رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم حسناء محمد
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الحادي والأربعون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الحادي والأربعون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الحادية والأربعون
مر أسبوع سريعًا دون جديد .. لازال يمكث وحده في الشقة الأرضية، رافض تمامًا انضمام احداهن إليه، تكفل بخدمة نفسه لأول مرة في حياته وفي منزله ثلاث زوجات استاءت من فشل كل الطرق لجعله يصعد إلى أحد الطوابق أو حتى يقبل بمكوث واحده منهن معه..
في الصباح الباكر من يوم الجمعة، هبطت صباح تفتح النوافذ وشغلت إذاعة القرآن الكريم بصوت مرتفع.. ثم دخلت للمطبخ تخرج كل ما يلزم لتجهيز وجبة الغذاء للتجمع العائلي، والذي سيكون بعده عقد قران خلود وإتمام خطبة سمر وخيريه .. وقفت تنظر للخضروات واللحوم كي تدون ما ينقص وترسله إلى الصبي الذي يجلب إليهم طلبات المنزل، ومن ثمّ صعدت لشقتها توقظ الفتيات ليتناولن الإفطار ويهبطن يساعدونها،
حينما شعر بها صعدت خرج من الغرفة متجه للمطبخ، بدأ يحضر كوب شاي وبجانبه بعض قطع من المخبوزات التي تأتي إليه كل يوم خصيصًا لطلبه من مخبز في المدينة المجاورة للقرية .. دلف للمكتب وأغلق الباب كي لا يشعروا بوجوده إذا هبطوا أثناء تناوله وجبته الخفيفة التي أصبحت روتنيه كل يوم من أسبوع،
؛*******
في عزبة عزب
جر أقدامه بوهن وهو يفتح عينيه بنعاس، حدق بالساعة التي تعلن عن السابعة والربع بتعجب، من يأتي في مثل هذا الوقت ؟! ابتسم بسخرية وهو يتذكر من في الأساس سيأتي لزيارته سوى المصائب..
: أم منير !!!
دفعته بحده وهي تدخل للمنزل بتعب :
ياخويا وسع دا مشوار يقطع النفس
وضعت حقيبة تبدو ثقيلة على الطاولة الكبيرة وهي تجول في المكان بانبهار :
ده طلعت سرايا بجد مش كلام
ثم حدقت بمن يرمقها بفاهه مفتوح واستكملت بحنق :
اخص عليك طلعت واطي وقليل الأصل، مسألتش عليا بعد ما جيت هنا مع أمك والعيال
سار خطوتين وألقى نفسه على الأريكة متمتم باستياء :
هتصدقيني لو قولتلك إني عامل زي الطور اللي بيلف في ساقيه، ولا عارف أقف ولا الساقيه ليها أخر
ضحكت وهي تخرج إناء من الحقيبة:
طور ايه قول كتكوت غرقان في شبر مايه
واسترسلت وهي تضع إناء أخر على الطاولة:
قوم تعالى كُلك لقمة، المحشي لسا سخن
: محشي الساعة سبعة الصبح يا أم منير !!
رمقته بطرف عينها وهي تهتف بتهكم :
هو أنت لاقي العيش الحاف
بلع لعابه الذي سال على الرائحة الشهية التي ملأت المكان، نهض وسحب مقعد أمام الطاولة، ثم أمسك الطبق يستنشق بخاره الساخن بتلذذ وشرع في تناول محتواه وهو يهمهم باشتهاء .. تمصص شفتيه وسحب الإناء أمامه يأكل منه بعد أن أنهى الطبق، فقالت أم منير بنبرة متهكمة:
سيب شوية للعيال أحسن الحلة بتتشفط
لم يرد عليها من امتلأ فمه بالطعام فقد أوشك على بلعه دون أن يمضغ .. أسند ظهره على المقعد واغلق الإناء بغطائه وهو يتمتم بثقل :
مكنتش حاسس اني جعان كده
: اومال لو حسيت كنت كلتني؟!
سألته بجدية وهي تضع يدها أسفل ذقنها، فقال مبتسمًا بامتنان :
تسلم ايدك من حلاوته مقدرش أقاوم
ابتسمت بزهو ومن ثمّ نقلت نظرها حولها متسائلة بفضول:
وأنت بتعمل في البيت الكبير ده ؟! شكله ولا كأنه مهجور من ١٠٠ سنه مش من كام شهر!!
: لا هو كئيب حتى لما أصحابه كانوا فيه، تحسيه مغارة قلبك يتقبض لما تدخليه
زفر بملل مستكملًا بقلة حيلة:
لكن هعمل ايه لازم ارجع ليه لحد ما أشوف هتصرف ازاي
صمتت أم منير لحظات واضافت بتفكير :
ما تروح للمعلم سالم يمكن يلاقي حل ويساعدك
هز رأسه بالنفي مردفًا باقتضاب:
أروح أقوله ساعد أمي اللي كانت سبب في كوارث ليه ولعيلته، ولا اطلب منه فلوس تاني وأنا مرجعتش القديم
قالت وهي تقف مستعدة لتغادر :
أنت غلطان كنت خليت أمك في المستوصف لحد ما تجمعلك قرشين واهي هتلاقي اللي يراعيها والعيال كانوا رجعوا معايا بيتي بدل ما أقعد لوحدي واديك بتروح المصنع الصبح وترجع أخر النهار تخدهم، إنما قعدتك في عزبة عزب لا هيقدم ولا يأخر
ود أن يصارحها بالحقيقة التي زفتها إليه العاملة بالمستوصف، لكن لم يتوقع ردة فعلها وفي كل الأحوال لا يريد خسارة معرفتها … في النهاية لن تستمر علاقته بأحد إذا علم بكذب هاديه وأنها تستطع التحدث، وهذا يعني أن المؤامرات والمكائد لن تنتهي بعد !!
: أنا همشي ولو رجعت المصنع عرفني أعلمك لقمة ليك وللعيال، بس متنساش أنا رجعت بيتي
أومأ إليها بالموافقة ثم انتظر خروجها من البهو وأغلق الباب .. ما أن دار بجسده انتفض بفزع وهو يرى سيف يجلس محله يأكل من الإناء برغبة، حدق حوله بدهشة غير مستوعب كيف دخل إلى المنزل في وجودهم!! وكيف لم يشعروا به!!
هرع باتجاهه وامسكه من تلابيب قميصه بعنف :
أنت بتعمل ايه هنا؟؟! ودخلت ازاي؟؟
استطرد وهو يأخذ الإناء من أمامه يخبئه خلفه :
مالك ومال الحله!! وهي اي حاجه قدامك تاكل منها
ضيق سيف بين حاجبيه وتمتم بكدر وفمه ممتلئ بالطعام:
ما تفكها غلى غيرك زي ما ربنا فكها عليك ولقيت تاكل
قبل أن يرد عليه نهض وأخذ الإناء عنوة مستكملًا بضيق:
بقالي ١٠ أيام عايش على العيش الناشف اللي معرفش مصدره ايه أصلا في البدروم
حدجه عمر بعدم تصديق مردفًا باستغراب:
أنت كنت قاعد في البدروم!!
ابتسم بسخرية وقال بنبرة ساخرة تكسوها الخذلان:
وأنا عندي مكان تاني اروحه، فكرتك جاي ترجعلي لوجينا وقولت استنى لحد ما تزهق وتمشي بس شكلك مطول
: آه يا واطي مش كفايا حياتي ادمرت بسببكم، كمان جاي ترميلي بنت أخوك عشان تعيش حياتك
قالها عمر بانفعال وهو يقبض على ياقته بقوة، مكث الآخر يرمقه ببرود، بلع ما في فمه بهدوء وهتف بلامبالاة:
وفعلاً بعيش حياتي الوردي زي ما أنت شايف
استسلم سيف إليه وهو يسحبه من الياقة ويهدر بغيظ :
مليش فيه يا أبو دم خفيف وردي ولا سوده ميخصنيش، بنت أخوك تلزمك كفايا اللي أنا فيه
رفع سيف كتفيه ببراءة مردفًا بقلة حيلة:
كان على عيني الواحدة بس أنا مش لاقي أكل عشان أخد عيله تشحطت معايا على السكك
ضحك عمر باستهزاء قائلاً بحنق :
ايه ده دا أنت عند دم بجد وبتحس بغيرك أهو
أبعد سيف يده ثم نظر إليه وهتف بجدية :
عمر أنا في الشارع ومش لاقي لقمة بجد، زي زيك رجعت هنا لأني مفيش غيره، ساعدني وسيب لوجينا تعيش مع أخوتها لحد ليلى ما تطلع من المستشفى
: وأنا مين يا ساعدني ؟!!
سأله باستهجان مسترسل تساؤلاته بانزعاج :
مين هيراعي أمي؟! وهجيب منين علاجها لما قعدت من الشغل ؟؟ واجيب فلوس منين ناكل حتى!!
صمت لبرهة يستجمع أفكاره بصدمه انتابته وهو يتذكر شئ ما :
سيف أنت اللي زورت أمي في المستوصف ؟؟!
قطب سيف جبينه باستفهام مغمغمًا بعدم فهم:
مستوصف ايه ؟! أنا مشفتش هاديه من يوم ما أبويا دخل السجن مع عز
دقق في تعابيره بشك، تصوره الشخص الذي لم تعرفه العاملة والتي تحدثت معه هاديه.. توسل إليها بأن ترد عليه وتخبره بما تخفيه لكن لم يجد منها سوى الصمت ونظرات عجز عن تفسيرها،
: محدش هيوافق يشغلني لا في العزبة ولا حواليها، أرجع للمعلم سالم واشتغل أنت وأنا أقعد في البيت مع أمك والعيال
ضيق عمر عينيه باستنكار مردد باقتضاب :
أنت واعي بتقول ايه، ولا جايب الثقة دي منين
لا يملك مال ولا يستطيع التصرف في بيع أي أملاك لفترة طويلة حتى تنتهي الإجراءات القانونية في إنهاء الاعلان الوراثي، رفض جلي في أعين جميع من حوله ونفور بَيّنِ لوجوده معهم والذي وضح مؤخرًا بعد موت عز أو بالمعنى الدقيق انتهى عصر الرهبة والخوف من آل عزب .. بدى الإصرار في لهجته وهو يعيد فكرته :
فكر فيها كويس إحنا الاتنين محتاجين نساعد بعض
ما باليد حيلة ولن يحدث أسوأ من موقفه الآن .. حدقه بوجوم وصعد لغرفة والدته يعطيها علاجها، ظل يفكر في التراجع عن قراره ومكوث سيف معهم بعد أن أجزم بإخراج كل ما يربطه بتلك العائلة.. وماذا إن كان هناك مخطط يدور حوله خلسة وهو كفيف عنه؟! وكيف يستعيد الثقة في والدته مع عودة سيف!!
جلس بجانب فراشها يتأملها باستياء، فقد الأمل في العيش كإنسان طبيعي يمر يومه بهدوء .. وعلى صعيد آخر يمتلكه شعور يخبره بأن حديث العاملة به خلل، فما تراه عينه غير ما سرد إليه تمامًا!! بعد ربع ساعة حسم الأمر وخرج يبحث عن سيف ليتفق معه على عدة شروط إذا استمر في الجلوس معهم، وما كانت تلك الشروط بالطبع لن يعترض عليها الثاني مع توفير مأوى وطعام.
؛*************
الساعة العاشرة
بدأوا نساء العائلة يتوافدون على منزل المعلم سالم، وأولهم كانت زينب وخلود ونيره ومن ثمّ نساء منزل عبده وبعدها دولت وريهام وزوجة معتصم .. قام ربيع بتوصيل مي لتكون بصحبتهم باكرًا كما اتفقت صباح معهم، وطلبت من نجاة بأن تجهز طابقها للعرائس لينتظرن به بعيدًا عن الضجة القائمة في باقي المنزل،
في البهو جلس جابر بصحبة عبده الذي قال بتبرم :
يعني هو المشوار ده مكنش اتأجل يوم تاني
عقد جابر جبينه باستغراب وردد بهدوء :
وأنت ايه مضايقك!! عادي أكيد أبو هند عامل حسابه يرجع على صلاة الجمعة
لم يُعقب عبده فهو يصف جابر بمحامي دفاع خاص بالمعلم سالم، يبرر كل شيء لصالحه دون أن يخطئ مرة ويظهر اعتراضه، وأن اعترض عبده كعادته يقف في طريقه ويصده .. تقدم سعد منهم بوجه عابس وتخطاهم دون أن يلقي التحية، تعجب جابر منه وهتف متسائلاً بدهشة:
ابنك ماله ؟؟ هو مش شيفنا ولا ايه ؟!
حرك عبده رأسه بلا اهتمام مردد بحنق :
أنا أعرف هو قالب سحنته من أسبوع ليه، دا أنا نزلت سحر تحت ومستحمل مناهدة رحاب وسبتله الشقة قولت يمكن زعلان عشان مش زي أخواته، يولع بقا ولا يفضل مقموص
صمت جابر لحظات ثم قال مبتسمًا:
لا دا اظاهر الكلمتين وجوعه مش زي كل مرة
: كلمتين ايه ؟!
تسأل عبده بعدم فهم فهتف جابر بتشفي :
أخر مرة كان عندي سالم أخوك مسكه غسله معرفش ليه بس سمعله كلمتين محترمين
على حين غرة اندفع سعد من خلفهم ومال بجسده إلى أن أصبحت رأسه بينهما وأردف بعتاب :
اخص عليك يا جابر وأنا اللي بقول عليك أنت اللي فيهم
فز عبده من جلسته وهدر بحده :
وقفت قلبي إلهي يوعدك بعيل يعمل فيك اللي بتعلمه
ضحك جابر مغمغمًا بلوم وهو يرمق سعد بخشية :
ياخي إحنا عارفين نعيش مع واحد لما يكونوا اتنين
وضع سعد يده على موضع قلبه مصطنع الألم وهو يردف بحزن:
حرجتني في قلبي يا جابر ومش مسمحك
دار عبده يبحث عن شئ يقذفه به، فركض سعد لداخل المنزل وصعد للطابق الثاني حيث أخبرته مروه بوجودهم كي يعطوه إيصال يستلم به شحنة خاص بهم من مكتب توصيل ..
؛***********
في مركز طبي خاص بالإنجاب، جلس المعلم سالم في غرفة الانتظار منذ ربع ساعة كفيلة بجعل القلق يتراقص على أوتار قلبه .. وفي خلال الخمس عشرة دقيقة هاتفته هند ما يقارب ست مرات تتأكد إذا خرجت نتائج فحوصاتها وذلك ما خشيه لتقبلها للتقارير، دخل موسى بعد أن انتهى من فحوصاته للتو لينتظر هو الآخر النتيجة فقال المعلم سالم مستفسرًا:
قالولك النتيجة هتطلع بعد قد ايه؟!
: ربع ساعة
شعر بالتوجس فقد جلس ما يقارب ثلث ساعة وفي الأساس هند أتمت تلك الفحوصات أمس فكان من المفترض أن يأتي ويستلمها دون أن ينتظر إذا كانت طبيعية .. مسح وجهه متمنياً أن يخيب ظنه، لن تتقبل ابنته نسبة ضئيلة من وجود شك في إنجابها، وهو لن يتحمل رؤيتها تنهزم بمرارة الحزن مجددًا.. أمسك الهاتف بين يده يقرأ اسمها بشفقة على حالها، تريد الاطمئنان بأي وسيلة لتكذيب حدسها، أبغض شعور ينتابه وهو يقف مكتوف اليدين ويرى عزيز على قلبه يتألم ..
استقام في وقفته والممرضة تدلف ممسكة بعض الأوراق قدمتها إليه وهي تقول برسمية :
اتفضل التحاليل وبعتذر على التأخير، نتيجة واحد منهم كانت لسا مطلعتش
أمسكها بحذر وكأنها زجاج رهيف سينكسر بين قبضته، وبقلق واضح في نبرته سألها بقلق :
فيها ايه ؟؟!
ابتسمت الممرضة مردفه بمزاح :
ولا حاجه كلهم زي الفل بس بنت حضرتك هي اللي قلوقة زياده وحبت توتركم معاها
واستكملت وهي تنظر إلى موسى :
والعريس برده إن شاء الله تحاليله مفيهاش حاجه
: مش مهم ده
قالها المعلم سالم بتلقائية وهو يطلب منها بشك:
ممكن أقابل الدكتورة اللي كانت موجودة امبارح
هزت رأسها بتأكيد وأشارت إليه بأن يتبعها إلى غرفة الطبيبة، أشار موسى على نفسه مردد باستنكار :
أنا مش مهم!!
جلس بملل خمس دقائق حتى عودة المعلم سالم وعلى وجهه معالم الراحة عكس خروجه .. قدم إليه نسخة النتائج مغمغمًا بهدوء:
أمسك نتيجة التحاليل
: أعمل بيها ايه ؟! هند هتحتاج تتأكد بنفسها منها
نظر إليه بسخرية وهتف بنفاذ صبر:
خليتها تكلم الدكتورة يمكن ترتاح لحد ما أرجع
أبتسم موسى بتودد متسائلاً بلهفة :
طيب وكده هنكتب الكتاب أمته ؟؟!
أراد أن يتلف أعصابه فصمت لبرهة وتمتم بخبث:
وأنت إيه عرفك رأيها فيك أصلا
” أصلا!!! ” رددها موسى بدهشة ومن ثمّ تسأل بوجوم:
اومال أنا بعمل هنا ايه؟! وايه لازمة التحاليل دي بقا!!
: مزاجها
كبت غيظه كي لا يفقد أعصابه أمام الاستفزاز المتعرض إليه.. مر الوقت وعادت الممرضة وهي مبتسمة بثقة لصحة حديثها وأن النتيجة طبيعية مثل هند، أخذ المعلم نسخة من النتيجة وخرجا سويا متجهين للقرية .. لبث موسى يفكر في بدأ الحديث مرة أخرى لعله يفهم ما الخطوة الجديدة التي ستضعها هند :
وكده أقدر أفهم ايه الجديد علشان أكون مستعد بس؟!
أكمل طريقه وهو يرد عليه بجدية :
مقدرش أحكم هي بتفكر في ايه يثبت ليها الأمان
واسترسل موضحًا بهدوء:
مادام قررت تدخل في حياتها في الوقت ده يبقا تشيل شيلتك وشيلة غيرك لحد تقدر تثق في نفسها وفيك
ابتسم موسى بمكر مغمغم بدهاء :
يبقا نكتب الكتاب
حدجه شزرًا وردد بضجر :
شوف أنا بقول ايه وأنت معلق عليه ايه
اتجه إلى سيارته حيث ينتظره مرتضى مسترسل بعبث :
وبعدين مش لما أشوف حد من اعمامك الخمسه جاي يطلب ايدها
صعد للسيارة وتركه يقف محله، أشعل مرتضى المقود وتحرك باتجاه القرية، فإذا أراد المعلم سالم الذهاب إلى أي مكان لا يريد أحد بمعرفته يأخذ مرتضى .. لا يتدخل فيما لا يعنيه، ولا يسأل عن شيء إلا إذا وجه إليه الحديث، غير ذلك يحفظ خصوصية الأمور وكأنه بئر عميق لا يدري أحد عما بداخله .. اتبعهما موسى وهو يصعد إلى سيارته، تلك المرة أخذ الحديث لصالحه وفصل في عدم تضيع وجوده في القرية إلا وقد حصل على مبتغاه لا محال.
؛************* بقلم حسناء محمد سويلم
دوَّى أصوات مكبرات المساجد تأهب إلى بدأ صلاة الجمعة، وضعت نجاة أخر لمسات على أطباق الحلويات ثم أغلقت الغرفة وخرجت مع باقي النساء .. بدأ الهدوء يعم مع انتهائهم من تجهيز المائدين الخاصة بالنساء والرجال،
: خلاص طالما شايف أنه عادي
رد عليها بجفاء يقتصر المكالمة الهاتفية:
ماشي هروح اتوضى علشان ألحق مكان في المسجد
أغلقت الهاتف ووضعته بجوارها وهي تفكر بشرود في تغير أسلوبه منذ فترة وجيزة… انتبهت مروه أنها شارده فسألتها بأهمية :
ما بلاش تضغطي عليه في حوار أخته يمكن اضايق؟؟
رفعت أمل حاجبيها بدهشة وأردفت باستغراب :
مين يضايق!! أنا اللي اتفاجأة بخطوبة أخته بعد أسبوع ولا هو !!
واستطردت بحيره :
لا وبيقولي إن عادي أخته تتخطب وينسى يعرفني
نظرت مروه إليها وهي تقول بريبه :
لا بصراحه هو اللي يحير ومش مفهوم إصرارهم على موفقتي وبعد موافق محدش يتكلم ولا يخدوا خطوة جد
دخلت رحمه فجأةً وهي تهتف بسأم :
أنا مش عارفه ايه الأڤورة دي ولا كأن اول مرة العيلة تتغدى عندنا يوم الجمعة
رمقتها مروه بسخرية ونهضت تأخذ ملابسها من الخزانة:
ما تروحي تقعدي مع حماتك بدل ما كله مش طايقها كده
ضحكت أمل بخفوت متمتمه بمزاح :
الست دي عندها قدرة على التجاهل رهيبة، أنا لو منها وشوفت حد بيبصلي كده ممكن مطلعش باقي عمري
أضافت مروه بلهجة متهكمة :
كله كوم وانها جايه من غير عزومة كوم تاني
جالت رحمه بعينيها بينهما وهتفت بحده :
خلصتوا ولا لسا هترموا عليا كتير
استمعن إلى صوت ناديه كي يجهزون بعجلة ويصعدن إلى العرائس لمساعدتهن قبل عودة الرجال من المساجد… قامت كل واحده إلى غرفتها تتهيأ بذوقها المختلف عن الأخرى، والتي تنتهي تصعد لأعلى تنضم للبقية …
؛************
بعد صلاة الجمعة
وقف مقابل المرآه محدقًا هيئته بثبات، ارتدى سروال أسود وقميص باللون الأبيض الناصع.. اختار أن تكون طلته كلاسيكية إلى حد ما فأكمل بحذاء أسود لامع وحزام من نفس اللون .. شمر عن ساعديه يغلق ساعته المعدنية، والتفت يرمق باقة الزهور الوردية الموضوعة بجانب علبة الذهب التي اختارته خيريه أمس بصحبة والدته….
: ايه الحلاوة دي يا عريس
ابتسم عامر وهو يحتضن أخته برفق قائلاً بمراوغة:
عبالك يا جوجو لما تكوني عروسة قمر
دخلت والدتهم تطلع إليهم بسعادة بالغة، ثم سألته باستفسار :
إحنا هنمشي أمته أحسن نتأخر ؟؟
هز عامر رأسه بتفهم وغمغم بتعجب :
معرفش هو أتأخر كده ليه مع اني مأكد عليه ميتأخرش
ما أن أنهى جملته صدح صوت جرس المنزل، فابتسم براحة وأخذ الباقة واعطى العلبة لوالدته لأنها ستكون بالداخل في مجلس النساء .. وجده يتكأ على باب سيارته بطلة جذابة فقال بمكر :
دا أنت ناوي تغطي على العريس بقا
رمق يونس باقة الزهور وهتف غامزًا :
ورد وحركات المخطوبين بدأت
من البديهي أن تلك السيدة زوجة عمه التي لم يحظى بمقابلتها يوماً .. لم يتصور أن تصافحه ببشاشة ويستمع إليها ترحب به بحفاوة وكأن بينهما علاقة وطيدة :
مع إن المفروض انتو الاتنين تتحاسبوا بس مش وقته
علمت مؤخرًا بصداقتهم السرية التي تقبلتها بهدوء وتفهم عكس والد يونس .. قدم عامر أخته التي صافحت يونس باستحياء وهي ترمقه بخجل، ثم صعدوا في سيارة عامر متجهين لمنزل المعلم سالم،
؛**********
: ايه ده أنت مش جاي ولا ايه ؟؟!
قالها خليل مبتسمًا بسماجة وهو ينظر إلى يعقوب باستهزاء .. فقال الأخر وهو يكمل سيره دون أن يعطيه أهمية :
لو عايز تروح على رجلك كمل طريقك يا خليل
قطع طريقه متسائلاً باستغراب:
هو الكلام اللي سمعته بجد ؟! أنت وحسناء سبتوا بعض!!!
حدجه بحده دون أن يرد فاستكمل خليل بحزن فشل في رسمه على ملامحه السعيدة :
يا خسارة، بس أقولك كده احسن لأنها مش شبهك
رفع يعقوب يده يقبض على كتفه بقوة وهمس بوعيد قاتم:
خليك في حالك يا عريس أحسن ليك، بلاش اباركلك بطريقتي لأنها مش هتعجبك
ضحك بخفة ورفع معصمه يرى الساعة قائلاً ببرود :
لو مش مضطر امشي كنت استنيت اسمع منك المشكلة، أنا ليا كلام مع حسناء وأقدر أقنعها ترجعلك
ظهر مرتضى من خلفهم وعلى وجهه علامات الاستفهام، يعلم مدى خبث أخيه منذ أن علم بأمر فسخ خطبة يعقوب، ورغم أنه حذره من التدخل إلا أنه يصر على اختلاق المشاكل بينهم .. اقترب منهما متسائلاً بجمود:
ايه موقفك هنا ؟!
رد يعقوب بدلا منه بنبرة تخفي الكثير :
كنت بباركله ما انهارده يومه
فطن من ملامح صديقه ما فعله أخوه، أخبره بأنه سيمر عليه في المحجر عصر اليوم وسحب خليل من مرفقه ليسير معه .. فقال الأخر باستهجان :
أنت ساحب عيل صغير
رمقه باقتضاب مردفًا بضيق :
مش هتكبر وتبطل تصرفاتك الخيبة دي
رفع خليل كتفيه ببراءة وقال بتعجب :
وأنا عملت ايه!! مش قالك أنه كان بيباركلي
اقترب من بهو المنزل فتمتم مرتضى بحنق:
برحتك هتكون دبور وبتزن على خراب عشك
؛*******
مائدة طويلة تحتوي على كل ما لذ وطاب، أصناف مختلفة وشهية جُهزت بأيد الثلاث نساء .. أرادت صباح أن تجعل كل واحدة تتفنن في إخراج مهاراتها فيما تتقنه لأن الكميات تلك المرة كبيرة على أن تشرف واحدة عليها، تكفلت هند ومها بـ رص طاولة الرجال، بينما ندى ومياده وسحر أخذوا طاولة النساء.. لم يصدر في المجلس الرجال سوى أصوات المعالق وهي تضرب سطح الأطباق، ومن حين لآخر يقف سالم عبده ومحمود لتلبية طلباتهم، وإخبار زوجاتهم بالأطباق التي أوشكت على النفاذ ليأتوا بغيرها ممتلئ من الدخل،
أما مجلس النساء فالبعض يأكل غير منتبه بنظرات خبيثة تحوم حولهم.. وأخريات مشغولين بمراقبة كل الأطراف، لاحظت هانم تحقق دولت من تفحصها إليها بتركيز فتجاهلتها معتبره أنها تراقبها لأجل تألقها عليهن وليس لكشف ألاعيبها مع صبري مثلاً ..
مرت ساعة تقريبًا انقضى الغذاء بها وقدم صواني الشاي والقهوة .. حضر عزيز مع بعض الأقارب وكبراء القرية تلبية لدعوة المعلم سالم ودارت أحاديث مختلفة منتظرين مجيء المأذون لعقد قران خلود وأكرم، ومن ثمّ إعلان خطبة سمر وخليل وكذلك خيريه وعامر .. في حين ذلك كان موسى ينظر إلى شاشة هاتفه من وقت لآخر وكأنه ينتظر شئ ما بفارغ الصبر، يحسب الدقائق منذ خروجهم من القاهرة لقدومهم للقرية،
: أنت مستني حد ؟؟
تطلع موسى إلى عامر وسأله باهتمام :
هو مش من القاهرة لي هنا ساعتين برده ؟؟!
كاد أن يرد عليه ولكن جاء الاتصال المنتظر إلى موسى، استقام يقف وعلى وجهه معالم السعادة .. استأذن أن يتحدث للمعلم سالم بالخارج دقيقة على انفراد، تهللت أسراره لحضورهم قبل أن يغادر أحد كما خطط.. نظر إلى باب البهو وهو يقول للمعلم سالم بعفوية :
علاقتي مع اعمامي سطحية من وفاة والدي علشان كده مش هيدخلوا في تفاصيل اكتر من اللي هقولها
قطب المعلم سالم جبينه باستفهام لم يدوم طويلاً مع دخول خمس رجال تخطو العقد الخامس يظهر عليهم الشيب والوقار .. خلفهم دخلت كوثر ومعها عليا وشاب تقريبًا في عمر موسى الذي تمتم بمكر :
لو أقدر اوقفلك عيلة الأحمدي صف قدام البيت لكن الوقت مسعفنيش
تقدم اكبرهم ورفع يده يصافح المعلم سالم يعرف نفسه :
صفوت الأحمدي عم موسى
واستكمل باعتذار وهو يشير إلى باقي أعمام موسى :
طبعاً بعتذر إننا جينا من غير معاد، مكالمة موسى خلتنا نتحرك على طول أول ما عرفت باقي أعمامه
أشار المعلم سالم إلى مجلس الرجال وأردف بترحاب :
اتفضلوا استريحوا من السفر وبعدين نكمل كلامنا
أخذهم موسى لداخل المجلس مع صديقه المقرب الذي جاءت كوثر وعليا في سيارته .. وجده يقف ينتظره أمام المجلس وما أن رآه سأله بريبة :
تخيل كده بعد ما جبتهم لحد هنا ابلغهم رفضي ؟!
بهتت ملامح موسى وهو يرمقه بتوجس وتلجلج نبرته :
اللي فهمته الصبح أن واحد من اعمامي يجي معايا وأنا طلبت منهم يحضروا على أساس كده
: لكن مبلغتنيش يا موسى
هتف بها باقتضاب وولج للمجلس دون أن يوضح إليه مقصده .. في نفس التوقيت جاء المأذون وبدأوا في مراسم عقد القران
” بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير”
تعالت مباركات الرجال والزغاريد مع قول المأذون، طلب سالم من صباح بأن تخرج خلود في غرفة مكتبه كي توقع على العقد وبصحبتها هند .. ربع ساعة وعادت الفتاتان إلى مجلس النساء، واتبعتهم صباح التي علمت سبب تأخر هند مع والدها ترقرقت العبرات في عينيها بسعادة طاغية وهي تعانقها بقوة، لا تسع فرحتها الكون بأكمله، أصبح الحلم حقيقة وسترى ابنتها أبواب الفرحة من جديد.. تعلقت الأنظار على الأم وابنتها بتعجب واستنكار!!
مسحت هند دموع والدتها برفق وقالت بصوت محشرج:
طيب بتعيطي ليه دلوقتي مش كان نفسك في كده
: في ايه ياماما بتعيطي ليه؟!
نظرت صباح إلى مها مردده بتلقائية :
من فرحتي دي دموع الفرحة بيوم الهنا
وقبل أن تقع لأسالتهم أخبرت نجاة وناديه بأن يتبعها للمطبخ وتركت كوثر مع هند وسط ذهول الجميع …
؛؛؛؛؛؛؛؛
فرصة ابتعاد الثلاث زوجات سهلت عليها عناء التعب للاختفاء عن الأنظار .. اصطنعت بالاتصال بأحد وخرجت أمام المجلس، دارت برأسها تتأكد من عدم رؤية أحد إليها، وبعجلة سارت لخارج الطابق وصعدت الدرج إلى أن وقفت أمام طابق صباح، ولأن أهل المنزل فقط من يصعدون للطوابق اعتادوا على ترك المفتاح في الباب.. فتحت الباب برفق وحذر ثم دلفت تمشي على أطراف أصابعها، بحثت عن الغرفة المرادة بسرعة قبل أن يكشف أمرها،
ابتسمت شبه بسمة خبيثة على شفتيها وهي تقف في منتصف غرفة النوم .. أحيانًا ينخدع المرء في ذكائه متوهم أن تفكيره الجهنمي وتدبير الخدع صفة نادرة لا يمتاز بها غير عقله الخارق، وفي الحقيقة أن الركض وراء الشر هو القناع المصور لصاحبه حنكته الفتاكة،
ما لم يكن في الحسبان أثناء لملمتها للأغراض التي أتت لأجلها كخصلات شعر وأي شيء شخصي، استمعت بإغلاق باب الغرفة بالمفتاح من الخارج!! .. وقع البوم الصور من يدها بفزع وهي تلتف بذعر، وبدلاً من التفكير في مخرج من ورطتها، مالت تلتقط الألبوم وأخذت صورة عائلية تجمع المعلم سالم بزوجاته وبناته، وضعتها بسرعة داخل كيس بلاستيكي التي جمعت به الاغراض ثم خبأته بين ثيابها وهي تغلق الخزانة… اقتربت بضع خطوات من الباب باضطراب ووضعت أذنها تنصت بحذر، استمعت إلى خطوات بعيدة ثم إغلاق باب الشقة….
؛******
في الأسفل أعلن والد مرتضى طلب خطبة سمر من عبده الذي رد عليه بالموافقة بعد كلمة كبيرهم.. وكذلك فعل عامر وطلب خطبة خيريه، لكن قبل أن يبدأون بقراءة الفاتحة هتف أحد اعمام موسى برسميه :
يشرفنا نطلب ايد زينة البنات هند لابننا موسى
اتصل به وحكى حبه المتيم بفتاة في قرية ما تعرف عليها أثناء مجيئه مع عليا، وبعد عناء في إقناع والدها أخيرًا وافق على زيجته منها ولكن بشرط حضور أعمامه الخمس وطلب يدها أمام جميع أفراد العائلة في يوم خطبة أختها، ورغم أنه لم يكذب في وصف علاقته السطحية بهم منذ وفاة والده وذلك لزواج كوثر من أخر بعد اخوهم، إلا أنه متأكد من عدم تخليهم عنه وقت الحاجه كما يقدر وجودهم في حياته … على الجهة الأخرى صدمه كبيره وقعت عليهم وخاصة عندما رد عليه المعلم سالم بترحاب وهو يرمق موسى المبتسم بلهفة:
مبقاش ابنكم لوحدكم، اقروا الفاتحة
علت الفرحة على وجه جابر وعبده فقد أفصح إليهما المعلم سالم هوية أعمام موسى ولِما حضروا اليوم بالتحديد عندما استمع إلى موافقة هند .. احتقن قسمات وجه صبري الذي حدج سالم بجمود، شعر بالإهانة وهو يرى المباركات المتبادلة بينهم على زواج طليقة ابنه المسجون بسببها!! إذا غادر الآن سيقولون أنه حقد على سعادة غيره ولم يتحمل رؤية بمن يصفها بابنته تستعيد حياتها بعد أن دمرها ابنه، لذلك جلس بكدر يتأمل مزاح الشباب ومن بينهم موسى ..
؛؛
بداخل مجلس النساء أمسكت ريهام والدتها وهي تترجاها بأن تنتظر حتى لا تلفت الأنظار، لكنها أصرت على الرحيل متمتمه بحسره على ابنها .. لم ينتبه احد إليها فالجميع مشغولين مع والدة عامر وهي تساعد خيريه في ارتداء ذهبها كما فعلت والدة مرتضى مع سمر، ثمّ بدأت مروه في التقاط صور عشوائية إليهن، في ركن بعيد وقفت حسناء بهدوء تنظر حولها بشرود، لم تنضم إليهن إلا عندما صعد نجاة وأمرتها بأن تهبط مع إخوتها لتكون بجوارهن وتشارك هند فرحتها بالخطبة …
؛************
بعد إلحاح حسنيه وترجيها إليه، جلس على مضضٍ أمام صينية الطعام لإرضائها .. حياله كانت مايسه تضحك على شئ ما وهي تنظر إلى شاشة هاتفها، لم يشعر بنفسه إلا وأنه ينهض ويتجه إليها يأخذ الهاتف متسائلاً بحده :
أنتِ ايه اللي رجعك مش لسا مسافره مع جوزك ؟؟!
مكثت مايسه تحدقه بذهول دون أن ترد، فصاح بتبرمً:
مبسوطة والفرحة مش سيعاكي باللي حصل
: في ايه يا يعقوب ؟؟!
سأله علي بعدم فهم لانفعاله وهو شاهد مايسه لم يبدر منها اي تصرف يغضبه هكذا .. أدام يحدجها بضيق لتفسيره أنها تقصد اظاهر سعادتها بما كانت تسعى إليه وها هو قدم إليها دون عناء، ألقى الهاتف عليها بعنف مزمجرًا بتعابير مشمئزة :
الخراب بيجري في دمك
عاد يأخذ مفاتيحه وهاتفه ثم غادر المنزل، نظرت مايسه إلى علي وقالت ببكاء :
هو أنا عملت ايه ولا هو بطلع همه فيا
رتب علي عليها مردد باقتصار :
قومي اطلعي اقعدي مع منال بدل ما يرجع وامي نايمه وأنا خارج ومش هيكون في غيرك قدامه
ازدردت لعابها بخوف ونهضت تصعد بسرعة لحين عودة والدها.. سار علي للبهو عندما تأكد أنها دخلت لشقته، يعلم أنها لم تفعل شيء لكن يعقوب يتذكر إليها اعتراضها على خطبته وما كانت تسعى إليه لا يحتاج لتوضيح، رآه يجلس في سيارته أمام المنزل شارد الذهن، حافظ على خصوصيته وتركه بمفرده دون أن يتدخل، متخيل أنها مجرد فترة قصيرة ستنتهي ويعود لطبيعته ..
؛**************
عودة للمجلس
أجواء احتفالية بسيطة ومزاح بين الشباب المجتمعين في ركن حول بعضهم ليكونوا على راحتهم .. انسجموا أعمام موسى في الحديث عن أحوال البلاد والاقتصاد الوطني وما شابه، ولأن تخصصهم العقارات رحبوا بشراكة مستقبلاً بينهم وبين جابر وعبده ليكونوا منفذ بيع الادوات الصحية إليهم لتجهيز العمائر… وعلى حين غرة سكون مريب حل مع دخول شخص غير متوقع وجوده أبدًا، ترك العمر بصماته على ملامحه التي لم تتغير كثيرًا، عجوز مازال يحتفظ بنظراته المقيتة إليهم، لم يأخذ المعلم سالم وإخوته وقتًا للتعرف عليه .. بينما لم يعلم أحد من الشباب هويته إلا يونس الذي هتف بدهشة :
بابا!!!!
تطلع عامر إلى إبراهيم مردد بصدمه :
عمي!!!
انتفض عبده فأمسكه جابر من معصمه كي لا يتهور بانفعال ويفسد ذكرى بناتهم، ابتسم ابراهيم ببرود وهو يرمق المعلم سالم بتهكم :
الحاج عثمان مات ومسكت مكانه حتى في قعدته
وقف صبري متسائلاً بعدم تصديق :
ابراهيم الخولي ؟!!
أومأ ابراهيم متذكر هوية من يتحدث:
لو ذاكرتي مخنتنيش تبقا صبري
هتف والد مرتضى باقتصار لِما سيحدث بعد قليل:
نستأذن إحنا وإن شاء الله نتجمع في الخير
: هو أنا جيت في وقت غلط ولا ايه
تسأل إبراهيم بجدية، فقطب يونس جبينه باستفهام لأنه أخبره سبب مجيئه صباح اليوم قبل أن يسافر .. بحث إبراهيم عن معقد فارغ وجلس عليه محدقًا في يونس بثبات، استقام المعلم سالم متسائلاً بهدوء :
شاي ولا قهوة يا أبو يونس؟؟!
انكمشت قسمات وجه عبده باستنكار فنظر إليه بمعنى أن لا يتدخل بينهما :
وصلت ضيافتكم من بدري
قالها باستهزاء جعل المعلم سالم يبتسم مغمغمًا بدهاء :
عارف
مال عامر على يونس مردفًا باستهجان :
أنت قاعد ليه ما تقوم تشوف أبوك
رفع يونس كتفيه بلامبالاة وهمس ببرود :
وأنا هعمل ايه زي زيكم معرفش أنه جاي أساساً
في نفس الوقت بصوت منخفض هتف سالم جابر موجه كلماته إلى أكرم :
مش ملاحظ أن وشك فقر علينا
أضاف عامر بتأييد:
بدأت أحس أن وجوده خطر على الدنيا
جال أكرم بنظره بينهما مبتسمًا بسماجه ثم نهض مع والده وأخوه يغادر ويأتي مساءً إلى منزل جابر يجلس مع خلود.. واتبعه خليل ووالده حتى انسحب كل من في المجلس ولم يبقى سوى المعلم سالم وإخوته وصبري وعامر ويونس .. علم النساء بمجيء إبراهيم، فخرجت والدة عامر إلى المجلس وبحثت عنه بانفعال وهي تقول بحنق:
جاي تبوظ يوم ابن أخوك بدل ما تكون واقف معاه
عقد إبراهيم جبينه بضيق وهتف باستغراب :
وأنا هبوظ يومه ليه يا مرات أخويا
نظر إلى سالم مستكملًا باقتضاب :
أنا جاي عايز ابني
ضحك عبده بسخرية وغمغم بسخط:
وهو مخطوف ولا تايه
تقدم يونس من والده قائلاً بهدوء :
بابا إحنا اتكلمنا في الموضوع ده
هدر إبراهيم بغضب جلي :
لما عرفتك طريقهم مكنتش أعرف أنهم هيخدوك مني زي ما أبوهم كان عايز يبعد مراتي عني
عقب المعلم سالم بلا اكتراث وهو يشير على يونس :
ابنك قدامك خده وامشي
تحدث صبري بعتاب :
لا يا جماعه مهما كان انتو أهل وبينكم شاب
: يونس ابننا وبيتي مفتوح ليه وقت ما يشرف
رد متقصر هتف به المعلم سالم مستكملًا بنفاذ صبر:
أما إبراهيم موجود في بيتي بحكم إن بيتي مفتوح لأي حد من بره البلد وجواها
تطلع إبراهيم إلى والدة عامر يسألها بسخرية :
ايه رجعك للبلد اللي مقبلتش بياع الخضار وطفشتوا منها ؟! لا وكمان بتخطبي لابنك منها !!
رد عامر وهو يقترب من والدته ليقف بجوارها:
عمي مدخلش بياع الخضار وأسرته في مشاكل ملهمش فيها
بعبوس سار جابر إلى باب المجلس مردد بوجوم :
شرفت يا إبراهيم
لم يتقبل يونس الإهانة والاستحقار الموجه إلى والده، الذي نظر إليه بمعنى هل رأيت حقيقتهم.. دون أن يعقب فلا جدوى من ثرثرة لن تعيد كرامة والده، أخذه وخرج مقرر عدم العودة إلى منزل استخفف به لذلك الحد ولم يقدروا خاطر اختهم المتوفاة، تحرك بالسيارة وهو يستمع إلى عتاب إبراهيم اللاذع وأنه من جعلهم يهونونه بقلة تقديره له ..
طلب عامر من والدته بأن تحلقه للخارج مع أخته بعد أن استأذن من المعلم سالم بأن يأتي غدًا لمقابلة خيريه…
: ختمت على أخر اليوم
تمتم بها جابر وهو يرحل مع زينب ونيره، واتبعه عبده مع زوجاته وسمر…. ولج المعلم سالم وهو ينادي على صباح بتذكر :
نعم يا حاج
أخرج مفتاح من جيب جلبابه وسألها مستفسرًا:
بعتي مفتاح الاوضة مع ساره وهي ماشيه ليه ؟؟!
حدقت صباح بالمفتاح متمتمه بذهول :
مفتاح ايه !! أنا مشفتش ساره وهي ماشيه
دارت تدخل حيث يجلسن نادية ونجاه مع الفتيات وسألتهم بقلق :
هو حد فيكم طلع شقتي ؟؟
واستطردت بريبه :
اومال دي طلعت ازاي وايه دخلها تاخد مفتاح الاوضة
كادت أن تصعد فأوقفها نبرته الحازمة:
محدش يطلع غير لما ساره تيجي
؛*********
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)