رواية بأمر الحب الفصل السابع 7 بقلم تميمة نبيل
رواية بأمر الحب البارت السابع
رواية بأمر الحب الجزء السابع
رواية بأمر الحب الحلقة السابعة
ماذا ترتدي؟، ماذا ترتدي؟، صحيح أنها ستتناول الطعام مع أناسٍ بسطاء لكن ذلك يجعلها بدافعٍ أقوى أن تهتم بما سترتديه ليبرق منظرها في عينيه، تريد أن تشتعل اشتعالا كما رآها لأول مرة، وقفت أمام المرآة ذات الإطار الخشبي المقشر بفعل الزمن، تتطلع الى صورتها التي تتناقض مع بساطة أثاث الغرفة من خلفها، لترى أنها بنفسها تبدو كشعلةٍ دون الحاجة للتباهي بالملابس، لكن ذلك لا يمنع أن تهتم أكثر، فهي لا تريد لأي شيء أن يخرب لها خططها، لا تريد أن تسقط أي نقطةٍ من حساباتها وهي تشحذ جميع أسلحتها الفتاكة، ابتسمت لنفسها مغازلة ملامحها العنفوانية، اقتربتِ يا حور، اقتربتِ من نيل ما صبوتِ اليه، مرة بعد مرة تصلين اليه و العنيد لازال يكابر، لكن هزيمته اقترب من جديد، أمسكت بين يديها طاقمين، ترفع واحد لتخفضه وترفع الثاني محاولة الاختيار بينهما، زفرت بنفاذ صبر وهي تهمس أحتاج الى مساعدة أنثوية، وأيضا تحتاج أن تخبر رنيم عن آخر التطورات. التقطت هاتفها لتطلب رقمها بينما لا تزال تختال بنفسها ناظرة الى جانبها الأيسر، ثم تستدير لتستعرض الأيمن وهي تلف خصلة من شعرها على إصبعها، الى أن ردت رنيم على الهاتف بمللٍ واضحفأجابتها حور بابتسامةٍ منتشية (ماذا بكِ أيتها المتكاسلة؟، لم تسألي عني منذ الأمس، ألم تهتمي لمعرفة ما حدث لي؟).
ردت رنيم بفتور (خفت أن أسأل بصراحة، فأنا أعرف النتائج مسبقا، هل نلتِ ما تستحقين؟)
عقدت حور حاجبيها لتقول بغضبٍ مدلل (؛ ما أستحقه؟، متى كنتِ قاسية هكذا؟، لو ترين وجهي لما قلتِ ما قلته للتو)
ردت رنيم عليها بوجوم (ولماذا أعطف عليكِ وهذا ما أردته؟، حور أنا جادة إنها آخر مرة تستغليني فيها، لا أحب تلك الشخصية التي تحوليني اليها).
زمت حور شفتيها المكتنزتين بغضب بينما عيناها تلمعانِ دلالا لصورتها المتمايلة حتى أنها مطت شفتيها لتقبل صورتها قبلة في الهواء دون صوت، ثم ابتسمت وهي تتدلل على رنيم و تهمس (الا تريدين معرفة أين أنا الآن؟)
سمعت صوت قفزة رنيم من على فراشها وهي تقول بلهفة (؛ لا تقولي، هل أنتِ في بيته؟، هل نجحتِ حقا؟، يالهي أنتِ ملعونة حقا).
اتسعت ابتسامة حور بينما عيناها تلمعانِ بشيطانةٍ فطرية، وهي ترد بصوتٍ ناعم كالقطط (آهااا، أنا في بيته)
سمعت رنيم وهي تصفر إعجابا فضحكت حور برقةٍ و قالت؛ (حور حين تقرر شيئا تناله، كنت أنويها من فترة لكني كنت أمنحه الفرصة، وهو بطلب الطلاق عجل الأمر فقط)
سمعت رنيم وهي تقول لها بقلق (وأنا، حين أحب أن أراكِ، كيف سأتمكن من ذلك؟).
عقدت حور حاجبيها وهي تقول بحذر تعض على شفتها السفلية المكتنزة (بصراحة يا رنيم أنتِ لستِ من الأشخاص المفضلين لدى نادر الآن، لذا فالأسلم أن تنتظري الى أن أعرف مواعيد غيابه عن البيت لتأتي، لكن هذا إن استطعتِ الوصول الى المكان هنا، فنحن في حيٍ أشك أنك قد سمعتِ به من قبل).
ثم صمتت لتقول بعد لحظة باهتمام (راني، أخبريني، أتذكرين قميص النوم القصير الذي اشترينا منه نسختين لنا الاسبوع الماضي؟، هل هو أفضل أم الذي اشتريته قبلها بيومين ذو اللون الأسود؟، ولو أن الجديد يظهرني بمنتهى الكمال، لقد جربت كليهما أمامك فما رأيك؟).
كانت في نفس اللحظة التي حور تتكلم فيها ناظرة الى نفسها في المرآة، رنيم هي الأخرى كانت تنظر الى جسدها في مرآة غرفتها و هي ترتدي قميصا قصيرا ذو حمالات، فعلا وجهها علامات اللاتعبير وهي تسمع كلام حور. ناظرة الى الحروق و الندوب الغائرة تتقاطع من أوله لآخره و راح تفكيرها لليوم الذي ستتزوج فيه. كيف ستجرؤ أن ترتدي تلك الأشياء الجميلة التي سيقتل جمالها قبح جسدها. نائل يعرف تماما ندوب جسدها، لكنه لم يره، المطمئن في الموضوع أن نائل لا يهتم بمثل هذه الأمور فهو مهتم فقط بعلاقات والدها لذا قبل أن يرتبط بها رغم أنها بضاعة تالفة، وحين تحاول يوما فرض أي رأي لها يلمح لها من بعيد و يفهمها أنه كان كريم النفس حين قبل بها، طبعا بطريق غير مباشر خبيث الا أنها كانت تفهم و تسكت، لأنها تعرف أنها الفرصة الأخيرة أمامها للزواج فكل من تقدم اليها من قبله انسحبو بتهذيب ما أن عرفو شدة إصابتها السابقة. لم ترد رنيم لفترةٍ طويلة وهي تشعر بعينيها تحرقانها من الدموع الحبيسة فيهما من كلام حور العفوي عن كمال جسدها ثم قالت أخيرا لتغير ذلك الموضوع المؤلم رغم تفاهته (أحببت أن أخبرك أنني ذهبت لمقابلة العمل التي أحمل لها توصية من عاصم. هل نسيتِ؟).
ضربت حور جبهتها وهي تغمض عينيها ثم قالت بترجي (؛ أنا آسفة جدا راني حبيبتي، نسيت تماما، أنت الى الآن لن تصدقي تلك المطحنة التي دخلت فيها بالأمس، و سترين آثارها على وجههي حين تريني، المهم أخبريني، هل أعجبك المكان؟)
ردت رنيم عليها بيأس (وما الفائدة إن أعجبني؟، المقابلة كانت فاشلة للغاية و لن يقبلو بي أبدا، سيكونوا حمقى إن قبلو بي، اذا كنت أنا نفسي قد كرهت نفسي في المقابلة فماذا سيكون رأيهم هم؟).
كانت حور تتأمل نفسها ثانية و هي تتسائل في نفسها إن كانت قد امتلأت قليلا عن آخر مرةٍ رآها فيها نادر بملابسها الداخلية، ثم انتبهت الى أن رنيم قد انتهت من كلامها و تنتظر ردا فقالت حور بلامبالاة (لا تقلقي سيقبلون بكِ، أنكِ من طرف عاصم وهو تفاهم مع صاحب الشركة أي أن الأمر مفروغ منه)
ردت رنيم بقلق (يا حور أنتِ لم تريني، لقد كنت).
قاطعتها حور بسرعةٍ (راني لن أستطيع أن أطيل الحوار معكِ طويلا، سأخرج مع نادر الآن و يجب أن أستعد، لا تقلقي حبيبتي، اتفقنا؟)
ردت رنيم كلمة واجمة غير مسموعة اعتبرتها حور موافقة، فهمست تبتسم بسحرٍ ودلال (الى القاء حبيبتي)
لكن ما أن أغلقت الهاتف حتى عبست بشدة وهي تهمس (لقد نسيت أن استشيرها فيما سأرتديه الآن، حسنا الوقت قد حان ولا اريد نادر أن يتذمر، فلأختار أنا).
ثم تناولت أحد الزيين من على السرير وهي تهمس مبتسمة (من الأفضل أن نذهب مبكرا لنرحل مبكرا، فلدينا خططا أخرى الليلة).
ابتسامتها حملت اغواء قد يهلك قديس، ارتدت بنطالا من القماش الخشن الشبيه بالجينز، الا أنه كان أحمر اللون بدرجةٍ قانية يحدد ساقيها الطويلتين بابداع، و انتعلت في قدميها حذاءا أرضيا مخمليا أحمر اللون كذلك، و أكملت المقطوعة بأن صبغت شفتيها المكتنزتين بلونٍ أحمرٍ كالدملكن حمدا لله أن قميصها قد نجا من الثورةِ الحمراء فاختارته أبيضا هفهافا، و بالتأكيد لم تفارقها الأساور و لم يهجرها الخلخال الرنان، أخذت تنظر الى صورتها بعين النقد، الى أن سمعت نقرة الباب وصوت نادر يقول بغضبٍ ونفاذ صبر (حور الم تنتهي بعد؟، الناس كلهم في انتظارنا. الن تكفي عن تصرفاتك تلك أبدا).
التفتت الى الباب وهي تهمس لنفسها بغضب (الأحمق، لماذا يطرق الباب؟، حسنا يا سيد مهذب)
ثم في حركةٍ سريعة خلعت قميصها لترميه على السرير و انتظرت، الى ما يقرب دقيقة كاملة ففُتح الباب وقتها بغضب وهو مستعدا للصراخ في وجهها، لكنه صمت تماما ما أن رآها وهي ارتدت نظرة ارتباك ثم همست؛ (نادر، لم أنتهي بعد).
لم يتكلم للحظات و عيناه تطوفانِ بكلِ ما فيها لتعودانِ و تكررانِ طوفانهما المأسور، ثم قال بدون تركيز (لماذا لم تردي؟)
بالرغم من شعورها المنتصر الفتاك وهي ترى نظراته الطائفة المجهدة، الا أنها تمكنت من الهمس كفتاةٍ وديعة خجولة (لأنني لم أنتهي بعد)
لكنها لم تفعل شيئا لتستر نفسها عن عينه، وهي تمنحهما ما تصبوان اليه وما حرما منه طويلا، الى أن قال نادر بصوتٍ خافت (حسنا، هيا أسرعي فلقد تأخرنا).
ابتسمت وهي تفكر أن هذا يكفيه الآن ليتشوق الى عودتنا الليلة، فاتجهت ببطءٍ و رشاقةٍ لتتناول قميصها الأبيض وهي تستدير الى المرآة و ترتديه، بحركاتٍ متمهلة بينما عيناهما متلاقيتانِ في المرآة ِ لا تفترقان، شفتيه قاسيتين و شفتيها منفرجتين بابتسامةٍ ناعمة، ما أن أكملت تزرير قميصها واحدا تلو الآخر، تحت أنظاره الساكنة حتى استدارت اليه و هي تلتقط حقيبةٍ حمراء في حجم الكف ذات سلسالٍ طويل و ارتدتها بشكلٍ متقاطعٍ مع قميصها، اقتربت منه ببطء الى أن وقفت أمامه تماما تهمس بسحر (ها أنا جاهزة).
نزلا السلالم القديمة لكنها اقتربت قبلا لتتشبث بكفه وهي تنزل وحين نظر اليها بتساؤل. لم تجبه، فقط بادلته النظر وهي تعتقد انه سيلقي بيدها بعيدا، الا انه لدهشتها لم يفعل بل شدد قبضته عليها ليهبطا، نزلا معا يدا بيد الى أن وصلا الى الباحة المخصصة بالسهر و السمر كل مساء في هذا الحي و التي يضربها هواء البحر الليلي المشبع برائحة اليود محييا العواطف بشكلٍ غريب، حيث اعدت طاولة طويلة من عدة طاولاتٍ مجمعة مغطاةٍ بملاءة بيضاء، رصت عليها العديد من الأطباق و التي تحتوي على كل مارأته قبلا من أنواع الأسماك. لم تتخيل أن كل هذا العدد سيتجمع، هل هم متجمعين من أجل نادر أم على شرفها، نظرت الى نادر فوجدته يبتسم للمنظر الجميل وهو يرى الجميع في انتظاره يتسامرون و يضحكون وما أن رأوه حتى تعالت هتافاتهم و تحياتهم، ابتسمت حور ممسكة بيده و هي تتطلع لإبتسامته الجميلة، ليده التي رفعها محييا كطريقة أبناء الحي و كأنه ولد و عاش هنا، فهي أكثر خبرة منه و تدرك تماما صفات أبناء هذه الأحياء و تستطيع القول أنه يبلي بلاءا حسنا، ضحكت ضحكة صغيرة لم تستطع منعها فنظر الى عينيها الضاحكتين و رفع حاجبيه متسائلافقالت بصوتٍ خافتٍ مرح (أنتِ تتصرف بشكلٍ صحيح با ابن المجتمع الراقي).
للحظاتٍ ظنته سيتاجاهلها لكن شبه ابتسامة تسللت رغما عنه إلى شفتيه القاسيتين قبل أن يمحوها بسرعة ليقول بسخرية (أشكرك يا ابنة الأحياء الشعبية، هيا لنجلس).
ثم شدها خلفه ليتخذا مقعديهما، نقلت نظرها بين الحضور باحثة عن معتز الى أن وجدته، كان جالسا على ركبة تلك المدعوة علية في سعادةٍ تامة وكأنه معتادا عليها، شردت عينا حور وهي تنظر الى تلك عليةٍ تلتقط قطعة سمكٍ بعد أن أزالت أشواكها بيدها لتضعها في فم معتز الذي للغرابة تقبلها دون تذمر والأغرب أن علية وهي تطعمه لم تتوقف عن الكلام اليه وهو ينظر اليها بتركيز و كأنه يسمعها، ليلتقط قطعة سمك أخرى ثم يعاود التركيز معها و كأن بينهما مواضيع مشتركة، غاب العالم كله عن حور في تلك اللحظة وهي تتابع هذا المشهد، وشعرت بنارٍ غير مبررةٍ تندلع في أعماقها. لم تستطع أن تسمع ما تهمس به علية لمعتز لأنهما يجلسان على الجانب المقابل البعيد من الطاولة الطويلة، ونفس الوضع معتز لا يستطيع سماع علية، لكن مجرد حركة شفتيها أمامه جعلته ينظر اليها لا يريد تركها، الى أن رفع معتز يده و أشار بحركةٍ معينة لعلية، التي ابتسمت و أومأت برأسها ثم مدت يدها لتلتقط كوب الماء من أمامها و شربته منه، لم تصدق حور ما رأت للتو، هل فعلا معتز طلب ماءا و علية فهمته؟، منذ متى يستطيع معتز الكلام بلغة الإشارة، انه في الثالثة فقط، وكيف تعرف علية ذلك؟، لم تدرك حور بأي شكلٍ بدت ملامحها في تلك اللحظة، كان حاجباها منعقدان، عيناها متسعتان مائلتانِ بحزنٍ مذهول، شفتاها منفرجتان يخرج منهما نفسا ساخنا، وكأنها نست نفسها ومن حولها تماما، ولم تدرك أن نادر في تلك اللحظة كان ينظر اليها هو الآخر يلتقط كل تعبير من على ملامح وجهها اللمعبرة بوضوح، ينتقل بنظرته من على وجهها الى ماتنظر اليه ثم يعود الى وجهها مرة أخرى، بعد عدة دقائق سمعت حور صوت نادر يأتي خافتا من جانبها (حور الن تأكلي؟، لا يصح أن تتأخري في الأكل بهذا الشكل، سيعتقدون أنكِ تتكبرين على أكلهم).
التفتت اليه حور بشرود وهو يخرجها من أفكارها ثم رمشت بعينيها تبتسم بسحرٍ كعادتها تومىء برأسها ثم نظرت الى طبقها الذي وضع فيه نادر سمكة كبيرة، وأخذت تتطلع الى تلك السمكة، و السمكة تطلع اليها دون أن تقوم بحركة مما جعل نادر يسألها؛ (هل هناك مشكلة؟)
فنظرت حور اليه وهي تقول زامة شفتيها كالأطفال (؛ لا أستطيع استخراج أشواك السمك)
رفع نادر حاجبيه مدهوشا وهو يسألها (ومن كان يفعل لكِ؟).
أجابته حور مغتاظة من نظرته المستنكرة (أمي كانت تجلس بجواري و تخرج الأشواك كلها، لو كنت تعرفني جيدا لكنت أدركت ذلك من قبل)
ظل ينظر اليها مدهوشا مستنكرا وهولا يصدق أن من تتكلم هي أم في السادسة و العشرين، زفر بنفاذ صبر وهو يقول من بين أسنانه (الصبر يا الله).
ثم تناول سمكتها ليضعها في طبقه و قام بفتحها بيديه. فلا وجود أصلا للشوكِ و السكاكين هنا، و اخذ يفصل لحم السمك قطعة قطعة و يضعها في طبقها، و كانت هي أثناء ذلك تنظر اليه شاردة في جماله وهو يفعل ذلك، يبدو شديد التركيز، تماما كما هو شديد التركيز في عمله، يبدو كمن يقوم بعمليةٍ جراحية، حتى أنه ينفذها بمنتهى الضمير و لا يترك أدق و أصغر شوكة، لا تعلم لماذا أسرها ما يفعل، وعاد ليذكرها مرة أخرى بنادر القلق و المهتم بها كم هو راقٍ و بريء، هل هو مجنون لكي لا يدرك أنه أسيرا لها، لو لم يكن لما كانت نجحت في الوصول اليه مرة بعد مرة، فهي ليست أول مرةٍ يبتعد عنها، لكنها المرة الأطول، و طلب الطلاق كان الأول، وضع القطعة الأخيرة في طبقها فابتسمت له ابتسامة مذهلة طالت عن المعتاد بينما هو لم يبادلها الإبتسام، فقط نظراته أصبحت طيبة قليلا و عاد لينظر الى طبقه ليكمل أكله، وكذلك فعلت هي و هي تبتسم لطبقها بانتصار، أثناء الأكل انشغل الجميع بالكلام و الضحك و أغلبه مع نادر، احست بالزهو وهي تراه محط اعجاب الجميع، الكل يمزحون معه بمنتهى الحرية دون اغفال اللقب، وكم كانت دهشتها وهي ترى نادر كما لم تره من قبل، يمزح و يحكي طرائف حتى أنها عدة مرات انفجرت ضاحكة، الى أن رمقها بنظرةٍ قاتلة لتكتم ضحكتها العالية، بعد أن انتهو، أخذت نساء الحي في تجميع الأطباق بأنفسهن. وهن مستمراتٍ في الكلام و الضحك دون توقف، لكن طبعا حور لم تحاول حتى أن تعرض المساعدة وهي تتجه خلف نادر لتغسل يديها، تتبعه كظله، في دقائق كان المكان قد عاد نظيفا و رصت الكراسي و عادو جميعا للجلوس في دائرةٍ كبيرة بعد أن أزاحو الطاولات، و فوجئت بأن أحدهم عاد ممسكا بعود و جلس مستعدا للعزف عليه، لكن قبل أن يبدأ ربتت علية على كتفه و هي تقول للجميع (قبلا، أحب أن أرحب بوجودك معنا يا حور، يا زوجة الغالي).
تعالت التحيات المماثلة الى حور و هم ينظرون اليها مبتسمين، حور؟، هكذا دون القاب؟، و زوجة الغالي أيضا؟، الم يخبرهم نادر ممن هو متزوج؟، منذ أن وصلت و الجميع يعاملها بطريقةٍ عادية و كأنها تعيش بينهم منذ زمن، على عكس كل من كان يعرف أنها حور رشوان، بالتأكيد نادر لم يخبرهم، لكن حتى لو لم يعرفو هويتها، فهم أيضا لم ينجذبو الى سحرها تماما، تشعر و كأنها غير مرئية، لم تعتد ذلك، دائما ما تكون محور أي جلسةٍ جماعية تتواجد فيها، لذا لم تستطع التعامل مع الشعور بالإحباط المتسلل اليها في تلك اللحظةابتدأ العزف و الجميع يغني، وعلية مستأثرة بمعتز تحمله بين ذراعيها تتمايل به و هي تغني معهم، إنها جميلة و لها سحرا ذو طابعا خاص، حتى في عبائاتها السوداء و الشال الأسود الهفهاف المتطاير من حولِ شعرها الناعم الأسود، ومعتز كان متألقا يضحك حتى كادت حور تجزم أنه يسمعهم، فكيف يبدو بهذه السعادة و هو لا يسمع شيئا مما حوله، كانت تصفق بوجوم، بشرود، بإحباطٍ بعد النشوة التي كانت تعيشها، هكذا هي تتقلب في لحظةٍ ما بين سعادةٍ و احباط دون أن تدرك سببا قويا، عند انتهاء السهرة في وقتٍ متأخرٍ كان معتز قد نام في أحضان علية منذ فترة و قد لفته في شالٍ صوفي حتى لا يبرد من هواء البحر، اقترب نادر منها يريد أخذ معتز تتبعه حور على مضض، فقالت علية بصوتها العذب (لما لا تدعه يبيت معي يا نادر؟، من المؤكد أن حور لازالت تحتاج الى نومٍ طويل و معتز عادة يستيقظ أكثر من مرة خلال الليل).
لا هذا كثير، هي تعرف عادات نومه أيضا؟، هل كان ينام عندها حين يأخذه نادر؟، فتحت فمها تريد أن تسمعها كلاما يليق بأمثالها خاصة بعد أن نادت نادر باسمه مجردا، لكنها أغلقته وهي تفكر قليلا، لما لا تؤخر التعامل معها الى الغد. فلديها خططا مع نادر الليلة، ولن يساعدها وجود معتز مستيقظا طوال الليل، رغما عنها كانت بين نارين وهي تشعر بالغيرة من تعود معتز عليها الى هذه الدرجة، لكنه نائم الآن وهي من الغد ستبدأ في ابعاده عن علية تلك التي دخلت حياة أسرتها فجأة دون سابق انذار، لذا فلتستمتع به لليلةٍ أخيرة. تردد نادر لحظات ثم أومأ على مضض مبتسما لعلية مما جعل حور تشتعل غيرة، ثم قال (؛ اشكرك جدا يا علية على كل تلك السهرة، لم يكن هناك داعٍ لكل هذا المجهود).
ابتسمت علية بسحرها الغريب و هي تتطلع الى حور لتقول بصوتٍ رخيم (هذا شيء بسيط لأم الغالي، و زوجة الغالي)
تقابلت عينا حور وعلية في تحدٍ صامت من جهة حور و غموضٍ مبتسم من جهة علية، حين وصلا الى سلم البيت القديم، نظرت حور الى تموجات الأدوار فوق بعضها وصولا الى السطح فشعرت أنها دوامة كادت أن تطبق عليها و تغرقها، (حور، لا تنظري الى الأعلى).
خفضت حور رأسها لتنظر الى نادر وهي تشعر بالدوار، و دون تردد حملها نادر للمرة الثانية اليوم وهو يصعد بها، فاستسلمت و اسندت رأسها الى كتفه مغمضة عينيها محيطة عنقه بذراعيها، وما أن دخلا الشقة حتى أوقفها على قدميها فاستيقظت من الحلم الجميل الذي كانت تحياه للتو، تركها نادر دون كلمة واحدة و دخل الى غرفة النوم، فوقفت مكانها في دون حراك، كان مهتما بها للتو، تكاد تقسم على ذلك، و اذا به يبتعد ثانية، لحظة ووجدته يخرج من الغرفة حاملا غطاءا و وسادة ليتجه الى الغرفة المجاورة، وقتها اندفع الغضب في كل شرايينهاكلا، كلا و الف كلا، لن تسمح له أبدا، ثم اندفعت الى غرفتها التي أصبحت غرفته سابقا لتدخل و تصفق الباب خلفها بغباء، لتتجه مباشرة الى حقيبة ملابسها التي لم تخرج منها الملابس بعد، كان مستلقيا على ظهره، ذراعيه أسفل رأسه يحدق في سقف الغرفة، و فجأة سمع صوت الباب يفتح بهدوء فنظر على ضوء المصباح الجانبي الضعيف، ليرى أن سحر العالم قد تجمع في امراءة جعلتها الحيلة أم ابنه في غفلة من الزمن. واقفة في اطار الباب مستندة بيدها اليه، شعرها الأسود الطويل متجمعا على كتفا واحدة بيضاء كالمرمر ليسيل كشلالٍ ليلي على قميص نومٍ أحمرٍ شفاف قصيرٍ للغاية، يظهر ساقين مديدتين لا انتهاء لطولهما يعلوهما خصرا نحيلا تحدى أمومتها بجدارة و خلق ليميل راقصا منذ أن شبت عن الطوق، سمح لعينيه بأن تلتهمانها مادامت تريد ذلك، تجري عليها من قمة رأسها الى أصابع قدميها الحافيتين على الأرض الباردة و أظافرهما المطلية بالأحمر، وها قد بدأت القدمين الحافيتين في التحرك نحوه. ظلت عيناه متعلقتانِ بقدميها الى أن وصلت إلى سريره فتوقفت، فرفع عينيه إلى عينيها الحالمتين به و له، ثم دون مقدمات جلست على ركبتيها على السرير بجواره وهي تنظر اليه مبتسمة، مد يده ليلف خصلة من شعرها الطويل حول يده، اتسعت ابتسامتها و ازدادت إغواءا فبادلها بشبه ابتسامةٍ على زاوية شفتيه و جذب خصلة شعرها بشدةٍ اليه فجأة فانخفض وجهها الى بعد شعرةٍ واحدةٍ من وجهه، تأوهت من الألم لكن رغم ذلك لم تفارقها الابتسامة المغوية وهي تنظر الى عينيه الصلبتين، شفتيها تنتظرانِ شفتيه في شوقٍ مستعر، أنفاسها ارتفعت سخونتها حتى باتت كنشيجٍ خافت، أبقاها فريسة الشوق دقيقة، اثنتين، وحين انهارت كل مقاومتها وصارت على شفير الانهيار همست بترجي ؛ (نااادر).
حينها قربها أكثر حتى لامست شفتيها شفتيه و قال بوضوح (اخرجي من هنا و اغلقي الباب خلفك).
، كانا يلعبانٍ معا كرة السلة، لعبتهما المفضلة معا ككل يومٍ مساءا، اثنين يقربانِ منتصف الثلثينات لكن لعبهما معا يحرك فيهما مشاعرا طفولية كانا في حاجةٍ اليها للغاية، ظل جاسر يضرب الكرة أرضا بعنف وعمر يحاوره من حوله إلى أن أستطاع جاسر الهرب قافزا بالكرة ليسددها في السلة يساعده طوله الفارع بمنتهى القوة و كأنه يرمي كل ضغوطه، ضحك عمر وهو يلهث و اضعا يديه في خصره يقول (لقد أصبحت بارعا).
ضحك جاسر هو الآخر وهو يستعيد الكرة لاهثا يضربها على الأرض ثم القى بها إلى صدر عمر الذي أمسكها بين يديه شاردا، وقف أمامه جاسر هو الآخر فبديا كطودين من ضخامتهما وطولهما الفارع، قال جاسر بعد أن هدأت أنفاسه (هناك ما تريد قوله، هات ما عندك).
لم يتعجب عمر من قدرة جاسر على قراءة افكاره بمثل هذه السهولة، فبالرغم من أن صداقتهما الفعلية بدأت منذ فترة بسيطة الا أنهما أصبحا أكثر من أخوة، لذا لم يحاول عمر المناورة فقال مباشرة (حنين)
من جهته كان جاسر بالمثل مباشرا وهو يقول (ماذا بها؟).
للحظةٍ لم يرد عمر بل نظر الى الارض مفكرا قليلا ثم رفع رأسه ليقول بهدوءٍ حازم (اتركها لحياتها يا جاسر، لازلات الحياة امامها طويلة و من حقها أن تنسى الماضي و تبدأ حياة جديدة تحقق فيها أحلامها)
اشتدت ملامح جاسر صلابة دون أن يظهر تعبير على وجهه، ثم قال بهدوءٍ خطير بعد عدة لحظات (وهل في عودتها لي انتهاءا لحياتها؟).
عقد عمر حاجبيه و هو يقول بوضوح (جاسر، لا تتلاعب بالألفاظ. متى كانت حنين لك لتعود اليك؟، كانت مجرد طفلة وقد تصرفت التصرف الأمثل برحيلك فلماذا تفسد الآن ما أحسنت فيه قديما؟)
بدأت ملامح جاسر يظهر عليها التملك الشرس وهو يقول بغضب (التصرف الأمثل لأنها كانت طفلة كما قلت، أما الآن فما المانع؟).
قال عمر بغضبٍ هو الآخروهو يرمي الكرة من يده (المانع أن طريقة ارتباطكما قديما لا تبشر بمستقبل رائع، كما أنك تتناسى شيئا قد يكون بسيطا بالنسبة لك، وهو أن حنين رافضة العودة لك)
اقترب جاسر بشراسةٍ من عمر وهو يهتف بغضب (من قال أنها رافضة؟، هل تخيلت رفضها ثم صدقت نفسك؟).
ارتبك عمر قليلا الا انه اخفى شعوره بمهارة وهو يقول بحزم (عشر سنين يا جاسر، عشر سنين، كيف تطلب منها أن تقتنع بعودتها اليك؟، إنك شخصا غريبا تماما بالنسبةٍ لها الآن)
سكت جاسر قليلا ثم قال بهدوء (أنت تعلم جيدا انني كنت عائدا اليها قبل خمس سنوات، أم أن دخولي السجن هو ما تدينني عليه، اليست تلك هي النقطة التي أنت محرجا من ذكرها؟).
صمت عمر تماما وهو يشعر بالضآلة أمام جاسر حين ذكر تلك الفترة التي أمضاها في السجن أثناء الغربة، بسببه، مدافعا عنه ضد أحد أبناء البلد وكبارها، عادت ذاكرة عمر الى تلك الفترة لم يكونا أصدقاء حتى، كانت معرفتهما ببعضهما تكاد تكون معدومة، حتى أنهما قد تشاجرا يوما في بداية معرفتهما لإختلاف طباعهما التام، وجاسر لا يجيد التعامل مع اختلاف وجهات النظر، فنشب بينهما شجارا عنيفا، لكن جاء يومٌ و كادت عصبة من أبناء البلد الأجنبي أن يحكِمو حول عمر مكيدة نظرا لكشفه مخالفاتٍ غير مقبول السكوت عنها، و فعرف جاسر بالصدفة نيتهم في الغدر به، و أثناء هجومهم على عمر ذات ليلةٍ و بعد انصراف كل العاملين التفو من حوله بكل خسة، وكادو أن يفتكوا به لولا أن فوجىء عمر بهجوم جاسر و اثنين من رجاله عليهم، ودارت معركة طاحنة حيث انضم عمر إلى جاسر و الرجلين ضد الآخرين. وفي لحظةٍ خاطفة استطاع جاسر ان يجنب عمر طعنة غادرة من أحد الرجال فردها لتندفع الى صدره و تسقطه غارقا في دمائه، انقلبت المدينة وقتها خاصة أن شخصا عربيا قام بطعن أحد أبناء البلد المعروفين وأصابه إصابة خطيرة، و بالرغم من أن جاسر كان قد أصبح رجل أعمال بدأ صيته في العلو قليلا، لكن ما فعله كان لا يغتفر في بلدٍ اجنبي و اتجهت اليه كل دلائل الاتهام وتم سجنه لمدة خمس سنوات، منذ ذلك الوقت عرف عمر أن رباطا اقوى من الدم ربط بينهما، ونشأت بينهما صداقة طوال فترة سجن جاسر لم يتركه عمر فيها يوما الى أن ائتمنه جاسر على كثير من أعماله والتي باشرها عمر مؤقتا لتزدهر تدريجيالذا سيظل جاسر بالنسبة الى عمر هو الصديق الذي لم تربط بينهما سنين طويلة لكن ربط بينهما دينٌ لن يوفيه عمر مهما حاول. و أثناء الزيارات حكى جاسر لعمر كل شيء عن حنين، مما زاد شعور عمر بالذنب حين اعترف له جاسر بأنه كان ينوي العودة اليها، حتى أنه سافر ليراها بعد غياب خمس سنوات، و بعد عودته لينجز أعماله المتراكمة في بلاد الغربة حدث ما حدث و حُكم عليه في خلال عدة أشهر، و بالرغم من ان تربية عمر وتثقيفه رفض تماما طريقة زواج حنين بتلك الطريقة وفي ذلك السن، الا إنه لم يجد بدا من الاستجابة لجاسر في معرفة أخبارها أول بأول أثناء نقل الأعمال تدريجيا للبلاد بمساعدة مدير أعماله. قال عمر بصوتٍ خافت (لم أقصد ذلك يا جاسر وتعلم ذلك جيدا، لكن لست مقتنعا بما تفعل و اعتبره غير عادلا).
ابتسم جاسر وهو يقول (ومتى كانت الحياة عادلة، انه النصيب و نصيبها معي).
لم يجد عمر ما يقوله، لا يستطيع النطق و الافضاء بما في داخله من قلق، مستعدا أن يفدي جاسر بحياته لكنه و للمرة الثانية سيكون السبب في توجيه ضربة له، لو علم بحقيقة مشاعر حنين و التي يتمنى ان تكون مجرد أوهام، مر أسبوع بعد ما تعرضت اليه عصر ذلك اليوم المأسوى في حياتها و الذي يماثل يوما مرت به منذ عشر سنوات، ها هي تقف أمام نافذتها صديقتها تتحدث الى زجاجها بعد أن نبذت مرآتها لأيام، همست لنفسها بأسى (ما تلك المصيبة التي وقعت في طريقك يا حنين، بعد أن كانت الحياة قد بدأت تزدهر لكِ).
صمتت قليلا ثم همست تتلمس الزجاج الأملس مستندة بجبهتها اليه (لماذا الآن؟، لماذا الآن تحديدا بعد أن كدت ألمس نجوم السماء؟)
عادت لتهمس متأوهة (عمر، هل من الممكن أن تقبل بي إن عرفت تلك الندبة في حياتي؟، كنت قد قاربت على النسيان، لا بل كنت قد نسيت تلك الورقة التي لم تساوي ثمن الحبر التي كتبت به، فهل تتغاضى أنت عنها؟).
أغمضت عينيها بأسى، لا تتذكر جيدا كيف مر بها الطريق و هو يقلها إلى بيتها، او بيت عمها، ذاك اليومكل ما أدركته أنها أفاقت ببطءٍ و ضعف على لمساتٍ حانيةٍ خشنة تتجول على وجهها، مدت يدها لتبعد تلك اللمسات الغريبة لتبتعد عنها لحظة تاركة إياها مستسلمة لعالمها الآمن، ثم تعود مرة أخرى لتتجول، ففتحت عينيها ببطء لتطالعها عيناه، لم يختفي هذه المرة، بل هاهو موجودا بكل هيمنته من حولها، ببريقِ عينيه اللتين لم ترى مثلهما، تتخيل أنه لو نظر اليها في الظلام فستلمعانِ أيضا كالنمور، شتانِ ما بين عينيه وعينا عمر، كل هذا دار في تفكيرها لحظة أن فتحت عينيها دون أن تدري سببا، انتفضت جالسة في مقعدها و هي تنظر من النافذة لتجد أنها قد وصلت الى حيهم الراقي لكن على بعدٍ من منزل عمها، حاولت فتح الباب مسرعة الا أنه أمسك يدها الممسكة بمقبض الباب ليهمس بالقرب منها (هكذا دون سلام حتى؟).
لم تلتفت اليه ظلت مسمرة مكانها تعطيه ظهرها متصلبة ترتجف في نفس الوقت، فمد يديه ليمسك بكتفيها النحيلين يحرك ابهاميه عليهما بسيطرة، فما كان منها الا أن تلوت بضعف و هي تئن همسا (أرجوك كفى، ابتعد عني)
للحظةٍ ظنت أنه لن يستجيب لها لكنها دهشت حين أزاح يديه عنها و هو يقول من خلفها بصوتٍ أجش (اذهبي الآن، لكن تذكري أنكِ ستريني كثيرا الأيام المقبلة، الى أن تقتنعي بعودتك الي).
التفتت ببطءٍ شديدٍ اليه، و بعد لحظة أرغمت نفسها على رفع رأسها المحنى لتواجه نظراته التي لا تلين، ثم همست بضعف (هل تريدني أن أترجاك؟).
حين لم يجبها، ولم يظهر عليه أي تعبير سوى اشتداد عضلات وجهه قليلا إن لم تكن متوهمة اندفعت تتكلم بصوتٍ أعلى قليلا من الهمس وهي تجد الشجاعة في الترجي (لأنني سأفعل إن كان هذا ما تريده، أرجوك، أرجوك ابتعد عن حياتي، أنا في حياةٍ أخرى الآن، حياةٍ لا تباع فيها الفتيات و هن لا يزلن أطفال، ومجرد أن يعرف أي شخص عني هذا الأمر يجعلني أرغب في الموت قبلا).
ظلت عيناه آسرتي عينيها تلمعانِ بتصميمٍ يشوبه الغضب المسيطر عليه الى أن قال بلا تعبير (لكني لم أشتريكِ، الشاري شخصا يريد شيئا، أما أنتِ فقد فرضوكِ علي)
ضربتها كلماته ضربة كحجرٍ موجع في منتصف صدرها، بهتت ملامحها قليلا ثم همست رغم الاهانة المؤلمة (اذن ماذا تريد الآن؟، لقد هربت منذ عشر سنوات من هذا الفرض، فلماذا عدت الآن؟).
أجابها بمنتهى الهدوء (لأنني أريد الاستقرار أخيرا، وتأكدت أنكِ الأنسب لي، بل نحن الأنسب لبعضنا لن يستطيع غيرنا مشاركة أمثالنا الحياة، ثم أنني أخبرتك أنني عدت لأراكِ قبل خمس سنوات)
هل هو فضول الأنثى الذي دفعها لتسأله؟ لا تعلم لكنها على كل حال همست دون تفكير (وما الذي منعك عني وقتها؟).
لم يجبها لدقائق، حتى احترقت أعصابها وهي تراه يشعل سيجارة من علبة سجائره بهدوء، ثم نظر اليها لينفث دخانها الى وجهها الشاحب ليجيب بهدوء (حسنا، من حقك أن تعرفي من البداية، كنت أنوي استعادتك قبل خمس سنوات، لكن شيئا منعني، لقد سجنت لخمس سنواتٍ بعدها، مما أخر خططي قليلا، وهذا ما أعتذر عنه، فلو أتيت في موعدي لكان أطفالك يركضون من حولك الآن).
ها هي بعد اسبوع لا تزال تتذكر تلك الكلمات الهادئة وكأنه يتسامر معها بود، لا تعلم كيف خرجت من السيارة، وكيف تركها بكل رضا، وكأنه يترك لها الفرصة لتتمعن فيما قاله منذ لحظات، تستوعب ما ضرب به رأسها للتو، دخلت البيت تتعثر في خطواتها المرتجفة هائمة العينين، لم ترى مالك الذي اصطدمت به ليمسكها قبل أن تسقط بإعياء. ليقول بقلق (ماذا بكِ حنونة؟، هل أنتِ مريضة؟).
للحظاتٍ لم تجبه وهي تنظر الى البعيد ثم نظرت الى مالك لتبتسم باهتزاز تتكلم برقة (أنا بخير، فقط مرهقة قليلا)
لم يبد على مالك أنه اقتنع وهو ينظر الى منظرها المشعث و شعرها المطلوق على سجيته لأول مرة خارج المنزل، لذا لم يتركها لترحل بل امسك بها وهو يقول (حنين، ما الأمر؟، إنكِ لستِ على طبيعتك أبدا)
همست وهي تحاول اتقان الكذب (لقد، لقد اصبت في الإغماء في العمل، مجرد ارهاق).
ازداد القلق بشدة على وجه مالك وهو يقول (هل أنادي امي؟)
ابتسمت برقةٍ اكثر، مالك الطيب الرقيق، العالم أفضل بوجود أمثالك، قالت بهدوء (لا، لا تقلقها، أنا بخير، فقط سآخذ أجازة لعدة أيام، حتى أصبح أفضل).
عقد مالك حاجبيه، لم تبادر حنين يوما لأخذ أجازة، هل أثقلو عليها في البيت لهذه الدرجة؟، الكل يثقل عليها إن أراد الحقيقة، لكن قبل أن يجادلها ربتت على ذراعه لتتجاوزه ببطء، ظل يراقبها عدة خطوات، الى أن وجدها تستدير اليه بتوتر و تقول و كأنها اتخذت قرارا (مالك)
حين لم تتابع قال يجيبها (ما الأمر حنونة؟).
فتحت فمها لتتكلم بتصميم، الا أنها عادت و تخاذلت لتغلق شفتيها بقلق وهي تهز رأسها قليلا هامسة ؛ (لا، لا شيء، تصبح على خير)
قال مالك بتوجس من حالتها الغريبة (نحن في فترة العصر يا حنين)
استدارت لتتجه ببطءٍ الى السلم وهي تهمس بوجوم (عصر أو ليل ما الفارق؟).
وها هي تقف الآن بعد اسبوعٍ حبيسة غرفتها حبسا تفضله على أي شيء آخر في هذه الدنيا، والحمد لله أن مالك أخبر زوجة عمها أن تعفيها قليلا من المساعدة لترتاح في غرفتها الآمنة وقتا أطول، لا تحب مكانا في العالم أكثر من تلك الغرفة التي تضم مرآتها ونافذتها، الغرفة التي ضمت آهات شوقها وعشقها لصدىء القلب الذي بدأ أخيرا في الإستجابة و سنفرة الصدأ عن قلبه، بعد أن كادت تجزم بأنه يتجنبها أو يتجاهلها على وجه الخصوص، ابتدأ فجأة بأن نادى اسمها، ليناديه مراتٍ ومرات، يطمئن عليها كما لم يطمئن عليها أحدا من قبل، ابتسم لها ابتساماتٍ لم تنلها كفتاةٍ وصلت الى عمرها من قبل، أسبوع كامل لم تذهب ولم تره، كم اشتاقت لطيبته و ابتسامته الحانية، كم اشتاقت الى بحثه عنها على السلالم ليعيدها الى الناس متباهيا بها، لكنها لم تكن لتجرؤ لتذهب، لا تستطيع تحمل اقتران رؤيتهما معا جنبا الى جنب مرة أخرى، أن ترى ماضيها الذي دفنته ملاصقا لمستقبلها الذي رسمت له طويلا، جاسر، ذلك المجنون الذي على ما يبدو أن حياته فقدت الإثارة مؤخرا فبحث في أوراقه القديمة وهو يتسائل من الشخص المناسب ليرمي بلائه عليه، فلم يجد أحسن منها لهذا الدور، ومن أصلح من حنين الضئيلة ليعبث معها قليلا مبددا ملل أيامه، تلك النزوة الحالية التي يمر بها و التي لم تستمر بالنسبة له سوى فترة بسيطة ليطير بعدها بعيدا، هي نفسها النزوة التي ستدمر لها الحلم الجميل و الذي سيجهض قبل أن يبدأ، تركت زجاج نافذتها فجأة باندفاع وهي تغطي وجهها بكفيها متأوهة بصوتٍ عالي من شدة ما يعتمل به صدرها، المجنون و الذي خرج من السجن حديثا، كيف ستكون حياتها أسؤا من ذلك لتجد مسجلا خطرا يسعى خلفها، و الأروع أنه كان متزوجا منها يوماأبعدت يديها عن وجهها بعنف، واتجهت الى مرآتها لتقف أمام صورتها العنيفة، قالت لها بقوة (لا تخافي، اجمدي ولا تخافي فهو لا يمتلك أي سلطان عليكِ، اجمدي حنين و استجمعي قوتك، دافعي عن حبك بقوة، لن يستطيع أن يخبر أحدا، ستهددينه أن تخبري الجميع بخروجه من السجن، وهو لن يجازف بتلويث صورته البراقة الآن).
استدارت حول نفسها لتستند على طاولة زينتها وصدرها يعلو ويهبط بسرعة و هي تتابع بصوتٍ بدأ يهتز قلقا (لكن ماذا كانت جريمته؟، الا يحق لي على الأقل أن أعرف ما هي تهمة ذلك الذي يتعقبني؟، هل هي جناية؟، هل هو مجرما بالكامل أم مجرد مخالفة أو مسألة ضرائب؟).
رفعت يديها الى جبينها المحنى وهي تعود الى التأوه من جديد، أي مصيبة تلك التي لم تحسب حسابها يوما، ماذا لو علم عاصم و مالك، إن كان الأمر فظيعا فيما مضى فهو الآن أفظع و أضل سبيلا، فكلا من عاصم و جاسر قد ازداد نفوذه و حربهما معا الآن ستسفر عن خسائر مهولة لعاصم و سمعته، فضلا عن سمعتها هي، و بالتالي لن يكون عليها الا أن تودع حلمها الوحيد، عادت لتلتفت الى مرآتها وهي تنظر الى وجهها، ودون وعيا منها رفعت أصابعها المرتجفة لتلمس بها شفتيها المرتجفتين كذلك من هول الذكرى، همست من تحت أصابعها و عيناها تدمعانِ بأسى (الحقير، الحقير لثاني مرةٍ يسلبني احترامي لنفسي، ولثاني مرةٍ لم أستطع صده، كم أشعر بالإنتهاك، أضعاف ما شعرت به فيما مضى، كنت أظن أنني أصبحت أقوى وأن أحدا لن يستطيع أن ينال مني ما لا أريده أبدا، لكن ها هو ينتهك روحي من جديد، أهانني كما لم يهينني أحدا من قبل).
ابتلعت نشيجها وهي تبكي بصمت دون أن تجرؤ على الهمس جهرا بما جال في رأسها في تلك اللحظة و هي تحمر خجلا كمراهقة صغيرة لا فتاة في الرابعة و العشرين، لقد أفسد قبلتي الأولى، مرتين، حطم حلمي ككل فتاةٍ تنتظر تلك اللحظة، وكأن له الحق في اجتياح حياتي و جسدي وقتما يشاء، أخفضت عينيها البريئتين خجلا وهما لم تتلوثا بعد بالرغم مما مرت به على يديه الشريرتين، كانت تحمد الله كل يومٍ على مدى سنواتٍ على أن الله نجاها في اللحظة المناسبة على يد أمه المجنونة، حتى وإن كانت قد تعرضت لأقصى اذلالٍ ممكن، لكنها ما أن كبرت قليلا حتى أصبحت ممتنة لحياتها التي لم تضيع بالكامل مما يتيح لها أن تحلم من جديد بفارس الأحلام، لكنه عاد من جديد أقوى وأعنف، مخيفا بشكلٍ مؤلم، وهو يبدو مصمما على نيل ما فاته قديما، وأن شيئا لن يقاطعه هذه المرة، رفعت رأسها الى أعلى وهي تكتف ذراعيها محيطة جسدها النحيف بهما لتوقف ارتجافه، ماذا تفعل، ماذا تفعل، اليوم هو يوم عودتها للعمل، هل تتخاذل أم تذهب؟، لم تسمع شيئا منه منذ أسبوع أتكون معجزة قد حدثت و نزلت حجرة فوق رأسه أفقدته الذاكرة؟، كانت تريد أن تختفي عن وجه تلك الحياة بعدما تعرضت له، لكن شوقها لعمر و رغبتها اليائسة في الدفاع عن حياتها التي خططت لها يجعلها تحاول جاهدة أن تقنع نفسها بارتداء ملابسها و الذهاب الى العمل، وهذا ما فعلته تتعثر في كلِ خطوةٍ وكلِ حركة، وهي تسير في الرواق، تتوقف عند غرفة معتز، تتمنى لو كان موجودا لتنهل من حضنه الناعم لعله يريح أوجاعها، تنزل درجات السلم بتثاقل و حقيبتها الكبيرة على كتفها وكأنها مساقة الى حبل المشنقة، تشعر أنها ما أن تخرج لضوء الشمس حتى تجده يقفز لها كالعفريت، نزلت لتجد عاصم و مالك في البهو يتحدثان بهدوء فابتلعت ريقها بضعف وهي تأخذ نفسا عميقا ثم تلقي عليهما التحية بخفوت (صباح الخير آل رشوان).
التفتا اليها معا و ابتسم مالك وهو يقول بمرح (صباح الخير، ها قد خرجتِ أخيرا من بياتك الشتوى، كيف حالك الآن؟)
ابتسمت بحزن تحاول أن تبدو طبيعيةٍ وهي تقول (بخير الحمد لله)
قال مالك لها بلهجةٍ ذات مغزى ماطا شفتيه (من حسن حظك أن عندي خبرا سعيدا لكِ، أحزري من سيأتي لزيارتنا الليلة؟، شخصا عزيزاعلى قلوبنا كلنا).
تأوهت حنين بصمت، لا ليس الليلة أبدا، ومن سيكون الشخص العزيز غيرها، صاحبة الصوت الرنان، دانا خطيبة الابن البكر فخر العائلة، لماذا يبدو كل شيئٍ سيئا في نظرها في تلك اللحظة؟، لم تستطع سوى أن تهمس بأسى واضح على ملامحها (ياللسعادة الغامرة، و أنا التي كنت أتسائل عن سبب استيقاظي سعيدة اليوم).
قال عاصم بصرامة وهو يعقد حاجبيه (اسمعا أنتما الاثنين، قسما بالله ان لم تحسنا التصرف فسأطردكما معا من البيت الى أن تغادر دانا، حاولا معاملتها بقليلٍ من الود، أفهمتما؟، إنها تشعر بنفوركما منها بمنتهى الوضوح، حاولا التأقلم على أنها ستعيش يوما معكما هنا، الى أن يسعدنا الله بزواجِ كلا منكما لنرتاح أخيرا).
شعرت حنين بوجعٍ قاتل في قلبها من جملته البسيطة و التي بالرغم من ذلك تنبهها الى أن أيامها في البيت لا بد وأن تكون معدودة بحلولِ دانا الى البيت، قاطع مالك أفكارها وهو يقول عاقدا حاجبيه بجديةٍ و اتزان. غامزا في الخفاء لحنين (بالطبع، لا تقلق، دانا في أعيننا)
ضربه عاصم على رأسه بملف الأوراق الممسك به، فتأوه مالك وهو يقول بدهشةٍ مصطنعة (ماذا؟، ماذا فعلت؟).
تناول عاصم باقي أوراقه وهو يتجه الى الباب استعدادا الى الذهاب الى عمله وهو يقول بتهديد؛ (لقد حذرتكما و قد أعذر من أنذر، لا أريد فضائح من أي نوع، أنا لن أتحمل أي شكوى مستعرضة من دانا أو أمها، فما في رأسي يشغلني بما فيه الكفاية)
ثم خرج من البيت و هو يعلم تماما ما المسيطر على عقله تلك الأيام يحرمه النوم و يفقده القدرة على التركيز، التفتت حنين الى مالك لتقول بوجوم (ألن يفطر معنا؟).
ابتسم مالك وهو يقول (لقد تناولنا الفطور منذ فترةٍ يا رأس الوخم، تعالي هنا و اخبريني ما بكِ حقا؟، ليست مسألة تعب أبدا، لماذا تبدين مبتئسة هكذا منذ أيام؟، هل يضايقك أحد في العمل؟)
توترت حنين وهي تتململ في وقفتها ثم قالت بلهجةٍ غير مقنعة (لا شيء يا مالك حقا، لا تقلق، لا، يجرؤ أحدا على مضايقتي)
لم يقتنع مالك أبدا لكنه فضل ألا يضغط عليها وهو يقول (حسنا أنا مضطرا للذهاب الآن، أتريدين أن أقلك معي؟).
اندفعت اكثر من المعتاد لتقول ؛ (لا، لا أقصد أنت تعلم أنني لا، أفضل أن، لا شكرا)
قطب جبينه قليلا ثم قال أخيرا بهدوء (حسنا، سأذهب الآن، لو احتجت لشيء هاتفيني)
أومأت حنين بصمتٍ و استسلام، وهي تفكر بأنها في أمس الحاجة لمساعدته، لكن العواقب ستكون وخيمة، اه يا الله انقذني مما أنا فيه…
ذهبت الى زوجة عمها التي كانت مرتبكة في مطبخها رغم وجود الخادمة و ابنتها، متحيرة ما الذي تعده اليوم للعشاء استعدادا لمجيء دانا خطيبة الغالي، فمجيء دانا الى هذا البيت نادر جدا و الحاجة روعة تريد أن تغريها للمجيء الى هنا كثيرا حتى تقترب منهم أكثر، فلا تطلب من عاصم الابتعاد، ابتسمت حنين برقةٍ حزينة وهي تنظر الى معالم الارتباك الواضحة على ملامحها الطيبة و هي تمسك المكونات لترصها أمامها بما يكفي لإطعام جيش من البشر و مع ذلك لا تبدو مقتنعة، اقتربت منها ببطءٍ وهي تقول مبتسمة قدر الإمكان (صباح الخير عمتي).
التفتت اليها الحاجة روعة و هي ترد عليها بانشراح (صباح الخير يا قلب عمتك، أخيرا قررتِ النزول صباحا؟)
اقتربت منها حنين لتتعلق بذراعها الطري وهي تريح رأسها متنهدة على كتف زوجة عمها بتعب، ثم قالت؛ (أنا آسفة جدا يا عمتى، لقد تدللت عليكِ جدا الأسبوع الماضي).
رفعت الحاجة روعة يدها البيضاء المكتنزة لتربت على وجنة حنين النائمة على كتفها وهي تقول بحنان (يبدو أننا نتعبك معنا اكثر من اللازم حبيبتي، لكن ماذا أفعل فبالرغم من وجود أم رضا و ابنتها معنا الا إنني لا أثق في غيرك لمتابعة أمور البيت، فكوارثهما أكثر من نفعهما)
قالت أم رضا من خلف الحاجة روعة وهي تأخذ بعض الأشياء الى خارج المطبخ (الف شكر يا حاجة روعة، لم يكن هذا هو العشم).
ضحكت الحاجة روعة و ابتسمت حنين، قالت الحاجة روعة دون أن تستطيع اخفاء نفسها المكسورة (يبدو أنكِ لستِ وحدك من تتدلللين، تخيلي أن حور لم تهاتفني مرة منذ أن ذهبت مع زوجها؟، اسبوع كامل دون أن تحاول حتى السؤال على أمها، أو حتى لتطمئنني على معتز الذي اختفت به و كأنه لا يخصنا نحن أيضا).
لم تستطع حنين الدفاع عن حور خاصة أنها لازالت مذبوحة من كلمتها الأخيرة لها، لذا لم تقل سوى (لا تحزني عمتي، اعتبريها في شهر عسلٍ ثاني و أن من حقها أن تنال بعض الخصوصية).
أومأت الحاجة روعة برأسها و الألم لم يفارق وجهها بعدظلت حنين صامتة قليلا حتى كادت أن تغص في السؤال المختنق في حلقها من أيام، لذا همست بتردد بعد فترةٍ وهي تنظر الى ظهر الحاجة روعة وهي تتابع عملها (عمتي، هل، هل تتذكرين، ذلك، الموضوع القديم؟)
قالت الحاجة روعة وهي مشغولة بتقشير الخضروات أمامها (أي موضوع ذلك يا حنين.؟).
أخذت حنين نفسا وهي تحاول التكلم بصوتٍ طبيعي بينما قلبها يقصف قصفا (حين، زوجوني منذ، عشر سنوات)
عقدت الحاجة روعة حاجبيها وهي تترك ما بيدها تماما لتلتفت الى حنين قائلة بقلق (وما الذي ذكرك بهذا الموضوع الآن؟، الم نتفق على أن ننساه؟).
ارتبكت حنين وكأنها طفلة أخطأت فلسنواتٍ طويلة امتنع ذكر أي شيء يخص هذا الموضوع في البيت، لكنها الآن مضطرة لذلك القلق الذي يفترسها و ينهش أصابها منذ أن عاد الماضي المشحون ليلاحقهالذا همست تتلعثم مرتبكة لكن بتصميم (أعلم عمتي لكن غصبا عني لا أستطيع منع نفسي من تذكره، أنتِ تعلمين أنني مررت بظروفٍ صعبة، حيث سافر ذلك المدعو، جاسر قبل الزفاف بأيام).
لم تعرف ما تريد أن تسأل عنه حقا، لذا صمتت ناظرة الى مربعات الأرض بيأس غير قادرة على تجميع أفكارها لذا لم تشعر بزوجة عمها التي اقتربت منها الا بعد أن ربتت على وجنتها برفقٍ لتقول؛ (إياكِ يا حنين أن يكون في قلبك شيئا ضد عمك، كان الزمن غير الزمن، ولا زال حتى الآن في الأحياء القديمة، كل الفتيات كن يتزوجن بهذه الطريقة لصغرِ سنهن عن السن القانوني، الى أن يتم عقد قرانهن حين يبلغن السن القانوني، أي أن عمك لم يكن ليظلمك أبدا).
لم تستطع حنين سوى ان تهتف بضعف قبل أن تستطيع السيطرة على نفسها و هي تسأل السؤال القديم (ولماذا لم تخضع حور لنفس الحكم؟)
اتسعت عينا الحاجة روعة بذهول وهي ترى حنين غير تلك التي ربتها طوال السنوات الماضية، لتقول هامسة مبهوتة وهي تضع كفها على وجنتها الممتلئة (يا ويلي يا حنين، أنتِ فعلا تضمرين شعورا غاضبا تجاه عمك رحمه الله).
لم تستطع حنين الرد عليها وهي تلتفت بعيدا عن نظرات زوجة عمها المرعوبة، ثم همست باختناق (لم يريدوني أنا عمتي، أرادو مجرد ورقة بينهم و بين بعضهم لفض النزاع و الرأفة بأبنائهم من دخول السجون يوما، حتى إن كانت تلك الورقة تعني أن أنتقل من بيتكم لبيتهم، ولما لا؟، ففي النهاية هي مجرد حنين الصغيرة و مآلها لزواجٍ كهذا في نهاية الأمر فلما لا تكن مفيدة).
ازداد اتساع عينا الحاجة روعة و تنديتا بالدموع وهي تستمع الى كلام حنين الغريب و الذي لم تتحدث به قبلا، ثم قال?
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بأمر الحب)