رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم حسناء محمد
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الحادي والعشرون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الحادي والعشرون
رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الحادية والعشرون
( سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته )
؛******
” انتشلت روحي من جسدي وهم يصيحوا بموتك، صدحت كلماتهم داخل أذني تتردد بصدى الفراق، تحاملت علي غصتي وصرخت أخبرهم بأنك لن تهجرني، هدرت بغضب ازجرهم علي مزاحهم السخيف، كيف لي أن أعيش دون أن ينير وجهك يومي !! كيف ستمر أيامي دون أن تملأها بحنانك !! لمن أذهب احتمي به من قسوة الأيام ؟؟ من سيحاوطني بسور الأمان بعد أن كنت أمني ومأمني ؟! فـ والله لقد غابت شمسي وطَرَق الظلام يا أبي ”
مر عليها شريط ذكريات حياتها وهي تقف متجمدة محلها، هرج، صراخ، بكاء، جلبة يحاوطهن بفزع … التفت رحمه تنظر إلي والدتها التي تراخت أوصالها وجلست أرضا تصرخ بهستيريا وسألتها غير واعية لما يدور حولها :
بابا كويس، هو كويس
صرخت صباح بغضب جلي وهي تدفعهم الي داخل المنزل :
انتو بتعيطوا ليه ابوكم كويس، ولو جه وشافكم كدا هيزعل
حاول عزيز تماسك أعصابه وصاح بحده طفيفة:
قوم يا عبده دخل بنات أخوك جوه
لم يستجب إليه وظل ينظر الفراغ أمامه يبكي في صمت، فحمحم عزيز يخفي غصته واقترب منه صباح مردد بصوت محشرج:
ميصحش كدا يا ام هند
نظرت صباح إليه مغمغمه بحنق وهي تجلس علي الدرج :
أنا قعده اهو لحد سالم ما يرجع، هو أصلا مش هتيأخر لأنه بيصلي الضهر وراجع
لم يتحمل عزيز أكثر ودار للجهة الأخرى كي لا يظهر حزنه أمامهم، حتي لا هو لا يستوعب أن صديقه المشاكس مات … ابتعدت قليلاً يخرج هاتفه كي يعرف من يعقوب متي ستخرج الجثة لتكفله بكل ما يلزم الدفن ….
أجابه يعقوب وهو يقول بهدوء :
كنت لسا هكلمك
رد عليه عزيز نبرة مختنقة متمتم بصعوبة:
هتيجوا أمته ؟؟
استمع يعقوب إلي صوت الصراخ فسأله بقلق :
ايه الصويت دا في ايه ؟!!
اغمض والده عينيه مردد باقتضاب:
خلاص يا يعقوب الخبر وصلنا ملوش لزوم تخبي
لم يفهم ما يقصده فسأله مجدداً عندما ظهر صوت بكاء رجولي بالقرب من والده :
خبر ايه يابا ؟؟ ايه بيحصل عندكم ؟! ومين اللي بيعيطوا ؟؟
هتف بحزن شديد :
البنات محدش عارف يسكتهم
: ليه ؟!!
انكمش بين حاجبيي عزيز وهو يهدر بغضب :
ابوكهم مات عايزهم يعملوا ايه
نفذ صبر يعقوب فقال بصوت مرتفع وصل إلي ذلك الجالس علي المقعد في ممر الطرقة :
يابا أنت هتنقطني ما تقول مين مات وايه الصويت دا وبلاش تلعب في اعصابي
وقف مرتضي بدهشة وهو يرمق يعقوب بعدم فهم، بينما نهض ذلك الجالس واقترب من يعقوب متسائلاً بخوف :
في ايه يا يعقوب ؟!!
كانت نبرته مرتفعة الي قدر سمع عزيز، الي أمسك الهاتف في يده ينظر إليه بذهول، ثم وضعه علي أذنه متسائلاً باستنكار:
هو الصوت الأنا سمعته دا بحق وحقيقي ولا من زعلي علي سالم صوته بيرن في ودني ؟؟!!!
أخذ المعلم سالم الهاتف من يعقوب وهو يهدر بنفاذ صبر :
حد حصله حاجه طمني يا عزيز بناتي بيصرخوا ليه
” بناتي !!! ” قطب عزيز جبينه بتعجب وهو يردد الكلمة عدة مرات وكأنه يكررها ليستوعب أنه علي قيد الحياة، علي الجهة الأخرى أصاب الذعر قلب المعلم سالم وهو يستمع إلي صوت البكاء المرتفع وصراخ بناته باسمه، فصاح بتوجس :
بناتي مالهم يا عزيز ما ترد
: أنت عايش ؟!!!!
سؤال تفوه به بدهشة، فرد عليه المعلم سالم بتهكم :
لا ميت وبكلمك من سنترال المقابر
لم ينتظر والتفت متجه إلي الفتيات مردفاً بعدم تصديق وهو يشير إلي الهاتف :
ابوكم عايش، سـالم عايش
انكمش قسمات وجهه المعلم سالم مشيراً إلي نفسه يسأل يعقوب ومرتضي باستنكار :
هو أنا موت ؟!!
رفع مرتضي كتفيه وحرك يعقوب رأسه بالنفي، لم يفهموا ما يحدث في الجهة الأخرى من صراخ بأن والدهن علي قيد الحياة، وصياح الرجال بسعادة أن المعلم سالم علي قيد الحياة…
بينما وقفت صباح وهي تهدر بشراسة :
شوفتوا اهو كلامي طلع صح اهو
وعلي حين غرة سقطت فاقدة الوعي، اقتربت منها نادية وهند …. فأخذت خيرية الهاتف من عزيز مردد بشهيق :
بابا أنت عايش صح
كتم غيظه من اسألتهم البلهاء وهتف بحنو:
في ايه يا خيريه مالكم
إجابته صوت متقطع بسبب بكائها :
في حد جه وقال إنك موت
استمع إلي صوت شهقاتها بأسي، ثم قال بهدوء:
بطلي عياط وقولي لإخواتك يسكتوا أنا كويس الحمدلله وساعة بالكتير هكون عندكم
قدم الهاتف إلي يعقوب، ونظر إلي مرتضي مردد بقلق :
كلم مها وطمنها إننا كويسين لحد ما نرجع
أمأ مرتضي مخرج هاتفه، ثم أشار إلي سامر بأن ينتظر مع يعقوب لحين عودته… انشغلوا منذ مجيئهم إلي المشفى بحالة مي، التي اختارت أن تفتدي عمها ودفعته بعيداً لتأخذ هي الرصاصة، ولحسن حظها جاءت في يدها اليسرى وإصابتها سطحية …
؛*****
ركض محمود بكوب الماء المُحلى بالسكر الي عمه جابر، الذي ارتفع ضغط دمه وشوشة الرؤية أمامه، بينما وقف عبد يتسأل عن الصبي الذي جاء بخبر الوفاة ..
لم يتمهل ومال بجزعه يلملم الحصى وهو يسبه بغضب، وعلي حين غرة رفع جلبابه وركض خلف الصبي الي خارج المنزل وهو يقذفه مردد بحنق:
والله ما أنا سايبك غير لما افتح دماغك
اختبأ الصبي بين الواقفين مردفاً بخوف :
وربنا اللي سمعته جيت اعرفكم بيه
قذف عبده الحصا بغل وهو يركض خلفه رغم محاولات البعض من تهدأته … عندما شعر بدقات قلبه تتسارع وبدأ يلهث، أشار إلي بعض الشباب قائلاً بحزم :
اللي هيمسكه هديلو ٥٠٠ج
فتح الصبي أعينه علي وسعهم عندما رأي مجموعة من الشباب يركضوا خلفه، ففر هارباً في الأزقة وعبده يهتف بوعيد قاس:
ما يكون اسمي عبده سويلم لو ما علقتك ذي الدبيحة عشان تبقا تتأكد الأول من هلفطك يا شلحف
التفت علي صوت جابر الذي اقترب منه وهو يستند علي يد محمود مردد بوهن:
يلا يا عبده خالينا نروح المستشفي نطمن عليهم
فأيد عزيز حديث جابر مضيف بجدية:
روحوا وأنا هستني مع الرجالة لحد ما ترجعوا
ترك عبده جلبابه واتبعهم متسائلاً محمود باستغراب:
أخوك راح فين ؟؟
لوي محمود جانب شفتيه مغمغما بسخرية :
راح بسيف للمستشفي
: كان سابه يتصفى دمه ونخلص من أشكالهم
استغفر جابر بصوت مرتفع واستكمل بحنق:
أنا مش عارف سالم دا ابن ازاي
واسترسل بجمود :
ركز يا محمود في طريقك خالينا نوصل بسرعة
؛*******بقلم حسناء محمد سويلم
عودة للمشفى
أخبرته الممرضة أن المريضة تطلب رؤيته بعدما أفاقت، دلف ليجدها تنتصف الفراش فقال بجمود :
حمد لله على سلامتك
توترت مي وهي تهتف بتعلثم :
الله يسلمك
تطلع المعلم سالم الي يدها متسائلاً:
الدكتور قال إن جرحك سطحي، حاسه بألم ولا حاجه ؟؟
حركت رأسها بالنفي متمتمه بتلجلج :
أنا أسفه
واسترسلت بندم :
أنا مكنتش أقصد أن كل دا يحصل
تنهد بحيره واردف بهدوء :
مش هكدب عليكي لكن أنا لحد دلوقتي مش عارف ليه عز خطفك أنتِ بالذات
تجمعت العبرات في ملقتيها وهي تسرد ما حدث بالتفصيل، لم تستطع كبح دموعها أكثر لتشاركها في الحديث…. أنهت جملتها بشهيق :
عملت كدا عشان خوفت والله، مكنتش عايزه اتسبب في أذى حد
عم السكون لثوان لا يصدح سوي همهمتها الخافتة، ومن ثمّ أردف بصرامة:
: مش هيفرق كتير بعد ما حصل، أبوكي علي وصول بلاش تموتيه بحسرته
واستكمل باقتضاب:
سامر قالي أنه كان رايح معاكي عشان تخليه يلعب مع رشدي، تفضلي علي كدا وبلاش كلام ملوش لازمة
كادت أن تتفوه وتدافع عن نفسها، فأشار إليها بأن تلزم الصمت قائلاً برزانة :
الأنتِ عملتيه تصرف بديهي مش هلومك عليه لأن مي اللي قدامي غير مي اللي كانت واقفة وبتكابر بالغلط ودا دليل علي أنك اتعلمتي، لكن ألومك علي تفكيرك الغلط لما قررتي تحلي المشكلة لوحدك من غير ماشورة أبوكي ولا اخوكي ووقتها كان هيكون في حل غير أنك ترمي نفسك في الخطر
: مكنتش أقصد أنا كنت خايفه
ابتسم بخفة مردد باقتصار :
محدش بيتعلم بالساهل وأنتِ اتعلمتي
التفت يخرج مستكملا :
: ارتاحي دلوقتي وبلاش تفتحي الموضوع دا تاني حتي مع نفسك
أغلق باب الغرفة وهو ينظر إلي مرتضي، من الواضح أنه مازال يقنع مها أنهم بخير … تسبب ذلك الصبي في إثارة بلبله وفوضي عارمة داخل منزله، ربما ستطول لأشهر لكي يخرجن النساء من حالتهن المفزعة …
ظهر في الممر رجلين من الشرطة قادمين باتجاههم، فوقف يعقوب يأخذ سامر بعيداً بناءً علي رغبة المعلم سالم، فقرر الصغير أن يفرغ كل طاقته بصحبة يعقوب وقال بملل :
عايز عصير
رمقه يعقوب بطرف عينه مردد بضجر :
بس يا حبيبي
اشاح سامر بيده وهو يهتف بغضب :
هو ايه اللي بس بقولك عايز عصير
دار يعقوب بوجهه ينظر إليه، واغلق هاتفه يضعه في جيبه مردفاً بتهكم:
يابني هو أنت كنت مخطوف في دريم بارك، أفهم وقدر شوية انك كنت مع مجرمين
نظر سامر إليه شزراً وكأنه شخص ناضج بتعبير وجهه الساخرة وتمتم بأمر:
عايز عصير
: روح قول لابوك
عقد ذراعيه مردد ببرود:
مش فاضي
تطلع يعقوب إليه وهو يضغط على شفتيه علي أن لا يصفعه دون وعي من غيظه… شعر سامر أنه في خطر فأردف بعناد:
ماشي أنا هاروح أقول لجدو أنك حاطط صور خالتو حسناء علي تلفونك وعمال تبص عليها
امسكه من ملابسه يدفعه أمامه برفق، متجه إلي كافيتريا المشفى ليجلب إليه ما يريد، متمتم بغيظ :
دا أنت كرهتني في الخلفة واللي بيخلفوا
؛**
: مفيش داعي للكلام دا يا معلم سالم
عقد بين جبينه باستنكار وغمغم ساخراً :
اومال استني ايه عشان اتكلم يا حضرت الظابط
اجابه الآخر بجمود:
حضرتك شايف مجهودنا عشان نمسك عز من بدري وأكيد مش هنسيبه يخرج بسهولة كدا بعد كل دا
فاض به من لعبة القط والفأر التي أصبحت شبه يومية مع تلك العائلة، كلما ضيق عليهم الحصار، نخروا من جهة أخرى ولاذوا بالفرار … تطلع إلي أحدهم متسائلاً بجمود:
ممكن أعرف عز فين دلوقتي ؟!
أجابه بآليه :
في المستشفي وعليه حراسه وأول ما يفوق هتيم نقله لمستشفى السجن، مفيش داعي للقلق
: عز مضربش نفسه غير لأنه عارف هيهرب ازاي من المستشفى واكيد دا واصل ليكم
ابتسم الآخر بخفة مردد بوجوم :
يا معلم احنا مش في كي جي عشان تكلمنا كدا
رد عليه صديقه بهدوء قائلاً :
المعلم سالم أول حد بيساعدنا، وهو اللي قدر يوصلنا لعملية تهريب الآثار بتاعت منصور وحقه يخاف علي نفسه وأهله
واسترسل موجه حديثه الي المعلم سالم :
اخر الأسبوع جلسة الحكم علي منصور وأنا بنفسي معاه خطوة بخطوة وبعدها هيكون ابنه
صافحه المعلم سالم بوقار وانتظر مغادرتهم ثم بحث عن مرتضي كي يخبره بأن ينتظر لحين مجيء جابر ومن معه، لكن فاجأه مرتضي بوجود سالم مع سيف في الطابق الأول وقص إليه ما حدث بناءً علي ما أخبرته به مها ….
هاتف ابن أخوه يسأله عن مكانهم بالتحديد، لا يظن أن ما يحدث معه صدفة بتاتاً، حتي وإن كان كل هذا من تخطيط أولاد منصور كان يتوجب عليه أخذ الحذر أكثر وابعداهم بقدر المستطاع عن منزله …
وجد سالم يجلس عاقد ذراعيه وثيابه ملطخة بالدماء، احتدت ملامحه معتقد أنه اشتبك مع سيف، عندما اقترب سأله بحده :
هو فين ؟؟
وقف سالم يشير علي الغرفة الموجود بها سيف مردفاً:
جوه، الدكتور بيقول أن عينه اتصفت
: دخل ازاي ؟؟
حرك سالم رأسه متمتم بخفوت:
سابنا ملخومين مع أخوه ولف من ورا المجلس ودخل من شباك المطبخ
واستكمل بعدم فهم:
لما اخدته في اوضة لحد ما اتصرف مكنش عايز يجي المستشفي وبيقولي أرميني في أي حته
تنهد بثقل وافتح باب الغرفة، وجد الطبيب يضع الشاش الطبي علي عينه اليمني بمساعدة الممرضة، تطلع إلي قميصه المصبوغ بلون دمائه، وهو يستأذن من الطبيب أن يجلس معه علي انفراد خمس دقائق، وافق الطبيب علي ان يسرع كل تكمل الممرضة إعطاؤه بعض الأدوية…
: ايه دخلك البيت
كإنسان آلي تمتم بفتور دون أن ينظر إليه :
كنت داخل اختفي من نظرات محمود لما سمعته عايز يمسكني
واستكمل بنبرة مهزوزة :
مكنتش أعرف أنها جوه، بس ظهرت فجأة وكانت بتصرخ خوفت وحاولت أفهمها إني هفضل بس لحد ما ترجع
رمق تعابيره وجهه الباكية وهتف بصرامة :
كنت عايز تضغط عليا بدل أخوك
حرك سيف رأسه بالنفي وهمس بخفوت :
لو كنت عايز أقتلها كنت كتمت نفسها وكانت هتموت من غير ما تحسوا، ولا كنت مسكت سكينة وحطيتها علي رقبتها لحد ما ترجع
دار بوجهه ينظر إليه بعين دامعة مستكملا بألم :
وعلي العموم مش هتدفعني اكتر من الأنا دفعته
حدجه باقتضاب ودار يخرج من الغرفة دون أن يضيف، وجد سالم مازال يجلس فقال إليه بوجوم:
: تكاليف المستشفى تندفع ليه ويعرف أنه ميخطيش البلد مهما كان السبب مش كل شويه يطلعلي واحد منهم
تحرك سالم معه مردفاً بوهن :
أنا هاروح اطمن علي موسي وهطلع مع الجماعة عند مي لأن مرتضي بلغني أن في ظابط جه يستجوبها
رسم شبه بسمة علي شفتيه مغمغما بسخرية:
احنا ناخد جناح في المستشفى أوفر
عندما وصلا بالقرب من باب المشفى، وجدوا من يندفع من الباب وكأنه يصارعه، بالإضافة إلي قسمات وجهه الغاضبة … قال المعلم سالم إلي الآخر بحنق :
وقف الطور دا شوفوا ناوي عليه ايه
تعجب سالم من ابن عمه فصاح باسمه، كرر ندائه وهو يتجه إليه بخطى سريعة… التفت الآخر إليه مزمجر بحده:
فين اوضتها
امسك سالم يده يسحبه إلي مكان وقوف عمهم :
تعالي بس
نفض ابن جابر يده وهو يهدر بغضب:
وسع يا سالم مش وقتك
واستطرد بوعيد غليظ:
وربي لاقتلها ونرتاح منها
فهم المعلم سالم أن غضبه لمعرفة ما حدث مع مي، خطى إليهما مردد بصرامة :
ومالو اطلع اقتلها وموت أبوك وادخل السجن واقفل بيتك عشان تكون مبسوط
ضغط علي أسنانه متمتم بحده:
هي السبب في كل اللي بيحصل وهنفضل ندخل في حوارات بسببها
: أبوك وجوز أختك فوق معها يا تطلع تطمن عليها بالأدب يا تمشي ومشوفش وشك في مكان هي فيه
ما أن فتح فمه ليبدي اعتراضه اوقف بإشارة من يده، مردفاً بحده :
إياك تفكر تكسر عينها قدام جوزها ولا تجرحها بكلمة وقتها ما حد هيوقفلك غيري
تطلع إليهم بغيظ وتحرك مغادرا بغضب، لم يبالي إليه المعلم سالم وتحرك هو الآخر إلي الخارج… وجد يعقوب يقف بجانب سيارته ينتظره للذهاب معه الي المنزل، للاطمئنان علي ما يخصه، لم يكون المعلم سالم في أحسن حال الجدال وطلب منه الإسراع فكاد رأسه أن ينفجر من شدة الألم،
؛***********
انضم سيفان الي عزيز وبعض من كُبراء القرية منتظرين عودته، بينما وقفت نجاة أمام النافذة متأهبة الي مجيئه وهي تبكي خلسة، مجرد تذكرها إلي كلمات الصبي يجعلها تزعر عليه بخوف فقدانه …
ما أن صف يعقوب السيارة، عمت الضجة وصاحوا الرجال بحفاوة لعودته سالماً… صافحه البعض وعانقه الآخر، لم يدرك كم حبهم إلا الآن، لا يعرف هل يغضب من عز أم يشكره لرؤية حب الناس إليه… تلهف الجميع للترحيب به، وكان أخيرهم عزيز الذي عانقه بقوة مرتب علي كتفه وهو يردد بسعادة :
كنت عارف أنك بسبع أرواح
ضحك المعلم سالم وقال بدهشة مصطنعة:
بقا عزيز الجبراوي فرحان كدا برجوعي
أجابه عزيز بنبرة صادقة :
مكنتش أعرف أنك غالي كدا عندي
واستكمل بصوت مرتفع ليصل الي الجميع :
الحاضر يعرف الغايب يوم الجمعه الغدا عليا من كبير لصغير في البلد
صاح الحشد بحفاوة رغم اعتراض المعلم سالم، فقال عزيز باقتصار :
ادخل لأهل بيتك احسن محدش عارف يسكتهم
بدأ الجميع في الاستئذان ورحل واحد تلو الآخر، وما أن خطي من باب الطابق الأول، عاد إلي الخلف بعد توازن من شدة اندفع بناته عليه، اعتدل في وقفته بصعوبة وهو يحاول أن يحاوطهن … رتب عليهن مردد بمزاح :
كدا غرقتوا الجلبيه اللي حيلتي
واسترسل يمازحهن :
بالدور من الكبير للصغير
ضحكت صباح وهي تمسح دموعها ثم اقتربت منه تقيل كفه مردفه بصوت محشرج:
حمد لله على سلامتك يا حاج
قبل سالم جبينها مرتب علي كتفها بحنو، ثم التفت إلي نادية يقبل جبينها هي الأخرى… ومن ثمّ جال بنظره يبحث عنها بقلق فمن المؤكد أن ما يمنعها لاستقباله إلا السوء، ولكن رست ملقتيه عليها وهي تقف بجانب النافذة تبكي في سكون …
عاد تركيزه وهي يرد علي نساء العائلة الموجودين لاستقباله، وبعدها بدأ المنزل في الهدوء مع خروج الباقيين … جلس المعلم سالم علي الأريكة محتضن رحمه التي تناديه بزعر من آن لآخر مغيبة عن من حولها، فتحدث يشير إلي حسناء :
قومي شوفي اللي مستني بره من بدري
نهضت من بين أخواتها وهي تمسح وجهها، ثم أحكمت حجابها علي خصلاتها وهي تخرج الي البهو … لم يكن سواه يجلس علي الأريكة، وما إن رآها ابتسم بخفة مغمغم بمراوغة:
خزقتي عين الراجل
اقتضبت قسمات وجهها وهي تجلس علي الأريكة مردده :
ممكن تسكت لأن أعصابي مش مستحمله كل ما افتكر
رد عليها بعبث جعلها تندم علي خروجها :
لازم أسكت لما عملتي كدا فيه، هتعملي فيا ايه !!!
: أنت مستفز
ضحك قائلاً بعتاب :
يعني دي غلطتي عشان جيت أطمن عليكي
نظرت أمامها مجدداً دون أن تُعقب، ثم هتفت بتلجلج وكأنها تبرر الي نفسها ما فعلته :
أنا اترعبت لما شوفته ومعرفتش اتصرف
أشفق علي نبرتها المهزوزة، وتمتم بهدوء :
دا تصرف طبيعي أنك تستنجدي بأي شيء وبعدين برده منعرفش إذا كان كلامه حقيقي ولا لا، وفي الأساس هو غلط لما دخل البيت من الأول
حركت رأسها بهدوء تؤيد حديثه الذي بث إليها الراحة، التي تلاشت في ثوان عندما استكمل غامزا :
وبعدين عايز افهمك أن جعفر بقا مسيطر عليكي وعلي تصرفاتك الفترة دي بزيادة
رمقته بامتعاض وسألته بحده :
هو أنت متعرفش تتكلم كلمتين علي بعض غير لما تعصبني
واستطردت بحنق:
اصل أنا ناقصه اخلص منك ومن كوابيسك عشان يطلعلي سيف دا كمان
قطب يعقوب جبينه باستنكار متسائلاً بعدم فهم:
: كوابيسي ؟؟ ليه بطلعلك بنص رجل ولا بمشي علي حواجبي !!
ابتسمت بسخرية بالغة وهتفت بغيظ :
لا وأنت الصادق بتموتني وخليل ينقذني
ضغطت على شفتيها بسرعة بعدما تفوهت دون وعي، فهو دائماً يجعلها لا تدرك افعلها من غيظها بسبب استفزازاه المستمر معها … مط يعقوب شفتيه مغمغما بتهكم:
” خليل” واخد حيز كبير عندك اوي كدا لدرجة أنه يبقا البطل وأنا الشرير حتي في أحلامك !!!
ابتسم بخفة ووقف مسترسل باقتصار :
الحمدلله أنك كويسه
قبل أن يدور وقفت تسأله بتوتر :
أنت زعلت مـ…
قطع حديثها مردفاً برجاحه :
ادخلي ارتاحي انهارده كان يوم تقيل علينا ونتكلم بعدين
تطلعت إليه وهو يغادر بضيق، ثم دلفت تجلس مع والديها لتنعم بوجوده بعد ذلك الكابوس الذي حل عليهم …
؛********
بعد صلاة العشاء
صعد إلي الطابق الاخير بعد أن تأكد أن رحمه خلدت للنعاس، ظلت تتشبث به وهي تتمتم باسمه بخوف إلي أن غلبها الإرهاق ….. وبمشقة اقنع الباقية بالذهاب الي غرفهن لشعوره بألم شديد في رأسه،
تتّوق لمعرفة سبب تغيرها، فولج الي غرفتهم يبحث عنها … ربما أن شرودها أخذها الي عالم آخر حتي أنها لم تشعر بوجوده..
: أنتِ عارفه أنك الوحيدة اللي مسلمتش عليا
قالها بضيق بادي علي صوته، التفت بوجهها ترمقه بحده وهي تقول بنبرة مبحوحة :
حمد لله على سلامتك يا معلم سالم
انكمش بين حاجبيه باستنكار، تقدم يجلس بجانبها متسائلاً بتعجب:
طالما فيها معلم سالم يبقا زعلانه، هو رجوعي زعلك ولا ايه ؟!!
ضغطت على شفتيها تكتم بكائها وهي تردف بتعلثم :
عارف لما تكون واقف وفجأة تسمع خبر وفاة شخص عزيز عليك، هو بالنسبة ليهم شخص واحد لكن عارف بالنسبة ليا أنا ايه ؟!!
استكملت بشهيق :
اهلي وابويا وجوزي وعِشرة عمري يا سالم
أعطها مساحتها لإخراج ما بداخلها وهو يستمع إليها بثبات، أكملت نجاة تسأله بشجي :
عارف لما كل دول يموتوا في عينك في لحظة
لم تستطع إكمال حديثها من شهقاتها المرتفعة، فأمسك كفها مردد بهدوء يمازحها :
الولد اللي عمل كدا لازم يكون ليه حلاوة كبيرة لأنه وراني غلاوتي عندكم
رمقته بحده وهتفت ممتعضة:
وقهرتنا عليك
ضغطت علي كفها أكثر مغمغم بحنو :
آسف ليكم على كل دا
وضعت يدها علي كفه ترتب برفق وهي تتمتم بحب :
ربنا يخليك ليا وميحرمني منك أبدا
أكمل حديثها بمراوغة:
يا ايه ؟!!
ضحكت واضافت بعاطفة :
يا سالم
وقف يتجه الي الفراش مردفاً بضيق طفيف :
وبعدين أنتِ مصممه تعجزيني بالعافية وتكبري الفرق بينا عشان تقولي أبويا
نهضت تمسح وجهها في المنشفة وهي ترد عليه بعناد :
متنساش أن الفرق بيني وبين بنتك الكبيرة ٧ سنين يعني لو كنت اتجوزت بدري شوية كانت بنتك قدي
: طيب ما أنتِ بنتي فعلاً
( إلي من جعلني ملكة علي عرش قلبه، وطفلة في مداعبته، وأمً في شكواه، وجميلة في عينها، وصديقة في مشاركته، وحلوة أيامه، وسكر مُره، إلي من جعلني حياة داخل حياته وصانني مثل ابنته ” أحبك” )
؛******
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)