رواية براثن اليزيد الفصل الثلاثون 30 بقلم ندا حسن
رواية براثن اليزيد الجزء الثلاثون
رواية براثن اليزيد البارت الثلاثون
رواية براثن اليزيد الحلقة الثلاثون
“بعد مرور شهر”
لم تصدق والدها وشقيقتها عندما قالوا بأنها تتواجد في منزلهم تنتظر زوجة ابنها لتتحدث معها!، ما الذي سيأتي بها إلى هنا؟، هل ما زالت تريد أملاكها؟، أم تريد أن تبتعد عن ولدها فـ هي بالأساس تركته!.. ربما هي تعتقد أنها قامت بعمل سحر له حتى لا يتركها كما قالت بالسابق؟، ما الذي سيأتي بها إلى هنا؟!
لم تصدق تواجدها إلا عندما رأتها بتلك العينين الحاملة لون خضرة الأرض، دلفت بهدوء إلى غرفة الصالون لتقف والدة زوجها على قدميها عندما رأتها تتقدم منها..
مشاعر غريبة داهمتها عندما نظرت إلى وجهها، يبدو عليها الإرهاق الشديد، ملامحها باهته للغاية ليست تلك المرأة القاسية التي كانت تتفنن بعذابها، تبدو منكسرة ليست كما السابق أبدًا، أنها “نجية” الرمز الصحيح للقسوة والقوة كيف لها أن تبدو هكذا؟..
تقدمت “مروة” إلى الداخل وهي تضع يدها على بطنها، ليس خوفًا على ابنها أو حماية له بل كانت تتمسك بها وهي تشعر أن بوادر الآلم المرافق لها قادمة..
نظرت إليها بهدوء وأشارت لها بالجلوس مرة أخرى ففعلت دون التفوه بحرفٍ واحد، داهمتها “مروة” بسؤالٍ جاد لا يحمل لين ولا شفقة لمظهرها:
-ممكن أعرف سر الزيارة دي؟
انتقلت “نجية” إلى المقعد المجاور لها وقد ظهر عليها الانكسار حقًا، نظرت إلى الأرض خجلًا ثم رفعت نظرها مرة أخرى قائلة بجدية:
-بقالي كام يوم هنا أنا ويسرى عند يزيد، ابني بيموت كل يوم، قلبه اندفن علشان أنتِ مش معاه، مش بياكل ولا بيشرب، اللي بيعمله صحيح هو شرب السجاير.. عمال على بطال يشربها، وبقى عصبي زيادة عن اللزوم، محدش عارف يتكلم معاه كلمتين على بعض، مش قادرة أشوفه كده واسكت أنا السبب في اللي حصله… علشان خاطري أرجعي لابني لو بتحبيه صحيح ارحميه
كلماتها أنطلقت من فمها كالسهام المسمومة لتعرف هدفها جيدًا وكان قلب تلك المسكينة، آلمها قلبها كثيرًا عندما استمعت إلى هذه الكلمات، هي لا تريده هكذا بل تريده بخير، بكل الخير ولكن لا تستطيع أن تعود بهذه السهولة كلما سيطر عليها عقلها مطالبًا بأن تعطيه فرصة تتذكر ما فعله بها، تشعر وكأنها فتاة رخيصة لا تعرف ما هي الكرامة وليس لديها أهل يدافعون عنها!..
عندما تتذكر ما كان يفعله بها في زواجهم تقرر بألا تعود، عندما كان يُشتت تفكيرها، يقول نصف الإجابة على السؤال ويترك عقلها يخمن الباقي، يكذب، يفعل ما يحلو له بها في وقتهم سويًا، حتى أنه عند الحديث في أمر هام يكن هو يفكر بشيء آخر معها!..
كل ذلك جعلها تتألم منه، أنه فقط جزء صغير من الذي واجهته معه هو وعائلته، فعل لها الكثير أيضًا ليجعلها سعيدة هي لا تنكر ذلك ولكن الطاغي على كل شيء هي أفعاله الدنيئة، تحبه، تعشقه، لا تريد سواه ولكن أيضًا لا تستطيع الرجوع، ليس بيدها هي حقًا لا تستطيع..
استمعت إلى والدته تقول بنحيب وقاربت على البكاء لأجل والدها الذي دمرت سعادته غافلة عن النتائج:
-وحيات الغالية أمك ترجعيله.. أنا عارفه أن مفيش أغلى منها، وحيات اللي في بطنك ابني هيموت يا مروة.. هيموت
تجمعت الدموع بعينيها هي الأخرى وهي تراها تتوسلها بهذه الطريقة التي لم تراها بها من قبل، وضعت يدها على بطنها الذي ازداد ألمها قليلًا، نظرت إليها بضعف وحيرة لا تدري ما الذي عليها أن تفعله لها الآن، في جميع الأحوال هي لا تود أن تراها هكذا في النهاية هي والدته وامرأة كبيرة السن وهي تعلم أنها تحبه أيضًا..
وجدتها تقترب منها بعد أن هبطت على ركبتيها وأخذت يدها وهي تبكي وتنتحب بصوتٍ عالٍ قائلة:
-أبوس ايدك ارجعيله.. أبوس رجلك
سحبت “مروة” يدها سريعًا منها ثم وقفت على قدميها وجذبتها لتقف هي الأخرى أمامها فنظرت إليها بضعف وانكسار يظهر عليها منذ الوهلة الأولى، أومأت إليها “مروة” برأسها دليل على موافقتها حتى تصمت وتكف عن ما تفعله..
ابتسمت الأخرى بسعادة وجذبتها لتحتضنها بقوة، ربتت على ظهرها وهي تقول بسعادة غامرة:
-ربنا يخليلك ابنك يا بتي.. عمري ما هنسى جميلك ده
مازالت “مروة” هنا تقف في صدمة كبيرة لا تستطيع أن تتخطاها!.. ما الذي حدث لها هذه المرأة هل كل ذلك من أجل “يزيد”؟. ولما لا، أغمضت عينيها بضعف وهي تضغط على شفتيها متألمة، لا تشعر بشيء سوى الآلم حقًا، حتى أنها لم تشعر متى ذهبت من هنا!..
_________________
لا يستطيع أن يجعلها ترضخ له! إلى الآن لا يستطيع لقد ذهبت زوجته وحلت مكانها إمرأة أخرى تمامًا، هذه ليست “مروة” التي كان يغير ما بعقلها بلحظات! أم أنها كانت تهيئ له ذلك؟ لقد فشل معها فشل ذريع، لا تريد رؤيته منذ أسبوعين ولا تستقبل هداياه، ولا مكالماته لها، قالت إنها اكتفت من ذلك ولن تعود عن فكرة الطلاق!.. وهو لن يفعلها ستموت وهي زوجته لن يجعلها تفعل ما برأسها لو اضطر سيطلبها في بيت الطاعة وسيكون هو الرابح في كل الأحوال وسيجعلها تكمل معه رغمًا عن أنفها لقد طفح به الكيل..
ما هذا العناد!. لقد أخطأ وأعترف بذلك، حاول بشتى الطرق أن يرضيها، فعل أكثر من اللازم معها، هو لم يتمادى إلى ذلك الحد الذي تراه هي، يبدو أنه هو المخطئ لقد تساهل معها وجعلها تفعل ما يحلو لها..
يوميًا يستمع ويرى ما يفعله الأزواج بزوجاتهن ولا أحد يتحدث بل يكملون على نفس النحو وكأن شيء لم يكن.. ما بها إذًا ابنة عائلة “طوبار”؟..
لقد تملكه الغضب مرة أخرى، العصبية أصبحت تلازمه في جميع الأوقات وتفكيره بالكامل خطأ، كل ذلك بسببها، أنه يحتاج إلى زوجته معه، هو رجل والجميع يعرف ما يعني هذا وهي أولهم، تعرف أن له احتياجاته الخاصة ولا أحد غيرها يعرفها أو يفعلها، لقد تمادت كثيرًا..
زفر بضيق شديد وهو ينظر إلى القلم الذي بين يده نصفين! كسره وهو يفكر بها دون الشعور بذلك..
ترك بقايا القلم على المكتب أمامه ثم انحنى قليلًا ووضع وجهه بين كفيه، أنه اشتاق لها كثيرًا، لا يستطيع الإبتعاد عنها أكثر من ذلك وضل الطريق إليها..
لقد أغلقت كل الأبواب بوجهه تُصر على الطلاق، هل حقًا هي تريد ذلك؟ هو متأكد من حبها له ولكن ذلك الإصرار في الإنفصال عنه يجعله يشك بحبها له..
لا تقدر كيف أصبحت حالته، ولن تقدر ذلك إلا عندما تتذوق من نفس الكأس..
وقف على قدميه وذهب إلى خارج المكتب يسير بهدوء في المصنع وهو يتربص لأي شخص على غلطه حتى يفرغ شحنة الغضب هذه به، أخرج سيجارة ووضعها بفمه ثم قام بإشعالها وأخذ يدخنها بشراهة وهو يسير ببطء وينظر إلى كل شيء بعينين الصقر خاصته..
لقد وجد ضالته!.. ابتسم بتشفي وهو ينظر إلى ذلك العامل بآخر الرواق الذي يعطي له ظهره يتحدث بالهاتف بخفوت، تقدم ناحيته وهو يسحب أكبر قدر من دخان سيجارته برئتيه..
وقف خلفه بمنتهى الهدوء ثم تحدث بقسوة ونبرة جافه مسيطرة على كل شيء به في هذه الأيام:
-تحب نجيب للبيه حاجه يشربها علشان يروق دمه كده ويتكلم كويس
استدار ذلك الرجل سريعًا على صوته بعد أن وضع الهاتف بجيب بدلة عمله الزرقاء الملتصقة ببعضها، هتف “يزيد” بحدة قائلًا:
-مخصوم منك أسبوع كامل على أهمالك، معروف أن في وقت ساعات العمل ممنوع أي شيء تاني غيره
لقد فزع الرجل عندما استمع إليه، لا يستطيع أن يتخلى عن هذا المال في هذا الوقت بالتحديد، يعرف أن صاحب عمله رجل كريم منذ أول يوم عمل به معه ولكنه منذ فترة متغير مع الجميع، ومع ذلك ليس الأن أبدًا، لا يجوز، تحدث بلهفة وخوف من أن يفقد هذا المال قائلًا:
-يا فندم أنا عمري ما عملت حاجه غلط من يوم ما جيت، بس مراتي في العمليات بتولد وكنت بكلم حماتي علشان اطمن عليها
خفق قلبه بشدة، بعنف وقوة، نظر إليه ولا يعلم ما الذي أصابه عندما استمع إلى كلماته، يقدر قلقه الآن لقد وضع زوجته في نفس الموقف وهو محله، لقد كان قاسي للغاية ولكن لما هو هنا هذا الأبلة وزوجته في غرفة العمليات كما قال!..
-وأنتَ هنا بتعمل ايه وسايب مراتك
نظر الآخر إلى الأرضية بخجل ثم رفع وجهه مرة أخرى وتحدث بخفوت:
-قدمت طلب إجازة لحضرتك وأنتَ ورفضته
ألقى سيجارته ودعسها بقدمه، هل أصبح عديم الإنسانية إلى هذا الحد!، يعاقب الناس على ما يمر به؟ وما ذنبهم!، هل الغضب والعصبية يخرجهم على أشخاص ليس لهم يد فيما يحدث له؟ ترى كم شخص فعل معه هكذا دون دراية منه ومنعه عن عمل هام؟..
نظر “يزيد” إليه بهدوء، أخرج محفظته من جيبه وفتحها أمامه ثم أخرج منها كل الأوراق المالية المتواجدة بها وبالنسبة للعامل كانت كثيرة للغاية وهي من فئة المئتين، وضعهم بيده ثم قال بهدوء ونبرة رخيمة:
-روح لمراتك ومعاك إجازة يومين، ألف مبروك
ابتسم العامل بسعادة ليس لها مثيل وهو ينظر إليه وإلى تلك الأوراق الكثيرة، ويردد داخله كلماته التي كانت بمثابة المعزوفة الخاصة له، هتف بهرجله وتخبط:
-ربنا يخليك يا يزيد بيه.. تدوم النعمة عليك، ربنا يسعدك ويسعد ايامك ويجي ابنك للدنيا بخير
هذا ما يريده تمامًا، أن يأتي ابنه بخير وأن تكون زوجته جواره.. هذا كل ما يريده ليس أكثر..
___________________
منذ أن رحلت والدة زوجها وعقلها مشتت للغاية كما كان يحدث وهي في بيته، لا يوجد أي تغير بل تذكرت هذه الأيام بعدما داهمها هذا التشتت، هي تعلم أنه يحبها كما تفعل هي وأكثر ربما، يريدها بكامل جوارحه، بعدها عنه يقتله، أعترف بذلك الخطأ الذي ارتكبه، والآن هو نادم على كل شيء مر وهي معه دون التمتع به..
تعلم كل ذلك ولكنه أيضًا تزوجها عنوة، تزوجها لغرض دنيء للغاية واخفاه عنها، تركها لعائلته تفعل بها ما يحلو لها وما كان يفعله بهذا الوقت هو أن يبعدها عنهم فقط ويجعلها تصمت عن أي إهانة لأنهم عائلته، ظلمها ظلم كبير لا يتحمله أحد، غير ذلك الشك الذي وقعت تحته مرتين واتهامه لها في شرفها وعفتها، غير يده الذي تطاولت عليها مرتين متتاليتين، وبعد كل ذلك لا يوجد سوى الحب والاعتذار..
الاثنين بنظرها لن يفيدوا بشيء، فـ لا يوجد حب بدون كرامة وهي كرامتها لعب بها كرة القدم هو وعائلته بعد ذلك الكذب والمؤامرة التي وضعوها بها..
والاعتذار لن يفيد بشيء عندما تكون النفس تأذت كثيرًا ولا يمكن إصلاحها..
زفرت بضيق وإرهاق وهي تتمدد على الفراش ببطء، واضعة رأسها على الوسادة تنظر إلى سقف الغرفة بضياع، حقًا لا تعرف ما الذي ستفعله؟.. هل تعود وتقول أنه كان خطأ وندم عليه الجميع وأيضًا حتى لا يحزن هو ويدمر حياته بسبب بعدها عنه وتكون حافظت على حياتها الزوجية وحياة ابنها القادم!..
أم تُصر على قرار الإنفصال وتبتعد لأجل ما فعله بها هو وعائلته وتوفر بيئة سوية لابنها القادم ولها أيضًا وتتركه يحترق بنيران خيانته!..
وضعت يدها على أسفل بطنها بقليل فـ الآلم لا يتركها هذه الأيام أبدًا، حظرتها الطبيبة كثيرًا من أشياء عدة ومنها آلا يكون هناك ضغط نفسي عليها، وأن تأكل كما قالت لها بالضبط، غير تلك الأدوية الكثيرة..
تأخذ الأدوية وتأكل ولكن طعامها كأنه جبر خاطر لأبيها وشقيقتها، وهذا الضغط يأتي إليها وهي في مكانها ولا تعلم ما الذي تفعله..
أغمضت عينيها في محاولة منها أن تغفى قليلًا ولكن هذا الآلم لا يساعدها في ذلك، زفرت بضيق وانزعاج وهي تضغط على بطنها وتفكر هل سيبقى هذا الآلم هكذا إلى حلول معاد الطبيبة؟.. أم سيبقى إلى ولادتها؟.. لا مؤكد لن يحدث هذا فهي الآن في الشهر الرابع من الحمل يبقى خمسة أشهر أخرى!..
دق الباب ببطء ثم فُتح وظهرت من خلفه شقيقتها التي دلفت إلى الداخل قائلة بجدية:
-تعالي يلا ناكل يا مروة
أجابتها بخفوت ونظرة مرهقة وهي تعتدل على الفراش لتجلس نصف جلسة:
-ماليش نفس أكل يا ميار
وقفت إلى جوارها ثم قالت بهدوء وعقلانية:
-حبيبتي ممكن تخلي كل حاجه على جنب وبإذن الله ربنا هيحلها من عنده!.. والمهم دلوقتي تهتمي بنفسك واللي في بطنك كمان
نظرت “مروة” إلى أرضية الغرفة بهدوء وقد كان الحزن يتغلب عليها في هذا الوقت وهي كعابر طريق سد بوجهه ولا يدري كيف السبيل للعودة أو التقدم..
تحدثت “ميار” مرة أخرى وهي تتمسك بيدها لتجعلها تقف على قدميها حتى تذهب معها:
-وبعدين في دواء لازم يتاخد بعد العشا.. يلا تعالي كلي وبعدين خديه يا حبيبتي
أخذتها بهدوء إلى الخارج حتى تأكل معها هي ووالدها الذي قارب على الإنفجار من أفعال ابنته، والتي إلى الآن لا تريد أن تقول ما حدث بينها وبين زوجها لتفعل به كل ذلك وليكون هو بكل هذا الحزن والندم..
___________________
ابتسم “فاروق” بخبثٍ وهو يجلس الآن في منزل زوجته الكريمة والتي من كثرة كرمها فعلت أشياء لا تُحكى، ولكن قد فعل هو ما يريده وسيكمله الآن في منزلها ورغمًا عن أنفها ستوافق عليه..
طردها من بيته وكأنها ليس لها قيمة عنده ولن يكون لها قيمة بعد الذي فعلته به وبأخيه وزوجته أيضًا، تركها في منزل أهلها أشهر ولم يسأل عنها ولو مرةٍ واحدة بل على العكس هي من كانت تحاول محادثته لتعود إليه، والآن هو في منزلها ليجعلها تعود بشروطه الذي وضعها، ويعلم أنها ستوافق عليها..
دلفت إلى الغرفة وهي تنظر إلى الأرضية بخجل حاولت أن تجعله يظهر له حقيقي ولكنه قد فهم ما الذي تريد فعله ولن تستطيع أن تجعله يصدقها، جلست على الأريكة أمامه وهي تنظر إلى الأرضية ثم رفعت رأسها ونظرت إليه قائلة بخفوت ونظرة حزينة معاتبة إياه:
-هونت عليك تسيبني كل ده يا فاروق
ابتسم هو بالمقابل بتهكم وسخرية شديدة ناظرًا إليها باستنكار وهي تتصنع البراءة:
-مش لايق عليكي دور المسكينة يا إيمان، اطلعي منه علشان مش هتعرفي تكملي بيه لآخر القعدة
وقفت على قدميها ثم ذهبت لتجلس على الأريكة جواره محاولة السيطرة عليه بكلماتها المعسوله وحركاتها اللينة كما السابق، تحدثت بضعف ورجاء قائلة:
-بقى كده يا فاروق شايفني بتمسكن.. مستني مني ايه يعني مهو كان المفروض يكون العكس وأكون أنا اللي زعلانه من اللي عملته فيا
ضحكاته الصاخبة دوت في المكان حتى أنها استنكرت ذلك، جُن؟ هل فعل حقًا؟ وجدته ينظر إليها بغته مضيقًا ما بين حاجبيه سائلًا إياها:
-واللي عملتيه يا ست الحسن والجمال؟ كان المفروض يترد عليه إزاي.. دا أنا لو أطول أطلع ظمارة رقبتك في أيدي هعمل كده.. عايزة تقتلي ابن أخويا واسكت يا بنت الرفـ**
نظرت إليه بحدة ولم تُجيبه فتابع هو الحديث بجدية وهو يحاول أن يُنهي ما أتى لأجله:
-أنا جاي النهاردة علشان ارجعك للبيت من تاني بس بشروطي
تعلم أنه مهما حدث سيكون كالخاتم بإصبعها مرة أخرى، هو لا يحب غيرها وكل ما يفعله الآن فقط لأنه تأثر مما حدث، إذًا لتوافق
-موافقة
ابتسم مرة أخرى وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا باستنكار ودهشة وهتف قائلًا بجدية:
-مش تعرفي الشروط الأول.. أولًا هتجوز تاني ولو هتقولي ليه هقولك أول سبب علشان أخلف، ولا مش من حقي؟ أنا متجوزك بقالي كتير ومفيش خلفه يبقى اتجوز تاني زي ربنا ما قال وأنتِ اللي عملتي كده ودقيتي أول مسمار في نعشك
وقفت أمامه سريعًا تهتف بحدة وذهول غير مصدقة حديثه بكونه سيتزوج عليها ويأتي إليها بأخرى لتغير حياتها وتكون أسوأ من “مروة” بكثير على الأقل “مروة” كانت زوجة شقيق زوجها أما هذه ستكون درتها!:
-أنتَ اتجننت ولا ايه يا فاروق.. عايز تجبلي درة
تحدث بحدة وصوتٍ عالٍ ليجعلها تصمت وتبتلع باقي كلماتها:
-أخرسي أنا لسه مخلصتش.. اللي هتجوزها دي هتعيش معانا في البيت وهتقبلي بده وأنا عارف أنا بقول ايه.. ده غير إن الدهب اللي كنت بجيبه ليكي هاخده علشان ابيعه واجيب غيره للعروسه.. صحيح أنا معايا الفلوس وأقدر أعمل كتير بس الدهب ده كتير عليكي
-وأنتَ مفكر إني هوافق على الهبل ده
نظر إليها بخبثٍ ومكر ثم قال بجدية وهو يعتدل في جلسته:
-هتوافقي.. عارفة ليه؟ علشان البلد كلها عرفت اللي عملتيه وعرفوا مين هي إيمان، هتوافقي علشان أنا لو طلقتك هتبقي زي البيت الوقف بالظبط مش بتخلفي ومطلقة مين هيبص في وشك ها؟ هتفضلي طول حياتك قاعدة هنا بكرة أخوكي يتجوز وأمك ربنا يفتكرها وأنتِ لوحدك… أما عندي على الأقل هتبقي مع ناس وأما أموت هتورثي فيا
وقف على قدميه متقدمًا إلى الخارج بعد صمت دام طويلًا خلف كلماته الأخيرة هذه، تحدث وهو يذهب قائلًا:
-تمام كده وصلني ردك لما يجيلي مزاج بقى هبقى أطلق
-موافقة
باغتته بهذه الكلمة وهو يرحل فقد وجدت أن حديثه صحيح لن ينظر إليها أحد بعده، لن تتزوج، إلى الآن لم تنجب نعم تعلم أن ليس هناك شيء يمنع ذلك ولكن لم تنجب، الجميع يعلم ما فعلته.. كلماته صحيحة ولكن مع ذلك ستريه من هي “إيمان” فـ ليتزوج ويفعل ما يحلو له وفي جميع الأحوال ستضع لمساتها في كل شيء..
__________________
“بعد مرور أسبوعين”
يدور العالم من حولها، حقًا تشعر وكأن الأرض تدور بها، تفكيرها لا يسعفها على فعل شيء، لا ترى أي ملجأ لها، ما الذي فعلته بنفسها وطفلها، لقد قتلته!.. قتلت طفلها! لقد حظرتها الطبيبة أكثر من مرة، بل مرات وهي لا تستمع إلى أي من حديثها ولكن أيضًا لم يكن بيدها، لم يكن بيدها ما فعلته، لقد قتلت طفلها بيدها..
خرجت الدموع من عينيها بغزارة وهي تجلس على بوابة العمارة التي يوجد بها عيادة الطبيبة، أخذتها شقيقتها بأحضانها محاولة التخفيف عنها ولكن كيف؟:
-مروة حبيبتي اهدي الدكتورة قالت في فرصة أنه يكون كويس علشان خاطري متعمليش كده
انتحبت وبكت بحدة وهي تقول بضعف وقلة حيلة ملقيه اللوم على نفسها:
-إزاي بس، إزاي، هي معاها حق قالتلي كتير أهتم بيه وبصحتي وأنا اللي معرفتش أعمل كده.. هقول ليزيد ايه، هقوله ايه قتلت ابنك بنفسي
ربتت على كتفها وهي تتمسك بها بشدة ثم خرجت الدموع من عينيها هي الأخرى على ما تمر به شقيقتها وتحدثت بخفوت وحزن:
-كل حاجه هتكون بخير لو مشينا على التعليمات بتاعة الدكتورة وأولها نفسيتك يا مروة لازم تكون كويسة ومتضغطيش على نفسك
اراحت رأسها على صدر شقيقتها تحتضنها بينما تتذكر كلمات الطبيبة وهي تبكي وتنتحب بصوتٍ عالٍ..
“نظرت إليها الطبيبة بضيق بعد أن انتهت من فحصها ثم تقدمت لتجلس على مكتبها وتحدثت بحدة معها:
-أظن يا مدام مروة قولتلك أكتر من مرة تهتمي بنفسك وتمشي على التعليمات اللي بقولهالك وكالعادة مش بتهتمي
نظرت إليها باستغراب وهي لا تفهم ما الذي تقصده بحديثها فتقدمت منها “ميار” تقف جوار مقعد شقيقتها تضع يدها على أكتافها تمدها بالدعم ثم سألتها بهدوء:
-في حاجه يا دكتورة ولا ايه؟
أشارت إلى مروة وتحدثت بطريقة عملية للغاية وكأنها تقول إن كيلها فاض منها:
-للأسف الجنين معليهوش مايه، قدامنا فرصة نحاول فيها أننا نرجعه لطبيعته ولو مقدرناش هنضطر ننزله لأن ده لو محصلش ممكن يموت في بطنها وهنا هتكون كارثة
صدمت!.. ماذا؟ هل سيموت؟ لا، لا تعتقد ذلك لن يحدث كيف له أن يموت؟ كيف؟، إنه ولدها الذي كانت تتحدث معه في الليل وحدها وتشكي له همها في بعدها عن والده، هذا هو الذي قالت له أنها تريد أحضان والده ليس شيء آخر، كيف ستفقده، ماذا ستقول لزوجها؟ أهملت في صحتها وصحة ولدها فمات!.. نظرت إلى الطبيبة وهي لا تصدق هذا الحديث الغير منطقي بالنسبة إليها..
وجدت الطبيبة تكمل قائلة بدهشة واستنكار متسائلة:
-أنا بجد مش فاهمه هو أنتِ مالك، في الحالات الطبيعية معروف أن الست الحامل وزنها بيزيد أنتِ إزاي خسيتي خمسة كيلو في الوقت ده دا الناس اللي بتعمل ريجيم مش هيقدروا يعملوا كده
لا تستطيع أن تتحدث أو تستمع إلى أي شيء، هي فقط تستمع لهمسات الطبيبة وشقيقتها تلقي عليها تعليمات كثيرة أخذت منها أنها يجب أن تشرب سوائل كثيرة، أدوية أخرى، أشياء استمعت إليها ولكن لم تحلل ماهيتها..
لقد أتى هذا الخبر ليأتي بالباقي من قلبها ويجعله فُتات في الأرض..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية براثن اليزيد)