رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الخمسون 50 بقلم حسناء محمد
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الخمسون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الخمسون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الخمسون
مقدمة تعريفية بما أن ظهر شخصيات جديدة قريب :
أولاً المعلم سالم أكبر أولاد الحاج عثمان سويلم (متزوج من صباح ونادية ونجاة .. بناته بالترتيب:
١- هند = طليقة أحمد ابن عمتها
٢- مها = زوجة مرتضى
٣- خيريه = خطيبة عامر
٤- مروه
٥- أمل= خطيبة سفيان
٦- رحمه
٧- حسناء= خطيبة يعقوب
ثانياً جابر متزوج من زينب وأولاده:
سالم على اسم عمه تقديرًا ليه = متجوز نيره
خلود = زوجة أكرم
مي = زوجة ربيع رشدي مطاوع
ثالثاً عبده متزوج من رحاب وسحر ، أولاده:
سالم = متجوز ندى
محمود = متجوز مياده
سمر وتوأمها سعد = متجوز سميه عزيز الجبراوي
دولت الأخت الأولى للأخوة الثلاث متزوجة صبري أولادها:
أحمد طليق هند وحالياً اتحبس
ريهام = خطيبة محمد ابن هانم
معتصم
حنان الأخت الثانية متجوزة إبراهيم الخولي واتوفت من فترة طويلة، ابنها الوحيد يونس الخولي
عزيز الجبراوي متجوز حسنيه :
يعقوب = خطيب حسناء
علي = متجوز بنت عمه منال
عبدالله= متجوز ميمونه أخت منال
مايسه = زوجة شريف
فايزة = زوجة سليمان
سميه = زوجة سعد
عامر الخولي ليه أخت واحده هاجر وابن عم يونس : حالياً هو في البلد مركز على مصنعه الخاص ” فواكه وخضار مغلف وعنده محلات موزعه ” مصنعه مع خيريه للخضروات المجمدة
عبدالخالق سويلم وأخته هانم اللي أولادها:
محمد = خطب ريهام بنت دولت
ضياء =
علاء =
وحسام وفادي
سفيان وطلال وهيفاء ولاد عادل اللي اتوفى وكلنا عارفين ليه
مرتضى وخليل وتغريد من أسرة واحدة عشان منتلغبطش في أسامي حد وخليل خطب سمر
ربيع رشدي مطاوع زوج مي جابر وعنده أربع أطفال من زوجته المتوفيه، ومؤمن أخوه عشان لو أتذكر تكون فاكرين اسمه
موسى الأحمدي والدته كوثر اتجوزت من محمد الصفواني والد عليا يعني عليا وموسى مش أخوات لكنهم اتربوا مع بعض، ليه خمس اعمام واكبرهم عمه صفوت
واخيرا العيلة الكريمة آل عزب :
أولا منصور عزب ودا اللي انتحر، أولاده:
عز كان متجوز بنت عمته هاديه وأولاده زياد ويزيد واتوفت ومتجوز ليلى ومخلف لوجينا وخلصنا منه
سيف قصته معروفه أكيد
ثانياً هاديه وحالتها زي ما هي مش بتتحرك عايشه مع عمر ابنها وسيف والأطفال
( تقريباً دول كل الأشخاص اللي مهمين معانا + في خديجة اللي عز قتلها قبل ما يموت بعد ما نفذت اللي طلبه منها + وأكيد لازم نفتكر منير لان قصته لسا مكملة معانا ولحد الآن رجع يشتغل في مصنع المعلم سالم ، سوزي زوجة طلال اتوفت في حادث )
تلخيص سريع
” تم عقد قران هند وخيريه وأمل وحسناء، عودة ليلى من المصحة وعاشة مع سيف وعمر، معرفة موسى بمقابلة عليا وعمر ومتقلبش ده، محاولة نسرين أنها تشهر بمرتضى والمعلم سالم لحق ده، محمود مختفي ومحدش يعرف مكانه، ظهور حفيد الحاجه فهيمه وطلبه من المعلم سالم بمقابلة جدته لسر لازم يعرفه، انتهى الفصل على مشهد يعقوب وهو رايح ياخد رحمه وحسناء من الكليه وهما قاعدين مع رنا واصحابها وسعد اللي بات مع مرتضى ”
؛********
الفصل الخمسون (50):
تشدد جسده مع يد مرتضى المتحركة علية ببطئ، فتح عينيه على وسعهم وهو يطوق خصره بغتةً … وفي ثوان كان يقف على الفراش يصيح بضجر :
بقولك ايه انا ساكتلك طول الليل وبقول معلش مش في وعيه إنما توصل لمناطق محظوره
فزع مرتضى من صوته وألقى الغطاء من عليه، ثم جلس متسائلاً بعدم استيعاب:
أنت بتعمل ايه هنا ؟؟؟
لف رأسه يميناً ويسارًا مستكملاً بعدم فهم :
وفين مها ؟! هو أنا نمت أمته ؟؟
صفق سعد إليه وصاح بسخرية :
مها معششه في أحلامك يا خويا، طول الليل معرفتش أنام منك لله دقيقة واحدة
قفز من أعلى الفراش يتابع بتبرم :
كده تزعلي مودي حبيبك، وحشتيني يا قلب مودي، وحاجه اخر قلة ادب طول الليل
كان مرتضى يرمقه بعدم فهم فنظر سعد إليه بتفحص مردد بتهكم:
اللي يشوف شنبك بدقنك دي ميعرفش أن في مودي ورا الموضوع
وعلى حين غرة كان يختبئ في أحد أركان الغرفة بفزع ومرتضى يهرول إليه بضيق بادي :
ما تتكلم دوغري وتفهمني أحسن خلقي ضيق
حدجه سعد من أسفل لأعلى وتمتم بتفكير :
هو مفعول الحبايه بيأثر على الحركة كمان أصلك مكنتش بتقدر تكمل خطوة وتتقلب على وشك
ضيق مرتضى عينيه بشك وسحبه من تلابيب ثيابه يقربه إليه ثم همس بريبه بجانب أذنه :
حباية ايه ؟؟؟ وايه نايمك جنبي ؟؟ وفين مها ؟؟
ابتسم سعد بلا مبالاة وقال ببرود :
لا دي حكاية طويلة محتاجه كوباية شاي وخمستاشر سندوتش
رآه يكز على أسنانه وعيناه تكسو بحمرة الغضب فرجع سريعًا عن قراره وهتف بتلقائية :
خلاص هقولك على كل حاجه بس سيبني
دفعه بعيدًا وذهب يجلس ينظر إليه بآذان صاغية … والآخر كأنه ضغط على زر التشغيل الخاص بالتحكم لديه، سرد كل التفاصيل بدقة عالية الجودة منذ أن جاء ركضًا يطفئ الحريق إلى وقوفه أمامه :
وعمي قال لسالم اجي أبات معاك وهو هيتصرف مع مها
ثبت مرتضى ساكن تخرج أنفاسه بهدوء، صدمة ألجمت حواسه لا يسمع ولا يرى إلا مها، التي حذرته مرارًا من خبث تلك الحرباء وهو وظن أنها تبالغ في قلقها، اعتقد أنها مجرد مشاعر غيره بين الاثنين … كلمة تدمير حياته حينها لن تصف هول الهلاك الذي سيحل عليه، كأرض خضراء حل عليها عاصفة ممطرة وسيول جرفت الأخضر واليابس وبقى الخراب والدمار…
آفاق من شروده وهبطت يسجد لله يحمده ويشكره، لا يتخيل أنه يقترب من امرأه لا تحل له، مجرد تصور حضر على خلده جعله يشعر بالاشمئزاز والقرف من نفسه .. نفض تلك الأفكار من رأسه وهو يستغفر الله ويحمده على نجاته من مكيدة وقع بها بغتةً..
: متأكد إن خالها جه خدها امبارح ولا كلام وخلاص
رد عليه سعد وهو يشعر بأن قنبلة موقوتة على وشك الانفجار في وجهه :
لا خالها وابن خالها خدوها امبارح لما وقعت بلسانها أصله مكنش مصدق في الأول
عقد مرتضى جبينه باستفهام :
وقعت بلسانها ازاي ؟؟
رفع سعد كتفيه وجاوبه بلا اكتراث :
مش عارف لأني كنت هنا وسالم هو القابلهم، المهم يعني أن في حد تبعنا فضل ماشي ورا عربيتهم لحد ما طلعوا من البلد والولا بيقول إن الراجل استنى يبعد شوية عن البيوت ونزلها وهات يضرب فيها هو وابنه وبعدين شلوها رموها في العربية ورجعوا بلدهم
من بين أسنانه همس بشر يحرق العالم بأكمله:
لو استنتوا أفوقلها دفنها حيه مش هيفشي غليلي
جال سعد بنظره يبحث عن هاتفه الذي لم تتوقف نغمة الإتصال خاصته عدة مرات .. انكمشت تعابير وجهه ورد بامتعاض على سميه الذي يتجاهل مكالماتها منذ أمس :
السلام عليكم..
لم يكمل باقي التحية لفزعه بسبب أصوات البكاء والصراخ بجوارها، سألها بقلق :
مين بيعيط ؟؟ ايه الصريخ ده ؟؟!
استمع إلى مختصر كلامها ثم اغلق الهاتف ركض يبحث عن أعراضه تحت نظرات مرتضى الذي سأله بعدم فهم :
في ايه ؟؟؟
: هاجر بنت أخويا بيدوروا عليها مش لقينها
هب مرتضى وأسرع للمرحاض :
استنى هغير واجي معاك
؛*******************
مع كل خطوة تشعر بأن الأرض تحته على وشك الانهيار .. ضغطت على حقيبتها تخفف من ارتباك أوصالها، لا تحدد أي مشاعر في نظراته الثابتة عليها، شعرت رحمه بتشنج جسدها وهي تقف متجمدة تطلع خلفها بخوف، وكأن وحش مفترس على بعد قليل من افتراسها، ولم يكن أي وحش بل كان يعقوب… وقفت هي الأخرى بجوار أختها وقبل أن تودع رنا التي استغربت وقفتهما فجأةً جاء صوته نبرة جامدة :
خلصتوا ؟؟؟
هزت حسناء رأسها دون أن ترد وكيف تجيبه وهي تشعر بأن احبالها الصوتية فرت هاربه، نظرت رحمه إلى رنا وقالت باقتصار :
فرحت اني شوفتك
رمقت رنا يعقوب وهي تسألهم بدهشة :
مش معقول هتمشوا بالسرعة دي ؟!! وبعدين مش تعرفيني !!
لم تقدر رحمه أن تلتفت إلى يعقوب وكادت أن تفتح فمها فكان هو الأسرع يعرف عن نفسه مشيرًا على حسناء :
جوزها
تابع يشير إلى رحمه :
وأخوها
حدقته رنا بتفحص وجراءة مردده بهيام في ملامحه :
يبختهم
التوى ثغر يعقوب بسخرية واستنكار وهو يحدج حسناء شزرًا، هل أنتِ جادة بالجلوس مع وقحة كتلك ؟؟ سؤال رأته في عينيه وفي الحقيقة هي تكره أن تبرر موقفها وخاصة إذا كان هو الطرف الأخر … أشار الشاب الجالس بأريحية إلى العصير وقال بعتاب :
حتى العصير اللي طلبته لمراتك مخصوص مشربتوش
رفع يعقوب حاجبيه وابتسم بسمة جانبية مغمغم بحزن مصطنع :
معلش المرة الجاية هنشربه كلنا
قال الآخر قاصد استفزازه :
ما أنت قطعت علينا القعدة الحلوة
أومأ يعقوب إليه وهتف بأسف وإنذار من عينيه يخبره بأن صبره على وشك أن ينفذ وإذا حدث لن يروق إليه ما سيناوله قطعًا :
صدقني لو هما مكنوش معايا كنت حليتلك القعدة اكتر
ضرب مرتين متتاليتين بقوة طفيفة على كتفه يتأكد من وصول رسالته، ثم أشار إلى الفتاتان بأن تتحركا معه .. صعدت حسناء بجانب رحمه وهي ترمقها بغضب شديد فسألتها الأخرى بلا مبالاة :
في ايه ؟؟ دا أنتِ أوفر بجد
رفعت حسناء حاجبيها باستغراب وهمست تزجرها بحده :
أنتِ معندكيش دم أساساً بسؤالك ده
صمتت رحمه عند صعود يعقوب ونظرت للجهة الأخرى … بينما تلك الجالسة بجوارها تنصهر من شرارات النيران التي تلتهمها رويدًا رويدًا من نظراته القاتمة، أبصرها تفرك يديها في بعضهما وتزوغ بعينها، بدا توترها إليه فقال متسائلاً برزانة دون أن يوجه حديثه لاحدهما :
ممكن أفهم مين دول ؟؟ وليه كنتوا قعدين معاهم ؟!
تطلعت كل واحده منهما إلى الأخرى للحظات ثم هتفت رحمه باقتصار :
دي رنا زميلتي كنت بسلم عليها
زفر بارتياح بعض الشئ من عدم وجود صلة لها بهؤلاء السفهاء فقد اجتاز طريق طويل في الحوار، دون أن يفقد تركيزه في القيادة عاد يتساءل بهدوء يحافظ عليه بجدارة :
وزميلتك مكنش ينفع تسلم عليكي بعيد عن الخرفان اللي معاها ؟؟
أخفضت حسناء رأسها باستحياء ليس لديها الشجاعة لمواجهة كلماته الصريحة وهو على حق … بينما هتفت رحمه بلا اكتراث :
عادي هي كانت قاعدة معاهم ولما عرفت إني موجوده في الكلية عرفتني مكانها اسلم عليها قبل ما امشي
أكمل هو باقي حديثها بسخرية لاذعة :
ولما روحتي ولاقتيهم مقتدريش تقفي تكلميها تسلم عليكي من بعيد وقولتي تقعدوا تشربوا حاجه على ما اجي اخدكم
ارتبكت رحمه من أسلوبه وقالت بانزعاج :
ما أنا قولتلك بلاش تتعب نفسك وتيجي وأحنا هنرجع البيت
بسمة جانبية ظهرت على شفتيه وهو يسأل حسناء بترقب :
ايه رأيك في الكلام ده ؟؟ ساكته وملكيش صوت ؟؟!
رمشت بأهدابها وهي ترمق رحمه بحيره، ثم نطقت بتلجلج وكلمات غير مرتبة :
ما هي رحمه قالت ورنا مكناش نعرف أنها قاعدة معاهم و..
قاطعتها رحمه تردف بانفعال من خوفها المبالغ به :
هو تحقيق يا يعقوب ولا ايه، وبعدين ايه اللي ملكيش صوت دي ولا أنت هتتحكم كمان تتكلم أمته
وتابعت بحنق وهي تحدج حسناء :
وأنتِ كمان مالك زي ما يكون قاتلة قتيل !! للدرجة دي خايفه منه !!!
وجدوه يصف السيارة بجانب الطريق .. نظرنا إليه بتعجب وهو يأخذ هاتفه ومحفظته ثم ترجل دون أن يتفوه بكلمة، تابعته يسير باتجاه مقهى وولج به، ومن ثمّ وكزتها بغيظ :
ايه البجاحة دي يعني غلطانه وبتردي عليه
حدقتها رحمه باستهزاء :
صوتك طلع لما نزل أهو
هزت حسناء رأسها بعدم تصديق وتمتمت بامتعاض :
أنتِ مستفزة، هو أنا عارفه ارفع عينه قدامه بعد ما عيل ملوش لازمه يقوله طلبت عصير لمراتك، أصلا قعدتنا مع الأشكال دي شبهه
تدرك أنها خاطئة ولكن كرامتها لا تسمح بالاعتراف فقالت ببرود :
على فكرة أنا قولتله أنها صاحبتي ولما يرجع هقوله أنك ملكيش دعوة
عضت على شفتيها مردده بخشية :
بابا لو عرف مش بعيد يدفنك مكانك ويكسر رجلي
سرى الرعب في قلبها عند ذكر أمر لم يخطر على بالها، ازدردت لعابها وهمست بتلعثم وتوجس :
أكيد يعقوب كبر على شغل العصفوره دي ومش هيقوله
دفعتها في قدمها عندما وجدته يخرج متقدم إليهما، صعد في مقعده ووضع هاتفه بجواره.. دقيقة وجاء نادل المقهى ومعه طلبه، أخذ يعقوب كوبين العصير منه والتفت يعطي كل واحده كوبها، ثم وضع كوب الشاي على المقود أمامه واعطاه البقشيش، شكره النادل وعاد إلى عمله ليعم السكون مجددًا … ارتشف من كوب الشاي وعينيه تراقبها بثبات ودون أن يحيل ببنيته عنها قال بوقار :
توتر أختك يا رحمه مش معناه خوف لكن تقدري تقولي توتر من نتيجة الغلط، وده في حد ذاته أكبر إجابة على إنها فاهمة ومدركة الصح من الغلط
: معلش أنت مش ملاحظ أنك مكبر الموضوع!!!
: هو العكس بقا، أنتِ مش ملاحظه أنكم غلطوا ؟؟!
رفعت كتفيها تجاوبه بلا اهتمام :
وافرض غلط خلاص يعني هيتعلق لينا حبل المشنقة
ضحك بخفة وقال بحكمة :
النقاش معاكي ملوش لازمه لأنك شايفه الموضوع عادي وحتى لو غلط عادي برده وده لأنك مش عايزه تعترفي بغلطك، لما تجيبي لنفسك شبهه بزميله زي دي بكل بجاحه وقلة أدب تغازل راجل عيني عينك، وتكون أصلا شكلها لوحده شبهه ولا كأنها طالعه من كباريه مش مكان للتعليم، وتكون قاعدة مع اتنين خرفان وده أقل حاجه اقدر اقولها عليهم بعيد عن الرجولة يعني، كل واحد لابس مقطع ومحزق وملزق واللبانه في بوقه ولا اجدعها رقاصة والتاني لابس بدل السلسلة تلاته وراسم أسد على أيده
تدلى فم حسناء بدهشة من تدقيقه فكل تلك التفاصيل فقط في دقائق معدودة.. أكمل يعقوب بتهكم :
طيب كان يرسم برص أهو هتكون مبلوعه بدل ما هي وسعت منه
اضطربت رحمه وهتفت توضح إليه وتنفي علاقتها بهم :
معرفش أنها قاعدة معاهم هي أصرت أقعد معاها شوية ولما أنت جيت مكنش عدى خمس دقايق
أخذ نفس عميق وغمغم بهدوء :
ولو دقيقة اللي زي دي المفروض ميكونش ليكي صلة بيها من أصله
رأى الاعتراض على ملامحها فواصل بحنكة :
وقبل ما تقولي بيتحكم وبيفرض رأيه افهمي إن زي ما بخاف على اخواتي هخاف وقلق عليكم، وقبل ما نكون نسايب وأنتِ أخت مراتي يعني أختي، يكفي أن ابوكي يكون معلمنا معنى الرجولة والنخوة
أتم النقاش وكفى بالحديث، فما سيزيده إلا ثرثرة ليس منها فائدة، فخير الكلام ما قل ودل … قاد السيارة باتجاه منزلهما ومن حين لآخر يخطف نظرة سريعة عليها وهي شاردة في الطريق، وما أن وقف أمام البوابة الحديدية أسرعت رحمه تهبط وهي مثلها فقال بأمر وهو يشير إليها بأن تتقدم للمعقد بجانبه :
عايزك
لم تنتظر رحمه وتركتها بمفردها تتخلى عنها، كان هذا شعور حسناء وهي تجلس بجواره بتردد وعلى عكس ما يدور برأسها سألها برفق :
أنتِ خايفه مني ؟؟ ولا زي ما قولت لأختك خايفه لأنك عارفه الغلط ؟؟
رفعت عينيها تنظر إليه برجاء متسائلة بمهابة :
هتقول لبابا ؟؟؟
: أنتِ شيفاني ازاي ؟؟ ما هو سؤالك ده يدل على حاجتين أسوأ من بعض، يإما شيفاني خرع مش هعرف اتعامل مع كل مشكلة واطلع اجري اقول لابوكي، يإما في نظرك مش أمين ولا ثقة بالنسبالك
هزت رأسها بالنفي مردده بصدق :
ولا ده ولا ده صدقني أنا بس مش متخيلة رد فعل بابا
أومأ إليها مردفًا باقتضاب :
ماشي، متخفيش مش هقوله
بتردد مدت يدها تمسك كفه بلطف وهمست برقه :
مقصدش ازعلك هو موقف بايخ ويكفي أنك خيبة ظني في ردة فعلك
انكمش بين حاجبيه باستفهام متسائلاً بفضول :
وظنك كان ايه بقا ؟؟
: زعيق وشخط وأسئلة واتهامات واقعد ابرر بقا وليلة طويلة
حاولت سحب يدها فضغطت هو من قبضته مغمغم بغيظ :
الليلة الطويلة دي كانت هتتلخص في أن أختك متجادلش في الغلط
ابتسمت إليه وهي تهتف بعفوية تحسن صورة أختها :
مش بتجادل بس علشان أنت متعرفش طريقتها
ضيق عينيه بشك وردد بتحذير :
هي عدت خلاص إنما أنا مش هعرف اتحكم في أعصابي لو اتكررت
: ده تهديد ؟؟؟!
: تعتبريه تهديد، تحذير اللي يعجبك
اقتضبت ملامحها والتفت تفتح باب السيارة لتغادر فأمسك يدها يمنعها من النزول قائلاً :
متنسيش تفهمي رحمه إن اللي بينا أكبر من أنك تخافي مني وعمري ما هكون غير سند وحماية ليكي في الغلط والصح ،ولو قسيت في يوم من الأيام هيكون لمصلحتلك
انشقت بسمة على شفتيها فرفع يده يقرص وجنتها فجأةً مستكملاً بخبث :
وهعدي المرة دي بمزاجي لجل عيون جعفر
تأوهت وهو يزيد من ضغطه على وجنتها، دفعت يده بحده وهبطت بسرعة قائلة بحنق :
عمرك ما هتبطل رخامة
رفع حاجبه وهي تغلق باب السيارة بعنف، فاصطنع أنه يهبط متوعد إليها، فركضت وهي تضحك إلى البوابة وأغلقتها بعجلة .. ابتسم وهو يحرك المقود ذاهبًا للمحجر الرئيسي، لا يعلم كيف تحلى بالهدوء وهو يرى نظرات وقحة مصوبة عليها، ولا يفهم من أين هبطت عليه الحكمة وهو يحاور رحمه في أمر لا يحتمل النقاش من الأساس..
لكن لأجلها تبدلت أحواله، فقط لأنه شاهد قلقها الشديد ود أن يعانقها ويربت عليها يبعث الطمأنينة والسكينة بداخلها حتى وإن كانت مخطئة، بمشقة وضع الغيرة جانبًا رغم ثورة قلبه على محبوبته من أعين اباحت النظر بها، وأخر جُمل قالها لم تكن رحمه المقصودة بها بل أراد أن يرسل إليها رسالة عقلانية حتى لا تفتح باب لأفكار الشيطان تعبث بداخل رأسها، لأجل رؤية بسمتها تنازل عن عتابها ولم يتحمل رؤيتها غير مرتاحة أمامه، لأجلها فقط …
؛*****************
جلس سفيان عاقد ذراعيه أمام صدره والضيق يعتلي وجهه ينتظر حين ينتهي طلال من سرد حديث كرره ربما خمس مرات منذ أن وصل :
دي عاشر مره تقول نفس الكلام من ساعة ما وصلت
صاح طلال بحنق وهو يوجه حديثه إلى والدته :
ده حتى مش طايق يسمعني وأنا مستقبلي ادمر
عقبت والدته بجمود :
لو زي ما بتقول أن المعلم سالم سبب نزولك مصر وأن الشركة ترفدك فمن حقه مع أن ده محصلش
ضحك طلال بسخرية وهتف باستنكار:
حقه يدفع ليهم علشان يرفدوني !!!
اعتدل سفيان في جلسته مردفًا بدهشة :
يدفع لمين يا بني هو الراجل يعرف ايه عن شركتك من أصله وهو فاضي يدور وراك هنا وفي الإمارات
واستطرد بتجهم :
ولو حصل فـ زي ما امي قالت حقه بعد ما خطبت بنته وطلعت وخدها لعبه، شوية تسيب وشوية ترجع
ردد طلال بنبرة محتدمة وعروق وجهه برزت من شدة غضبه :
هو أنا هستنى منك ايه وأنت قللت من نفسك ومني وحتى من أبويا الله يرحمه لما كملت جوازتك من أمل وأبوها رفض جوازةأخوك بدل المرة تلاته من بنته
عقد سفيان جبينه وأشار على رأسه متسائلاً بذهول :
أنت هنا في مخ زينا ولا ايه بالظبط
وتابع بغضب مماثل واستهجان :
محدش قل مننا غيرك بعمايلك اللي محدش عارف هتوصلك لايه
تدخلت والدتهما توجه كلامها إلى طلال :
أنا فاهمه أن في كل أسرة حد بيكون مخالف وماشي بدماغه، إنما أنت شككتني أنك ابني وتربيتي، يابني أنت مش في واعيك ولا عايز تجلطني واموت بحسرتي زي أبوك
بهتت ملامح طلال فأكملت والدته باستياء :
كنت فاكره بعد موت أبوك هتتعلم بس مش باين غير أن البناه عادل طول حياته بيقع فوق دماغنا
وهنا قررت أن تفصح عن أمر فيه وحسمت تنفيذه:
أنا قررت اكتب البيت ده بإسم سفيان وهيفاء كل واحد فيهم دور والفلوس في البنك اختكم هتتجوز بيها والباقي يفضل وديعه باسمها الله أعلم الزمن مخبي ايه، والأرض أنا هكلم عمكم يبعها كلها والفلوس بينكم بالنص
تطلعت إلى طلال المندهش واسترسلت بجمود :
وأنت عندك شقتك في القاهرة وملكش حاجه هنا، سافر وعيش حياتك برحتك تشتغل ولا تقعد، تتجوز ولا تفضل لوحدك أنت حر بس اطلع من حياتنا وسيب اخواتك في حالهم
رفع طلال حاجبيه بتعجب وهتف مستنكرًا :
أطلع من حياتكم !!! أفهم إني مطرود من وسطيكم !!
: بكره مرات أخوك تيجي ومش هترتاح في وجودك وأصلا أنت معانا ومش معانا طول اجازتك قاعد على اللاب توب وبتاكل معانا بالعافية
ابتسم طلال وسأل سفيان بسخرية :
أظن الكلام على هواك ؟؟
تطلع سفيان إلى والدته وقال بعدم فهم :
ليه يا أمي التقسيمه الغريبة دي وبعدين حتى لو طلال عنده شقة هو ليه في البيت زينا ومهما كنتى زعلانه منه هيفضل ابنك واخويا
نهضت تردف بصرامة :
أنا قولت العندي ومش هرجع في كلامي
تابع طلال خطواتها وهي تتجه إلى غرفتها ثم قال بغيظ :
أنا لحد دلوقتي ماسك نفسي بس خلاص هجيب أخرى و..
استقام سفيان مرددًا ببرود يقاطعه :
تجيب ولا متجبش وأنا مالي
وكأنه الشخص الوحيد الذي رفض من فتاة، يعترف بغبائه في عدم فهم شخصية طلال من صغرهم، كل تصرفاته كان يأخذها بمحمل أنه الأخ الأكبر ينصح ويأمر وطلباته مجابة، لم يعي لتلك الأنانية والغرور إلا الآن …. ربما يتعجب من قرار والدته ويعترض على تقسيم الإرث وخاصة أن هيفاء سوف تبلغ السن القانوني بعد عام وحينها يقعد قرانها على ابن عمهم ويقتصر الزواج في عشاء عائلي، لكن المؤكد أن الأصلح إلي الجميع أن يجد طلال حياة له بعيد عنهم مادام استمراره أصبح معضلة….
؛*****************
فتحت باب الغرفة على مصراعيه تناديه بقلق، رأته يقف يمشط شعره بعناية ورائحة عطره تنتشر في المكان فقالت بأنفاس متقطعة لصعودها الدرج بسرعة :
إلحق يا سالم بنت محمود مش لقينها وبابا جابر بيقولك أنزل حالاً
هز رأسه إليها بهدوء دون أن يعيرها اهتمام، فسألته ببلاهة :
أنتِ سمعتني ؟؟!
فتح أحد الإدراج وأخذ ساعة معدنية يرتديه، وهتف باقتصار :
سمعتك، هخلص وانزل
: ايه البرود ده ؟؟! أنت معندكش دم ؟؟
توقف عما يفعله ورفع نظره يسألها بحده :
قولتي ايه سمعيني كده تاني ؟؟
بلعت نيره لعابها مردده بتلعثم :
بقولك البنت مش لقينها وأنت واقف بتسبسب في شعرك
: يكون في علمك حسابك طفح عندي
دارت كي تهبط متجاهلة كلامه لكن وقفت عندما سمعته يقول بضيق وعلى ثغره بسمة ساخرة :
ومن ضمن الحساب اللي بينا لو جيت بليل ولقيتك قافله باب الاوضه بالمفتاح زي امبارح هكسره فوق دماغك
بلا اكتراث ردت عليه :
ما أنت بتنام في الاوضه التانيه عادي لو قفلت دي
نظر إليها يسألها بجدية غير مستوعب أن الأمر طبيعي بالنسبة إليها، أليس من المفترض أن تعتذر أو تتحجج بدلا من هذا البرود :
وعادي بالنسبالك إن كل واحد فينا ينام في اوضه ؟؟؟
ابتسمت وهي تشير على الفراش :
ما السرير مش هيخدنا احنا التلاته، وأكيد مش هنيم سيلم في النص وأنت نومك تقيل تخقنه ومتحسش
قطع الخطوات بينهما ورفع يده يتحسس وجنتها بلطف، يشتاق إليها حد الثمالة، بسمتها، خجلها، رقتها، يشتاق إلى نيره أخرى تبدلت منذ فترة حملها …. هتف بصوته الرخيم النابع من حنايا قلبه عكس حاله منذ لحظات :
ليه يا نيره وصلتي الحال بينا لكده، معقول عجبك الوضع ده خلاص دي بقت عشيتنا كل واحد في اوضه ومش بشوفك غير صدف في البيت
تابع عتابه وهو يتعمق في عينيها بهيام :
نيره بلاش نضيع عمرنا في خصام ونكد، مش دي الحياة اللي كنت بتمناها معاكي وفي الأول كنتي بتقولي الخلفه اهو ربنا رزقنا بسلـ..
لم ينطق باقي اسم ابنه إلا وهي تبتعد عنه بفزع :
سيلم يا نهاري نسيت أنه تحت مع مي
استشاط وعينيه الشغوفة ملأها الغضب، ضغط على فكه إلى أن وضح إليها صوت كز أسنانه … تصلب جسده وهو يمسكها من مرفقها يمنعها من التجريء والتقدم خطوة واحدة، كأنه تحدث إلى نفسه وكل ما تفوه به كمن ينفث في الهواء الطلق، دام يحدقها مقلتيه المظلمة ثم سألها بصوت أشبه بالفحيح :
تفتكري لو قفلت الباب دلوقتي ورنيتك علقه حد هيلحقك من ايدي ؟؟؟!
شهقة وهي تعود للخلف بخوف، تعبيره جاده مخيفه عكس ذلك العاشق الذي كان يتأملها بحب منذ لحظات حينها علمت أنها أخطأت في التسرع لعدم سيطرتها على قلقها الدائم لصغيرها … ابتسمت بتوتر وقررت اللجوء لحيلة بسيطة وتراوغه كي تنفك من جموحه :
؛**********
مقصدش يا سالم ما أنت عارف اني دايما دماغي مشغوله مع سيلم
: قوليلي سبب واحد يخليني استحملك يا نيره ؟؟؟
صمتت تبحث عن إجابة مقنعة وفي الأساس الجواب أمامها، ود أن يسمع كلمة واحدة في حقه، أن تضعه في جمله مفيدة بدلاً من تهميشه من كل حياتها، طال الانتظار وهي تجول بعينيها في الإرجاء هنا وهناك بحيره وارتباك ثم ابتسمت تقول بتلقائية :
ام ابنك
خرجت قهقه خافته من بين شفتيه بسخرية على حاله وهتف بلطف :
صح أم ابني وعلشان كده أحسن علاقتنا اكتر
رفعت يدها تخبئ وجهها ظنًا أنه سيتهور من اقترابه، لكنه ابعد يدها عن وجهها ومال يقبل جبهتها بنعومة مرددًا بهدوء :
أنتِ طالق يا نيره
بكل سلاسة التفت ورحل دون أن يهتم لمن داهمها بصدمة ألجمت حواسها، باتت كمن قذف حجارة ضخمة فوق لوح زجاج ليتحول فتات … ذهول حل عليها غير مستوعبه ما سمعته، بتلك البساطة والسهولة تفوه بها !!
عندما أحست أنها تعيش الواقع ليس كابوس مزعج انفجرت في البكاء وهي تهز رأسها غير قادرة على استيعاب أنها هانت عليه، ارتفعت شهقاتها إلى أن وصل لسمعه وهو يجلس على الدرج أمام باب شقتهم، يطأطأ رأسه ينظر للأرض بأنين لا يختلف عنها … بعد وقت لا يحدده نهض يستعيد شتات أمره وهبط يخرج دون أن يمر على والديه كي لا يختلط بأحد، وقبل أن تفاجئهم نيره بالخبرية التي حلت عليهم….
؛***************
بتعب جلس عبده يستند بيده على المكتب وصياح مياده يضج في المكان وندى تحاول تهدئتها، قلة حيلة أصابتهم بعدما بحثوا بالقرب من المنازل والشوارع المجاورة، لم يراها أحد ولا يوجد أي دليل على شئ مريب !!
: اختفت فين بس دي متعرفش تروح في حته لوحدها
ربتت ندى على كتفها قائلة بحزن :
متخفيش هترجع أن شاء الله
وضع المعلم سالم يده فوق عصاه يحركها ببطيء وهو ينظر لجهة الباب، وسعد ومرتضى يجلسان بجوار الثنائي سالم، ورحاب تجلس على مضض وهي ترمق عبده بشر …
: ما نراجع الكاميرات تاني
رد سالم عبده على أخيه بضيق من قلة حيلته :
التسجيل مش جايب غير وهي طالعه من البوابة ومشيت لأخر الشارع يعني زي قلته ولا جايبها راحت انهي ناحيه ولا واضح حاجه تانيه
نظر عبده إلى المعلم سالم وقال بوهن :
ننادي في الجوامع كلها واللي يلاقيها هديله اللي يطلبه
تطلع المعلم سالم وسأل مرتضى بتفكير :
سألت عبدالله يمكن تكون راحت ليه ما هي أنه صاحب ابوها ؟؟
كاد أن يرد مرتضى ليقاطعه اقتحام محمود المجلس بحالة مزرية يصيح متسائلاً بقلق وخوف :
هاجر مالها ؟؟ بنتي فين ؟!!
ظهر بسمة جانبية على شفتي المعلم سالم، كان على يقين أن عبدالله سيوصل إليه اختفاء ابنته عندما يعلم وها هي ما خطط إليه نفذ .. وقف عبده يحدج محمود شزرًا ورفع يده يهبط على وجهه بصفعة عنيفة ارتدد صوتها في المكان :
ارتحت اهي بنتك ضاعت، عيله مكملتش ٣ سنين طلعت تدور على ابوها المهمل الصايع الغبي
لمعت عينيه وهمس برجاء وتوسل غير عابئ بشئ غير ابنته :
اضربني بالجزمة أنا استاهل بس هاجر ترجع يابا
أجهش بالبكاء والدموع تنهمر من عينيه :
هاجر يابا لا هموت والله لو جرلها حاجه
عم السكون واعتلى صوت نحيبه وهو يجثو على ركبته، حتى أن ميادة تسمرت تحدق به متعجبة من حالته التي لم تراها قط … لم يشفق عليه إلا جابر الذي غلبه حنان قلبه وذهب يساعده على الوقوف متمتم بحنو :
قوم وامسح وشك، يعني هتروح فين شويه وهتيجي
عقب سالم جابر بسخرية وهو يحدق محمود باستهزاء :
تلاقي مين يابا ما أنت معانا من الصبح ومفيش أثر للبت، ولا حد شافها ولفينا الشوارع شارع شارع إحنا نعرف عقلها ودها فين
جال بنظره بينهم متسائلاً بخوف :
هتروح فين ؟؟
ومن ثمّ رمق عمه الجالس بهدوء وهتف بتوسل :
بالله عليك يا عمي رجعلي بنتي وأنا اتعلمت احافظ عليها
بجمود رد عليه :
حد قالك إني مخاوي أو بشم على ضهر ايدي
واسترسل بتهكم :
ما قدامك لسا قايلين لفوا عليها البلد ملهاش أثر أنا اللي هعرف هي فين
صرخت مياده بقهر وانفعال :
منك لله يا محمود، حسبي الله ونعم الوكيل فيك، بنتي ضاعت بسببك يارتني أطلقت كنت هحافظ عليها وعلى أخوها بعيد عنك
تغاضى عن حديثها واردف بفتور وصوت خائر :
يعني بنتي ضاعت، خلاص مفيش هاجر
رأف عبده بحاله فقال بهدوء وبصيص أمل :
هنادي في الجوامع واكيد هي عند حد قربنا
انهار في نوبة بكاء مرير إلى أن تقطعت أنفاسه، أسرع سالم يكسب إليه كوب ماء يعطيه ايها مردد بكلمات تهدأه … وكذلك مياده لم تشعر بنفسها إلا وهي تربت على كتفه برفق وبدلاً من أن يخفف عنها وقفت هي تجاوره تبث إليه الامل في العثور على ابنتهم، مر على زواجهم ما يقارب سبع سنوات لم تراه يبكي ولو لمرة في حزن أو فرح، أحست أنها على وشك الاستسلام وتفصح عما تخبئه لكنها وجدت عينين تراقبها بثبات محذرة لاي فعل أحمق يبدر منها، عادت لمقعدها تمكث بهدوء خوفاً من عدم قدرتها على الصمود….
؛*******
على صعيد أخر في منزل متواضع بالقرية، نهضت سيدة مسنه تهتف بإسم ابنتها وهي تخرج للغرفة القابعة بها :
مش بنادي عليكي يا ساره
رفعت ساره رأسها وقالت بأسف :
معلش ياما مسمعتش، عايزه حاجه
نظرت السيدة للطفلة النائمة بجوارها وسألتها بعدم فهم :
مش هتقولي بنت مين دي وبتعمل ايه عندنا ؟؟
تطلعت ساره إلى الصغيره مردده باقتصار :
دي بنت وحدة صاحبتي راحت مشوار وهترجع تاخدها على بليل كده
: مين صاحبتك دي ؟؟ ومش المفروض كنتي تروحي الكوافير
عقدت ساره بين حاجبيها وصاحت بحنق :
هو حرام ارتاح يوم من غير لت الحريم دول كلوا دماغي امبارح
قطبت السيدة جبينها متسائلة باستنكار :
أول مرة تقولي كده ده أنتِ يا ساره يا بتي تموتي في اللت والعجن زي عنيكي!!!
زفرت بصوت مسموع ثم همست بملل :
تعبت من لت الحريم عايزه أغير والاقي راجل اطلع عليه القديم والجديد ويستحمل
ضحكت والدتها إلى أن أحمر وجهها وبصعوبة حاولت التحدث :
الله يكون في عونه صعبان عليا قبل ما يجي
واسترسلت وهى تكمل سيرها :
دخليها جوه على السرير بدل النومه دي هي اسمها ايه
نظرت ساره إلى الصغيرة متمتمه بشرود :
اسمها هاجر ياما
؛************** بقلم حسناء محمد سويلم
تركهم في بلبلة وهرج للبحث عن الصغيرة التي اختفت كإبرة في قومة قش وتحرك بسيارته للمرة الثانية يسافر فيها دون أن يعلم أحد، ما يقارب ساعة ونصف في طريقه لمحافظة كفر الشيخ … اخرج الورقة المدون بها العنوان وسأل أحد المارة عندما اقترب من الشارع المكتوب، جال بنظره يتفحص البناية من الخارج ثم اتصل على الشاب يخبره بأنه بالأسفل …. دقائق وظهر مهرول إليه وهي وجهه ابتسامة:
حمد لله على سلامة حضرتك والله أنا محرج اننا تعبناك
قاطعه المعلم سالم وهو يصعد الدرج معه :
مفيش تعب وأن شاء الله الحاجه فهيمه تقوم بالسلامه
ولج معه ملقي التحية وعينيه أرضًا احترام للبيت وأهله، سمع الشاب يقول بحفاوة مع دخوله إلى إحدى الغرف :
بصي يا تيتا مين جه يزورك أول ما عرف أنك عايزه تشوفيه
امرأة أكل الزمن من معالمها ولم يبقى إلا أثاره، تتمدد على الفراش والأدوية والمحاليل تصاحبها في نومتها … ضعيفة الجسد وعلى وشك أن تصبح هيكل عظمي لتدهور صحتها، حزن المعلم سالم ودعى الله أن يموت وهو يسير على قدمه وأن يخفف عنها فهو يتذكرها قبل أن تسافر من القرية، كانت بصحة جيدة وفارعة الطول امرأه أخرى لا تقرب تلك :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ازيك يا حاجه فهيمه
نظرت إليه بتمعن ثم قالت بنبرة مهزولة :
وعليكم السلام ازيك يا سالم وامك عامله ايه مشفتهاش من زمان
هز المعلم سالم رأسه يجاريها في الحديث واستحوذه الشك في صحة ما تود تخبره به وإذا تسأله عن صحة والدته التي توفت منذ أعوام :
كويسه الحمدلله
اقتضبت ملامحها وهتفت بانزعاج :
بتاخدني على قدي يا بن خيريه، طالع لابوك لئيم
واسترسلت بسخرية وضيق :
أنا عارفه أن أمك ماتت من زمن بعد ما زعلت على أبوك
ابتسم المعلم سالم وطلب من الشاب الذي يجلس ينصت إليهما باهتمام :
ممكن كوباية مايه
انتظره يخرج ثم عاد يرمق الحاجه فهيمه :
خير يا عمه من وقت ما حفيدك جالي وأنا دماغي مشغوله
نظرت إليه وهتفت بضعف :
يعلم ربنا إني مخون أمانه ولا افضح اللي ربنا ستره بس ده يابني أعراض ناس ونسب وعيل ضايع بينكم
تحفز جسد المعلم سالم وحواسه كلها متأهبة لما يقع عليها، تابعت فهيمه كشف سر دفنه تراب الزمن بين طياته بعينين دامعة:
لما عرفت أن مبروكه ماتت الله يرحمها من شهر سألتهم على صباح مراتك وقالوا لسا على ذمتك عرفت أن مبروكه مقالتش عن الشيلاه وماتت بيه
هز رأسه بعدم فهم وسألها باستغراب شديد:
ايه دخل صباح بالكلام ده !!! ولا يكون قصدك على حكاية أنها خبت ورق الورث بس هي طلعته والموضوع انتهى !!!
: العيل اللي ابراهيم جوز اختك رباه مش إبنه ده ابنك وصباح هي اللي ادتهوله
هدأ العالم من حوله وصدى الكلمات تتردد في ذهنه، لم يستخف بعلقها أو يشكك في وعيها، بسرعة بديهة وقبل أن يترك العنان لأفكاره سألها باستنكار :
ابن مين يا عمه ؟!! يونس ابن حنان أختي ومولود على أيدي !!
عقدت بين حاجبيها اعتراض لِما قاله واردفت بإصرار :
مبروكه شافتهم في عز الليل ورا السرايا وسمعت بنفسها إبراهيم وهو بيقولها يا صباح لو حد عرف العيل ده مش ابني عثمان هيقطع عني الفلوس اللي بيبعتها وهي ردت عليه بس يعلم ربنا وحده وهي قالت ايه والكلام ده بعد ما حنان أختك ماتت
” صباح !! ” رددها بينه وبين نفسه يضع النقط على الحروف بحكمة ورجاحه، صمت لحظات وعاد يسألها باهتمام :
وعمه مبروكه ليه محكتش ؟؟؟
: خافت الحاج عثمان ميصدقش وأنت عارف هي طول عمرها عايشه على حسكم وفضلت زعلانه وكتمه وهي شيفاك بتعز صباح
ضيق عينيه بترقب متسائلاً بريبه :
في حاجه تانيه ولا ده بس ؟؟
: لا يا بني هو ده، خوفت أموت أنا كمان وهي فضفضة معايا وحلفتني ما اتكلم بس خلاص لازم اتكلم بدل ما يدفن معايا
حرك رأسه يميناً ويسارًا مغمغم بعدم تصديق :
مستحيل يكون صباح ليها دخل، مستحيل دا أنا اكدب عنيا لو شوفتها ولا أصدق
ومن ثمّ استرسل بحنكة :
وغير كده يونس لما اتولد كانت صباح حامل في خيريه وولدت بعدها بكام شهر والكلام ده غير الحاجه مبروكه قالته لما جات عندي قبل ما تتعب وننقلها على المستشفى
رمقته فهيمه بعدم فهم هي لا تدرك إلا ما قالته مبروكه وكما سمعته سردته، واصل المعلم سالم بهدوء :
منين صباح هتدي ابني لابراهيم ومنين العمه مبروكه تقول إن أمي كانت عايزه تاخد يونس من حنان وتديه لصباح تربيه علشان تبعد حنان عن إبراهيم
فتحت فهيمه عينيه على وسعهم وقالت بدهشة :
لا معرفش الكلام ده، وهو أمك قدرت تفكر تحرق قلب بنتها على ابنها وتاخد العيل
واستطردت بحسره :
بس أختك برده كانت ماسكه في إبراهيم لحد ما مرضها وماتت
شعر المعلم سالم أن أفكاره تشابكت وهناك حرب ضارية في عقله، تشتت تركيزه بسبب الحديث المتناقض وكل واحدة تحكي حكاية مختلفة والعامل المشترك بينهم صباح … خيط رفيع يصل الحكاية ببعضها لازال مختفي، يتذكر مبروكه وكرهها لصباح وتحذيراتها الملحة في أخذ الحذر منها، وأيضاً لم ينسى اليوم التي جاءت فيه صباح وبيدها ورقة بها توزيع الميراث كما طلب عثمان سويلم بعد أن خبأتها أسابيع من وفاته ثم عادت بها نادمه …
: ياريت يا عمه الكلام ده محدش يعرف بيه
ردت عليه بتهكم :
فضلت كاتمة العمر ده كله وهتكلم دلوقتي
استأذن منها بالرحيل إذا لم يوجد أي إضافات تضعه في حيرة أكثر.. لم يتعجب مما أستمع إليه فقد أعتاد على ضربات الحياة المباغتة، لكن كل ما يتتوق إليه أن ينعم بهدوء طبيعي في أيامه القادمة، يشتاق لهدنه مع الأيام لتكف عن مصارعته وهو أعزل لا ينوي الحرب …. صف السيارة في جانب الطريق وأخرج هاتفه يتصل بأول خيط يدله على الطريق الصحيح، دقيقة واجاب يونس يرد التحية فقال المعلم سالم بنبرته الطبيعية الرزينة :
عاش من سمع صوتك يا يونس حتى كتب الكتاب مجتش
جاوبه يونس بحماس لعودة علاقته معهم من جديد :
والدي تعب فجأة ومقدرتش اسيبه لوحده واتحرجت ابارك بمكالمة
ضحك بخفة وتمتم بمكر :
وتسيب والدك ليه ما تجيبه معاك ولا هو مش حابب يرجع يتواصل معانا
أسرع يونس يوضح مقصده :
لا هو مش بيقدر يسافر وهو تعبان وقالي روح بس مقتدرش اسيبه
: فاهم طبعا وعلشان كده كلمتك تفضي نفسك أسبوع وتيجي تقضيه عندي أنت وابوك
لم يعطيه فرصة للتفكير وقال بصيغة لا تقبل اعتراض:
أهو ندفن الفات ونرجع المايه لمجاريها هسنتاكم أول الأسبوع
ودعه يونس باحترام ونهض يقفز بحماس وسعادته تبلغ عنان السماء، حفظ لماء وجهه وكي لا يحرج لم يتصل على أحد منهم مادام لم يبدر ذلك من أحد أخواله، ولكن الآن ها هو يدعو على قضاء أسبوع كامل وليس اي أحد من أخواله بل من المعلم سالم …
؛*************
وجدها تقف على أول الدرج تستقبله ببسمة واسعة على ثغرها :
كويس أنك متأخرتش كنت هطلع..
قاطع حديثها وهو يعانقها بقوة وخوف من فقدانها، لأول مرة يشعر بوحشة ألم الفراق والخوف من الفقدان … تعجبت مها منه ولكنها بدالته العناق وهمست بخجل وهي تبتعد بعد لحظات :
مرتضى حد يشوفنا
آفاق من أفكاره فالوقت ليس مناسب ولا المكان، الجميع مازال يبحث عن الصغيرة في أجواء متوترة مضطربة .. تعمق في عينيها وتمتم بأسف وندم :
أنا آسف يا مها
عقدت جبينها باستغراب وسألته باستنكار :
لا هو المفروض أنا اللي اعتذر مش أنت!! ولا ايه ؟؟
هز رأسه بالنفي وقال بندم لا تدرك سببه :
لا أنا وياريت الاعتذار يكفي
ضحكة بدهشه وسألته بتعجب لحاله :
مالك ؟؟ اعتذار ايه اللي يكفي محصلش حاجه لكل ده وأنا عرفت اني لازم اتحكم في مشاعري وبلاش استفز بسهولة من نسرين لأنها عايزه توقع بينا وتعكنن علينا وحلها التجاهل
ثم استرسلت بأسف وهي تنظر أرضًا خجلاً منه :
وبعدين أنا المفروض اتأسف على كلمة عينك فارغة وده مش حقيقي
تنفس بارتياح وتمتم يشكر الله على لطفه وكرمه، كانت فقط لحظات تفصل بين حياته الآن وجحيم اخر، قبل رأسها وهتف بحب :
خلاص مبقاش في حد يعكنن علينا تاني طول ما أنا عايش
رفعت حاجبها بدهشة وقبل أن تسأله عن قصده تذكرت الأهم فسألته باستفسار :
هو بابا فين ؟؟ سافر تاني ؟!!
انتابها القلق الشديد كوالدتها التي طلبت منها أن تسأل مرتضى أو سالم جابر عن سبب اختفاء والدها المفاجئ وسفره لكفر الشيخ دون سابق إنذار … هز رأسه وقال بحيره :
مش عارف، كنت مشغول مع سعد وبندور وعلى هاجر لقيت سالم بيقول أنه سافر وهيرجع على بعد العصر
استمع إلى أصوات عالية في المجلس فقال بعجلة :
هطلع اشوف في ايه ونرجع بليل البيت سوا
لم تفهم سر تغيره وحديثه المبهم بالنسبة إليها، ظنت أنها ستدخل معه في جدال تبرر فيه انفعالها من تصرفات تلك النسرين .. عكسه هو ومشاعره المرتبكة كلما تذكر حديث سعد، ود أن يخبرها كم أخطأ بتقليل من قلقها من اقتراب تلك الحرباء منهم مرة ثانيه، ويعتذر عن استخفافه بإحساسها فأعطى كل هذه الكلمات على هيئة عناق طويل دون أن يثير الشك بداخلها إذا قال شيء يخصمها .. وذلك لن يعجله ينسى أن يطلب من والدته أن ترسل تغريد مع السيدة التي تتعامل معها لتنظيف المنزل في المناسبات، يريد أن يمحي أي أثر لتلك الذكرى البشعة، يزيل شعور القرف والاشمئزاز من كل حنايا منزله، ولو باستطاعته أن يبدل جلده الذي لمس امرأه لا تحل له لكان فعل.
؛؛؛؛؛؛؛؛
بداخل الطابق الأول بإحدى الغرف جلست حسناء على الفراش تتحدث مع يعقوب الذي اتصل للاطمئنان عن الأحوال لوصول خبر اختفاء ابنة محمود من عبدالله عندما عاد، وعلى حين غرة اقتحمت رحمه الغرفة وهي تصيح بصوت مسموع ليعقوب :
قلك هيقول لبابا ما أنتِ السبب لو شافك واثقة في نفسك وواقفة قدامه، إنما عامله شبه الكتكوت المبلول
تسمرت حسناء تنظر إليها بذهول ثم قررت أن تنهي المكالمة كي لا يسمع ما يدور بينهما لكن لتوترها لم تضغط على زر الانهاء بشكل صحيح فظلت المكالمة مستمرة، ومن ثمّ تطلعت إلى رحمه تسألها باستهجان :
هو الباب ده ايه ظروفه معاكي ؟؟ مفيش حاجه اسمها استأذان عندك!!
ضيقت رحمه عينيها تسألها بترقب :
جاوبيني بس ومتلوعيش، قالك هيقول لبابا ؟؟!
ضحكت حسناء بعدم تصديق، تتحدث بتبجح وكأن الخطأ لا يعرف طريق إليها :
قولي أنك خايفه وعايزه تسمعي اللي يريحك وعلى العموم يعقوب مش هيقول لبابا
أشارت رحمه باستنكار على نفسها وقالت بكبرياء :
أنا أخاف !! صدقيني أنا مش خايفه غير عليكي وأنتِ مسحوبة شبه الحمار وراه، قالك يمين يبقا يمين قال شمال يبقا شمال
أنهت جملتها ببسمة سخرية جعلت حسناء تستشيط غضبًا وهتفت بانفعال وصوت مرتفع:
حمار لما يرفسك، ده أنتِ مستفزة وتحرقي الدم يا شيخه، عايزاني اقف ابجح واقوله أنت مالك وايه دخلك ..
قطعت حديثها المنفعل وثبتت مكانها برعب، اعتقل لسانها عن الحديث وتجمد الدم في عروقها، منذ عشر دقائق استمعت إلى والدتها تتحدث عن سفره المفاجأة وأنه سيعود بعد ثلاث ساعات ربما !!
لم يصعب على رحمه فهم من يقف خلفها من هيئة أختها، وهنا جاء الخوف يتراقص على قلبها من توقعها سماعه لما دار بينهما، إذًا سيسأل عن سبب الجدال ؟؟ سيدرك أنها تواصلت مع رنا مجددًا ؟؟ لمعت حبات العرق على جبينها وشعرت أن تلك الدقيقة عام كامل يمر عليها، بصعوبة التفتت تتطلع خلفها وهي تزدرد لعابها بتوجس ….
: صوتكم عالي ليه ؟؟
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)