رواية بنت المعلم الفصل الأربعون 40 بقلم حسناء محمد
رواية بنت المعلم الجزء الأربعون
رواية بنت المعلم البارت الأربعون
رواية بنت المعلم الحلقة الأربعون
(؛1)
ألقي جسده فوق الأريكة مرة أخرى بإهمال….. نظر إلى سقف الغرفة بشرود، رأي كل ذكرياتهم منذ أن خطفت قلبه لأول لقاء لهما، كل مرة استطاعت أن ترسل السرور لقلبه بضحكتها الرنانة، خرجت تنهيده حاره من لهيب صدره، عجز عقله عن ايجاد أجابه لما يحدث معه…. لم يطلب سوي حياة هادئة مع أسرته الصغيرة، الهدوء الذي لم يشعر به منذ نعومة أظافره…
: ليه كدا يا نيره
حدث نفسه يعاتبها وكأنها بجانبه، غصة شهقت جوفه وهو يري صورها الجريئة مع عماد….. سكين غرز في منتصف قلبه مع كل ثانية تمر وهو يعيد ذلك الفيديو وهو يحتضنها، حذرها مراراً بأن تبتعد عن تلك الحية…. كان يريد أن يقوي خيط رفيع بينهما كي ينجو معها في قارب حبهما البصيص، ظل يأنبها في نفسه حتي بلغ منه الوهن، يعلم أنها بريئة ومتأكد من عدم صدق تلك الصور …. لكن هموم العالم اجتمعت أمامه، لن ينتهي الأمر الا بموته أو إنهاء حياة ذلك الخسيس عماد، إذا فعل ذلك ما رد والده المسكين الذي مازال داخل قوقعة الألم بسبب مي وما فعلته ؟! والآن ابنه الوحيد يدمر مستقبله !! ماذا ستفعل تلك الحرباء أن لم تحصل علي مبتغاها في تدمير حياتهم !!
أغمض عينيه لثوان محاولا فصل تلك الحروب المشتعلة داخل جمجمته، والتفكير في حل رزين يخرجه من ذلك المأزق دون خسائر ….. والأمنية الوحيدة أن تمر ساعاته القادمة قبل يفقد سيطرته علي ما تبقي من أعصابه،
؛*******************
: والله ما صدقت لما قوليلي أنك هنا
هتف جملته بسخرية وهو يهبط الدرج بثبات….. رفع عباس نظره يرمقه بغل واردف :
نضفت يابن بياع الخضار
ابتسم عامر وهو يجلس علي المقعد بغرور قائلاً :
مش هرد عليك بما أنك في بيتي
جال عباس بنظره يتأمل منزله القديم مغمغم بحنق :
متقلقش كل حاجه هترجع لصاحبها قريب اوي
واستطرد متسائلاً :
صحيح من أمته وأنت شغال من تحت لتحت ؟؟
قطب عامر جبينه باستفهام وسأله هو الآخر مستفسرا :
تقصد ايه ؟!
ضحك عباس وقال باقتضاب :
صدقني الانت متحامي فيه نهايته قربت والاحسن ليك تبقا في صفي
تطلع عامر إليه باستغراب مردد ساخراً :
عمري ما هكون أنا وأنت في طريق واحد يا عباس
واسترسل بجدية :
والشغل التحت لتحت دا أنا وأنت عارفين كويس من شغال فيه من زمان
لوي عباس جانب فمه وهتف بضيق :
خلاص يا عامر كل انكشف وعرفنا أن سالم وافق أنك تاخد بيتي عشان تكون كبش فدي يوم ما يحب يرميك بعد ما يطلع آثاره
استكمل بخبث نابع من عينيه :
بنت محمد الصفواني جات وطلبت المساعدة عشان ترجع بيت أبوها وسالم بكرا ياخد بضاعته ويسلمك للحكومة وقتها محدش هينفعك
صدم عامر من فعل عليا الاهوج، وكيف تستعين بمثل هؤلاء لأخذ شئ ليس من حقها ….. ابتسم عباس بعد أن ألقي سمه داخل عقل ذلك الشارد، وتيقن أن بالفعل تحت قدميه كنز ثمين غفل عنه لسنوات طويلة، كان من الممكن أن يجعله ملك من ملوك الأرض..
: عايز ايه ؟!
سؤال خرج من عامر وهو يرمق عباس باقتضاب…… وقف يخطو منه ببطيء وهو يشير علي المكان من حوله متمتم :
تكون في صفي وهتكسب، عز هيجي يقابل الاسمه موسي والباقي ميخصكش ونسبتك محفوظة
اقتصر تلك الجلسة متسائلاً بجمود :
امته ؟؟
ارتخت ملامح عباس براحة بعد أن حصل علي مبتغاه :
بعد صلاة العشا
وقف عامر مردد بتهكم :
لا وانتو من أهل الدين وبشدة
أنهي حديثه وهو يشير علي باب المنزل ….. حرك عباس رأسه بهدوء ثم خرج دون أن يضيف، يكفي استطاعته بكل سهولة أن ينجح في مخططتهم، وبعد ذلك سوف يعطي عامر درس لن ينساه …
علي الجهة الأخرى زفر عامر بيأس فقد بلغ جنون التملك منهم جميعاً، حتي المعلم سالم مثله الأعلى، حقا كم هو مخيف …. استطاع أن يخفي وجهه الحقيقي تلك الأعوام ويرسم بدلاً منها وجوه الحق، والعدل، رجلاً لا يرضي بالظلم …. الحلال والحرام يرسمان طريقه، لم يختلف إثنين علي شخصيته الحكيمة، مرعب أن تعيش مع شخص أعوام وآخر المطاف تنصدم بوجه آخر لا يمس ذاك بصلة … بقلم حسناء محمد سويلم
؛*****************
في مكان آخر أشبه بمجهور
رفع نظره ينظر من يفتح الباب عليه تلك المرة، فمنذ مجيئه لا يأتي إليه سوي رجل مجهول الهوية بالنسبة إليه يضع صينية بها طعام وزجاجة مياه، ومن الواضح أن لديه أوامر بعدم التحدث معه نهائياً ….
: معتصم ؟!
نهض من جلسته متأملا أخوه بدهشة ولا مانع من بصيص أمل في خروجه من ذلك المكان …. دلف معتصم مغلق الباب خلفه برفق، وتقدم منه بوجه عبوس قائلا بجمود :
القعدة هنا شكلها عجبتك
حدق أحمد به بتعجب وسأله بشك :
يعني المكان دا تبعك ؟!
لوي معتصم شفتيه مردد بسخرية :
نفسك اقولك ايوا صح
واستطرد بصياح :
لكن لا يا احمد وأنت عارف كويس المكان دا تبع مين
أصاب الذعر قلبه أكثر فلا داعي من الأساس تأكيد فكرة موته هنا … بلع لعابه وهتف بتعلثم حاول اخفائه :
مش هتفرق المكان تبع مين المهم هخرج أمته
فاض الكيل من بروده وكبريائه الزائف…. انقض معتصم يمكسه من تلابيب جلبابه مزمجر بحده :
ياخي أنت ايه معندكش دم مش بتحس
دفعه بعنف مستكملا بغضب شديد :
ابوك بيدور علي مشتري للبيت وعمل تنازل عن الأرض، وأنا بهد كل حياتي عشان خاطر خالك يوافق يسيبك لو طلعنا من البلد وأنت بكل برود مش همك غير نفسك
اعتدل أحمد في وقفته مردف بخفوت :
يعني خالي وافق يسبني لو طلعنا من البلد
ضحك معتصم وهتف متهكما :
ترمي علي مراتك الـ هي أساسا بنت خالك ماية نار وتدمر حياتها وعايز ابوها يسيبك حي
اختفت بسمته الساخرة واسترسل متسائلاً بجمود :
هو أنت مش عارف مين المعلم سالم ولا اي ؟؟
جلس احمد علي المعقد يهمس بقلق :
ولما هو عايز يقتلني سايبني هنا ليه
أخرج معتصم ورقة من جيب سرواله وهو يقول بحنق :
عشان يشوف الرعب الأنا شايفه في عنيك دلوقتي
وألقي الورقة مستكملا :
امضي علي ورقة الطلاق يمكن كلام ابوك يطلع صح ويسيبك لما تطلق بنته ونطلع من البلد
تطلع أحمد الي الورقة بعدم تصديق … في نفس الوقت فتح الباب ودلف ذلك الضخم وهو يقول بحده :
المعلم سالم قال خمس دقايق
كان يتحدث وهو ينظر إلي معتصم الذي فهم أن وقت مغادرته قد حان، أخرج القلم وأعطاه الي أحمد مرسل إليه نظرة حاده ….. أسمك القلم بيد مرتعشة، وعينيه غير مستوعبه أنه بالفعل يمضي باسمه في قسيمة الطلاق..
أخذ معتصم الورقة وغادر سريعاً فقد كان مرغما علي مجيئه….، ترجي والده بأن يترك المعلم سالم يتصرف مع أحمد كما يشاء، ولا داعي بأن تهدم حياتهم لأجل أرعن مثله …. ودائماً كانت إجابة صبري بأن عليه أن يفعل المستطاع كي يخفف بطش سالم عنه،
؛*********************
ارتدت عباءتها واختارت ما يناسبها من ألوان الحجاب …. بعد أن تأكدت من مظهرها، أخذت هاتفها ووضعته في الحقيبة وهي تخرج من الغرفة، نظرت إلي الصغار بملل وهو تقول بحنق :
يعني يوم ما اخرج اسحب ورايا اربع عيال
زفرت بضجر ثم أشارت إليهم مردفه بأمر صارم :
بصوا بقا شقاوة وعدم سمعان للكلام مفيش كرتون جديد نهائي، هتروحوا معايا ساعتين ازور اهلي تقعدوا زي المسطرة يا إما ايه
أكمل الصغار في آن واحد :
مفيش كرتون نهائي
أكدت إليهم مستكملة :
يلا، رشدي ومؤمن امسكو في ايد بعض وقدامي
مالت بجزعها تحمل ربيع وهو تشير إلي حنان :
تعالي يا حنان امشي جمبي ويلا بينا يا سي بعبع
نفذ الصغار أمرها بحماس فتلك أول مره يخرجوا من المنزل منذ فترة كبيرة…. تمعنت بهم ثم فتحت الباب، كادت أن تخرج لولا أن أوقفها صوت رنين هاتفها، لم يصعب عليها أن تعرف المتصل دون أن تري الهاتف، فهو يتصل للاطمئنان علي أطفاله عشر مرات في الدقيقة..
: خير، هو أنت مش تفصل
جاء رد ربيع بصوت غاضب :
وأنتِ أمته تتكلمي زي بقيت الحريم الـ بتكلم رجالتها
تهكمت مي متحدثة باستفزاز :
وهو فين الرجالة دي
اخفت ضحكتها هي تستمع لصياحه الحاد :
ماشي يامي وحياة أمي لما انزل لاعرفك هي فين الرجالة
تأففت وهتفت بضجر :
بقولك ايه أنا مش عايزه وجع دماغ، وعايزه امشي
كتم غيظه ورد عليها بضيق :
سيبي العيال عند امي أنا عرفتها أنهم هيقعدوا معاها لحد ما تشرفي
رفعت نبرتها الساخرة قائلة :
اه عشان لو عيل اتخدش ترجع تقولي دا مش الاتفاق، مش كفايا قولت اسبوع ولسا مبلط عندك
غمغم ربيع بسخرية بالغة :
معلش هوقف مصالحي عشان المدام مش صابرة يومين كمان علي طلاقها
ردت عليه ببرود :
الكلام هيفيد بـ ايه مع واحد مش بيفهم غير في البهايم
: ما هو عشان كدا اتجوزتك
تحدث بفظاظة واغلق المكالمة فجأة…. وضعت مي الهاتف في الحقيبة وهي توبخه بضيق، ثم خرجت للأطفال المنتظرين أمام الدرج، وانطلقوا الي واجهتهم …
؛***************** بقلم حسناء محمد سويلم
عودة إلي القاهرة
دلفت لغرفتها مجددا بعد أن صنعت كوب من القهوة سريعة الذوبان … أغلقت الباب ووضعت الكوب علي المنضدة القريبة من فراشها، أكملت باقي حديثها من خلال سماعة البلوتوث قائلة :
طبعا كلنا استغربنا ازاي محمود قدر يفكر كدا
تمتم رنا بهيام :
يا بخت اختك هو في حد لسا بيحب كدا
انكمش بين حاجبيي رحمه مردده :
أنا بصراحة مش فهماكي قادرة ازاي تعجبي بكل دول مع انهم مختلفين عن بعض
جاء رد رنا السخيف قائلة :
يا بنتي أنتِ وأخواتك الـ عايشين في الزمن تاني، مش هيحصل حاجه لو دخلت في علاقة واتنين وتلاته هي الحياة هنعشها كام مره
مطت رحمه شفتيها مردفه بقلق :
بابا لو سمع كلامك هيخليني اقطع علاقتي بكل الناس مش أنتِ بس
قهقهة رنا بميوعة وسألتها :
هو باباكي معاكم 24 ساعة ؟
إجابتها رحمه بجدية غير مدركة مدي تفاهة تلك الساذجة :
مش 24 ساعة بس موجود معانا
ردت عليها بسلاسة :
ايه يعني بقا لما افك عن نفسي شويه، بذمتك دكتور خيري يترفض ازاي دا عنده فلوس تمتعني سنين وهضمن نجاحي بتقدير كمان
سألتها رحمه مستنكرة طريقة تفكيرها :
فرق 20 سنه بينكم ؟؟
إجابتها بضحك :
وايه يعني دا فرق 20 سنه، المره الجايه يكون زي منير المقشف الكحيان، بعده يكون زي محمود، وعدي علي كدا كل مرة راجل شكل بظروف مختلفة
استرسلت سُمها قائلة :
ولا عايزاني أوصل لدكتورة نفسية زيك كدا
اندفعت رحمة مردفه بضيق :
أولا أنتِ عارفه أن أنا الطلبت اقعد معاها، ثانيا فعلا كلامها وأسلوبها صح أنا حبيت اتكلم معاها جدآ لما اقترحت عليا بلاش جلسات ونتكلم في الفون كل يوم نص ساعة
هتفت رنا بملل :
ومالو خاليها تنفعك، أنا هقفل دلوقتي وهكلمك تاني
: اوك
أعادت رنا حديث رحمه بسخرية متمته :
بومه آخر حاجه
بحثت في قائمة الأسماء حتي حصلت عليه ثم ضغطت علي زر الاتصال ….. في ثوان جاء رده قائلاً بلهفة طاغية :
ها في جديد؟؟ قالتلك حاجه عني ؟ ولا بدأت تهدي !!
ضحكت رنا بدلال مردفه :
ايه يا دوك اتقل شوية مش كدا
رد عليها خيري بحده طفيفة :
رنا أنا خلقي ضيق وأنتِ لحد دلوقتي محلك سر
رفعت حاجبيها باستنكار مغمغمه :
والمفروض أن اعمل ايه اكتر من كلامي طول الوقت عنك وأنك فرصة مش هتتعوض
هتف باقتضاب :
تتكلمي تتشقلبي الامتحان الجاي مش هتنجحي فيه غير لما اسمع أن رحمه اقتنعت، تهرب بها، تعصى أبوها، معرفش تعملها ازاي المهم أن رحمه تكون ليا
واغلق المكالمة في وجهها …. ألقت رنا الهاتف متأففة، بعد ذلك التهديد إن لم تنفذ ربما سترسب للسنة الثانية، وهكذا سيعلم والدها بأنها ليست في الفرقة الرابعة ….. ابتسمت بمكر عندما تذكرت رقم الهاتف التي استغلت عدم وجود رحمة معها عندما كانت في زيارتها ودونته دون علمها،
: تجربة جديدة معاك يا حوده يا قمر أنت
؛*****************
كان يقف أمام العمال يتأكد من خروج الشاحنات المحملة بأدوات البناء بنفسه، لذلك كان الجميع يعمل علي قدم وساق…. رب عملهم هذا ليس كأخوته أو والده، قسمات وجهه الحاده ونبرته الصارمة ترهبهم من اقتراف خطئ… بقلم حسناء محمد سويلم
أنتشله من تركيزه صوت رنين هاتفه، أخرجه من جيب جلبابه الرمادي واجاب دون أن يلتفت للمتصل :
السلام عليكم
جاء صوتها اللطيف قائلة :
وعليكم السلام
يا ويلتاه نسيم روح هادئة رفعته لأعلي سماء صافيه، وأخذت نبرتها محل زقزقة العصافير…. تحلق به في عالم آخر
: يعقوب
هتفت باسمه عندما طال صمته ….. التف الآخر يخطو بعيداً عن الضوضاء وهو يجيبها بتسلية :
مين معايا ؟؟
جدية صوته جعلتها لم تستشف مزاحه، فأردفت باستنكار :
مين !! مش عارف انا مين ؟!
حاول تماسك نبرته الجامدة مردد :
معلش يا آلاء أنا في الشغل كلمي سميه علي رقمها ولما ارجع البيت هبلغها تكلمك
صاحت حسناء بصوت حاد عكس طبيعتها :
الاء مين !! وهي اصلا تكلمك ليه ما تكلم أختك علي طول
ابتسم بمكر وهتف بعبث :
لا أنا خلاص عرفت جعفر الـ بيطلع مرة واحدة دا تبع مين
” جعفر ” همست بعدم تصديق لما وصفها به الآن ….. كتم يعقوب قهقهته الخافتة بصعوبة قائلاً :
ايه يا حسناء خير
صاحت باستهجان :
أنا جعفر ؟!!!
واستطردت بضيق :
اه أصلك مش بتحب غير المسهوكين، أساساً أنا عارفه من الأول أن بابا غلطان هو مفكرك محترم و..
بترت باقي حديثها عندما استمعت الي ضحكاته الخافتة، شعرت لوهلة أنها ساذجة لتقع في فخ كهذا …. وحمحمت بنعومة متمتمه بجدية :
علي فكرا أنا عارفه أنك بتستهبل من الأول
لم يرد عليها شعوراً بحرجها … استغلت صمته وسألته بهمس :
هو خليل كلمك ؟؟
أجابها بثقة :
كنت متأكد أنك هتسأليني عنه
جاءت نبرتها الغاضبة قائلة :
طيب لو سمحت تقولي ايه الحصل بينكم وأنت قولت ايه عني من غير كدب
قطب يعقوب جبينه باستفهام مردد بحنق :
ايه قولت عنك دي ؟؟
أعادت حسناء سؤالها بهدوء :
لو سمحت احكيلي ايه حصل ؟؟
لم يكترث يعقوب كثيراً وقص إليها ما حدث …… ضغطت حسناء بغيظ مردفه بشراسة :
كنت متأكده أنه كداب وأنك مستحيل تقول كدا عني
تدفق الدماء في رأسه بعنف متسائلاً بترقب :
وهو قالك ايه ؟؟؟
كانت تعلم أن الأمر لن يمر مرور الكرام إذا علم يعقوب بكذب خليل، ولكن كان عليها التأكد بنفسها، وأيضا تنذر يعقوب من تخطيط ذلك الخبيث …
: هو كلم مها مش أنا، وقال كلام ملوش لازمة
زمجر يعقوب بنفاذ صبر :
ايوا ايه الكلام دا
بهتت نبرتها هامسة :
كلام ملوش لازمه وخلاص يا يعقوب، وبعدين مها متأكدة انك مش ممكن تقول كدا وعارفه أنه كداب
سألها باضطراب قلقا من إجابتها :
وأنتِ ؟؟
دون تفكير هتفت بتأكيد :
عارفه أنه كداب طبعاً
تنهد براحة علي الرغم من النيران المتأججة بداخله، لقد تخطي خليل حدوده وعليه أن يعلم مدي عقوبة أن يقترف خطأ معه
: هو أنا لو قولتلك بالله عليك بلاش مشاكل، ولا كأنك سمعت مني حاجه هتسمع كلامي
تمتم بشرود أصابها بالقلق :
لازم كل واحد يعرف حدوده كويس
ردت عليه بعتاب :
أنت كدا هتخليني اندم عشان اتكلمت معاك، وخاليك فاكر أن أي حاجه هتحصل اسمي هيكون فيها شوف الناس هتقول ايه بقا لما اتنين رجالة يتخانقوا عشان واحده
ضغطت على أسنانه مسيطر علي علو صوته مردف :
أنا مش عيل عشان اخلي سيرة حريمي علي كل لسان واي حد يفكر يجيب سيرتك هدفنه مكانه
ابتسمت بسعادة لم تعلم سببها بعد، نسبها من نسائه وأسلوبه الشرس في حمايتها، جعلها تود شكر خليل لفعله، لتري ذلك الاندفاع من أجلها ثانية
: هقفل دلوقتي لان مش عارف أكلمك من صوت العمال
ودعته قائلة :
في حفظ الله
تنهدت بقلق ثم نهضت تخبر مها لعلها تطمئنها، وتكذب حسها بأن الأمر علي ما يرام حتي الآن
؛*****************
بعد صلاة العشاء
في الوقت المحدد بالدقيقة، مع خروج الناس من المسجد بعد اتمام صلاة العشاء، وقفت سيارة عز أمام المنزل المقصود ….
ارتجلت من المعقد المجاور له وهي تلوك العلكة بطريقة مستفزة، حدقت بطلته المثيرة … جلبابه الأبيض الناصع، حذائه الاسود اللامع، شعره المصفف وكأنه رص بعناية، ثم رفعت نظرها تتأمل ملامح وجهه … لحيته الخفيفة المهندمة، أعينه الرمادية التي تجعلك تقول سبحان الله كلما رأيتها …
: يا خسارة الحلو مش بيكمل
ابتسم عز بغرور هامسا بجانب أذنها بوقاحة :
نخليه يكمل دلوقتي
رمقته ساره مردده بتهكم :
دا لما أمك تطلع من تربتها أن شاء الله
رد عليها بدهاء :
مش يمكن أنتِ تروحيلها
بصقت علي الجهة الأخرى بصوت منخفض وهي تلحقه، بعد أن أرغمها علي المجيء معه لمقابلة موسي…..
جلست علي الأريكة المقابلة له وهي تتأمل المكان، دقيقة وظهر شخص لا يقل وسامة عن عز … دلف مرحب بحفاوة بسارة :
وأنا أقول البيت نور فجأة ليه
ابتسمت سارة بدلال وهو تراه يمسك كفها يقبله برفق …. رفع عز حاجبيه باستنكار، بينما ردت ساره بهمس غير معهود منها :
دا البلد النورت بوجودك
رتب موسي علي كفها وكاد أن يتساير معها لولا أنه لمح ظل خلفه، عندما دار اليه وقف يصافحه معرف بنفسه بعنجهية :
عز منصور عزب
صافحه موسي ببرود مستشف غروره، هتف عز بجمود :
مش هاخد من وقتك كتير
جلس موسي واضع ساق في الأخرى مردد :
هنشوف
ضغطت عز علي فكه بقوة واردف :
في عرض يمكن يكون مكسب ليك
: أعرفه
ذلك المستفز لن يصمد أمامه عز كثيراً…. أشار عز علي المنزل قائلا :
تسلمنا الـ هنا مقابل ارض الجناين
ضحك موسي بشدة مردد ساخراً :
اسلمك ايه يا بابا
احتدت نبرة عز مردف بنفاذ صبر :
تسلملنا كام تمثال مقابل أنك تشيل مقبرة
حدق موسي إليه بشك متسائلاً :
أنت عارف انا شغال في ايه ؟؟
ابتسم عز مجيبه بتهكم :
أكيد مش تاجر سبح
رمقه لبرهة يتفحص ملامحه الجادة ثم مغمغم :
قبل اي كلمة اشوف واعاين الأول
وقف عز مردد بحماس :
وانا مش بحب اضيع وقت، المكان ميتوهش وانا في انتظارك
غادر وترك ساره مندهشة من تصرفه، رحل وكأنها هواء شفاف متجاهلها بطريقة جرحت مشاعرها أمام موسي …
صعد سيارته وهو يفكر في صحة مخطط والده، وخاصة أنه مازال يشك في أمر موسي….. طيلة الطريق كان شارد في المستقبل المجهول الذي أصبح الآن في يد غريب يمكن له أن ينهيهم في آن واحد ،
كان يخطو الي غرفته فعليه التفكير بهدوء مع كامل الأدلة … وقف فجأة عندما رأي عليا تخرج من المطبخ حاملة صينية بها فناجين قهوة، هبط مرة أخري وهو يهتف بحنق :
مش معقول تتعبي نفسك وتدخلي المطبخ
أنهي حديثه وهو يأخذ الصينية …. توردت وجنتي عليا عندما لامسة يد عز، ثم تمتمت بخجل :
أنا بحب اعمل قهوتي بنفسي وبعدين لقيت عمو منصور وطنط هاديه موجودين عملت ليهم
مال إلي الأمام يقترب منها أكثر هامسا بهيام :
يا خسارة مليش حظ اشرب من ايد السكر
رفعت عليا يدها تعيد خصلتها المتمردة مردفه ببسمة :
لا عملتلك واحدة كنت حاسه أنك هتيجي
تحرك عز خلفها باتجاه غرفة الصالون مغمغم بخبث:
يسلملي الحسيس
ابتسم منصور بفخر عندما رأي افعال ابنه الماكرة…. بينما احتقن وجه هادية بضيق، اخفته وهي تأخذ فنجان قهوتها مبتسمة إلي عز …
دار الحديث المختلف عن أشياء عدة حول حياة عليا بعد أن غادروا من القرية لمدة نصف ساعة تقريباً … لم يكف منصور عن سؤالها كي يرضي فضوله حتي استأذنت بالصعود لغرفتها لشعورها بألم مفاجئ أصاب رأسها ..
؛***************
في غرفة لا يفسد ظلمتها سوي مصباح ينير بخفوت…. جلس منذ أكثر من ثلاث ساعات، ينتظر حلول الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، مجرد تخيل أن كل مخططه يفشل يشعره بقلق عاصف …. انتظر بفارغ الصبر كي يرد الصاع صاعين لما بدر منهم، تحلي بالصبر بصعوبة عندما صمت علي كل أفعالهم،
علي الرغم من ذلك تيقن أن كل تلك المدة كانت لصالحه، كل يوم يكشف الله طريق أمامه ليتحكم في السيطرة عليهم داخل حلقة حصار رسمها بحرافية ليقعوا بها،
دق عقرب الساعة في تمام الساعة الواحدة صباحاً …. ثوان وجاء اتصالها علونا عن بدأ ظهور خططته علي أرض الواقع
: عمو سالم انا قدام البدروم
رد عليها بهدوء :
متخفيش ادخلي الاول علي اوضة عمر
تنفست عليا عدة مرات متتالية وخطت برفق شديد تفتح باب البدروم بهدوء تام، مع أنها من وضعت دواء ( حبوب المنوم ) في القهوة إليهم، إلا أن مجرد وجود هؤلاء الأشخاص في المكان معها يشعرها بالرعب ….
كل ثانية تمر في المكالمة كانت تلعب علي اوتار أعصاب سالم، ليس فقط قلق لفشل خطته، ولكن القلق الأكثر إذا لم تحرص عليا علي وضع الدواء إليهم بشكل صحيح كما أخبرها، لن تنجوه من يديهم إذا كشف أمرها
: عمو في اوضة مقفولة بقفل كبير وأوضة تانيه مقفولة بس القفل مفتوح
أجابها بتفكير رزين :
لازم تطلعي عمر يقابل معاكي الرجل الأول منضمنش هو مين ولا ممكن يعمل ايه
خطت عليا ببطيء باتجاه احدي الغرف ثم ركعت بجانب الباب، كي تستطيع النظر من أسفله محاولة أن تنجز مهمتها …. عرقلتها الإضاءة الخافتة في تحديد ما أن كانت الي عمر أو للآخر، نهضت وهي تنظف سروالها الضيق، وابتعدت عن الباب متمتمه بهمس :
مش عارفه اشوف مين الجوه بس الاوضة مبهدلة وفيها ريحة مقرفة
شرد لبرهة في حديث عمر عن هيئة الرجل وملابسه المتسخة فقال لها بعجلة :
روحي الاوضة التانيه وخودي بالك
انصاعت إليه وهي تتفحص الطريق العلوي للمنزل بخوف، امسكت القفل المفتوح ولفته لعكس وضعه…… بحرص شديد فتحت الباب بتوتر متأملة المكان، تنسفت الصعداء عندما رأت شاب في مقتبل العمر نهض من فراشه يقترب منها :
أنت عمر
أمأ إليها بتأكيد … لم تكن وحدها من تنفست براحة بل كاد المعلم سالم أن يضرب الطاولة من شدة توتر أعصابه،
: أنتِ تبع المعلم سالم
حدقت به بضيق مغمغمه باستنكار :
أنت شايف ايه
شعر عمر بغباء سؤاله فلقد بلغه المعلم سالم بعد أن هاتفه من جواله المخفي، أن هناك فتاة ستأتي لمساعدتهم، لحل ذلك اللغز المريب ….
عندما طال صمته الاثنين صاح المعلم سالم بحده كادت أن تهلكهم من سماعة الهاتف :
ايه هتستنوا لحد ما منصور ينزلكم
أشارت عليا الي عمر بأن يتقدم، فتحرك أمامها بحذر الي الجهة الأخرى مردد بصوت منخفض :
لازم ندور علي مفتاح القفل هو اكيد هنا
التفت عليا علي طاولة قديمة تحول بنظرها … بينما تحرك هو بجانب الباب يتفحص الأرضية، علي حين غرة انتفض عمر علي صوت صرخة من شفتي عليا …. خفق قلب المعلم سالم بقلق متسائلاً :
ايه الحصل ؟؟؟
اقترب عمر منها هو الآخر يرمقها بخضة، أشارت عليا علي الأرضية متمتمه بفزع :
السليبر بتاعي اتوسخ تراب
ارتخت ملامح عمر ونظر إليها بحنق ثم توجه عاد للبحث عن المفتاح قبل أن يشق رأسها لنصفين تلك السخيفة….. لو كان الصوت يقتل لقتلها سالم دون رحمة وهو يهدر بضيق :
وقسما بالله لو ما اتعدلتي ما حد مبلغ عنك لمنصور غيري
مطت عليا شفتيها ثم عادت تبحث هي الآخر بغضب من تصرفهم معها والاستهانة بمشاعرها…. وأخيراً وحد عمر المفتاح بالقرب من الطاولة، امسكه برفق ثم فتح القفل في ثوان، كان فضوله يسوقه في معرفة سر آل عزب …. دون أن يمهل الأمر فتح الباب علي مصراعيه
: انتو مين ؟!
حاول أن ينهض من الفراش المتهالك وهو يسألهم بصوت ناعس ….. اسرع عمر في الاقتراب منه مردف بهمس :
وطي صوتك احنا جايين نساعدك
فرك العجوز وجهه بعد تصديق ظنا منه أنه يتوهم، وقال بنفس همس عمر :
انتو عفاريت
ضحكت عليا بخفوت وتمتمت بتهكم :
عفاريت مين ياعمو صحي النوم
واستطردت بثقة :
احنا تبع المعلم سالم
انتفض الرجل ممسك معصمها وهو يردد بصدمه:
سالم سويلم
حاول عمر أبعاده عنها هامسا بقلق :
ياعم ابوس ايدك رجالة منصور لو سمعوا صوت هنروح فيها
كرر العجوز سؤاله بإصرار :
أنتِ قولتي سالم سويلم
أمأت عليا اليه بخوف من هيئته ثم قدمت اليه الهاتف كي يصدق ….. نظر إلي الهاتف بعدم فهم، فأخذه عمر بدلا منه قائلا :
اسمع بنفسك يمكن تصدق
لم يفهم الرجل بعد ماذا يفعل فوضع عمر الهاتف علي أذنه …. في نفس الوقت كان سالم يتحدث بضيق :
أنا هفضل مستينكم كتير تردوا
: سالم
تسمر المعلم سالم بثبات عندما استمع لصوت غريب ولكنه مألوف بعض الشيء، واردف بهدوء كي لا يفزعه :
متخفش أنا عايز اساعدك لكن عرفني انت مين؟؟ وبتعمل ايه عندك ؟؟
ترقرقت العبرات في عينيه هامسا بصوت محشرج :
أنا توفيق يا سالم ” أنا توفيق عزب ”
استرسل بتوسل :
طلعني من هنا مش عايز اموت لوحدي، متسبنيش زيهم
؛******
تكملت الفصل الاربعون :
؛(2)
بعد عناء في اقناع توفيق بأن يلزم الهدوء، ويعود محله في سكون، فكان عصفور حبيس رأي باب القفص يفتح علي مصراعيه…….. لم يكن يسمع ولا يري سوي ذلك الأمل الطفيف بأنه سيخرج من ذلك المعتقل، الذي كانت أمنيته بان لا يموت بداخل تلك الجدران الكئيبة…
اغلق عمر القفل كما كان وهو يبث كلمات الاطمئنان إليه، وانهم لن يتركوه ولكن عليه التحلي بالصبر….. زفرت عليا بملل وهي تهمس بضجر:
أنا مش فاهمه يعني بقالو عشرين سنه هنا ودلوقتي مش صابر يومين
تمتم عمر بخفوت والحزن يعتلي قسماته:
غريق وتعلق في قشاية
استطرد بخزي:
أنا مش مصدق الانا سمعته ازاي قدروا يعملوا كدا في اخوهم
كانت عليا شارده في عالم آخر وهي تطلع الي يدها فهتفت بتمسكنا:
حقيقي دا شيء محزن اوي
حرك عمر رأسه مؤيد حديثها مضيف بحرقة:
طمع وانانية احتلت قلبوهم فعلا شيء محزن
انتهبت إليه فقالت بتصحيح سلسل:
هو دا فعلا شيء مخزن لكن انا مش دا الحزني بصراحه
لم يمنع عمر فضوله فسألها مستفسرا:
اومال ايه؟؟
اجابة طبيعية من شخص طبيعي في هذا الوضع المريب كانت أي شيء، الا ما تفوهت به عليا بحزن بالغ حتي ان العبرات لمعت في اعينها:
تصدق البدي لوشن كنت جيباه من تركيا ضاع مني
عقد عمر حاجبيه قائلا باستغراب :
وانتِ جايبه أكل معاكي من تركيا ليه
رمقته عليا لثوان بصدمة ثم هتفت بضيق وهي تدفعه:
اكل! اوك انا شايفه إنك تدخل الاوضة لان حلال فيك الحبسة بجد
تطلع بها ساخرا ثم دلف للغرفة مرة أخرى كي تعيد إغلاق البدروم بشكل طبيعي مرة مجددا… جلس علي الفراش مردد بحنق بالغ:
دا أنتِ متشال مخك ومحطوط مكانه بتنجان مخلل، روحي يا شيخه الهي عز يقفشك ويعمل منك كريم سنفرة
بينما تقدمت الاخرى بخطي بطيئة، وهي تطلع إلي الطابق الأول بحرص…. زفرت براحة وهي تخطو داخل غرفتها، ثم ارسلت المقطع الفيديو الي المعلم سالم، بناء علي أمره بأن تحتفظ بذلك المقطع اثناء سرد توفيق ما حدث معه، وإرساله إليه علي الفور عندما تخرج من البدروم….
؛********************
دلف على غرفته الخاصة مع صباح، التي اتكأت على مرفقها عندما أفسد غفلتها إضاءة مزعجة…… عندما رأته يبدل ثيابه ظنت أن أذان الفجر قد حان، فركت وجهها مردده بصوت ناعس :
صباح الخير ياحاج
واسترسلت متسأله :
هو الفجر إذن ولا لسا؟؟
اجابها مستكملا تبديل ثيابه :
لسا فاضل ساعتين
انتصفت في فراشها، عاقدة بين حاجبيها بعدم فهم….. قبل أن تنهال عليه بالأسئلة والاستفسارات هتف بجمود :
أنا راجع البلد
دهشت صباح من قراره المفاجئ وقالت بقلق وهي تنهض من الفراش تقترب منه :
خير يا خويا ايه حصل؟!
امسك عصاه مردد بصرامة لا تحتمل النقاش :
صباح هي كلمة ومش هتكرر ممنوع حد منكم يهوب برا عتبة البيت، وتحرصي عليهم محدش يفتح الباب لمين ما كان
ذاد قلقها فهتفت بخوف :
أمرك يا حاج لكن طمني هو في ايه
تخطها خارجاً بعد أن وضع حزمة من النقود على الطاولة، ثم قال محاولا بث الطمأنينة حتى تهدئ :
يعني هو حرام ارجع وانا مطمن عليكم، سالم بكرا هيجي معاكي أنتِ وهند عشان معاد الدكتور
حركت رأسها بهدوء ولحقته إلى الخارج بقلة حيلة…… على الجهة الأخرى ألقى نظرة سريعة عليها، واتجه إلى الشقة الماكث فيها ابن أخوه، دق عدة مرات متتالية حتى أنه شك في عدم وجوده، كاد أن يلتف مغادر ليفتح الباب ويظهر سالم وهو يتثاءب بنعاس… عقد المعلم سالم حاجبيه بضيق قائلاً :
أخيراً معاليك فتحت
حاول سالم فتح جفونه بصعوبة مردف بصوت مبحوح :
ايه يابا هو حتى ساعتين النوم مش عارف ارتاح فيهم
تمالك أعصابه مردد بحده :
سالم فوق وصحصح معايا بدل ما افوقك بطريقتي
فتح عينيه على وسعهم متنحنح بحرج بعد تلك النبرة التي كانت كفيلة بأن تجعله يفيق من غيبوبته :
عمي…..
قاطعه بضجر فلن يتحمل نقاش آخر :
سالم أنا نازل البلد دلوقتي، عينك تكون في وسط راسك
رفع سبابته مستكملا بتحذير :
الهوا ميعديش من جمبك غير وأنت عارف هو رايح فين ولمين
من يرى تلك العيون الغافلة من ثوان، يجزم أن لا صله لها بتلك العيون الحادة، أشبه بعيون صقر لمح ظل فريسته تتحرك مكانها……. الريبة المنبعثة من ملقتيه القاتمة جعلته يسأله بترقب :
أمرك على رقبتي يا معلم، لكن ايه حصل عشان تنزل البلد؟؟!
واستطرد بقلق :
وليه التوصيات الـ في غير اونها؟!!
رد عليها بدهاء مريب:
الاوان فات
كان يعلم ان سبب مجيئهم الي هنا منذ البداية مجهول…. كانت كلمات مبهمة ولكن الواضح ان وقت ثوران البركان قد حان، ربما هناك عاصفة اتيه ستقتلع جذور الفساد للابد،
اجفل من تسمره امام الباب بعد رحيل عمه علي صوت رنين هاتفه، دون ان يري المتصل كان متأكد من هويته….. منذ ليلة امس لم تتوقف نيره علي الاصرار في ان يجيبها رغم تجاهله، أخذ نفس عميق وهو يمسك الهاتف بين يده،
: سالم أنت فين مش بترد عليا من يومين
سألته بلهفة يكسوها القلق، جعلته يتألم حسرةً علي ما مروا به…. عندما طال صمته اصابها الذعر متسأله بخوف:
سالم أنت كويس؟؟!
: هكون كويس لما تكوني بعيد عني
اجابة كفيلة بتحطيم ما تبقي من شخصها تحت تلك الضغوطات، وما ذاد شكوكها عندما انهي سالم المكالمة دون انذار……. علي الجهة الاخرى اتجه إلي تلك الورقة التي بداخلها نهاية حياة شخصان كان بالنسبة له حياة….
؛ *****************
أسفل أمام البناية
صعد إلي السيارة بعد ان طلب أحد رجالة الماكثين في الطابق الأسفل من شقتهم بأن يهبط سريعا…..
: علي فين يا معلم
نظر الي انعكاس صورته في المرأة يجيبه بحزم:
علي البلد
أشعل مقود السيارة ينفذ امره دون نقاش بالرغم من تعجبه برحليهم في مثل هذا الوقت،
في المقعد الخلفي أخرج هاتفه يتأمل تلك الصورة التي ارسلتها عليا ليتأكد بنفسه من هويته للمرة العاشرة في نفس الدقيقة …. هوية شخص دفن منذ اعوام والان يحادثه متوسلا بأن ينقذه من بطش اخوته!!!
رغم لحيته الطويلة التي اخفت ملامح وجهه، تعابيره التي تملكت منها الشيخوخة، إلا ان التعرف عليه لم يكون من الصعب…..( توفيق عزب) نطق اسمه وكأنه يثبت الي عقله ان هذه ليست تخريف ،
تنهد بخفوت متردد من أخذ تلك الخطوة التي ستضع حياة الكثير علي المحك….. إذا كان حديث توفيق خطأ سيقع في بؤرة لن تنتهي إلا بسيل دماء، تلك التصريحات التي ربما ستكون نهاية ال عزب بأكملهم بكل سهولة دون عناء…….. لم يكن الطريق اكثر ظلمة من ظلام ذلك البركان المتأجج، الذي لا يعرف نتائج ثورته حتي الآن… بقلم حسناء محمد سويلم
؛*****************
وكأن قرص الشمس يخبرهم أنه هو الآخر سيختفي اليوم مثلما سيختفي احدكما مع ذلك النهار…..
في منزل عبده حول مائدة الإفطار ارتشف عبده من كوب الشاي خاصته متسائلاً :
سعد فطر؟؟
إجابته سمر وهي تطعم صغيرة أخيها سالم :
دخلتله فطاره من شويه بس كان بيكلم سميه
تنهد بصوت مسموع ثم اردف بقلة حيلة :
يشكر عزيز إنه وافق انهم يتكلموا قبل كتب الكتاب
مصمصت رحاب شفتيها متمتمه بتهكم :
ليكون ليه عين يتكلم، دا يحمد ربنا ان بنته المطلقه هتدخل بيتنا
لم يكترث عبده للرد عليها، فالتجاهل هو الحل بينهما…… بينما نظر سالم إلى والدته وأضاف معاتبا اياها :
الكلام دا ملوش لازمه دلوقتي يا أمي غير أن سعد نفسيته اتحسنت من يوم مكلمها
رأي نظرتها الساخرة فلتزم الصمت، يأس من تلك العائلة….. في ذلك الوقت وضعت ندى الخبز من يدها وهي تمسك معدتها بألم، دار بوجهه يتأملها بقلق، ثم رفع كفه يملس على يدها برفق هامسا :
مالك حبيبتي
ضغطت على شفتيها متألمة، ثم هتفت بخفوت :
بطني شدت عليا شوية
رمق وجهها الشاحب بحزن ثم قدم إليها كوب من اللبن، حاولت التحدث معترضة ليكون هو الأسرع مردف بحنو :
اشربي دي بس كفاية أنك مش بتكلي كويس
اجفلوا الاثنين على صوت صفعة قوية هبطت على وجه ابن محمود، رمق سالم أخوه بصدمة بينما هتفت سحر بضيق :
ليه كدا يا محمود
نهضت ندى تأخذ الصغير بين احضانها وهي تلمس على وجنته برفق :
حرام عليك حد يضرب طفل كدا
اجابها بنبرة حادة وهو يرمق ابنه بحده :
اضربه واموته كمان لما ميسمعش الكلام
صاح عبده بغضب :
هو حرام الواحد يقعد زي الناس في البيت دا
رفع الصغير عينيه الباكية متمتم بتلجلج :
أنا كنت عايز اشوف ماما يا جدو بس
انتفض محمود من مقعده، وأمسك معصمه بقوة يخرجه من أحضان ندى….. مال إليه مردد بصرامة :
قولت متجبش سيرتها تاني خلاص امك ماتت
أخذت سحر الصغير من بين يديه مردفه بضيق :
مهما كان بينكم مشاكل طلع الولاد منها يا محمود
جاء صوت سالم الساخر قائلاً :
لا ازاي لازم يدمر عياله زي ما دمر بيته
دار محمود إليه وهدر متهكما بعد أن طفح كيله :
انت صح أصل مش بقعد أفكر وادبر ازاي احافظ على بيتي، واضحك على مراتي وابدلها الحبوب عشان تحمل من غير متناهد فيا
واسترسل ببسمة ساخرة :
زي اخويا الكبير
في وقت كان يشعر بأن ضميره ينهش صدره، ألمً على ما أصابها…. انب نفسه كل لحظة تمر وهي تتألم والوهن يتغلب عليها، شعر انه في حاجة للحديث مع أحدهم، ولم يجد أقرب واءمن من أخوه….
صمت حل عليهم جميعاً، وتعلقت الأنظار بهما لدقيقة…… حدق بها والاسف كانت رسالته، بينما قابلت آسف بوجه خالي من التعابير، واعين تهرب من نظراته كأنها تخبره أن لا مجال لعينيك اليوم، ابتسمت إليهم بفتور وخرجت دون أن تضيف..
تحدث عبده من بين أسنانه بغضب وهو ينظر إلى سالم :
ايه يا عاقل يا كبير، اطلع شوف مراتك والا هتحصل الـ كنت بتنصحه من شوية
اخفض محمود نظره بعيداً عندما تلاقت أعينهم، لم يأنبه سالم أو يعاتبه فذلك خطأه منذ البداية وعليه التحمل…… ولكن هل يتحمل عقاب أكثر ما مر به من جلد ذاته ؟!!
اقترف خطأ كان يحسبه هين في لحظة تهور من تفكيره،
غادرت سمر تلك الجلسة وهي تتمتم باقتضاب :
كرهتوني اخرج من اوضتي
بينما جلس عبده واضع رأسه بين راحته، غلب عليه الضيق من مشاكلهم التي لا تنتهي الا وتبدأ أخرى…. رفع نظره يرمق محمود بضيق مغمغم :
أنا مش عارف أنت عايز توصل بينا لفين
أخذ هاتفه وخرج إلى بهو المنزل، لم يستطيع التحكم في غضبه وتفوه بهذا الحديث، لم يقصد أن يخرب العلاقة بين سالم وندي، خاصة بأنهما لطالما كانوا الأسرة الهادئة في هذا المنزل…… أخرج تبغه وهو يجلس على الاريكة في الطرقة وهو يسب نفسه على تسرعه،
بينما في الأعلى دلف خلفها الغرفة، وجدها تجلس على حافة الفراش تتأمل صورتهم أعلى الكومندو….. جلس بجانبها متمتم بأسف وهو يطلع إليها :
أنا آسف
ابتسمت بخفوت ثم رمقته مردده بهمس :
متتأسفش دي غلطتي
عقد حاجبيه بعدم فهم لمغذي حديثها…. ثبت نظره محاولا فك شفرات تعبيرها الجامدة، فساعدته في حيرته عندما أكملت هامسها قائلة :
كنت باخد كلامك بشكل تاني، عمري ما شفت حقيقة أنك أناني اوي كدا
أبعد وجهه بعيداً عنها وهو يغمغم باضطراب :
عمري ما كنت أناني غير فيكي يا ندي
عاد ينظر إليها مسترسل حديثه بأسف بالغ :
فكرت غلط، حبي أن أكبر أسرتي الصغيرة معاكي خلاني اتصرفت كدا
قطبت جبينها تسأله باستهجان :
تكبر اسرتنا على حسابي، على صحتي ومجهودي
واستكملت باستغراب :
مصعبتش عليك!! ولدين عايزين حيل وقوة وبنت مكملتش 9شهور واعرف ان حامل؟!! طيب البيت وطلباته! وأنا يا سالم؟! مصعبتش عليك تطلعني مغفلة بالطريقة دي قدام نفسي!!
ابتسمت والذهول مسيطر عليها قائلة :
دا كنت بأنب نفسي عشان حاسه ان مقصره معاك
بلغ غصته مردف بضيق من نفسه :
لو سمحتي يا ندى بلاش تزودي عليا بكلامك
أمأت إليه وأردفت بحزم :
سالم قوم لم هدومك وانزل تحت
فتح عينيه على وسعهم بدهشة فأكدت جديتها قائلة :
أنا مش هجرجر عيالي واطلع من بيتي، لو سمحت اديني فرصتي على الأقل استوعب الانت عملته
لم يريد أن يجادلها أكثر فمن الواضح أنها تحاول إخفاء ارهاقها بصعوبة…. نهض تارك لها المجال في الراحة على الأقل، ربما ارضائها سيكون أمر صعب، أما أعادت ثقتها به ربما سيكون من المستحيل…… بقلم حسناء محمد سويلم
؛ *******************
الساعة الحادية عشر صباحا
جلس ينظر للفراغ امامه، عليه انتظار الوقت المناسب كي يضرب ضربته القاضية….. استمع لطرق علي باب مجلسه فمن المؤكد أنه أول من جاء بناء علي أمره،
دلف بعد ان استمع لاذنه، وجلس علي أقرب مقعد مردد بوجوم:
خير يا معلم سالم
وابتسم بسخرية مستكملا:
مع ان مظنش ان حضرتك يجي من وراه خير
ظل المعلم سالم يتطلع إليه بهدوء، ثم سأله مستفسرا:
أنت بتتكلم معايا كدا ليه يا عامر؟ مع انك اول ما جيت البلد كنت غير كدا
رد عليه بجمود:
لان كنت سامع غير الانا شفته، مش عارف ازاي قدرت تخدع الناس دي كلها السنين دي كلها
استرسل بضيق:
أنا عايز ابيع البيت ومش لازمني شركتك ولا لازمني ارجع البلد دي تاني
هتف المعلم سالم بشرود:
حقك، لكن لما أنا احدد تطلع امته
كاد بالاعتراض ولكن قاطعه دلوف يعقوب ومرتضي….. أشار اليهم بالجلوس في صمت، نظروا الي بعضهم بتعجب، اختفي وتحول إلي ريبة عندما اكتملت الجلسة بمجيء محمود ثم اخوه سالم…..
رمقهم لبرهة وهتف وهو ينقل نظره بينهم:
انهارده بليل هيحدد مين هيطلع عليه صبح في البلد دي
ظهرت معالم الاستغراب علي ملامحهم بعدم فهم، فتحدث مرتضي قائلا:
يعني ايه يا معلم؟؟!
اجابه بدهاء:
يعني لما اتبعتلي عيل يوقع في بنتنا متكلمتش، ولما قتلوه عشان يتهموني فيه متكلمتش، لما اعترضوا طريق بنتي، ولما حرقوا مصنعي، ولما ضربوا ابن اخويا وسرقوا البضاعة، وفي الاخر دخلوا ارضي يقتلوا في الناس
استطرد بوعيد:
كان ممكن ارد بنفس طريقتهم، لكن الحساب يجمع
تحدث محمود متحفزا:
نفهم إن الحساب جمع
أمأ اليه بشرود وغمغم بحنكة:
انهارده الساعة واحده بليل عربية هتتحرك من عندنا لمقابر عزب في آخر البلد
رفع محمود حاجبيه متسائلا بتعجب:
مقابر؟؟ نعمل فيها ايه؟؟!
حرك المعلم سالم رأسه بالرفض متمتا:
احنا مش هنعمل، كل واحد هيكون في مكانه
استطرد بهدوء كي يبعث تخطيطه بوضوح:
منصور واتباعه ناويين يطلعوا صناديق الاثار بكرا من أرض الجناين
فتح عامر عينيه علي وسعهم مردد بدهشة:
آثار غير الموجودة في بيتي!!
وها هي صدمة اخري يتلاقوها… اي آثار يتحدثوا عنها تلك؟! نطق مرتضي بعدم تصديق :
أرض الجناين الـ خدوها وبنوا عليها مزرعة فراخ
ابتسم إليه مأكد بسخرية :
دا ستارة لينا بس
تسأل عامر باستغراب :
والمفروض أن العندي يطلع مع حاجتهم
حرك المعلم رأسه بيأس وقال متهكما :
ليه وانت فاكر شوية اللعب العندك دول هيخلوا علي منصور تاجر الآثار الاعظم في المنطقة
تلك المرة تحدث يعقوب بعدم فهم :
يعني التماثيل الموجودة عند عامر فشنك !!!
صاح المعلم سالم بنفاذ صبر :
ما أنا لو فضلت اجاوب كل واحد مش هخلص انهارده
نظروا لبعضهم بعدم فهم واكتفوا بالتزام الصمت حتي ينتهي العقل المدبر من شرح كل الامور لهم، تنهد المعلم سالم برفق وهتف بمكر :
سالم هيطلع مع الرجالة لمقابر عزب وهيكون معاهم واحد غريب عننا عشان يلهي راجلهم الواقف هناك، في نفس الوقت هيكون محمود واقف عند الباب الخلفي مستني سالم
فرك سالم ذقنه متسائلاً بترقب :
والمفروض أن أكون هعمل ايه ؟؟
أجابه بشرود :
هتدخل تفتح مدفن ( توفيق عزب )
كست الصدمة وجوههم بعدم تصديق، بينما صاح سالم بهلع:
هفتح مدفن ؟؟؟ وحرمة الميت !!!
ألقي المعلم سالم عصاه أرضا مزمجر بغضب جلي :
أنا مش هردد كل كلمة زي العيل قدامكم ومش لما يكون في ميت أساساً
واسترسل بحده :
سالم هيدخل المدفن في خلال ربع ساعة تكون الصناديق خرجت مع محمود ورجالته
ماذا يقصد بعدم وجود متوفي ؟؟ وما تلك الصناديق التي تخرج من مقبره !! كانت أسأله تفيض من أعينهم والاستغراب يعتلي قسمات وجههم، خوفاً تلك المرة من طردهم التزموا الصمت علي ضيق، استمعوا إليه بإنصات مستكملا :
الساعة واحده وتلت محمود هيكون قدام يعقوب في محجرهم، الساعة اتنين إلا تلت هتكون الصناديق خرجت في وسط الطوب والرمل لبيت عامر عشان تجديده، الساعة اتنين هتكون الحاجة نزلت واتعبت في الصناديق الموجودة في بيت عامر بدل الفشينك، وبعد كدا دا دور راجل تبعنا في أنه ينقل الحاجة لأرض الجناين وسط صناديق منصور
أنهي حديثه بدهاء شديد :
الساعة تلاته إلا عشرة الحكومة هتقوم بالباقي
نهض محمود يصفق بحرارة وهو يردف بزهو :
دا ايه دماغ الشياطين دي
رمقه بنظره اخرسته وجعلته يعود مكانه مجدداً… ثم نظر إلي مرتضي قائلاً :
أنت كل الأنا قولته تكون مسؤول فقط أنه يتنفذ بالحرف
حدق عامر به وقال بدهشة :
معني أن في راجل تبعك هينقل الصناديق من عندي لأرضهم، مفيش غيره
استرسل بتفكير :
موسي الأحمدي فشينك هو كمان و موجود بس عشان حبكة المسلسل
ابتسم بخفة فظهر الانبهار علي وجههم، ذلك المخطط الجهنمي لا يتمكن أحد من تخليه قط…..
قطع سيل أفكارهم صوت رنين هاتفه، فأخرج ورد بفضول بادي :
خير يا سيد
أجابه الآخر باحترام :
في عربية دفع رباعي واقفه قدام العمارة من ساعتين ونزل واحد منها مرتين يلف في المكان بطريقة مريبة
خفق قلب المعلم سالم بقلق، ثم أردف مستفسرا :
فين مسعد ؟؟
هتف سيد وهو يراقب تلك السيارة من النافذة :
مسعد موجود في الشقة التحت الجماعة زي ما أمرت
: وسالم ؟؟
كان سؤال يبدو قلوق بشكل مبالغ حتي أن الشباب تعجبوا من انقلاب حاله، رد عليه سيد مردد :
خرج مع اتنين من جماعتكم من ساعة يا معلم
أردف مقتصراً قبل أن يغلق الاتصال :
أكد علي مسعد واستنوا مني مكالمة
وضع هاتفه علي الطاولة قائلا إلي مرتضي باضطراب :
مرتضي هتقوم تسافر القاهره حالا
؛********************
بعد صلاة الظهر اختار الشباب بأن يعود كل واحد مكانه حتي لا يثيروا شك أحد…… ولكن كان هناك واحد لم يستطيع كبح مشاعره، اتكأ علي الأريكة وهو يتأمل الصور التي التقطت بواسطة رجاله بناء علي أمر اتباع خطاها في كل مكان، تنهد بهيام محدق في ملامح وجهها العبوس متمتم بغزل :
والله ما يحق للمهلبية تزعل أبدا
وضع ساق فوق الأخرى بعنجهية، ثم أغلق الهاتف كي يلقي تركيزه بعيداً عنها …. تلك الورقة المدون بها المخطط الجديد عليه أن يدرسها بشكل مضمون، حتي يتمكن من رسم خطاه في وقت قصير للغاية …. عز ليس خصيم سهل، أو شخص يمكن أن تخدعه بسهولة،
؛***********
خرجت من منزل عمها بعد أن استعارة ( مكينة الوافل ) من ندي كي تصنع منها، احتفالا بمكوث مي وأولاد ربيع معهم منذ ليلة أمس ….
عقدت بين حاجبيها عندما رأت شاب غريب يقف أمام بابهم، حاولت تخطيه والدلوف ولكن وقوفه في منتصف الطريق عرقلها ….. رفع اكرم يده يحاول إسنادها متمتم باعتذار :
حصلك حاجه معلش ماخدتش بالي
اعتدلت خلود في وقفتها قائلة :
حصل خير، حضرتك عايز بابا
فرك أكرم جبهته بحرج مردد :
بصراحة أنا كنت جاي للمعلم سالم بس عرفت أنه سافر، وبرن علي عامر مش بيرد ، وأنا لسا نازل من السفر ف…
: لو سمحتي يا بنتي
التفوا الاثنين علي صوت امرأه مسنه اتيه من خلفهم …. وضعت خلود المكينة أرضا واقتربت منها هاتفه بلطف :
نعم يا امي محتاجه حاجه
استندت المسنه علي معصمها مردفه بألم :
أبدا يا بنتي بس أنا مش من هنا، لو ينفع توصليني لآخر الشارع لان مش قادرة لوحدي
قبل أن توافق خلود سبقها أكرم قائلاً :
تعالي يا حاجه أنا هوصلك بالعربية
هزت راسها بالرفض هامسة باقتضاب :
لا هي هتوصلني دا أنا زي أمها
ابتسمت خلود بخفوت ثم بدأت في إسنادها برفق ….. شعر اكرم بالريبة من رد العجوز بنبرة هجومية عكس تمسكنها، دون إرادة منه خطي خلفهم بهدوء يراقب ذلك الموقف المريب، دقيقتين الوضع يمر بشكل طبيعي، شوش تركيز أكرم رنين عامر فأجابه بضيق :
أنت لسا فاكر
هتف عامر ساخراً :
والله يابني أنا نسيتك، بحسبك رجعت أستراليا بلا عودة
شخصت ملقتيه وهو يري العجوز تدفع خلود رغماً عنها داخل سيارة في أول الطريق، فأردف بهلع :
بيخطفوا البنت يا عامر، بيخطفوا البت
قطب عامر جبينه باستفهام وسأله بقلق :
بنت مين ؟؟ أنت فين يابني !!
دار أكرم حول نفسه وسليه لإيجاد حل سريع قبل أن تختفي السيارة …. علي حين غرة ركب دراجة كانت موجودة أمام أحدي المنازل، واتجه خلف السيارة كي يتبع خطاها مردد بذعر :
عامر أنا مش عارفه أنا رايح فين، ولا مين دول بس عارف أن هتقلب علي وشي دلوقتي
سأله عامر بنفاذ صبر :
مين البنت دي؟؟
أجابه بعد ان وضع الهاتف في جيب قمصيه كي يتمكن من قيادة الدراجة بسرعة :
كانت داخله بيت أخو المعلم سالم
انتفض عامر مردف :
خاليك علي قد ما تقدر وراهم
شعر اكرم أن قدرته علي التحكم في الدراجة تقل فقال بذعر :
دا لو منزلتش الترعة
بينما ركض عامر خارجاً وهو يهاتف المعلم سالم، كي يخبره بما يحدث …. من الواضح أن هناك من يخطط هو الآخر بطريقة غير آدمية،
؛**************
في نفس التوقيت تقريباً في القاهرة
التقطت حجابها ووقفت امام المرآه تتأكد من ارتدائه بحرص… ثم اتجهت كي تفتح لطارق باب شقتهم،
: مروه رايحه فين؟؟!
دارت مروه تجيبها وهي تشير علي الباب بحنق:
بالنسبة للبيخبط من ساعة دا
اقتضبت ملامح مها مردده بضيق:
هي مش ماما نبهت علينا محدش يفتح لباب يابنتي
تجاهلتها تكمل الخطوات الفاصلة بينها وبين الباب قائله بضجر:
دماغي صدع يا مها وشكله مش ناوي يمشي
فتحت الباب برفق متسأله من الطارق…. اجابها برسمية:
صيانة الغاز حضرتك لشقق العمارة
نظرت مروه الي مها بسخرية لقلقها المبالغ، ها هو مجرد عامل صيانة:
ممكن تيجي وقت تاني
في أقل من ثوان دفع ذلك الأرعن الباب بعنف، سقطت مروه أرضا بينما شهقت مها بذعر ….. نظر إليهن بوقاحة وقبل أن يخطو خطوة باتجاههن سقط امامهم مغشي عليه فجأة….. شهقت مها بفزع مرة أخري وهي تمتم بعدم تصديق لمن ظهر خلف ذلك الأرعن :
مرتضي
ابتسم الاخر واضع ابرة المخدر في جيب سرواله مردد بهيام:
قلبه
صاحت مروه وهي تتأملهم بامتضاض بعد أن نهضت :
محنه
واستطردت وهي تشير علي المفترش أرضا :
انت عملت ايه؟؟ قتلت الراجل!!!
أفاق مرتضي من تسبيله بشوق طاغي، واقتضبت ملامحه مزمجر بغضب:
أنتو ازاي تفتحوا الباب لحد غريب مع ان متنبه عليكم محدش يهوب جمب الباب اساسا
انكمشت مروه خلف مها هامسة بحنق:
هو جوزك بيتحول ولا ايه
وكزتها مها بخفة وسألة مرتضي بقلق:
في ايه يا مرتضي؟! مين دا؟ وايه جابك من البلد؟؟
أشار إليها بأن تعود للخلف ثم امسك مقبض الباب ووقف امامهم، حيث لا يتمكن احد من رؤيتهن…. ومن ثم أمر رجاله بأن يأخذوا ذلك الوغد مع الباقية داخل الشقة في الطابق الأسفل،
دار اليهن مردف بتحذير:
ممنوع تفتحوا الباب نهائي
كاد ان يخرج فأسرعت مها وقبضت علي معصمه مردفه بتلجلج:
مرتضي ايه بيحصل فهمني ومتخوفنيش
رفع يده يمسك كفها بين راحته، تعمد النظر في اعينها وهو يبث لطفه هامسا بحنو:
مينفعش تخافي وأنا موجود يا قلب مرتضي
طبع قبلة طويلة علي جبينها وخرج مغلق الباب خلفه…. ظهرت شبه بسمة علي ثغرها داعية الله بأن يحفظه إليها من كل سوء…. اختف بسمتها وهي تري مروه مازالت تقف عاقدة زراعيها ثم رمتها باشمئزاز وغادرت،
؛************
بعد ثلاث ساعات
: بنت عبده موجوده في المخزن يا باشا
بسمة ذئب جائع لسد احتياجه لرؤية الدماء تسيل أمام أعينه….. نظر إليه قائلاً بنبرة حاقدة :
وصلو راسها لابوها
واستطرد بوجوم :
وبنت سالم ايه الاخبار
أجابه بزهو :
كله تمام وبقت تحت ادينا
قهقه عباس مردد بشراسة :
بلغوا عن مكان منصور وعياله، أما سالم سيبوه يستوي علي نار هاديه وهو مش لاقي السنيورة
أمأ إليه سيد ببسمة طفيفة ثم خرج كي ينفذ أمره … أو بالأدق ينهي أمره،
؛******* بقلم حسناء محمد سويلم
تأكد بنفسه من عودتها سالمة، ثم خرج الي رجاله قائلاً بغضب لم يعهده احد منه من قبل:
المعلم سالم الكان بيحل بهدوء مات ومن انهارده مش هنهي اللعبة دي غير بالدم
واستطرد بوعيد :
يوم ما حد يفكر يبص لبناتي لازم يعرف أن رقابته قصاد
” بنت المعلم ”
؛********
” الخطر الوحيد الذي يحيط بالإنسان هو الانسان نفسه ”
نصحني ذات مرة عجوز فاض من تجارب العمر: ضع في حسبانك شيطان الجن، وضع ألف حسبان لشيطان الانس
؛**********
يتبع
تم الجزء الاول من #بنت_المعلم
إلى اللقاء في الجزء الثاني قريبا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم)