روايات

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الثاني والخمسون

رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الثاني والخمسون

رواية بنت المعلم
رواية بنت المعلم

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الثانية والخمسون

” من اعتقد أن الزمان يدفن خبايا الماضي تحت التراب، ما ظنك إذا هبت رياح تعصف بجذور الحكاية ويكشف المستور ”
على مائدة الإفطار، مجتمعين في جو يسوده الهدوء .. ثبت نظره على رحمه وقال بأمر صارم :
حضري نفسك كمان يومين هنسافر أنا وأنتِ اسكندريه
وضعت الخبز من يدها وسألته باستغراب وقلق :
كلنا ولا أنا لوحدي ؟؟!
تريد معرفة سبب السفرية المفاجأة ولكن صيغة السؤال لم تخرج بالطريقة المباشرة، وكي لا يثير الفضول بهن أجابها بتوضيح :
في دكتوره كويسه هنروحلها سوا
” دكتوره !! ” رددتها ناديه بتعجب وهي ترمق رحمه بعدم فهم، فسألته صباح بخوف :
دكتورة ايه يا حاج بعيد الشر
: استشارات نفسيه
اندفعت رحمه تهتف بارتباك :
مش عايزه أنا كويسه ومفيش حاجه تخليني اروح لدكتور نفسي
دام يحدقها ثم سألها باقتضاب :
وكلامك امبارح مع أختك بعد ما طلعتوا من عندي من وجهة نظرك عادي ؟!!
لم يعطيها فرصة للرد وتابع بانزعاج :
مش فاهم ايه مناسبة كلامك في أنها خدت لقطه قدامي لما عرضت فكرتكم، محتاج أفهم ليه مصممه تفرقي بينك وبينهم
علمت خيريه أنها المقصودة بالحديث، ورغم ضيقها ليلة أمس من وصف رحمه بأنها أنانية قالت برزانة :
لا يا بابا رحمه متقصدش تفرق بينا بس هي قصدها أن كان ممكن واحدة فينا تعرض الفكرة بدالي لأني كل مرة بعمل كده
رفع المعلم سالم حاجبيه باستنكار متسائلاً باستياء :
وهل ده مبرر أنها تعلي صوتها وتتكلم بأسلوب مش كويس معاكي ؟!!
تحدثت ناديه بقلة حيلة فقد عجزت عن تغير أسلوب ابنتها :
معلش يا معلم هي أختها وبتدلع عليها
أومأ إليها وتمتم بحزم :
أنا قولت اللي عندي ومش هكرر كلامي
ترقرقت العبرات في عيني رحمه مردده بتلجلج :
مش عايزه اروح أنا مش معملتش حاجه
عقد جبينه باستفهام متسائلاً بسخرية :
وأنا قولت أنك عملتي ؟؟ وفيها ايه لما تروحي وتشوفي حل لمشكلتك
: مفيش مشكلة أصلاً
قالتها باندفاع فرد عليها بنبرة محتدمة :
لا المشكلة أن كل الناس ظلماكي وأنا أولهم، المشكلة أنك عايشه دور الضحية وعاجبك ومرتاحه فيه، المشكلة أن مفيش مشكلة بس أنتِ مصممه تشوفي غير كده يا رحمه
بكت وهي تهمس بخوف وتخفض رأسها :
لا المشكلة إني مش بنت صباح ونجاة
ضرب على الطاولة بخفة جعلتهن يفزعن ثم قال بحنق :
اهو ده مربط الفرس كل ما حد يكلمك ارجعي لفي لحجتك الفارغه
أشار إلى ناديه وتابع متسائلاً بضيق :
مالها ناديه ؟!! أحب أعرف منك مالها ناديه علشان تقولي كده !!!
ردت ناديه بارتباك فقد دق ناقوس الخطر بهراء ابنتها :
متخدش على كلامها يا معلم، رحمه اللي في قلبها على لسانها
استقام مغمغم بصرامة محدج رحمه :
لما نشوف مشكلتها وبعدين ندور على اللي في قلبها
التفت يتركهن وهبط لمكتبه يستغفر الله فقد أوشك على فقد أعصابه وهذا ليس المعتاد لقدرته على التحكم في هدوئه … اتصل بمرتضى يخبره بأنه لن يأتي للمصنع اليوم ليهتم بالإدارة في غيابه ولأن سالم جابر مسؤول عن تسليم الطلبيات من المخزن أعطى مرتضى صلاحية اختيار من يساعده ….
بينما جلس هو يفكر في القادم، خطوات بسيطة تفصله ويصل بسفينته إلى الشاطئ… على بُعد عينيه يرى ستار الحقيقة فقط من يزيحه بسلاسة ويسقط ليظهر الخبايا، ليست أسرار تعكر صفاء أيامه بقدر تشوقه لمعرفة وجه شيطان يتخفى بين عائلته!!!
؛****
في الأعلى تفاقم غضب ناديه ودفعت الكوب بحده من أمامها :
مفيش غيرك معكنن علينا عشيتنا ومش هترتاحي غير وأنا مطلقه
وقفت رحمه وهي تبكي فقالت صباح بضيق :
مش كل يوم بيومه الراجل تعب وفاض بيه من المشاكل
صاحت رحمه بصوت مرتفع زلزل صداه المنزل بأكمله :
ورحمه هي مشكلتكم هي السبب في حاجه
وضعت ناديه يدها على وجهها مردده بخشية :
صوتك لو سمعه هيبقا يوم أسود علينا
كانت أمل بجوار رحمه فوقفت مقابل لها تربت على ظهرها برفق :
اهدي يا رحمه محصلش حاجه لكل ده، اهدي
دفعت يدها بقوة والتفت تغادر متجاهله نداء ناديه، تدخلت نجاة وقالت بهدوء :
سبيها دلوقتي وهي هتهدى وتكون كويسه بلاش نضغط عليها
رفعت ناديه كتفيها مردفه بانفعال :
نضغط ايه دا الواحد يخاف يبصلها تلبسه مصيبه
هتفت هند بحكمة :
معلش يا ماما ناديه هي حساسه شويه
نظرت صباح إلى خيريه تسألها بجمود :
مقولتيش على الحصل ده ليه قبل ابوكي ما يعرف ؟؟
: أنا معرفش أساسا أن بابا سمعنا
تنهدت حسناء براحه فإن كان سمع حديثهما أمس لكانت رحمه في عداد المفقودين … ذهبت هند خلف رحمه وجلست نجاة مع ناديه تخفف عنها، بينما لحقت خيريه وأمل بمروه المغمومة منذ الصباح، وظلت حسناء تحتسي كوب الشاي وهي ترد على رسالة يعقوب بالسؤال عن الأحوال ….
؛******************
قبل ساعتين
شقة سكنية استأجرها بمبلغ باهظ لأجل حلول الليل عليهم وهم بالسيارة يبحث عن مكان آمن ويلائم العائلة، ولحسن حظه صديقه وجد تلك الشقة في مبنى سكني ملك لأقاربه ….
أستيقظ باكرًا على صوت ابنه وهو يخبره بأنه جائع فلم يأكل منذ أن خرجوا من المنزل البارحة… مسح وجهه بتعب وقال بنعاس :
حاضر يا راغب هننزل نجيب فطار
ابتعد راغب عنه يعطيه الفرصة لينهض، تثاءب وأخذ هاتفه ينظر للساعة السابعة والربع بمضض، وألقى الغطاء بضيق يبرطم بتذمر .. دقائق في المرحاض وخرج يجفف وجهه، ثم أشار إلى راغب بأن يتبعه ليخبره بما يريد، وجد ميادة مستيقظة مع هاجر تشاهد معها التلفاز وما أن رأته الصغيرة قفزت تعانقه …
: تيجي معانا
سألها وهو يقبل وجنتها برفق فهزت الصغيرة رأسها بحماس، ظل يحملها وأمسك كف راغب وسأل مياده مستفسرًا :
هنزل اجيب فطار عايزه حاجه أجبها ؟؟
جالت بنظرها في المكان بخوف مردده بقلق :
هتسبني لوحدي هنا
: متخفيش دي منطقة ساكنيه والشارع صاحي ومش هتأخر
أومأت إليه بخفوت وحدقت بهم إلى أن خرجوا، تبدلت تعابير القلق إلى استهزاء وسخرية ثم أخذت جهاز التحكم ترفع الصوت لتستمتع بمسلسلها المفضل !!
؛**************
ولج لغرفته قائلاً بلطف :
همشي يا حبيبتي عايزه حاجه
دارت بجسدها إليه تدفعه برفق قبل أن يعانقها كعادته قبل الرحيل، رفعت يدها أمام وجهه وهي تمسك خصلة شعر صفراء متسائلة بوجوم :
ايه ده ؟؟؟
تجمد مرتضى وهو يحدج خصلة الشعر المتأرجحة بين أصابع مها، لم يفقه رد مناسب ينتشله، أو أي تصرف حكيم يجدر به الإقدام عليه … طال الانتظار فقالت مها بسأم :
قولتلك كام مره مش بحب حد يجي ينظف وأنا مش هنا لاني برفض يدخلوا الاوضه بتاعتنا
ردد باقتصار وثبات :
تغريد كانت معاهم
تحركت مها بجهة سلة المهملات الصغيرة والقت بها الخصلة مردفه بملل :
يا حبيبي تغريد لسا متفهمش أن مينفعش حد يدخل اوضة النوم مهما كان، خصوصية البيت كوم والاوضة دي كوم تاني
واسترسلت بانزعاج :
اكيد البنوته اللي بتيجي مع ام سيد كانت بتشتغل وهي قالعة الطرحه مع اني نبهت عليها متعملش كده
: معلش تلاقيها قالت اني مش موجود فخدت راحتها بعد كده كلميهم يجوا وأنتِ هنا
طبع قبلة على جبينها وودعها قبل أن تسأله عن سبب مجيئهم أمس بناءً على طلبه، لا يعلم إلى متى سيهرب من الإجابة لكن المؤكد أنه لا يملك الآن الرجاحة في العثور على رد مقنع إليها، يكفيه أنه يجلس على أعصابه خوف من وقوع أحد أولاده في الحديث أمامها … لن يهدأ إلا بمرور وقت طويل ينسيه هذا اليوم، فكل ما يشعر به قليل من الاطمئنان لأن والد زوجته دبر كل شئ لأجل تخطي تلك الحية التي أرادت إفساد حياتهم …
؛****************
: هو فيه ايه يا سعد هتفضل تعاملني كده كتير ؟؟
نظر إليه بطرف عينه متمتم بضيق :
تحبي اعاملك ازاي يعني
اقتربت سميه منه وهتفت بنعومة وهي تمسك يده :
عايزه سعد اللي أعرفه مش الوش المصدرة ليا
سحب يده قائلاً بتجهم :
لولا المشاكل اللي احنا فيها كنت وديتك لأهلك
رفعت حاجبيها بدهشة ثم اقتربت أكثر منه وهي تهمس بدلال :
واهون عليك يا سعودي
تتقن تنفيذ نصيحة ندى باحتراف ورؤية النتيجة واضحة وضوح الشمس… كان عليها الاستماع إليها منذ البداية ولا تستهين بخبرتها، وعلى الجهة الأخرى تماسك سعد بوجه عابس بصعوبة كي لا يرضخ بسهولة وسألها بتهكم :
وده من أمته ؟؟ مش سعودي ده المهزأ في نظرك ؟!
شهقت سميه بتعجب مردده بعتاب رقيق :
أنت لسا فاهمني غلط، لا زعلتني منك
وتابعت بأسف :
أنا عارفه أنك مضايق من كلام مايسه بس هي كده، متقصدش تقلل منك ولا كل اللي في دماغك ده حتى أنا لما ضحكت لأني واخده الموضوع بهزار مفهمتش انك زعلت ولما اقولتلك اني حامل بدل ما تفرح كسرت خاطري
رأته يصغي إليها بانتباه فاسترسلت بحب :
ولولا أني عارفه أن قلبك ابيض ومفيش في حنيتك مكنتش قاعدة معاك دلوقتي
ابتسم بسمة واسعة ورفع ذراعه يحيطها مردفًا بلطف وخفة ظل:
فعلا أنا قلبي أبيض
ضحكة سميه بسعادة غمرتها للحظات واختفت مثلما اختفت بسمتها وهي ترمق من تقف مستندة على حافة الباب تنظر إليهما بسخرية .. عقد سعد بين حاجبيه باستغراب ثم تذكر أن السعادة في منزلهم لا تدوم، هز رأسه وسألها بصوت منخفض :
أمي واقفه ورايا صح ؟؟
هزت رأسها ببطيء فصاح بغلظة :
كنت متأكد أن الفرحة في بيتنا قصيرة
: قوم يا أبو فرحه قابل ابن عمتك على ما أبوك يوصل
وقف مردد بسعادة وهو يشير إلى سميه :
دي إشارة أننا هنجيب بنت ونسميها فرحه
هدرت رحاب بانفعال :
يا مراري من العيشة دي
ركضت سميه للداخل قبل أن تستلمها رحاب التي تحركت على مضض لمقابلة يونس … في احدى غرف المنزل جلست سمر تلعب بهاتفها متجاهلة اتصال خليل، علاقة روتينية مملة إلى أبعد الحدود، كلا منهما يدري مصلحة الآخر في الارتباط به، ولا يعطي أي طرف منهما فرصة لتحسين من علاقتهما على الأقل قبل الزواج أن استمرت الخطبة.
؛*************
لا يدري كيف ساقته قدمه إلى هنا بالتحديد، لكنه يشعر بالاشتياق لشئ ما لا يعلمه، أو بالمعنى الأدق لا يود الاعتراف به … خرجت سيدة ففتح باب الصالون وظهر هو يقف مباشرة قبالة لها، رفعت حاجبها باستنكار لرؤيته ثم وضعت الاستشوار من يدها واتجهت إليه:
ده ايه الحدفك علينا الساعة دي ؟؟
تطلع إليها ثم همس بتوتر :
عامله ايه
ضيقت ساره عينيها تسأله بريبه :
مش مرتاحه للصيغة دي !! ما تنجز وترمي اللي جاي علشانه ؟؟
زاغ سيف بعينه ثم قال باضطراب وتردد :
جيت أشوفك
ضربت ساره بيدها على صدرها وحركت شفتيها بحركة سوقية :
تبقا المصيبة كبيره
اقتضبت ملامح سيف مردفًا بضيق :
أنا غلطان اني بكلمك من أصله
لوكت العلكة باستفزاز وردت متشدقه :
ومالو يا خويا متكلمنيش ولا تشوفني من أساسه ده يوم المنى
: تتجوزيني ؟؟؟
بلعت العلكة بغتةً ووقفت في حنجرتها وعينيها تتسع بصدمه، أحمر وجهها وهي تسعل بشدة وتسبه لمحاولاته قتلها بكلمته المفاجأة .. بدأت تستعيد أنفاسها فقال معتذر:
آسف مقصدش
حدجته بتفحص ثم سألته بجرأة :
أنت شارب ايه على الصبح وجاي تطلعه عليا ؟؟!
رفع سيف كتفيه ببراءة متمتم بجدية :
صليت الضحى وجيتلك
ضحكة بميوعة وهي تهتف بسخرية لاذعة :
ياختي ما شاء الله الشيخ سيف مره واحده
انكمش بين حاجبيه مغمغم بحنق من أسلوبها الساخر :
مش شيخ يا ساره وملوش لازمه تتريقي مادام الكلام مش على هواكي
شعرت بالحرج من طريقته الجادة ولم يدوم طويلاً فتبخر في ثوان وهي تهدر باستهزاء واحتقار :
آه وأنا اصوم وافطر على بصله ويارتيها بصله سليمه لا ده عوره، لا يا خويا خليني قاعده حنب أمي ولا أدخل عيلتكم دي، دا انتوا شر ماشي على الأرض
ابتعد بنظره عنها مردد بتعجرف فقد قصدت التقليل منه واهانته، وكرامته لن تسمح بالتجاوز أكثر :
ممكن بكلمة واحدة تنهي النقاش بأسلوب متحضر عن كده وخليكي انسانه واعيه شويه وافهمي أن مينفعش نفضل نحكم على انسان من ماضيه
أنهى الحوار بنظرة شملتها بغيظ وكاد أن يتحرك، ولكن كيف يفصل الجدال لصالحه وهي ساره ؟! لن تقبل بفوزه عليها بكلامه المحنك وهي لم تعتاد على ذلك :
لا بقولك ايه متحضر ده يبقا جوز عمتك أنا واعيه وفاهمه والماضي بيترتب عليه الحاضر والمستقبل يا عينا
دفعته بقوة في كتفه تستطرد بسخط :
وامشي بقا بدل ما افرج عليك الشارع
وضع القبعة الرياضية فوق رأسه وقال بغرور وثقة :
همشي وبكره تيجي لحد عندي
ضغطت على شفتيها بغيظ وهي تحدجه يغادر بكل هدوء، مشاعر كثيرة تختلج بداخلها، تعجب من طلب الزواج !! استغراب لإقدامه عليها !! ذهول من فكرة ارتباطها به ؟!
وخجل من كونه رآها زوجة له ؟؟ .. لم تكن مجرد احاسيس بقدر من إلحاح فضولها على معرفة الإجابة لكل هذه الأسئلة، عادت للصالون مضطربة فجلست على المقعد وطلبت من السيدة بإذن تنتظر بعد الوقت تعود لصوابها بدلاً من حرق خصلاتها وهي شاردة الذهن في صاحب العين الخضراء …
: ماله حظك يا ساره أعور كده ليه
؛*************** بقلم حسناء محمد سويلم
عودة لمنزل المعلم سالم
أغلقت دفتر الحسابات وأجابت على اتصاله ملقية التحية برحابة، فرد هو بلوعة استحوذته لبعدها :
الواحد مش عايز حاجه تانيه بعد ما سمع صوتك
ضحكت هند يخجل وقالت باستحياء:
كنت لسا هكلمك
عاد بظهره يستند على المقعد ورفع قدمه على الطاولة أمامه مردد بهيام :
ده من حظي أن المهلبية بيفكر فيا
تصنعت الضيق مردفه بحده طفيفة :
وبعدين معاك مش هتبطل الكلمة دي
: لا الأول سكت لأن مش حقي إنما دلوقتي حلالي
هزت رأسها بيأس من عناده وقررت أن تتغاضى عن غزله ونقاشته في الأهم :
ماشي بعدين نتكلم في الموضوع ده دلوقتي كنت عايزه أتكلم معاك في حاجه تانيه
غمغم بمحبة :
كلي آذان صاغية يا حب
ترددت بعض الشئ في بداية حديثها ثم قالت بهدوء :
عليا كلمتني وحكلتي أنك زعلان ومش بتتكلم معاها ولا مع طنط كوثر وطلبت مني اتكلم معاك
همهم بخفوت متسائلاً بلا مبالاة :
ويا ترى حكتلك عن السبب ؟؟
: آه حكتلي ولو عايز رأي بلاش تتحكم في حياة عليا بطريقة تخليها تكره ده
لوى موسى جانب فمه وهتف باستهجان :
حاسس أن كلامكم عني اني واحد من الشارع مليش حق ادخل في حياتها
وتابع بانزعاج لأن تفكيرها متشابه لكوثر :
مع أنكم لو فكرتوا ثانية واحده هتفهموا إني خايف على أختي
حاولت هند امتصاص انفعاله مردده برزانة :
محدش عنده شك في كده بس ليه متسبهاش تقرر وتتحمل نتيجة ده وهي مش صغيره واكيد مدركه مشاعرها كويس
رد عليها بانزعاج :
مش هقف اتفرج عليها وهي بترمي نفسها في النار، ده عيل متربي في جحر افاعي هيطلع منه ايه
وقفت تتجه للشرفة قائلة بحنكة:
كلامك منحاز لفكرة معينه مع انك متأكد أن عمر مش زيهم وإلا مكنش بابا سايبه في المصنع لحد دلوقتى
تنهد بنفاذ صبر وهتف باقتصار وحده :
هند لو سمحتي بلاش تتدخلي في الموضوع ده لأني مش هغير رأي
: اتعصبت لاني صح على العموم أنا حبيت اوضحلك الأمور لأن في الأول والآخر عليا في حكم نفسها وممكن تعمل اللي هي عايزه
انتفض من مقعده مزمجرًا بشراسة :
يعني في حكم نفسها هوا بالنسبالك أنا
رفعت هند حاجبيها بدهشة من إصراره على تجاهل صلة القرابة بينهم :
لا مش هوا، أنت ابن مرات أبوها مش أخوها
بصرامة ردد والضيق باد في نبرته :
مفيش الكلام ده عليا اختى
صمتت لبرهة ثم استجمعت جرأتها تضيف ببسالة غير مبالية إلا بكسر حاجز زائف يصر عليه :
لا عليا مش أختك وحرام تقعد معاها لوحدك ومينفعش تحضنها ولا تبوسها ولا تصرفات الإخوة اللي بينكم عمتا لأن عليا تجوز ليك يا موسى
على حين غرة جاء صوته الغاضب يردعها بجموح :
أنتِ اتجننتي تجوز لاخوها
أبعدت هند الهاتف عنها بخوف استحواذها، هذا وهي مجرد مكالمة ماذا وإن تفوهت بما قالته وجه لوجه ؟!! لوهلة اعتقدت أنها أخطأت وبالفعل وهو وعليا إخوة من شدة غضبه، لِما الغضب وهي قالت الحق !!
: ياريت مسمعش منك الكلام ده تاني ياهند
يجاهد في السيطرة على أعصابه فهمس بها باحتدام واراد إنهاء المكالمة لأنه لا يضمن إلى متى يتمكن من كبت انفعاله أمام كلماتها المستفزة… لكنها لم تهتم وتابعت بجفاء :
ياريت أنت تتعود على كده لأني مش هقف اتفرج على جوزي وهو بيتجاوز في المعاملة مع واحده اجنبيه عنه
ألقت التحية وأغلقت المكالمة قبل أن يرد، عليها تركه بمفرده يفكر في صحة ما قالته والذي لا يستحق كل هذا الغضب، منذ أن تعرفت عليه وهي تلاحظ تجاوزه في معاملته مع عليا وتدرك أن تلك التصرفات بعفوية من تعلقهما ببعض بحكم أنهما نشأ معًا، وإن كانت لا تملك الحق في التدخل بينهما سابقاً، الآن لن تقبل وعليها الاستمرار في تقديم النصيحة حتى يضع حدود للتعامل مع امرأة لا تحل له ….
” أجنبية!!! ” رددها موسى باستخفاف وهو يبتسم بسمة صغيرة ساخرة، منذ متى وعليا أخته صغيرته المدللة امرأة أجنبية عنه … جاءت إلى منزلهم وهي طفلة بعمر ثامن أعوام وهو يكبرها بسبع سنوات، نشأت أمام عينيه وهو من يراعيها وبعد وفاة والدها كان الأخ والاب والصديق، كيف لها أن تعتقده بتلك القذارة ؟!!
زفر بضيق واقترب من الحاسوب ينشغل في عمله كي لا ينفجر رأسه من النيران الملتهبة من تلك الأفكار الوقحة وأغلق الهاتف يمنع نفسه من الاتصال على هند يعنفها على سخافتها وهو من ظنها تملك الحكمة ورجاحة العقل لكن ربما كل النساء بدون عقل ….
؛*******
: مش بالع أن عمي سابك تيجي بسهولة كده
ضحك يونس مردد بمزاح :
شوف مش هو أبويا بس مش مطمن لدماغه
ضيق عامر عينيه بشك متسائلاً باهتمام :
وبرده مش بالع أن خالك طلبك زيارة بس ؟؟!
قدم يونس إليه كوب ماء :
خد اشرب وابلع كل ده وخف عني بأسالتك دي
ومن ثمّ استرسل بكدر وهو يتذكر مقابلة رحاب :
اسكت مرات خالي عبده ست صعبه بشكل، أنا مقدرتش استنى خالي وقولت لسعد يوصلني لعندك
: ليه ؟؟؟
شرد في نظراتها وطريقتها الهجومية متمتم بعدم فهم:
بتسأل أسئلة غريبة ونظراتها فيها كره حتى ابنها لاحظ ده وكان بيحاول يشغلني عنها
أومأ عامر إليه بتفهم مردفًا برفق :
لا متقلقش هي كده وتقريباً كله بيتجنب المعاملة معاها
أخذ يونس كوب الماء يرتشف منه القليل وتسأل بخفوت :
متعرفش مروه فين ؟؟!
رفع عامر نظره من شاشة هاتفه وحدجه بثبات:
مروه !! بتسأل ليه ؟؟
جاوبه بعدم ارتياح :
أصل شوفت بنات خالي كلهم إلا هي
اعتدل عامر في جلسته وسأله باقتضاب :
شوفت خيريه ؟؟
هز يونس رأسه فصاح عامر بامتعاض :
شوفتها وأنا مش عارفه أشوفها بقالي تلات أيام
أدام يونس يحدق به يتأكد من جدية هرائه ومن ثمّ عقب بوجوم :
شوف جو الحبيبه ده أنا مليش فيه أنا بسألك عن مروه ايه دخل خيريه
رفع عامر يده مردد بحزم :
طيب بس متقولش اسمها كده
ضحك يونس بعدم تصديق فقال عامر بجمود :
أنت فكرني بهزر أنا عمري ما حسيت إني هبقا مضايق لما ارتبط بيها
تطلع يونس إليه وعندما أدرك أنه جاد سأله بدهشة :
مضايق ليه ؟؟ ايه حصل انتوا لسا كاتبين الكتاب !!
شرد بذهنه للحظات وتمتم بغيره :
بغير عليها يا يونس بطريقة خنقتني وماسك نفسي بالعافية في كل حرف بقوله ليها عشان متحسش
كاد أن يفتح فمه فقاطعه عامر بملل :
هتقول لا لازم تتحكم في غيرتك وتكون الثقة أهم وشويه نصايح ملهمش اي ستين لازمه معايا لاني بقولهم لنفسي
وتابع باستياء :
مش قادر استوعب أن حد يشوفها غيري أو يسمع صوتها تخيل كده تهزر مع ابن عمها وتضحك ..
وفجأةً انتبه أنه يحكي عنها مع غيره فصرخ بجهامة :
هو أنا أصلا ازاي اتكلم عليها قدامك
وقف يونس مردد بحيرة مما ابتلى به عقل ابن عمه :
أنت اتهبلت يا بني يكون في علمك لو الغيره دي إستمرت معاك خيريه مش هتستحمل طريقتك وبعدين ايه صابك ما أنت كنت عاقل وراسي
أشاح بيده بضجر وغمغم متبرم :
هو في واحد يحب ويستنى بعقله
فرك يونس ذقنه بتفكير فاتبعه عامر يأخذ مفاتيحه :
تعالى اوصلك بدل ما توه وبعدين أرجع أكمل شغل
ضيق الآخر عينيه فهو يعلم أنه يود رؤية حبيبته وما هو إلا جحة للذهاب لمنزلها… سار الاثنين يتبادلان الحديث عن أمور مختلفة إلى أن وصل للبهو الخاص بمنزل المعلم سالم، وكلما اقتربا من باب المجلس وضح صوت بكاء فتاة إليهما، وقف عامر مكانه قائلاً بتردد :
الأحسن نستنى هنا
أشار إليه بالموافقة وجلسا على الأريكة ينتظران خروج من بالداخل وفي الأساس لا يوجد أحد بالجلس ولكن اختلط عليهما بكاء من تجلس في الشرفة منهارة تبكي بحرقة وهي تحدق بصورها المزيفة ورسائل التهديد ذلك الوغد تزداد قسوة بوعيد لفضحها ..
؛*********
في المحجر القبلي بداخل غرفة عزيز، أغلق يعقوب الباب بعد أن طلب من أحد الصبية صنع كوبين من الشاي ..
: اقعد يا يعقوب خليني أقول الكلمتين قبل أبوك ما يجي
جلس يعقوب قبالة عمه ينظر إليه بانتباه، فبدأ عمه بالتحدث بتريث :
أبوك كلمني عن حتة الأرض وبيقول عايز يخصلها مني وعلشان معرفوش أنك لسا متفق معايا فيها قولتله صرفت نظر عن بيعها
ضحك يعقوب بخفة وتمتم بثقة :
لا أبويا عارف اني لسا حاطط الأرض في دماغي وبيعمل كده علشان يبعدني عنها
تعجب عمه من ثقته فسأله باهتمام :
واشمعنى عزيز يبعدك عنها !! ما أنت لو عايز تشتري اي أرض تانيه هتقدر
جاوبه بدهاء وهو يستند على حافة المقعد بمرفقه :
بس حالياً ممعيش فلوس كاملة ومحدش هستنى عليا زيك يا عمي
: خلاص يا بني بالها الأرض وبلاش تعاند أبوك لأنه مفكر أن المعلم سالم شرط عليك تطلع من بيت العيلة
رسم بسمة جانبيه على شفته وغمغم بتهكم :
يعني لو عملت كده هيرتاح وعلى العموم طولت ولا قصرت مسيري أدور على الخصوصية في حياتي
طرق الصبي ودلف معه صينية بها كوبين شاي وضعها على طاولة صغيرة بينهما ثم التفت ورحل مغلق الباب خلف، فقال عمه بفضول :
الخصوصية دي بعيد عن مايسه صح ؟؟!
ضيق يعقوب بين حاجبيه باستغراب، لِما ذكر مايسه خصيصًا !! شعر أن هناك حديث في جوف عمه فسأله بريبة :
في ايه يا عمي حاسس أنك عايز تقول حاجه ؟!
تنهد الرجل يثقل وقال باقتضاب وتعابيره منزعجه :
مايسه كانت عندنا امبارح وقالت كلام مينفعش يتقال في حق حسناء وأنا وقفتها عند حدها، وإذا أنا ساكت على اللي هي بتعلمه مع منال وميمونه سالم مش هيكست
رأى الشر ينبع من عينين يعقوب فهتف بحكمة لا تليق على وقتهم بتاتاً :
مش بقولك علشان تتخانق معاها بس يا بني مش كل يوم والتاني ميمونه تتكلم مع أمها وهي معيطه وإذا كان علي بيدافع عن منال فحظ ميمونه أن عبدالله شبه أختك واديك بتدور على مصالحتك قبل مراتك ما تيجي البيت
أومأ يعقوب بتفهم مردفًا بجمود :
حقك يا عمي وميمونه ومنال إخوتنا وأنا هتصرف
برزت عروق وجهه وهو يضغط على فكه بقوة كادت أن تحطم أسنانه، يستشيط رويدًا رويدًا كعود كبريت ألقى بجوار برميل من الوقود .. انتظر رحيل عمه على لهيب ساخن، أنفاسه تتصارع داخل صدره ونيران الغضب تأكله بشراهة، انطلق بسيارته إلى المنزل ولن ينقذها من بطشه سوى الموت…
؛************
خرج من المسجد بصحبة جابر واتجه لمنزل عبده الذي طلب من سحر بأن تجهز ضيافة تليق بأخوته .. وخلف الباب وقفت رحاب في الخفاء تسترق السمع بما يدور بالداخل :
مش فاهم يا سالم !! أنت عايز تطلق صباح ولا ناديه ؟؟
رفع جابر حاجبه وزجر عبده بحده :
بدل ما تهديه تشجعه الله يسامحك ياخي
رد عبده بكدر من اندفاع جابر دائمًا :
اكيد عملوا حاجه كبيره تخلي سالم يفكر في كده
يمكث هو بهدوء يتركهما في نقاش بلا جدوى، فسأله جابر بعدم تصديق :
في احدى غرف السرايا المميزة بكبر مساحتها، توسط عثمان سويلم الجلسة وحوله أولاده الثلاثة .. وفي الخلف تقف صباح وزينب ورحاب، صمت يعم المكان منتظر مجيء زوجته وكبيرة المنزل تقص عليه ما حدث من شجار بين اثنين من زوجات أولاده …
خمس دقائق وانتهت خيريه من أخباره بكل شئ وإن كانت تخبئ أسلوب رحاب السئ معهن لن تصمت تلك المرة فقد طفح الكيل وكل مرة تزداد وقاحة إلى أن سبتها .. وقف عثمان يعنف رحاب بغضب شديد :
هي حصلت تشتمي وتقلي ادبك
وتابع بقسوة وحده :
مش معنى إني ساكت تسوقي فيها ولو مش محترمه جوزك تحترميني غصب عنك
نظرت إليه رحاب بخوف لكنها رفضت أن تخضع إليه فقالت بتحدي :
أنا معملتش حاجه وزينب كدابه
هتفت خيريه بتعجب واستنكار :
وكمان هتكدبيني !! ده أنا شايفكي بعيني وأنتِ بتزودي الملح في الأكل
شعرت رحاب برجفة سرت بداخلها من نظرات عثمان المخيفة فقالت بتعلثم :
مكنتش بحسبها حطت ملح وقولت أقف مكانها لحد ما تيجي بس هي زعقت وبهدلتني
انتقل عثمان بنظره إلى زينب حدقت بزوجها فلا تقوى على الحديث، فحثها جابر على التحدث وشجعها بإماة صغيرة منه.. بصوت منخفض وهي تنظر أرضًا :
يا عمي أنا مقدرش اتكلم في وجود امي خيريه وهي القسمت لينا كل واحده تعمل ايه وعلشان الصبح وأنا نزله خبط رحاب غصب عني حلفت لتردهالي
ازدردت لعابها الجاف وتابعت بخوف :
ولما أمي خيريه زعقت ليا وليها كنت ماشيه بس وقفت لما سمعت رحاب بتشتم فينا
ضغط عبده على يده بغضب شديد ثم وقف مرددًا بحده :
أنا قولتلك يابا مش هتعدل
رفعت رحاب حاجبها وردت عليه بتبجح :
مش هتعدل ولا مش قد المقام، ما أنا بنت الراجل الغلبان اللي أبوك بيعطف عليه
أشار سالم إلى عبده بأن يتحلى بالصبر ويهدأ ثم قال باقتصار :
اسمعي يا رحاب كل بيت وليه طريقة يمشي بيها ومش كل ما حد يكلمك تعلي صوتك وتغلطي، اللي عنده مشكلة يحكيها للحاج عثمان وهو يحلها
: ظالم ومش بيحكم بالعدل
قالتها بانفعال دون أن تعي في العلن وهذا ما يدور بداخلها دائمًا منذ أن ولجت للعائلة.. شهقت خيريه بفزع وضربة على صدرها بصدمه لوقاحتها، بينما هجم عبده ليضربها لكن جابر امسكه بقوة فصاح الحاج عثمان بتجهم :
والله عال، بنت امبارح بتقول عليا ظالم
حدجها بسخط يسألها مستفسرًا باستنكار :
وأنا ظلمتك في ايه ولا شوفتي مني ايه يا رحاب ؟؟؟!
وهي كمن شلت تمامًا من هول الرعب، رمشت بأهدابها بتوتر وزاغت بعينيها بعيدًا فتابع عثمان بغضب :
من يوم ابوكي ما مات بعد جوازك بسنه وأنتِ سايقه العوج وقولت مش مشكلة بكره ربنا يهديها علشان ابنها، ابوكي الله يرحمه غاب سبع سنين ياخد من بضاعه عمري ما شوفت منه العيبه راجل على قد حاله صحيح لكن مشوفتش في جدعنته، يوم ما عرفت أن عنده بنت قولت يا زين تربيته ما هي أكيد طالعه زيه
رماها بنظرة شملتها بغيظ مستكملاً بصرامة :
لولا حفيدي وأنك حامل كنت خليته رمى عليكي اليمن دلوقتي
صمت لبرهة ثم هتف بأمر :
خدي نفسك ارجعي بيت أهلك لما تتعلمي الأدب ابقي تعالي
عودة للواقع
مشهد سريع مر بعقل رحاب وهي تنقض بالسكين على مروه والشر يحالفها للانتقام، فكما ستنتهي تريد رؤية الحزن والقهر للجميع …. صرخة مروه والمعلم سالم يدفعها بحده بعيدًا عن طريق رحاب الذي امسكها سالم جابر من الخلف بحده، ورفع كفه يقبض على نصل السكين بقوة إلى أن جُرحت يده ورغم ذلك ظل يمسكه حتى انتشله بعنف من يدها ودفعها بكل قوته يطرحها أرضًا.
يلهث وصوت أنفاسه متسارعة بشكل غير منتظم، والسكين في يده الملوثة بدمائه وهو يقف متجمد أمام رحاب الجاثية أرضًا ترمقه بغيظ وكره، والكل ينظر لِما حدث بذهول وصدمه … تطلع المعلم سالم إلى مروه بخوف وساعدها على الوقوف ثم سحبها خلف ظهره يخبئها، يقف سد منيع بينها وبين الخطر المحيط بهم، فسيكون موته أسهل من أن يصيبها مكروه …
ركض جابر بجوار ابنه يصرخ بغضب :
أنتِ اتجننتي عايزه تقتلي مين
ثم أمسك يد سالم المصابة يأخذ منه السكين والآخر يقف بجمود يحدق رحاب بعدم اطمئنان فقد تفعل أي شيء إذا دفعها شرها للقتل .. آفاق سعد من ذهوله وتقدم يجثو على ركبته يأخذ يد رحاب متمتم بضيق :
محدش ليه دعوة بيها، أمي مش مجنونه يا عمي
كأنه مغيب لم يرى ما نوت عليه، أو عقله لا يستوعب ما رأته عينيه … أشفق سالم جابر عليه وخاصةً أنه رآه يوقعها بتلك الطريقة المهينة، لكن إن لم يكن سريع البديهة لأصبحت مروه في قبرها اليوم لا محال :
كنت عارفه أن مفيش غيرك يعملها
قالتها وهي تبتسم بشر، اعتدلت وتابعت بأسلوب غير طبيعي وكأنها مختلة:
بس مش مشكله المرة دي معرفتش اقتلها المرة الجاية تيجي في قلبها وتموت بين ايدك، مش بيقولوا مرة تخيب ومرة تصيب
على حين غرة صفعه هبطت على وجهها صدح صدها في الارجاء من يد عبده الذي هدر بغضب شديد وانفعال :
ده أنا اقتلك واشرب من دمك قبل ما تفكري تقربي منهم
في نفس الوقت دخل سالم عبده واندفع صوب رحاب يفصل بينها وبين والده غير مصدق نفسه، لكن انتهت اللعبة وكشف كل شئ… أبعدت رحاب ابنها من أمامها وصاحت بحقد يكمن من سنوات :
هقهرك زيه وادفعك تمن كل السنين دي
نقلت نظرها إلى يونس وصرخة بحرقة :
لو كنت فضلت مختفي مع أبوك كان زمانك ملكش وجود
تعجب يونس منها ولكن دهش أكثر عندما أردف المعلم سالم بحده :
ملوش وجود عندك ولا عند أبوه وأخواته
” أخواته !!! ” عقد يونس جبينه باستفهام ورددها بذهول شديد ظهر على ملامحه، ضحكت بخفة مردده بلؤم :
ولا أبوه ولا أخواته كانوا يعرفوا بوجوده غير بجهودك
وبخبث أضافت غير مبالية بالتعجب واستغراب الجميع إلا من يعلم بحقيقة من تتحدث :
وخلي بالك كل ده مكنش هيحصل غير لما يونس ظهر لتفكر أنك ذكي وكشفتها
هز المعلم سالم رأسه غير مستوعب مدى بشاعتها :
أنتِ اللي وصفك بالام ظلم الكلمة معاكي
أشار على يونس واستطرد بدهاء :
ويكون في علمك أنا مدورتش وراكي ولا اتأكدت غير منك دلوقتي لأن الشر عماكي يا رحاب
رمقته بدهشة وفزع إذا كان محق فهي وقعت في مكيدة خطط إليها وجازت عليها الحيلة بسهولة !! هي من كشفت نفسها بفخ نصب إليها !!
ابتسم المعلم سالم وردد بمكر وهو يرى الذهول وعدم الفهم يشع من وجوه من حوله :
ما تحكلنا التفاصيل أصلي معرفش غير حاجات بسيطة
أسودت عينيها بالضغينة فسألها بحنكة :
يعني الشبه بين يونس ومحمود ممكن يكون عادي !! والوحمة اللي في ايد الاتنين في نفس المكان بنفس الشكل صدفه برده !!!
جحظت عينيها وهو يكمل بخبث ويخرج ورقة مطوية من جيب جلبابه:
أكيد التحليل ده صدفه برده
بنبرة مهزوزة وقلق سأله عبده وقد استحوذه الشك والريبة:
تحليل ايه ؟؟! وايه اللي بتتكلمه عنه ؟؟
أجابه بهدوء ورفق للصاعقة التي ستزلزل أخيه :
كلمت سحر من يومين تجيب شعره منك وأنت نايم وامبارح اخدت شعره من يونس بنفسي
فوضع يونس يده على شعره بتعجب بينما تابع المعلم سالم وهو يحدج رحاب بجمود :
هو صحيح المعمل خد مبلغ ابن ناس علشان يطلعه بسرعة أصل زي ما أنتِ عارفه تحليل النسب بياخد وقت وبيكون سري
صاح عبده بنفاذ صبر والضيق يعتلي صدره :
تحليل نسب ايه يا سالم وايه دخلي بيونس
: ابنك
ألقاها المعلم سالم دفعة واحدة وهي كلمة بمثابة قنبلة موقوتة تدمر مدن والعالم بأسره في موقفهم … شهقة مكتومة خرجت من مروه وهي تضع يدها على شفتيها ولازالت تمكث خلف والدها، وجابر يقف مذهولاً يحدق تارة بيونس وتارة بعبده الذي لم يظهر عليه أي ردة فعل، ضحك يونس والضحكة في وضعه اختلال توازن عقله، نظر إليهم متسائلاً بهذيان :
ابن مين ؟؟ انتوا بتقولوا ايه ؟؟!
بضعف وعدم تصديق اقترب عبده من رحاب وسألها بخفوت :
أنتِ ساكته ليه ردي على كلام سالم ؟؟ قوليله أنه غلطان
رأف المعلم سالم بصدمته فغمغم برفق :
يونس ابنك يا عبده وتحليل النسب إيجابي .. يونس توأم محمود
فجأةً تحرك عبده يتجه إلى يونس ورفع يده يتفحصها، تهدجت أنفاسه وهو يبصر الوحمة ذاتها !! رفع عينيه ببطئ يتأمل يونس بذهول طاغي .. لا يعي أنه يقف أمام نسخة أخرى من ابنه محمود، ظن أن الشبه مجرد جنيات وراثية وأن كل أوجه التشابه بين الإثنين ما هي إلا صدفة !!
بعدم فهم مال سالم عبده على رحاب ليكون بجوارها وسألها باضطراب وعدم تصديق :
ايه الكلام ده يا أمي أنتِ ساكته ليه ؟؟؟
بكل سلاسة ضربت بما باقيا من اتزان عقلهم عرض الحائط وجاوبته ببرود أعصاب لا يتلائم مع ما تتلفظ به :
زي ما سمعت يونس توأم محمود
عادت بذاكرتها إلى أكثر من خمسة وعشرون عامًا، بالتحديد يوم تمام أسبوعين من ولادتها لصبيين تؤام … داخل صالة محطة القطار تجلس على إحدى المقاعد تحمل صغير يبكي جوعًا، تهزه برفق وهي شاردة الذهن فيما عليه فعله الآن، اذا ركبت القطار ستكون المحطة القادمة على بعد قليل من قرية زوجها … خطوات بسيطة إذا قدمت عليها واخبرتهم بخبر إنجابها لصبيين ستتحسن علاقتها بهم ويعود عثمان سويلم عن عقابه إليها ويرجعها للمنزل فهي الآن أم لثلاث من أحفاده..
أفاقت من صفحات الماضي وهي تصرخ بغل موجها كلماتها لسالم الذي عاش معها تلك التفاصيل في صغره :
عشت سبع شهور و عثمان عارف اني مش لاقيه اللقمة، أخويا يدوب معيش مراته بالعافية وبيدني رغفين عيش واحد ليا وواحد ليك وحتة جبنه، ولت لوحدي في عز الليل شوفت الموت بعيني لقيت عيلين حته حمره في أيدي ملقتش البسهم ولفتهم في حتة قماش وجدهم عثمان سويلم
ضحكت بحقد وكره مقيت واستكملت ببغضاء وهي تسترسل على مرأى ومسمع الجميع :
أسبوعين واخويا قالي خلاص مش قادر ومش معايا اديكي قولت خلاص يا رحاب روحي عرفيهم أنك خلفتي واستسمحيهم علشان عيالك
قاطعها المعلم سالم مزمجرًا بغضب :
كدابه أبويا راحلك لحد بيتكم بعد شهرين علشان يرجعلك وأنتِ قفلتي الباب في وشه وأنا بعتلك مرتين مع واحد تبعي فلوس ورمتيها في وشه ولمتي عليه الناس وقولتي أن أبويا باعته يموتك
بغضب مماثل صاحت بفظاظة :
كنت عايزني اقبل صدقه منكم، لا ده بعينك لو مفكرني هشحت منكم
نظر عبده إليها وسألها بنبرة متعلثمه يترجاها :
قولي أنك بتكدبي وبتقولي كده علشان تغظيني ؟!! ده كله بتستفزيني صح ؟؟
بخطى متوترة وتردد سار يونس يجاور رحاب وهو يسألها بانكسار:
أنا أمي حنان وابويا ابراهيم صح ؟؟ قولي أنه صح ؟؟
هزت رأسها بالنفي واجابته بقسوة :
أنا أمك وأنا اللي اديتك لابراهيم بعد ابنه ما مات
شعر بأن الأرض تدور من تحته، جاءت بمطرقة حديدية وهشمت روحه بلا رحمه… سكن كل شيء بداخله لا يسمع ولا يرى، ترجرج قلبه من محله ودقاته تتسابق في صراع جارف .. تدفق الدم في رأسه وقد أوشك على فقد السيطرة على زمام تعقله ويتمكن منه الخبل وهم يمحو هويته بكل بساطة ….
بينما تزعزع عبده وبدأ يختل توازنه فاستند على مقعد قريب متشبث به، في نفس اللحظة هتف جابر يسأل رحاب باستنكار:
إبن حنان مات ؟!!! ازاي وأمته ؟؟
أخذت مروه علبة مناديل من الطاولة القريبة منها واعطتها لسالم يكتم نزيف يده ثم همست لوالدها بخوف :
بابا أنا عايزه ارجع البيت
أومأ إليها بحنو لكنه لا يأمن أن تتحرك خطوة واحدة بدونه في وجود تلك الخبيثة الخائنة التي تستعد للغدر ومحاولة قتلها في أي وقت ..
: ازاي محدش عرف وازاي ماما وافقت بيا وأنا مش ابنها !!
هتف يونس بسؤاله والانيهار يستحوذ منه، ولم يكن وحده من يتلهف لسماع الإجابة التي ستوضح جميع الخيوط أمامهم :
لأنها متعرفش أنت ابن مين ومفكره ابراهيم بلغ أنه لاقى طفل في كرتونه قدام بيته وهو راجع من الشغل ولما محدش سأل خدتك
ضحك المعلم سالم بخفة متمتم بوجوم :
شياطين بتفكر وتخطط وعايشين ملايكه وسطنا
واضاف بسخرية :
بما أنك بتحكي قصة ألف ليلة وليلة ما تعرفيني ليه الحاجه مبروكه فكرت يونس ابني
ضحكت رحاب وقالت بتهكم:
وليه خرفانه وحشرية فضلت طول عمرها شايله في قلبها وساكته
فلت صبر يونس وصاح بصوت جهوري وانفعال سيصيبه بالجنون :
بس اسكتي أنتِ بتتكلمي عن بني آدم حي واقف قصادك، بني آدم مش لعبة ترميها وتبدليها .. أنتِ مستحيل تكوني أم مفيش مبرر ولا سبب يخليكي ترمي ابنك ده لو كنت ابنك
جال بنظره بينهم وتسأل بغرابة وحيره :
أنا بحلم صح!! كل ده حلم وهصحى منه أكيد
لمعت الدموع في عيني رحاب وهي تردف بغلظة :
كنت جايه أعرفهم إني ولت واستسمح عثمان يرجعني بس أنا مش عايزه ارجع كنت قاعدة محتارة، فكرت أرمي نفسي تحت القطر واخلص من الدنيا، لقيت ابراهيم قعد جنبي لما شافني وهو رايح للمحطة اللي أنا رايحه فيها، سألني قعدة ليه كده وبعد ما حكلته قالي أنه جاي يعرف عثمان أن بنته تعبانه والمرض زاد عليها من بعد موت ابنهم
مسحت دمعة فرت على وجنتيها واستكملت تسرد أسرار الماضي وتفك عقد الحاضر والمستقبل الغامض، والجميع يستمع إليها بتعجب وذهول:
قالي أنه مكنش عايز يعرف حد من البلد أن ابنه مات لأن عثمان هيقطع الفلوس اللي بيبعتها كل شهر وأنه عارف بالورث المكتوب باسم ابنه وهيضيع عليه، قام جاب عصير وعرض عليا ياخد العيل اللي على أيدي هيربيه على أنه يونس ويكون ليا نص كل حاجه من نصيبهم، قالي أن بدل ما أطلق وملاقيش أكل هيبعتلي شهريه ويكتبلي أراضي باسمي وأعرف أربي العيلين من غير ما اتحوج
دامت تنظر إلى يونس وتتابع بشراهة:
خدك ومشي ورجعت قولت لاخويا إني سبتك عند أبوك، وفضلت شهرين لحد ما عثمان عرف اني خلفت وحكم على أبوك يرجعني غصب عنه وعدى شهر لحد ما إبراهيم جه البلد يعرفهم أن حنان خلاص حالتها متأخرة وهتموت قابلته بليل ورا السرايا ومبروكه شافتنا بس هو لاحظها وقالي واتفقنا نكمل كلامنا على إني صباح وكده كده محدش كان هيصدقها وحتى لو صدقوها مش هيقدروا يتكلموا لأن حنان اتعلقت بيك وماتت وهي فكره إبراهيم كتبك باسم تاني متعرفش أنك كملت على شهادة ميلاد يونس ابنها أصلها كانت طيبة شويتين
بكى يونس بقهر وهو يشير على نفسه متوسل إليها :
بالله عليكي قولي أنك بتهزري .. قولي أنك بتكدبي
بصوت مختنق محاولاً كتم شهقاته واصل بحسرةً :
يعني عيشت يتيم وأنتِ عايشه بعتيني علشان فلوس
تجاهلته رحاب ونظرت إلى المعلم سالم بكيد وحقد مردده بعداوة :
ارتحت دلوقتي يا سالم خلاص كشفت الحقيقة
ضحكة شر رسمت على شفتيها وهي تتابع باستهزاء :
طيب أنت عارف أنا دافعه كام في صور بنتك الحلوة دي
اندفعت مروه تظهر من خلف والدها وعينيها متوسعة بدهشة وتعجب، فقالت رحاب بسخرية :
أيوه أنا يا حبيبتي اللي عملت كده
تطلعت مروه إليها بعدم استيعاب وهمست بتلجلج :
مستحيل الرقم قالي أنه طلال
: لا ما أنا فهمته أنه يقولك انهارده طلال وبكره محمود وبعده سالم وبعده حد تاني وأشوف ابوكي بيوقع مع كل الناس وهو بيدور حولين نفسه مش عارف يعمل ايه
انتفض عبده من مكانه يهجم عليها بسرعة البرق، قبض على عنقها بكل قوته وضغط بغيظ يخنقها إلى أن تلفظ أنفاسها الأخيرة بين يديه … ركض سالم يبعده عنها مردد بتوسل:
سيبها يابا هتموت في ايدك
بدأت رحاب تختنق وجهها اكتسى باللون الاحمر وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة .. فركضت سمر تصرخ بهلع تتشبث بثبات والدها :
ماما يا بابا
وحين لم يجد سالم رد من عبده زاد من قوته وقدرته الفائقة بالنسبة لفارق السن وضغط بيديه على ظهره والده يحاوطه وهو يبتعد عن رحاب التي اعتدلت تسعل بشدة، وقف جابر حيال عبده الهائج وردد بحنق :
متستهلش توسخ ايدك يا خويا اهدى ومضعيش نفسك على كبر
ترك المعلم سالم يد مروه وأمر سالم جابر باقتصار :
خد مروه رجعها البيت وروح عالج ايدك
كادت مروه أن تعترض فأشار إليها بالتزام الصمت وتنفيذ أمره، ثم طلب من ندى وسحر الخروج مع سمر وإغلاق الباب خلفهم … لم يبقى سوى سعد المتجمد مكانه ويونس الذي أصيب بحالة سكون مفاجأة، وسالم يمسك والده بقوة فهو في موقف لا يحسد عليه وهو يمنع والده من قتل أمه وأخيراً جابر …
التفت إلى المقعد وجلس بهدوء محرك عصاه بين راحة يده يحدق برحاب بقتامة :
عايزه ايه ؟؟
: أشوفك مذلول ومقهور اخرب حياتك زي ما خربت عليا
ابتسم بسمة مريبة مغمغم بدهاء :
هتفق معاكي اتفاق يخلي بينا هدنه
تحفزت وهي تنصت إليه بفضول فقال باقتراح :
هسيبك عايشه واضمن ليكي الأمان مقابل أنك تشيلي بنتي من دماغك
ابتسمت بانتصار وهدرت بغرور :
شوفت اديك بقيت في رحمتي
هز رأسه بلا اكتراث مردد بريبة :
مؤقته أصلها مش دايمه
تدرك أنه يهيئ لها فخ تخدع به لذلك أرادت أن تجاريه لحين سماح الفرصة بالفرار من المصيدة وقالت بانزعاج :
هقعد في الشقة الفوق لحد ما البيت ده يتكتب باسمي واخوك يطلقني ويمشي من هنا وهاخد ٥ مليون جنيه ضمان حقي
اغتاظ عبده من جرأتها وصاح بغضب :
روحك اللي هتطلع على أيدي لو فكرتي تستني ثانيه
ضحك المعلم سالم وقال بضجر :
استنى بس يا عبده أما نشوف باقي الطلبات
لوت جانب فمها مردفه بكبرياء :
خلصت وهو ده اللي عندي يإما هبعت صور بنتك للغريب والقريب واخلي سيرتك على كل لسان ووريني هتقنعهم أنهم متركبين ازاي
يتغاضى كثيرًا وهذا ليس معتاد لديه، يذكر نفسه أن الصبر مفتاح الفرج، وأنها لا تفهم معنى شرور النفس عندما تسيطر على صاحبها، وكما خططت للبداية هو سيوقع على النهاية … أومأ إليها متمتم بوعيد وتهديد صريح :
هعديها بمزاجي لكن صدقيني لو فكرتي مجرد تفكير أنك تلعبي اكتر من كده معايا أنا هدفنك حيه ولو حد من عيالك اعترض هدفنه معاكي، وبلاش تحضري وشي التاني لأنك مش هتعرفي تصرفيه
استجمعت قواها ونهضت تخرج للابتعاد عن وكر ال سويلم، وجدت سمر تقف ودموعها تنهمر بغزارة وبجانبها ندى وسحر، لم تتمهل وصعدت للشقة وأغلقت الباب بالمفتاح وهي تتنفس بخوف …
في الأسفل كثور هائج يضرب عبده كل ما يقابله والغضب نيران تلتهبه :
هقتلها وربي لقتلها واخلص منها
لم يفهم جابر سبب الاتفاق بين سالم ورحاب فسأله بحنق :
بدل ما تبلغ عنها وتتحبس تتفق معاها ؟!
نظر إليها دون أن يرد وانحسب يغادر يتركهم في حيرة وذهول، وبعده تحرك يونس للخارج يجلس على الدرج بضعف .. وسعد يجلس يتأمل الفراغ شارد الذهن بملامح مذهولة، بينما أخذ سالم عبده السكين الملوث بدماء ابن عمه للمطبخ ثم صعد للأعلى ينوي التفاهم مع رحاب التي رفضت أن تفتح الباب إليه نهائياً…
؛***************
: افتحي يا مايسه الباب ده بدل ما اكسره على دماغك
صاحت ببكاء وهي تستند بظهرها على الباب الموصد بالمفتاح خوفاً من بطشه :
خلاص يا يعقوب وحياة اغلى حاجه عندك ما هتكلم تاني
ضرب الباب بقوة مردد بكدر :
بقولك افتحي الباب ده حالا
هتفت حسنيه وهي تربت على ظهره برجاء فقد فوجئت به يدخل المنزل يبحث عن مايسه والهلاك مصيرها :
اهدى بس يا بني وقولي هي عملت ايه
صاح بنفاذ صبر مردد بشراسة :
لسانك ده أنا هقطعه يا مايسه وارحم الناس من شره
تعجبت حسينة من أسلوبه الهمجي وذلك ليس طبعه فسألته بقلق :
ايه حصل يا يعقوب ده أنت طول عمرك حنين على اخواتك ؟؟!
ركل الباب بقدمه بغيظ مزمجرًا بحده :
وهي دي ينفع معاها حنيه دي عايزه حش رقبتها
ثم تابع بضيق :
وبصي ياما علشان تكوني شاهده مايسه لو مبطلتش شغل الحموات بتاعها ده وخلتها في حالها أنا مش خلي حته سليمة في جسمها
وصاح بعلو صوته يؤكد لتلك المختبئة كفأر في جحره :
سامعه وأنا هعرف أنت قولتي ايه عند عمي بطريقتي
رمقته حسنيه إلى أن رحل واستمعت لصوت اغلاق البوابة الحديدية بالخارج ثم طرقت على الباب مردفه باستياء:
افتحي وفهميني أنتِ هببتي ايه شقلب حال اخوكي ؟؟
لم تجد منها رد فطرقت مرة أخرى :
مشى متخفيش ولما بتخافي بتعملي الغلط من الأول ليه
فتحت الباب ببطيء إلى أن صرخت بفزع وهي تلتفت خلفها بجهة النافذة ويعقوب يقفز لداخل الغرفة مبتسم إليها بتسلية، ركضت للخارج تختبئ خلف والدتها :
عشان خاطري يا ماما خليه يسبني
ببسمة مخيفه وفي يده حزام جلدي يحركه أمام عينيها :
ها هتقولي ايه الحصل ولا الحزام يشوف شغله
شهقت حسنيه بخوف شديد وعتابته برفق :
يا بني ما أنت كنت مشيت ايه اللي رجعك وبعدين هتضرب أختك برده
هز رأسه بتأكيد مغمغم بغلظة :
آه اضربها واكسرها لحد ما تتعدل وتسيب كل واحد يعيش في حاله
وكزتها حسنيه بحده طفيفة وعنفتها بامتعاض :
ما تنطقي عملتي ايه
ارتجفت من بكائها متمتمه بصوت محشرج :
مقولتش حاجه يا ماما صدقيني
تطلعت حسنيه إليه مردده بحنو :
علشان خاطري أنا يا يعقوب عديها المرة دي
وتابعت بسأم من تصرفات ابنتها :
ولو حصل حاجه تانيه أنا اللي هقوله لابوك بنفسي
ألقى الحزام من يده قائلاً بعناد :
أعرف هي جابت سيرة حسناء في ايه الأول
استمعت مايسه لصوت والدها واخيها علي في الخارج وكأنهما على وشك الدخول، ارتفعت وتيرة صياحها لأجل وصول صوتها إليهم، وقد حصل ما أرادت وولج عزيز بسرعة متسائلاً عما يحدث … ابتسم يعقوب بسخرية من ألاعيب أخته الساذجة، تعتقد أنها ستحتمى في والدهم وتُعفى من الإجابة …
: بابا يعقوب عايز يضربني بالحزام وكان عايز يكسر الباب فوق دماغي
ضيق عزيز بين حاجبيه ونظر إلى يعقوب بتعجب يسأله باستهجان :
تضربها مرة واحدة ؟؟
لوى جانب شفتيه ببسمة ساخرة :
لا على مرتين يابا ما أنا جبت أخري منها ولو اتكررت تاني محدش هيحوشني عنها
: أنت بتهددها وأنا واقف ؟؟
أومأ إليه قائلاً بجمود :
آه علشان يكون الكل شاهد عليها
حدجه عزيز بحده وتحرك متجه لغرفته مردفًا بحنق :
طيب اهي قدامك وريني هتلمسها ازاي
وقف علي يشير إلى مايسه بصرامة ولا يحتاج لشرح تصرفاتها فهي تكدر أيامه مع منال :
ما تسكتي يا مايسه وتخليكي في حالك وامشي اطلعي شقتك أحسن مش هيكون يعقوب لوحده اللي ناوي يكسرك
رفعت مايسه حاجبيها بدهشة واسرعت في خطاها تفر من الاثنين الواقفين مستعدين لطرحها الفراش بغيظ من أسلوبها … وهتفت حسينة بلوم بعدما غادرت مايسه ::
كده يا يعقوب اهو أبوك زعل
أشاح بيده مردد بتبرم :
أبويا اللي سمحلها بكل ده لانه ساكت ليها
عقب علي بضجر مماثل :
ما يحكم عليها تسافر مع جوزها هي قاعدة تعكنن علينا عشيتنا
ظهر عزيز فجأةً يهدر بغضب ونبرة محتدمة :
لا يا اسمع منك ليه هي قاعدة في بيت أبوها واللي مش عاجبه الباب يفوت جمل، انتوا هتتحكموا من يقعد ومين يمشي ولا ايه
لم يرد علي وصمت بضيق رسم على ملامحه .. وكي لا يحتد النقاش أكثر اختار يعقوب عدم التعليق والاحتفاظ باعتراضه لحين هدوء والده، إذا حواره الآن سيفهم أنه لا يحترم قراره وهو في غنى عن جدال بلا فائدة وبالأخص أن عزيز لا يتسم بحكمة التفهم في غضبه،
وعلى الجهة الثانية قفزت مايسه بسعادة وهي تختلس السمع مع أعلى الدرج، غير مدركه مدى خطأها التي اقترفته في حق يعقوب !!!
؛********** بقلم حسناء محمد سويلم
صرخة هزت المنزل وهي تركض بهلع إليه، يده ملفوفة بشاش أبيض وجلبابه ملوث بدم لا تعلم سببه :
ايه ده يا سالم في ايه ؟؟ وايه الدم ده ؟؟ فين بابا ؟؟
أمسكت مي يده المصابة برفق والعبرات اجتمعت في عينيها بخوف، خرجت زينب على صرختها وهي تتساءل بقلق عما يحدث وكذلك هبط نيره التي فزعت برعب تنادي سالم الذي قال باقتصار :
مفيش حاجه يا جماعه أنا كويس
هتفت زينب بقلق بالغ :
ايدك مالها وايه كل الدم ده ؟؟ أبوك فين ؟!
جابوها وهو يتحرك يجلس على المقعد بتعب :
أبويا عند عمي عبده وزمانه جاي
سألته مي بخشية وهي تنظر إليه بحيره :
اتعورت ازاي ؟؟
تجاهل سؤالها وطلب بخفوت فقد بدأ الألم ينتابه بشدة :
عايزه كوباية مايه اخد المسكن
في لمح البصر ركضت للداخل وعادت تحمل كوب ماء تضعه بجواره ثم اقتربت منه تساعده في إخراج كيس صغير يحتوي على شريطين من أقراص وصفها الطبيب الذي عالج جرحه .. أخذ العلاج وعاد برأسه للوراء يستند على المقعد، أغمض عينيه في لحظة سكون يجمع شتات أمره ولا يتمكن من السيطرة على أفكاره والصدمة لم تزول بعد…
في نفس الوقت دخل جابر بملامح غاضبة فانتبهت زينب إليه وسألته بغرابة :
في ايه يا جابر ؟؟ سالم حصله ايه وأنت مالك ؟؟
تخطاها ورمق سالم باهتمام :
عالجت ايدك ؟؟
استقام مغمغم بلهفة :
أيوه خيط ١٠ غرز، عمي عمل ايه ورحاب راحت فين
رد عليه وهو في طريقه للرحيل مرة ثانية بعد أن اطمئن عليه :
عمك عايز يسيب الحيه في جحرها وأنا مش هصبر لما تقتلنا واحد ورا التاني
كاد سالم أن يلحقه لكن لفت انتباهه ثيابه الملوثة، دون أن يوضح مقصد والده ولا حتى ما حدث معه اتجه للمرحاض يبدل ثيابه في عجلة ..
: أنت رايح فين بايدك دي وحية ايه اللي أبوك بيتكلم عنها
وجد سالم صعوبة في ارتداء جلبابه فخرج يطلب من مي المساعدة لكن أسرعت نيره تعاونه برفق وهي تشعر بالقلق والتوتر لأجله :
مش وقته يا امي أهم حاجة اقفلوا على نفسكم كويس لحد ما نرجع
عقدت زينب جبينها باستفهام وخرجت خلفه تراه يمشي بخطوات شبه يركض بها متمتمه بتوجس :
استر يارب
؛***************
تلتف حول نفسها هنا وهناك في البهو تنتظر اي خبر أو عودة والدها، تهز رأسها يميناً ويسارًا لا تستوعب أن حياتها رهن إشارة من زوجة عمها، ومهما طمأنها والدها لن تتمكن أبدا من مواجهة الاتهامات والألسن تتعدى شرفها ببذاءة …
: عمي فين بابا ؟؟
سألت جابر وهي تتطلع على الباب الحديدي بلهفة وقلق، فأجابها باستغراب :
هو مجاش !! طلع قبلي من عند عمك وقولت اكيد هيكون هنا
انضم سالم جابر إليهم فسألته مروه باضطراب :
متعرفش بابا راح فين ؟؟
: لا أنا وصلتك هنا وروحت اخيط ايدي
لا تتحمل ضغط أكثر على أعصابها، وقلبها يرتجف برعب من الهواجس تملكت من أفكارها، انتبه سالم إليها تبكي والدموع تنهمر من عينيها فـ نهاها بصرامة :
بتعيطي ليه، العياط ده للضعيف وأنتِ مش ضعيفة
تجاهد نفسها لخروج الأحرف من بين شفتيها المرتعشة :
مش قادره أتخيل أني سيرتي هتكون على كل لسان بسبب مرات عمي
ربت جابر على ظهرها بحنان واردف بلطف :
محدش يقدر يجيب سيرتك بحاجه وحشه متخفيش
اندفع عبده يفتح الباب الحديدي على مصراعيه وهو يدلف كهجوم على ساحة حرب :
فين سالم ؟؟ أنا خلاص لقيت الحل للعقربة اللي عندي ومش هخليها تعيش ساعة واحدة زيادة
تطلع جابر إليه باقتضاب وقال بسخط :
مالكم كلكم بتتكلموا عن القتل ولا كأنه شرب مايه كده ليه، وسالم مش هنا ومنعرفش راح فين ولا هو ولا يونس
نظر عبده إلى مروه وقال بانفعال :
أنا هكلم المأذون يجي ونتكتب كتابك على سالم وخليها تعمل اللي تعمله بالصور اللي معها ساعتها هنقول اتجوزتوا من بدري ومحدش يقدر يفتح بوقه
هبطت صباح وهند على أصواتهم العالية التي وصلت إليهما وهما في غرفة قريبة من الشرفة، وجابر يصيح بعدم تصديق:
أنت بتقول ايه هو ده الحل
هز رأسه بتأكيد وهدر يجز على أسنانه بغضب :
اومال عايزني اقعد اتفرج عليها وهي بتتشرط على عرض وشرف بنت أخويا ولا استنى لما تقتل حد من عيالي ما هي التبيع ابنها تعمل اكتر من كده
أمسكت صباح مروه وسألتها بقلق شديد :
بتعيطي ليه ؟؟ ابوكي فين ؟!
تطلعت إلى جابر وعبده مستكملة باستغراب :
مين اللي بتتكلموا عنها دي ؟!!!
ظهر المعلم سالم بغتة وهيئته لا تبشر بالخير قط .. جمود وقسوة تعتلي قسمات وجهه، عينيه قاتمة تنبع بالغضب الجلي، تجاهل الكل ووقف قبالة عبده مرددًا بحده يحذره :
من هنا لبكره هي في بيتك لو طلعت منه مش هحاسب غيرك
رد عبده الانتقام يعمي بصيرته :
هطلعها على قبرها
: بنتي بينك وبينها يا عبده
يذكره بأن هناك فتاة بريئة، مظلومة، لا دخل لها بتلك المؤتمرات القذرة وتلك الفتاة ابنته … ضرب عبده جبهته وصاح بحده وشراسة :
هتجنني أنت مصدق كلامها هي دي تأتمن هي عايز وقت تكسبه لحد ما تهرب ولا تقتلني ولا شوف هي بتفكر ازاي
واستطرد يتابع بتفكير :
زي ما قولت لجابر من شويه نجيب المأذون ونكتب كتاب مروه وسالم ونقول اتجوزوا من فترة ودي صورتها معاه وننهي موضوع الصور ده بدل ما هي لويه دراعنا ومش عارف أخد حق ولا باطل معها
ضحك المعلم سالم ضحكة مريبة مرعبة وتمتم بتهكم:
لولا أني متأكد أن كلامك ده من صدمتك كنت قولت أنك بتستهبل
هتف جابر بقلة حيلة :
واخرتها يا سالم لو رحاب سكتت دلوقتي بكره مش هتسكت
صمت لبرهة تحدج مروه بثبات ثم قال بدهاء :
لازم اجريها لحد الليلة دي ما تعدي
ضيق عبده عينيه متسائلاً بدهشة :
وبعدين ؟؟
نظر إليه بطرف عينه مردفًا بوجوم :
كل حاجه بوقتها
وتابع بأمر وهو يبحث بعينه عن سالم عبده :
خلي ابنك يقعد معاها ملازمها زي خيالها لحد ما حضر ليها الفلوس
تركهم ودخل للطابق الأول حيث غرفة مكتبه، تسمر عبده يرمق جابر يسأله بكدر :
هو عايزني اطاطي ليها ؟!!
رغم اعتراض جابر هو الآخر على تفكير سالم إلا أنه متأكد من وجود دافع قوي للخضوع رحاب .. أصر على عبده المجيء معه لمنزله كي لا يتركه بمفرده لغضبه، فهو لا يطمئن لرحاب التي ربما تخون الاتفاق وتتعرض لعبده غدرًا …
صعدت مروه تحكي القصة بأكملها لنساء المنزل وانتهت تبكي بحرقة وكذلك أخواتها الخائفين على اختهن من الفضيحة والتي كانت على وشك الموت منذ ساعة … لطمت ناديه على وجهها مردده برعب :
صور متركبة ياحوستك يا ناديه يا مرارك يا ناديه
نهرتها صباح بحنق وهي تغلق باب الشقة كي لا يسمعهم المعلم سالم بالأسفل :
أنتِ هتولولي ويطلع يسود عشيتنا اسكتي، عمر الحاج ما هيسكت على كده
بخشية وقلق تساءلت نجاة :
ازاي قدرت تسيب ابنها كده وممكن زي ما حاولت تموت مره تحاول تاني
صاحت صباح بنفاذ صبر وهي لا تتحمل التلفظ بالموت أمامها:
ياختي مش ناقصه ترعبيني، احنا نقعد هنا ومننزلش عند الحاج بدل ما يطلعنا للاخرة كلنا
التفوا الفتيات حول اختهن يهدئون أعصابها محاولين التخفيف عنها، ولا يمتلك احداهن غير الانتظار لتلك الليلة الغريبة !!!!!
؛***************
بعد صلاة المغرب جاء الشوق بربيع يعلن استسلامه لصبابة قربها، لاحظ تغير جابر في مقابلته وأن الوضع متوتر بشكل ملحوظ، الأجواء مريبة وسالم يجلس يستند على مرفقه ويده مصابه … زينب معالم القلق واضحة عليها وتصرفاتها مضطربة، وكل هذا مع حال عبده يجعله يجزم أن الربية بذاتها تجلس أمامه ..
خرجت مي بعد أن بدلت ثيابها فقال جابر بهدوء :
روحي يا مي مع جوزك
ليس لديه عقل للجدال مع عناد ربيع ولا لديه وقت لذلك الهراء الآن، أشارت مي إلى ربيع بأن ينهض فهي تعلم مدى تعب والدها منذ الصباح، والجميع ينتظر مرور تلك الساعات بفارغ الصبر …. ما إن خرجوا من المنزل سألها ربيع بتعجب :
بس كده ؟؟ ولا في كلمتين يوصيني عليكي ولا تهديد من اخوكي ؟؟
روحي يا مي مع جوزك بسهولة كده ؟؟
تريد أن تبعده عن أجواء العائلة التي أشبه بفيلم سينمائي لا يصدق، فردت عليه شادره الذهن :
عادي يا ربيع هو مش المهم اني راجعه معاك
: تلاقيكي مخلصة الأكل ومصدقوا جيت اخدك
وقفت ترمقه باستياء مرده بملل :
مش ناوي تبطل سخافة بدل ما ارجع والمرة دي هطلق بجد
ضحك وهو يسحبها لتتحرك معه :
ده أنا كنت فاكر همسك في خناق ابوكي وهتكون ليله طويلة، اتاريهم مصدقوا يخلصوا منك
لم تهتم إلا بكلمة واحدة رددتها بخشية :
فعلا هي ليلة طويلة
استطاع ربيع بمشاكسة أن يجعلها تنفك من حصار أفكارها المقيدة بالقلق والتوتر، اشتاق إليها وإلى وجودها بجواره … لم يعد وجودها لأجل أطفاله بل لأن قربها حياة أخرى إليه، تفاجأت بباقة ورد تنتظرها في غرفتهم وبعض من الهدايا باهظة الثمن كما تفضل، أخبرها عن مدى حزنه لبعدها، واعتذر عن انفعاله… دهشت مي من أسلوبه الرقيق وتبدل حاله لكن قبلت الاعتذار بصدر رحب وافصحت إليه هي الأخرى عن افتقادها لمراوغته وشخصيته اللطيفة ….
لا تحكم على الكتاب من عنوانه فتنخدع بالظاهر، وباطنه يحمل مضمون عكس ما توقعته
؛******************
ساعات تمر وكأن الدقيقة عمر، أسدل الليل ستاره، والظلام يخفي بعده حكايات … نفذ سالم ما طلبه والده ومكث مع والدته لا يغفل عنها دقيقة واحدة بعد أن فتحت إليه لاعتقادها أنه جاء لأمر نقل ملكية المنزل ورفض الخروج مرة أخرى ..
: كلم أختك تجيب تلفوني
عاقد ذراعيه يحدجها بثبات ولم يتفوه معها بكلمة واحدة منذ ما يقارب اربع ساعات، اتصل على سمر وطلب منها الصعود بالهاتف، دقيقة ونهض يفتح الباب .. دخلت سمر بخطى متوترة تقدم الهاتف إليها مردده بارتباك :
أنا فتحت التلفون
استقامت حارب بفزع وانتشلته من يدها بقوة، لم تظن أن أحد يعلم الرقم السري لفتح هاتفها .. ولا تتصور أن سمر جريئة بالقدر الكافي لتلمس شيء يخصها، لكن إذا كانت هي كفيفة بحقد وغل من سنوات فابنتها تبصر نور الحق :
بعت رسالة للولد اللي عمل صور مروه وقولتله يمسحها نهائي وميبتعش لمروه حاجه تانيه ومسحت كل حاجه على تلفونك
لم يدرك سالم كيف ومتى أصبحت سمر بين يديها، حالة هياج إصابة رحاب وهي تطرح سمر أرضا وتنهال عليها بالصفعات وتنعتها بألفاظ بذيئة… توغر قلبها واشتد غلها إلى أعلى زورة، حمل سالم سمر من بين يديها يزيحها للخلف وهو يصيح بانزعاج :
فاضل ايه تاني عايزه تعمليه
جزت رحاب على أسنانها تصيح بهستيريا :
ضيعتي كل اللي عملته يا غبيه
ردت عليها سمر بنحيب وهو تختفي خلف سالم :
كنتي دايما بتقوليلي أنهم بيكروهنا وعايزين يبعدوا بابا عننا، فهمتيني أنهم مش بيحبونا وطلعتي في الاخر أنتِ كل ده
أخرج سالم سمر وطلب منها النزول على الفور ثم عاد يجد رحاب تكسر المرايا وهي تصرخ باهتياج، وصلت لمرحلة جنون الانتقام والعداوة، ذهب كل تخطيطها ومكيدتها هباءً، دفعت حياتها وخسرت اولادها ومكانتها سدى … اقترفت سمر خطأ فادح لن يصلح أبدا في حقها، أمسكت الهاتف مجددًا علها تجد أن الشاب لم يرى الرسالة ،لكن سمر لم تترك وسيلة للوصول إليه بعدما مسحت كل شيء على الهاتف، وهي لا تعلم هويته فقط توصلت إليه بعد عناء للبحث عن محترف يستطع تقديم إليها الصور دون أن تفرقها عن الحقيقة، طلب مبلغ كبير أولا ثم ينتهي كل شيء بينهما عندما ترسل إليه بأن يتوقف عن تهديد مروه ..
؛********
ولج عبده للبهو يجر أقدامه بتعب، أقنع جابر بالعودة بصعوبة فلن يتمكن من النوم إلا في فراشه … أثناء سيره انتبه لأحد يفترش الأرض بجانب الدرج، اقترب خطوات بسيطة وتوقف فجأة عندما علم أنه يونس، ينظر للسماء صدره يعلو ويهبط بانتظام بلا حركة، شعر بوخزة ضربت صدره بحزن شديد أوشك على الفتك به …
قرر تركه بمفرده إلى أن يتأقلم ويعتاد فهو الأخر يحتاج إلى وقت ليجد كلمات مناسبة من المفترض قولها إليه .. قبل أن يدخل وجد سمر تهبط بعجلة :
بابا أنا خلاص مسحت كل حاجه من على تلفون ماما ومش هتعرف تجيب صور مروه تاني
أخذت أنفاسها بصعوبة مستكملة بصيص أمل :
كده اللي بينكم اتحل مش كده
ابتسم عبده باستهزاء لعقلية سمر الساذجة :
هيتحل لما أشوفها بتموت على أيدي
وتابع بحده :
تفتكري بعد اللي أمك عملته هتعدي كده لا والله يا سمر
: يعني هتقتل أمي
سألته بخفوت وكانت الإجابة مؤلمة وهو يهدر بسخط :
هقتلها واشرب من دمها
تركها وولج فلا يحاسب على أفعاله وهو في قمة غضبه، تركها لأفكارها المشتتة ونفسها الضعيفة …
؛؛؛؛؛
الواحدة بعد منتصف الليل
انتفض يونس من نومه على صوت ارتطام قوي، اعتدل يجلس يجول بعينيه حوله، ثم مسح وجهه فقد غلبه النعاس وهو شارد الذهن في الحديقة … وعلى حين غرة فزع واقفًا متسع العينين يرمق تلك المتمددة على الأرض الطينية أثر سقوطها من الأعلى!!!!
؛*********

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى