رواية براثن اليزيد الفصل العاشر 10 بقلم ندا حسن
رواية براثن اليزيد الجزء العاشر
رواية براثن اليزيد البارت العاشر
رواية براثن اليزيد الحلقة العاشرة
“ما يجعل الإنسان مُشتت هو عدم المعرفة!،
قد يكون هذا أو ذاك ولكن لا تدري أي
منهم فتصبح مُشتت الفكر”..
سارت في وسط الحقول الخضراء كما تحب أن تفعل دائمًا في هذه البلدة ولكن كل مرة تكُن تفكر في شيء مصيري يحدد مجرى حياتها، تنفست بعمق رائحة الهواء الرطب الذي كان يداعب خصلاتها الذهبية، وضعت يدها أمام صدرها وسارت تتذكر لحظاتها معه، كلماته، نظراته الحنونة تارة والغاضبة تارة أخرى، نظراته وكلماته التي أحيانًا تحمل معنى الحب الخالص وأحيانًا أخرى ترى التشتُت الواضح عليهم..
هي ليست فتاة صغيرة لا تفهم معنى للحياة بل هي كبيرة تفهم جيدًا ولكن هناك ما يُخفى عنها!.. هناك ما لا يريد أن تعلم به، والجميع حقًا تحمل لهم الشفقة والسخرية فلو علمت ما يدور حولها لحاولت تصليح الأمور، لكانت الآن زوجته حقًا، لكان كل شيء بينهم يسير كأي زوجين حقيقيين ولكن هذا لم يحدث ولن يحدث إلا عندما تكشف الحقائق وهم وحدهم يعلمون بها، هو! وعائلته البغيضة..
ألا يريد أن تكون زوجته حقًا؟، ألا يريد أن يعيش معها أسعد لحظات حياته؟، وإن كان يريد لما لا يخبرها كل شيء هم يريدونه؟ لما دائمًا يتهرب من إجابة أسئلتها؟، هي ترى بوضوح الحب في عينيه أو أنها تتوهم لأنها منجذبة إليه وبشدة؟ لا هذا ليس توهم أنه حقًا يحبها، لهفته، قلقه، تصرفاته ونصفه لها أمام الجميع يجعلها ترى الحب به..
وهي تنجذب إليه يومٍ عن آخر، تريد رؤيته دائمًا أمامها، تريد رؤية ضحكته، ابتسامته، رؤيته من بعيد وهو على ظهر “ليل” يركض للبعيد ويعود، النوم جواره وأن تنعم بأحضانه وهو غافي غير واعي لما تفعله، جميع ما به يجذبها إليه فقد تخلى عن غروره معها، لم ترى عنجهيته منذ فترة، لم ترى نظرة الصقر الذي عرفته بها فقط ترى نظرات حب وهيام..
من يستمع إليها الآن سيضحك بشدة، يالا السخرية هل هذه نفسها التي بيوم عرسها كانت تريد تصنع الإغماء لتهرب منه؟.. هل هذه نفسها التي كانت تريد الهرب وليذهب الجميع للجحيم، لم تكن تعلم أنه هكذا لم تكن تعلم أن هذا سيحدث ولم تكن تعلم أنها ستريد القرب الدائم منه وربما أكثر..
ابتسمت بهدوء ورقة وهي تضع يدها على شفتيها بخجل تتحسس موضع قبلته حينما حاصرها في الغرفة مقتربًا منها ليأخذ قبلةٍ رقيقة ناعمة من شفتيها..
عادت من تفكيرها على صوت شخصٍ قريب منها يتحدث بصوتٍ عالٍ ليلفت انتباهها:
-الجميل نزل بلدنا تاني.. ياه دي نورت وربنا
نظرت إليه رأته شابًا يبدو في مثل عمر يزيد وسيم هو الآخر ولكن هي تعرفه، رأته من قبل، ضيقت عينيها ناحيته محاولة تذكر أين رأته إلى أن تذكرت فنظرت إليه بحدة قائلة بجدية:
-هو أنتَ مش بتزهق ولا ماشي تعاكس في خلق الله وخلاص
ابتسم باتساع بعدما أقترب منها وسار على بعد خطوةٍ واحدة ليقول بهدوء مُبتسم:
-ولا ده ولا ده بس أخر مرة شوفتك هنا كانت من شهور ودي تاني مرة أهو يبقى لازم أعرف أنتِ مين ولا أنا غلطان؟
استدارات زافرة بحنق وضيق من كلماته ثم هتفت وهي تبتعد عنه:
-مجنون
سارت عائدة إلى المنزل مرة أخرى والذي لم تبتعد عنه كثيرًا تاركة ذلك الشخص الأبله دون إجابة أخرى أو حتى تعطيه بعض التركيز، نظر هو إليها مبتسمًا بسخرية فهو فقط يريد أن يعلم من هي لا أكثر من ذلك فهناك من تشغله، وجدها تدلف إلى منزل “الراجحي” بكل أريحية ليستغرب كثيرًا من أين هي تعرفهم، وما علاقتها بهم فهو يعرفهم جيدًا ولم يراها معهم من قبل..
____________________
استمعت إلى أصواتهم العالية وهي تدلف من البوابة وقد كان من بينهم صوت زوجها العالي للغاية، استغربت كثيرًا من الذي يحدث وما الذي أوصلهم إلى ذلك الأمر فهي تعلم أنهم عائله واحدة ولا يحدث هذا عادة بينهم..
دلفت إلى الداخل حيث هم متواجدين لترى الجميع ينظر إليها بينما ابتسم “فاروق” بسخرية قائلًا وهو يشير ناحيتها:
-اهي الهانم شرفت
تقدم منها يزيد بلهفة وقلق قابضًا على معصم يدها متحدثًا بجدية وهو ينظر إليها:
-كنتي فين؟
نظرت إلى الجميع بغرابة هل هي من أحدث هذا القلق بينهم لغيابها في الصباح هكذا أم ماذا، تحدثت مجيبة إياه بقلق وتردد:
-كنت بتمشى
تحدث “فاروق” مرة أخرى بعصبية مشيرًا ناحيتها بغضب وحدة:
-الهانم كانت بتتمشى ولا على بالها مفكرة نفسها لسه عايشه في البندر
نظرت إلى يزيد وكانت تود بشدة أن تجيبه على هذه الكلمات اللاذعة، هناك حقًا رغبة ملحة تُريدها أن تُجيب عليه وتجعل الجميع يقفون عند حدودهم ولكن ترك “يزيد” يدها بحدة متقدمًا من أخيه بعصبية والغضب يعمي عينيه قائلًا:
-مش هسمحلك يا فاروق تتكلم مع مراتي بالأسلوب ده
تقدم الآخر منه قائلًا بحدة وعصبية فقد رسخت زوجته بداخل عقله كلمات مسمومة من الأمس إلى اليوم ليأتي بحقها التي تدعي أنها تريده بسبب ظلمهم إليها:
-أنا هنا الكبير من بعد عمك وكل اللي أنا عايزه هو بس اللي هيحصل ولا تكونش نسيت يابن الراجحي
أجاب “يزيد” وهو ينظر داخل عينيه بقوة:
-كبير على نفسك يا فاروق مش عليا ولا على مراتي.. أنا هنا مسؤول من نفسي وهي مسؤوله مني.. سمعت يا فاروق
صاحت والدته بعد أن طفح كيلها من تصرفات ابنها الذي من المفترض يأتي بحق الجميع من عائلة “طوبار” ولكن ما يحدث الآن أن ابنة تلك العائلة أوقعت الشقيقين ببعضهم وترى أن ابنها قد عشقها حقًا حتى يقف هكذا أمام الجميع للدفاع عنها:
-اخرس يا يزيد.. أخوك الكبير غصب عنك وعن الكل.. بت طوبار هتفرقكم عن بعض ولا ايه، قدمها قدم خراب على البيت كله
فرت دمعة من عينيها حزنًا على ما تعرضت له من تلك العائلة، استدارت لترحل عنهم جميعًا ولكن يده منعتها عن ذلك، خلل أصابع يدها بأصابع يده وتمسك بها بشدة أمام الجميع ثم هتف بقوة وجدية دون خجل:
-هريحكم مننا إحنا الاتنين
استدار بها ليرحل عنهم عائدًا إلى بيته في القاهرة ولكن كلمات شقيقه الجادة جعلته يقف مكانه دون تحرك:
-بلاش يا يزيد وإلا هخليها تخرب على دماغ الكل وأنتَ أولهم
يعلم أنه يفعلها، إنه “فاروق” النسخة الثانية من قسوة “سابت الراجحي”، سيقول لها سبب الزواج الحقيقي ويخرب كل ما بدأه معها، ستتركه لا محال ولن تعود إليه أبدًا..
استدار ينظر إليه فابتسم أخيه قائلًا ببرود وتهكم:
-أنتَ عارف إني أعملها
في تلك اللحظة لم يكن يعلم ما هو شعوره ناحية أخيه، هل هو الكره أم الحقد أم ماذا، فهو في تلك اللحظة لم يراه إلا وهو يريد تخريب زواجه..
استمع إلى صوت تلك المرأة الخبيثة تقول بابتسامة متهكمة بسخرية:
-بدافع عنها باستماته ولا كأنك عارف سبب الجواز يا أخو جوزي
أتعلم هي أيضًا السبب الحقيقي!؟. ولما لا فـ أخيه كالخاتم بأصبع زوجته تفعل به ما يحلو لها في أي وقت..
أجابها بعصبية وحدة وقد فاض الكيل به من كم الكلمات السمومة التي سمعها:
-أنتِ تخرسي خالص كل ده بسببك أنتِ
صاح شقيقه هو الآخر بعصبية مدافعًا عن زوجته:
-أخرس أنتَ يا يزيد
غضبه يعمي عينيه حقًا، عصبيته تبتلعه إلى داخلها، كاد أن يذهب إليه ليمسك بعنقه ويفتك به بسبب هذا الغضب الذي يعتريه من أجله هو وزوجته ولكن أستمع الى صوتها الضعيف تهتف باسمه وهي تجذب يده إلى خارج الغرفة لتبتعد عن الجميع به فهو الذي كان يقف ضدهم معها ولكن هناك ما يخفى حقًا..
__________________
جلس على الأريكة في غرفة الصالون الصغيرة التابعة لغرفة نومهم وجلست جواره بتوتر ثم تحدثت قائلة بحزم:
-ليه كل اللي حصل تحت ده يا يزيد ايه السبب؟
نظر إليها بغضب ثم أجابها وهو يبتعد بوجهة للناحية الأخرى قائلًا بحدة:
-أنا مش فايق للأسئلة بتاعتك دي
نظرت إليه باستغراب ودهشة فهي ليست لها ذنب فيما حدث منذ قليل بل هو من المفترض أن يخفف عنها فالجميع أهانها بكلمات أو بأخرى، وضعت يدها أسفل ذقنه وجعلته يستدير إليها وتحدثت بجراءة وحزم قائلة:
-اومال هتفوق امتى أنا كل ما بسألك عن حاجة يا أما بتهرب من الإجابة يا أما بتكدب عليا، جاوبني ايه اللي حصل؟
أجابها قائلًا بنفاذ صبر:
-فاروق كان بيحاسبني علشان اتعصبت على إيمان امبارح لما كانت هتضربك ومش مقتنع أنها هي اللي غلطانه كالعادة وشدينا في الكلام قصاد بعض زي ما شوفتي ها مرتاحة كده؟
مرة أخرى نظرت إليه تلقي عليه سؤالًا أخر تريد الإجابة عليه بشدة:
-أنتَ مسكت ايدي وكنت ماشي وقفت ليه بعد كلام فاروق.. ايه اللي ممكن يعمله وبيهددك بيه؟
وقف على قدميه مبتعد عنها ثم دلف إلى غرفة النوم ومن بعدها دلف إلى المرحاض متهربًا من الإجابة ولكنها لم تتركه، دلفت خلفه إلى المرحاض ثم تحدثت بحزم وجدية شديدة:
-مش هسيبك غير لما أعرف كل حاجه أنا من حقي أعرف
صاح بصوتٍ عالٍ وهو يشير بيديه قائلًا بعصبية:
-مفيش حاجه، ده أخويا يهددني بـ ايه، ايه الجنان اللي بتقوليه ده فكري في كلامك قبل ما تطلعيه
أغمضت عينيها بقوة ثم فتحتهم وهتفت قائلة بضجر بعدما انتهى من حديثه الذي لا يدخل عقل طفل صغير إذا استمع إلى تهديد أخيه له:
-هعتبر نفسي صدقت كلامك ده.. قولي بقى ايه السبب اللي كانت بتتكلم عنه إيمان؟ ايه سبب جوازنا
ضرب بيده عرض الحائط بعصبية وقد قارب على فقد عقله بالكامل مما يحدث معه لينفجر قائلًا مرة واحدة بصوتٍ عالٍ وغضب جلي فجره بها:
-هيكون ايه يعني هو أنتِ محضرتيش الجوازة مثلًا ولا مش عارفه إحنا اتجوزنا ليه؟ تحبي افكرك اتجوزنا علشان التار اللي بينا علشان ابن عمك الك** ده مايموتش ارتاحتي كده، يلا أخرجي بره
خرجت وتركته يعاني وحدة من ذلك الحمل الثقيل الذي يكاد يفتك به وبروحه، تركته يعاني مع ذلك السر الذي لو علم به الجميع لم يضع بباله ولكن هي فقط من يريده لا يعلم بشيء، نظر إلى انعكاس صورته في مرآة المرحاض وقد حضر ضميره مرة أخرى بعد أن استفاق من غيبوبته معها..
بينما هي لم يدخل عقلها كل ما تحدث به ومازالت تريد أن تعلم الحقيقة ولكن الشيء الوحيد الذي يجعلها سعيدة في وسط ما حدث هو وقوفه جانبها، وأخذ مكانة السند لديها أمان الجميع..
__________________
وهي تجلس في الحديقة على مقعد خشبي جذب انتباهها رائحة تعلم صاحبها جيدًا، لم تغفل عنه دقيقة واحدة منذ رحيله، دقات قلبها تسارعت وسارت تقرع كالطبول، خافت من أن تستدير لتراه يكِن سراب وتتوهم من كثرة تفكيرها به، ولكن هذه هي رائحة عطره حقًا، استدارت بهدوء وهي تدعي بداخلها ألا يكون تخيل وقد كان..
رأته يقف أمامها مباشرةً، كما هو لم يتغير به شيء ربما فقط زادت وسامته عن ذي قبل، نظرت إليه باستغراب واندهاش فهو حقّا أمامها، قالت مبتسمة ببلاهة غير مصدقة تواجده:
-سامر!
أما عنه فقد رأها وهو يدلف إلى الداخل، يعلم أن هذه جلستها منذ زمن، وقف خلفها ينظر إلى خصلاتها ويملي عينيه من جمالها، يرى تحركاتها العفوية ويتذكر ضحكاتهم سويًا..
أجابها قائلًا بابتسامة عريضة ونبرة تحمل الهدوء والحنان:
-أيوه سامر
ابتسمت وحاولت ضبط أفعالها ثم قالت بجدية مبتسمة وهي تسلم عليه بيدها:
-حمدالله على السلامة، جيت امتى؟
هتف قائلًا بهدوء وابتسامة تزين ثغره:
-الله يسلمك.. أنا جيت امبارح
نظرت إليه مطولًا بهدوء ثم تحدثت قائلة بحماس وفرحة عارمة:
-نورت البلد كلها
ابتسم إليها بصدق وقد كان ذلك ظاهر إلى أبعد حد ثم سألها باستغراب وتساؤل:
-مين اللي دخلت عندكم الصبح ولون شعرها أصفر أو بني كده
استغربت سؤاله ثم أجابته بعد أن تذكرت “مروة”:
-قصدك على مروة؟
سألها مرة أخرى باستغراب وهو يريد أن يعرف من تكون وما درجة القرب بينهم:
-مين مروة دي
ابتسمت باتساع ثم أجابته متهكمة بسخرية:
-آه صح ما أنتَ كنت غايب عننا ومحدش عارف يوصلك.. المهم يا سيدي مروة تبقى مرات يزيد أخويا
دُهش بشدة مما أستمع إليه فكيف “يزيد” تزوج ومتى ومن هذه الفتاة وأين وجدها ولما لم يخبره؟، تحدث قائلًا بهدوء:
-إيمان فين أسلم عليها ويزيد؟
-جوه تعالى
أخذته إلى الداخل حيث أخته وصديقه الذي لم يراهم منذ فترة طويلة، بينما هي تسير بجانبه والسعادة تجتاح كيانها فقد عاد حبيب القلب والعقل والروح، عاد إلى موطنه الأصلي بجوارها دون أن يشعر سوى ببعض النظرات والكلمات اللطيفة من جانبه..
________________
بعد أن سلم على أخته بحرارة دلف إلى مكتب صديقه ليراه جالس خلفه وفور دخوله إليه رفع “يزيد” نظره إلى الباب ليراه يقف أمامه، ابتسم باتساع ثم وقف على قدميه متقدمًا وفعل الآخر المثل، اقترب منه محتضنًا إياها مسلمًا عليه بحرارة وشوق كبير، ربت “يزيد” على ظهره ثم تحدث قائلًا:
-ايه المفاجأة الجامدة دي يا وحش.. حمدالله على السلامة
ابتعد “سامر” إلى الخلف وذهب خلف “يزيد” بعد أن تقدم ليجلس على الأريكة بالمكتب وجلس جواره، تحدث مبتسمًا بهدوء:
-بس ايه رأيك مفاجأة جامدة فعلًا
أجابه “يزيد” وهو يعتدل ناظرًا إليه بهدوء ثم هتف متسائلًا باستغراب:
-مقولتش ليه انك جاي كنت جبتك من المطار
أجابه الآخر قائلًا:
-ياعم ما قولنا مفاجأة.. المهم قولي ايه الدنيا معاك وايه اللي سمعته ده أنتَ بجد اتجوزت؟
ابتسم “يزيد” بسخرية جلية وواضحة رأها صديقة ليخاف من القادم، ولكن “يزيد” تحدث قائلًا ببرود:
-ما بلاش أنتَ لسه جاي مش حمل حوارات
ابتسم “سامر” باتساع ثم تحدث بحماس قائلًا:
-لأ قول كل حاجه ودلوقتي تعرفني اتجوزت إزاي من غيري ومن غير حتى ما أعرف دي مكانتش سفرية ياخي اللي تبدل حالك كده
ابتسم بسخرية لاذعة ثم وقف على قدميه وذهب لينظر من خلف زجاج الغرفة موليًا ظهره إليه ثم بدأ بهدوء أن يقص على صديقه ما حدث منذ أول يوم تحدثوا به عن زواجه إلى التعرف على ملاكه في وسط الحقول إلى اكتشافه أنها نفسها ليكُن قدره ميسر معها ومن ثم ما حدث بينهم إلى اليوم من شد وجذب من الطرفين وحادثه عن شعوره تجاهها..
ذُهل “سامر” من هذا الحديث الذي أستمع إليه وسار يفكر كيف لـ “يزيد” أن يفعل هذا؟ كيف لشخص عادل مثله يفعل ذلك بفتاة ليس لها ذنب في ما يحدث للجميع؟، كيف له أن يفكر بهذه الطريقة الرخيصة؟..
تحدث بذهول متسائلًا باستغراب:
-أنتَ إزاي تعمل كده؟، هي أكيد متعرفش أي حاجه حصلت ولا هي اللي قتلت ابن عمك دا أنتَ بتقول كمان أنها مكنتش عايشه هنا
ابتعد “يزيد” عنه يهرب من كلماته التي علم طريقها إلى أين يذهب ووقف يوليه ظهره ثم تحدث ببرود:
-أهو اللي حصل
صرخ عليه صديقه بسبب رؤية اللا مبالاة الذي يتحدث بها ولا يهمه الأمر:
-حرام عليك يا يزيد ذنبها ايه أنها تعيش معاك وأنتَ بتخدعها، حط يسرى مكانها
صرخ الآخر مجيبًا إياه بصوتٍ عالٍ وعصبية شديدة وقد كان يريد هذا حقًا:
-حرام عليا ايه؟ أنتَ مش عارف أنا حاسس بـ ايه ولا ضميري عامل فيا ايه، متعرفش بفكر في ايه وأنا بشوفها نايمة جنبي ومأمنه ليا، أنا في نار جوايا ولو بأيدي أمسح كل اللي حصل زمان هعمل كده بس مش بأيدي مش بأيدي يا سامر
اشفق الآخر على وضعه فهو حقًا يعاني دون أن يعلم أحد، تحدث مقترحًا عليه:
-خدها وامشي من هنا ياخي قاعد ليه ما أنتَ طول عمرك قاعد في القاهرة
أجابه بعد أن جلس على الأريكة ووضع رأسه بين كفيه مهمومًا على ما يحدث:
-فاروق هيقولها ويقول للكل ويخربها فوق دماغي
مسح “سامر” وجهه بعنف ثم نظر إليه بهدوء وتحدث قائلًا بجدية شديدة بعد أن وجد أن ذلك هو الحل الأمثل:
-يبقى تقولها أنتَ على كل حاجه
ضحك “يزيد” بسخرية وهو ينظر إلى صديقه متحدثًا بتهكم:
-آه وفكرك هتبص في وشي بعد كده؟
نظر “سامر” إلى أرضية الغرفة بضعف فلا يوجد حل مناسب لتبقى معه بعد أن تعلم أو حتى يوجد حل لعدم فعل ذلك، يشفق كثيرًا عليه فعندما رأي ملاك خطف أنظاره كانت هي دون الجميع..
جلس يزيد يفكر هل سيستمر الوضع هكذا؟ وإلى متى؟
_________________
حاولت “مروة” أن تأخذ من “يسرى” شيء يفيدها في أن تعلم ما يحدث، جلست جوارها على الأريكة في غرفة الصالون التي بغرفتها هي و “يزيد” ثم تحدثت قائلة بتساؤل:
-يسرى ايه السبب لجوازنا أنا ويزيد غير اللي أنا أعرفه
ابتسمت “يسرى” بهدوء وعقلانية ثم تحدثت بحزم وهي تضغط على يد مروة:
-أنا والله معرفش أي سبب تاني غير اللي أنتِ تعرفيه وحاولي يا مروة متفكريش في الموضوع ده
وقفت مروة أمامها تهتف بحدة وعصبية فهي تكاد تجن من الذي يحدث حولها من الجميع:
-مفكرش إزاي؟ الكل بيتكلم في الموضوع ده وأنا من حقي أعرف لو فيه سبب تاني ليه يزيد اتجوزني؟ مش أنا اللي اخترعت ده لأ دول هما اللي قالوا.. طب قوليلي ليه فاروق مش عايز يزيد يمشي من هنا؟
هزت الأخرى رأسها يمينًا ويسارًا باستنكار يدل على عدم معرفتها شيء فقالت “مروة” بحنق:
-حتى يزيد مش بيحكيلي أي حاجه وديمًا بيخبي عني.. أنا بحس بده
وقفت “يسرى” أمامها ثم تحدثت قائلة بهدوء وهي تقترب منها:
-علاقتك أنتِ ويزيد اتحسنت مليون المية حرام عليكي تعكنني على نفسك وعليه بالطريقة دي سيبك من إيمان وفاروق وماما يزيد مش بيسكت لحد خصوصًا لو قربلك أنتِ، عيشي يا مروة معاه وسيبك من أي حد، معقولة مش شايفة التغير اللي حصله؟
تقدمت مروة من الأريكة وجلست عليها بهدوء تفكر في كلمات شقيقة زوجها فهي محقة، هناك تغير كبير في علاقتهم وهي من جديد تريد إجابات لأسئلة غبية مثلها، جلست “يسرى” جوارها بهدوء هي الآخر، استدارات مروة تنظر إليها ثم سألتها فجاة:
-مين اللي كنتِ واقفه معاه تحت في الجنينة ده
ابتسمت “يسرى” بهيام وحب واجابتها بهدوء:
-ده سامر أخو إيمان
ضيقت “مروة عينيها ثم تحدثت بسخرية وتهكم:
-صح مهو مش معقول يكون سمج كده لله وللوطن
أجابتها الأخرى سريعًا بلهفة وحماس وهي تصلح لها ما قالته عن من هواه القلب:
-لأ بالعكس يا مروة سامر ده غيرها خالص حاجه كده مفيش زيها، جميل وحنين وطيب و….
تريثت قليلًا ومن ثم تحدثت قائلة باستغراب:
-وبعدين أنتِ عرفتيه منين علشان تقولي عليه سمج؟
ابتسمت “مروة” باتساع ثم اعتدلت في جلستها حيث استدارت بجسدها كليًا لتواجهه “يسرى” تحدثت بتهكم صريح قائلة:
-خلينا فيكي الأول وبعدين أقولك عرفته منين، ايه هي غمزت.. لأ غمزت ايه دي شكلها واقعة خالص
ضربتها “يسرى” بخفة في ذراعها وهي تبتسم بخجل قائلة بجدية:
-لأ على فكرة ده صاحب يزيد أوي وعيب اللي بتقوليه ده
غمزت إليها “مروة” متحدثة بعبث معها:
-يابت؟.. لأ لأ قولي بقى بجد شكل في حاجه صح؟
ابتسمت “يسرى” بخجل وهي تنظر إليها باهتمام ثم تحدثت بشغف وحب خالص:
-بحبه يا مروة لأ بحبه ايه ده أنا بموت فيه، تصدقي إني بحبه من تلت سنين وعمري ما اتشجعت وقولتله ولا عمري هعملها، بحب أشوفه دايمًا قدامي وأكلمه، بحب أشوف ضحكته بحس إني طايرة في السماء لما بس يضحكلي
استمعت إلى كلماتها وقد كان هذا نفس ما تشعر به تجاه “يزيد”، هل من الممكن أن تكن علاقتهم تطورت إلى أن أصبحت تحبه؟!..
نظرت إلى”يسرى” ثم سألتها قائلة بجدية متسائلة:
-طب وهو؟
-هو يدوب من قبل ما يسافر بس وهو بيلمحلي كده بنظرات أو كلام.. كان مسافر بقاله ست شهور أهو كانت روحي بتطلع فيهم وأنا مش شيفاه وكنت بخاف أكلمه يفكرني حاجه كده ولا كده
استكملت حديثها مرة أخرى وهي تسألها باستغراب:
-عرفتيه منين بقى؟
لم تريد “مروة” أن تجعلها تراه بصورة غير لائقة أو تخرب الود بينهم بسبب المواقف السخيفة الذي رأته بها فأجابت قائلة
-كنت بشوفه في الإجازات لما أنزل هنا والنهاردة شوفته بالصدفة وشافني وأنا داخله هنا وكان حابب بعرف أنا مين بس متكلمناش
تريثت قليلًا ومن ثم قالت لها بابتسامة عريضة ونبرة فرحة:
-ربنا يجعله من نصيبك يا حبيبتي
أجابت الآخرى سريعًا بلهفة:
-يارب يا مروة يارب
ابتسمت لها وهي تفكر فيما قالته فهي تشعر بكل ما تشعر به وأكثر!، تريد قربه الدائم لها، تريد أن تنعم بأحضانه، وكلماته، تريد أن ترى ضحكته ونظراته، عفويته وكل شيء يفعله، هل هذا بوادر حب؟
_________________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية براثن اليزيد)