روايات

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل السادس والخمسون 56 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل السادس والخمسون 56 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء السادس والخمسون

رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت السادس والخمسون

رواية بنت المعلم
رواية بنت المعلم

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة السادسة والخمسون

سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ♥️

مقدمة للشخصيات نفتكرهم مع بعض :

أولاً المعلم سالم أكبر أولاد الحاج عثمان سويلم (متزوج من صباح ونادية ونجاة .. بناته بالترتيب:
1-هند = طليقة أحمد ابن عمتها وزوجة موسى
2-مها = زوجة مرتضى
3-خيريه = زوجة عامر الخولي
4-مروه = زوجة يونس
5-أمل= زوجة سفيان
6-رحمه = زوجة منير
7-حسناء= زوجة يعقوب

ثانياً جابر متزوج من زينب وأولاده:
سالم على اسم عمه تقديرًا ليه = متجوز نيره
خلود = زوجة أكرم
مي = زوجة ربيع رشدي مطاوع

ثالثاً عبده متزوج من رحاب وسحر ، أولاده:
سالم = متجوز ندى
محمود = متجوز مياده
سمر= خطيبة خليل اخو مرتضى اتوفت
وتوأمها سعد = متجوز سميه عزيز الجبراوي

دولت الأخت الأولى للأخوة الثلاث متزوجة صبري أولادها:
أحمد طليق هند خرج من السجن الفصل الفات
ريهام = مكتوب كتابها على محمد ابن هانم
معتصم

حنان الأخت الثانية متجوزة إبراهيم الخولي واتوفت من فترة طويلة، ابنها الوحيد يونس الخولي وحقيقة نسب يونس ظهرت الفصول الفاتت

عزيز الجبراوي متجوز حسنيه :
يعقوب = زوج حسناء
علي = متجوز بنت عمه منال
عبدالله= متجوز ميمونه أخت منال
مايسه = زوجة شريف
فايزة = زوجة سليمان
سميه = زوجة سعد

عامر الخولي ليه أخت واحده هاجر وابن عم يونس

‏عبدالخالق سويلم وأخته هانم اللي أولادها:
محمد = خطب ريهام بنت دولت
ضياء، علاء، حسام، فادي

سفيان وطلال وهيفاء ولاد عادل اللي اتوفى وكلنا عارفين ليه

‏مرتضى وخليل وتغريد من أسرة واحدة عشان منتلغبطش في أسامي حد

‏ربيع رشدي مطاوع زوج مي جابر وعنده أربع أطفال من زوجته المتوفيه، ومؤمن أخوه عشان لو أتذكر تكون فاكرين اسمه

موسى الأحمدي والدته كوثر اتجوزت من محمد الصفواني والد عليا يعني عليا وموسى مش أخوات لكنهم اتربوا مع بعض، ليه ٥ اعمام أكبرهم اسمه ” صفوت “

واخيرا العيلة الكريمة آل عزب :
أولا منصور عزب ودا اللي انتحر، أولاده:
عز كان متجوز بنت عمته هاديه وأولاده زياد ويزيد واتوفت ومتجوز ليلى ومخلف لوجينا ” رجعت عاشت من سيف وعمر ”
سيف قصته معروفه أكيد

ثانياً هاديه وأولادها:
أماني زوجة عز
عمر شغال حارس في المصنع

( تقريباً دول كل الأشخاص اللي مهمين معانا + في أم منير ومنير مكملين معانا + وأكيد لازم نفتكر ساره ابو الفضل واللي مش فاكرها نجيبها تفكره )

دا الشخصيات والمخلص الأخير وفاة سمر يوم ما رحاب اتكشفت وعدى يوم العزاء لما إبراهيم قرر يدخل عشان ياخد يونس لصالحه + عبده رفض يكشف حقيقة رحاب قدام الناس ووجه كلامه أن إبراهيم خطف يونس من غير تفاصيل علشان يحافظ على سمعة ولاده + خروج مروه من غير إذن المعلم ومحاولة الشاب المجهول خطفها ويونس رجعها البيت لما إبراهيم شافهم + قرر المعلم سالم كتب كتاب يونس ومروه بعد أربعين سمر وكتب كتاب منير ورحمه وإتمام زواج هند وموسى، الفصل الفات تم كتب الكتاب وهند سافرت مع موسى اسكندريه ومروه راحت بيت عمها مع يونس، عزيز رفض سميه ترجع غير لما سعد يتصرف في شقة منفصله بدل اللي يونس اخدها، سالم رجع نيره، محمود لسا بره البيت، نهاية الفصل لما احمد ظهر فجأة قدام عربيه هند وموسى ومقابلة المعلم سالم لابن أخوه في جلسة مريبة )

مرة تانيه اقتباس الرواية الجديدة نزل ” كفر سلطان” قوليلي رأيكم ♥️

؛*************

الفصل السادس والخمسون (56):

لن تدوم العتمة طويلاً،
لكل طريق نهاية، ولا تعتقد أن الأبواب المغلقة لا تفتح،
يندثر ظلام الليل مع انبلاج الفجر، وكذلك تمحى الأحزان مع طيات الأيام.

؛*********

في صباح يوم جديد يحمل آمال وطموحات لتحقيقها…
على طاولة الطعام التي جهزت بواسطة زينب التي دلفت لغرفة سالم، مر تقريبًا عشر دقائق وخرجت مرة ثانية وقد تمت مهمة ايقاظه بنجاح .. بعينين شبه مغمضة تحرك للمرحاض، ثم عاد وهو يجفف وجهه بالمنشفة وجلس على المعقد دون أن يلقي التحية على جابر الذي سأله بضيق :

لسا مصحتش ولا مش شايفنا ؟؟

لف سالم المنشقة حول رقبته قائلاً بصوت مبحوح :

صباح الخير يا حاج

وضعت زينب الخبز أمامه مردده بحنان :

افطر يا أبو سليم أنت مردتش تتعشى امبارح

تطلع جابر إليه وهو يرتشف من كوب الشاي شارد الذهن، يعلم أنه ضغط عليه بإجباره لرد نيره لعصمته، لكن باستهتار الاثنين ما كان أمامه كل إلا هذا … تنهد بحيره ثم سأله باهتمام :

وبعدين هتفضل مقموص وبتهرب من البيت يامه ؟؟؟

لم يرفع سالم عينيه المعلقة على كوب الشاي :

ولا مقموص ولا حاجه يابا مش ده الكنت عايزه

: يا بني بلاش تحسسني اني بتعامل مع عيل صغير بيعاند وخلاص

احتدت تعابير وجه سالم وهو يهدر بحنق :

في ايه يابا هو جر شكل على الصبح

شهقت زينب بصدمه من تجاوزه ورمقته بعتاب، لم ينطق جابر ونظر إليه بحده فنهض سالم من جلسته واقترب منه يقبل رأسه بأسف هو لم يعي ما يتفوه به ولم يفيق من نومه بعد :

حقك عليا يا حاج لسا مفوقتش من النوم

ثم استطرد بتبرم :

وبرده يابا أنت مش راضي تفهمني ومصمم اني بعاند وخلاص

هز جابر رأسه باستياء :

وهو أي مشكلة تتحل بالطلاق يا سالم

أشار إليه بأن يعود لمقعده يواصل حديثه بحكمة :

كتر خير نيره أنها احترمت كلمتي ومرحتش بيت اهلها لأن ساعتها مكنتش هتردها بكلمتين كده وخلاص، وقبل اي تصرف تعمله لازم تفكر مية مره نتيجته ايه أنت دلوقتي اب وبكره ابنك يكبر يحصد اللي زرعته

زفر سالم بضيق وقال باستنكار :

لحد أمته !! هفضل استحمل لحد أمته مع أن ممكن ابني يتربى بينا ويتعقد من المشاكل، هيطلع عامل ازاي واحنا كده !!

وتابع بانفعال شديد وهو يحرك يده في الهواء بعشوائية :

طيب بالعقل كده دي واحده لما طلقتها اتبدلت نهائي مش نيره اللي اعرفها، ولا هو لما تضمني تسوق فيها ما أنا مبقتش فاهم

اصطنع طريقتها يمثل تصرفاتها سابقًا، وبنبرة ساخرة قال مغير صوته :

هتاكل يا سالم ؟؟ اتاخرت يا سالم ؟؟ اجبلك علاجك يا سالم ؟؟

ضحكت زينب على طريقته المتماثلة لتنمق نيره :

الله يهديكم هي دي نيره ايوا

سأل سالم والده مستفسرًا عن إجابة لا يجدها :

راح فين بقا كل ده من يوم ما ردتها ؟؟ مش المفروض لاقي معاملة عدله وأسلوب جديد بما أنها أتأثرت بالطلاق وكده ؟؟

: أنا مش عارفه لو كنتوا صغيرين كنا قولنا مراهقين مش واعين إنما انتوا داخلين في سبع سنين جواز

استقام سالم مغمغم بسأم مستعد للرحيل :

دي ولا نافع معاها مراهقة ولا شيخوخة دي كرهتني في الصنف كله

نهض دون أن يأكل ودخل إلى الغرفة يبدل ثيابه وكذلك فعل جابر، جرب كل ما يقدر على فعله معهما وكل مرة يأتي بنتيجة عكسية، لا يبتغي صنع نسخة ثانية من عبده بعد أن يمضي العمر يندم على الاستمرار في زيجة فاشلة تهدم الأسس التي من المفترض أن تقدمها …

؛**************

أحس بحركة حوله فتغلب على شعور النعاس وفتح جفونه بثقل، تأمل سقف الغرفة برؤية مشوشة يتذكر أين هو !!! زفر بحنق فقد أستيقظ للعيش يوم اخر في حياة إنسان يجاهد مع قسوة واقعه … مسح وجهه واستند بمرفقيه على الفراش وهو يتثاءب بكسل، لم يغلق فمه وانتفض من الفراش فزعًا، أغمض عينيه وفتحها مرتين يتأكد من صحة قواه العقلية وأنه واعي ليست هلاوس من رؤية ذلك الجالس على المعقد المقابل إلى فراشه، يسند كف يده اليمنى على مقدمة عصاه الجلدية، ويده الأخرى تعتلي حافة ذراع المعقد الأيسر، نظراته مثبتة عليه بعينين ثاقبة حادة لا تحيد عن هدفها :

صباح الخير

وثب يونس يحاول توازن نفسه وهو يعود للخلف وبصعوبة ثبت على قدميه، متمتم بتعجب ودهشة :

صباح الخير !!

قبل أن يتفوه بحرف أخر أشار إليه بعينيه مردفًا بجمود :

أقعد

انصاع وجلس على الفراش باستسلام وهو لا يفهم اي شئ، لكن اعتقد أنه تأخر في نومه ربما !!

: امبارح مكنش في وقت أعرف اكلمك فيه عشان كده جتلك بنفسي

ردد يونس بتوتر :

مكنش في داعي والله يا خالي كنت كلمتني وانا اجيلك على طول

“خالك !!! ” قالها المعلم سالم مستنكرًا بلاهته، أسرع يونس يعقب بتوضيح :

لسا مش متعود على صلة القرابة الجديدة

ظهرت شبه بسمة على شفتي المعلم سالم وهو يهتف بسخرية :

قصدك انهي قرابة ؟؟ عمك ولا حماك

ضرب بخفة بعصاه بعفوية ثم استكمل بجدية :

بص يا يونس بحكم أنك لسا مختلط بينا قريب طبيعي تكون مش فاهم الدنيا ماشيه هنا ازاي وبرده اكيد لسا متعرفناش كفايا

صمت لبرهة والآخر متحفز بشكل ملحوظ، تابع المعلم سالم بصرامة :

ومن ضمن اللي متعرفوش علاقتي ببناتي، أنا ممكن اعدي اي حاجه إلا أصغر واتفه موضوع يخص واحده فيهم، ممكن اسامح في كل ما تتخيله إلا اللي يخص بناتي، اللي يزعلهم يزعلني واللي يفرحهم يفرحني

رأى تغير ملامح يونس والضيق يعتلي وجهه فواصل بقوة :

هما حته مني وأنت واخد واحده منهم، اياك يا يونس تفكر لو مجرد تفكير بس تضايقها بأي شكل من الأشكال وجوازها منك بالطريقة علشان الحوار الحصل والمفروض رحاب هي السبب، لتوهم نفسك أنك سترت عليها وأساسًا أنت وابوك وأمك أُس الليلة دي كلها

بلع يونس مرارة القهر وبمشقة حرك لسانه الملجم بحبال الوجع متسائلاً بضياع :

ده تهديد ليا ؟؟؟

عاد بظهره يستند على المقعد يجيبه بهدوء وهو يراقبه بتمعن :

عايزه تخده تهديد برحتك، عايز تخده وصية أب لزوج بنته برحتك برده

ترك الاختيار إليه فكان أسهل طريق لحفظ ماء وجهه أن يعتبرها الاختيار الثاني، على الأقل لن يضطر لاحتقار نفسه وكرامته أكثر من ذلك … نهض يمشي خلفه يوصله للخارج فقابل مروه التي عانقت والدها تودعه ببسمة واسعة !! ملامحها مبتهجة، ومشرقة كشمس ساطعة في سماء صافية !!
إذًا من ظلت تبكي إلى أن غلب عليها النوم من التعب ؟!!
وقف مكانه يتمعن النظر بها فارغًا الفاه !! شرد في ليلة أمس منذ أن أغلق باب الشقة عليهما ودخلت في دوامات البكاء والنحيب بطريقة قطعت قلبه حزنًا عليها، حاول معها بكافة ما بوسعه لم تهدأ وتسكن إلا عندما جاءها النعاس من وهن الانهيار…

أنتظر رحيل والدها واقترب منها يمسك معصمها يسألها مستفسرًا بتعجب :

اللي يشوفك امبارح ميعرفكيش دلوقتي ؟؟ خير يارب !!

جاوبته ببسمة صغيره :

زي ما أنت شايف، بابا لسا ماشي وده كفيل بأني اسعد انسانه دلوقتي

رفع حاجبه باستغراب، فأضافت متنهدة بارتياح :

مبسوطه إن سوء التفاهم بيني وبين بابا على غلطي راح خلاص

كفراشة تطير فوق الزهور تحركت بخفة على الأريكة تجلس بأريحية، أمسكت كوب الشاي بين أناملها ترتشف منه، على ثغرها ابتسامة سعادة لم يراها على وجهها من قبل الذي لم يتأمله الا الآن .. كانت مرات معدودة يقابلها لحظات خاطفة لا يتمكن أن يديم النظر بكل حرية دون قيود، خطى إلى المقعد المجاور إليها مردد بسخرية :

غلط ميتعملش غير من واحده معندهاش عقل، ساذجة

دامت بسمتها وهي ترد عليه بهدوء :

عندك حق واديني بسمع كلام من اللي يسوى واللي ميسواش

توسعت مقلتي يونس بذهول تجاهلته مروه وهي تسترسل بعفوية :

بس محدش معصوم من الخطأ وادينا بنتعلم

اقتضبت ملامحه وهو يحدق بها إلى أن خجلت من نظراته، واعتدلت بعدم ارتياح وهي تهندم منامتها الزرقاء، وبتلقائية رفعت يدها تتأكد من احكام المشبك على خصلاتها القصيرة التي لم تتعدى رقبتها كما تفضل دائمًا، عندما طال الصمت وهو يرمق كل حركتها العشوائية بتسلية، اردك أنها تستحي منه فقال بمكر :

مش معقول كل الروشه دي لازم تهدي وتتعودي على وجودنا كتييير

ثم سألها بتذكر :

هو ابوكي عرف أن كل واحد نام في اوضه ؟؟

رفعت حاجبها ونظرت إليه تجاوبه باستهجان :

ما تعقل كلامك كده واصطبح ولا أنت لسا نايم

صاح بانزعاج مغتاظًا منها ومن والدها :

نايم ايه ده ابوكي قطع خلفي، ده أنا قلبي كان هيقف لحد ما استوعبت هو مين وأنا فين

ردت عليه بغيظ مماثل وهي تضع الكوب على الطاولة بعنف وتنهض :

ما أنت بتسأل أسئلة غريبة، لسا عارفين بعض من يومين وجوازة كلها فقر وتدبيس هنتعامل ازاي يعني خلي في شوية مخ تفكر بيه قبل ما تتكلم

غادرت من أمامه وهي تنوي تبديل ثيابها إلى عباءة تلائم نزولها لأسفل، آفاق يونس على صوت إغلاق الباب فوقف يصيح بتهكم وهو يتجه للغرفة الثانية حيث حقيبة ثيابه :

دلوقتي عرفت كله بيقول مروه أم لسان ونص ليه

استمعت لحديثه وكادت أن تخرج إليه وتأكد صحة ما سمعه عنها على أرض الواقع، لكنها تحكمت في إرادتها كي لا تعكر مزاجها بعد أكثر من شهر في بكاء وحزن، وأخيرًا أزيح غمامة سوداء كانت تستحوذ على حياتها في الأيام الماضية، خصام والدها إليها أشبه بالموت وهي حية، يختنق صدرها كلما رأته يتجاهلها وهي تعلم أن خطأها فادح ولا يغفر، وتلك الزيجة نتيجة ذلك الخطأ ولكن يهون كل شئ لو المسامحة هي الطرف الثاني، وأيضًا لن تنكر أن يونس ليس أسوأ من مجهول مخيف، ووجودها مع العائلة يخفف توتر العلاقة بينهما إلى حين غير معلوم !!

؛***********

في الاسفل أخذ سالم حقائب ندى وأولاده ووضعهم في البهو إلى أن يأتي سعد بسيارته، هبطت ندى الدرج تمسح دمعة فرت رغم عنها على وجنتيها وهي تمسك يد صغيرتها وخلفها حسن وحسين ..

: حبيبتي طمنينا عليكي ومطوليش هناك

هزت ندى رأسها بخفوت وودعت سحر ثم وقفت قبال عبده مردده باحترام :

عايز حاجه مني يا بابا قبل ما أمشي

ابتسم عبده وهتف بحنان وهو يقبل أحفاده :

عايزك بخير، خدي بالك من نفسك والعيال ومتغبيش مش بعرف اقعد من غيركم

بادلته بسمة صغيرة وخرجت تنظر إلى زوجها بلوم، ساعدت الصغار في الصعود للمقاعد الخلفية وصعدت هي في المقعد المجاور له، اجلست حنين على قدميها وتطلعت من النافذة تتغاضى احتياجها الشديد للتحدث معه … في نفس الوقت صعد سالم واشعل مقود السيارة متجه إلى بيت أهلها الموجود في نفس القرية ولكن يبعد ما يقارب ربع ساعة بالسيارة :

هترتاح كده يا سالم ؟؟؟ متخيلتش يجي يوم وأنت اللي تمشيني ؟!!

لم يجيب عليها وظل بملامحه الجامدة يتطلع للطريق، اكتفى من الضغوط المحاصرة إليه حد الاختناق، لم يعد يجد منفذ يتنفس منه وكأن الهواء احتبس عن رئتيه، كل شيء أصبح على عاتقه، وانقلاب حياتهم رأس على عقب زاد الحِمل الثقيل إلى أن أوشك على الانهيار، وكل هذا في جهة وفاجعة موت أخته صغيرته المدللة في جهة ثانية تمزق ثبات قلبه … وقف أمام منزل أهلها فأسرع حسن وحسين بالنزول والدخول لمنزل جدهم مهللين بسعادة، كادت ندى أن تضع يدها على مقبض الباب فأمسك كفها القريب منه وقال بصوته الرخيم :

استنى يا ندى

أخرج نفس عميق وتمعن في عينيها مغمغم بندم :

متزعليش مني أنا عارف إني متعصب عليكي الفترة دي، بس غصب عني صدقيني أنا لا عمري كنت كده ولا اتمنى افضل كده

ربت على كفها برفق يتابع بلطف وبمشقة يحاول رسم بسمة على شفتيه :

لو احتاجتوا حاجه كلميني وأنا كل يوم بعد ما خلص شغل هعدي عليكم

رفعت حاجبيها بدهشة ثم سأله باستغراب :

كل يوم !! ليه أنت ناوي تخليني كتير هنا بقا ؟!!

ازدرد غصة قلبه وألم البُعد يراوده، ولا يصعب عليه شيء في الحياة بقدر فراق رفيقة روحه حتى وإن كان لفترة قصيرة … استجمع شتات أمره مردفًا برفق :

صدقيني كده أحسن لينا لحد الفترة دي ما تعدي، بالله عليكي يا ندى ما تزودها عليا كفايا اللي أنا فيه

أومأت إليه بانصياع فابتسم بخفة وأخذ يد صغيرته يقبلها بحنو، هبط يخرج حقائبهم وولج معها يبلغ والديها التحية ويغادر على الفور كي لا يرى الحزن على وجه حبيبة قلبه وروح فؤاده .. وهذا القرار لم يقدم عليه سالم إلا بعد تفكير كثير في الحفاظ على دائرته الأسرية، ارتدت الضغوطات والأجواء المتوترة بالسلب على شخصيته، وأصبحت ندى هي النهر الذي يصب فيه كل غضبه، وشعر أنه لا يتمكن من السيطرة على فظاظته وقساوته في تعنيفها وهي صامته، تتقبل كل انفعالاته بهدوء وحكمة وهذا ما جعله يود حماية ما تبقى له من محبة داخل قلبها كي لا يستنفذ كل رصيده وهو لا يشعر ….
1

؛*****************

في احدى نوافذ أفخم فندق في عروس البحر الأبيض المتوسط، وقف واعطى ظهره إليها وهو يتأكد أنها لازالت نائمة، اتصل عليه بفضول لم يهدأ منذ أن رآه أمس، ولولا فزعها والذي أشعل نيران متأججة بصدره لكان عاد وجعله يراقب كيف يكون الانتقام …

: صباحية مباركة يا عريس

قالها سالم جابر بمزاح فرد عليه موسى باقتصار :

ايه الحصل امبارح مع أحمد يا سالم

ضيق سالم بين حاجبيه باستغراب وسأله بسخرية :

يا خي رد السلام الأول!! وبعدين أحمد ايه اللي بتسأل عنه يوم صباحيتك!

زفر موسى بغيظ فهو يعلم تلاعبه كي لا يجيبه :

سالم قصر وقول كان وقف في وش العربية ليه

واستطرد بانفعال :

والله لو ما لقيت هند مرعوبة بالشكل ده لما شافته لكنت نازل وعرفته بنفسي مين أنا

احتدت نبرة سالم وهو يسأله بضيق لِما وصلت إليه ابنة عمه بسبب حقير:

هند فين ؟؟ اوعى تسمعك بتتكلم كده أحسن تفكر أنك ممكن تتشاكل معاه

دار برأسه يتأملها وهي غارقة في أحلامها مرددًا بنفاذ صبر:

نايمه يا سالم، هتقول ولا أنزل البلد وأعرف بنفسي ؟؟

هز سالم رأسه بسأم، ثم اجابه بلا مبالاة :

شوف أنا بقول ايه وهو بيقول ايه، يا عم كان عايز يسلم على هند ويبارك ليك قال يعني بيبدأ صفحة جديدة مع نفسه

: ده عند أمه

قالها بوقاحة فزجره سالم بعدم تصديق لتجاوزه والذي لم يعهده منه :

موسى اظبط كده، أمه تبقا عمتي لتكمل وأنت مش واخد بالك

وتابع بتحذير :

بس أكد على هند أن خالي ميعرفش لتقع بلسانها وعمتي تروح فيها لما ابنها تتفصل راسه عن جسمه

استمع طرق على باب الجناح فقال بشرود :

ماشي يا سالم لما نشوف اخرتك أنت وابن عمتك

ضحك سالم مغمغم ببشاشة قبل أن يغلق :

خد بالك من أختي وحطها في عينك

: في عيني وقلبي يا سيدي

ودعه واغلق المكالمة متجه للباب، وضع الهاتف على الطاولة وفتح بعجلة قبل أن تفيق هند من صوت الطرق … وجد عامل يقف ومعه حقيبة مغلفة كهدية وطاولة ممتلئة بأصناف مختلفة من الطعام والعصائر الطازجة :

صباح الخير يا فندم، آسف على الازعاج بس الهدية دي وصلت لحضرتك من الأستاذ صفوت الأحمدي وبيبلغك أن الإقامة بتاعت حضرتك هو تكفل بيها وفلوس الحجز رجعت لحسابك، ألف مبروك يا فندم

“عمي !!!” رددها موسى بتعجب، ثم سحب الطاولة لداخل جناحه وهو يحمل الهدية !! دهش من معرفته بمكانه وهو لم يخبر أحد بإتمام زواجه من هند في الأساس .. فتح الحقيبة ليجد بها مبلغ كبير ومفتاح شقة، عقد موسى جبينه باستفهام ثم رفع الورقة المطوية يقرأ ما دونه عمه :

( من الأصول والأدب أنك تبلغني بموعد زفافك بس اظاهر أنك نسيت أن ليك أهل بعد أبوك يا موسى، أنا لحد دلوقتي بعمل كل اللي أقدر عليه علشان لما اموت أعرف أقول لاخويا إني حاولت أنفذ وصيته واخد ابنه تحت طوعي بس هو العاق بأهله، دي هديه صغيرة مني واقامتك في الفندق اندفعت وفي مفتاح شقة كانت ملك أبوك في نفس المجمع العيشين فيه كان شاريها استثمار ليك وبعد وفاته مردتش أعرف حد بيها علشان تكون بيتك اللي تتجوز وتبدأ حياتك فيه، استمتع بوقتك دلوقتي لأن الحساب لسا مخلصش )

: موسى

رفع عينيه من الورقة مرددًا برحابة :

تصدقي أول مره أعرف أن اسمي حلو كده

ابتسمت بحياء وهي تنهض ومن ثمّ استوعبت أنه يرمقها وهي ترتدي منامة وردية اللون من الستان، عارية الأكمام فقط حملات رفيعة … وقفت بارتباك تبحث عن الروب خاصتها وهي تبتغي اخفاء ذراعها المكلوم بندبات أخذت لون أغمق من بشرتها التي أصبحت خشنة الملمس بعض الشئ، لم يتخيل موسى حجم إصابتها والتي كانت بطول ذراعها الأيسر إلى نصف كفها، لولا أنه انتزع منها الروب ليلة أمس كي تكون على راحتها وهما يتناولان العشاء ما كان علم لِما تتوتر وتخشى رؤية أحد لذراعها إلى هذا الحد … بينما هي هدأت قليلاً وهي تحكم رباط الروب فوق خصرها، ثم نظرت إليه تسأله باضطراب من عينيه المراقبة إليها :

ليه طالب كل الأكل ده ؟؟ كتير أوي علينا !!

أخفى ضيقه من تصرفها وجابها بلا اكتراث :

مطلبتش ده عمي باعت لينا هدية جواز

أنهى جملته وهو يحرك الروقة بين يده، عقدت هند بين حاجبيها وسألته بفضول :

طيب كويس، مالك بتقولها كأنك مضايق ليه ؟!!

جلس على الفراش قائلاً بملل وهو يلقي الورقة بعيدًا :

أبدا اصله بيعاتبني إني معرفتوش بجوازتنا امبارح

شهقت هند برفق مردفه بلوم :

طبعاً عنده حق ازاي عملت كده، المفروض تبلغهم على الأقل…

قاطعها بتوضيح وهو يرفع كتفيه :

مجاش في بالي ولو كنت عرفتهم أول حاجه هتتقال ازاي فرحك يعدي سُكيتي ومينفعش نيجي عندكم البلد ربطيه احترام لعمك ووالدك

رفعت يدها تعيد ضم خصلاتها على شكل كعكة :

برده كان لازم تعرفهم ما هما جم حضروا العزا يعني عارفين الأصول

على حين غرة سحبها من يدها يجلسها بجواره وهو يغمغم بخبث :

سيبك من عمي وعمك دلوقتي، لازم أقولك على كلام خطير حالا

ضحكت باستغراب وسألته بتعجب :

كلام ايه !! مش هنفطر ؟؟

: بقولك كلام خطير تقوليلي فطار !!!

؛****************

أغلق الهاتف ووضعه في جيب جلبابه الرمادي وهو يدلف للمخزن يلعب بميدالية مفاتيحه بين أصابعه، يمشي متمختر وعلى شفتيه بسمة ماكرة، تحرك إلى أن وقف حيال ذلك الميقد على كرسي خشبي قائلاً بأسف :

دا أنا مصدقتش لما الرجالة كلمتني وقالوا إنهم نسوك هنا

وتابع بوعيد وهو يحدق بعينين تطلق شرًا يحرق بلاد :

مش هعديها ليهم ازاي يعملوا فيك كده

هُز المقعد أثر انتفاضة جسد أحمد من غضبه وهو يزمجر بغيظ شديد :

فكني وأنا أعرفك يا سالم، لو عندك جراءة فكني

اصطنع سالم الحزن مردد بخبث :

اخص عليك يا بن عمتي عايز تتخانق معايا وترجع السجن تاني

جز أحمد على أسنانه ونظراته حانقة كنبرته المحتدمة وهو يصيح بغل :

فكني يا سالم ومتخليش شيطايني تحضر

: أنت أصلا شيطان

هدر بها سالم وهو يرمقه ببغضاء ثم سأله بحده :

كنت واقف قدام العربية ليه ؟؟ عايز تعمل فيها ايه تاني ؟؟ مكتفتش !!

لوى أحمد جانب فمه متشدقًا بسخرية لاذعة :

هعمل ايه وهي معاها جوزها مش هو راجل برده !!

واستطرد بضيق وهو يهز نفسه من قيوده :

قولتلك امبارح كنت هبارك ليها ولا اكتر ولا اقل بس اظاهر عمك مش واثق هو مجوز بنته لمين عشان كده خلاك تحبسني هنا لحد ما يضمن أنهم بعدوا عن هنا

بسمة مخيفة رُسمت على شفتي سالم وهو يسأله بثقة :

وأنت فاكر أن لو عمي عرف كنت هتكون هنا دلوقتي ؟؟؟!

اقترب منه يهمس بدهاء وملامحه بريئة متناقضة مع كل حرف يتفوه به :

مش من مصلحتك تجيب سيرة عمي احسن بيجي على السيرة

ألقى ميدالية المفاتيح في الهواء والتقطها بمهارة :

متقلقش هبلغ الرجالة تفكك أصل ايدي وجعاني ومش هقدر افكك

أبتسم إليه بلطف والتفت يغادر تارك تنين مجنح يحترق بنيران تأكله، سيخرج لهيب من فمه من شدة الحريق المشتعل بداخله .. تصاعدت أنفاسه المتسارعة على دقات قلبه التي أصبحت طبول تدق ناقوس الخطر، ظن كل هذا بأمر من المعلم سالم وبعد ليلة قضاها يهدأ من غليله ويختلق الأعذار لخوف أب على ابنته، يكتشف أنه لم يعلم بعد !!
ماذا وأن وصل إليه الخبر !!!
1

؛***********

يجلس على الأريكة ينفث دخان التبغ بشراهة، ينفخ دوامات الدخان التي سبحت حوله وصنعت حاجز ضبابي، وبالقرب منه وضعت مياده كوبين من الحليب أمام طفليها، ثم اتجهت إليه تسأله بتبرم :

هتفضل ساكت ومبلم على طول ؟؟

حدجها بضيق قائلاً بنفاذ صبر :

شليني من دماغك وريحي دلوقتي

: هو فيه ايه ؟؟ أنت مش مظبوط من ساعة ما رجعت امبارح

نظر إليها شزرًا مزمجرًا بسخط وهو يلقي التبغ من بين أصابعه :

اخفي من قدامي يا مياده قولتلك بدل ما اطلعهم عليكي

واسترسل بضيق :

وامشي جهزي حاجتنا هنرجع البلد انهارده

تسمرت محلها ترمقه بعدم تصديق ثم نطقت باستنكار :

نرجع البلد !! هترجع بأنهي وش يا محمود، نصيبه سوده لو ناسي أنها مرات أخوك دلوقتي

قام وعيونه تكتسي بغضب تقسم أنها لم تبصره يومًا، ضغطت على جرح غائر ينزف لتذكره بآلامه، عاونته على توقد إعصار يثور في قلبه، يدمر كل ذرة تعقل يمكن أن يوصف بها … نبرته أشبه بفحيح أفعى تحمل سموم العالم وهو يتمتم بوعيد :

كلمة كمان وهوريكي الموت يبقا عامل ازاي

ارتعبت من هيئته وكأنه الموت الذي يتحدث عنه، نقلت تنظر إلى أطفالها المتابعين لحوارهما بعدم فهم ثم عادت تحدق بإثبات مزيف :

عمرك ما هتتغير، ماشي رجعنا بس أنا والعيال هنرجع على بيت أبويا

تركته ودخلت للغرفة فانحسب راغب وهاجر خلفها، دقائق معدودة وخرجوا يركضوا باتجاهه يبكيان .. فزع محمود واقبل عليهما مردد بقلق :

فيه ايه بتعيطوا ليه ؟؟؟

رد عليه راغب وهو يبكي :

مش عايز أروح مع ماما

شدد على ذراعه وهو في حضنه يتابع ببكاء شديد :

متسبنيش يا بابا

بهتت ملامح محمود وتبدل الغضب لحزن بالغ على نفسه، وقع في حضيض أفكاره، تلاطمه الأمواج الثائرة بين الحيرة والضياع، لا يجد شاطئ النجاة ولا يتمكن من الطفو للسطح … رفع وجه الصغير ومسح عينيه متمتم برقة ولين :

مش هسيبكم أنا معاك أهو، بطل عياط بقا لأن أختك بتعيط عشانك

نظر راغب إلى أخته التي لم تفهم بعد معنى الرحيل ولكنها تبكي لبكائه، ثم تطلع إليه متسائلاً بخوف :

بس ماما قالت أننا هنروح بيت جدو وأنت هتسبنا ؟!!

أبتسم بسمة صغيرة وقال وهو يتوعد بداخله لمياده :

لا هي زعلانه مني شويه صغيرين بس أنا هصالحها دلوقتي

طلب منهما أن ينتظران وولج إلى غرفتها مغمغم من بين أسنانه كي لا يرفع صوته :

هو أنتِ معندكيش مخ، بتقولي للعيال اني هسبهم

تطلعت إليه بطرف عينها تجيبه بتهكم :

هي مش دي الحقيقة، وراغب مبقاش صغير وبكره هاجر تفهم

ضيق محمود بين حاجبيه بضيق متسائلاً باستغراب :

حقيقة ايه !! أنا قولت اني هسيبهم أنتِ عايزه العيال تكرهني وخلاص ؟!

وقفت قباله تصيح بحنق :

وهو رجوعنا البيت هيجيب ايه غير مشاكل وبعدها تسيب عيالك زي كل مره ما بتهف في دماغك تخلع بنفسك

تحكم محمود في أعصابه مردفًا بصرامة :

مع إني مش مجبر أفهمك لأنك لازم تكوني شايفه الظروف بنفسك، المفروض أكون رجعت من يوم وفاة سمر، أبويا محتاجنا حواليه

نظرت إليه بشك ثم سألته بعدم تصديق وريبه :

ومروه ؟؟؟ مرات أخوك يونس ؟!

ضحك باستهزاء وهتف باقتصار :

اديكي قولتي مرات أخويا

أخذ نفس عميق يتبعه قوله بقلة حيلة :

امشي اطلعي معايا صلحي اللي أنتِ عمليته مع العيال

سارت معه للخارج وهي تبتسم بانتصار ثمين، تجني ثمار ما زرعته من دقائق بالمكر، خدعة صغيرة ألقتها مع الصغار تلعب على وتر حساس تعلم مقادر ضعفه لدى زوجها … محمود شخص لا يأتي بالعناد ولن يخضع لأحد من الأساس وأفعاله الأخيرة خير دليل، وتلك المرة حكم عليهم بالرحيل وربما لولا وفاة سمر لم يكسر هذا الأمر وكان عودتهم للمنزل شبه مستحيلة، وعلى الرغم من جميع مساوئه إلا أن حبه لأولاده يفوق عيوبه ويغطي عليها بعد، ضعيف إلى أبعد حد حيالهما، يختفي ارعن، اهوج ويحل حنون، رقيق القلب… وهي قررت أن تلاعبه على ذلك الجانب !!
1

؛***************

عاد من المصنع بعد أن أتم على العمال، وأوصى مرتضى أن يشرف على الإدارة في غيابه ومعه مها وخيريه، ورحمه وحسناء وامل يبقوا في نفس مكانهم كي لا يحدث خلل، فهو وهند ومروه وبالإضافة إلى سالم جابر يختفوا فجأةً من سلسلة ترتيب مهن الإشراف، ولن ينتظر رؤية اجتهاد وتعب السنين يدمر أمامه ….

قرابة صلاة المغرب وبعد عودة ناديه ونجاة وصباح من زيارة مروه، طلب منهم انتظاره في غرفة المعيشة حين ينتهي من اتصاله للتحدث في أمر هام، انضمت حسناء ورحمه وأمل، ودلفت خيريه معه من الخارج ..
جلس على المعقد قائلاً بهدوء وهو ينظر إلى صباح تارة ثم إلى ناديه ونجاة تارة أخرى :

عايز شنطة السفر تجهز ليا انهارده بليل لأني هسافر بكره الصبح

دهشة واستغراب جلي على الجميع، والفضول لمعرفة سبب السفر وواجهته طاغي أكثر، نظرت صباح إليه بتعجب متسائلة بقلق :

خير يا حاج ؟؟

: خير أن شاء الله، رايح أنا وسالم نشوف مكن جديد للمصنع واحتمال نغيب تلات أربع أيام

أنهى حديثه يسأل رحمه التي تجلس عابسة الملامح:

مالك يا رحمه قاعده غصب عنك ؟؟؟

انتبهت إليه وهتفت بتوتر وهي تعتدل في جلستها:

لا أبدا يا بابا أنا كويسه أهو

راقب تعابير وجهها وهتف بحنكة :

لا مش كويسه وأنا عارف السبب، وواثق هيجي يوم وتتأكدي اني عمري ما هظلم واحده فيكم واختياري ليكي كان صح

فهمت مغذى تلك الكلمات جيدًا فقالت بتلقائية دون أن تعطي نفسها فرصة للتفكير قبل أن تتفوه :

وهو منير مش ظلم ليا منين ناحيه يا بابا !! دا مفيش حاجه عدله

كانت ناديه سترد تعنفها بحده فأشار إليها بأن تلتزم الصمت، تجاهل الكل وسألها باهتمام :

تعرفي تقوليلي على واحد بس في نفس مستوى منير وأنا مش بتكلم في فلوس ؟؟

لم يعطيها مجال للرد واسترسل برزانة :

مش هتعرفي لأن اللي بيلفت نظرك الفلوس والشكليات، إنما واحد مجتهد حافظ كتاب الله، معاه لغات، بيعافر مع الدنيا

بدى الانفعال عليها فحثها على التحدث قائلاً :

قولي وأنا سامعك

قطمت شفتيها متمتمه بضيق طفيف وهي تصطنع الهدوء:

عادي أصلا لسا في وقت أقدر أحكم فيه

هز رأسه باستياء من تغيرها وسيطرتها على ذلك الأسلوب الأحمق، ولأن الجلسة لن تطيل لحد النقاش معها،.هتف باقتصار واهتمام :

في الأجندة البني على المكتب اسم ورقم الدكتورة، أنا مش ناسي مشوارنا سوا وكل يوم بتأكد أن لازم منه

توسعت مقلتي رحمه بتعجب ثم سألته باستنكار :

يا بابا أنا مش مجنونه عشان أروح لدكتور نفسي !!! طيب ما لو حسناء كانت مكاني ولا أمل برده هيكون ده تفكيرهم!!

انكمشت تعابير وجهها بحزن وعدم استيعاب أنه لازال يفكر في عرضها على طبيب نفسي !! هل لأنها تعترض على قرار مصيري كهذا توضع تحت بند المرض النفسي !! .. ربما نسيت أنها في البداية من أصرت على الذهاب لطبيبة كي تساعدها في تحديد مشاعرها وعندما لاحظت أن هذا يجرح كرامتها ويهز ثقتها في عين نفسها تحججت بعدم الارتياح…
لم تلاحظ رحمه تغير نبرة والدها وملامحه المتعبة، حتى ردوده مقتصرة لا يعطي مجال للنقاش لعدم تحمله لجدال، ربما لنفاذ صبره ؟!! أو ربما لاكتفائه من كل ما يدور حوله !!

: أول حل لمشكلتك تبطلي مقارنة، ليه تقارني نفسك بغيرك، ما تبصي لحياتك بس وخليكي في ورقتك

قالها بحده وهو يشير على إخوتها مستكمل باستغراب مستنكرًا تفكيرها:

مادام بتقارني نفسك بغيرك من باب أولى اقارنك أنا بكل طلباتك بأخواتك!!! ورغم أنك الوحيدة مصروفك يعديهم السته !!!

نظر إلى ناديه وسألها بصرامة :

أنا مقصر معاكي أو مع بيتك ؟؟؟

نطقت ناديه بتلعثم وهي تود أن تفتك برحمه الآن قبل دقيقة :

ربنا يخليك لينا يا معلم عمرك يا خويا ما قصرت مع واحده فينا، دي رحمه غلبانه وأنت عارف أنها مش بتعرف ترتب كلامها

أضافت صباح بحكمة وهي تبتسم ببشاشة :

ربنا يبارك في عمرك يا حاج ويكرمك زي ما كرمتنا

لأول مرة يشعر بالعجز في العثور على رد يعبر به، حديث يفيض بين تضارب أفكاره في عقله المتأجج وقلبه المحتدم ، حلبة صراع من الحيرة وقلة الحيلة .. اختار فض النزاع بداخله بالصمت، سكت عن كل شئ وترك للوقت الإجابة، هدوء استحوذ ملامحه وباطنه ضجيج يكفي العالم ..

؛************* بقلم حسناء محمد سويلم

في منزل عبده بالتحديد داخل البهو …
عقد يونس ذراعيه يرمق عامر بحده، مر تقريبًا ربع ساعة وهما على نفس الوضع فسأله عامر بسخرية :

تصدق اني غلطان عشان عبرتك

هتف بفزع وهو يحرك يده بعشوائية أمامه والانفعال بادٍ عليه :

بقولك صحيت لقيته قاعدلي قدام السرير، أنا من الخضه كنت هقوم ارمي نفسي من الشباك لولا أني استوعبت

ضحك الآخر وقال بتسلية لِما يحدث لصديقه :

احمد ربنا، إحنا مره صاحينا على واحد متعلق على البوابه

صمت فجأةً وتابع بذهول وهو يقهقه بصخب :

ايه ده ثانيه كده، دا أخوك اللي كان متعلق شكلكم محظوظين معاه

تجمد يونس وتحفز متسائلاً بذهول :

أخويا مين ؟؟؟

هدأ عامر وهو يعي تلك الأسئلة التي تطرق في عقل يونس، ربما لم يدرك بعد الحرب الخاسرة الذي يخوضها محمود وببسالة … لم يفهم أن زوجته أصبحت في وسط المعركة والخصم أخوه !!!

: يونس أنت لسا متعرفش محمود مطرود من البيت ليه ؟!!

جاوبه بلا مبالاة :

عشان حوار مروه باين

توسعت مقلتي عامر بصدمه، واستقام واقفًا يسأله بدهشة :

عشان مروه باين !!! ايه البرود ده يا بني دي مراتك ؟؟

انكمش بين حاجبي يونس باستغراب ثم قال بتهكم :

عامر الله يكرمك متحسسنيش إني معنديش دم

لوى عامر جانب فمه وقال بتأكيد وجمود :

دي حقيقه أنت لسا مش متأكد، فوق من ماية البطيخ اللي أنت عايم فيها دي وفكر هتعمل ايه

واستطرد يسأله بترقب :

وعايز عنوان عمي ضروري مش أنت نقلته في مكان تاني غير الشقة ؟!

تحفز يونس عند تغير مجرى الحديث وردد بشك وهو يضيق عينيه بعدم ارتياح لذلك السؤال :

وأنت مالك ؟؟ عايزه تعمل بيه ايه ؟؟

رفع عامر كتفيه مردفًا بعفوية :

أنا مسافر اطمن على أمي وأختي وعايز العنوان ازروه واطمن عليه

عندما رأى نظرات الشك تحوم في عينيه، واصل بجدية :

يونس أنت هتفضل أخويا وابن عمي وصاحبي مش حتة ورقة هتغير مكانتك عندي، بس هو برده عمي ومش هغصب عليك تفضل متكفل بيه حتى بعد اللي عرفته

هز يونس رأسه بالنفي غير يصدق أنه يتخلى عن إبراهيم :

لا محدش هيعرف عنوانه أخاف الحكومة تمسكه وساعتها هيموت مش هيستحمل سجن

تنهد وكأنه يزيح ثقل يقبض صدره، وتابع بآلم لا يتركه :

حتى بعد اللي عرفته مش قادر أقسى عليه يا عامر، أنا تايه ومش حاسس بنفسي ولا عارف أنا بعمل ايه، صدقني الوش القدامك راسمه عشان مش عايز اشوف شفقة في عيون حد ولا قادر ازود هموم البيت ده وانا يوم ما حطيت رجلي فيه اختي ماتت قدام عيني

ربت عامر على كتفه مغمغم بحنو :

أرحم نفسك يا صاحبي ده قدر الله ومكتوب

لمعة سحابة شفافة في مقلتيه وهو يتمتم بصوت مختنق :

مش قادر امسح شكلها من بالي وهي بتبصلي وبتنزف، مبقتش بنام غير بمهدئات ومنوم يا عامر

ذهول طغى على عامر وهو يهتف بتعجب :

مهدئات!!! من أمته وازاي متقوليش !!

أغمض يونس عينيه بوهن فقال عامر بهدوء كي لا يضغط عليه :

خلاص أنا مش هتأخر في السفرية هطمن عليهم وارجع على طول، ونشوف حوار المهدئات دي لكن مش هسيبك لدماغك

وهما يتحدثان خرج سعد ملقي التحية وأكمل طريقة إلى منزل عزيز، افتقد سميه وغيابها يؤثر في نفسه … أرسل إليها رسالة بأنه يقف خارج المنزل كي يراها، دقيقتين واستمع إلى صوتها تخبره بأن يدخل من البوابة الحديدية، ابتسمت إليه ورحبت به مردفه بسعادة :

أخيرًا جيت وعبرتني اظاهر أنك ما صدقت اني مشيت

جلس على درج السلم قائلاً بعتاب :

لا دا أنتِ اللي مصدقتي مشيتي وسبتيني

جلست جواره تهمس بلوم وهي تدفعه برفق في يده :

اخص عليك يعني مش عارف إن الحمل تاعبني جامد اليومين دول

: وهو أنا بتعبك أكتر، بالعكس مش بتقومي من على السرير وكل طلباتك مجابه، والحقيقة أنك زهقتي مني وقولتي أما أبعد عن النكدي ده شويه

كأنه يحتاج إلى الإفصاح عن كل ما يضمره من حزن وضيق، فقد من سيبدأ الحديث وهو يكمل إلى نهاية السطور .. تطلع إليها وتابع بأسى:

والله عمري ما كنت نكدي، قوليلي بس أعيش ازاي واتاقلم أن سمر ماتت

عانقته سميه بلهفة وحاصرته بذراعيها كأنه صغير يحتمي في والدته من قساوة الحياة، كتم سعد دموعه كي لا يضعف ويجهش وينهار في منزل أهلها، خاصة أن البعض أو الأكثر يعتبروا دموع الرجل ضعف، ولا يوجد رجلاً يبكي وكأنه إنسان آلي بلا مشاعر لا يملك الحق في التعبير عن حزنه أو ضيقه بالطريقة المناسبة إليه، ودموع الرجل عار مع أن الشعور والعواطف هما نعمة يكرم بهما المرء …

: متزعلش مني مقصدش اسيبك

رفع عينيه ينظر إليها برجاء وهو يضمها بقوة :

هترجعي معايا ولا لسا تعبانه

توترت بشكل ملحوظ وهي تفتح فهما للرد ولكنها ارتبكت وسكتت تبحث عن أي شئ يخرجها من مأزق والدها وزوجها دون أن تتعرض للاختيار بينهما .. انتبه سعد إليها فابتعد يسألها مستفسرًا بتعجب :

هو حوار تعب ولا حاجه تانيه ؟!!!

في نفس الوقت فتح يعقوب البوابة وولج ملقي التحية بوقار، شعرت سميه أن النجاة من ورطة كبيرة أتت مع أخيها فقالت بحفاوة :

حمد لله على سلامتك، كويس أنك جيت كنت عايزاك ضروري

استقامة وتابعت بحماس :

مش هتأخر يا سعد ثواني بس

عقد يعقوب جبينه باستفهام وهو يرمق سعد الذي نظر إليه بعدم فهم، دلف إلى الغرفة مع سميه التي هتفت برجاء :

وحياتي عندك يا يعقوب تساعدني وتقولي اعمل ايه

أومأ إليها بقلق وسألها باهتمام :

مالك ؟؟ حسناء حصلها حاجه ؟!

تشنج جسد سميه وتدلى فمها بذهول شديد، انكمشت ملامحها وهي تهمس بصدمه :

حسناء مين !!! يعقوب بقولك تساعدني أنا ايه اللي انت بتقوله ده !!!

أغمض يعقوب عينيه وحرك رأسه بضجر وهو يهتف بتبرم :

يا بنتي كنت لسا بكلمها قبل ما اجي وغلط باسمها بدل سعد

: مش مهم، دلوقتي بصراحه مش هقدر اسيب سعد لوحده والفترة دي بالذات صعبة عليه اوي، ينفع تقنع بابا ارجع معاه ؟؟

رفع يعقوب حاجبيه وسألها باستنكار :

هتقنعي ابوكي تروحي مع جوزك ؟!! ايه الكلام اللي مش ماشي مع بعضه ده !!

واسترسل بلا اكتراث وهو يخرج :

كلميه وقوليله أنك ماشيه مع سعد هو كان معايا في المحجر وراح لعمك

ترددت وهي تمسك الهاتف ثم اتصلت على اسم والدها، استمعت إلى جرس الانتظار بتوجس من ردة فعله، تنهدت براحة عند انتهاء المكالمة دون أن يجيب، فأسرعت إلى تجهيز حقيبتها الصغيرة وبدلت ثيابها بسرعة قبل أن يعود وتواجهه ..

: ماما أنا ماشيه بقا عشان متأخرش على سعد

عقدت حسنية بين حاجبيها بدهشة ثم سألتها بعدم فهم :

سعد عندنا ؟؟ هو ابوكي غير رأيه ؟؟

ردت عليها وهي تتجه للخارج :

سعد مستنيني بره وأنا قولت ليعقوب ورنيت على بابا بس مردش

ركضت بسرعة واعطت الحقيبة لسعد المتعجب من طريقتها، سحبته سميه دون أن تعطيه فرصة للجدال وتضيع الوقت … بينما اقتحمت حسنيه غرفة يعقوب الذي فز من فراشه بعد أن تمدد يريح جسده المنهك من مساعدة العمال في المحجر :

ليه كده يا يعقوب اخص عليك ما أنت عارف أن أبوك هيزعل

أشار على نفسه يغمغم بذهول :

وأنا عملت ايه ياما ما أنا لسا داخل من المحجر قدامك !!

: تقول لأختك تمشي مع جوزها وابوك قال لا لحد ما يحل موضوع الشقة مع أهله، ليه يا بني أنت بدور على المشاكل فين مع أبوك وتنشك فيها

هز يعقوب رأسه بعدم فهم، لم ينطق كلمة واحدة بموافقة أو بالرضا مع سميه، بل وترك الأمر كله وطلب منها أن تتصل بوالدهم وهو يخبرها إذا وافق أم لا !! تذكر ربما نسى شيئاً أو هتف بدون وعي … استمرت حسنيه تعاتبه خشية من بطش عزيز أو اختلاق شجار بينهما، فقال يعقوب بكدر قبل أن ينفجر غيظًا من كل التصرفات وتلك الفروض والالتزامات المجبر عليه عدم تخطيها أو الاجتياز عنها :

أنا لا بدور على مشاكل ولا اتكلمت كل اللي قولته اتصلي بيه

تبرير للكلام وتوضيح الأفعال، لا يصح كسر أمر، وليس من الاحترام الاعتراض على قرار حتى وإن كان يخص حياتك، مسؤولية على عاتقه في كل حرف يخرجه من فمه، وكل هذا تحت مسمى كبير أولاده، البكر الذي يكمل مسيرة والده وهذا ليس اختيار .. تفاقم ضيق يعقوب في تلك اللحظة وزمجر بحده وغضب :

ومحدش يوجهلي كلام نهائي في الصخ وغلط لأني مش هقبله

غادر الغرفة وصعد لشقته دون أن تشعر به حسينة التي تجمدت مكانها غير مصدقة أن يعقوب صرخ عليها، رفع صوته بطريقة روعتها .. ابتعلت لعابها واستند تجلس على فراشه تلوم نفسها على اسراعها في عتابه، كان عليها التمهل لحين تفهم منه ثم توضح إليها سوء فهمها كي يدرك هو الآخر أن والده سيغضب أن وصل إليها حديث سميه، حوقلة بخفوت ونهضت تنتظر عزيز لتتفادى شن معركة بين جدران منزلها.

؛*************

مرت ليله أخرى وجاء موعد توديع المعلم سالم وهو يقف على باب المنزل يشملهم بنظرة سريعة ثم صعد السيارة بجوار سالم جابر، استودعهم الله وطلب من سالم أن يتحرك حتى لا تطيل لحظات التوديع الذي يبغضها جدًا، وإذا كان الوداع لا يعلم هل له من عودة مرة ثانيه أم أنه الأخير… تنهد بهدوء ومشاعره المتضاربة تثور بلا توقف، بركان خامد يكتم حميم يلتهب قلبه، سلم أمره لله وسيطر على تفكيره المتوجس بخوف وقلق عليهن، لا يخشى إلا تعرضهن لقسوة الحياة، يهاب من شراسة الأيام عليهن وهذا شعور لا يفارقه منذ أنعم بوجودهم في حياته :

هي المستشفى دي تخصص ايه ؟؟

آفاق على سؤال سالم فأجابه باقتصار :

هتعرف لما نوصل

تطلع سالم للطريق أمامه بخيبة أمل، وعلى حين غرة ظهرت مي تعلق يدها على معصم ربيع ومن الواضح أنهما يتجهان إلى منزل جابر، تجاهلهم وأكمل قيادة السيارة دون أن يعير اهتمامه بأخته التي انشقت بسمة صغيرة على وجهها وهي ترمقه من زجاجة السيارة … شعر بنظرات حارقة تحدج به بجواره، أسهم ناريه موجهة إليه وهو يزجره بعنف :

لو اتعميت أهون من أنك تكون قاصدها

واستكمل يردعه بحده :

طلع تلفونك وكلم أختك حالا، والله يا سالم لو اتكررت تاني هيكون ليا تصرف مش هيعجبك خــالص

ارتبك وردد متلجلج وهو يرمق الطريق بأعين زائغة :

يا عمي مش قصدي هما ظهروا فجأة

احتدت نبرته يقاطعه بصرامة :

آه برده زودت السرعة علشان مش قصدك

علم أن لا مفر من الهرب فأخرج هاتفه يتصل على مي قبل أن يزداد غضبه ويقع بطشه عليه وهما في الطريق وحدهما لن يجد جابر يدافع عنه

على الجهة الأخرى أصيب قلب مي بالخزي، احتقرت نفسها وتمنت أن تنشق الأرض وتدفن الآن ولا تشاهد الشك في عيون ربيع الذي مزح كي يمرر الموقف دون أن يخجلها … رفعت شاشة هاتفها باستغراب تتأكد من اسم أخيها الذي لم يفعلها ما يقارب عام واتصل بها، ردت بحماس وعينين لامعه بتحفز، استمعت إليه يلقي التحية ثم قال بجفاء :

معرفتش أقف وانتوا معديين عشان مستعجلين على معاد ضروري

ضحكت بخفة وردت عليه بلطافة :

ولا يهمك أنا قولت كده برده، سلملي على عمي وتيجوا بالسلامة

أغلق خط الإتصال ما إن أنهت جملتها، وضعت هاتفها في الحقيبة وهي تهتف بثقة :

أنا قولت برده اكيد مستعجلين

تطلع ربيع إليها متسائلاً بشك :

بيكلمك يقولك كده ؟؟

جاوبته بارتياح وهي تشعر بالشجاعة للرد دون أن تحمل هم :

لا بيقولي أنه معرفش يقف سلم علينا لأنه مستعجل

ثم تابعت تسأله باهتمام :

بقولك أنت هنسيب العيال عند خالتهم قد ايه ؟؟!

ضيق جبينه باستفهام وسألها بقلق :

أنت بتسألي من امبارح ليه ؟؟ مش مطمن للسؤال ده معرفش ليه ؟؟

لوت جانب فمها بسخرية لاذعة ثم فتحت البوابة الحديدية الخاصة بمنزل والدها :

متقلقش طالما الموضوع مفهوش فلوس بيكون على قلبك زي العسل

قرص ربيع وجنتيها بغتةً مردد بسعادة :

ايه الشطارة دي اهو كده تعجبني

دفعت يده بغيظ فضحك بصوته الخشن هامسًا باستفزاز :

هاجي اخدك بعد العصر تكوني خلصتي الاخضر واليابس في مطبخ ابوكي يا عجل فريزي يا عسل أنت

أغلقت مي البوابة في وجهه وهي تسبه بصوت مرتفع وصل إليه، تسمر ربيع يردد سبتها بصدمه وعندما أراد أن يعرفها بالمتخلف الحقيقي اكتشف أنها أغلقتها بالمزلاج … غادر متوعد إليها ولكنه اتجه مسرعًا إلى إحدى المحلات المسؤول عنها مرتضى، متحمس بلهفة لمعرفة ما وصل إليه في طلبه، ألقى التحية ولحسن حظه كان وحده يراجع دفتر ما :

ها عملت ايه ؟؟ متقوليش أنك متصرفتش

رفع مرتضى حاجبيه باستغراب من استعجاله وقال بمشاكسة :

يا عم اهدى عليا وبعدين هو مش المفروض أنت اللي تختار الحاجات دي

اقتضبت تعابير وجه ربيع مردفًا بتذمر :

اومال أنا جايلك ليه، أنا مش بفهم في الحاجات دي ولا عندي خلق ولما فكرت ملقتش غيرك نافع في جوازتك

ضحك مرتضى وربت على صدره بامتنان :

متشكر يا ربيع، عندك حق كلهم نمازج فاشلة تكرهك في عيشتك مش الجواز بس

ثم استرسل بملل وقلة حيلة :

أنا شوفتلك كذا بوكس وأنت اختار، هي مراتك وأنت أدرى باللي يعجبها

فرك ربيع رأسه بعدم فهم، حينها أيقن مرتضى أنه وضع نفسه في مأزق سيفقده أعصابه، أخرج هاتفه وعرض عليه بعض صور للهدايا مردد بتوضيح :

بص دي بوكسات هدايا تقدر تختار واحد منهم بس مثلا أنا عارف مها بتحب الفضة وبتفرح بحاجات بسيطة شوف أنت بقا مي بتحب ايه

تشنج ربيع وانكمشت ملامحه يصيح باستنكار :

وهي مي دي ينفع معاها فضة دي عايز كيلو دهب عشان يعجبها !! دي لو لقتني جنيه هتصرفني في وقتها

رمقه مرتضى من أسفل إلى أعلى يقيم حديثه الجاد ثم سأله بريبه :

متأكد أن دي مي مش أنت ؟؟؟

؛**************

بعد ساعتين تقريباً دخل سالم جابر لغرفة الانتظار وهو لا يفهم سبب وجودهم هنا ؟؟ دقائق تمر والانتظار يطول وكلما سأل ممرضة تخبره بالانتظار… جلس في الممر ولا يدري أين ذهب عمه إلى وقتهم، ساعة وهو يمشي ذهابًا إيابًا في الطرقة وأخيرًا ظهر عمه قادم وعلى يده أثر سحب عينات:

في ايه يا عمي ؟؟ أنا كنت هدور عليك في الأوض لما محدش بيرسيني أنت فين ؟؟

دخل المعلم سالم غرفة الانتظار وجلس على المعقد مغمغم بهدوء :

كان لازم اعمل الأشعة والتحاليل لأني اتاخرت فيها ومفيش وقت

بقلق شديد سأله بتعجب :

تحليل ايه ؟؟ ومفيش وقت لايه ؟؟! هو فيه ايه يا عمي ؟؟

رأى الخوف يتراقص على تعابير وجهه فأراد أن يريح قلقه وألقى صدمة جلجلت الأرض تحت قدميه :

بكره هعمل عملية قلب مفتوح ومش عايز حد يعرف غير لما اطلع عايش أو ميت
1

؛**************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى