روايات

رواية بقايا عطر عتيق الفصل الثاني 2 بقلم مريم نصار

رواية بقايا عطر عتيق الفصل الثاني 2 بقلم مريم نصار

رواية بقايا عطر عتيق الجزء الثاني

رواية بقايا عطر عتيق البارت الثاني

بقايا عطر عتيق
بقايا عطر عتيق

رواية بقايا عطر عتيق الحلقة الثانية

امام المنزل الكبير كان خرير الماء يعزف لحن السكينة والهدوء، مع وجود الزرع المورق والجد يستقبل الضيوف بترحاب ويحتسي معهم الشاي بالنعناع الاخضر الطازج أمام الحقل جالسين على حصيرة مصنوعه من نسيج رقيق من ورق النخيل، مُلهمًا بجمال الطبيعة وسحر اللحظات الهادئة، والأطفال يلعبون جوارهم تركتهم الجده وذهبت إلى داخل البيت حيث توزع باقي المهام على نساء الدار منادية على وفاء زوجة سالم التي كانت تجلس وامامها إناء كبير من النحاس به ملابس مبلله بالمياه وتقوم بغسلها على يديها إلى أن سمعت صوت الحاجه نعيمه،تركت عملها وهمت إليها مسرعه وهى تقول بصوت حماسي:
– اني جايه أهو يما الحاجه أيوه.
نظرت إليها ورأت ملابسها مبلله بعض الشيء فعلمت ماذا هى فاعلة وسألتها قائلة:
– هو ده وقت غسيل يا وفاء؟ مش في وَكل وغدا عايز يتجهز للرجاله الشقيانه في الأرض دي؟
اجابتها قائله:
– ايوه طبعاً اومال ايه، اني عارفه يما الحاجه، وكنت هطلع اد.بح من الطير بس سلفتي إخلاص قالتلي اغسل اني وهى وصباح هيجهزوا الوكل بسرعه عشان ورانا غسيل بالكوم.
اردفت الحاجه نعيمة بضجر:
– صباح هتد.بح طير؟ ومين اللي هيخبز؟ آنتوا كده مش هتلحقوا تعملوا ايوتها حاجه.
اردفت وفاء على الفور:
– متشليش هم يما الحاجه اني هركن طشت الغسيل وهروح اعجن واخبز العيش فوريره.
– لا كملي انتي شغلك واني هروح اشوفهم وتاني مرة تشوروا عليا قبل ما تقسموا من دماغتكم.
– حاضر يما الحاجه من عيني حاضر بس انتي هدي بالك وكل حاجه هتمشي زي ما انتي عوزه.
ابتسمت الجده بحنو قائلة:
– عارفه يابت يا وفاء؟
– نعمين يما الحاجه؟
– انتي والبت سميره اللي بتريحوني في سمعان الكلام، اما اللي متتسماش صباح والبت إخلاص تاعبين كبدي من المناهده معاهم ومن مقاوحتهم في الكلام.
اردفت وفاء بلطف:
– لا عاش ولا كان يما الحاجه وهو في حد يستجرا يرفع عينه فيكي؟ هما بس بيناغشوكي متعشمين في قلبك اللي زي البفته البيضه، سايق عليكي حبيبك النبي محمد متاخدي على كلامهم دول طيبين خالص والله بس مش بيعرفوا يتحدتوا كلام حلو كده.
-عليه الصلاة والسلام، ماشي مانشوف اخرتها مع جوز العتاقي دول.
ضحكت وفاء وهى تنظر إلى الدرج قائلة:
ـ اهي أول عتقيه جايه اهى.
سمعتهم صباح وهى تهبط الدرج المصنوع من الطين وتحمل بين يديها إناء كبير به انواع من البط والدجاج المذ.بوح حتى تقوم بتنظيفه وعندما رأت صباح ضحكاتهن اقتربت منهن وهى تلوي فمها تقول ساخره:
– خير ياوفاء شايفه حنكك مفتوح على اخروا من كتر الضحك ما تضحكينا معاكي يختي؟
أغقلت وفاء فمها وقبل أن تجيبها تحدثت الجده قائله:
– هو الضحك حُرم يا بت صباح؟ هاتحسبينا ولا إيه؟
شهقت صباح واردفت بتبرير:
– يوه انشاله يفر.مني تروماي لو قصدت كده يما الحاجه دانتي مداسك فوق دماغي.
ثم أكملت مسترسله حديثها بنبره بها بعض الحزن:
– يكش اني بس اللي حظي طين وعرفاه على طول كدهو ظا.لمِني، ولا اكمني مدب وجاهله ومخدتش الابتدائيه زي الست وفاء؟ اعمل ايه بس؟ عشان تبطلوا تظلمو.ني وتيجوا عليا؟
اردفت نعيمه بصرامه:
– تسيبي الطير اللي في ايدك لإخلاص تنضفه وتو.لع عليه يطيب، وانتي تعجني وتخبزي والغدا يكون جاهز قبل الضهريه على رجعة الرجاله.سماعاني ولا لا ياصباح؟
اغتاظت ولكنها ابتسمت لترضي والدة زوجها قائلة بإنصياع:
– سمعاكي اومال ايه. من عيني يما فوريرة هتلاقيني خلصت، انتي عارفه إن الخبيز مبياخدش في أيدي غلوه.
ذهبت صباح لتكمل عملها وهى تتمتم بكلمات غير مفهومة من شدة غيـ.ـظها،ونظرت الجده إلى وفاء واكملت حديثها قائلة:
– بت ياوفاء قولي لعمتك زينب تطلع الجنينه الورانيه تجمع الليمون وتروي حواض الملوخيه والفلفل، وبلاش حوض النعناع الحج عبد الرحيم رواه بالميه، وانتي خلصي غسيل قبل الشمس ماتحمي.
– حاضر يما.
– واسمعي!
-نعمين يما الحاجه.
– دار عمك الشيخ عبد اللطيف ليهم واجب عندينا لازم يترد. تاخدي السبت اللي في مقعدي وتاخدي وياهم دكرين بط متسمنين وتقال،وتروحيلهم أنتي وعمتك زينب وتودوهم هَنا بركة إبنه حجازي اللي خلف. وقولي لمرات عمك زاهيه الرجاله بيجوكوا بعد صلاة المغرب يباركوا ويهنوا.
– حاضر من عينيا يما الحاجه.
ثم استرسلت وفاء حديثها بترجي:
ـ هو مش ينفع يما نروح إحنا الحريم كلنا كده نحضر ليلة دق الهون؟
اجابتها:
ـ وماله شوفوا رجالتكوا لو رضيوا روحوا أهو تخفوا وش من على نفوخي حبه.
ابتسمت وفاء وقالت:
ـ الهي يارب يخليكي ويفضل البيت مفتوح بحسك وحس ابا الحج عبدالرحيم يارب.
أكملت الجده بحب كبير:
ـ وبحس ولادي كلهم ولا يفرق شملهم قادر ياكريم.
جلست إخلاص على كرسي خشبي صغير امام حوض مياه وامامها إناء كبير تنظف فيه الطيور لإعداد الطعام، وهى منسجمه في عملها رأت صباح بوجه عبوس تعد العجين وهى غاضبه ويبدوا عليها الضيق فقامت بسؤالها عما يغضبها بهذا القدر فاجابتها مغتاظه وهى تعجن:
– مالي يعني يختي انتي كمان ايه شايفاني بشد في شعري؟ ولا يعني بشد في شعري ماني متنيله أهو بعجن وهخبز وشغاله في الساقيه زي البهيمه طول اليوم، ولا حد حاسس ولاحد شايف قولت حاجه اني ولا نطقت؟
تعجبت إخلاص من ردها النا.ري وقالت:
– يختي مابراحه حبة على نفسك انتي طايحه فيا ليه؟ وعامله زي البا.رود! اني بسألك عشان شايفاكي هتوَ.لعي في حتة العجينه اللي في ايدك دي قربت تستوي من النا.ر اللي طالعه منك.
أنهت كلامها بضحكات حيث تظن الأخرى ستضحك معها ولا تعلم أنها استشاطت غضبا فلا أحد يفهمها وتشعر بأن لا يحبها أحد، فنطقت بغـ.ـيظ محذره إخلاص على ضحكاتها قائلة:
– لمي نفسك يا إخلاص ولمي الدور يختي مش نقصاكي أنتي التانيه اني هلاقيها منك ولا من حماتي ولا من خيبة عبعزيز جوزي اقطمي يابت وشوفي شغلك بدل ما ارقع بالصوت واقول ياهوه والم عليكوا الكفر كله ،اني اللي فيا مكفيني.
وسط مناوشتهم المستمرة، إلا أنهم لزموا الصمت عندما سمعوا صر.اخ سميرة على ابنها صالح الذي تقوم بضر.به في غرفتها بعد عودتها من الأرض. هرعت كل نساء البيت إليها لينقذوا الطفل من بين براثينها، واختبأ صالح خلف وفاء. اقتربت سميرة منزعجة وهي تقول غاضبة:
ـ بتتخبى مني يا صالح؟ يمين عظيم، محد هيحوشك مني، يا غراب البين أنت، داني هطلع مصا.رينك النهاردة.
وقبل أن تنقض عليه، أبعدتها وفاء وإخلاص محاولين أن يجعلاها تهدأ. وأردفت إخلاص قائلة:
“استني بس، يا عمة سميرة، الواد هيفـ.ـطس في إيدك، مش كده، أمال؟
أردفت وفاء قلقه:
ـ حر.ام عليكي، يا عمة سميرة، بتعملي كده ليه في صالح، ده الواد لسه صغير، إيه اللي حصل يعني علشان تضر.بيه بالمنظر دِه؟
قالت سميرة:
“وسعي أنتي وهي، إني لازم أربيه، قليل الرباية أبو لسانين دِه
رفعت صباح حاجبيها ساخره وحركت شفتيها قائلةً في داخلها:نعم، لقد بدأت الدراما من زوجة الإبن الأكبر الآن.
ركضت فاطمة إليهم من الخارج، قائلة بر.عب:
ـ ينهاري مش فايت.لمي الدور يا سميرة، أمي الحاجة جاية، وأختي زينب كمان، لو أبويا الحج عرف باللي عايزه صالح، يومنا مش هيـ.ـعدي. وسنتنا هتبقى سو.خه.
رد صالح بعبوس:
ـ وإيه يعني؟ إني مطلبتش حاجة حر.ام. ولا قولت حاجه غلط أنتو بس اللي بتكر.هوني.
– “مين اللي بيكر.هك يا صالح؟
كان هذا سؤالاً مباشرة من الجدة نعيمة التي تقف عند أعتاب باب الغرفة ممسكه مسبحتها التي لا تفارق يدها، ثم نظرت إلى النسوة اللواتي ينتظرن إجابته بفضول كبير، وهمت بتفهم قائلةً:
ـ آنتوا واقفين كده ليه! مش وراكوا خبيز وطبخ! “يلا، أنتي وهي، كل واحدة تروح تشوف وراها إيه!” بلاش لكاعه.
ردت صباح بفضول واضح:
ـ طب مش نعرف، سميرة ضربت الواد ليه يما الحاجه؟
لوَّت سميرة فمها قائلةً بنبرة ساخرة:
ـ”ابني وبربيه يا صباح، إيه! هو، أنتي يا ختي مش بتربي عيالك برضه، ولا هي أول مرة تحصل وحدة تضرب عيالها في الدار دي؟
ردت بغيظ:
– جرا إيه يا سميرة، أنتي ياختي واقفالي على الكلمة ليه؟ أنتي حرة، إن شاله تعد.ميه العافية هو أبني ولا إبنك! إني مالي.ديهدي.
أنهت صباح حديثها وهمت بالخروج من الغرفة، ثم خلفها إخلاص و وفاء، وأغلقت فاطمة الغرفة تاركة والدتها مع سميرة وصغيرها لتحل هذه الكار.ثة التي يريد أن يفعلها صالح. اقتربت الجدة وجلست على أريكة خشبية، وأشارت إلى الصغير ليقف أمامها، وسميرة كانت مرتعبة من الداخل وقلقة حيال ابنها الذي لو علم أحد بما يريده، سيجلب إليهم الكثير من المتا.عب. سألت الجدة الصغير:
ـ ها يا صالح،مقولتليش أمك ضر.بتك ليه؟ وليه اتحددت وقلت كلمتين مالهمش عازه؟
كورَّت سميرة يدها مرتبكة وخا.ئفة، وقبل أن تتحدث سبقها الصغير، واردف معاتباً:
ـ اني مش عارف ليه أمي بتعمل كده معايا يا ستي.
– سيبك من أمك، وقول يا حبيب ستك، إيه اللي حُصل؟
أخفض رأسه وقال:
– إني عايز أكمل علامي يا ستي.
شهقت سميرة واضعة يدها على وجنتها وسط نظرات الجدة إليهم، ووضعت المسبحة جانباً، محاولة الابتسامة له وهي تسأله مستفسرة:
ـ تكمل علامك إزاي يا صالح؟ هو أنت مش بتروح الكُتاب للشيخ عيسى؟
أجابها قائلاً:
ـ أيوه يا ستي، بس مش ده العلام اللي إني عايزه، إني عايز أخد الابتدائية و…!
ران عليه صمت خفيف، ولم يكمل حديثه من نظرات أمه الحا.ده، وأكملت الجدة ضاحكة:
ـ طيب، مهو ده اللي هيتم يا ولدي، وأبوك هيروح بذات نفسه مدرسة البر التاني ويودي مش عارف أوراق كده ولا إيه، وتاخد الابتدائية زيك زي عمامك الصغيرين وخلانك، يبقى ليه الزعل؟
نطقت سميره بضحكه مفتعله منها لكي تداري خو.فها وقالت:
ـ ايوه هو ده اللي حُصل مانتي عارفه صالح يما الحاجه عيل مبيحبش يريح حد غاوي عفر.ته وقلبة حال، سيبك منه خالص ولا تتعبيش نفسك.
نظرت إليها الجده في شك من ارتباكها الغير معروف له تفسير وقالت بحنكه:
ولما هو كده يامرات الغالي، بتمدي إيدك عليه ليه!
ارتبكت أكثر وتبحث عن اجابه لتقنعها ولكن سبقها الصغير ونظر للجده بريبة، مكملاً حديثه:
ـ”إمي ضر.بتني علشان اني مش عايز أخد الابتدائية وبس يا ستي، ضر.بتني عشان قولت إني عايز أكمل علامي لحد التوجيهية والبكالوريا كمان.
شهقت سميره وضيقت الجده بين حاجبيها ولم تفهم ما يقوله ذاك الصغير، ونظرت إلى زوجة ابنها، وسألتها ولم تعرف كيف تنطق حروفها قائلةً:
ـ إيه البكا، بكالور، إيه اللي الواد بيقوله ده يا سميرة؟
همت مسرعة وأجابت:
ـ ولا قال حاجه خالص،”والله العظيم يما، ده عيل أهبل، سيبك منه، هو مش عارف حاجة.ولا عارف مصلحته فين.
قاطع حديثها صالح متسرعاً وقال:
ـ “لا، إني عارف كل حاجة، اني عايز ياستي أروح البندر وأكمل علامي هناك زي خالي عبدالحميد، فيها أي دي؟
أشعلت “إخلاص” الخشب في موقد الكانون، ووضعت عليه إناء الطعام، ورأت “صباح” قادمة من الداخل وهي تضحك ويبدو عليها السرور والفرح عكس ما كانت عليه قبل قليل. تعجبت من تصرفها وهمت بسؤالها:
– “يوه، مالك يا بت يا صباح! أنتي بحالة يا بت! من حبه كنتِ قا.يدة نار ودلوقتي حنكك من الضرس للضرس، ياختي؟ ما تفرحينا وياكي.”
جلست “صباح” أمام فرن الخبيز، وما زالت مبتسمة، وأمسكت “بالمطرحة”، وهي أداة خشبية دائرية الشكل، يُصنع عليها المخبوزات مثل الخبز والرقاق وغيرهم، وبدأت في عملها وهي تضحك بخبث ماكر قائلة:
– “ياختي، ربنا يبسطني كمان وكمان، دي شكلها هتقـ.ـيد نا.ر ومش هتطفي أبداً.”
شهقت قائلة:
– “يا ختي،الله أكبر ،الشـ.ـر بره وبعيد. تفي من حنكك، أنتي بتقولي الكلام ده ليه؟ وراكي إيه، يا بنت أبو زاكي؟”
ثم ران عليها صمت وكشرت عيناها في شك وسألتها:
– “أنتي سمعتي حاجة جوه، يا بت؟”
أجابت بأسلوب مبطن:
– “أنا لا شفت ولا سمعت، خليني، ياختي، أخلص خبيز عشان الرجالة تاكل وتشبع. آه، ما هو الله يكون في عونهم، شغالين تحت عين الشمس طولة النهار.”
– “يمين بالله، مدام قلتي كده، يبقى شكي في مكانه. أنتي كنتِ بتتصنتي عليهم جوه، يا صباح؟ مش خا.يفة لحد يشوفك ويروح يقول للحج والحاجة؟”
ضحكت بشما.تة واضحة وقالت:
– “لأ، ياختي، مش خا.يفة. وهخا.ف من إيه إن شاء الله؟ هما مش هيبقوا فاضيينلي، الدور والباقي على اسم النبي، حارسه حفيدهم البكري اللي عايز يروح البندر ويكمل علامه.”
شهقت “إخلاص” وضر.بت بيدها على صدرها فز.عة وقالت متو.جسة:
– “ينهار مد.وحس، صالح عايز يروح البندر؟ دي بين القيامة هتقوم، يا ولاه. أنتي متوكدة من الكلام ده؟
أجابت بفرح كبير وقالت:
ـ “ورحمة أمي، زي ما سمعتي كده. الواد صالح بعضمة لسانه قال لأمي الحاجه أنه عايز يروح البندر قال إيه! عايز يكمل علامه زي خاله عبد الحميد، شوفتي الهنا اللي إحنا فيه!
وضعت إخلاص مجموعة من الحطب داخل الكانون، وهي تقول بشرود:
ـ ياسنه سو.خه، دي هتبقى سنه مالهاش ملا.مح لو ده حُصل، وعشان كده بقى سميرة عدمت الواد العافية، ونزلت فيه ضر.ب. استرها يارب وعدي الليلادي على خير.
صمتت الجدة نعيمة وهى تبدل نظرها بين الأم سميره وحفيدها تفكر في عو.اقب هذا الطلب الذي لم يتجرأ أحد على طلبه منذ مغادرة عبد الحميد وترك البلدة بأكملها ولم يعرف أحد عنه شئ، ورأت أن من الأفضل التحدث مع حفيدها بلين حتى ينصت وينصاع لحديثها قبل أن يتسرب الخبر إلى حسين وإن حدث ذلك فلم يحدث خيراً وقتها، تنهدت الجدة بهدوء وربتت على كتف حفيدها متحدثة بتروي:
ـ وهو فين خالك عبدالحميد دلوقتي؟ ده هو اللي اختار يا صالح. اختار يبعد ويمشي، وراح البندر، قلع جلابية الفلاحة ولبس توب البندر، توب مهواش توبه ولا مقاسه، نسي أهله وناسه، ولا يعرف عننا ايوتها حاجه ولا حد من أهل الكفر ولا عيلة أبو قاسم كلها تعرف عنه حاجة. أسمع يصالح ياولدي إن كان العلام في البندر هياخد مني عيالي، لأ، فبلاش منه.
تذكرت حسين ثم تنهدت بحز.ن واردفت:
ـ زمان أبوك الحج حسين راح الكُتاب زي عيال الكفر وبيعرف يفك الخط ويقرا، ومكنش في الكفر ساعتها لا مدرسة ولا يحزنون. جالنا خالك عبدالحميد، طلع في المقدر و”عايز يتعلم في البندر، والدنيا قامت مقعدتش في علية أبو قاسم كلها، وجدك فتح الله ابو جدك عبد الرحيم الله يرحمه قبل ما يموت، حلف عليه ما يسافر أبداً ولا يسيب الكفر. بس ستك كريمة خافت على حفيدها وعملت كل جهدها عشان إبن ابنها يكمل علامه، وقالت: عبد الحميد إبن عبد اللطيف بكرة يكبر ويكمل علامه ويرجع الكفر رافع راس عيلة أبو قاسم كلها.’ وسافر عبدالحميد سنة ورا سنة، يجي مرة في إجازة، ومرتين يقول أعذار، مبيجيش، لحد ما كريمة كبدي عليها فقدت فيه الأمل وقطـ.ـع رجله من الكفر لحد ما ما.تت. كبر عبد الحميد واتجوز، ويعالم خلف ولا مخلفش.عايش ولا معايش. ها، محدش يعرف.
أما ابني الحج حسين مكنش لادد عليه عقل عبد الحميد، كبر واتربى في وسط أرضه، وسط أبوه وأمه وعيلته، وعرف يعني إيه مرجلة وفلاحة، عَضمُه نشف وقوي، وبقى راجل وسيد الرجالة الكفر كله يحلف ويتحالف بيه، ووقف جمب أخواته. راحوا زيه الكُتاب، واللي صار عليه صار عليهم، لحد ما خلفت عمك إسماعيل وحسان. سمعنا قال إيه؟ في مدرسة جديدة بنوها في البر التاني، أبوك حلف يمين عظيم لازمن أخواته ياخدوا الابتدائية ويكونوا أحسن منه، وده عشان إيه ياصالح؟
صالح:
ـ عشان أبويا عايز عمامي يتعلموا؟
ـ لا مش بس كده؛ ده عشان مفيش واحد منهم دماغه تهف عليه ويقول بندر. ابوك حسين خاف على أخواته يبعدوا عنه، وعمل اللي ما يُعمل عشان يفضلوا جاره.
تفتكر هيعمل إيه لما يعرف إن ابنه اللي من صلبه عايز يعمل زي خاله، ويسيب ناسه وأصله، ويقلع توبه ويلبس توب جديد؟ —–

يتبع…….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بقايا عطر عتيق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى