رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الأربعون 40 بقلم حسناء محمد
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الأربعون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الأربعون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الأربعون
أغلقت الباب بعنف وهي تنظر إليه يلاعب أطفالهم وبسمته تزين وجهه الذي اقتضبت عند رؤيتها .. تقدمت منهم وقالت بأمر صارم :
راغب ادخل مع اختك العبوا في اوضتكم
: عايز ألعب مع بابا
حدجت الصغير بحده فأخذ أخته وولج إلى غرفتهما بعبوس، زفر محمود بصوت مسموع وكاد أن ينهض فهتفت بوجوم :
عايزه اتكلم معاك لو مش هتضايق
استشف استهزاءها البادي من لهجتها، تماسك لأجل وجود أطفاله بالداخل ونظر إليها بإنصات :
العيال عايزين لبس جديد على شبكة عمتهم
: الفلوس عندك في الدرج هاتي اللي يلزمهم
رفعت حاجبيها متسائلة بحنق :
وأنت متروحش معاهم مره من نفسك وتحسسهم بوجودك ليه؟؟! ولا مش شايف أخوك بيعامل عياله ازاي ؟!!
ابتسم بخفة قائلاً بتهكم :
خليكي في حالك واشغلي نفسك بعيالك وبيتك أحسن بدل ما حياة الناس بتبوظ بسبب عنيكي
احتدت نبرتها وهي تصيح بغيظ :
حياة الناس بتبوظ برده من عيني ولا بسببك
واستطردت بضيق :
عيالك كبروا لو مش وَخد بالك وبقوا يسألوا ليه أنتِ وبابا مش بتحبوا بعض، بيقارنوا اللي سالم بيعملوا مع عياله واللي أنت بتعمله، ولا أنت فاكر إني سمحتلك ترجع تعيش معانا عشان سواد عنيك
لم يرد عليها وأخرج لفافة تبغ يشعلها وهي تسترسل بكدر:
شوف واتعلم، صوتهم امبارح كان موصل أخر الشارع وانهارده بيضحكوا في وش بعض ولا حد يعرف اللي بينهم
نفث دخان التبغ وغمغم بسماجة :
وأنتِ بتقارني نفسك بـ ندى يا أم مشاعر فياضة
فهمت مقصده الذي أصبح يتفنن في إذلالها بذكره في كل مرة يتحدثان معًا .. لكن هذه المرة ابتسمت بتشفي وقالت باحتقار :
اهي مشاعري وحالتي النفسية مدمرتش غير إيدك، الدور والباقي على اللي ليه عين يبص في وش أخوه وهو السبب في موت بنته حتة لحمة حمره
دق ناقوس الخطر، اشعلت شرارة نيران تكاد تحرقها من شدة غيظه، صوت احتكاك أسنانه من قوة ضغطته على فكه بادى واضحًا… وعلى حين غرة ركضت بسرعة إلى غرفتها تغلقها بعنف، ولحسن حظها أنها استطاعت الفرار قبل أن يصل إليها، طرق الباب بحده وهو يتوعد بقسوة على دفع ثمن كلماتها .. اختفت نبرته مع خروج أطفاله من غرفتهم ينظرون إليه بخوف، فاصطنع البسمة وقال بتمثيل:
ماما بتهزر ومش راضيه تفتح الباب
تطلع راغب إلى باب الغرفة متسائلاً بشك :
عشان كده بتزعقلها ؟؟
فتحت مياده الباب لأنها تعلم أنه لن يقدر على لمسها أمام أطفالهم وهذه الميزة الوحيدة في علاقتهما .. رمقته بغرور وهي تهتف ببرود :
لا يا حبايبي بابا مكنش بيزعق كان عايزني أخرج البسكم عشان هياخدكم معاه تشتروا لبس جديد
ركض راغب يعانق والده بسعادة وهو يسأله عن صدق حديث والدته وكذلك فعلت هاجر مثل أخيها الأكبر.. ابتسم محمود وهو يشد على عناقهم مؤكدًا إليهما أنه سيأخذهما ليشتروا كل ما يريدونه، رغم حاجته لفش غله لكنه شعر بالراحة لأنها لن تذهب معهم وتصبح في وجهه ويجبر على التعامل معها بشكل طبيعي .. لا يهتم لأمرها لكنها لفتت انتباهه للحرص على تغير طريقته مع أطفاله، لن يجعلهما يدفع نتيجة خطأه في اختياره!!
؛************
رأتها تصعد تبكي على الدرج، فصعدت خلفها إلى طابقهم متسائلة بقلق عن سبب بكاءها .. دهشة طاغية على قسمات وجهها وهي تستمع إلى قرارها الاهوج، حركت رأسها بعدم استيعاب مردفه بذهول:
ازاي تعملي كده من غير ما تقولي لحد فينا؟؟!
استكملت تنهرها بحده :
بتخدي القرار من نفسك وتحطي ابوكي قدام الأمر الواقع
تمتمت حسناء من بين شهقاتها:
من ترددي اتوترت وملقتش حل غير ده
نظرت نجاة إليها باقتضاب وسألتها بغضب :
ومحكتيش ليا ليه ولا مع حد من أخواتك ؟!
استكملت بانفعال :
طيب أنا لازمتي ايه عندك!! دا أنا بتعامل معاكي إنك صاحبتي مش بنتي، ومبسوطه أننا قريبين من بعض وقولت أهو ربنا عوضني ببنتي الوحيدة، تطلعي أصلا ولا فارق معاكي حد
جلست على أقرب مقعد ووضعت يدها على رأسها متمتمه بقلق بالغ:
ربنا يستر من رد سالم باللي أنتِ عملتيه فينا وفي نفسك
هتفت بتلعثم من بين دموعها :
يعني اعمل ايه لما يعاملني على اني عيله صغيره بيلعب بيها، مستهتر بيا حتى في قلقي عليه ولا فارق معاه وجودي أساساً، دايما هو الصح وأنا الغلط، كلمت اعقلي على لسانه ولا كأني هبله
: ما هو عنده حق ومغلطش لأنك لسا عيله فعلاً
استقامت نجاة في وقفتها تنظر باتجاه الباب بخشية، بينما لبثت الأخرى محلها تحدق بوجه شاحب وعينيها تنهمر منها العبرات دون توقف .. دخل المعلم سالم إلى الغرفة بعد أن وقف يستمع إلى حديثها عندما ولج من باب الشقة، نطقت نجاة برجاء وهي تتحرك باتجاهه :
سالم هي غلطانه واتصرفت بطيش …
أشار إليه بيده قائلاً بجفاء :
دا مش طيش دي قلة أدب
أخفضت حسناء رأسها وهي يسترسل متسائلاً بجمود:
ما هو يإما أنا غلط في تربيتي يإما نسيت اعرفكم الأصول ؟؟!
جلجلت نبرته المرتفعة أركان الشقة وهو يصيح بغضب:
تخليني قاعد مع الراجل وابنه وتدخلي من غير إذن ترمي الكلمتين بتوعك في وشي ولا همك تحترميني ولا تحترمي وجودهم في بيتي، داخله تعرفيني قرارك ببجاحه واللي هو اولع أنت بقا ما أنا خلاص مقرره فكدا كدا ملكش لازمه لا قدامي ولا قدام الناس
: بابا أنا مقصدش كل ده
قالتها بصوت مرتعش فرد عليها بغيظ يسألها:
من أمته وفي حد من بيتي بيدخل المجلس من غير استأذن ؟؟ ومن أمته بسمح لواحده فيكم تدخل وفي ناس معايا ؟!!
من يجد منها سوى البكاء والنحيب وهي تخفض رأسها فأردف بصرامة وهو يغادر الغرفة :
حسابك معايا بعدين وإذا كنتوا نسيتوا الأدب أنا هعرف افكركم إزاي
ما إن هبط الدرج ورحل عن المنزل ظهرت صباح وناديه من خلف باب شقتهم، صعدنا للأعلى بسرعة قبل عودته خوفًا من بطشه إن رآهم مجتمعون.. وكذلك صعدوا الفتيات إلى حسناء يفهمن ما حدث فقد أصبح الوضع أسوأ مما اعتقدن بوعيده الأخيرة.
؛************
أخذ نفس عميق زفره وهو يدلف للعنبر مبتسمًا بهدوء .. ألقى التحية ووضع كيس بلاستيكي يحتوي على خضراوات وفواكه كما طلبت منه العاملة في المستوصف، جلس بجوار فراشها يسألها عن الأحوال ومازال يحافظ على رسم تلك البسمة الباهتة.. لا يبدر منها حركة سوى تحريك جفونها بآليه، لكن نظراتها تحكي كل ما يدور بداخلها من سخط وضيق لرؤيته :
سيف بعت لوجينا تقعد مع زياد ويزيد والست أم منير هترجع بيتها قريب
هز رأسه بأسى مستكملًا بقلة حيلة:
بعرفك بمر بأيه يمكن ارتاح لما اتكلم
استمع إلى صوت العاملة تطلب منه الخروج دقيقة، ألقى نظرة أخيرة على هاديه والتفت يبحث عن العاملة التي وقفت بالقرب من العنبر الصغير … أخرج عمر ورقة نقدية من فئة مئتين جنيه وقدمها إليها مردد برجاء:
لو سمحتي اهتمي بالعلاج في معاده وأنا جبت كل اللي طلبتيه المره الفاتت
أزاحت العاملة يده وهي تقول بصوت منخفض:
خد أمك وامشي من هنا
انكمش بين حاجبي عمر من طريقتها المريبة وقال بعدم فهم:
اخدها ازاي ؟! معنديش حد يعرف يعلق المحاليل ولا في حد يهتم بيها وأنا شغال
تطلع إلى ورقة النقود متسائلاً بشك :
عايزه فلوس زيادة ؟؟!
هزت العاملة رأسها بالنفي مردفه بهمس :
مش عايزه فلوس بس أنت صعبان عليا، رايح جاي كل يوم واشي فلوس واشي علاج ولما سمعت حكايتك من الناس صعبت عليا اكتر
: ارجوكي لو زي ما بتقولي صعبت عليكي سبيها فترة هنا لحد ما اظبط أموري وأشوف مكان مناسب ليها، دي أمي وملهاش غيري ومش هقدر أهمل في علاجها
رمقته العاملة لبرهة وكأنها تفكر في شئ ما، ومن ثمّ هدرت بحيره وهي تضرب كفيها بتعجب :
شوف أنت بتقول ايه وهي مش هاين عليها تعرفك أنها بتتكلم حتى
بهتت تعابير وجهه وهو يسألها بعدم تصديق:
هي مين دي ؟!! قصدك مين بتتكلم ؟؟ شكلك متلغبطة!!
جالت بعينيها في المكان وهي تغمغم باستهزاء :
متلغبطة هو في حد في المستوصف غيركم، أمك سمعتها بوداني امبارح قبل العشا بتتكلم مع قريبكم اللي جه زارها
دار برأسه يحدق بفراش والدته التي تنظر للفراغ بثبات، تمتم لنفسه بعدم استيعاب لصدمة أخرى لن يقوى على تخطيها ..
: أنتِ متأكدة أنها هي اللي كانت بتتكلم؟؟!
أومأت إليه بتأكيد وهتفت موضحة :
كان لسانها تقيل بس بتتكلم ولما سمعتها جريت اتصلت بدكتور أعصاب بيجي هنا كل فترة يخدم أهل البلد وسألته وقالي أن النوع اللي كانت بتخده بيدمر الأعصاب بالبطئ وبموت خلايا المخ بس ملوش أثر معين على الجسم، أنا صحيح مش دكتورة بس شغالة هنا بقالي ١٥ سنه واتعاملت مع دكاتره كتير
قطب جبينه باستفهام متسائلاً بذهول:
بس الدكتور اللي كان في المستشفى قال إنها مش هتقدر تتحرك تاني والعلاج ده زي سم في جسمها!!
: ما هي مش بتتحرك بس بتتكلم
أغمض عينيه لثوان يستجمع تفكيره ثم سألها باستفسار:
مين قريبنا ده ؟! تعرفيه ؟؟ من البلد ؟
ردت عليه باقتصار:
لا معرفوش
جاء أحد الأهالي يستفسر منها عن موعد مجيء الطبيب، فعاد هو لداخل العنبر يجر أقدامه بمشقة إلى أن توقف قبالة فراشها يحدقها بحزن عميق كاد أن يشق صدره .. لم ينطق بكلمة واحدة وألقى بجسده يركع على ركبته، دفس رأسه بجوار جسدها وما هي إلا ثوان وانفجر يبكي بحرقة، صدى شهقاته المرتفعة صدح في المكان وهمساته المتألمة تمزق قلب من يسمعها .. وما في يده إلا البكاء على قساوة الحياة التي يعيشها لتلقي صدامات تقتله يوماً بعد يوم،
على صعيد آخر، انشقت بسمة واسعة على شفتيه بخبث وهو يغلق المكالمة التي ابهجت حقده واشفت غليله .. نهض يدندن بين نفسه وهو يسكب كوب شاي يرتشف منه بتلذذ وكأنه لم يذوق مثله قط.. فنظر إليه الآخر الذي رفع حاجبه مغمغم بتهكم :
مبسوط كده يعني وحققت اللي نفسك فيه
هز رأسه قائلاً بسعادة :
متتخليش مبسوط ازاي، من يوم موت أبويا مستني اليوم ده بفارغ الصبر
: واستفدت ايه لما قولت كده لابنها ؟؟ ساعات مش بفهم أنت عايز توصل لايه يا ممدوح !!
اجابه والشرار يتطاير من حدقتيه :
هاديه دي زي القطط بسبع أرواح وعشان أخلص منها وهي سليمة مستحيل إنما دلوقتي سهل
ومن ثمّ استطرد بشرهة :
ابنها أصلا مش قادر عليها وهيخاف ينطرد من البلد لو حد عرف أنها بتتحسن، ومش بعيد واحنا بنتكلم يكون هو بيفكر هيرميها فين ويخلص من شرها
: ياعم دي واحدة مشلولة وفي عداد الموتى أساساً، لو منك احمد ربنا إني رجعت البلد في بيتي يبقا تتقي شر سالم وتخليك في حالك من محلك للبيت وكفايا أبوك واخوك راحوا في حياة والدتك
تطلع ممدوح إليه بضيق وزمجر بحده :
حقك تقول كده ما اللي أنت بتخططله من زمان حصل يا أيمن يا مختار وبقيت من رجالة سالم
ضحك أيمن وهتف غامزًا :
ما تخططي ده هو اللي رجعك البلد ودخلك بيتك تاني
قبل أن يعترض ممدوح استكمل أيمن بانزعاج :
أبوك كان العمدة وهو اللي عمل فيكم كل ده لما سمع كلام منصور، وادي منصور انتحر وابنه اتقتل والتاني اختفى يعني حقك رجعلك تالت ومتلت أعقل الكلام كده وسيبك من جو المؤامرات ده وعيش في حالك لأن لو حصل وسالم قلب عليك أنسى أنك تعرف حد اسمه أيمن
أبتسم ممدوح بسخرية وردد بسماجة :
أصيل من يومك
أخذ أيمن الكوب من يده يرتشف منه بلامبالاة، منذ أن بدأ في عمله وهو يسعى للوصول للمعلم سالم وإلى أن يكسب ثقته .. لذا حرص على عدم اقتراف أي خطأ من رجاله أو تجاوز، يأتي بالمعلومات المطلوبة دون أن يتسبب في أذى، يبحث عن الأشخاص المفقودين أو يتبع أحدهم بمبالغ باهظة لكن دائمًا تكون المعلومات صحيحة، ومن الطبيعي أنه لن يفقد كل هذا بسبب انتقام صديقه من السراب.
؛***********
ألقت التحية وهي تدخل بعد أن أذن إليها.. وضعت بعض الملفات على مكتبه وهي تخبره بملاحظات دونتها اليوم، ولأنها منذ الصباح في المصنع لم تعلم بما حدث في المنزل.. لكنها لاحظت شرود والدها الغير معتاد عليه في متابعة أعمالهم:
بابا حضرتك كويس ؟!
انتبه إليها فأخذ الملفات يفحصها بصمت دون أن يرد عليها، فسألته هند بقلق :
في حاجه يا بابا ؟!!
هز رأسه بالنفي مردفًا بجمود:
لو خلصتي شغلك ارجعي البيت
: لا هستنى نروح مع بعض
ارتدى نظاراته الطبية يقرأ الأوراق بتركيز وهو يسألها عن الطلبيات المسلمة دون وجود إيصالات.. مرت ربع ساعة في حديث دائر بينهما عن المصنع والعمال، انتهى بتوقيعه على عدة عقود تسليم بينه وبين التجار المتعارف التعامل بينهم وبين مصنعه بحمولات ضخمة من الأعلاف ..
: لو خلصنا ممكن أتكلم في موضوع يخصني
قالت جملتها بتوتر ملحوظ إليه وهو يغلق الملفات ويضعها جانبًا.. خلع النظارة وهو يعود بظهره مستند على المقعد، وعلى عكس ضيق صدره هتف بهدوء:
اتفضلي
تهتهت بعض الشيء وهي ترفرف بأهدابها بارتباك، فابتسم مردفًا برفق وكأن غضبه منهن زال كذوبان قطعة جليد داعبتها أشعة شمس دافئة :
لا بخوف ولا باكل بني ادمين يا هند
ابتسمت بخفة وقالت بتلجلج:
بابا أنا مش معقده ولا ثقتي مهزوزة في نفسي
ازدردت لعابها واستكملت بنبرة مختنقة :
بس طبيعي اكون حساسة في تعاملي مع الناس بعد اللي مريت بيه، مش عايزه اتظلم ولا أظلم و..
قطعت حديثها لبرهة وعادت تسأله بتوجس :
مش يمكن موسى يطلع اناني زي أحمد ؟! وممكن أنا اللي اظلمه معايا بسبب تجربتي؟؟
راقب تعابيرها القلوقة وهو يغمغم بحنكة :
يابنتي محدش فينا يعلم الغيب، ومش المنطق إني أحكم على كل الناس بسبب تجربة فاشلة، ولا من العدل مع نفسك أنك تفضلي محبوسه طول حياتك في دوامة الماضي عشان خايفه تدي نفسك فرصة تعيشي
: عايزه اكشف واعمل تحاليل لو في سبب يمنع إني أخلف
استقام المعلم سالم في جلسته متسائلاً بصرامة:
موسى اللي طلب منك كده ؟!
حركت رأسها بالنفي متمتمه باستحياء:
أنا اللي طلبت كده من طنط كوثر
نهض من مقعده يدور حول المكتب وجلس مقابل لها متسائلاً بأهمية :
ليه يا هند ؟؟ أنتِ هترتبطي بيه عشان الخلفة؟!!
ظلت تحدق في الأرضية بسكون، فرفع وجهها بيده متسائلاً بشك :
قولي الحقيقة هو اللي طلب منك التحاليل دي؟!
: لا أنا طلبت من طنط كوثر أنها تقوله وانا برده هعمل كده وهبعت النتيجة ليه لما تطلع
شعر المعلم سالم بأنها تخفي شيء ما عنه، أو أنها لا تصرح إليه بكل ما بداخلها.. بينما كانت هي تسبح في بحر القلق، ترهب من شعور ينتابها وتود أن ترحم عقلها من التفكير المفرط حتى وإن ثبت صحة حدسها :
لو كل الناس بتفكر زيك محدش هيعيش
حدجها بثبات مغمغم بحيره :
مش فاهم هتوصلي لايه بطلبك!!
ابتسمت بفتور وهي تقول بأنين :
مش عايزه اظلمه ولا اظلم نفسي
أومأ بهدوء وأردف بعدم اقتناع:
لو ده هيريحك بلغي مها وروحي يا هند
استمعوا إلى صوت سعد الذي دخل بوجه عابس يسأل هند إذا ستذهب للمنزل الآن، أخذت هاتفها والمفاتيح الخاصة بها وغادرت معه بعد أن أخبرها والدها أنه سيتأخر .. ظل سعد يتجنب مقابلته في أي مكان، وإن رآها يمر من طريق يأخذ اتجاهه عكسه إلى أن وقع تحت بطشه في منزل عمه جابر ليلة أمس عندما كان يزور ابن عمه، أغلقت جميع أبواب الفرار أمامه عندما وجده يقف فوق رأسه مستند على عصاه يحدقه بجمود .. استمع إلى حديث قاس على أفعاله الساذجة، واهماله لعمله في المصنع غير مبالي بأحد، أنصت سعد جيدًا إلى أخر تحذير إليه كي يأخذ الحياة على محمل الجد من الآن وصاعدًا وإلا سيتكفل عمه بتأهيله من جديد ولكن على يده،
؛************* بقلم حسناء محمد سويلم
وضع علبة الذهب في خزانة ملابسه وخرج متسائلاً باهتمام :
يعقوب مرجعش ؟!
ردت حسنيه عليه بتلقائية :
لا علي قال إنه هستنى في المحجر لبليل
واسترسلت تسأله بفضول :
هو ايه يا خويا اللي كان في ايدك وأنت داخل جوه
جلس على الأريكة مردد بتجهم :
ابنك خطوبته اتفسخت
شهقة فايزة التي كانت تجلس بهدوء تنظر في شاشة هاتفها .. بينما ضحكت حسنيه وأردفت بعتاب :
يوه عليك يا أبويعقوب لما تحب تخضني، بس المرة دي مش هنولك اللي في بالك
لم تظهر ملامح المزاح على قسمات وجهه، اختفت بسمتها وهي تسأله بخفوت :
مش ده هزارك برده ؟!
ادامت النظر علها تكذب ما قاله ولكن حنقه الجلي يشرح كل شئ… وقفت تصيح بحرقة وهي على وشك البكاء :
بوظت جوزاة الواد عشان البيت اللي عايزه يا عزيز، نكدت عليه ليه ما كنت تسيبوا يتجوزها في المكان اللي يعجبه
رفع عزيز حاجبيه باستنكار من ثرثرة زوجته التي استكملت بانفعال شديد :
دا إحنا مصدقنا غير رأيه ووافق يتجوز والبنت عجباه تقوم تعكنن علينا وعليه عشان خاطر ايه
خرجت منال تتصل بزوجها يهبط من شقتهم بعجلة، وكذلك ذهبت أختها تخبر عبدالله الذي يلعب مع أولاده في البهو .. حين ذلك وقفت فايزة تهدأ والدتها فصاح عزيز بغيظ :
سبيها تقول كمان يا فايزة سيبي أمك تهلفط بالكلام، دا على أساس إني أب جاحد بقف لسعادة عيالي
عقبت حسينه عليه ببسالة :
أنا شايفه بعيني بتعامله ازاي من يوم ما قالك على الأرض، وهو ياحبة عيني مش عارف يعملك ايه ولا إيه عشان ترضى عنه
دخل عبدالله من الخارج متسائلاً بتعجب لسبب أصواتهم المرتفعة .. اتبعه علي الذي هبط للتو هو الآخر، ابتسم عزيز باستهزاء قائلاً بسخرية :
متخفيش ياختي البنت هي اللي سايبه المحروس
رمقهم بضيق ودفع عبدالله من طريقه وهو يغادر المنزل، نظرت حسينه إلى فايزة وقالت بإصرار :
كلميلي سميه ما أنا هفهم ابوكي عمل ايه
واستطرد تحدج علي وعبدالله بكدر :
وانتوا واقفين كده ليه زي عدمكم روحوا شوفوا أخوكم فين بدل ما بيطلع همه في الشغل وكل واحد فيكم نايملي وسط عياله ومراته
اتصلت فايزة على أختها وقدمت الهاتف إلى والدتها التي طلبت من منال زوجة علي :
روحي كلمي ابوكي يا منال وبلغيه إني عايزه اتكلم معاه خليه يجي يشوف أخوه بيعمل ايه
نظرت منال إلى زوجها الذي أشار إليها بأن تنصت للحديث وتنفذ ما طلب منها، فوجود أعمامه في وقت كهذا بين والده ووالدته سيخفف من حدة الشجار الذي لم يبدأ بعد..
؛؛؛؛؛؛
تصبب عرقًا وهو يتحرك بين العمال بجهد كبير يفرغ فيه غيظه .. أثارت قوة تحمله جدلاً وثرثرة من في المحجر، كيف استطاع تحميل ثلاث سيارات بالطوب الحراري وحده دون أن يأخذ راحة؟؟ كإنسان آلي يجوب بينهم بصمت مريب .. برزت عروق يده وهو يصك على فكيه بعنف لحمله أحمال ثقيلة فوق كتفه يضعها أعلى السيارة دون مساعدة أحد، ومن يكون حظه تعيس يعترض طريقه !!
علم علي من العمال أنه منذ مجيئه على هذا الحال.. اقترب منه وقال بلوم :
يا سيدي طلع همك بس متعجزش نفسك
لم يرد يعقوب فأضاف علي بريبة:
لازم ترجع معايا البيت أمي مش هتسكت غير لما تشوفك
ألقى يعقوب ما في يده بعنف واتجه إلى غرفته يبدل ثيابه، لا يريد التفكير الذي يضرب رأسه بسهام ملتهبة.. نيران تأكل الأخضر واليابس مشتعلة بين صدره، لا يصدق أنه فاق على غباءه لتلك الدرجة، مغفل، واحمق يحارب لأجل أوهام .. لكنها أوهام قتلت غرام أنبت بين ضلوعه!!
مسح وجهه براحته وبلع غصه تذبح جوفه بسكين أملد، أمسك زجاجة ماء باردة وسكبها فوق رأسه لكن إذا أخمد غليان الدماء في رأسه كيف يطفئ حنايا قلبه؟!
؛*************
استقبلت سمر عناق عبده بفرحة وهي تبتسم بخجل، لم تشعر بأنها عروس إلا عندما رأت في عينيه سعادة طاغية ومن حين لآخر يعانقها بقوة مقبل رأسها .. ضحك سالم مغمغمًا بعبث :
يابا دي خطوبة لسا بدري على الاحضان دي
تجاهله عبده وهو يضغط على كتف سمر يقربها منه :
سيبك منه ده متغاظ عشان متحضنش كده يوم فرحه
تفحصت رحاب قطع الذهب للمرة العاشرة وهي تهتف بضيق:
يعني مش عارفه تختاري حاجات اتقل ولا بنت عمك صغيره ومش شايفه
ردت سمر باقتصار:
مها ملهاش دعوة انا أخترت اللي عجبني
ولج سعد للداخل دون أن يتفوه، وانسحب إلى غرفته مناديا على سميه التي اتبعته بتعجب .. بعد نصف ساعة جهزوا النساء طاولة العشاء، التفوا حولها وشرعوا في تناول وجبتهم على شرف العروس .. حاول عبده مراوغة سعد ليفهم سبب تغير حاله ولكن لم يجدي نفعاً معه، تركه على راحته واخبرهم بذهابه لمنزل جابر لتحديد موعد عقد قران خلود في وجود أهل أكرم،
؛***************
: ساكت ليه ؟؟ زعلت ولا استغربت ؟!
غمغم بشرود وهو يلهو بالملعقة داخل طبقه :
يمكن استغربت أو دماغي موصلتش لكده
وضعت كوثر معلقتها وهي تقول بسلاسة :
متتخيلش حبيت هند ازاي وكبرت في نظري
عقد جبينه باستغراب وسألها مستفسرًا:
عشان كده شايف الحماس في صوتك ؟!
أومأت كوثر بتأكيد فاستكمل موسى بجمود :
وده عشان تتأكدي إنها كويسه ومفيش ما يمنع للخلفة
ضحكت كوثر بخفة وجالت بنظرها بين عليا وموسى متسائلة بمزاح :
أنا مكشوفه أوي كده
هزت عليا رأسها فقالت كوثر بلامبالاة :
وايه الغلط لما نطمن عليكم انتو الاتنين ولا هي تظلمك ولا أنت تظلمها
ترك موسى مائدة الطعام متجه إلى الدرج ليصعد غرفته، لا يريد إدخال نفسه في خانة الاختيار لدى هند، لكن لا يجد شرح منطقي لطلبها إلا أنها ترتبط به لأجل الأطفال .. جال على خاطره أنها عانت من الكذب لأربع سنوات وهي تعتقد أنها تؤجل الانجاب بالاتفاق بينها وبين زوجها السابق وهو يخبئ عدم قدرته على الإنجاب كما قص إليه عامر، التمس الأعذار إلى قلقها من علاقتها معه وهو يضع نفسه محلها إذا تعرض لوجود شخص بغيض مثل أحمد في حياته .. وها هو مجبر على معالجة كل ما تسبب فيه ذلك الاحمق من جروح لم تشفى داخل محبوبته، ومادام أنه قرر خوض معركة الفوز بها عليه تقبل أفكارها إلى أن يبرهن عن اختلافه.
؛****************
وقفوا ينتظرون صعودها بارتباك، دارت نجاة في الغرفة ذهابًا وإياباً.. ومكثت ناديه بجانب باب الشقة تحدق في الدرج، في حين عقدت هند ذراعيها وهي ترمق إخوتها المجتمعين في غرفتها يرقبن صعود صباح …
: ها قالك ايه ؟؟!
تسألت ناديه بلهفة وهي تجر صباح من معصمها للداخل، واقتربت نجاة بفضول بادي تتساءل هي الأخرى :
هو مش هيطلع ؟! ولا في حد معاه ؟؟!
جلست صباح على الأريكة مردده باقتضاب :
كل واحده تقعد قي شقتها مع بناتها ومحدش ينزل تحت
استكملت وهي تتطلع إلى الفتيات الواقفين على الباب :
وكل واحده ملزومة ببناتها من يوم ورايح
قطبت نجاة جبينها باستغراب متسائلة بعدم فهم:
يعني ايه ؟! هو مش هيطلع عندنا ولا ايه ؟؟
ردت عليها من بين أسنانها:
لا يا حبيبتي مش هيطلع وبعد كده اي حاجه هتحصل هيسألنا إحنا وملوش دعوة بالبنات، فطار غدا عشا كل واحده في شقتها إلا يوم الجمعة هننزل لغدا العيلة
دارت نظرات الاستغراب والتعجب بين الجميع، أحياناً يجلس بمفرده في الطابق الأول ليلة أو ليلتين ويعود لعادته .. وفي حياتهن لم يسمعن أنه يبتعد بتلك الطريقة ويلقي مسؤوليتهن على أمهاتهن، لم تفهم ما يفعله سوى نجاة التي نظرت إلى حسناء وقالت بتهكم :
عيشنا وشوفنا نفسنا من غيره وهو عايش بسببك
جف الدمع في عينيها المنتفخة المتورمة باحمرار .. لم تكف عن البكاء وهي ترى اللوم والعتاب يحاوطها من جميع الجهات ويذكرها بنظرات والدها القاتمة والتي لم تعهد منها سوى الدلال والحب .. تطلعت ناديه إلى هند وسألتها بدهشة :
بس هند لما رجعت من المصنع قالت إنه كان طبيعي وشكله مش مضايق ؟؟!
ردت أمل على والدتها بعاطفة :
دا لأن بابا مش بيخدنا كلنا بذنب واحد، بس هو زعلان وشكلها مش زي كل مرة
ارتفع صوت رنين هاتف المنزل الخاص بالأربع طوابق بداية من الشقة الأرضية إلى الثلاث شقق التابعة لهن .. رمقت صباح الهاتف بتوتر فمن الممكن أن يكون استمع إليهن وقد حذرها من ذلك الجمع :
ردي عليه يا نجاة
رفعت نجاة كتفيها ببراءة متمته بارتباك:
هو رن على شقتك ولا شقتي، ردي أكيد عايزك
قبل أن ترفع السماعة انتهى الرنين، عم السكون بينهن والاعين معلقة على الهاتف.. وضعت صباح يدها مستعدة للرد، لكن جاء صوت فتح باب الشقة الذي جعلهن يفزعن ظنًا أن المعلم سالم صعد لغضبه من عدم ردهن،
: مالكم ؟!!
قالتها مها التي ظهرت وهي ترمقهن بريبة من تجمعهم، وضعت صباح يدها على صدرها متمتمه بخفوت :
كان هيطلع عليا القديم والجديد لو كان طلع
قطبت مها جبينها بعدم فهم ثم هتفت بتذكر :
بابا قبلني وأنا طالعه وبيقول لماما ناديه تنزله الورق اللي فوق الخزنة
نهضت ناديه بسرعة فقالت مها بتلقائية :
هو راح عند عمي جابر
أومأت صباح بتفهم وأردفت بتفكير :
زينب كانت بتقول إن أهل أكرم هيروحوا يحددوا كتب الكتاب وباين كده هيحددوا شبكة سمر وخيريه ويومها
انسحبت حسناء تصعد بهدوء إلى غرفتها تهرب من ندمها باللجوء لفراشها .. غفوة بعيدًا عن الواقع كل ما تحتاجه الآن، وربما لن تجاهد نفسها مثل الآخر الذي يتململ في السرير بعدم ارتياح وكأنه يتمدد على فراش شائك، اقنع والدته بأن تغلق الموضوع نهائياً بصعوبة، وليته يستطع طوي تلك الصفحة مثلما يصطنع أمامهم… جاء عمه يلبي طلب والدته وكانوا على وشك الذهاب لمنزل المعلم سالم قبل عودة عزيز لإصلاح الأمور، حينها أضطر على أخبارهم بأن المشكلة تخصه مع حسناء ولن تحل إلا بفسخ الخطبة .. نهض بغتةً ينير إضاءة خافتة بجواره ثم اتجه إلى الخزانة حيث وضع علبة الذهب التي قدمتها حسنيه إليه بناءً على طلبه.. فتحها وأخذ الخاتم الالماسي ثم أعادها للخزانة، أمسك الخاتم يتأمله بثبات وهو يبتسم بسخرية على ما فعله لأجل شرائه ..
: معلش كله يتعوض
تمتم بهمس مريب وهو يضع الخاتم أعلى الكومودينو، واندس في الفراش يغمد تعاظم جموحه … وقد قطع على نفسه إحراق تلك الصفحة ليس تجاوزه فقط!!
؛***********
ضحكت بدلال على مزحته السخيفة مردده بنعومة لا تليق بها بتاتًا:
مضحكتش من زمان كده
قدم إليها كوب العصير مغمغمًا بمكر :
تدوم طول العمر
أعطته نظره خبيثة وهي تأخذ الكوب بامتنان .. فتطلع معتصم إلى ريهام التي فتحت عينيها على وسعهم لا تصدق ما تراه من والدها، استقام معتصم وولج للمطبخ يبحث عن والدته المشغولة في تقديم الضيافة للمرة الثالثة منذ مجيء هانم وابنها من ساعتين:
ما كفايا هو إحنا هنعلفهم طول الليل
شهقت دولت من فظاظة حديثه وقالت بعتاب :
افرض سمعوك، وبعدين كل واحد بيقدم اللي من مقامه
امسك يد والدته وهو يهدر بضيق شديد :
اطلعي اقعدي ياما وشوفي جوزك قبل غيرك ما يصطاده
” يصطاده !!! ” رددتها دولت وهي تحدج معتصم بعدم فهم، ظلت دقيقة تعيد الكلمة داخل رأسها إلى أن فقهت ما تفوه به .. احتدت تعابير وجهها وهي تلقي منشفة المطبخ بعنف، ابتسمت بجفاء واتجهت بجوار صبري الذي اختفت ضحكته عندما رآها تقترب مصطنع الوقار، ضربت غلى كتفه وهي تقول بجمود :
قوم يا حاج ريح الوقت أتأخر عن معادك
واسترسلت وهي تنظر إلى هانم:
أصل عضمه كبر وبينام بدري حُكم السن بقا
جحظت مقلتي صبري بصدمه بينما تمتمت هانم بلطف :
العمر كله بصحة، لسا أبو أحمد شباب
التفت ريهام إلى محمد الجالس بصمت وقالت بكدر :
ايه ملكش دور في الليلة دي
لم يستمع جيدًا لما قالته فسألها بانتباه:
معلش قولتي ايه ؟؟!
ابتسمت بسماجة مردده بلا اكتراث:
ولا حاجه ركز مع ماما بتقول حِكم
نهضت هانم وهي تشير إلى محمد:
نستأذن احنا
مقابل لها نهض صبري مردفًا برجاء :
لسا بدري اقعدي وأنا اوصلكم
وضع معتصم يده أسفل ذقنه يرمق والدته بتسلية التي انتفضت تقف بينهما وقالت بحنق :
نورت يا محمد أنت وأمك
انتظر خروجها ودار متجه إلى غرفته فصاحت دولت بتهكم :
ما لسا بدري يا أبو أحمد
: صحيني على صلاة الفجر
قالها باقتضاب وهو يغلق باب الغرفة بحده .. عادت تجلس وهي تحدج الباب بشرود، هل أعطت الأمان والثقة في غير محلها ؟! أم أن زوجها سيعيد أمجاد المراهقة مجددًا ؟!
؛************
لوحت مي إلى خلود وعلقت يدها في ذراع ربيع الذي جاء لأخذها للعودة لمنزلهم .. تهللت أسرارها عندما وجدت سوبر ماركت لم يغلق بعد في هذا الوقت المتأخر :
ربيع روح اشتري شوية شيكولاتات وايس كريم نتسلى فيهم لما نروح
نظر إليها بطرف عينه وهو يسحبها بعيدًا عن المحل :
مش ملاحظه أنك تخنتي يجي ١٠كيلو
انكمشت قسمات وجهها فاستكمل بعبث :
وكده هفكر اضحي بيكي على العيد الكبير
اصطنعت الضحك وهي تقول باشمئزاز :
يالهوي هموت من خفة دمك
تسمرت محلها متمتمه بتبرم :
متبقاش تاكل منهم ولا أشوفك بتفتح الدرج بتاعي
عبست ملامحه وهو يعود للمحل بكدر .. ملأ كيس بلاستيكي كبير بكل ما تشتهيه، قدمه إليها مغمغم بمراوغة:
إلا زعل البطة
أخذت الكيس برضا وعلقت يدها في ذراعه وهي تسأله بحيره ما أن كان جائع أم يكتفي باحتساء مشروب عند عودتهم، فقد أخبرها أن الأطفال خلدوا للنوم باكرًا مع جدهم وجدتهم، لتستغل فرصة مكوثهما بمفردهما وتستمع بمشاكسة ربيع العفوية.
؛؛؛؛
دخلت خلود لعرفتها بعد رحيل الجميع، وطلب جابر من زوجته بتجهيز شطيرة كي يأخذ علاجه قبل النوم .. لم يتبقى سواها تؤنس وحدته، كانت تشاهد التلفاز بتركيز فاقترب منها بهدوء إلى أن التصق بمقعدها.. دارت برأسها تحدقه بتعجب متسائلة باستغراب:
في ايه ؟!
أمسك يدها بين كفيه وغمغم برفق :
مش نطلع شقتنا ونعيش زي الناس بقا
نظرت نيره إلى يدها وقالت بضجر :
سالم أنت سلمت على الرجالة لما كانوا هنا ومسكت ايدي من غير ما تغسلها
حدجها بذهول غير مستوعب ما خرج من فمها للتو!!.. لبث يضغط على كفها دون حركة جعلتها تراقب تغير قسمات وجهه، ابتسمت بخفة ورددت باضطراب :
الحامل مناعتها بتكون ضعيفة والجراثيم بتعمل مشاكل كتير بتأثر على صحة الحنين
دفع كفها بقرف مزمجرًا بنفور :
امشي اطلعي، دا أنا اللي استاهل ضرب الجزمة
؛*******
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)
