رواية بعينيك أسير الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم شهد الشوري
رواية بعينيك أسير الجزء الثالث والأربعون
رواية بعينيك أسير البارت الثالث والأربعون
رواية بعينيك أسير الحلقة الثالثة والأربعون
دخلت ميان إلى مكتب فارس بابتسامة عريضة سرعان ما تبددت عندما وقع بصرها على سفيان يجلس في زاوية المكتب…وجهه شاحب وعيناه محمرتان، وآثار الدموع واضحة على وجنتيه !!
لم تصدق ميان ما تراه كيف يمكن أن يجتمع فارس و سفيان في مكان واحد دون أن يسود بينهما أي توتر !!
الأغرب من ذلك، هو حال سفيان الحزين والمكسور !!
نظرت إلى فارس الذي كان يحدق في سفيان بعينين مليئتين بالتأثر حينها ازدادت حيرة ميان و قلقها
فأغلقت الباب خلفها ببطء و تقدمت بخطوات حذرة قبل أن تسأل بصوت يحمل في طياته الذهول و الارتباك :
إيه اللي بيحصل هنا يا فارس !!
توقف سفيان عن النظر إلى الأرض للحظة ثم وقف مترددًا و كأن الكلام أثقل من أن يخرج من فمه
ردد بصوت مبحوح محاولًا إخفاء ما بداخله من مشاعر :
مفيش… أنا ماشي
دون أي كلمة إضافية، تحرك نحو الباب بخطوات متثاقلة كأنه يحمل هموم العالم على كتفيه خرج تاركًا وراءه جوًا من الغموض والحيرة
بقيت ميان في مكانها عاجزة عن استيعاب ما يحدث التفتت إلى فارس تسأله بقلق :
فارس فهمني….في إيه ؟
تنهد فارس بعمق ثم بدأ يروي لها ما حدث !!
صمتت ميان صراعًا داخليًا يشتعل في عقلها ، لاحظ فارس حالتها لكن لم يكن في حال جيد طلب منها بصوت هادئ و منهك :
معلش يا ميان روحي دلوقتي ، أنا هرجع البيت و نكمل كلامنا سوا
خرجت ميان من المكتب و عقلها مثقل بما سمعته بينما كانت تسير باتجاه سيارتها لمحت سفيان يجلس في سيارته رأسه مستند إلى عجلة القيادة و وجهه يزداد شحوبًا !!!
شعرت بقلق عارم…فاقتربت منه و طرقت نافذة السيارة لكنه لم يستجب
فتحت الباب لتراه يلهث بصعوبة و يعبث برابطة عنقه…..كأنه يختنق !!!
تحركت بسرعة وطلبت المساعدة من الطواريء اخرجوه من السيارة و تم نقله إلى المستشفى
جلست تنتظر بقلق في الممر اللحظات تمر ببطء شديد…..تشعر بعبء المسؤولية يثقل كاهلها !!!
بعد نصف ساعة تقريبًا
خرج الطبيب قائلاً بجدية :
اللي حصله سببه الضغط النفسي الشديد اللي كان بيتعرض ليه محتاج يرتاح تمامًا و يبعد عن أي حاجة ممكن تضايقه أو تسبب ليه اي توتر
اومأت له بصمت فتابع حديثه بأسف :
الموضوع مش جسدي قد ما هو نفسي…..ان شاء الله يكون كويس، الف سلامة عليه
…….
نظر سفيان بوهن و تعب إلى ميان ، قائلاً وهو يحاول الاعتدال بجسده على الفراش بعد أن استفاق مردداً بصوت متهدج : انتي هنا !!
ردت ميان بهدوء :
خليك مرتاح
صمت الاثنان، لكن في داخلهما كلمات لا يجرؤ أي منهما على البوح بها
قطعت ميان الصمت تسأله بهدوء :
بتحبها !!!
صمت سفيان للحظات ثم قال بحيرة :
قلبي معرفش يشوف ويحس غير بيها من بعدك
همست ميان بحزن و هي تتذكر تلك الأيام :
عمرك ما حبيتني يا سفيان…خلينا نكون صرحا مع بعض، أنا وأنت ممكن نكون اتعودنا من صغرنا على كده…أنا اتعودت أحبك واتعودت على وجودك، لكن اللي في قلبي ليك اكتشفت مع الوقت إنه مكنش أبداً حب
صمتت لثوانٍ، ثم قالت بنبرة مليئة بالهيام والحب :
الحب الحقيقي هو اللي عيشته مع فارس
نظرت إليه وتابعت حديثها بحزن :
انت كمان عمرك ما حبيتني…عمر ما قلب شال الحب هيشيل الكره والآذى في نفس الوقت
رد سفيان بأسف عميق والندم ينهش قلبه كل لحظة : أنا ندمت…أنا آسف بجد آسف ، لو فضلت عمري كله أعتذر ليكي، قليل يا ميان
صمتت ميان، وعيونها امتلأت بالدموع التي لم تسقط قائلة بصوت مختنق :
أنا عارفة إنك ندمت وعارفة إنك اتغيرت….وعارفة إن اللي واقف قدامي واحد غير سفيان القديم و إن قلبك من جوه طيب…..وإن كاميليا سبب كبير في حالتك دي
ابتلعت غصة مريرة بحلقها ثم تابعت بحزن :
بس زي ما انت ملكش ذنب، أنا كمان مليش ذنب اللي عملته فيا مش قليل، انت مكسرتش دراعي، انت قتلت جوايا حاجات كتير
صمتت وهي تتذكر فارس وشهامته، وحبه الذي غمرها به، ثم قالت بحب وامتنان :
حاجات فارس أحياها فيا من تاني وأكتر….فارس قواني وسندني لما وقعت….أنا هنا بفضله كملت و وصلت لحد هنا بفضل حبه ليا
ابتسمت بتوسع، ودموعها تنساب :
أه، بيمر عليا وقت كتير ببقى نفسي أخنقك، بس برجع وأقول حقك يا ميان تشكريه لولا اللي عمله فيكي مكنتيش هتوصلي لهنا ولا هتقابلي راجل زي فارس، يحبك ويخليك تعشقيه…عرفك يعني إيه حب ، عيشك سعادة عمرك ما حلمتي بيها ، أنا متأكدة لو كنا كملنا مع بعض، عمري ما كنت هلاقي معاك ربع الحب اللي فارس بيحبه ليا
اتنهد سفيان بعمق وقال بابتسامة راضية عن حالتها :
عارف إنه راجل، هو الوحيد اللي يستاهلك يستاهل حبك و قلبك الكبير يا ميان
صمت فسألته ميان بتردد :
انت بجد بتحب أماليا يا سفيان !!
لم يجيب سفيان لكن عيناه كانت مليئة بالحيرة فتابعت ميان بنصحية :
بلاش تشيل ذنب تاني يا سفيان…متقربش إلا وانت متأكد من مشاعرك، وإنك بجد هتكون قد كلمتك
ردد سفيان بوجع وهو يتذكر نظرات أماليا له :
تفتكري هي أصلاً هتقبل بيا….نظراتها ليا مش قادر أنساها، ولا أطلعها من بالي….نار بتحرق قلبي كل ما أفتكر هي كانت إيه قبل ما تحبني وبقت إيه بعد ما حبتني
سألها بحزن وصوت مختنق بالدموع :
هو أنا مكتوب عليا أوجع كل اللي بحبهم
صمتت ميان وهي تستمع إليه يتحدث عنها :
هي بريئة أوي يا ميان…بريئة لدرجة إني لما عرفتها بجد كنت بخاف أوجعها بكلامي…خوفت عليها من نفسي ، كنت حاسس بوحدة لما كلكم بعدتوا عني بس هي الوحيدة اللي ملت الوحدة دي….قلبي مش قادر يستحمل غيابها عنه، وفي نفس الوقت مش قادر ياخد خطوة وشايف إنها كتيرة عليه
صمتت ميان لدقائق ثم ابتسمت قائلة بهدوء :
أقولك على حاجة
حرك رأسه بنعم فتابعت حديثها قائلة :
قلبي بيقولي إنها من نصيبك يا سفيان..كلامك عنها و عيونك اللي بتلمع لمجرد ذكر اسمها فاضحين حبك ليها….وهي كمان بتحبك أوي، وإلا مكنتش اتوجعت بالشكل ده….حاسة إنكم نصيب بعض
اتنهد سفيان و اكتفى بالصمت ينظر للفراغ بشرود فتابعت ميان بنصحية :
الذنب اللي حاسس بيه ناحيتي هو السبب في حيرتك دي يا سفيان….أسأل قلبك مين اللي متقدرش على بعدها، مع إن الإجابة واضحة ده انت دخلت المستشفى يا راجل ومستحملتش
قالت الأخيرة بمرح فرد عليها بمرح باهت :
دخلتها عليكي برضو
ابتسمت بهدوء ثم قالت :
حل المتاهة دي كلها في إيدك يا سفيان ، بس طلعني من حسبتك وفكر فيها من ناحية تانية غير إنك شايل ذنبي !!
حرك رأسه لها بنعم….كانت نظراته مليئة بالامتنان لكلامها الذي أعطاه دفعة إلى الأمام وشجعته
قبل أن تخرج اوقفها قائلاً : ميان
التفتت إليه فسألها بتردد و توسل :
هتسامحيني !!!
تنهدت بعمق ثم قالت بابتسامة صغيرة :
ابقى كدابة لو قلت إنني سامحتك، لأني بشر مش ملاك….لكن الله أعلم بكره فيه إيه سيبها للأيام يا بن خالتي !!!!
ثم قالت بهدوء قبل أن تخرج :
لو حصل نصيب، متنساش تعزمني !!
……..
دخل فارس غرفة مكتبه بعد أن كان واقفًا عند الباب، فقد سمع كل كلمة بين سفيان وميان عندما علم أن ميان في المستشفى مع سفيان وأنها أنقذته اشتعلت الغيرة في قلبه كلما تخيلهما معًا
لكن تلك الغيرة سرعان ما اختفت، لتحل محلها سعادة عميقة بكلام ميان عنه…طوال عمره كان يشعر بإحساس دفين أن الحب الذي منحته لسفيان كان أقوى مما تعطيه له….لكنه الآن، بعدما استمع لكل حرف نطقته عن حبها له ، أصبح متأكدًا أن قلبها كله ملك له وحده، وأنها لم ولن تحب أحدًا بهذا الحب غيره
رغم الغيرة التي كانت تأكل قلبه من وجودها مع سفيان إلا أن صوتها حمل له شيئًا مختلفًا لقد كانت مرتاحة، لم تعد تحمل نفس الغضب الذي كان يملأ قلبها في السابق
تذكر حينما قالت له في وقت سابق ” يمكن عشان قلبي اتملى بحبك، والقلب اللي مليان بالحب ميعرفش الكره أبدًا ”
ابتسم بفخر كم يشعر بالسعادة والفخر حينما تهمس له بكلمة “بحبك”
تلك الكلمة كانت تمنحه إحساسًا بالإنجاز، لأنه تشعره بأنه أخيرًا وصل إلى قلبها الذي عشقه بجنون !!!
……..
دخل فارس إلى مكتب والدة أماليا بعد أن أذنت له بالدخول، وبدأ الحديث بعد صمت دام للحظات قائلاً بهدوء :
عرفت اللي حصل بين أماليا وسفيان !!
أجابته الأم بحزم و بنبرة غير قابلة للنقاش.:
أنا مستحيل أقبل بجواز بنتي من سفيان !!!
سألها بهدوء :
عشان مريض عندك
ردت عليه بصرامة :
ده سبب من الأسباب، وكمان عشان عارفة إنه لسه بيحب ميان و بيفكر فيها !!
تنهد فارس بعمق ثم قال بتردد :
يمكن نسيها
رددت بحزم :
مفيش حاجة اسمها يمكن….بنتي مش فار تجارب عشان أضحي بيها، ولا هي رخيصة عندي عشان أقبل بسفيان زوج ليها و هي تستاهل الأحسن منه مليون مرة يا دكتور فارس
صمتت للحظات ثم تابعت حديثها بصرامة :
أنا مش هقبل إن بنتي تكون ميان التانية !!
رد فارس وهو واثق بتغير سفيان للأفضل :
بس سفيان اتغير
ردت عليه بصرامة :
اتغير، آه….لكن شعوره ناحية ميان لسه متغيرش !!
كاد فارس أن يتحدث، لكنها قاطعته بحدة :
متقولش إني الدكتورة بتاعته….أنا دلوقتي قدامك بصفتي أم خايفة على بنتها و حتى لو أنا وافقت أبوها واخواتها مستحيل يوافقوا
تنهد فارس قائلاً بلوم وعتاب :
بتقطعي قدامه الطريق ، بدل ما تساعديه…..
قاطعته قائلة باستنكار :
عشان أقف جنبه أضحي ببنتي، مهما أكون متعاطفة معاه و مهما حصل هو مش هيكون اغلى من بنتي !!
…..
كان كارم يسير في الممر مضطربًا كان القلق ينهش قلبه فقد دخلت همس إلى غرفة الكشف و لم يخرج أحد ليطمئنه حتى الآن
مرت لحظات طويلة قبل أن تخرج الطبيبة، فتوجه نحوها بسرعة وسألها بلهفة :
همس مالها طمنيني عليها !!
أجابته الطبيبة بهدوء :
مفيش حضرتك المدام بس في بداية الحمل و احم… المفروض متحصلش علاقة بينكم في الوقت ده خالص عشان كده حصل نزيف بسيط
ردد كارم بصدمة و عدم استيعاب لما قالت :
حمل؟!
أومأت الطبيبة برأسها قائلة :
اه حمل ، مكنتوش تعرفوا ولا ايه !!
كان كارم في حالة من الصدمة، غير قادر على استيعاب ما سمعه همس حامل…هذا يعني أنها تحمل جزءًا منه ومنها !!
سعادة عارمة اجتاحت قلبه لدرجة أنه لم يستطع النطق لكنها سألها فجأة بقلق :
هي كويسة المهم والبيبي طمنيني عليهم
ردت الطبيبة بطمأنينة :
لا متقلقش حضرتك كل حاجة تمام….الأفضل تستشيروا دكتورة متخصصة تتابع الحمل، كمان لازم همس ترتاح كام يوم ، الف مبروك
بعد أن غادرت الطبيبة، دخل كارم إلى غرفة همس وجدها نائمة….اقترب منها وقبل جبهتها بحنان و امتنان لوجودها في حياته
استفاقت همس على صوت خطوات كارم فتحت عينيها برفق فوجدته جالسًا بجانب سريرها وجهه مليء بالفرح والامتنان فسألته بصوت ضعيف :
كارم، إيه اللي حصل !!
أجابها كارم بابتسامة عريضة :
حصل انك هتبقي أحلى ام في الدنيا و انك شايلة جواكي حتة مني ومنك حصل اني بسببك عايش سعادة عمري ما حلمت بيها….انتي حامل يا همس !!
عيناها تلألأت بالدموع وأمسكت بيده بلطف :
بتتكلم بجد ، إحنا هيكون عندنا بيبي !؟
يدها في يده وابتسم قائلاً :
إيوه ده أحلى خبر سمعته في حياتي
ابتسمت في سعادة و عانقته بقوة و الدموع تنساب من عيناه بفرح….شعرت همس أن الصمت في تلك اللحظة كان أبلغ من أي كلام
سعادة و فرح غمرتا قلوب الجميع بخبر حمل همس توالت التهاني والابتسامات تضافرت الأمنيات الطيبة، ليُعبر الجميع عن فرحتهم بهذا الحدث السعيد الذي لم يكن ليزيد من لحظاتهم بهجة و سرورًا
…….
دخل فارس المنزل و عينيه تبحثان في كل زاوية عنها ، كأن قلبه يتسابق مع خطواته ليجدها كان يريد أن يضمها إليه بشدة يُشعرها بكل ما يحمل قلبه من حب وحنين
تفاجأ بجنة تقابله، مرتدية ملابسها، معتنية بمظهرها، قبل أن تبدأ بالكلام، تجاهلها ببرود
كان يعلم لما تتصرف هكذا ، لقد وصل إلى أقصى درجات صبره معها…غداً سيجعلها تغادر !!
دخل إلى غرفة النوم….قلبه قبل عيناه يبحث عنها رآها جالسة على كرسي في إحدى زوايا الغرفة تؤدي صلاتها…..كانت تبدو هادئة و جميلة اقترب منها وما أن أنهت صلاتها حتى انحنى وقبلها في منتصف جبينها بحنان وعشق قائلاً بصوت هادئ :
حرماً
ابتسمت بحب و قبلت يده التي كانت تحيط بوجهها ثم ردت عليه برقة :
جمعاً إن شاء الله يا حبيبي
نظرت إليه و رأت في عينيه نظرة غريبة فسألته بابتسامة جميلة لا تفارق شفتيها :
مالك
أجابها و هو يرفعها بين ذراعيه يجلس بها على الفراش وهي على قدمه : أنا بحبك أوي
ردت عليه بحب وهي تقبل خده :
وأنا بموت فيك
ابتسم الاثنان لبعضهما بحب وهدوء كان حبهما كالشمس في يومٍ بارد، يدفئ القلوب دون أن يُطلب هي بالنسبة له ليست مجرد حبيبة، بل الروح التي تمنحه الحياة وفي كل مرة ينظر إليها، يشعر أن العالم ملكاً له هي النور الذي يضيء طريقه، وهو الأمان الذي يغمُر قلبها بالسكينة…معًا لا يحتاجان إلى كلمات كثيرة فالحب بينهما هو اللغة الوحيدة التي يفهمانها…لغة تنبع من القلوب وتُسمع بالروح
سألها فجأة : تيجي نسافر
ابتسمت ميان بحماس قائلة :
ياريت، يا سلام بقى لو تكون كل العيلة مع بعض في مكان واحد و نتجمع
تذمّر فارس قائلاً :
أنا عاوز نكون لوحدنا…آه بحب لمتنا كلنا سوا بس عاوز نقضي وقت لوحدنا مع بعض
ابتسمت بتوسع ثم قالت :
نقضي معاهم يومين وبعدها نكون لوحدنا
حرك فارس رأسه موافقاً ثم قال :
خلاص، هقولهم وأشوف ظروفهم….هنروح نطمن عليكي وعلى البيبي و نتأكد إذا كان السفر مسموح ليكي ولا فيه تعب عليكي
بعد أن تحدثا عن السفر وخططهما المستقبلية ساد الصمت بينهما للحظة لكن لم يكن صمتًا عاديًا !!
كان مليئًا بالحب والشوق، كأن كل كلمة قيلت تركت أثراً عميقًا في قلبيهما…فارس كان لا يزال يمسك ميان بين ذراعيه، عينيه تتأملان ملامحها التي تزداد جمالًا كلما اقترب منها أكثر شعر بدفئها و رقتها التي دائمًا ما كانت تشعره بأنه وجد ملاذه الوحيد في العالم
اقترب فارس أكثر وملامح وجهه تنطق بالشوق الذي كان يحمله في قلبه….لم يكن بحاجة إلى المزيد من الكلمات فكل شيء كان واضحًا في نظراتهما
بهدوء، رفع فارس يده ولمس وجهها بلطف وبدأ يقرب شفتيه نحوها. كانت لحظة مليئة بالعشق، عندما قبله كانت مليئة بكل المشاعر التي حملها في قلبه لها….كأن كل هموم العالم تلاشت في تلك اللحظة ليبقى فقط هو وهي محاطين بحب لا ينتهي
لم يكن يريد أن يتركها….شعرت هي بذلك في كل لمسة….كل حركة….في تلك الليلة، لم يكن هناك مكان للحديث أو التفكير…..فقط الحب والعشق هما ما جمعا قلبيهما في هدوء الليل
……..
في صباح اليوم التالي، استفاق فارس الذب كان يحتضن ميان برفق قبل وجهها بحب وهو يناديها :
اصحي يا كسولة
تمسكت ميان به أكثر ثم قالت بصوت مغمغم : سيبني شوية كمان يا فارس، مش قادرة أفتح عيوني
ابتسم بحب، ثم نهض بهدوء متجنبًا إيقاظها ابتسم عندما تذكر ما حدث في الليلة الماضيةو كيف قضيا وقتًا مميزًا معًا يعبران عن حبهما بشغف
خرج من الغرفة ليجد جنة جالسة في الصالة، تلتهم أظافرها، وبدا عليها الغضب بمجرد أن رأته انتفضت قائلة بغيرة و هي تقترب منه :
صوتكم كان عالي !!
عبس فارس في وجهها بعدم فهم :
صوتنا !!!!!
اكملت بجرأة و وقاحة :
كنتوا مع بعض وصوتكم عالي !!!!!
صدم فارس من وقاحتها، فرد عليها بنفس الأسلوب : واحد ومراته مالك ومالنا….ازاي تتجرأي وتتكلمي بالجرأة دي
ارتبكت جنة وتلعثمت وهي ترد عليه :
أاا…أنا معرفش…قلت كده إزاي…..
قاطعها قائلاً بحدة :
اسمعي، أنا دخلتك بيتي عشان صعبتي عليا ، مش أكتر ولا أقل…ندمت لأني عملت كده لو فاكرة إن حركاتك دي هتوصلك لحاجة، تبقي غلطانة وغلطانة أوي كمان وعايزة اللي يفوقك
كانت ترتجف من الخوف من حديثه الصريح فتابع فارس بغضب :
أنا بحب مراتي، ومحبتش ولا هحب في حياتي غيرها ولا إنتي ولا ألف من عينتك ولا بنات حوا كلهم يملوا عيني
ردت عليه بغل صريح :
أنا أحسن منها ألف مرة
عنفها فارس بغضب واحتقار :
إنتي أسوأ منها ألف مرة تيجي إيه إنتي فيها بغلك و حقدك
رددت بتوسل :
أنا هسعدك أكتر منها، وهتتبسط معايا أكتر هعمل كل اللي تقوله عليه بعرف أعمل حاجات كتير وبطبخ حلو وبسمع الكلام وحتى أنا موافقة أكون زوجة تانية……بس تقبل بيا أنا ضحيت بأغلى حاجة عندي عشانك يا فارس !!!
صرخ فارس عليها بغضب لكن بصوت منخفض حتى لا تستيقظ ميان و تسمعهما :
اخرسي يا مريضة….ضحيتي بإيه، أعرفك منين انا إنتي متستاهليش غير واحد زي أبو عدنان وأبوكي، أنتوا التلاتة عينه واحدة
ردت بغيظ وغضب :
عملت إيه ، خلصت من ابني عشان ميكونش عائق بينا….عشان مترفضنيش بسبب ابن شخص تاني غيرك
كانت ملامح فارس مزيجًا من الزهول والاحتقار فقال بحدة وغضب :
لمي هدومك…..مش هتقعدي هنا ليلة تانية…..هدبرلك شغل في فندق، والسكن هيكون هناك
تركها فارس ودخل الغرفة ليجد ميان مستيقظة ابتسمت له قائلة بهدوء :
صباح الخير يا حبيبي
قبل جبينها بحب ثم دخل للمرحاض و بقيت ميان في مكانها وقد تحولت ملامحها من الهدوء إلى الشراسة !!!!!
…….
في منتصف اليوم اجتمع الجميع في فيلا كارم لتهنئتهم وما ان جلست ميان وحدها مع همس ولينا وسيلين
تباينت المشاعر بعد أن كشفت ميان عن ما فعلت جنة لتكون سيلين اول المعلقين قائلة بصدمة :
إيه البجاحة دي….بدل ما تحمد ربنا إنها لقت حد يفتح لها بيته في ظروفها
لكن لينا لم تقتنع، فردت بلهجة مليئة بالاحتقار: سيبك من كل ده، دي قتلت ابنها دي واحدة مريضة
نظرت همس إلى ميان التي كانت صامتة وسألتها : هتعملي إيه يا ميان ، ناوية على ايه
أجابت ميان بنبرة غامضة :
عاوزة اتنين ستات بس بيضربوا حلو….هخرجها بفضيحة عشان تحرم تعض اليد اللي اتمدت لها
ابتسمت سيلين بحماس و قالت :
واحنا روحنا فين بس
سخرت ميان قائلة :
أبداً، موجودين، بس زي قلتنا ، أنا حامل و الأخت همس كمان
ثم تابعت بشراسة :
ياما كان نفسي اكلها بسناني بنت ال……
ردت سيلين بحماس :
وانا و لينا روحنا فين؟ أنتي عارفة يا روحي ان كل واحدة فينا مضغوطة في أول الولادة و عايزة تفش غلها في حد…..ففرصة جت لينا من ذهب يبقى نستغلها في حد يستاهل
رددت لينا بمرح :
وطبعاً إحنا أولى من الغريب يا قلبي
ضحكت ميان عندما اضافت همس بمرح :
وأنا هاجي وأجيب فشار وأتفرج معاكي
ضحكوا جميعاً و بدأت ميان تملي عليهم ما سيفعلون
فابتسم الأربعة ببشر !!!!!!
…….
في المساء تفاجأ فارس عندما طلبت منه ميان أن تبقى جنة معهما بعض الوقت رفض ذلك بشدة في البداية، تذكر كيف أنها قبل يومين كانت تطلب منه أن يأخذها إلى مكان ما، و الآن تطلب منه أن يسمح لها بالبقاء !!!!
مع إصرارها الكبير، قرر فارس أن يستجيب لرغبتها فأحضر خادمتين إلى المنزل لتكونا مع ميان حتى تنتهي فترة إقامتة جنة، مما يعزز من شعوره بالأمان رغم عدم اقتناعه الكامل بالفكرة، إلا أنه رضخ لإلحاح ميان في الأخير
……..
في الصباح الباكر بعد اصرار كبير والحاح من همس أوصلها كارم إلى بيت ميان، غير مدرك لسبب إصرارها على الذهاب في هذا التوقيت و هي مريضة !!
في نفس الوقت كانت لينا وسيلين قد تركتا أطفالهما عند والدتيهما وتوجهتا إلى منزلها أيضاً
بعد ليلة طويلة من التفكير في كيفية البقاء في المنزل، أو على الأقل افتعال مشكلة بين فارس وميان، غفت جنة أخيرًا وفي الصباح، بعد أن طلبت من ميان السماح لها بالبقاء حتى الصباح، تفاجأت بموافقة ميان الفورية، مما أثار حيرتها لم تكن تتوقع أن تسير الأمور بهذه السلاسة، وهو ما جعلها تشعر بشيء من الارتباك والتردد حيال خططها
أستيقظت جنة ثم خرجت من غرفتها بعد ان تجهزت كما امرها فارس في المساء تبحث بعيناها يميناً و يساراً عن الموجودين بالمنزل لتتفاجأ ما ان دخلت الصالون بميان تجلس برفقة همس و اثنتان لأول مرة تراهما القت عليهم الصباح فلم يرد عليها احداً منهن
شعرت الحرج فقالت لميان بهدوء :
ميان ، ممكن أتكلم معاكي لوحدنا !!
ردت عليها ميان ببرود :
هنا مفيش حد غريب، قولي اللي عندك
صمتت جنة لبرهة تفكر لربما ان تحدثت مع ميان امامهم تشعر بالحرج فيتزايد غضبها و تثور على فارس اكثر و تطلب الطلاق !!
استجمعت نفسها ثم قالت بصوت حاولت ان تجعلها حزين قدر المستطاع لتؤثر به على الأخرى و تحصل على تعاطفها :
أنا اترددت كتير قبل ما أقولك….بس مش حابة تفضلي على عماكي و يكون فيه حد بيغشك….أنا بردو أكلت معاكي عيش وملح في البيت ده….
قاطعتها ميان قائلة بهدوء يسبق العاصفة :
مبحبوش !!
سألتها جنة بزهول :
هو إيه
ميان ببرود و هي تضع قدم فوق الأخرى :
الكلام الكتير مبحبوش….قولي اللي عندك علطول
جنة حاولت السيطرة على غضبها، لكن كلامها خرج بصوت مرتجف مليء بالغل :
جوزك حاول معايا كذا مرة…اتحرش بيا وأنا صديته حبيت أقولك عشان متكونيش على عماكي و يفضل يضحك عليكي زي ما ضحك عليا و جابني هنا و فهمني ان نواياه بريئة لكن هو في الاصل عينه زايغة ، ومش محترم !!!!!
ابتسمت ميان بهدوء ، ثم قتربت منها بخطوات بطيئة و ابتسامة ليست بمحلها بثت الرعب بأوصالها
رفعت ميان يدها بلطف و ربتت على وجنة جنة، مما جعلها تنتفض مكانها ظناً منها انها ستضربها !!
لكن المفاجأة جاءت في كلمات ميان التي خرجت بصوت هادئ يسبق العاصفة :
كان ممكن افوت أي كلمة قولتيها عليا…لكن إنك تغلطي في جوزي وتتهميه اتهام***زي ده…..
تغيرت نبرتها فجأة إلى الشراسة و هي تقول :
ده انتي كده جنيتي على نفسك !!!
قبل أن تدرك جنة ما يحدث، كانت ميان قد أمسكت بشعرها بعنف فصرخت تستنجد بأحد بعدما فشلت في تخليص نفسها من بين يديها التي تقبض على خصلات شعرها بعنف
تقدمتا لينا و سيلين و يبعدان ميان عن جنة حتى لا يتأذى جنينها و بالفعل ابتعدت لكن بعدما اقتلعت في يدها بعض خصلات شعرها
حاولت جنة الهجوم على ميان لكن قامت كلاً من سيلين و لينا بسحبها و انهالوا عليها بالضرب متعجبين من وقاحتها !!!
بينما كانت ميان تقف تراقبها بتشفي و هي تصرخ من شدة الألم فلم ترحمها لينا كلما تخيلت ان تلك كانت تريد افساد حياة صديقتها و سيلين ايضا كانت تبرحها ضرباً و هي تراها ابنة خالتها التي ارادت سرقة زوجها منها !!
كانت همس تجلس على الأريكة تمدد جسدها براحة ، تتناول حبات الفشار باسترخاء و هي تشاهد جنة و هي تنال ما تستحق و كم تمنت لو تذهب و تعطيها ما فيه النصيب كما يقال لكنها تخشى على جنينها ان يتأذى !!
بعد وقت قصير
كانت جنة ملقاة على الأرض، يتملكها الألم أثر الضربات القاسية التي تلقتها !!
ابتعدت عنها سيلين ولينا، تاركتين إياها تتلوى من الألم بينما كانت ميان واقفة على مقربة، تتأملها بنظرات ممتلئة بالاشمئزاز والغضب….نار مشتعلة تتأجج في قلبها كلما تذكرت نيتها الخبيثة و رغم ثقتها الكبيرة في فارس، إلا أن مجرد تخيل ما كانت تخطط له يجعل دماءها تغلي
كيف تجرأت على التفكير في هذا الأمر ؟
كانت الرغبة في الانتقام تسيطر على ميان لو استطاعت لكانت التهمت جنة بأسنانها
تقدمت ميان بخطوات غاضبة نحو غرفة جنة، وبدأت تجمع أغراضها التي بالأساس تخصها من البداية بحركات سريعة، وهي تستشيط غضبًا وبينما كانت تفرغ الأدراج، توقفت فجأة عندما رأت بعض مستحضرات التجميل الخاصة بها، وأشياء أخرى كانت قد فقدتها منذ فترة في خزانة الأخرى !!!
شعرت ببركان من الغضب يتفجر بداخلها تشددت قبضتها على الأغراض، وكأنها تحاول كبح نفسها من انفجار أكبر
خرجت تجر الحقيبة خلفها ثم مسكت بذراع الأخرى تدفعها خارج المنزل بقوة، ثم رمت حقيبتها أمامها دون اكتراث !!
وقفت ميان أمام جنة، تحملق فيها بنظرة مليئة بالاحتقار والاشمئزاز، وكأنها ترى شيئًا أكثر دناءة من أن يكون إنسانًا كانت عيونها تشتعل بالغضب الذي لم تستطع كبحه، فصاحت بكلمات قاسية :
فتحتلك بيتي، عاملتك زي أختي، وفارس ساعدك و دافع عنك وكان ممكن يتأذي بسببك…..ده كان ممكن يموت وده كان ردك للمعروف إنك تخوني ثقتي و تحاولي تخربي حياتي، تحطي عينك على جوزي!!!!!
ثم تابعت بغضب وقرف :
وصلت بيكي الحقارة والقسوة إنك تقتلي ابنك بإيدك؟ طب ليه؟ وعشان إيه يا شيخة؟ ربنا ينتقم منك! قتلتي روح بريئة
كانت جنة تقف أمامها متهاوية، عاجزة عن مواجهة هذا الطوفان من الغضب والكلمات اللاذعة جسدها يرتجف من لكن ميان لم تشفق لم يكن بداخلها أي مكان للرحمة في تلك اللحظة تقدمت نحوها بخطوات سريعة، والغضب يشتعل في عينيها، ووجهها مرسوم بملامح القسوة فجأة، ضربتها ميان على وجهها بصفعة عنيفة، اخرجت فيها كل غضبها :
زي ما دخلتي البيت ده من الشارع، هترجعي للشارع برده و المساعدة اللي جوزي كان هيقدمها ليكي؟ خسارة في واحدة حقيرة زيك، عينها ع اللي في إيد غيرها
ثم بصقت عليها بقرف شديد، وكأنها تريد التخلص من كل أثر لها، واستدارت دون أن تنظر خلفها، تدخل البيت وتغلق الباب بعنف في وجه جنة، تاركة إياها وحيدة
جنة، التي لم تعد تعرف إلى أين تتجه، جلست على رصيف بارد، تبكي بحرقة وندم لا يمكن وصفه كان كل شيء يدور في رأسها، كلمات ميان الجارحة تردد في ذهنها، تدور كالسكاكين الحادة
كانت أمامها فرصة لتبدأ من جديد، لكنها لم تحافظ عليها، واندفعت في طمعها حتى فقدت كل شيء
لم يكن أمامها أي مستقبل واضح…ظلم يتبق لها سوى بيت والدها، والذي سيسلمها مرة أخرى لأبوعدنان، ليعيدها إلى ذات العذاب الذي هربت منه !!!
…….
كان يقف هناك ، ينتظرها كل يوم يترقب ظهورها كما يترقب الظمآن قطرة ماء….ظلت عيناها عليه للحظة فركض نحوها لم يتحمل انتظارًا أطول
تجاهلته بشدة، وسارت بسرعة تحاول الهرب كأن وجوده يزيد الجروح عمقًا….لكن سفيان لم يستسلم لحق بها وأمسك بيدها ليس بعنف، بل بحذر كمن يخشى أن يكسر شيئًا هشًا
سحبها بهدوء بعيدًا عن الأنظار، وعيناه تبحثان في وجهها عن أمل أو ذرة تفهم
انتفضت أماليا وسحبت يدها من قبضته وصرخت فيه بغضب كامن :
إزاي تمسك إيدي كده، إياك تعمل كده تاني….إياك أساسًا تظهر قدامي في أي مكان ، ابعد عني…أنت طلعتلي منين
كانت كلماتها تنطق بالضعف رغم محاولة إخفائه كأن صوتها خانها في النهاية أما هو ظل يتأملها كان يرى وجهها لأول مرة بعد غياب طويل…..الألم يعتصر قلبه وهو يشاهد تلك العيون المتعبة و الوجه الذي فقد نوره وحيويته
كيف يمكن أن تكون هي نفسها الفتاة التي أحبها ؟ أين ذهبت تلك الأماليا التي جذبته بروحها المرحة وجنونها الجميل ؟
كل شيء فيها يبدو باهتًا…..تمامًا كما يشعر داخله أدرك حينها، أن كل من أحبه، تأذى بسببه
رغم الغضب الذي يشتعل في صدرها، كانت تشعر بضعف يتسلل إليها وهي تقف أمام سفيان
كانت عيناه، المليئتان بالندم والشوق، تنفذان إلى أعماقها، ولكنها لم تكن مستعدة للتنازل أو حتى لسماعه
حاول سفيان أن يقرب المسافة بينهما، وبدأ صوته يرتجف قليلًا وهو يقول :
أماليا، اسمعيني…..أنا عارف إن كل اللي حصل كان غلط، بس أنا ندمت و اتغيرت……
لكنها كانت قد اتخذت قرارها نظرت إليه بعينين مليئتين بالألم والعتاب :
ندمان….تفتكر إن الندم كفاية…..ازاي تتوقع إني أصدقك بعد كل اللي سمعته عنك ، ازاي كنت بالقسوة دي كنت غلطانة لما قولت ان الماضي ميفرقش معايا ، بعد اللي عرفته وسمعته ندمانة على كل لحظة شوفتك فيها…..ندمانة اني عرفتك اصلا ، لو ليك اخت هترضى بواحد زيك ليها !!!!
كانت كلماتها قاسية لكنها صادقة، تصب كل ما في قلبها من عتاب وألم و هو يقف صامتًا….عاجزًا عن الرد….كل كلمة كانت تطعنه في القلب لكنه لم يستطع سوى أن يقف متحملًا اللوم، متفهمًا حجم الأذى الذي سببه لها
استدارت ببطء بعد أن انتهت من كلامها و قبل أن تبتعد تمامًا قالت بصوت خافت كأنها تحدث لنفسها :
ابعد عني ارجوك ، اه فيه مشاعر ناحيتك بس مش كفاية عشان أتغاضى عن ماضيك ده ، كفاية وجع
ثم مشت بعيدًا، خطواتها مترددة لكنها ثابتة لم تلتفت خلفها، رغم أنها شعرت بنظراته تلاحقها أما هو بقي واقفًا في مكانه، يشاهدها وهي تختفي تدريجيًا عن أنظاره حاول أن يناديها مرة أخيرة لكنه أدرك أنها محقة !!
……..
مر شهران ثقيلان منذ أن انقطعت أماليا عن سفيان، حاول خلالها مرارًا العودة إليها، لكن دون جدوى بدا الأمر وكأنها أغلقت صفحته تمامًا، أو هكذا حاولت أن تظهر للعالم، ولكن داخلها كان ينزف لم تكن تتوقع أن تكون تجربتها الأولى في الحب بهذه القسوة، أو أن تصل جراحها إلى هذا العمق
هربت من آلامها إلى العمل، تغرق فيه ساعات طويلة لتنسي نفسها، حتى إنها وافقت على مشاريع في محافظات بعيدة، بشرط أن تعود للإسكندرية في نفس اليوم…واليوم كانت تستعد لأول مرة للسفر إلى القاهرة لمعاينة شركة جديدة تتولى تصميمها
بينما كانت تضع اللمسات الأخيرة على تجهيزاتها للسفر، دخلت والدتها، وبنبرة يعتريها الحزن قالت : لحد إمتى هتفضلي واخدة الموقف ده مني أنا كنت بعمل كده لمصلحتك، وانتي شوفتي بنفسك، مكنش يستاهل حبك ولا تضحيتك بنفسك عشانه
رفعت أماليا عينيها نحوها، ونطقت أخيرًا بعد صمت طويل، بنبرة تحمل خيبة أمل كبيرة قبل ان تغادر :
كان قدامك ألف طريقة تعرفيني بيها الحقيقة، لكن مش بالقسوة دي لا عليه ولا عليا، عمري ما هكون مبسوطة وأنا شايفة أمي قاسية كده
انحنت الأم برأسها بحزن ابنتها معها حق كانت تعرف في أعماقها أنها تصرفت بقسوة، حتى وإن كانت نيتها هي حماية ابنتها !!
نزلت أماليا إلى سيارتها وانطلقت باتجاه القاهرة، غير مدركة أن عيون سفيان كانت تراقبها من بعيد، كما كان يفعل دوماً منذ ابتعدت عنه كان يقف كل صباح أمام بيتها، ينظر إليها وهي تخرج، يتبعها حتى تصل إلى عملها، لعله يشبع عينيه وقلبه برؤيتها ولكن اليوم، شعر بشيء مختلف حين رأى وجهتها نحو القاهرة امتلأ قلبه بشعور غريب، كقبضة ضاغطة، فقرر أن يتبعها
بعد ساعات من القيادة، كانت أماليا تقف أمام صاحب الشركة “عصام” تحدث إليها بنظرات لا تخلو من الإعجاب، بينما هي تحاول أن تتجاهل هذا الشعور غير المريح الذي يزحف إلى قلبها أنهت حديثها معه بشأن تفاصيل المشروع وقالت له موعد الانتهاء، وهمت بالرحيل لكن قبل أن تخطو خطواتها الأولى، استوقفها بابتسامة خبيثة لم تلحظها قائلاً :
هتيجي معايا دلوقتي تعايني الفيلا اللي على الطريق الصحراوي، زي ما اتفقت مع خالك
نظرت إليه بدهشة، وقالت :
خالي!!!، مقالش حاجة عن الفيلا دي ولا حتى عطاني خبر بكده
أجابها بثقة وهو ينظر إلى ساعته :
اتكلمت معاه قبل ما توصلي بنص ساعة تلقيه ملحقش يقولك ع العموم ممكن تتأكدي بنفسك لو مش مصدقة كلامي
ترددت للحظة، شعرت بعدم ارتياح، وافقت أخيرًا، و ركبت إلى جواره في السيارة كان يقود بسرعة مريبة، بينما هي تشعر بانقباض في صدرها يتزايد كلما اقتربوا من الطريق الصحراوي خاصة ان الليل قد حل !!!!!
توقف عصام بالسيارة أمام فيلا معزولة على الطريق الصحراوي، نزل بسرعة وفتح الباب لأماليا، التي تملّكها شعور غير مريح زاد حدته مع كل دقيقة مضت نزلت من السيارة، ولكن القلق كان يعتلي ملامحها، خطواتها مترددة، شعرت كأنها في فخ محكم !!
دخلت إلى الفيلا، وأحست ببرودة الهواء تتسلل إلى عظامها استدارت نحو عصام بصرامة قائلة :
سيب الباب مفتوح من فضلك، يا أستاذ عصام !!
ابتسم لها بمكر قائلاً :
بس كده، انتي تؤمري!!!!
ثم أغلق الباب بعنف جعلها تنتفض في مكانها، و الخوف يشتعل في قلبها كشرارة ملتهبة
اندفعت نحو الباب محاولة فتحه، لكنه أسرع منها، أدار المفتاح وأغلق الباب بإحكام، ثم لوح بالمفتاح أمامها وقال بنبرة تملؤها الشهوة :
رايحة فين يا حلوة، وشرفي الفيلا دي مدخلاهاش غير الحلوين اللي زيك !!
تراجعت أماليا إلى الوراء بخطوات سريعة، وصوتها يرتجف بالغضب والخوف :
افتح الباب، أحسن والله…….
قاطعها وهو يخلع سترته بنظرات ملؤها التجرؤ و التفحص لجسدها بشهوة :
هتعملي إيه يعني، هتصوتي…صوتي، محدش هيسمعك ولو حد سمعك، انتي هنا بمزاجك، ركبتي معايا بمزاجك ودخلتي لهنا بمزاجك، يا حلوة !!
شعرت أماليا برعب يخترق قلبها كخنجر، والندم يعصف بأفكارها كيف وقعت في هذا الفخ !!
أخذت تتلفت حولها، حتى التقطت نظرها مزهرية طويلة على طاولة قريبة، فاندفعت نحوها وأمسكتها بيد مرتعشة، ثم صرخت بصوت مرتفع، كلما اقترب عصام منها زاد صراخها، لعل أحداً يسمعها وينقذها
لكن عصام تابع تقدمه بثقة، فتراجعت وهي ترفع المزهرية عالياً، ثم هوت بها نحوه بكل ما أوتيت من قوة إلا أنه أمسك بيدها بقسوة، انتزع المزهرية ورماها بعيداً، ثم دفعها بعنف لتسقط على الأرض كانت تحاول أن تقاومه، قدماها تركلانه ويديها تحاولان دفعه بعيداً، لكنها كانت تشعر بثقل جسده يقيد حركتها وكأنها تغرق في مستنقع من اليأس
في تلك اللحظة، عندما كانت صرخاتها تصدح في المكان كأنها نداء استغاثة، سُمع صوت طرقات عنيفة على الباب تحول الطرق إلى ضرب عنيف حتى انكسر الباب بفعل قوة مفاجئة، ليظهر سفيان مندفعًا كالعاصفة !!!!!!
كانت أنفاس أماليا تتسارع، وعيناها تملؤهما دموع الخوف والذعر، بينما انقض سفيان على عصام الذي كان منشغلاً بمحاولة إخضاعها، ولم يدرك ما حدث إلا بعد أن سحبه سفيان من فوقها وأسقطه أرضًا انفجرت دموعها عندما شعرت بأن كابوسها أوشك على الانتهاء، كانت ما تزال ترتجف من الخوف
سدد سفيان ضربات متتالية إلى عصام، كل ضربة كانت تخرج معها غضبه وألمه، ضربات لم تكن فقط دفاعًا عن أماليا، بل انتقامًا من كل لحظة شعر فيها بالعجز منذ أن تباعدا كان صوت أنين عصام يتلاشى مع كل لكمة، حتى أصبح بلا مقاومة تُذكر، فيما كان سفيان يعيد إليها الأمان الذي كاد أن يُسلب منها
بعد أن انتهى تركه بصعوبة، استدار نحو أماليا التي كانت تجلس على الأرض، عيناها زائغتان من هول ما مرت به، فاقترب منها وجلس بجانبها، واحتواها بذراعيه، بينما هي تنفست أخيرًا الصعداء احتضنته وكأنها وجدت في ذراعيه الأمان الذي فقدته خلع سترته على الفور وحاوطها بها بحرص، شاعراً بالغضب عندما رأى البلوزة التي ارتدتها قد تمزقت بفعل ذلك الحقير بينما كان يهم بحملها نحو سيارته، أحس بوجودها كشعلة دفء في قلبه، لكنها لم تكن تدرك أن الأمان الذي كانت تبحث عنه كان مهددًا بلحظة واحدة
بينما وضعها برفق على الأرض، شعر فجأة بانقباض قوي في جسده، وصدر منه أنين خافت ارتابت أماليا، وفزعت حين تكرر الأنين، فالتفت خلفها لترى ما يحدث كان المشهد أمام عينيها صادمًا، فقد رأت عصام، الذي كان يتخبط على الأرض، يرفع مسدسًا مصوبًا نحو سفيان وجهه كان مشوّهًا، مغطى بالدماء، عينيه تومضان بغضب كبير
صرخت أماليا، لكن صوتها تلاشى في غيوم الرعب و في لحظة مرعبة، شاهدت عصام يتراجع، ثم يقع على الأرض فاقدًا وعيه، بينما سفيان هو الآخر لم يكن أفضل حالًا بدأ جسده ينهار، دماؤه تتساقط بغزارة على الأرض، وكأنه يحاول أن يمسك بأنفاسه الأخيرة
بكت أماليا بقوة، دموعها تنهمر دون انقطاع تمسكت بجسده بقوة، والذعر يجتاح قلبها، تنقل بصرها المرتجف بين وجهه ويدها الملطخة بدمائه
انسابت دموعها كالشلال، ونحيبها المتقطع شق سكون الليل وهي تهمس بتوسل ممزوج بالرعب :
افتح عيونك…أنت مش هتسيبني، صح؟ مش كنت عايزني أتكلم معك؟ اهو أنا هنا، جنبك…ليه سكت دلوقتي !!
ازدادت حدة بكائها وهي تواصل بصوت مكسور :
شوف… أنا هنا، ومش هبعد عنك تاني….بس عشان خاطري افتح عيونك…متسبنيش رد عليا، سفيااان !!
بأعين شبه مغلقة، وبصعوبة بالغة، رفع يده المرتعشة ليمسح على وجهها، وهو يهمس بصوت متقطع وثقيل :
طول عمري كنت سبب وجع لغيري…حتى أنتي، هكون وجع ليكي…ربنا عمل كده عشان يريح الكل…مني ومن وجعي
هزت رأسها بنفي، والدموع تتساقط كالمطر، قائلة :
بس أنا مش عايزة ارتاح منك… قوم وابقى جنبي…أنا قابلة منك كل حاجة، حتى الوجع… والله مش هبعد عنك تاني مش اتفقنا نعمل فرحنا في نص البحر وتجيبلي فستان الأميرة أريل اللي بحبها؟ واتفقنا نعيش حاجات كتير مع بعض…
ثم وضعت جبينها على صدره، وصوتها مكسور بالوجع :
بس ما اتفقناش أنك تسيبني وتمشي
كانت آخر كلماته، بينما يده تلامس وجنتها برفق :
بحبك
في اللحظة التالية، تراخت يده وسقطت بجانبه ابتعدت لتنظر إليه بعينين متسعتين من الصدمة وعدم التصديق، ثم صرخت بهستيريا :
“لأ… لأ…افتح عيونك…متسبنيش…لأ، عشان خاطري، قوم !!
بدأت تصرخ بقوة، تضم جسده إليها بقهر، وكأنها تحاول استعادة الحياة التي انسلت منه !!!!!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بعينيك أسير)
قصة رااااائعه
ارجو اتمام القصه