رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم حسناء محمد
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء السادس والثلاثون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت السادس والثلاثون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة السادسة والثلاثون
مر خمس أيام بروتين طبيعي على البعض، والآخر مازال يصارع لأجل حريته .. تحسنت حالة ندى إلى حد ما وقررت العودة مع سالم حين زيارة الطبيبة، انشغالها مع أطفالها يجعلها أفضل من ابتعادها عنهم وتترك مساحة للتفكير السلبي يستحوذ على مزاجها.. وفي جلسة عائلية ذهب خليل مع والده ومرتضى للرؤية الشرعية، وبالضغط على سمر أخبرتهم موافقتها كي تستريح من جدال لا ينتهي لفهم أنها لا ترفض لشخص بل لأنها ليست مستعدة،
على صعيد آخر تم الاتفاق على عقد قران خلود وأكرم بعد أسبوعين من الآن قبل انتهاء إجازة عائلة أكرم في مصر، ولكن لم تكتمل فرحة جابر حينما علم بأن سالم يريد الانفصال عن نيره في أسرع وقت بهدوء حفظًا على عشرتهما بحلوها ومرها، وعند إذًا تدخل المعلم سالم وطلب من والد نيره الرد على الأسباب المقدمة من ابن أخيه لحل المشكلة بين الطرفين بحكمة مادام فشلوا في تخيطها معًا …
؛*******
مضى على وجوده ثلاث أيام ولم يلاحظ اي شيء غريب، لكن المكان حوله مريب، يشعر بانقباض قلبه بين جدران الغرف، متقزز من ذكريات تراوده بين الارجاء .. وفي نفس الوقت شعور متضارب مع نفروه يأخذه لحنين صوت ضحكات أخته وتسامرهم معا، لوهلة تصور أن وفاتها كابوس مزعج سيستيقظ منه ويجدها بجانبه كما كان محلها دائماً بالقرب منه..
مسح دمعه هاربه على وجنته وهو يشعر بدخول مغازي الغرفة وهو يقول بسخرية :
وأنت رجعت عشان تحبس نفسك في الاوضة
رمقه عمر بجمود وتمتم ببرود :
بعد كده تستأذن قبل ما تتدخل مش زريبه هي
ضحك مغازي وهو يردد بتهكم :
ليك صوت وبتعرف تتكلم مش زي ما فهموني
حدجه عمر بثبات وأردف متسائلاً باستنكار :
مين دول اللي فهموك؟!
ابتسم مغازي وقال بخبث :
متشغلش بالك، المهم دلوقتي لو مطول هنا أرجع بيتي عشان محبش اكون ضيف تقيل
هز عمر رأسه بالنفي مغمغم بوجوم :
لا مش مطول اشبع بيه لوحدك
واستطرد وهو يقف مستعد للخروج :
كان عندي فضول أعرف سبب وجودك هنا بس شكلك حريص زيادة عن اللزوم
تحرك تحت نظرات مغازي المحتدمة والتي تراقبه بحذر منذ مجيئه، توقف عن النزول للبدروم نهائياً وأغلق الاقفال على الباب .. كان سعيه لأموال طائلة وليس في ورطة عويصة لا يضمن نتائجها، والآن تعسر الأمر بجلوس عمر الذي لو علم بمحتوى البدروم لانتهى أمرهم جميعًا،
؛*******
لصغر حجم الشقة يخلد للنوم على الأريكة وترك الغرفة إليهن، وجد عمل ليلي في مقهى بالشارع المجاور للبناية، بعد بحث طويل لأجر يومي مرتفع لكفاية حوائجهم لم يجد سواها … شعر بضوضاء حوله وخطوات عشوائية، فتح عينيه بتثاقل وهو يجول بنظره بنعاس، على حين غرة انتفض من استلقائه متسائل بقلق :
رايحه فين ؟؟ وايه الشنطة دي ؟!
تطلعت ليلى إلى حقيبة اليد متمتمه بقلق :
هرجع القاهرة واجي بكره
استقام سيف مردد باستفسار:
راجعه القاهرة ليه ! ليكي ايه هناك دلوقتي ؟
ردت عليه بتلقائية وهي تمسك يد صغيرتها بقوة :
بواب العمارة كلمني واشتكى من السكان الجديدة وبيقول أنهم بيستخدموا الشقة بطريقة مش كويسه
قاطعها متسائلاً باستنكار :
وأنتِ مالك بكل ده ما خلاص بعتي الشقة ؟!!
: ما الجيران هيجمعوا بعض ويشكتوا باسمي لأن الراجل بينكر أنه اشترى منه الشقة وبيقول أنه مأجرها
نظر إليها لبرهة يستوعب الحديث ومن ثمّ صاح بحده :
لا استني هو أنتِ أصلاً مقفلتيش الخط لحد دلوقتي
زاغة عينيها وهي تهتف بارتباك :
مردتش اقفله يمكن مكالمة ضرورية تيجي واهو البواب كلمني
احتقن وجه بغضب وهو يهدر بسخرية بالغة :
بواب ايه دي صنارة رمها جوزك المبجل يا ست ليلى
واستطرد بحنق :
وأنتِ زي الهبله رايحه تمسكيها لأنك معندكيش مخ
صاحت ليلى بانفعال تقاطعه :
لا أفضل قاعده لحد ملاقي بلاغ متقدم فيا واتحبس وبنتي تقعد من غير أم وأب مع واحد زيك
أخفى حسرته وراء نبرته اللامبالية وهو يعود للأريكة:
الباب قدامك والسكة مش بعيدة روحي عشان بنتك متفضلش مع واحد زي أصلي مش عز
أخفضت رأسها وقالت باضطراب :
عز سافر ايطاليا أنا متأكدة
لوى جانب فمه وردد بلا اكتراث :
بس لما تلاقيه قدامك بلاش تعرفيه طريقي
لم تهتم إلى ساخفته وأخذت ابنتها متجها إلى القاهرة، معتقده أنها ستعود إليه غدًا وتثبت صحة تفكيرها وأنه أخطأ في الاستخفاف بعقلها .. عكس سيف الذي ثار في المكان وهو يصفها بالغبية التي لا تتعلم من حماقتها، يدرك أن عز لن يترك ما حدث وراء ظهره قبل أن يثأر من الجميع حتى لو عاد للسجن وتم القبض عليه.. أراد أن يلحقها ويمنعها من السير في طريق الهلاك ولكن قيده شعور الحيرة لأن في كلتا الحالات لن يضرها عز،
؛***********
حمحم بخفوت يهندم ياقة قميصه الأبيض وأخذ باقة الزهور متجه للخارج، وجد أكرم يقف ينتظره بتأفف من تأخيره وما أن رآه تأمل طلته الجذابة قائلاً بإعجاب :
ايه الحلاوة دي ولا كأنك العروسة
رمقه عامر بضيق وأردف بتوتر :
الورد حلو ولا كان المفروض أجيب حاجه تانيه
سحبه أكرم من معصمه وهو يقول بضجر :
وأنت لسا فاكر تسأل امشي اتأخرنا
خطى بجانبه وردد بتفكير :
أنا قولت لمرتضى ويعقوب يجوا معانا كده كفايا
ضحك أكرم وهو يهتف بتهكم :
غلطان طبعاً مش تشوف خمسه سته كمان
زفر عامر من أسلوبه الساخر غير مقدر موقفه المرتبك، ثم غمغم بكدر :
اومال يعني ادخل لوحدي
على مرمى بصرهم كان مرتضى بصحبة يعقوب يقفوا بانتظاره، فتساءل أكرم بعدم فهم :
وعمك اللي حكتلي عنه مش هيرجع فعلاقته معاكم زي ابنه ؟!
رفع عامر كتفيه بلامبالاة، عند عودة أكرم من السفر بحث عن منزل عامر الجديد لاشتياقه لتسامرهم ومكث معه طيلة الليل لا ينتهي حديثهما… لا ينسى أول مره تعرف عليه وجلسوا الاثنين معاً فترة طويلة حتى عاد أكرم إلى أستراليا واستمرت الصداقة عبر المكالمة الهاتفية،
هون مرتضى من توتر عامر وبدأ ينصحه بعض النصائح التي تنفعه في أول مقابلة، وساروا الأربعة باتجاه منزل المعلم سالم… وجدوا سالم جابر يجلس في البهو بصحبة عمه، الذي أخذ عامر وولجوا للداخل وترك الشباب محلهم،
بعد دقائق خرجت صباح تطلب من مرتضى التقدم ليأخذ صينية الضيافة إليهم، وفي نفس الوقت عادت هند من المصنع ومعها خديجة، ألقوا التحية واكملوا سيرهم للمجلس.. ما هي إلا لحظات وخرجت خديجة ومعها أوراق ما، انتظر يعقوب اقترابها منهم وصاح متسائلاً بجمود:
أخبارك ايه يا خديجه ؟؟
ردت عليه باستحياء وصوت هامس :
الحمدلله
: واخبار الحراميه ايه ؟؟ اوعي يكونوا رجعوا ومقولتيش
رفعت نظرها ترمقه بثبات وهي تردد باقتضاب :
لا مرجعوش
واسترسلت بتبرم :
شكراً لسؤالك يا ريس يعقوب
أومأ بهدوء ونظر إلى الجهة الأخرى دون أن يعير اهتمامًا، صمت مرتضى لحين خروجها وقال بعتاب :
ياخي طلع البنت من دماغك
في الأعلى داخل الطابق الأول كانت تقف مع إخوتها لرؤية عامر عندما يأتي قبل أن تجلس معه خيريه، انتبهت على جملة مرتضى ولشدة غضبها ابتعدت عن النافذة بسرعة وصعدت إلى غرفتها وهي مذهولة مما فهمته.. في البداية تعجبت من مبادرة يعقوب بالحديث مع خديجة، لم يكن الصوت مرتفع بالقدر الكافي لمعرفة ما يدور بينهما ولكن الواضح أنه من بدأ معها، وعتاب مرتضى ظهر بصوت عالٍ استطاعت فهمه لتفسر أن يعقوب يغازل خديجه!!!
عودة للأسفل لذلك الغافل عن المتهورة التي فهمت الأمر من وجهة نظر خاطئة، سأل مرتضى باستغراب :
هو بجد أنت مصدق البنت دي ؟؟؟
ابتسم مرتضى مغمغم بلامبالاة :
ياعم أصدقها ولا لا هي في حالها وأحنا في حالنا
هتف سالم بعدم فهم وهو يرمقهما بحيره :
لا أنا عايز افهم الحوار مش زي الأطرش في الزفه
أضاف أكرم بفضول وهو يرتشف من العصير :
وأنا كمان عايز أفهم الحوار
تطلع سالم إليه وأردف بحنق :
ياخي أنت حاشر نفسك في اي حاجه وخلاص
ضرب أكرم الكوب فوق الطاولة الصغيرة الموضوعة بينهم وهو يقول باستهجان :
أنا لو مرات أبوك هتعاملني أحسن من كده
: أنا مشفق على أختي
لا مانع من المزاح والضحك ولكن لم يمنع سالم من معرفة الحديث المبهم بين مرتضى ويعقوب، والذي أثار الشك بداخله من قبل تلك الفتاة …
؛؛؛؛
بداخل المجلس
جلس عامر على المقعد المواجه إلى خيريه ووضع باقة الزهور أمامها على الطاولة وبالقرب منهم كان مقعد المعلم سالم الذي ظهر من باب الغرفة يقرأ ملف ما …
حمرة الخجل بدت على وجنتيها وهو يحكي قصة إعجابه بها منذ أول لقاء إلى وقته جلوسه معها، كان الارتباك يسيطر عليه في البداية ثم شعر بالارتياح مع التفوه بكل ما بداخله من أحاسيس مرهفة، أنهى حديثه بتنهيده حارة لِلوعة قلبه العاشق الذي انتظر كثيرًا لأجل ذلك اللقاء.
خفق القلب بطرقات جديدة على أبوابه، يعلن بزوغ الهوى لمن جاء وأفصح عن شغفه وأثبتت حسن نواياه ..
ردت خيريه باستحياء وهي تفرك يدها بتوتر:
مش عارفه أقول ايه بعد القصة العجيبة دي، بس عندي طلب لو ممكن اسمع ردك فيه
هز رأسه بتأكيد مردد بترحاب :
أكيد اتفضلي
: سبب رفض بابا الاول عشان فعلاً أنا مش هقدر استقر في مكان بعيد عن أهلي ودي مش انانيه مني بس حرية شخصية زي بالظبط ما حقك توافق أو ترفض
حرك عامر رأسه بتفهم من صوتها القلق وقال بجدية :
وأنا بأكدلك إني مش هرجع في كلامي وأن شاء الله ربنا يقدرني أحضر لأمي وهاجر دور خاص بيهم هنا
ابتسمت بخفوت واندمجت في الحديث المتخلف معه، حتى أنهما لم يشعروا بأن الجلسة أخذت منعطف غير تعارفهم للمشروع الناشئ بينهما وما الجديد في تشغيل الآلات وأجهزة التبريد مع المهندس المسؤول.
؛*********
فتح باب السيارة يساعدها على الهبوط برفق، ثم رفع يدها فوق معصمه يساندها في السير للداخل .. اجتمعن النساء لاستقبالها بحفاوة وكل واحدة تتسابق في تقديم الفواكه والعصائر أمامها، لم تهتم ندى إلا لرؤية أطفالها، ضمتهم داخل أحضانها بقوة وهي تقبلهم بشوق كبير وكأنها غابت لسنوات ليس أيام فقط،
: حمد لله على سلامتك يا ندى نورتي البيت
ابتسمت ندى مردده بامتنان:
منور بوجودك يا ماما
هتف سالم وهو يحمل صغيرتهم من بين ذراع ندى :
هاتي حنين عشان متتعبيش وتعالى اطلعك فوق
ردت رحاب عليه بضيق طفيف :
ما تسيبها تشم نفسها الأول
قدمت سحر كوب العصير الى ندى وهي تقول بحنو :
اهي قعده معانا لو تعبت هنطلعها إحنا
استمعوا إلى صوت ضجيج آتي من المدخل ومن الطبيعي معرفة صاحب الضوضاء، اندفع سعد أمامهم أثر وكز عبده إليه من ضيقه لثرثرته التي لا تنتهي .. وخلفهم دلف محمود وهو يجر أقدامه بوهن، رأسه منخفضة ووجهه مشحوب، ذقنه النابتة أعطته فوق عمره عشر سنوات، حول عينيه سحابة سوداء برهان على أرقه ليالٍ طوال،
كل هذا مجرد ظاهر على هيئته، أما داخله فقد مات مرارًا من تأنيب ضميره الذي أصابه بسهام اللوم بعد فوات الأوان، سكن الشجى ضلوعه وشاع ألم عضال أنبت وترعرع في قلب تعمر بالحسرة .. أجزم على نفسه بالسوء فأصبح الحاكم والمحكوم
عبر عبده عن سعادته البالغة بعودة ندى وكذلك سعد الذي صاح يهلل بفرحة عارمة:
احلف بأيه أن البيت كان مضلم من غيرك
واسترسل مردفًا بزهو :
من أول وصولي عند البوابه وأنا شايف نورك
ابتسمت بمجاملة ونظرت إلى محمود تعاتبه بلطف :
ايه اللي شاغل محمود عشان مشفهوش من كام يوم
لم تريد ذكر اليوم المؤلم عليهم، ولكنه لم يفارق محمود كي يتذكر وهو يعيش بداخل تفاصيله.. ظل بعيد بعينيه عنها وتمتم بفتور :
حمد لله على سلامتك
ذادت دهشت سالم من حالة أخيه المريبة، لِما الانكسار يبدو في نبرته الهزيلة؟؟ ولِما يتعمد الهرب منه أو الجلوس معه منذ آخر لقاء في المشفى!! بدلاً من وجوده أول شخص يسانده من محنته يختفي دون ترك سبب مقنع، جهزت سميه ومياده مائدة الطعام بكل ما لذ وطاب .. والتفوا جميعًا يتناولوا وجبتهم مع مزاح سعد ومشاكسته إلى عبده،
؛*********
جاءه اتصال من إحدى الممرضات تخبره بوجود فتاة تعرضت لحادث سير في المشفى أعطتهم رقمه للتواصل معه.. ركض في الممرات بذعر يبحث عن رقم الغرفة، فتح الباب على مصراعيه وهو ينادي باسمها بخشية:
متقلقش أنا كويسه
أمسك وجهها بين متسائلاً بخوف:
ايه اللي حصلك ؟؟ حاسه بأيه
وضعت عليا يدها على رأسها تتحسس الشاش الطبي الملتف حول رأسها:
صداع جامد مكان الخبطة والنيرس بتقول هيخف مع العلاج
خرج موسى من الغرفة يبحث عن طبيب يوضح حالة عليا ليطمئن على صحتها، ومع إصراره أخذه الطبيب يريه الأشعة الخاصة بها والتي تؤكد أنها مجرد كدمة لا تستدعي القلق … فعاد إليها ليفهم سبب الحادث، كان رد عليا غير مرتب من روعها لما تعرضت إليه:
خرجت من المول وقبل ما أوصل للعربيه ظهرت قدامي عربيه سوده زي متكون قصداني محستش بنفسي غير وأنا بجري وبعد كده صحيت لقيت نفسي هنا
رتب على كتفها برفق مغمغمًا بشرود :
ارتاحي دلوقتي وأنا جنبك
انصاعت إليه واستلقت على الفراش تغمض عينيها محاولة الاسترخاء، بينما على أقرب مقعد جلس موسى يفكر فيما حدث.. في الصباح الباكر أثناء ممارسته لبعض التمارين الرياضية تفاجأ بشخص ملثم يحاول فتح سيارته، انتظر موسى في الشرفة ليرى ما يفعله لأن غرضه إذا كان سرقة لِما يهبط أسفلها لبعض الوقت يفك المكبح!!!
ولذلك استعان بطلب سيارة من إحدى الشركات يستأجرها لبضعة أيام دون أن يمس سيارته، وليس من الطبيعي حادثة اخته ومحاولة قتله في يوم واحد.. ولكن من مصلحته في التخلص منهما في آن واحد؟!!
يوم العجائب أم تتوالى الصدمات واحدة تلو الأخرى دون فاصل، رفرف بأهدابه عدة مرات متتالية يقرأ الرقم الذي يعتلي شاشة هاتفه بعدم تصديق.. دون دراية منه عقله أجاب على الاتصال بتلقائية :
موسى عايزاك في موضوع مهم
نبرتها المتوترة جعلته يسألها بخشية:
مالك يا هند ؟! أنتِ كويسه ؟؟
ردت عليه بحده ممزوجة بارتباك:
هكون كويسه ازاي باللي أنت بتعمله
واستطرد مستكملة باستفسار:
أنت اللي بعت الرسايل البايخه دي صح ؟؟
قطب جبينه باستفهام وهتف متسائلاً بتعجب :
رسايل ايه ؟؟؟ وضحي اكتر
بدت الحيرة على صوتها وهي تسأله باضطراب:
بجد مش أنت اللي باعت الرسايل؟؟ لو سمحت قول الحقيقة وأنا مش هضايق
: بقول الحقيقة مش فاهم رسايل ايه صدقيني
صمتت لبرهة وأردفت بضيق شديد:
يبقا حد سمعنا واحنا في المصنع وعايز يستفزني
استقام بطوله متجه للشرفة وسألها بضجر :
بدل ما تتكلمي بألغاز محدش فهمها غيرك عرفيني تقصدي ايه ؟
صاحت بنفاذ صبر ونبرة مرتفعة:
ما قلة ادبك السبب عشان حد يبعلتي أنه مصدوم في تربية المعلم سالم واني ماشيه معاك وبسمحلك تتغزل بيا
لم يعقب موسى عليها وشرد في كل هذه الأمور المتعلقة به والتي تسير تبعاً بشكل مريب، أردفت هند بحزم :
أنا هبلغ بابا يكون في علمك ومش هسمح لحد يستغلني
وافقها موسى الرأي مردد باقتصار :
يكون أفضل برده لو مروحتيش المصنع اليومين دول
غمغمت بكدر تعقيب على برودة أعصابه:
حقيقي مش هسامحك لو حصل اكتر من كده لأن كله بسببك
ولجت الممرضة وهي تطلب منه النزول إلى الاستقبال لإكمال الإجراءات، فستأذن من هند الإغلاق وسيتصل بها مجددًا دون أن يوضح أكثر.. فشعرت الأخرى بتغير صوته وحسها ينتابه شك بأمور تدور حولهم بريبة وكأن كل شيء مرتب وليس مجرد صدفة!!!
؛**********
خرج يقف أمام المنزل يستنشق هواء بارد يخفف من اختناقه، ويتصل على والدة منير للاطمئنان على أولاد أخته، لم يرى اهتمام مثلما تفعل تلك السيدة منذ وفاة أماني، حتى بوجود هاديه كانت علاقتها روتينية لم يجد الحنان والعطف منها عليه ولا شفقة على المسكينة التي قتلت بالبطيء أمامها ..
: خُد بل ريقك بكوباية الشاي دي من ايدي
وضع عمر الهاتف في جيب سرواله مغمغمًا بسخرية وهو يرمق الكوب المقدم من مغازي :
مش لاقي كلمة توصف حنان الأم اللي جواك
قدم الكوب عنوة مردفًا بإصرار :
اشرب وقولي رأيك لان محدش شرب من ايدي إلا وحلف بحلاوتها
أخذ عمر الكوب كي ينهي ثرثرته، كاد أن يفتح فمه يزجره عن التدخل في حياته ويحتفظ بكرمه لحين مغادرته، لكن لفت انتباهه ظل شخص يقف خلف زجاج نافذة الطابق الأعلى .. وعلى حين غرة شعر بضربة قاسية من كرة جلدية أصابت رأسه، شتت تركيزه وانزلق الكوب من يده فتوسعت مقلتي مغازي وهو يكتم غيظه لفشل خطته، استعاد عمر تركيزه ونظر إلى النافذة ولكنه دهش باختفاء الظل؟؟ دار بجسده يبحث عن ذلك المعتوه الذي ضرب الكرة .. مجموعة من الشباب في نفس عمره تقريباً يضحكوا بصوت مرتفع وأحدهم يصيح بأنه فاز بالرهان، اقتربت منهم وهو يمسك بالكرة متسائلاً عن هوية الظريف الذي فعل كذلك :
أنا اللي عملت كده تؤمر بحاجه
رد عليه عمر بشراسة :
متبقاش أعمى وقليل الذوق
انفعلوا الشباب وهدر أحدهم بتهديد:
هات الكرة يا بيضه وروح شوف ماما فين
لم يتحمل سخريتهم وضحكاتهم السمجة، أخرج حلقة مفاتيحه ممسك أحدهم بقوة يغرزه في الكرة بعنف، بعد أن أنهى افسادها ألقاها عليهم ودار يغادر ببرود .. لكن سرعان ما أمسكه أحدهم يعنفه بسخط وباقي المجموعة تلتف حول عمر لمنعه من الفرار، واحتد الشجار بالحديث إلى أن بدأ قتال غير عادل من خمس أفراد وشخص وحيد، ابتسم مغازي بتشفي وولج للمنزل تارك عمر يتلقى ضرب مبرح، لم يخلصه منهم إلا المارة الذين تجمعوا سريعًا لفض العراك.. وحينها نفذت قوى ذلك البائس واستلقى أرضًا ينزف من وجهه متأوه من آلام جسده، أخذه أحد الجيران في سيارته إلى المستوصف الموجود بالقرية شفقة على حاله، ولو علم عمر أن ذلك العراك سبب نجاته من موت مدبر لكان ممتن لهؤلاء الشباب طيلة حياته.
؛؛؛
داخل المنزل
ألقى زجاجة تحتوى على مادة شفافة مردفًا باقتصار :
بدل اللي وقعت على الأرض
نظر مغازي إلى الزجاجة وهو يقول بقلق :
وافرض حس بحاجه، دا كان خلاص هيشرب لولا أن الكوباية وقعت من ايده
واسترسل بخوف ظاهر على قسمات وجهه:
وبعدين اتفقنا اني هاديه تكون معايا واديك قولت هتخليها هنا يبقا أخذ فلوسي وارجع بيتي
رمقه بقتامة وهو يهتف بلامبالاة:
اطلع دلوقتي حضر نفسك وأخرج ساعة خروج الناس من المسجد
عقد مغازي جبنيه باستغراب وهو يسأله بعدم فهم:
ليه؟؟ مش بليل يكون أفضل ؟!
ابتسم بخبث وهو يردد بدهاء :
هتطلع وأنت بتكلم نفسك وتقول إن جالك إتصال من عز عزب بيهددك لو مخترجتش من بيته هيقتلك
رفع مغازي حاجبيه بذهول وهو منبهر من التفكير الشيطاني لذلك الماكر :
طيب وهاديه وأنت هتعمل ايه بعد كده
: لا لحد كده ودورك خلص بس عايز الكلام يلف البلد ويدور بين الناس
لم يبالي إلا لحقيبة النقود التي ألقيت أمامه، سال لعابه وهو يلمس حزم النقود بشرهة، ومن ثمّ أسرع يلملم أغراضه فلم يتبقى على الأذان سوى ربع ساعة،
بينما اتجه الخبيث إلى الأسفل يفتح البدروم، أزاح الاقفال واشعل الإضاءة الخافتة.. تحرك للغرفة الأخيرة يجول بنظره في الإرجاء وبسمته تزين شفتيه بحقد، سحب مقعد متهالك وجلس مقابل الفراش وهو يهتف بلهفة ساخرة :
طمنيني عليكي انهارده يا عمتي
حركت مقلتها ترمقه بثبات فلم يعد لديها السيطرة على حركة جسدها سوى عينيها فقط، ورعشة يديها تزداد دليلاً على انفعالها مع وجوده، فدار يبحث عن الأدوية وهو يقول بقلق مصطنع :
لا شكل حالتنا انهارده أحسن وأنا كده أقلق
قهقه بصخب وردد بنبرة بغيضة :
أصلك متعرفيش أنا دافع قد ايه في العلاج ده عشانك
اقترب بوجهه وهمس بفحيح قاتم :
علاج لوقف عضلة القلب وعلاج لشل حركتك وعشان صوتك الحلو ده مسمعوش وتشكيلة تموتك بالبطيء
ذادت حركة جسدها اللاإرادية فارفع يده يرتب على كتفها مغمغم بحنو متهكمًا :
متزعليش أنا بريح العالم منك، أصل مفيش حد يعرف شرك قدي ولا في مخلوق يقدر يفهم دماغك زي بما أنك اللي مربياني، وبصراحة كان لازم أخاف على نفسي منك
صاح بصوت مرتفع جعلها تنتفض بفزع :
وتيجي صدفه تعرفني أنك كنت عايزه تخلصي مني يا عمتي يا أم مراتي يا جدة عيالي
ابتسم بغرور واستكمل بتغطرس :
وهنا ينقلب السحر على الساحر وتكوني بين ايدي يا هاديه
تجرد من معاني الإنسانية ولم يتعظ بموت والده، تهيئ بصورة شيطان الإنس ولا يرحم الناس من شره، افتقد احاسيس الشخص الطبيعي وتلذذ بإزاء الآخرين، لم يأخذ بعين الاعتبار أنها مجرد حياة فانية وأن السلطة والأموال لن تدوم طويلاً..
جاءه اتصال ينتظره بلهفة منذ ساعات، أجاب بفضول لسماع أخبار تسره :
الست ليلى والسنيورة الصغيرة في الحفظ والصون
انشقت بسمة خبيثة وهو يردف بأمر :
بعد ساعة من دلوقتي في عربيه هينزل منها رجالة تقولك أنها صيانة الاسانسير خد فلوسك ودلهم على طريق ليلى ولوجينا
: يدوم عزك يا عز بيه
أغلق البواب المكالمة وهي يخطط لحياته الجديدة وبجانبه ليلى وابنتها غافلين في ثبات عميق أثر أكواب العصير التي وضع بها أقراص منومة!!!
؛*********** بقلم حسناء محمد سويلم
بعد رحيل عامر جلس المعلم سالم مع خيريه على انفراد، ثم انضم مع بناته قبل تجهيز وجبة الغذاء.. لمح شرود رحمه بعيدًا عن الحديث مع إخوتها، فسألها باستفسار:
مالك يا رحمه سرحانه في ايه ؟!
يعلم أنها حزينة منذ سفر علاء دون أن يأتي لمقابلتها، أخبرته نجاة بتجهيزها إلى كعكة صنعتها من يدها وارتدت أجدد فساتينها متأهبة للاحتفال به قبل رحيله، لذلك كانت الصدمة طاغية عندما حدثها وهو في المطار وطائرته على وشك الإقلاع… ردت بفتور دون أن تنظر إليه:
مش سرحانه ولا حاجه
لا يريد الضغط عليها لعدم وصوله لِما يدور في رأسها، ولكنه أردف بمزاح :
سمعت أنك عملتي كيكه لكن مشفتش حاجه
قطبت جبينها بضيق وهو تهتف باقتضاب :
ما شاء الله صحيت الصبح ملقتش غير الطبق فاضي
ضحكت مروه مغمغمه بزهو :
احمدي ربنا أن في حد أكل من ايدك يا بنتي
بدأ الجدال بمراوغة بين الإثنين فمال المعلم سالم على هند قائلاً بهدوء :
اقعدي مع رحمه واسمعي منها متغيره ليه
ردت عليه هند بصوت منخفض :
دايما قفله على نفسها ورافضه تتكلم معانا
حدجها بكدر وهو يصيح بنفاذ صبر:
اومال انتوا سبع بنات على الفاضي
عم السكون مع نبرته المرتفعة فجال بنظره عليهن وهو يغمغم بحنق :
مش عارف أمته هيجي يوم أقعد فيه والبيت فاضي وكل واحده تكون سحبه خمس ست عيال وراها
صدح صوت ضحكاتهن في الإرجاء، فقالت مروه بغرور :
متقلقش يا حاج أنا مطوله شويه
رمقها بسخرية وردد باستياء ::
عارفه أنتِ بالذات لو جه يوم فرحك هدبح عجلين مش عجل
واسترسل وهو ينقل نظره إلى أمل بوشوشة الوجه :
إنما أمل مش هتطلع من هنا بالساهل
بدأت كل واحده تبدي اعتراضها وأمل تضحك على أفعالهم الطفولية، حينها طلبت هند والدها للتحدث معه في المكتب ..
؛****
في نفس التوقيت داخل منزل مرتضى الذي ولج للتو من الخارج… دهش من جلوس نسرين مع مها، ألقى التحية وأكمل سيره للطرقة، لكنه توقف اثر صوت نسرين وهي تسأله بضيق شديد :
عايز تشتري بيتنا ليه يا سي مرتضى
التفت مرتضى يرمقها وغمغم بلامبالاة :
والدتك عرضت البيت من فترة وأنا جاهز اشتري
: ومن ضمن بيوت البلد كلها ملقتش غير بيتنا
رفع كتفيه ببراءة وقال بسخرية :
هو أنا غصبكم ولا حاجه
واستطرد باقتصار :
قبلتي هشتري مقبلتيش بين الشاري والبايع يفتح الله
أشارت نسرين على مها وهي تهدر بشراسة :
عايز تخرجني برا البلد عشان ترضيها
لم ترد مها وظلت ساكنه في جلستها، بينما زمجر مرتضى بانفعال:
وأنتِ مالك ومالها ليه شاغله بالك بينا ما تخليكي في الجايه عشانه وتقصري
ضغطت نسرين على فكها بغيظ ورددت ببسالة :
مش هتاخد البيت وقاعده على قلبكم
خرجت وأغلقت الباب بعنف وهي تتوعد إليه، اقنع والدتها بمبلغ أكثر من التي عرضته لبيع المنزل منذ فترة ومُصره على ترك القرية وشراء شقة بجانب إخوتها في محافظة أخرى، ولم تجد نسرين سوى أنها تأتي إليه وتخرج غليلها،
دلفت مها خلفه للغرفة وهي تسأله بأهمية:
أنت بجد هتشتري بيتهم؟؟؟
أخذ ثيابه من الخزانة وأجابها بجمود :
أبويا بيدور على كذا أرض مناسبه لبيت خليل وقالي اكلم أم نسرين لو لسا عايز تبيع بيتها
تخطها وولج للمرحاض بوجه عابس، لازال يشعر بالضيق من تصرفها الطائش خاصة عندما علم أنها ذهبت لمنزل نسرين.. تنهدت الأخرى بملل وخرجت للمطبخ تجهز المائدة وتنهي واجبات الأولاد قبل المساء، كي تستغل وجوده معهم الليلة وتحضر أمسية هادئة تخفف من توتر علاقتهم،
؛**********
ارتشف من فنجان القهوة وهو يستمع إلى العامل الذي يخبره بعدد الشاحنات التي خرجت محملة بأدوات البناء والطوب الحراري الذي اشتهر محجرهم بصنعه .. تفاجأ الاثنين بمرآه منتقبة دخلت للغرفة دون استأذن، وضع يعقوب فنجان القهوة من يده على حافة المكتب متسائلاً بتعجب:
مين حضرتك ؟؟ ودخلتي لحد هنا ازاي ؟!!
ردت عليه بصوت هامس يكاد مسموع :
أنا اللي كلمتك في التلفون من شويه عشان علاج ابني وقولتلي تعالى وأنا اجيبه
توقف العامل يغادر احتراماً لخصوصية السيدة وليس بشيء غريب على رب عمله أن يساعد المحتاج، ضيق عينيه بشك وهو يراها تغلق الباب بقوة بعد خروج العامل فسألها باستفسار وإلى وقته لا يظن السوء :
أنتِ متأكدة أنك كلمتني أنا؟؟
تسمرت محلها لبرهة دون أن ترد، فاستقام يعقوب وهو يحدجها باقتضاب :
ما تنطقي يإما تطلعي وانا ليا حساب مع البهايم اللي سمحوا بدخولك لحد هنا
لم يرى نظرات الخبث المشعة من عينيها التي اختفت تحت نقابها ولكن نبرتها الماكرة وهي تردف بثقة جعلته يتيقن أنه وقع في فخ المكيدة للمرة الثانية :
لو صرخت وقولت بيتهجم عليا عشان رفضت يديني فلوس علاج ابني مقابل ليله معاه تفتكر ايه وضعك
استطرد بعبث وهي تخرج مقص من أسفل ملابسها :
يعني يتمسك مخدرات وبعدها بفترة قصيرة يتهجم على واحده جايه تترجاه لفلوس علاج ابنها
رفعت المقص أمام وجهه وهي تهمس بحقد :
لا دا كده عزيز الجبراوي معرفش يربي
نظر يعقوب إليها تارة وللمقص تارة أخرى، تمعن في صوتها الخبيث ولكن جهل معرفة هويتها، ولشخص فطين مثله استشفى خطوتها القادمة بسهولة.. وجود العامل أثناء دخولها يبرهن صحة حديثها أمام الجميع، والمسافة الفاصلة بينهما لن تسمح إليه بالتحكم بها وربما يصل صوتها بكل المحجر، عليه التحلي بحكمة تجعله يفر من حصار تلك اللعينة، وبحركة خاطفة عندما وجدها ستبدأ في تمزيق ملابسها بالمقص، رفع جلبابه إلى منتصف ركبته فظهر سرواله الرياضي بوضوح وعلى حين غرة قبل أن تصرخ قفز من النافذة المفتوحة بجوار مكتبه للأراضي الزراعية خلف المحجر.. اختل توازنه وسقط على ظهره لأن المسافة لم تكن قصيرة، ثم نهض بعجلة يمسح شعره من الغبار وهو يتوعد إلى تلك السيدة بدفنها على قيد الحياة.. كدمة بسيطة لم تؤثر على قدمه، نفض جلبابه ثم امسكه في يده وركض بين الأراضي يبحث عن مدخل قريب يقفز منه داخل المحجر لأن مساحته الكبيرة ستأخذ وقت للوصول من أبوابه،
قفز بخفة من سور قصير وركض بين العمال باتجاه غرفة مكتبه، فتح الباب على مصراعيه ليجد الغرفة فارغة .. سبها بين نفسه عندما تجمع العمال يسألونه عن سبب ركضه، فصاح بغضب شديد وهو يشيح بيده :
تدخلوا واحده ولا نعرف أصلها ولا فصلها جوه المحجر ليه فاكرين نفسكم فين
تقدم العامل الذي حضر وجود تلك المجهولة متسائلاً بدهشة :
بس هي قالت أنك مكملها ياريس ؟؟
رمقه بسخرية وهدر بانفعال :
كذابة يا خويا وكنت فاكرها مكسوفه تطلب قدامك
: هي عملت ايه يا ريس؟؟؟
سؤال فضولي انتظر الجميع معرفة اجابته، فرد عليهم يعقوب من بين أسنانه وهو يكبح غيظه :
حراميه وجاي تعمل تمثليه
تركهم وولج يغلق الغرفة بحرص ثم اتصل على علي يخبره بالمجيء لإكمال اليوم مع العمال، وأخذ سيارته يتجول حول المحجر متأمل أن يعثر عليها معتقد أنها لن تبتعد كثيرًا لا يدري أن ما يبحث عنه ملابس سيدة منتقبة نُزعت وألقيت في النهر بعد خروجها.
؛******
: بابا أنت ساكت ليه ؟؟
نظر إليها وردد بجمود :
عايزاني أقول ايه
أخفضت هند رأسها مردفه باعتذار :
آسفه اني خبيت عليك الموضوع من الأول، بس مكنش في حاجه أقولها هو حاول يعرف اجابتي وأنا رفضت
رمقها المعلم سالم لبرهة وسألها بأهمية :
الرسالة تدل أن حد فعلا سمعكم ولا مجرد تخمين ؟!
هزت رأسها بتأكيد وهي تهتف بتيقن:
لا دا حد سمع كلامنا ومن المصنع
أخرجت الهاتف تريه مضمون الرسالة، فسألها باقتصار:
وموسى حاول يكلمك في التلفون تاني ؟!
طغت الصدمة على تعابيرها المضطربة، لم تسرد إليه أي محاولات موسى الأخرى من قبل واكتفت بمقابلتهم في المصنع، وإذا علم بمكالمته المتعددة فإنه يدري أيضًا بكل أفعاله السابقة… تلجلجت وهي تهمس بصوت منخفض، فقاطعها قائلاً بسخرية :
رحمه عرفتني بس كالعادة متأخر
واستكمل بعتاب :
بلغتني من كذا يوم أنه بيحاول معاكي من يوم الحادثة ورغم كده مردتش أكلمك واستنيت تيجي لوحدك تعرفيني بس مجتيش غير متأخر زيها
خرج صوتها مهزوز وهي تتمتم بتعلثم :
مكنتش أعرف أن رحمه هي اللي كانت بتساعده وخوفت لما عرفت أقولك يحصل مشكلة بسببي
: واللي أنتِ خوفتي عليها خافت عليكي برده وجات اعترفت بغلطها عشان خايفه يعشمك ويتسلى بيكي وتكون سبب في ازية أختها
ردت عليه برجاء تلقائي من شخصها :
لا يا بابا موسى مش بيتسلى وكان بيحاول معايا بكل الطرق أوافق ويجي يتقدم رسمي وكنت شايفه دا بنفسي
حدجها بتفحص وهو يسألها مستفسرًا:
أفهم أنك موافقه عليه ؟؟!
ذهلت من تهورها وما تفوهت به، فقالت بارتباك :
لا مش موافقه عليه ولا على غيره وفهمته كده
تمنت أن تركض من أمام نظراته المتفحصة، شعرت بالخجل من تسرعها ولكنها أرادت توضيح سوء الفهم… بلعت لعابها الجاف وهي تفرك يدها بعشوائية، عم السكون من حولها وكأن العالم في حالة صمت مخيف، سرت رجفة في أوصلها وهي تستمع إلى أمره الصارم :
بس أنا موافق على موسى
رمقته بصدمه وهي لا تصدق أذنيها، جالت في قسمات وجهه الجامدة وهو ينهض لعلها تجد مراوغته أو مزاحه، ولكنها استوعبت جديته عندما خرج وتركها مع صدى حديثه يضج في رأسها؟!!
؛************
أوصلها سفيان إلى منزل المدرس وأكمل طريقه لتجهيز أغراض مكتبه الجديد، فانتظرت هيفاء ابتعاد السيارة عن المكان وخرجت تسير الشارع الذي سار فيه سفيان… ابتسمت بسعادة وهي ترى سيارة زرقاء تقف بجانب الطريق، خطت إليها بسرعة وصعدت ملقية الدفاتر في المقعد الخلفي،
: ايوه كده إنما تقوليلي بكره وبعده
مطت هيفاء شفتيها وأردفت بضجر :
عشان ارتاح من زنك قولت لماما عندي 3 دورس ورا بعض
ابتسم خالد بفرحة ومال يقبل وجنتها بشوق، دفعته هيفاء بذعر وهي تلتفت في المكان حولهم :
بتعمل ايه ممكن حد يشوفني ويقول لأخواتي
زفر خالد بملل ومن ثمّ أخرج ورقة مطوية من جيبه وكأنه ينتظر هذه الكلمات منها كي يقنعها بمبتغاه :
بصي بقا أنا مش هتحرك غير لما اشوف امضتك هنا
أخذت الورقة تفتحها باستغراب تحول إلى ذهول وهي تقرأ محتواها ” عقد زواج عرفي ” :
ايه الهبل ده لا طبعاً مستحيل أعمل كده أنت مجنون ياخالد
: مجنون عشان بحبك وعايز احافظ عليكي !!!
واستطرد يفشي سمه داخل عقلها الطائش:
دا أكبر دليل على حبي ليكي اني خايف من ربنا وعايز خروجنا مع بعض في الحلال لحد ما تخلصي ثانوي واكلم بابا ووقتها هتكوني مراتي برده
رمشت بأهدابها بتوتر وتمتمت بتلجلج :
ما أنت ممكن تقول منتقبلش ولا نتكلم لوقتها وكده هتكون بتحافظ عليا برده
تطلع إليها متسائلاً بهلع :
واعيش ازاي من غير ما أشوفك ؟؟؟؟
أمسك يدها يقبلها برفق وهمس بعاطفة جعلتها تبتسم كالبلهاء :
مقدرش أعيش من غير ما أشوفك واسمع صوتك اللي بيحلي حياتي يا هيفاء
أخذ نفس عميق وهو يشغل المقود مغمغمًا بحزن :
مقدرش اضغط عليكي لأن واضح انك مش واثقة فيا ولا بتحبيني زي ما بحبك
رمى طُعم الصنارة في مرماها لتلتقطه بحماقه، أخذت القلم من دفترها ووقعت بجانب اسمه لتثبت إليه صدق حبها وهي تقول ببسالة:
أكبر إثبات لحبي بين ايدك
ضحك بثقة في محبوبته وتحرك لإحدى المطاعم يتناولوا وجبتهم ومن ثمّ يأخذها للاحتفال بالمناسبة السعيدة ..
؛***********
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)