روايات

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء التاسع والأربعون

رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت التاسع والأربعون

رواية بنت المعلم
رواية بنت المعلم

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة التاسعة والأربعون

كادت أن تتفوه وتضرب بتهديده عرض الحائط، لولا أنه ابتلع غصة تسكن حلقه وهتف بقهر احتل صدره يسبقها في التحدث :
كنت فاكرك غيرهم
لم يكثر في ثرثرة وأغلق المكالمة غير مهتم بدهشة الأخرى التي لم تستمع لنبرته تلك من قبل !! وتهديده الجاد ؟؟ هل يدرك معناه من الأساس … منذ معرفتها به لم تشعر بمعنى للحزن داخل قاموسه في حياته، والآن كأن حزن العالم اجتمع في صوته المنكسر، بينما وضع هو الهاتف على سطح المكتب ومال يستند بيديه على حافة المكتب، أرخى رأسه على معصمه وترك العنان لدمعة حارقة هاجمته بعد فشله في كتمانها كما يفعل دائمًا …
عض شفتيه وبكاءه يزداد، مر شريط حياته مع أسرته، جفاء، قسوة، شجار، صراخ، أشياء كثيرة تبعد كل البعد عن مسمى العائلة!!!
أجهش سعد بصوت مرتفع وقد خارت قواه على التحمل، منذ صغره يشعر بالحرمان من الحنان والحب، مشاعر من حقه أن يتمتع بها، ينقصه إحساس الأمان والاستقرار، نشأ مع أسرة بالمصطلح اللغوي فقط أما على أرض الواقع، هي حرب أهلية بين والديه، كلا منهما يتفنن في التقليل من الآخر كي تكن نقطه لصالحه….. والحقيقة أن لكل حرب خسارة، وهنا كانت الخسارة هو وإخوته …
؛***********
وضع البيض في الإناء لسلقه، ومن ثمّ كان سيبدأ في إعداد المعكرونة بالصلصة، جفف يده في منديل ورقي وخرج من المطبخ متمتم بكدر لذلك النائم على الأريكة يتأمل سقف الغرفة:
انطرشت!! خليك مبحلق في السقف يمكن عليا تنزلك منه
فتح الباب بضيق تحول إلى صدمة داهمته عندما أبصر من تقف قباله :
ليلى !!!!!
فز عمر من مرقده والتفت بجهة الباب يحدج ليلى بصدمة لا تقل عن سيف الذي أغمض عينيه وفتحهما مجددًا علها تختفي أو أنه يتوهم !!
: ممكن تحاسب التاكسي
جملة واحدة بصوتها الهادئ قالتها وهي تشير على سيارة أجرة أتت بها من مشفى الأمراض النفسية، من الجيد أنها لازالت تتذكر طريق القرية … أشار سيف إلى عمر بأن يخرج ويتولى الأمر، ثم وقف في طريق ليلى وسد عنها الدخول:
طلعتي ازاي ؟؟!
رفعت رأسها وجوابته بفتور :
الدكتور سمحلي بالخروج، وأكيد مش ههرب واجي على هنا
دارت بعينيها تبحث حولها وهي تسأله بلهفة :
فين لوجينا ؟؟!
تفحصها سيف بشك دون أن يرد عليها، فعادت تسأله بسخرية:
للدرجه دي قلقان مني ؟!! متقلقش دي بنتي مش هقتلها زي ما قتلته
رفع سيف حاجبه مرددًا بريبه :
أنتِ متأكدة أن الدكتور سمحلك بالخروج ؟؟؟
عاد عمر في هذا الوقت واستمع إليها وهي تهتف بطريقة غريبة لا تدل على أنها طبيعية أبدا :
تحب تشوف بنفسك الدكتور سمحلي ولا لا، فين بينتي ؟؟ هتخبيها عني !! ولا عايز تعمل زي أخوك وتخدها مني ؟!
تدخل عمر بهدوء :
اهدي، محدش هياخد بنتك بس بلاش تشوفك بالحالة دي
تحركت جسد بلا روح وسحبت مقعد تجلس عليه، أخذت نفس عميق وزفرته بصوت مسموع، همست بعده بتوتر ورعشة وضحت في نبرتها :
كل يوم بحلم بعز وقولت للدكتور أن أعصابي تعبانه وخايفه منه
حدق الاثنين بها باهتمام وانصات شديد لباقي حديثها، استكملت بقلة حيلة واضطراب:
قالي أنتِ كويسه وده بسبب تأنيب ضميري لنفسي
ازدردت لعابها وتابعت برعب :
أصله ميعرفش مين عز
تطلع عمر إلى سيف باستغراب، تتحدث عن عز وكأنه لازال بينهم حي يرزق!!! يفهم سيف ما تشعر به، في الوقت القصير الذي قضاه معها علم مدى حبها إلى أخيه، نعم عز الذي يبغضه العالم بأسره …
: مبقاش فيه عز يا ليلى
اقترب منها مستكملًا برفق تعلمه مؤخرًا :
خلاص عز كان كابوس واختفى
هزت رأسها بالنفي مردفه بإصرار عجيب ومخيف :
رجع، عز رجع وهيموتنا كلنا
شعر بالقلق يتسرب إليه فقط لذكر اسمه، أبعد تلك الأفكار من رأسه وهتف بنفاذ صبر :
محدش بيرجع من الموت، أنا دفنه بأيدي وقومي ادخلك اوضة لوجينا تسلمي عليها
تحركت خلفه بشوق وحنين لا يكفيه أعوام لتروي ظمأ رؤية ابنتها .. ما هي لحظات وخرج سيف متجه إلى عمر، رأى حديث وأسئلة في عينيه وبالفعل ما أن تقدم منه سأله باستنكار :
أنت سبتها مع بنت أخوك!! لا متقولش أنها هتعيش معانا؟!!
بلا اكتراث رد عليه:
اومال هتعيش مع مين، هي ليها غيرنا
رمقه عمر لبرهة ثم صاح بتعجب :
غيرنا !!! لا أنت فاهم غلط هو أنا ناقص يا بني
واسترسل بعدم استيعاب:
أنت مش سامع هي بتقول ايه!! دي بتقولك عز رجع
: مش يمكن ..
قاطعه بحده وهو يغادر من أمامه :
بلا يمكن بلا ميمكنش، وهو عايش وميت بيرازي فيا
ضحك بخفة وتطلع إلى أثره وهو يبتعد عنه، لم يكن في الحسبان أن تخرج ليلى الأن لذلك لم يفكر في وجودها بينهم … أغمض عينيه يهدأ من صراع عقله، ما هي إلا ثرثرة وترهات لا صحة لها من ليلى، وهل سيأخذ على حديث من كانت تعالج في المصحة النفسية ؟؟
تذكر حين ذهب للمشرحة واستلم الجثة بنفسه، وقام بدفنه بمفرده بمساعدة الرجل الذي يسكن بالقرب من المقابر … شيخ كبير ولكنه رأف بحاله ووقف معه إلى أن دله على كل شيء يجب فعله، من وقتها لم يفكر من الأساس العودة أو زيارة قبر عز، كلما هدأت الأوضاع حلت عليهم مشكلة أخرى، وكأن لعنة منصور عزب وقعت على كل من يقربه….
؛***********
في منزل ريفي بسيط لرجل من أهالي القرية … جلس المعلم سالم متسائلاً بهدوء :
فين بنتك يا شوقي
: أمها بتنده عليها، هو في حاجه يا معلم
سؤال بخشية وقلق من تلك الزيارة المفاجئة والغريبة، المعلم سالم بنفسه داخل منزله!! … باقتصار نظر المعلم إليه وردد :
هنعرف دلوقتي
ابتلع الرجل لعابه بارتباك فمن الواضح أن هناك مصيبة تهل عليه، ظهرت فتاة في مقتبل العمر من خلف الستائر تلقي التحية وهي تخفض رأسها… رد عليها التحية ورمق رعشة يدها بسخرية :
ولما بتخافي ليه بتعملي الغلط من الأول؟
رمشت الفتاة وتطلعت إلى والدها تطلب منه النجدة، فتلقى طلبها بصدر رحب وسأل المعلم سالم بقلق :
غلط ايه يا معلم ؟؟ بنتي عملت ايه !!
لم يعيره الانتباه وسأل الفتاة بحده جعلتها تبكي بخوف :
عملتي كده ليه ؟؟؟
وتابع بصرامة :
هند عملت فيكي ايه علشان تفكري تأزيها بالشكل ده ؟؟؟
هب والد الفتاة واقفًا عند فهمه أن الأمر يخص إحدى بنات المعلم وقال بعدم فهم :
فهمني يا معلم ايه دخل بنتي بالست هند ؟؟ وعملت ايه !!
لم يصدر سوى صوت شهقاتها فهتف المعلم سالم بتهكم:
يمكن لما ابعت تسجيل الكاميرات وأنتِ بتحاولي تقتلي جوز بنتي للقسم تتكلمي هناك
سقط والد الفتاة على المقعد وقد شعر بأن الأرض تدور تحت قدميه، قتل ؟!! … بينما ركضت الفتاة تحاول تقبيل يد المعلم سالم وهي تصيح ببكاء :
لا بالله عليك يا معلم أنا مليش دعوة، وحيات بناتك .. وغلاوتهم عندك، أنا مليش دعوه
ابعد المعلم سالم يدها بإشارة منه كي لا تقترب، ثم سألها بجمود:
مين اللي قالك تعملي كده ؟؟ ويمكن وقتها اطلعك منها
زادت وتيرة صياحها وهي تخفي وجهها بين كفيها، خرج والدها عن صدمته وهتف بصوت هزيل وعدم تصديق :
يا معلم سالم بنتي ملهاش دعوة بحد واحنا ناس في حالنا يمكن حد شبهها، بنتي أنا تقتل !!!
أمسك المعلم سالم هاتفه وبعد ثوان رفع شاشة الهاتف أمام وجه الرجل الذي فتح عينيه على مصرعيهم، يرى ابنته تقف خلف موسى خلسة في الجهة الثانية من منزل المعلم سالم، وسقطت على رأسه بحجرة غليظة تمسكها في قبضتها ففقد الأخر وعيه واختل توازنه ليفترش الأرض … حرك الهاتف قبالة عينيها وسألها بغضب :
أنتِ دي ولا حد شبهك ؟؟
صرخت بفزع عندما وقف والدها وانقض عليها بالصفعات، يكيل إليها ضربات عشوائية وهمجية وهو يسُبها بحرقة .. سقطت الفتاة أرضًا تصرخ بعلو صوتها، ولم ينجدها من يده سوى المعلم سالم وهو يمسك يده مرددًا بضيق :
ابعد يا شوقي بدل ما اخلي رجالتي يبعدوك بطريقتهم
ومن ثمّ زجره بتهكم:
قال يعني كده بتربيها ولا بتراضيني
ابتلع الرجل لعابه الجاف وبلل شفتيه، فقد كشف تفكيره بسهولة :
هكسرلك رقبتها بس تسامحها
وبرجاء وتوسل أكمل بانكسار :
اعتبرها زي بنتك، عيله وغلطت، بس بلاش القسم أبوس إيدك يا معلم سالم، أنا مستعد لكل التؤمر بيه بس بلاش الحكومة
تطلع المعلم سالم إلى الفتاة المنكمشة على نفسها تبكي :
مين قالك تعملي كده ؟؟
همست باستسلام :
خطيبي
ضيق عينيه بشك وعاد يسألها باهتمام شديد :
خطيبك مين ؟؟ وليه يطلب منه كده ؟؟
رفعت نظرها إلى والدها بخوف، شرار يتطاير من عينيه سيحرقها شاءت أم أبت… رأى المعلم سالم الرعب يسري في أوصالها من نظرات والدها، أخرج منديل ورقي من جيب جلبابه وقدمه إليها :
امسحي وشك وقومي اقعدي
بتردد رفعت يدها تأخذه، ذهب إلى الأريكة وعاد يجلس وهو يأمرها بأن تنهض تجلس هي الأخرى على المقعد … دقيقتين في صمت تام عدى شهقاتها :
احكي كل الحصل من غير كدب وليكي عندي محدش هيمس منك شعره
أشار إلى والدها يتابع بصرامة :
حتى ابوكي
فرصة إن لن تستغلها ستكون نهايتها حتمية الليلة… لم تفكر كثيرًا في عرضه، واستجابة إلى كل أسألته ترد بصدق دون أن تكذب، على الجهة الأخرى كان يستمع إليها بأذن صاغية لكل تفصيله، الصغيرة قبل الكبيرة، ضغطت على عصاه يتحكم في أعصابه وهو يصغي إلى الحقيقة المريرة، غيم الحزن عليه واختفى الغضب من هوية الشخص الذي فكر، وخطط، وقرر أذية فرد من أسرته .. هو من أسرته !!
؛************ بقلم حسناء محمد سويلم
: ازيك يا سي مرتضى
رد عليها ببرود وملامحه مقتضبة:
: الحمدلله
ابتسمت برقة وهي تهتف بشوق :
: ليك وحشة
كم يتمنى أن يقبض على عنقها وينتهي منها ومن وجودها داخل حياته عنوة … رد بجمود وهو يرمق صينية بها كوبين من الشربات :
متشوفيش وحش يا نسرين، مبروك
هتفت ببسمة واسعه وهي تقدم الصينية إليه:
الله يبارك فيك، جيت أنا وأمي نتفرج على شقتي وأول ما حماتي عملت شربات قولت لازم تشربوا منها أنت ومها
باقتصار وأوشك على غلق الباب الحديدي :
معلش متعوضة مها مش موجوده
وميض بزغ في عينيها وهي تدفع بجسدها للأمام تمنعه من غلق الباب وقالت بإصرار :
هتردني وتكسر خاطري، حتى أشرب بتاعتك
ضغطت على أسنانه يكبت سُبه بذيئة كادت أن تفلت من شفتيه، أمسك الكوب ورفعه دفعة واحدة، ابتلع العصير كي لا يبصقه في وجهها كما تخيل نفسه يفعلها، ابتسم بسمة جانبيه واعاد إليها الكوب … بجراءة وقلة حياء تعمدت أن تلمس كفه بنعومة فترك مرتضى الكوب بصدمة من وقاحتها، ولكنها أسرعت وامسكته قبل ينزلق وهمست بدلال :
بألف هنا على قلبك
قبل أن تلتفت وتغادر ألقت قلادة تخصها أسفل قدمها دون أن ينتبه الأخر والذي تنفس الصعداء عندما أغلق الباب خلفها، تنفس بارتياح وولج إلى غرفة سامر :
ده أنتِ حرباية بصحيح
جال بنظره في الغرفة وهو يسأل سامر باستغراب :
هو أخوك فين ؟؟ راح بيت جدك ؟؟
رفع سامر وجه من الكتاب مردد بضجر :
ما أنت لو كنت أب بتهتم كنت عرفت أنه عنده درس دلوقتي
هدر مرتضى من بين أسنانه وهو يقبض على مقبض الباب بعنف :
عارف لو جتلك هلف لسانك ده اربطك بيه
لن يجد والدته تدافع عنه ولا حتى أخوه موجود يختبئ به، ابتسم بسمة واسعة قائلاً بحب :
حبيبي يا بابا، بحب اهزر معاك
شعر بألم حاد في رأسه يداهمه، وعينيه لا يقدر على فتحهما .. فرفع يده يضغط على رأسه متمتم بتعب :
ايه الصداع اللي جه فجأة ده
ابتلع ريقه وهو يشعر بحرارة جسده ترتفع رويدًا، بصعوبة حرك رأسه ينظر إلى ابنه يهتف بوهن :
أنا داخل أنام شويه لما أخوك يجي صحيني
هز سامر رأسه وعاد يدرس في كتابه مجددًا … خمس دقائق ربما أو أكثر تأفف بانزعاج مع صوت جرس المنزل، هبط من مقعده واغلق الكتاب بتذمر، ظن أنه سالم قد عاد من درسه :
طنط نسرين
قالها وهو يرفع رأسه لتلك الواقفة ترمقه ببسمة ترسم على شفتيها الملونة بأحمر الشفاه :
اه يا حبيبي، عامل ايه يا سامر وسالم عامل ايه
تجاهل حديثها وسألها بثبات لا تعلم من أين جاء به :
عايزه ايه ؟؟؟
رفعت حاجبها بتعجب، حدجته من أعلى إلى أسفل تتفحصه وكأنها تتأكد أنه ليس رجل متنكر في طفل، لم يكذبوا عندما قالوا إن مرتضى انجب ولدين كل منهما عكس الآخر، وحظها وقع مع سليط اللسان كما وصفته :
أنت هنا لوحدك ولا أخوك معاك
: وأنتِ مالك ؟؟
بملامح جاده تابع يسألها بسخرية شعرت بها حقًا من بسمته :
ولا أنتِ جايه تسرقينا بس على العموم بابا جوه
ضحكت بسماجة ودفعته من أمامها :
عسل زي امك، وسع يا حبيبي أنا كنت هنا من شويه وسلسلتي وقعت هنا وهدور عليها
تصنعت أنها تبحث في الأرضية ثم قالت إليه ببرود :
هدخل أدور عليها جوه
لم تنتظر ودخلت للطرقة تبحث عن مبتغاها ثم خرجت تسأله بقلة حيلة :
هو أخوك مش هنا يمكن شافها ؟؟!
زفر سامر بتبرم وقال بضيق :
اخويا مش هنا و….
قاطعته بضحكة صاخبة وعلى حين غرة التفتت تصعد درج الطابق الثاني الخاص بغرفة النوم الرئيسية :
هطلع أدور عليها عندك أبوك وأنت روح قول لماما إني هستنى أسلم عليها أصلها وحشاني
ركض سامر خلفها يمسكها من عباءتها ويصيح :
امشي يا وليه يا حربايه أنتِ بره بيتنا بدل ما ألم عليكي الناس واقول بتسرقنا
تجمدت نسرين وهي تعيد ما قاله ” وليه !! ” وحرباء، صاحب ثامن سنوات يصفها بالحرباء !! .. قرصت وجنته بقوة جعلته يتأوه من فعتلها الغير متوقعة بالنسبة إليه:
مش عيب تقل ادبك على الكبير إنما هقول ايه طالع لأمك
دفع يدها بأكبر قوة لديه :
لما الكبير يحترم نفسه الصغير هيحترمه
جملة استماعها من عمه خليل حين جلس معه من فترة قصيرة رددها حتى وإن كان معناها لا يدركه جيداً… دفعته
بغيظ واكملت صعودها دون أن تعيره اهتمام، ولولا أنه خفيف الحركة وسريع البديهة، لكان اختل توازنه وسقط على الدرج، رأى أثرها وهي تختفي في الممر فأسرع يركض خارج المنزل بأقصى سرعة …..
؛************
قبل ربع ساعة في منزل جابر الذي وقف حيال ربيع يعنفه بغضب :
بنتي أنا تفكر تعمل فيها كده، وربي يا ربيع ما يكفيني عيلتك من كبيرها لصغيرها
انكمش بين حاجبي ربيع بذهول شديد لسبب الطريقة الهمجية لسالم والآن والده وهي تقف تبكي في الزاوية!! .. ما حدث لكل هذا ؟؟ هل هو أول شخص يتشاجر مع زوجته :
هو اللي عيلتي وكبير وصغير !!
نظر إلى سالم بعدم فهم وقال باستغراب :
هو أنت عمرك ما اتخانقت مع مراتك ؟؟
أجابه بسخرية لاذعة :
لا اتخانقت وزعلنا بس إني أحلق شعرها دي جديدة
لينهي جابر ما يحدث قبل أن ينفك براثين ابنه :
بقولك ايه يا بن الناس زي ما دخلنا بالمعروف نخرجـ…
هنا وطفح كيل ربيع وأفلتت زمام سيطرته على ضيقه منذ أن جاء يردها إلى منزلهم :
نخرج ايه هو انتوا هتعلقولي حبل المشنقة علشان بغير على مراتي
رمقها بغضب مستكملًا بانفعال :
قولت بدل المرة عشرة خدي بالك من طرحتك، يا بنتي لما تطلعي الشباك ولا البلكونه لفي الطرحه كويس، يا مي حرام شعرك يظهر وبرده مفيش فايده
دهش جابر من حديثه، فقد أعتقد أنه غضب لأجل ابنه وأراد معاقبتها على إهمالها وقال باستنكار وعدم تصديق :
طرحه!! ولا لما إبنك وقع ؟!!
: اضايقت لما ربيع وقع اه بس الحمدلله جات سليمة ولا هي أول واقعة ولا أخر مرة، أنا اتعصبت لما شوفتها واقفه بلبس مينفعش يتخرج بيه من باب الاوضة وشعرها سايح وراها
وأخيرًا نطقت تبرأ نفسها من اتهامه الساذج :
كنت بسرح شعري وسمعت صوت الولد بيعيط المفروض مني اعمل ايه غير اني رميت اللي ايدي وطلعت اجري
هز رأسه مرددًا بحنق :
وايه يعني لما اتعصب عليكي واعاتبك، شويه وراحوا لحالهم مفيش أي داعي أنك تسيبي بيتك
ردت عليه بجدية :
آه يبقا أنت مكنتش حاسس بنفسك عامل ازاي ولا سمعت أنت قولت ايه، فكان لازم اقعد استنى لما تطلع ويإما طلعت فهمتك غلط يإما تقصلي شعري
تطلع إليها لثوان ثم قال باقتضاب :
لينا بيت نكمل كلام فيه
ضحك سالم بخفة مغمغمًا باستغراب :
هي وكالة من غير بواب !! ولا مفكرها بهيمة من بهايمك !!
: يعني ايه ؟؟؟
رد جابر عليه ولكن تلك المرة بهدوء عكس عاصفته منذ قليل :
مي هتفضل عندنا لحد ما تهدى وتشوف هي عايزه ايه
نقل عينيه يتأملها وتسأل بترقب :
عايزه ايه !! هي وصلت أنها تفكر عايزه ايه ؟؟!
انتظر ردها تنفي الفكرة الواصلة إليه من أخيها ووالدها، توضح أنها تود الجلوس فترة تريح أعصابها مثلاً.. وليس للتفكير في قرار طلاقها ام الاستمرار، خاب أمله وهو يراها تحدج والدها دون أن تعطيه إجابة والتي وصلت إليه، هز رأسه برفق وهو يقول بلوم :
ماشي يا مي فكري عايزه تطلقي ولا لا
وقبل أن يخطو من أمامهم لمح ببصره دمعة حزن هبطت من مقلتيها، غادر وترك قلبه في منزل آل سويلم .. يمشي بلا هاوية، قلب مسلوب، وعقل مشغول، لِما تبكي وإن كان قرارها البُعد، هل الحبيب يرضى لقلبه الهجران ؟؟ أم أنه توهم بالقرب والبُعد هو الأساس!!
؛*************
ذكي هذا السامر والذي وصل إلى مكان دروس أخيه في وقت قياسي واقتحم الحصة بدون سابق انذار ينادي سالم، … أخذه ووقف جانباً بالخارج يهمس إليه وهو يلهث وأنفاسه متقطعة:
الولية نسرين دخلت البيت وطلعت اوضة بابا وهو نايم ولما بكرشها كانت هتشقطلني على السلم وبتقولي روح قول لأمك اني مستنيه تسلم عليها
كاد أن يركض ولكن لواجهة ستؤدي بحياتهم :
أنا هروح اقول لماما
قبض سالم على معصمه وسحبه خلفه بعجلة :
لا هنقول لجدو، أنا قابلته وهو رايح المصنع قبل الدرس
لم تكون المسافة بعيدة ولكن كفيلة بجعل أنفاسهم سريعة غير منتظمة .. استقام المعلم سالم وألقى نظارته الطبية على المكتب متسائلاً بقلق بعد أن اقتحاماه :
مالكم ؟؟ بتجروا كده ليه ؟!
دار حول مكتبه إليهما وهبط ليكون قبالة حفيده الذي سُمي على اسمه وهو يحكي إليه ما قاله أخاه… كلماتهما غير مرتبة ولكن مغزاها وصل، سألهما بتفكير وهدوء :
حد فيكم معاه مفتاح البيت ؟؟؟
هز سالم رأسه ووضع يده في جيبه سرواله يخرج مفتاحه :
ايوه أنا معايا بتاعي
التقطه المعلم سالم من يده وأشار إليهما بتحذير :
تقعدوا هنا لحد ما ارجع وإياكم حد يعرف الكلام ده
اتجه الإثنين إلى الأريكة الجلدية في أخر الغرفة، بينما أخذ مفاتيحه قائلاً بجمود :
فاهمين
حركا الاثنين رأسهما في صمت، فأغلق باب المكتب وطلب من أحد العمال أن يجلب إليهما عصير لحين عودته … توجه إلى غرفة تخص مرتضى ومساعده والذي لم يكن سوى سعد الذي غرق في نوم عميق بعد نوبة البكاء …
: ســـعد
هب واقفاً وتمتم برعب :
مقتلتوش مش أنا اللي قتلته
حدق به لبرهة غير مستوعب ما تفوه به هذا الأحمق، ثم تقدم منه يجره خلفه :
حساب نومك واللي أنت قتله بعدين
هزه بقوه ورفع المفتاح أمام عينيه محاولة لإفاقته من أحلامه الغبيه :
ده مفتاح بيت مرتضى عايزك تجري من هنا لهناك ومتوقفش غير على سرير مرتضى
تدلى فم سعد بذهول فصاح المعلم سالم بنفاذ صبر:
سمعت قولت ايه، العيال شافت نار ولعة جنب اوضتهم وطلعوا يجروا على هنا وابوهم نايم هناك
قبل أن يتحرك سعد عاد يمسكه من تلابيبه وهمس بوعيد :
ولو فتحت بوقك بكلمة لحد ما توصل أنا هرميك في النار بايدي
يفهم مدى سذاجة عقله وربما يحدث بلبلة وهو يركض وبدلاً من كتم السر سيفشى بالفضيحة … أشعل سعد فتيلته الداخلية وأخذ نفس عميق زفره وهو يسب العائلة في ركضه بسرعة كبيرة، لا يلتفت يميناً ولا يسارًا كل ما يهمه أن ينقذ نفسه تهديد عمه المتجبر،
وفي طريق خروجه من المصنع، بين نظرات الاستغراب والدهشة من العمال، ظهر سالم جابر وهو يدخل من البوابة والآخر يخرج بقوته، لم يتمهل سالم ورفع جلبابه ليظهر سرواله الأبيض وهو يركض خلفه بقلق :
بتجري كده ليه يالا، استنى يا سعد
ولا حياة لمن تنادي، وكأنه يطير لا يركض بتلك الطريقة، يتفحص الطريق بتمعن وقدمه تسبقه ومثله ابن عمه .. همهمات وتساؤلات من المارة والأهالي عن سبب ركض شابين من آل سويلم ؟!!
لهث بصوت مرتفع ووضع المفتاح في الباب بمشقة، متوتر تارة واعصابه غير متزنة تارة .. وأخيرًا نجح، فتح الباب على مصراعيه وقفز الدرج بمهارة ومن غيره يستطيع القفز بتلك المرونة وحياته لا يوجد بها سوى القفز هنا وهناك ….
لم يتوقف سالم بل صعد خلفه صحيح أنه لا يفهم ما يحدث ولكن هيئته أثارت القلق من شئ سئ يدور حوله وفي النهاية سعد ليس فقط ابن عمه بل أخيه الأصغر،
شهقت نسرين بفزع على اقتحام سعد للغرفة وهو يصيح :
حـــريــقه .. حـــريقـ؟؟
بتر صياحه وجحظت عينيه عندما تعلق بصره بمرتضى يعانق نسرين وكاد أن يقبل وجنتها ؟؟؟؟
؛************
بأنفاس متهدجة ودقات قلبه متسارعة تمتم بعدم تصديق:
لو هي دي الحريقة اللي عمي هيرميني فيها أنا موافق
رفسه سالم من الخلف بغضب شديد وانفعال :
يا حيوان مجريني وراك علشان تهزر
عندما سقط سعد أرضًا وضحت الرؤية أمامه، تسمر محله يحدج مرتضى بعدم استيعاب… صديقه يخون ابنة عمه وأخته في منزلها !! تطلع إلى نسرين وهي تحاول أن ترتب ملابسها وتضع الحجاب على شعرها بإهمال، عاد سعد يقف جواره دون أن يصدر من أحد كلمة واحدة، إلى أن بكت نسرين واردفت من بين بكائها :
هو.. الريس مرتضى اتهجم عليا، أنا كنت جايه اسلم على مها وقالي اطلعي فوق هتلاقيها
بكت بحرقة واستطردت بأسى:
لقيته جاي وقفل الباب وو
لم تكمل ووضعت وجهها بين يدها تشهق بصوت مرتفع لم يختفي إلا عندما ولج للغرفة متمتم بدهاء :
لا ملكش حق يا مرتضى
جف الدماء في عروقها على شخص لم تتمنى أبدا أن تراه الآن، شخص سيحول حياتها إلى جحيم إن كشف أمرها، كل من يعلم به يفقه جيداً الخطوط الحمراء المرسومة حول بناته، منطقة محظورة، حصن منيع … ولكن ها هي تقع في حفرة عميقة خططت أن تحفرها لابنته، اختفى الدمع في عينيها، وبهتت أحاسيسها، تلك النظرات المتفحصة والمراقبة تجعلها تريد أن تلقي بنفسها من الشرفة …. في حين ذلك لاحظ سالم مرتضى الجالس على الفراش يتأملها بشغف ويبتسم بلا وعي وكأنه في عالم اخر، فصاح يناديه بحده :
ما تتكلم يا مرتضى
دار برأسه يتطلع إليه للحظات ثم هتف بلهفة :
مها أنتِ جيتي
حاول النهوض ولكن اختل توازنه وجلس مجددًا، تمدد على الفراش وقال بنعاس :
كده تزعلي مودي حبيبك
ذهب لعالمه الجميل مع حب حياته في مزرعة خضراء واسعة، يركض خلفها وهي تضحك بنبرتها الرنانة، تجلجل قلبه في موضعه … ضحك مرتضى وهو يحلم غير مدرك بما يدور حوله، فنظر سالم إلى نسرين بشر وسألها بغضب :
ادتيه ايه ؟؟؟
هزت رأسها تنفي وفي لمح البصر كان يقف أمامها يزمجر بشراسة :
انطقي بدل ما اوريكي اللي عمرك ما شوفتيه
: لا يا سالم مش معقول تتعامل معها كده ومرتضى النايم في ملكوت تاني هو اللي اتهجم عليها
كان ينظر إليها بثبات ويرى ارتباك واضح على ملامحها، الخوف يتراقص على قسمات وجهها، وعينيها تفيض بالقلق والتوتر، سألها بهدوء مريب وهو يحرك قبضة عصاه الجلدية بين راحة كفه :
ولو مها كانت هنا كنتي قتلتيها صح ؟؟!
: هو أنا علشان غلبانه ومليش حد هتلبونسي نصيبه تسكتوني بيها
أشارت على الغارق في أحلامه مستكملة ببكاء :
هو اللي اتهجم عليا ومعرفش كان شارب ايه
ابتسم المعلم سالم بسمة صغيرة وغمغم بمكر :
وأنا مرضاش بالظلم أبدا يا نسرين
كاد أن ينفجر سالم في وجهها ويصفعها فأوقفه بصوته الحاد:
سالم، مش بنمد ايدنا على حريم
بعصبية مفرطه ردد سالم بانفعال :
مش سامع يا معلم الـ ** ” سبها بلفظ وقح ” بتقول ايه
أعطاه عمه نظرة جعلته يسيطر على نفسه ويعود يقف بجوار سعد الذي يتابع مع يحدث في سكون …
: من حظك ونصيبك إن مرتضى مركب كاميرات في كل البيت من جوه وبره علشان ولاده
شعرت بدوار حاد يعصف بها فأمسكت بحافة مقعد خلفها، بالفعل حظها أن تفشل في كيدها ونصيبها أن يرد الغل والحقد عليها :
هنستنى لما يفوق مرتضى ولو فعلا التسجيل ثبت اللي بتقوليه
صمت يراقب انتباهها ثم واصل بنبرة ارعبتها :
أوعدك هخليه عبره لكل مخلوق يفكر يخون ثقتي
جُن سالم للشك في أخلاق صديقه، لو رآه بعينه لكذب نفسه ولا يصدق أن يقوم مرتضى بالنظر بسوء لفتاة، حرك رأسه يمينًا ويسارًا مرددًا بغضب وحرقة :
ياعمي البت دي كذابة وبتلعب لعبة قذرة شبهها
أشار عليها من أسفل إلى أعلى متابعًا بسخرية :
وبعدين مش شايف خربوش ولا اي أثر للحصل
: يمكن حصل بلوتوث
قالها سعد بجدية وهو يرمق نسرين بتفكير فضحك المعلم سالم بخفة مرددًا بخبث :
أول مره تقول حاجه صح يا سعد
جف حلقها وهي تحاول بلع تلك الشوكة التي وقفت في جوفها، أنفاسها تتسارع وكأنها في سباق مع الموت … شحب وجهها الأصفر وهي تبكي بخوف حقيقي :
حرام عليكم تظلموني عشان مليش ضهر .. هو اعتدى عليا
اعتقل لسانها عن الحديث وهي تراه يقف بهيبته أمامها مردد بقتامة:
أو تعرفيني يا نسرين هتعرفي إن لا يمكن اظلم حد لو على موتي
أشار إلى سعد يأمره بصرامة :
بلغ والدتها تيجي هنا حالاً قبل خالها ما يكون وصل
أنهى جملته يحدقها ببسمة صغيره خبيثة، استقبلت نسرين كلمته بذكر خالها بزعر ورعب جلي … لطمت على وجنتيها وهدرت بارتعاب :
هيموتني .. هيقتلني خالي هيقتلني
ركضت والدتها على صوتها من أسفل الدرج ودلفت للغرفة على ما تهذي به !! نظرت حولها بريبه وهي تتقدم منها متسائلة بقلق :
خالك هيقتلك ليه ؟؟ عملتي ايه وايه جابك هنا ؟؟
لم تجيبها وصراخها يزداد فقال المعلم سالم باقتضاب :
نسرين بتقول أن مرتضى اعتدى عليها موضوع بسيط أن شاء الله وخالها هيحله
تطلعت والدة نسرين إلى ابنتها بذهول وعدم تصديق، الآن وضحت الرؤية وعلمت لِما وافقت على تلك الزيجة بسهولة على غير عادة من الرجال الذين تقدموا لخطبتها …
: سالم هيخدكم البيت عنده لحد خالها ما يجي و …
قاطعته برجاء وهي تتفحص نسرين بشر :
لا احنا مسامحين وهنمشي
هز رأسه ينفي متمتم بإصرار:
وتمشوا قبل ما كل واحد ياخد حقه
ابتسم سالم جابر بسخرية وهتف بحنق :
أنا مش هفضل واقف كتير، مش فاضي لمعاليكي
امسكتها والدتها تسحبها بحده غير مبالية بنحيبها … لا تصدق أنها تجرأت لفعل خدعة وقحة كتلك، لقد تخطت مرحلة الجنون وليس ببعيد أن تفكر في القتل أن ظلت حره طليقة شيطانها، ستسمع ما لا يسرها من أخيها عن تربيتها لفتاة لم تعلم معنى للأدب، والعفة، لا يجد الحياء درب للوصول إليها، وبعد كل هذا من الأفضل أن يعيد خالها تأسيسها من جديد أو يكسر عظامها ويصنع بهم مقعد إليه ….
؛*************
بعد مرور ساعتين تقريباً صف السيارة أمام الدرج الرخامي الخاص بمنزله، تقدم الحارس يأخذ منه المفتاح كي يدخلها في مكانها المخصص .. في الخلف هبطت كوثر بمساعدة موسى والجهة الأخرى ترجلت عليا وهي ترفع أناملها تلمس قلادتها، من حين لآخر تطمئن أنها تعانق عنقها خوفً من فقدنها …
: عارفه دي المره الكام تتأكدي أن السلسلة في رقبتك ؟!
تطلعت عليا إلى كوثر مردده باستغراب :
باين اوي كده ؟!!!
ابتسمت كوثر وسألتها باهتمام :
أول مرة أشوفك مهتمية بحاجه ؟؟ وأول مره برده أشوفها ؟؟
أنهت سؤالها تشير بعينها على القلادة، توسعت بسمة عليا وهمست بحب :
أول مره لأن عمرو هو ادهالي
تشنج جسد موسى وتجمد محله على الدرج، دام ينظر إليها وهي تصعد إلى بتعجب وضيق.. لم يراه أبدًا ولا حتى لاحظ وجودهما معًا، قفز الدرج الفاصل بينهم ومن ثمّ طلب من مساعدة والدته في المنزل أن تدخل بعد أن فتحت إليهم الباب … سد الطريق عليها واقفًا حيالها، وبحنق سألها وعينيه معلقه على القلادة :
شافك أمته أن شاء الله ؟؟؟ وايه مناسبة الزفته ؟؟
انكمش بين حاجبي كوثر من أسلوبه المنفعل وقالت بهدوء :
مش كده يا موسى
صاح بانفعال وهو يشيح بيده بنفاذ صبر :
أعمل ايه والهانم بتقول الهبل ده
ارتبكت عليا من طريقته التي لم تراها من قبل وهمست بتلعثم :
كان بيعتذر عن طريقته معايا أخر مره والسلسلة هدية منه
: يعتذر عن طريقته !!! ليه هو عمل ليه وأنا معرفش
زاغت بعينها بعيدًا عنه مردفه بتوتر من زلة لسانها :
محصلش حاجه هو في ايه يا ماما
ردت كوثر عليها وهي تربت على كتفها برفق، من هيئة موسى ارتكبت وهي والدته ما باله بتلك الطريقة تكون عليا :
مفيش يا حبيبتي اطلعي ارتاحي من السفر
على حين غرة قبض موسى على قلادة عليا قبل تتخطاه وجذبها بعنف يلقيها أرضًا يغمغم باحتدام والغضب يتراقص على ملامحه :
لأخر مره بقولك يا عليا تبعدي عن العيل ده لأن المره الجايه هتصرف تصرف مش هيعجبك
وضعت يدها على رقبتها تتحسس الفراغ الذي تسبب به، توسعت عينيها بغرابة تحدجه بعدم استيعاب لفعلته .. ترقرقت العبرات في عينيها وهي تطيل النظر إليه بعتاب ولوم ثم ركضت تصعد إلى غرفتها تاركه صدى صوت شهقاتها في الإرجاء ..
: أنت ازاي تعمل كده ؟! ومين سمحلك تتصرف معاها بالشكل ده ؟؟
قطب موسى جبينه باستغراب وهتف بسخرية :
وأنا هستنى مين يسمحلي اتصرف مع اختي ازاي يا أمي!!
واسترسل بكدر :
مش هقف اتفرج على حتت عيل بيضحك عليها ويستغلها
لم تعقب على حديثه ونظراتها تلاحقه فصاح بغيظ تزامنًا مع يديه تتحرك بعشوائية :
بالله عليكي ما تبصيلي كده وتحسسيني إني أجرمة لأني خايف عليها
تخطته ومالت تأخذ القلادة قائلة بحده :
مش هتكلم معاك دلوقتي لأنك تقريباً مش واخد بالك من أسلوبك
والتفت إليه برأسها مستكملة بجمود :
ولو فكرت تقف لأختك في أي حاجه هي عايزها أعرف أن أنا اللي هقفلك يا موسى، ومش علشان كتب كتابك تكون ضمنت هند
انكمشت تعابيره وهو يصيح كي يصل صوته إليها وهي تبتعد عنه :
وهي هند تتقارن بواحد زي ده أساساً ..
بتر حديثه فجأةً عندما فطن الرسالة الغامضة من كلمات والدته الاخيرة، تهدده باستمرار علاقته مع هند مقابل تلك السخافات، وأي ضمانات تلك وكأنها لا تعلم أن الحياة هي هند بالنسبة إليه… يأخذ الطريق منعطف لا يريد سلوكه مع والدته خاصةً، لن يتحمل أن تقف في وجهه وتضعه بين خيارين كل منهما اسوء من الآخر .. زفر بصوت مرتفع وفرك وجهه بتعب، ثم طلب من المساعدة أن تعد فنجان قهوة يحتاج إليه وبشدة، أخرج الورقة من محفظته وضعها أمامه بتركيز، وبعد تفكير عثر على الشخص المناسب …
ضغطت على شاشة هاتفه يبحث عن اسمه ثم أجرى اتصال به .. بعد التحية والسؤال عن الأحوال قال موسى باهتمام :
عايزك تخدمني وتعرف عنوانه مكان شغله يعني شوية معلومات بسيطة هو على حد علمي شغال في شركة انت بتروح مندوب فيها
أجابه الأخر بحفاوة :
ولو مش تباعها احنا نخدم موسى الاحمدي بعيونا، قول بس اسمه وبكره كل اللي قولته يكون عندك
: يونس ابراهيم الخولي
؛****************** بقلم حسناء محمد سويلم
بعد صلاة المغرب، طلب سالم جابر مقابلته قبل أن يذهب لوردية الليل في المصنع، رفع حاجبيه بتعجب من تجمع بنات عمه في هدوء ومن الواضح أن هناك اجتماع هام .. اقترب من عمه ومال بجزعه يهمس بكلمات مبهمة :
نشلتها من ايد خالها لما عرف بس شكلها كده من الأموات لما خدها في العربية مع عياله وأمها
دون أن ينظر إليه سأله باقتصار :
وابوك ؟؟؟
هز سالم رأسه وكأنه فهم السؤال فقد أخبر والده أن الأمر يخص عمه ولا يدري ما حدث، ثم هتف هو ينوي المغادرة:
أنا هروح الوردية مع سعد ومرتضى
انتبهت حواس مها مع ذكر اسم زوجها وتحفزت لحديثهم بلهفة وذلك ما أراده والدها الذي تمتم بذكاء :
بلغ سعد يكون مع مرتضى وأنت في المخازن بلاش كلكم في مكان واحد
ظل سالم محله يستوعب مغذى حديثه فنظر عمه إليه متسائلاً بحده :
في حاجه مش مفهومه في كلامي ؟! سعد يكون مع مرتضى
حرك سالم رأسه وقد أدرك أنه يريد سعد يبيت مع مرتضى الليلة، فهو لازال فاقد لوعيه يهلوس بسبب دواء الذي وضع في كوبين الشربات، ولا يفيق إلا دقائق يرى كل من يقف أمامه مها، يناديها بحب ولهفة ويعود للنوم مجددًا ….
: هو مرتضى هيبات في المصنع ؟؟
تمعن في وجهها يرى لهفة في اسمه وهي تنطقه، لو علمت ما حدث لكانت أحرقت الأخضر واليابس فوق رؤوسهم ولا يكفيها، ربما لن يستطيعوا إنقاذ نسرين من يدها إلا وهي جزئيين .. أبتسم بخفة يتذكر مرتضى وهو يناديها من أحلامه ثم قال كي لا يثير الريبة بداخلها :
آه هيبات هناك مع سعد وسالم وأنا قولتله أنك تستني انهارده معانا
وفر عليها الجدال كي لا تتصل به، ثم جال بنظر بينهم مردد بجدية :
بعد بكره في مزاد هيتعمل على أرض في أول البلد، والأرض دي مناسبة لينا كمخزن منفصل عن المصنع بدل ما يحصل زي يوم ما غرق والخسارة كانت اتنين مش واحده
تساءلت رحمه بتعجب :
وليه مزاد هي مستاهلة ؟؟!
جاوبها بسخرية :
واحد حب يتمنظر على أهل البلد وقال يعملوا مزاد بما أن في كام مشتري والعمدة رحب بالفكرة وزود عليها التوابل بتاعته
: كام مشتري ازاي ؟؟ واشمعنا الأرض دي يكون ليها كام مشتري ؟!!
كان السؤال تلك المرة من خيريه فأجاب عليها بتوضيح :
كام مشتري لان احنا وعمك عبده وعمك جابر وعزيز وصبري والحاج إسماعيل ورشدي مطاوع وسلطان وتقريباً نص بلدنا عايزنها
اعتلى التعجب ملامحهن بينما قالت هند بدهشة :
معقول تستاهل لكل ده !!
: اكيد فيها أثار
وضعت حسناء يدها على فمها بصدمة بما تفوهت هي كانت تفكر في عقلها ولم تشعر إلا عندما صاحت بها بعفوية .. ابتسم المعلم سالم بخفة وقال بتهكم :
تصدقي ممكن
واسترسل بتحدي وثقة :
فيها أثار فيها بلا أزرق الأرض دي مش هتطلع من تحت ايدي، ومعاكم من دلوقتي لبكره تشوفوا هتخدوها ازاي
” هتخدوها !! ” رددتها مها بعدم فهم، وكذلك ظهر الجهل على إخوتها .. بدهاء وحكمة أردف يوضح إليهن الأمر :
العمدة لما حد فكرة المصنع عقله هفه أن يعمل مزاد علشان كل واحد يروح بعياله الرجاله ويسيبوا الجيل الجديد هو اللي يتعامل واحنا نتفرج والشاطر يكسب
ابتسم بسمة جانبيه خبيثة :
قال يعني كده بيحرجني
أنهى جملته يقهقه على تفكيره الطفولي، حقا لا يدري كيف وافق والده عليه كزوج لأخته، ماذا رأى فيه ليقبل بوجوده وهو ما كان يجذبه عقل الرجل وهذا ينقصه العقل ….
: طيب واعمامي ؟؟؟
نظر إلى هند وسألها مستفسر عن سؤالها :
مالهم ؟؟ هما شايفين أنها هتكون مناسبة لمخزن ليهم برده، لكن ده مش هيمنع أن الأرض دي لازم تكون مِلك لينا
ابتسمت أمل وقالت ببساطه :
ده تحدي من المعلم سالم ذات نفسه
عقبت حسناء بعنجهية :
هو أصلا حد يعرف يتحدى المعلم سالم
ابتسم إليها واضاف بثقة :
ماشي يا بنت المعلم وروني شطارتكم
لفت انتباهه الجالسة بجوار حسناء تنظر للفراغ شاردة الذهن في عالم آخر منذ جلوسها، يراهن أنها لا تفقه ما يدور حولها فنادها بتفحص :
مالك يا مروه ؟؟؟
دارت تنظر إليه بانتباه مردده بخفوت :
الحمدلله كويسه
إذا كان لديه شك في هيئتها الآن تأكد منه، مروه تتحلى بالهدوء والصمت لابد أن المشكلة كبيرة للغاية، عاد يسألها بترقب :
متأكدة ؟؟ أنا موجود لو محتاجه تتكلمي
حدجته بنظرة طويلة تحمل الكثير وهمست بحب :
ربنا يخليك لينا يا بابا
دام يرمقها يراقب قسمات وجهها بثبات، يتمعن عينيها الزائغة وحركت يدها المرتبكة .. حتى أنها أوشكت على الانهيار وكأنه يستطع قرأة أفكارها ويكشف ما تخفيه عنه، ابتعدت بعينها تتطلع إلى حسناء وهي تهتف باحترام :
بابا بكره أنا ورحمه رايحين الجامعه نشوف ايه الناقص في ورقي وهي تدفع فلوس الترم ويعقوب رايح قريب من هناك بكره، وقالي أنه يوصلنا في طريقه لو حضرتك وافقت
أومأ إليها برفق وهو يخرج محفظته من جيب جلبابه، عد مبلغ من النقود ومعه بطاقة ائتمانية قدمهم إلى رحمه التي اخذتهما بحماس :
ماشي، خلي الفلوس والفيزا معاكم لو احتاجتوها علشان منساش
اعتلى على الباب الداخلي للمجلس صوت طرقات .. أشار إليهن بالدخول وتقدم يرى الطارق، ولج جابر ملقي التحية بوجه بشوش وخلفه عبده بملامحه المقتضبة، تركهما ودلف يطلب من صباح ضيافة ثم عاد إليهما..
: خير يا عبده وشك مقلوب ؟؟
رفع عبده حاجبه قائلاً بسخرية :
لا أبدا ابني مختفي من امبارح ومعرفش هو فين بس
هز رأسه وابتسم مرددًا ببرود :
آه بحسب حاجه مهمه
استشاط عبده بغيظ وكاد أن يهدر بما يكنه، فقال جابر بعجلة قبل أن يشتعل المجلس بهم من الاثنين :
أنا قولت لعبده أن محمود أكيد سافر يغير جو بس هو مش مقتنع
استند سالم بمرفقه على حافة المقعد ورفع يده أسفل ذقنه واصبعه السبابة على وجنته :
وجايبهولي أقنعه
فاض غضب عبده فصاح بانفعال وانزعاج من برود أعصابه :
لا مش جاي تقنعني لأني عارف ان محمود مش هيختفي غير علشان أنت وراها يا سالم، ده بدل ما تصلح زعيقك ليا امبارح قدام القريب والغريب ده أنت حتى معملتش اعتبار لسني وأنت ماسكني من هدومي
وقف جابر يعنفه بضيق :
ايه يا عبده أنت هتتعارك ولا ايه
أشاح بيده متمتم بتبرم :
اسكت يا جابر حكم لو سالم قالك ارمي نفسك في البحر مش هتفكر من أصله وهنلاقيك بتغرق
ضحك سالم باستهزاء وأمسك معصم جابر يجلسه :
اقعد يا جابر وسيبه يطلع اللي عنده
ومن ثمّ سأله بتهكم:
وايه كمان يا عبده ؟؟
كاد أن يفتح فمه ليتفاجأ به يقف يهدر بصوت غاضب تحول في ثوان :
أنا هعرف ارجع ابنك ازاي بس كلامك ده مش هعديه ومن بعدها محدش يدخلني في مشاكله
هتف جابر بعتاب يهدأ الوضع :
ايه الكلام ده يا ابو هند، هو احنا لينا غيرك
حدج المعلم سالم عبده وغمغم بسخرية لاذعة :
خلاص يا جابر كفايا كده
تقدم من عبده يربت على كتفه باستخفاف :
والمزاد هدخله من غير عيالك يا عبده
رماه بنظرة جعلت عبده يتوتر ويعود للخلف خطوة، تركهما في المجلس ودلف لمنزله .. بينما سأله جابر بعدم فهم :
سالم يقصد ايه ؟؟؟
رفع عبده كتفيه مردف بتفكير :
معرفش هو تقريباً الكلام وصله غلط
خروج الاثنين في البهو وجابر يسأله بريبه:
كلام ايه ؟؟ هو أنت هتنقطني ؟؟
: من يومين لقيت صبري مع الشيخ علي ومصطفي مدير الجمعية الزراعية وكذا حد كده بيتكلموا عن مزاد للأرض احنا عايزين نشتريها وأن المزاد هيخلوه للشباب الجيل الجديد ويشوفوا ابن مين طابع لابوه كلام فاضي يعني
نظر جابر إليه بشك :
بس ؟؟ وايه دخل كلامك بكلام سالم ؟؟
رد عبده بعفوية نابعة من داخله بصدق :
واحد قال كده الأرض هتكون لمين فيكم بما ان عيالي وابنك بيتحركوا مع سالم على طول رديت قولت كل واحد يجي بعياله من صلبه، وصبري قال أني مش هقدر أنفذ على عيالي وسالم هيجي بيهم قولتله لو كده سالم مش هيجي لأن خلفته بنات
جحظت عين جابر ووبخه بتجهم :
هو مفيش عندك مخ تفكر بيه قبل ما تتكلم يا عبده، صبري وقعك في الغلط لأنك مش بتفهم يا عبده
أشار عبده على نفسه وصاح بانزعاج :
وايه الغلط في اللي قولته
: الغلط مش اللي قولته، الغلط لما تسمح لحد يوقع بينا، من أمته وفي بينا ابني وابنك وأنت عارف ومتأكد أن سالم بيخاف ويعز عيالنا اكتر مننا، قال مزاد للجيل الجديد ده فضى وفشخره
تركه ورحل يستغفر الله بصوت عال، فلحقه عبده على مضض متجه إلى منزله حيث تنتظره المصائب يهمس بينه وبين نفسه :
حسبي الله ونعم الوكيل فيكي يا رحاب
؛**************
مر الليل بسكونه وازاح النهار الظلام بأشعة الشمس … في الصباح الباكر كعادته ينهي صلاته ويعد شطيرة مع كوب الشاي، يجلس في الشرفة يستمتع بنسمات الهواء النقية قبل أن يلتحم مع مهام يومه ويغادر لعمله … قرأ اسمه يعتلي شاشة هاتفه فأجاب قائلاً بمزاح :
طيب أنا صاحي علشان لو اتأخرت هيتخصم مني، أنت صاحي تخصم للناس في المصنع بقا
ضحك عامر وجاوبه متشدقًا :
لا وأنت الصادق مطبق من امبارح علشان في عطل في مكنة التغليف
ارتشف يونس من كوب الشاي وهتف بضجر :
يعني شغال في شركة مش مرتاح ولا صاحب مصانع مرتاح
: مجتش كتب الكتاب ليه ؟؟
كان ينتظر ذلك السؤال منذ بداية المكالمة، تنفس بصوت مسموع وقال بملل :
حجة كل مره اللي أبويا اعتمدها معايا كل ما سيرة البلد تيجي
رد عامر عليه باستغراب :
لحد أمته ؟؟
حرك يونس الكوب بين يديه وهتف باستياء وهو يشعر بالواقف خلف باب الشرفة يختلس السمع لحواره :
مش عارف ومش هيهمني غير صحة أبويا ولو البلد هتيجي عليه بلاها، أنا مليش غيره يا عامر ومش هقدر اكون سبب في تعبه بعد العمر ده
لم يفهم عامر سبب تغير تفكيره والتي كانت لمبتغى يونس، وبالفعل عندما اطمئن ابراهيم وضمن قراره والذي لم يكون سوى لصالحه من وجهة نظره تحرك يبتعد عن الشرفة يجلس أمام التلفاز وبسمة نصر تعتلي شفتيه … عكس يونس الذي أغلق المكالمة مع عامر وظل يحدق في السماء بضيق يحتل صدره، يشعر بالتشتت والحيرة ولا يقدر على أخذ قرار ينقذه من صراع شب بداخله، ولا يعلم لِما الإصرار العجيب لإبعاد والده عن القرية بمن فيها..
اعتقد أنه يتمكن من طي الصفحات القديمة ولا يفهم أن الحاضر والمستقبل يبنى على سطور الماضي
؛***********
رتبت حجابها عندما رأت سيارته تقترب منهما، فضحكت رحمه باستخفاف وهي تهز رأسها بملل .. نظرت إليها حسناء وسألتها بعدم فهم :
في ايه ؟؟
رمقتها بطرف عينيها مردده بسأم :
هو كان لازم يوصلنا، مش هاخد راحتي معاكم
ردت عليها بصوت منخفض لوقوف السيارة أمامهما:
تخدي راحتك ايه هو احنا رايحين نتفسح
صعدت في المقعد الخلفي وهي تلقي التحية بحياء وبجانبها رحمه، ابتسم يعقوب ورد عليها السلام وهو يتطلع إلى انعكاس صورتها في المرآه … اخترق أنفها عطره النفاذ، رفعت بنيتها تعطي نفسها فرصة لتأمله، يرتدي جلباب رمادي غامق يتناسب مع جسده بامتياز، شعره مصفف بعناية وكأنه رسم خصلة خصلة، لحيته مهندمه، طلته الجذابة خطفة أنفاسها ولم تلاحظ أنه يراقب نظراتها إليه.. وعندما انتبهت إلى عينيه الثاقبة مثبته عليها في المرآه دارت بوجهها المكسو بحمرة الخجل لجهة الطريق …
: هتتأخروا ؟؟
ردت رحمه عليه بتسرع :
ممكن، متشغلش بالك وارجع أنت مش عايزين نتعبك
حرك رأسه مغمغم بجدية :
مفيش تعب أنا هكلم حسناء لما اخلص مشواري ولو مخلصتوش هستنى قدام مجمع الكلية عند البوابة الرئيسية
زفرت وهي تهبط تبرطم بحديث غير مفهوم، وقفت حسناء جوارها وتحركت معها لداخل الجامعة متعجبة من ضيقها لوجود يعقوب، فلا داعي لكل هذا التبرم وهو يوصلهم بسيارته فقط ….
؛**************
في منزل المعلم سالم بالتحديد داخل البهو، وقف شاب يصافح المعلم سالم مردد بحفاوة :
كان نفسي اتعرف على حضرتك من زمان
أشار إليه المعلم سالم لداخل مجلسه بترحاب :
اتفضل نكمل كلامنا جوه
: معلش وقت تاني لأن يدوب ارجع تاني قبل معاد شغلي، كنت جاي لحضرتك في طلب واتمنى مترفضش
عقد المعلم سالم جبينه باستفهام :
اكيد لو في أيدي مش متأخر
استرسل الشاب برجاء :
جدتي فهيمه كانت جارت الحاجه مبروكه الله يرحمها ومن وقت وفاة والدي اخدنها تعيش معانا، لكن هي دلوقتي تعبانه والدكاتره قالوا إنها في أيامها الاخيره، من وقتها وهي ملهاش سيرة غير أنها عايزه تتكلم مع سالم سويلم قبل ما تموت أنا لو أقدر كنت جبتها في عربية بس صحتها ..
قاطعه يسأله باهتمام :
أنا أروح لحد عندها، بس ايه اللي فكرها بيا بعد السنين دي ؟؟ انتوا نقلين من زمان تقريبا اكتر من ١٢ سنه !!
هز الشاب رأسه يؤيد حديثه :
هي مش راضيه تقول لحد فينا والفهمته أنها عايزه تبرأ نفسها من سر قالته مبروكه ليها زمان
” سر !! ” قبل أن تلفظ مبروكه أنفاسها الأخيرة وردت أن تخبره بشئ لكن أمر الله نفذ، أخذ الورقة المدون بها عنوانهم الجديد وأخبره أنه بالغد سيتحرك إلى واجتهم دون تأخير … ابتسم بسخرية وهو يجلس في المجلس يفكر في طريقة بهرب بها من ألغاز الحياة، أوشك على الانفجار ولن يتحمل أكثر مما يحدث، وكأن الراحة اجزمت أن تفر منه كلما اقترب منها، أخذ نفس عميق يخرجه ببطيء محاولاً الاسترخاء، ما أن فتح فمه ينادي نجاة يطلب كوب نعناع استمع لصراخ ميادة وهي تقتحم المجلس تستغيث به :
بنتي يا عمي سالم مش لقينها، هاجر مش لقينها
لوى جانب فمه ببسمة جانبيه حتى كوب النعناع حرم منه، وجد عبده يدخل بوجه شاحب والقلق يتفشى في عينيه :
البت اختفت زي أبوها، قلبنا عليها البيت
هتفت ميادة من بين دموعها :
راغب قالي أنها كانت عايزه تطلع تدور على محمود صفق عبده بحده وهدر بشر :
محمود على أبو محمود ده كان يوم أسود يوم جه
: والله ما في أسود من معرفتكم
قالها المعلم سالم باقتضاب وهو يمسك رأسه، ثم أستغفر الله بصوت مسموع إليهم وأخرج هاتفه يتصل على أحد رجاله يطلب منه أن يجمع عدد من الرجال ويبحثون عن الصغيرة ..
؛*************
بعد ساعة ونصف تقريباً وقفت حسناء عاقدة ذراعيها بامتعاض، انتهت منذ نصف ساعة وتمشي خلفها تصافح هذه وتتسامر مع تلك ..
: تعالي هسلم على رنا ونمشي
تسمرت حسناء محلها بدهشة :
رنا مين ؟؟
اعتقدت أن الاسم متشابه معها، أو بالأصح تمنت أن تكون رنا أخرى .. توسعت عينيها وهي ترى اختها تقترب من طاولة تابعه لإحدى المقاهي الموجودة أمام البوابة الرئيسية للجامعة، تجلس رنا بأريحية وينضم إليها شبان هيئتم لا تبشر بالخير قط .. ببطيء شديد اقتربت منها ونادت رحمه بخفوت، فنظرت الأخرى إليها قائلة بلا اكتراث:
تعالي يا حسناء اقعدي
تجمدت محلها وهي ترى عيون الشبان تعلقت عليها بجرأة، اضطربت بشكل ملحوظ وكأن أحد جردها من ملابسها بنظراتهما المتفحصة، ومع أنها ترتدي عباءة سوداء طبقتين ذات تصميم خليجي لا تشف وفضفاضة إلا أنها شعرت بالتوتر .. فكرت أن تبتعد وتنتظرها تنتهي من تلك الجلسة المروعة لكنها شعرت بالخوف من كونها بمفردها معهم، بخطوات مترددة تقدمت وسحبت مقعد تجلس جوراها مردفه بتلجلج :
احنا اتأخرنا
ردت عليها رنا ببسمة واسعة :
اتأخرتوا ايه هو أنا لحقت اقعد مع رحمه دي وحشاني خالص
تطلعت حسناء إلى رنا باشمئزاز، ترتدي ملابس تصف كل تفاصيل جسدها بتقزز، وقطعة قماش شفاف فوق خصلاتها تسمى حجاب يظهر عنقها وأقراطها الملونة !! ووجهها لوحة لم تخلو من لون إلا وضعته بها، كل هذا لم تبالي به … لكن هذان الشبان من المفترض أنهما من جنس الرجال، لكن ذلك السروال الضيق والمملوء بفتحات من كل جهة، والقلادة المزخرفة، ويلوك العلكة بطريقة تقودها للغثيان، هل يعلما معنى الرجولة أم أنهما نوع أخر …
: اتفضلي العصير
أخفضت رأسها مردده باقتصار :
شكرًا
ونظرت إلى رحمه بضيق :
قومي ياله
وعلى حين غرة شعرت بسهام حارقة تأتيها من عيون تتيقن صاحبها، أغمضت عينيها تدعي بأن يخيب ظنها ثم فتحتهما وهي تدور للخلف بصعوبة … بلعت لعابها وقد وقعت عينيها عليه وهو يحدجها بشر من نافذة سيارته، لا تعلم كيف شعرت به ولكن ربما لهيب غضبه وصل إليها يلتهمها قبله، وقفت بفزع عندما ترجل من سيارته يتقدم إليهم وكلما اقترب بدت تعابيره المخيفة أكثر وضوحاً ….
؛************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى