدها ليتحرك بها لمقر عمل أخيه؛ قسم الشرطة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وببناية عائلة الهلالي، التفت كلٌ من بسملة وبسنت حول نرمين ابنة عمهما سلطان، كانت تبكي لساعة كاملة دون أن تتوقف، حاولا الاثنان أن يجعلوها تهدأ لكن دون جدوى.
ملت بسملة من هذا ووقفت متحركة لغرفتها دون أن تهتم لنظرات بسنت المحذرة، توترت بسنت أن تشعر نرمين بالحزن بسبب فعلة بسملة فوقفت هي الأخرى تمد لها يدها: نرمين تعالي ندخل البلكونة، بالله عليكِ تهدي عشان نعرف نتكلم!
لم تكن العلاقة بين نرمين وأولاد وبنات عميها قوية كما العلاقة بينهم، كانوا دائمًا يجتمعون في منزل جدهم بالطابق الأول يوم الجمعة بإستثنائها هي ووالدتها التي اكتشفت حقيقتها المؤلمة والقاسية اليوم.
وفي أي مناسبة كذلك كانت ترفض الذهاب معهم ومشاركتهم رغم الحاحهم عليها، رفضت ترابطهم قديمًا لذا بسنت لا تعرف ان تتصرف معها كما تفعل مع أخواتها أو حتى أبناء عنها!
تحركت مجبرة معها للشرفة، جلستا بجانب بعضهما البعض، حاولت بسنت أن تتحدث معها في أي شيء لكن الأخيرة التزمت الصمت، وكيف تتحدث بعد فعلة والدتها القذرة والمخجلة!!
ورغم غضب بسنت من زوجة عمها إلا أنها رأت ان لا ذنب لنرمين بهذا كله، إنها ضحية هي الأخرى.
تنهدت بسنت ملتزمة الصمت هي الأخرى بعد أن باءت جميع محاولتها بالفشل.
بغرفتها هي وبسملة، كانت تجلس أمام خزانة ملابسها تلملم بعض مع ملابسها التي ستحتاجها خلال أيام إقامتها في الجامعة، عندما أضاء هاتفها برسالة من تطبيق “الواتساب” من رقم غير مسجل.
قطبت بسملة جبينها والتقطت الهاتف تفتحه على تلك الصور التي لم تتعرف على محتواها بعد ولكنها فجأة تسببت في ألم بقلبها.
وما إن وقع بصرها على تلك الصور حتى ازداد هذا الألم وازدادت معه وتيرة تنفسها كما حدث سابقًا، قرأت الرسالة التي أرفقها ذلك المجهول بتلك الصور؛ “وابقي سلميلي على البلوكات اللي عملتيها.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي مكان آخر تحديدًا بناية ناصر وعائلته، مطت “إيمان” والدة ناصر شفتيها متحدثة بغيظ وهي توجه حديثها لتلك التي تجلس جانبها تتابع الشاشة وما يعرض فيها: هو ناصر أخوكِ هيفضل على الحال ده كتير؟؟ أنا هموت وأعرف اتكلم في ايه مع اللي ما تتسمى ندى.
رفعت هايدي كتفها بلامبالاة فلكزتها إيمان مشيرة بعينيها للمطبخ: قومي في جوة في الفرن طبق بسبوبة، حطيه على الصينية اللي على الرخامة وطلعيها ليه.
– يا ماما هو هيستنى كل ده من غير أكل؟؟ زمانه صرف نفسه!
صاحت بها وهي تغير القناة: ما تخلصي وتقولي حاضر، منزلش ساعة الفطار ولا الغدا وهو مش بيعرف يعمل حاجة في المطبخ وزمانه جعان.
اعتدلت هايدي تجيبها بنفس النبرة العالية: افرضي حاول يعرف حاجة مني زي ما عمل يوم ما راحلها، يا ماما شكله عرف كل حاجة خلاص!!
وما كادت تجيبها إيمان بأن ندى جبانة ولن تخبره بما حدث في ذلك اليوم حتى تفاجئ كلاهما بصوت ناصر القوي والغاضب من أمام باب المنزل الذي اعتادوا تركه مفتوح طوال اليوم: اللي هي ايه كل حاجة يا هايدي؟!!
خلع حذاءه وتقدم للداخل، أغلق التلفاز وجلس قبالتهما، تطلع الأم لإبنتها والعكس في نظرات خائفة مرتبكة وقلقة وراقب هو تلك النظرات وقد تيقن أن شكه في محله.
تحدث بألم وهو يوزع نظراته بينهما: ليه يا أمي يوصل بيكِ الحال إنك تهيني مراتي بالشكل ده؟؟ ليه تسمحي لبنتِك اللي أصغر منها تهينها بالشكل ده؟؟
قال وهو يشير على هايدي التي ابتلعت ريقها لتتصنع الغضب وهي تندفع متحدثة: هي قالتلك ايه بالظبط الحر….
قاطعها صارخًا بعذاب: اخرسي خالص، اخرسي خالص ياللي أنتِ اختي، بعد ده كله طلعته مش فارق معاكم أي حاجة غير نفسكم! حتى بنتي!! بنتي اللي أنتوا كنتوا السبب الأكبر في اللي حصلها..
صرخ في جملته الأخير بوجه الإثنين،
تطلع لهما بقهر، لم يكن حزنهما يومًا وفاتها حقيقًا، كانت مسرحية أجادوا تمثيلها.
وقف يرميهما بنظرات أخيرة، نظرات مليئة بالنفور والغضب … والكراهية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالمشفى، ظهر مجد أخيرًا رفقة عمه توفيق ووالده حامد، اقترب منهم كلٌ من سامر، طارق وندى في حين ابتعدت جنى التي تلقت مكالمة من رقم غير مسجل..
رفعت الهاتف فوق اذنها وتحدثت بصوتٍ متعب بفضل ذلك اليوم المليء بالحوادث والمفاجأت: ألو.
– آنسة جنى، حبيت أبلغِك إننا وصلنا للمجهول.
رفعت حاجبيها بدهشة لتلك السرعة، مرت ساعات منذ أن كانت بقسم الشرطة لتبلغ عن ما حدث لمكتبها فهل وجدوه بتلك السرعة!!!
– مين؟؟
سألت وترقبت بلهفة وغضب، فأتاه صوت الظابط مصطفى بتلك الإجابة المنتظرة والتي جعلت الدماء تغلي بعروقها: عصام سعيد الزهراني…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت البنات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى