رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم حسناء محمد
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الخامس والخمسون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الخامس والخمسون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الخامسة والخمسون
أربعون يوم مروا كسنين عمر طويلة من حزن وأسى، كآبة وثقل على القلوب لفراق شابة جميلة في مقتبل عمرها أصبحت من الماضي فجأةً، ولولا صبر عبده لفقد عقله في تلك الفاجعة، تموت ابنته أمام عينيه والجهة الأخرى يكتشف حقيقة زوجته وولده المجهول…
لم يخرج من باب المنزل طيلة الأربعين يوم، الحزن يكتسي ملامحه المنكسرة، ولا يقدر على الاستمرار في التماسك أمام الجميع وهو على حافة الانهيار، يصعب عليه تمثيل الجمود والصلابة وبداخله ألم يكتمه بأقفال الأسى، كرب شديد يعيش عبده به وهو بين أحلام اليقظة والواقع المرير.
رفض المعلم سالم الضغط على عبده للخروج والتعايش مع حزنه، وطلب من جابر أن يكف عن إصراره للعودة لتجارتهم وتركه يأخذ كل الوقت للرجوع على راحته ويعطي لنفسه ومشاعره كافة الحرية لتقبل ما طرأ عليه بغتةً … عادة الحياة بعض الشئ إلى مسارها الطبيعي ولكن بمظهر لا يخلوا من الكآبة، ولم يحدث أي جديد إلا محاولة العائلة للتعايش والتأقلم والخروج من دائرة العزاء والمواساة…
بعد أربعين يوم من وفاة سمر، جاء جابر ذبائح يفرقها على الفقراء والمساكين والمحتاجين في القرية والقرى المجاورة كصدقة على روح ابنة أخيه، ورفض والد مرتضى أن يأخذ الذهب الخاص بخليل ” الشبكة” وقام ببيعه وإخراج ثمنه كله صدقة على روح سمر، وطلب المعلم سالم من صباح أن تذهب إلى الأسواق وتشتري جهاز لخمس عرائس ليس لديهم مقدرة وقام بدفع المبالغ صدقة لفقيدة العائلة…
؛**********
الحادية عشر صباحًا داخل احدى غرف المصنع،
أخرجت هند حزم النقود من خزنة والدها تضعها على المكتب أمامها وهي تدون عددهم بالملف، سحبت حقيبة جلدية بجوار مقعدها تضعهم بداخلها، وبعد أن انتهت اتصلت بمرتضى تخبره بأنها تنتظره كي تسلم إليه النقود لتوريدها في البنك قبل أن ترحل … نهضت تقف في نافذة الغرفة تنظر للعمال وهم يخرجوا شكائر الأعلاف من المخزن لداخل سيارة نقل ضخمة ستكمل طريق توصيل الطلبية لإحدى المزارع المرموقة في السوق، صدح صوت رنين هاتفها باسم محبب على خاطرها، دون تردد أجابت عليه مردده التحية بلطف :
أتمنى مكنش قطعت السيدة هند عن عد الفلوس
هتف بها بعد أن رد عليها التحية، فقالت مبتسمة :
اتريق برحتك، هركز ازاي في الورق القدامي وأنا بكلمك
ومن ثمّ سألته باهتمام :
مش هتيجي برده انهارده ؟؟
جاء صوته المنزعج وهو يهتف بانفعال :
اسكتي متفكرنيش يا هند، مش هاجي غير وأنا راجع بيكي وكفايا أن ابوكي رجع في كلامه بعد ما اداني أمل
رفعت حاجبيها باستغراب وسألته بتعجب :
رجع في كلامه علشان أسبوع ؟!! وبعدين ما هو يونس لسا مخلصش حوار الورق وكلام بابا كان واضح أن يوم كتب الكتاب يوم ما هيكون فرحنا
تنهد موسى بهيام مردد بغزل :
” فرحنا ” الكلمة طلعت منك رشقت في قلبي
وهي تتحدث وتتابع العمال شعرت بشخص ما يقف على باب الغرفة، من الطبيعي أن تعتقد أنه مرتضى ولكن ليس من المتوقع أن يكون هذا اللعين !!!
يحدجها بثبات في صمت تام، عينيه مترعة بظلام كالح، دُجنة السجن طغت على ملامحه الجامدة، يقف كوحش يراقب فريسته للانقضاض عليها، ولكن تلك الفريسة كانت من حلفائه يومًا ولا تعلم متى تكونت كل تلك العداوة البغضاء المكنونة لها بداخله … دب في أوصالها رجفة قوية رهبة منه، توجس وخشية وهي تتذكر أخر لقاء بينهما، ومجرد حضور تلك الذكرى تجعلها ترتعب ليس خوف منه، بل صدمةً في نفسها من حقيقة هويته، نفور من أيام كانت تربطها به وهو يضمر إليها حقد وغل يكفي موتها على يده وهو ما كان يسعى إليه، وما نواياه وهو أراد جعلها مسخ، بشع !!!
: ازيك يا هند
بنبرة قويه ردت عليه بصرامة :
زي ما أنت شايف، كويسه الحمدلله
تطلعها إليها من أسفل إلى أعلى كأنه يقيم ردها ثم قال بجمود :
يارب دايما تكوني كويسه
: خير !! ايه جابك هنا ؟؟ وطلعت أمته من السجن ؟!
تحفز موسى وهو يسمع حديثها لا يفهم من المتحدث إليها، ولكن بدون سابق إنذار انتهت المكالمة، انزعج بشدة وعاود الاتصال بها بلهفة واهتمام ولكن دون جدوى … على الجهة الأخرى أجابها أحمد بنبرة خالية من المشاعر كروحه :
لسا طالع وجيت اسلم على خالي
ابتسمت شبه بسمة ساخرة وهتفت بلا مبالاة :
فيك الخير، بابا في المخزن تقدر تروح هناك
لم يمل موسى من الإتصال فرمق أحمد الهاتف في يدها وقال بهدوء مريب :
ما تردي، شكله قلق لما قفلتي، مش اسمه موسى برده
جاء مرتضى مردفًا بتساؤل والدهشة تعتلي قسمات وجهه :
أحمد!! أنت خرجت أمته ؟؟؟
دار أحمد إليه يغمغم باقتصار :
تقدر تقول من شويه
تطلع مرتضى إلى هند يتأكد من كونها بخير، نظراته كأنه يسألها هل كل شيء على ما يرام ؟! وفهمت هي ذلك وجاوبته تهز رأسها برفق، ثم تقدمت تجلس على المكتب وترسل رسالة إلى موسى بأنها لن تستطع الرد الآن…
انسحب أحمد من المصنع بأكمله وهي الأنظار ترمقه بتعجب لرؤيته فجأةً دون سابق إنذار، ولج مرتضى متسائلاً بشك :
ضايقك ؟؟ جه أمته وكان عايز ايه ؟!!
: لسا خارج من السجن وجاي يسلم على بابا
قالتها بتهكم ومالت تأخذ الحقيبة تقدمها إليه تتابع بلا اكتراث :
مش هيفرق طلع ولا مطلعش، الشنطة اهي وأنا هرجع البيت
نظر مرتضى من النافذة يتأكد من رحيل أحمد :
استني سعد ولا سالم متمشيش لوحدك
عقدت بين حاجبيها باستغراب متسائلة باستنكار :
سعد هنا ؟؟!
وقفت وأخذت حقيبتها ثم هندمة حجابها الأسود كعباءتها فلازالت ترتدي الأسود حداد على ابنة عمها، قرعت الباب عدة مرات وعندما لم تجد رد فتحته تناديه بقلق، توقفت محلها بضع دقائق وهي تراه يتمدد على الأريكة الجلدية ويخفي عينيه بذراعه المحني على وجهه، أخذت نفس عميق ونادته مرة ثانية وصوت شهقته المكتومة جنع العبرات في مقلتيها :
سعد، يعني لما تفضل كده هي هترجع
رد عليها بنبرة مرتجفة كما هو :
يمكن أنا اروح ليها بدل هي ما سبنتي لوحدي
زفرت هند مردفه وهي تجاهد نفسها على التماسك :
قوم تعالى وصلني، وهي محتاجه دعواتنا دلوقتي أو نفكر نعمل صدقة جارية صدقني هتتعب أكتر لو فضلت لوحدك
نهض يسمح عينيه وطلب منها أن تنتظر يذهب للمرحاض يغسل وجهه، عاد يسير معها وفي الطريق سألته بفضول كي تبعده عن حزنه قليلاً :
لو جبت بنت تسميها هند واديك مرتبي شهرين
ظهرت بسمة صغيرة على شفتيه وهو يهتف بجدية :
اخده ٦ شهور واسمي عيلين على اسمك
ضحكت بخفة متمتمه بعدم تصديق :
صحيح الفلوس بتعمل كل حاجه
تحدثت معه في أمور مختلفة بعيدة عن واقعهم، محاولة ظريفة من فصيحة اللسان كوالدها لجعل سعد يندمج معها، فمن كان خفيف الظل حلو المعاشرة تحول إلى إنسان متقوقع على نفسه، منطفئ، اختفت بسمته وحل مكانها تعاسة لا تفارق وجهه …
؛************
: بابا ممكن اتكلم معاك
رفع نظره من الورقة المثبت عليه عينيه بنظاراته الطبية، وسألها بنبرة محتدمة :
أنتِ مين سمحلك تخرجي من البيت وتيجي هنا ؟؟
جالت مروه بعينيها وهي تقف في وسط المخزن أمام طاولته الصغيرة التي تحمل عدد أوراق وكوب شاي، خلع النظارة والقاها على الأوراق بإهمال يردد سؤاله بحده :
مين اداكي إذن بالخروج من باب اوضتك ؟؟
رأت أحد العمال يأتي مسرعًا يحمل مقعد بلاستيكي إليها، وضعه ورحب بها وسأل المعلم في إذا أراد شئ آخر، أشار إليه بأن يعود لعمله … ينتظر منها الإجابة بترقب، فقالت بتردد :
يابابا أنا مش عارفه اتكلم مع حضرتك خالص ولا مديني فرصة ا..
قاطعها بجمود وهو يلقي القلم من يده :
هتتكلمي تقولي ايه يا مروه
ردت عليه بعجلة دون تفكير :
إني غلطانه وبعترف بكده ومين فينا مش بيغلط يا بابا
أومأ إليها وقال باقتصار :
خلاص غلطي وهتشيلي نتيجة غلطك
جلست على المقعد تنظر إليه بحسرة وعينيها تلمع بسحابة شفافة :
وده مش كفايا أنا عارفه بس والله مش قادره على زعلك مني، اعمل اي حاجه غير زعلك مني
على وشك أن ينهض يحاصرها في عناق حار ويخبرها أن تلك الدموع ليس بشئ هين عليه، فرد عليه بتجهم :
قومي ارجعي البيت واخر مره هسمحلك تكسري كلمتي
: يا بابا..
حذرها بنظرة حادة بأن تكمل وتتجاوز حدودها أكثر، ومن ثمّ أشار إليها بأن تتبعه فقد قرر العودة للمنزل، والحقيقة أنه لا يفضل أن تسير إحدى بناته وحدها قلق من تعرضها للمضايقة أو ربما يصيبها مكروه، وهذا هاجس يراوده ولا يقدر على التغلب عليه ….
؛***********
يتكئ على الحافة الخشبية للأريكة يباشر عمله عن طريق الكمبيوتر المحمول ( لاب توب)، فقد طلب من رئيس الشركة أن ينقله في قسم آخر لا يتطلب حضوره للمقر إلا يوم من كل أسبوع، ورغم أنه خسر مكانة عالية ستكون محور جديد في حياته العملية لكنه اختار راحته، لن يتمكن من السفر كل يوم ساعتين للذهاب ومثلهم للعودة ولحين استقرار الأوضاع سيكون هذا أفضل حل، وفي كل الأحوال لن تكون أول خسارة إليه فما يضاهي حقيقة أكذوبة هويته …
: نــدى
اعتدل يونس في جلسته بفزع من صوت سالم الجهوري، وخرجت ندى من المطبخ تهرول بقلق، لم يعد سالم الهادئ الحنون، تبدل نهائياً وكأنه شخص أخر غير الذي عاش معها تسع سنوات، لم ترى أسلوبه الصارم وطبعه الحاد هذا قط، تحول لشخص غاضب، ساخط، صعب المعاشرة، عليها الاعتراف بأنها فشلت لأول مرة في زوجها أن تعاونه على تخطي تلك العقبة الصعبة في هذا الوقت …اهتزت جدران المنزل من صفقه الباب خلفهما بعنف، دقائق وخرجت ندى بوجه أحمر وعينين دامعة وقد صب سالم عليها ضغينته ..
في حين ذلك جاء سعد يهتف برجاء وهو يقطع طريق ندى للصعود :
ندى أنا جعان ونفسي في شكشوكه
وقفت تنظر لزوجها كي لا يوبخها مجددًا، وعندما رأته يتطلع إلى هاتفه باهتمام فعلمت أنه لا يمانع، دارت تدلف للمطبخ مردده بهدوء ونبرتها المختنقة تسطير على صوتها:
حاضر هعملك في على طول
عقد يونس جبينه باستغراب وبحيره يرمق سميه بعدم فهم، إذا زوجته تجلس بجواره لِما يطلب من ندى !! ولأنه لا يعتاد على العيش مع أشخاص كثيرة لازال هناك أشياء ناقصة لم يدركها بعد، رفع سالم نظره شاشة هاتفه وقال لسعد باقتضاب :
اعمل حسابك هتنزل معايا الشغل من بكره
أشار سعد على نفسه مردد باستنكار :
أنا !! لا مش بعرف اتعامل معاكم ولا ليا فيه
عقب سالم بسخرية لاذعة :
خلاص نسيب التجار والفلوس ونرمي كل ده ورا ضهرنا علشان ملناش فيه
بتبرم صاح سعد وهو يشير على يونس :
خد يونس هو مش أخوك، خده وعلمه
: يا خد مين ؟؟! لا يا حبيبي أنا مش بفهم غير في شغلي
استقام سالم وهدر بحده وانفعال :
انتوا هترموني لبعض، ما كفايا اللي مصدق وبقالي شهر مشفتش وشه هي تجارة أبويا لوحدي ولا ايه
صمت لبرهة ثم سألهم بتعجب :
هو أبويا فين ؟؟
ردت سميه بتلقائية :
خرج من ساعة قال رايح مشوار
وجد رحاب تهبط الدرج ثم ولجت للشقة دون أن توجه لأحدهم كلمة، فقال سالم بشك :
نازله دلوقتي ليه ياما ؟؟!
تطلعت إليه بجمود مردفه بحده طفيفة :
هو أنت فاتح معايا تحقيق كل ما تشوف وشي، أنزل واطلع وقت ما عوز وأنت ملكش دعوه
لوى جانب شفتيه ببسمة ساخرة وسألها بهدوء مصطنع :
ماشي يا أمي برحتك بس برده نازله هنا ليه ؟؟
وتابع بملل قبل أن تردد نفس الجمل التي اعتادت قولها كلما رأته :
آه عارف ان برحتك ومحدش ليه فيه، بس أبويا لو جه وشافك هنا لا أنا ولا العيله باللي فيها هنعرف نحوشه
تطلع سعد إلى سميه وأمرها بأن تصعد شقتها على الفور، ثم نهض ووقف قبالة رحاب يسألها مستفسرًا بجديه :
هو ليه مش شايفك حزينه على أختي ؟؟ فين قاهرة الأم على بنتها ؟؟ مش حاسه بذنب اي حاجه عملتيها معانا ؟؟
تعجبت من كون سعد هو المتحدث بتلك العقلانية، ملامحه جامدة وصوته ثابت، ليس هذا الفتى الغبي الاهوج وكأن موت أخته أحيى بداخله نضوج عمرًا قادم :
وأنت اللي هتعرفني ازعل على بنتي ازاي
هتف سالم بجفاء :
مش هيفرق زعلتي ولا لا، سمر ماتت زعلك ولا هيقدم ولا يأخر
رفعت رحاب حاجبها غير مستوعبه أن سالم يتحدث معها بهذا الأسلوب وباستهزاء هتفت وهي ترمقه بتعجب :
أنت يا سالم بتتكلم معايا كده !! ده انت عمرك ما رفعت عينك في عيني !!
رد عليها بحنق ويضغط على فكه بقوة :
لو سمحتي اطلعي فوق وبلاش مشاكل
تجاهلته وتأملت يونس تسأله بتهكم :
وأنت مش عايز تقول حاجه
لم يرد عليها وظل يتطلع إليها بجمود، لا يجد أحرف تعبر عن الحروب المشتعلة بداخل صدره، يتعجب بشدة ولا يشغله إلا سؤالاً واحد ” من أين لها بتلك الجرأة ؟؟! ”
استمعوا إلى صوت عبده آتي من الخارج فما هي إلا ثوان وكانت رحاب مختفيه، صعدت لشقة ابنها بعجلة فإن تظاهرت بالشجاعة أمام أولادها لن تفلح مع عبده إن قتلها.
؛************
بعد صلاة المغرب جلس منير بجانب والدته في مجلس منزل المعلم سالم، متوتر بشكل ملحوظ وسعادته تتراقص على وجهه، نظر إلى والدته وسألها بلهفة :
شكلي حلو ؟؟
حدجته شزرًا مردده بضجر :
عليا النعمه لو سألتني السؤال ده تاني لهقوم اديك على خلقتك
ومن ثمّ تابعت من بين أسنانه بغيظ :
ما تهدى وتنبط يالا وخلي اليوم يعدي
بكدر همس منير وهو يشيح بانزعاج :
يوه ياما متوتر وعايزك تطمنيني
: ليه يا خويا أنت العروسة يا حوستي يا انا على خلفتي
هز منير رأسه باستياء وسأله بتبرم :
أما أنتِ جايه معايا ليه ؟؟! قومي روحي
ولجت صباح ترحب بهم ومعها كوبين عصير، وبدون مقدمات أشارت إلى منير بأن ينهض ويتجه لغرفة مقابل لهم بابها مفتوح … فهمت والدته أن رحمه تنتظره هناك فقالت إليه ببسمة صغيره :
خد معاك الورد تديه للعروسه يا منير
واستكملت برحابة توجه حديثها إلى ناديه وصباح :
حاجه صغيره مش من مقام العروسه بس الورد ميجيش غير للورد
ردت صباح مبتسمة بحنو :
تسلمي يا أم منير، ربنا يقدم اللي فيه الخير
لم تتفوه ناديه بحرف وكل هذا لا يروق إليها بتاتاً، تكتم ضيقها حتى لا تكون نهاية المطاف إليها في هذا المنزل، وتترك للايام مفاجأة الحاضر .. في الغرفة وجدها تجلس عاقدة ذراعيه بكدر، ترتدي عباءة سوداء وحجاب نفس اللون، ملامحها منزعجة وعينيها تشع بالشر، ابتسم بخفة ووضع بجوارها باقة الزهور قائلاً بحب :
لو عليا اجبلك الكون كله في مناسبة زي دي
ضحكت بخفة وقالت بغرور :
ومجبتش ليه حد منعك ولا معكش تمنه
حافظ على ابتسامته البشوشة مردفًا بسعادة غامرة :
لا بس مفيش حاجه تساوي القعدة معاكي
حدقت به تقيمه بتفحص ثم غمغمت بتهكم :
كلامك حلو بس مش هياكل معايا
واستكملت باحتقار حطم حماس هذا اللطيف لفتات أسفل قدميه :
بقولك ايه يا منير ما تفكك من الشويتين دول وقوم روح وقول لبابا كل شئ قسمة ونصيب وبلاش وجع دماغ
أشارت على نفسها تتابع بانزعاج :
أنا أساساً قعده معاك غصب عني ولا يمكن أوافق عليك، ما هو معلش مش واحدة زي اتقدم ليها تجار وولاد عُمد وناس عندها بتقلك فلوس ومكانة وفي الاخر اسمي يرتبط بيك، اصحى وفوق وأعرف الفرق بينا وإذا بابا رفض ابن النائب علشان شخصيته صعبه فأنت محصلتش نمله جنبه
انتظرت أن ينهض بغضب ويرحل بعد تلك الخناجر المسمومة التي خرجت على هيئة كلمات من شفتيها، لكنه ضرب بكل هرائها عرض الحائط وقال بلباقة وحكمة :
ولاد العُمد وابن النائب عندهم فلوس ومكانه بس محدش فيهم بيحبك زي ما بحبك، هو الفرق بينا أن هما حظهم حلو وليهم ضهر في البلد
واصل بنبرة متزنة واثقة :
أنا خريج كلية تجارة انجليزي بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، معايا ٣ لغات وبكمل الرابعه، معايا خمس شهادات معتمدين في كورسات مختلفة، ربنا أنعم عليا بحفظ القرآن الكريم وأنا في إعدادي والحمدلله حفظته بالتجويد في ثانوي، بقدر الإمكان بجاهد نفسي في ملهيات الحياة، مش بشرب سجاير، محافظ على صلاتي، بشتغل من صغري وشلت مسؤوليتي أنا ووالدتي
أضافت هي باستهزاء :
نسيت أنك شيال في مصنع بابا، رد سجون، بعت نفسك علشان الفلوس، بنية بيتكم بتمن كرامتك لما قبلت تشيل شيلة غيرك
هز رأسه بالنفي واردف باستنكار :
ليه مصممه تقللي مني ؟؟!
رفعت كتفيها ببراءة وهي تتمتم ببرود :
أنت اللي قليت من نفسك لما جيت هنا
أبتسم بهدوء واستند بظهره للخلف مردد بتحدي :
ماشي أنا معنديش اي اعتراض ولو أنتِ رافضه جوزاك مني اطلعي قولي لوالدك كده
وقف مسترسل ببرود مماثل إليها :
وخليكي شايفه ابن النائب تتحسري عليه
: دا أنت بايع كرامتك بقا !! هتقبل على نفسك تعيش مع واحدة رفضاك ؟؟
محاولة أخيرة للفك من قيود الارتباط به، الموت يهون عليها مقابل أن يذكر اسمها بجانب اسمه، ولكن ها هي تخسر أول جولة في الحرب عندما نطق منير بحماس شديد :
بصراحه كلامك شجعني أكمل عشانك وأنا متأكد لما تعرفيني هتحبيني زي ما بحبك يا رحمه
من المفترض أن تنتهي جلستهم وهو يحترق بنيران الندم لمجرد تفكيره الارتباط بها، لِما تفوح منها رائحة حريق ينهش قلبها !! كيف استطاع الصبر على كلماتها القاسية ؟!!
ولِما يقرر الاستمرار معها وهي تعترف إليه برفضها القاطع لوجوده في الحياة ؟!!… شعرت رحمه بالغيظ لدرجة البكاء بقهر، وحتى لا يراها أحد خرجت من الباب الثاني للغرفة وصعدت إلى غرفتها، ظنت أنها كسرت كبريائه وجرحت كرامته ورد فعله الطبيعي والمنتظر إليها هربه من علاقة تربطهما معا، وكما يقولون تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وغرست بكلماتها الموجعة تحدي بداخل منير للأثبات لنفسه قبلها بأنه يستحق بها دون عن رجال العالم أجمع!!!
؛**************
على طاولة العشاء في منزل ربيع رشدي مطاوع، وضعت مي الأطباق أمام الأطفال وهي تقول بحنو :
كل واحد يخلص الطبق القدامه
وعندما جاء دور ربيع ضربت بالطبق فوق الطاولة بحده فصاح ربيع بتبرم:
ما براحه ولا قولك اديني بيه في وشي أحسن
نظرت للأطفال ثم حدجته بضيق مردده بصوت منخفض :
قولتلك بدل المرة عشره اتكلم بأسلوب كويس قدام العيال
لوى جانب فمه متشدقًا بسخرية :
ما تقولي لنفسك يا ختي بدل ما رزعتي الطبق لما اندلق نصه
جلست على مقعدها بصمت والضيق يعتلي وجهها :
أنا زهقت وجبت أخري
: منين
: هو ايه ؟؟؟
: اخرك جبيته منين
ضحكت بسخرية وصاحت باستهزاء :
ده أنت بقيت تعرف تهزر وتخف في دمك اهو
وضع ربيع يده على رأسه مغمغم بسأم :
كل الليلة دي علشان مردتش اديكي الفلوس ومش هخلص
بكت مي بغتةً وصاحت بانفعال :
يعني هو أنا كل يوم بجيب شوية حاجات ليا، واديك شايف نفسيتي تعبانه ازاي من يوم وفاة بنت عمي، حرام عليك
فجع ربيع من بكائها وفز يتجه إليها مردد بندم :
هز أنا كل ما اكلمك تعيطي، خلاص اسكتي
رفع يده يمسح عينيها يواصل بضجر :
خلاص خدي ٢٠٠ شبرقي نفسك بيهم
فتحت عينيها بصدمه فتراجع على مضض ووكزها في كتفها بغيظ :
ماشي يا بنت جابر اعملي الشويتين دول واضحكي عليا
ابتسمت ببراءة تسأله بلطف :
هتديني كام ؟!
حدجها بحده وعاد لمعقده يكمل طعامه بعبوس، انقضت الليلة بينهما وهي تحاول بشتى الطرق ليزيد مبلغ النقود، وف ي نهاية المطاف نجحت بدلالها أن تأخذ ضعف ما طلبت ووعد منه في أقرب فرصة سيأخذها نزهة ليوم واحد في الإسكندرية كي ترفه عن نفسها … منذ أن علمت مفاتيحه وهي تستخدمها معه وبسهولة وسلاسة ينفذ ما تريده، ببساطة لأن ربيع شخص عملي لم يفهم متعة الرفاهية والراحة، ويستمتع معها بتلك التفاصيل الصغيرة حتى وإن كان يصرف مبالغ في أمور تافهة مثلما يقول لها، لكن بداخله أشبه بطفل خامس لأولاده الأربع، بقدر المستطاع لا يرفض إليها طلب لجعلها سعيدة معه، ويبعد شعور الندم على الارتباط بفتاة جميلة وصغيرة تحملت مسؤوليته هو وأولاده.
؛*************
الفرح والحزن مشاعر تتضاعف في وقت الواقعة ومع مرور الأيام تخمد رويدًا، كموج البحر المتمرد مع وفود العاصفة ثم يهدأ إلى أن يستكين تمامًا… مر اسبوعين آخرين وأتت ليلة اليوم المعهود، تجمعت الفتيات في غرفة هند يجهزون الحقائب الخاصة بها، ومن ثمّ اتجهوا إلى مروه يساعدوها في ترتيب ملابسها بعدما انتهوا من غلق حقائبها الثانية…
في غرفة المعيشة تجلس والغضب رفيق لها، ستنفجر من الغيظ التي تضمره بداخل صدرها، انتظرت بما يكفي توهم نفسها برجوعه في قراراته، معتقده أنها مجرد تهديدات قالها في وقت غضبه وضيقه من تصرفات بناتها .. عند تلك النقطة سلمت عقلها للشيطان وتمكن من جعلها تسير في طريق الهلاك، المقارنة والتفريق بين بناتها وبنات حليلات زوجها، واللواتي تزوجن من أفضل الرجال باحتفالات ضخمة تليق بهن، وهي تجلس منزوية تنتظر وقوع البلاء على بناتها..
: ما تقومي معانا يا ناديه
هتفت بها صباح وهي تخرج من المطبخ واستكملت برحابة :
أنا جهزت تتبيلة اللحمة وحشيت الحمام فاضل بكره نعمل صينيتين مكرونه بشاميل ونكمل الفراخ والطواجن
ردت ناديه باقتضاب :
وايه لزومه كل ده ما المعلم قال كله هيروح لحاله بعد كتب الكتاب
ابتسمت صباح وهي تهتف بسعادة :
لا ده عشا هند ومروه وكده كده أنا قفلت كراتين العشا وكتبت لسعد باقي الطلبات
وهل ناديه حيالها تسألها بحنق :
طيب يا صباح عارفين هند هتروح فين وعشا العروسه هيروح في بيت مين، إنما مروه تعرفي رايحه فين
؛***********
في منزل عزيز
بعد أن تناولوا وجبة العشاء بحضور أفراد العائلة بأكملها إلا سعد الذي ذهب مع يونس لإتمام ما بقى لعقد قرانه غدًا.. احتدت ملامح عزيز وهو ينظر إلى سميه بإنصات ينتظرها تنهي حديثها، فصاحت مايسه باستهجان :
وليه ينزلكوا أنتِ مش شقتك ؟؟! ما كان أخوه الكبير نزل ولا التاني اشمعنا أنتِ ؟!!
ردت عليها سميه بضيق :
بالله عليكي سالم ازاي ينزل هو وعياله ومراته وبعدين مينفعش شقة محمود تنفتح وهو مش موجود
عقب علي بتفهم :
ومالو مادام موافقه مفيش مشكله
رفعت مايسه حاجبيها باستغراب وقبل أن تفتح فمها عنفها زوجها بحده غير متهم إلا بإخراسها لتكف عن بث سمومها :
خلاص يا مايسه، صاحبة الشأن موافقه أنتِ متتدخليش
سألها عزيز باهتمام وتركيز :
عبده اللي طلب منك ولا جوزك
شعرت سميه أنها محاصرة بكم الأسئلة التي تطرح اليها عندما أخبرتهم بأنها ستترك شقتها لفترة مؤقته وتهبط للطابق الأرضي حيث غرفة سعد القديمة، وذلك ليتم زواج يونس ومروه باعتبار أن العرس مقتصر على عقد القران فقط :
لا بابا عبده قعد معايا واستأذني انزل تحت لحد ما الشقة الجديدة تخلص لأن الوقت ضيق وبكره كتب الكتاب وأنا موافقه عادي بس قولت اعرفكم علشان متتصدموش لما تيجوا تزورني
نظر إليها بترقب متسائلاً بشك :
وجوزك ايه رأيه ؟؟
تطلعت سميه إلى يعقوب ليتدخل وينقذها فرد بدلاً منها :
وهو سعد هيقول ايه يابا ما يونس برده أخوه والظروف عليهم كلهم
تحدثت حسينه بكدر وهي تحدج ابنتها :
وهتخدي راحتك ازاي يا بنتي ده حماكي و٣ رجاله وبعدين ده بيت عيله يعني قعدتكم كلها تحت
حسم عزيز الأمر بقوله بصرامة :
عرفي سعد أنك هتفضلي في شقتك لحد ما الحوار ده يخلص عايز يجي ومالو مش عايز هو حر
: اسيبه في الظروف دي لوحده يا بابا !!
قالتها باستنكار وحزن، أضاف يعقوب بهدوء :
يابا ملهاش لازمة، وميصحش سميه تسيب سعد دلوقتي في حالته دي
ضيق عزيز بين حاجبيه باستغراب وسأله بتعجب :
أنا قولت تسيبه ؟!! شقتها فوق مفروشه يجي يعيش معاها لحد ما تتعدل ويرجع بيته ولا عشان بدور على راحة بنتي أبقا غلطان !!
هتف عبدالله بضجر :
طالما هي قالت موافقه تستحمل بس حوار أنه يجي يعقد هنا دي مش هيحصل
في أثناء ذلك مال سليمان الجالس بجوار مقعد يعقوب وهمس بصوت منخفض :
رسيت ولا ايه الراجل جاهز يشيل
رمقه يعقوب بطرف عينه وتنهد بحيره :
ماشي اديله كلمة وحدد معاه معاد يجي يحمله
: هو ايه ده ؟؟
سؤال خرج من شفتي عبدالله القريب منهما، فقال سليمان بتهكم :
أنت قاعد هناك وودنك هنا
وكزته فايزه بخفه في قدمه، بينما رد عبدالله بتطفل :
سيبك من القاعد والواقف مين الراجل ده ويجي يحمل ايه
نظر يعقوب إليه بدهشة وعندما رأى التركيز أصبح عليه هتف وهو يحدق بتحفز والده لمعرفة ما يدور بينهما :
كنت قايل لسليمان يشوف حد يشتري العفش لأني ناوي اغيره وفي راجل عرض سعر كويس فيه
صاحت حسنيه بحسرة :
ليه يا يعقوب ده عفشك منزلش البلد وهتخسره
ضحكت مايسه بسخرية مردده باستهزاء :
أكيد مش عاجب حسناء
سألتها ميمونه زوجة عبدالله بسخرية مماثلة بأسلوبها :
وأنتِ لما جيتي اتجوزتي شريف اللي اختار عفشك ؟؟! وبعدين ده العزال ده جاي من جوازي أنا ومنال يعني من ٧ سنين، طلع حاجات كتيره احلى واجدد
عقب شريف يسدد رأيه :
أنا شايف أن لو مايسه سكتت كل مشاكل البيت ده هتتحل
توسعت مقلتي مايسه بذهول طاغي فأكمل شريف برجاحه موجه حديثه إلى عزيز :
واسمحلي يا عمي بما إننا كلنا متجمعين اطلب منك طلب صغير هيريح الكل، ما هو مش معقول أبقا قاعد وشايف مراتي بتتدخل في حياة الكل وبتخرب عليهم
شهقت مايسه وكادت أن تصرخ عليه فأشار إليها بجمود ويتابع بإصرار :
متحوليش تتكلمي لأنك بتفسدي اي حاجه بتحطي لسانك فيها، ملحقة على مرات اخوكي دي ومش سايبه دي في حالها حتى اللي لسا مجتش البيت مش مرحومه منك، بتحشري نفسك في خصوصيات غيرك وأنا مش هصبر، والحل الوحيد أنك ترجعي معايا القاهرة وتعيشي في بيتك وتركزي مع ولادك وجوزك يمكن الفراغ هو السبب
أحمر وجه مايسه بشرار وتمنت أن تنقض عليه وتخنقه بلا رحمة، غضب علي من إهانة أخته في وجودهم وقال بكدر :
ايه يا شريف أنت مش واعي لنفسك ولا ايه، على الأقل لو مش عامل حساب لينا، حافظ على صورة مراتك يا خي
ضيق شريف عينيه وابتسم باستخفاف :
علي بلاش نلف وندور، مايسه لو ملقتش حد تتشاكل معاه وتطهقه في عيشته بتتصل بيا
رد عليه عزيز باقتصار كي لا يتحول النقاش إلى جدال سيأتي بمشاكل لا ضرورة لها :
حقك أن مراتك تسمع كلامك ومكان ما تكون هي معاك، وإذا كنت عامل لكل بنت شقة ده خصوصية ليهم
رن هاتف يعقوب باسم محبوبته، نهض من بينهم وخرج للبهو يرد عليها مبتسمًا ببشاشة :
أهلا باللي مطنشه طول النهار
ضحكت بخفة وقالت بتعب :
مش بأيدي ده أنا قولت ألحق اكلمك دقيقتين قبل ما نرجع تاني
قطب جبينه باستفهام وسألها باهتمام :
ليه كل ده ؟!! وصوتك ماله ؟؟
جاوبته وهي تتثاءب بنعاس :
طول النهار بنجهز شنط هند ومروه ومن المغرب أنا وخيريه ومها جينا عند عمي نرص حاجات مروه ما أكيد سميه حكت لكم
: عقبال ما تيجي ترصي شقتك
وكأنه يراها تبتسم بسمة خجولة وتنظر في الأرض بحياء، لا يحتاج لرؤيتها أمامه وهي بالأساس تمكث داخل قلبه، بعد خمس دقائق تقريباً أغلقت معه وعادت تساعد خيريه، فاستغل يعقوب عدم شعور أحد به ورحل من المنزل بأكمله، يدرك أن والده لن يمرر قرار بيعه للأثاث دون مواجهة حارة لتصرفه دون أن يعود إليه، وقد استاء من اعتراض كل قرار يخص حياته، أصبح لا يعلم هو يخطئ التصرف أم أن والده يقيده بأمور لا داعي لها …
؛************
صوت نقيق الضفادع في الأراضي الزراعية يعج بجلبة مع سكون الليل، ضوء خافت من الهلال المتوسط للسماء الحالكة، ونسمة هواء صافية تتراقص عليها أوراق الأشجار .. في تمام الساعة الثالثة والنصف صباحًا، وقف سيف في النافذة يتأمل الهدوء حوله بسكون يغمر روحه، ظل يردد ذكر الله على لسانه إلى أن رأى عامل المسجد يسير باتجاه بيت الله، ولج يتوضأ وحمل سجادة الصلاة الخاصة به وهبط، في كل ليلة يذهب خلف العامل في هذا الوقت يصلي قيام الليل ويقرأ في المصحف الشريف إلى أن يأتي موعد آذان الفجر يصليه ويغادر للسوق يشتري الخضار ولوازم يومه …
الاعتراف بالخطأ ليس ضعف، والشجاعة الحقيقة هي تقبل نتيجة أفعالك، والكبر في استمرار الخطيئة ما هو إلا تعجرف زائف لن يدوم …
عاد سيف حامل أكياس بلاستيكية في يديه، فوضع الأكياس أرضا ليتمكن من فتح الباب، وعلى حين فتح الباب وظهرت ليلى في وجهه .. ارتاب سيف منها فسألها بعدم ارتياح :
في ايه ؟؟ أنتِ واقفه كده ليه ؟؟
اجابته بخفوت وهي تنخفض تأخذ الأكياس :
شوفتك جاي من الشباك
اقتضبت ملامح سيف واغلق الباب مردد باضطراب مما سيتفوه به :
ليلى خدي بالك أنك عايشه مع شابين، متخرجيش من الاوضه غير للضرورة
دون أن تعيره اهتمام عقبت بتبرم :
متجوعش دماغي يا سيف يإما تتصرفلي في مكان تاني ليا ولبنتي
تركته وصعدت لابنتها بتبرطم بحنق وهو يقف محله ينظر للفراغ بضيق شديد، عندما بدأ في التأقلم وامتثل لواقعه جاءت هي كقطر سريع يهشم ما يقابله، تثير قلقه كلما رآها تتحرك حوله وكأنها لص سيسرق روحه بغتةً !!
؛**************
صف موسى سيارته أمام المنزل وهبط يساعد والدته وعليا من السيارة الثانية وأخبر السائق أن ينتظر لحين مجيء من يرشده على مكان يصف به السيارات .. سكون يتضح على أهل المنزل عكس كل مناسبة حضرها معهم، فالجميع يحرص على تقدير حالة الحداد التي لا زالت مستمرة …
في البهو جاء عامر من الصباح الباكر ليكون بجوار يونس فإن تغير اسمه لن يغير مكانته أبدا، أنجز معه كل شيء وأجبره على الجلوس وتناول الإفطار قبل أن يتجه لتبديل ملابسه والذهاب للمسجد لصلاة الجمعة، وبعدها سيعقد قرانه ولن يملك وقت للتفرغ.
؛؛؛؛؛؛؛
بينما في منزل جابر، اقتحم سالم الغرفة يبحث في الإدراج بعشوائية وهو يلقي محتوياتها، كانت زينب تتحدث مع خلود عبر مكالمة صوتيه تطمئن على أحوالها ونيره تمسك هاتفها تتصفح صفحات التواصل الاجتماعي بانتباه، وصغيرها يمسك لعبة تناسب عمره تشغل تركيزه …
: فين المحفظة بتاعتي ؟؟
تساءل بحنق وهو يلتفت إلى درج آخر يبحث عنها، لم يجد رد منها فاتجه إليها ينتشل الهاتف من يدها مزمجرًا بغلظة :
مش سامعه أنا بقول ايه ولا بكلم نفسي
فزعت نيره من حركته وتمتمت بغيظ :
ايه الطريقه دي هو ده الأسلوب الجديد بعد ما ردتني
ألقى الهاتف على الفراش بإهمال قائلاً بازدراء :
لا أنا رديتك عشان أرضي أبويا واهو بالمره اسيبك متعلقه ولا منك مطلقه ولا منك متجوزة
تعلم أن جابر هو مش ضغط عليه، وحكم إن أراد العودة للمنزل ورضاه يردها لعصمته إما أن ينسى عائلته ويرحل عنهم، منذ أسبوع وهو يقصد استفزازها وكأنه يعاقبها على إصرار والده … أغلقت زينب من خلود واقتربت منهما مردفه بملل :
في ايه يا سالم طايح فينا من الصبح ليه
أغمض عينيه بقوة وغمغم من بين أسنانه :
ما لازم تتمرقع طول ما انتوا بتحاموا ليها
حدجها بجمود وغادر يضرب الأبواب خلقه بعنف فنظرت زينب إلى نيره تعاتبها برفق :
كده برده هو ده اللي اتفقنا عليه ؟؟
عبس وجهها وهي تردد باحتدام :
هو ده مديني فرصه اتكلم حتى، عامل شكل الطور المعمي بيطس في اي حته وخلاص
لوت زينب جانب شفتيها بتهكم :
وطور ويطس !! لا يا نيره باين أن كلامي جاب نتيجه وبدأتي تجرُي ناعم معاه وتسحبيه ليكي
سارت تحمل حفيدها تسترسل بحده :
قومي البسي علشان منتأخرش ولما اشوف اخرتكم ايه
؛*****************
يرفع قدميه على الطاولة أمامه وينفث دخان التبغ بشراهة وهو يغمض عينيه مستند برأسه على المعقد … شعر بحركة حوله فرفع رأسه بعينين صقر ثاقبة تحدد هدفها، بنبرة حاقدة قال وهو يتلاعب بالتبغ بين أصابعه :
بقولك ايه يابا لو جاي تسمعني نفس الكلمتين اللي مش بسمع غيرهم من يوم ما خرجت أنا مش ناقص
رمقه صبري بضيق شديد وهتف باحتقار :
ليه هو أنا لفيت ودفعت قد كده علشان تخرج تقعدلي في الاوضه وتنفخلي سجاريتن
أبتسم أحمد بسمة خبيثة وسأله بسخرية :
عايزني اعمل ايه يا حضرة العمدة ؟؟
: تقوم تمشي معايا ندخل كتب كتاب بنات خالك وعينك مرفوعة
نظر إليه يضيف بحرقة :
اروح أشوفها وهي مروحه مع جوزها، ولا ابارك وارقص وبعد كل ده هتكون لغيري
زجره صبري بغضب شديد :
غبي ومعندكش مخ تفكر بيه، اومال عايزها تستناك وأنت كنت هتقتلها، اصحى وفوق لنفسك يا أحمد أنا مش مستعد ادخل مع خالك في حرب خسرانه
: آه صحيح خالي هددني وجبهالي على المكشوف وقال بالحرف ” لو شوفتك مهوب ناحية بيتي أو حد من بناتي أنا مش هحبسك بس همحيك من على وش الأرض”
ارتبك صبري وسأله بتعجب :
أمته الكلام ده ؟! وليه مقولتش !!
هز أحمد رأسه بلا اكتراث وأخرج علبة التبغ يأخذ واحدة أخرى :
مش هتفرق يا عمده كله محصل بعضه وهي مسألة وقت
مسألة وقت من أين جهة يقصد هذا المعتوه ؟! هكذا تساءل صبري بينه وبين نفسه وهو يخرج متجه للمسجد، أن خطر على باله مجرد فكرة لأخذ بثأره ربما يهدم المنزل فوق رؤوسهم أجمع… أحمد خبيث لدرجة مرعبة، تربى على يد صبري ونشأ أمام المعلم سالم، خليط بين القوة والحكمة ورجاحة العقل، بالإضافة إلى الأنانية والجشع والتطلع للأكثر الدائم، وهنا فرق بين الأفضل والاكثر لن يفهمه إلا الإنسان السوي.
؛**************
انتهت صلاة الجمعة في المساجد، اجتمع آل سويلم في منزل المعلم سالم في هدوء تام، وبعض من أصدقاء العائلة المقربون جدًا … جلس المأذون وجهز الأوراق ثم طلب من يونس بأن يقترب ويمضي في المكان المخصص، ومن ثمّ فعل منير الذي يعيش حلم لا يصدقه، ليس هو فقط بل الجميع لا يصدق أنه يتزوج إحدى بنات المعلم سالم !!
صمت يعم المجلس وجابر يأخذ الدفتر ويدخل لتمضي مروه ورحمه، دقائق وعاد مبتسمًا يردد الدعوات بالمباركة للعرائس، قدم سالم عبده وسعد الضيافة من الشاي والقهوة ..
: وإبراهيم عملتوا معاه ايه ؟؟
سؤال يتلهف الجميع لمعرفة إجابته، فما يخص تلك الواقعة يشغل كل القرية بل وصدى الخبر ضج في القرى المجاورة، نطق جابر باقتصار :
الحكومة بتدور عليه والمهم عندنا ابننا رجع لمطرحه
نطق أحد الرجال بحفاوة وهو ينظر إلى يونس بفخر :
الحمدلله ده عوض ربنا لعبده في الوقت ده
انحسب الحضور واحد تلو الآخر يباركون لعبده داعين الله أن يلهمه الصبر، ثم استقام موسى بنفاذ صبر لرؤية العروس بلهفة، يرتدي حلة رسمية سوداء يبرز من شكلها ثمنها الباهظ، تلمع ساعته المعدنية في يده الممسكة بالهاتف استعداد للاتصال بالسائق الذي سيتولى القيادة إلى الفندق الذي حجز به أسبوع لقضاء أول أيامه مع عروسه ..
وقف أمام الغرفة يمسك باقة زهور بيضاء بهيئته الساحرة، ينتظر أن يفتح الباب بحماس شديد، وفجأةً فتح وظهرت مها تفسح إليه المجال للدخول… حبس أنفاسه وانشقت بسمة هيام على شفتيه من تلك الفاتنة، اختارت هند فستان من الستان أبيض اللون بأكمام ضيقة، مصمم خصيصًا إليها فكان يحتضن جسدها باحترافية برزت رشاقتها، ولم تتخلى عن قفازات يديها المرصعة بحبات اللؤلؤ تخفي ندبات الغدر، تمحي اي أثر للماضي في حاضرها المشرق بنسيم الهوى، حررت خصلات شعرها الأسود الغجري خلفها فوصل إلى أسفل ظهرها طليق .. ابتسمت إليه بشفتيها المرسومة بحمرة شفاه ورديه، وهي تراه يحدق بها يتأملها بانبهار، اقترب خطوات قليلة ينظر إلى عينيها الكحيلة بغرام جعلها تتيقن أنها الحياة لها معنى أخر في بحر عينيه العسلية، تتعلم على أوتار حبه عزف جديد يأخذها لعالم ملئ بعشق نابع من حنايا قلبه … قطع المسافة بينهما يقبل جبينها برفق، يتمتم بنبرة فاض منها الحب :
ربنا يبارك فيكي ويحميكي ليا
تنهد بصوت مسموع وقدم إليها باقة الزهور، وتطلع إليها بنظرة انتصار وفخر بنفسه لأنه تمكن من الحصول عليها، لم يستسلم وظل في طريق المستحيل لأجلها، تلك اللحظة تسجل بالتاريخ فهذا يوم مولده الجديد :
بصراحه مش لاقي كلمة توصف إحساسي
قالها وهو يمسك يدها بحنو، ثم تابع وخفقان قلبه يزداد :
أنتِ جميلة أوي يا هند
كلمة واحدة أعظم من معاني الغزل والمدح بالنسبة إليها، رفرف قلبها لعنان السماء يرقص طربً على أنغام المحبة، أخفضت عينيها بحياء واكتفت بالتمسك في يده المحتضنة كفها … دخلت مها تخبرهم بأن يستعدوا لحضور المصورة التي ستخلد ذكرى اليوم بصور تشهد على ميلاد حب فريد، استثنائي، خاص بـ ” موسى وهند ” فقط.
في الغرفة الثانية جلس منير ينتظر رحمه التي رفضت أن تقابله بخيبة أمل كبيرة، لحفظ ماء وجهه قرر الانتظار بعض الوقت كي لا يثير شك والدته … زفر بضيق ونهض مستعد للرحيل، وعلى حين غرة تبدلت ملامحه لسعادة وهو يهتف بفرحة عندما رآها تقترب منه :
الحمدلله أنك جيتي قبل ما أمشي
: أصل ماما صباح حلفت لتقول لبابا لو مجتش
تخبره أن لا يتأمل بأحلام مستحيلة بين سطور جملتها، هز رأسه بلا مبالاة وقال بلهفة :
مش مشكلة المهم اني شوفتك
أخرج عبلة قطيفة من جيب سرواله يسترسل بحماس شديد:
دي حاجه بسيطه بمناسبة كتب كتابنا وأول مسافر أن شاء الله هبعتلك على طول تختاري الشبكة اللي نفسك فيها
رغم نفورها منه إلا أن فضولها طغى على الغرور المسيطر عليها، أمسكت العلبة بأطراف أصابعها تفتحها باستهزاء .. لحظات ترمقه تارة ثم تتأمل السلسلة المتوسطة للعلبة تارة، هتف منير بحب وعينيه تلمع بمسرة طاغية :
سلسلة على شكل وردة شبهك
وضح الاشمئزاز على تعابير وجهها وهي تغمغم بقرف :
كل ده على سلسلة فضه اومال لو دهب كنت عملت فرح
تشنج جسد منير مرددًا بعدم فهم :
فضه !! دي مش فضه دي الماس
انتفضت رحمه تصيح بغضب وهي تلقي العلبة :
ألماس مره واحده طيب اكدب بس على قد مستواك
التقط منير العلبة وهو يهتف بتعجب :
مش بكدب والله !! لو مش مصدقه السلسلة معاها الشهادة تقدري تشوفي الختم وفي عنوان المحل كمان
ضيقت رحمه عينيها بشك وسألته بريبه :
جبت فلوسها منين ؟؟؟ بابا صح ؟!!
هز رأسه بالنفي واجاب بعفوية :
خلصت ورق السفر واتفضل معايا مبلغ حبيت اجبلك حاجه لحد ما أشتغل واقدر ابعتلك تشتري الشبكة
رمقته من أسفل إلى أعلى بحنق، وانتشلت العلبة من يده بغتةً، خرجت من الغرفة وتركته يقف كما هو إلى أن استوعب أنها غادرت فأخذ هاتفه وعاد للمجلس …
؛****
نصف ساعة وانتهت المصورة من التقاط الصور لموسى وهند، حاولوا الفتيات إقناع مروه بأن تأخذ صورة واحدة فقط كذكرى مع يونس ولكنها أصرت على الرفض، ارتدت هي الأخرى فستان أبيض بسيط جدًا لا يناسب ذوقها، ولكن فعلت كشئ روتيني فلا تشعر بأنه يوم زفافها من الأساس.
لملمت هند خصلاتها تحت الحجاب وارتدت عباءة فضفاضة فوق فستانها عندما خرجت من الغرفة، وداع حار بينها وبين والجميع ولم تتحمل بكاء حسناء وهي تعانقها بقوة لا تريد تركها إلا عندما جاء والدهن ووقف أمام هند يتأملها بهدوء، ثم سحبها داخل حضنه يربت على ظهرها بحنان دون أن يتكلم، منعت هند دموعها من السقوط وفنت نفسها في أحضان حصنها المنيع، ابتعدت ترفع يده تقبلها وهي تبكي رغم عنها، فابتسم ومسح دموعها متمتم بصوت رخيم :
خلي بالك من نفسك
هزت رأسها بخفوت وتقدم موسى يمسك يدها يخبرها أنه بجوارها، عانق المعلم سالم هو الآخر واستمع إلى وصاياه برحابة ثم استأذن منهم بالرحيل بعد وداع كوثر وعليا، فهم سينتظرون يوم ثان ويعودان للمنزل ….
أشار عبده إلى يونس بأن يتقدم ليأخذ مروه فوجده متجمد مكانه ينظر إليه ببلاهة، فتحرك هو وأمسك يد مروه مردفًا بضيق مصطنع :
نصيبي في بنات أخويا ام لسان ونص
ضحكت بخفة وتطلعت إلى والدها بحزن شديد، ظنت أن نصيبها من الوداع سيكون جفاء وجهامة، لكنه اذاب الجليد بينهما ببسمة صغيرة ظهرت على شفتيه وهو يعانقها بحنان يعقب على حديث عبده باستياء :
ياريت مصحاش الصبح الاقيكي أنتِ وعمك ماسكين في خناق بعض
ضحك جابر يربت على كتف يونس بمزاح :
ربنا معاك يا بني
ودعت مروه الجميع وسارت بجانب يونس متجهين إلى شقتهم في منزل عبده، غادر جابر وأهل بيته ولم يبقى سوى أفراد الأسرة في وجود مرتضى ويعقوب وعامر المجتمعين على طاولة في البهو يتحدثون في أمور مختلفة لا تخلو من المزاح والضحك علهم يستطيعون رؤية زوجاتهن قبل الرحيل.
؛**********
شبك أصابعها في أصابعه وهو يخبرها عن خطته لقضاء أول عطلة لهم في إحدى فنادق الإسكندرية إلى أن ينتهي من إجراء جواز السفر الخاص بها ويأخذها في رحلة طويلة خارج البلاد من اختيارها، فجأةً توقف السائق بالسيارة على الطريق يبعد عن القرية عشر دقائق تقريبًا :
في حد واقف في نص الطريق
انكمش بين حاجبي موسى باستغراب وهو يرمق رجل لا يعلم هويته يقف في منتصف الطريق .. بينما شهقت هند بهلع وتشبثت في يده برعب، حدق موسى بها متسائلاً بقلق :
في ايه ؟؟ أنتِ تعرفيه ؟!!
قبضت على يده بقوة وقالت بخوف :
اوعى تنزل مش هسيبك تروحله
: مالك يا هند ؟! ومين ده ؟؟
في نفس الوقت توقف سيارتين يخصان المعلم سالم خلفهم، دار موسي برأسه ينظر إلى سالم جابر يترجل من إحداهم واتبعه أربع رجال … مر من جوار سيارتهم وأشار إلى السائق بأن يتبع طريقه وهو يمسك احمد من مرفقه ويسحبه بجانبه ليفسح الطريق للسيارة، حاول موسى يهدأ من روع هند كي ينزل ويرى ما يحدث لكنها دخلت في نوبة بكاء افزعته وجعلته يطلب من السائق التحرك ..
: ممكن تهدي وتفهميني فيه ايه
همست بتوجس :
خايفه عليك
رفع يده يمسح على وجنتيها بحنو :
حبيبتي ممكن بلاش عياط وفهميني مين ده
: أحمد
أظلمت مقلتيه وهو يسألها بقتامة :
أحمد طليقك ؟؟
أومأت إليه فعاد يسألها بجمود وتعابيره مقتضبة :
خرج أمته ؟؟ هو ده الجالك المصنع وأنا بكلمك ؟؟
هزت رأسها مرة ثانية
اعتدل وعاد يستند بظهره للخلف وهو ينظر للطريق من النافذة بغموض وصمت ارتابت منه هند، بعدما يقارب ساعة شعر بثقل طرأ فجأةً على ذراعه، نظرها إليها مبتسمًا وأخذ رأسها على كتفه فقد غفلت في نوم عميق وهو لم يشعر بها، أغلق زجاج النافذة بجانبها ووضع رأسها على صدره وحاصرها بذراعيه وهو يفكر في ذلك الأرعن الذي عكر صفوه في يومه المميز، استحوذ الضيق منه وربما لولا رؤية خوفها الشديد لطلب من السائق أن يعود ويأخذ بثأره، عندما أحس أن غضبه يتفاقم حدق بتلك النائمة كي يطرد كل ما يشغله عنها فهي الآن معه وهذا إنجاز يستحق الاحتفال وبعدها يجلس بهدوء لوضع مصيدة لفأر حقير ….
؛*************
: أنت قاعد كده ليه ؟؟
نظر محمود إلى والده بثبات دون أن يرد، فعنفه عبده بكدر :
ياله امشي ارجع لعيالك ومراتك
وقف محمود يردد بحقد :
جوزتها ليه ومردتش ليا
من الجيد أن ندى جاءت من الخارج وصعدت على شقتها فقد اكتفى من الفضائح التي تتساقط عليه أمامه، نظر سالم إلى أخيه وهتف بتعجب واستنكار :
مين مرداش ؟!! هتتجوزها غصب عنها ولا ايه ؟؟
تطلع محمود إليهما بشر وغادر مع براكين غضبه المشتعلة بداخله، هز عبده رأسه باستياء مردد بقلة حيلة :
ربنا يهديك يا محمود ويصبرني على الجاي
مسح سالم وجه بتعب وقال بفتور :
أنا هطلع يابا احسن دماغي هتنفجر
أومأ إليه وهو يجلس على الأريكة ينتظر أن تجهز سحر الطعام كما أخبرته، وجد سعد يلقي نفسه على المقعد بإهمال فسأله مستفسرًا :
فين سميه عشان تتغدى معانا ؟؟!
جاوبه باقتصار :
هتبات عند أهلها
عم الصمت لحظات فهتف سعد متسائلاً بحيره :
تفتكر يابا أنا هخلف ايه ؟!!
: بني آدم أن شاء الله
رددها بجديه وتابع بضجر :
أنا مشفق عليه ولا عليها بسببك
” مشفق ” قالها سعد بذهول ومن ثمّ غمغم بدهشة :
انت جبت الكلمة دي منين يا عبده !!!
مكث الاثنين يشاكسون بعضهما إلى أن جهزت سحر الطعام، حاولت أن تفصل بينهما وعندما يآسة، اختارت أن تسكت وتأكل أفيد من نفاذ طاقتها معهما دون فائدة …
؛*************
بعد صلاة العشاء دخل المعلم سالم إلى الطابق الأرضي، من الواضح أن كل واحدة في شقتها مع بناتها، ولج لغرفة المكتب يجلس مع نفسه في هدوء ثم حسم المعركة المتأججة بعقله واتصل على سالم جابر يطلبه بالحضور …
عشر دقائق وطرق يستأذن بالدخول، ألقى التحية وجلس مقابل لها فقال المعلم سالم بدون مقدمات :
عايزك تجهز نفسك من دلوقتي علشان كمان يومين هتسافر معايا
عقد سالم جبينه باستفهام وتسأل باهتمام :
مكن جديد للمصنع ؟؟! ولا اتفاقية كبيره
ضم كفيه أمامه على المكتب وقال بهدوء :
ولا ده ولا ده، هتيجي معايا رفيق وإياك يا سالم مخلوق يعرف بكلامي لحد أنا ما اعرفك هتعمل ايه في غيابي ..
؛*************
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)