روايات

رواية بأمر الحب الفصل الثاني عشر 12 بقلم تميمة نبيل

رواية بأمر الحب الفصل الثاني عشر 12 بقلم تميمة نبيل

رواية بأمر الحب البارت الثاني عشر

رواية بأمر الحب الجزء الثاني عشر

بأمر الحب
بأمر الحب

رواية بأمر الحب الحلقة الثانية عشر

لم تصدق نفسها وهي تنظر بذهول الى عينيه الغاضبتين، و يديها تغطيانِ كلتا وجنتيها الحمراوين بينما يديه تحفرانِ في ذراعيها حفرا، و انفاسه الغاضبة تلفح وجهها، لم تدري كم من اللحظاتِ مرت بها وهي لم تستوعب بعد ما حدث لها حتى دفعها نادر عنه بقوةٍ و كأنه يشمئز من مجرد قربها، ليقول بغضبٍ هادر (كيف استطعتِ المجاذفة و معتز معك؟، كيف واتتكِ الجرأة على فعل ذلك؟، كيف تعودين به مبتلا في طقس الليل و دون أن يأكل شيئا منذ الصباح؟، و كيف أصلا تخرجين به إلى البحر؟، ماذا ان حدثت كارثة أو سقط منكِ وأنتِ في عالما آخر كعادتك).
سكت قليلا وهو يستدير عنها هاتفا و غضبه يكاد يحرق المكان بأكمله؛ (لقد سئمتك و سئمت تهورك و أنانيتك التي لاحدود لها)
كانت حور في هذه الأثناء واقفة في صمت تتطلع اليه و كأنها غريبة تشاهد مشهدا لا يخصها، وكأنها تشاهد نادر يهتف بإمرأة غيرها، تابع نادر بعد أن اخذ نفسا عميقا، (هذا لن يصلح، لن يصلح أبدا).
التفت اليها ليرمقها بعينين جامدتين جمدت قلبها من نظرتهما القاسية كالفلاذ، ثم قال بصوتٍ ينافس قسوة نظراته (لا أريدك هنا بعد الآن، لقد اكتفيت أنا و معتز منكِ).
ثم تركها دون أن يضيف كلمة أخرى، متجها الى غرفته التي ينام فيها معتز و أغلق الباب من خلفه، ليغلق أبواب قلبها بقساوة لم تشعر بمثلها من قبل، تحركت حور و هي تجر قدميها جرا الى غرفتها ثم أغلقت بابها بصمت، شعور غريب بالجمود ينتابها شعور غريب بأنها قد تصلبت على الرغم من ذلك الفراغ الكبير بداخلها، وقفت في منتصف غرفتها وهي لا تجد القدرة على التحرك أو فعل شيء، حانت منها التفاتة الى مرآتها، فهالها منظرها، لم تشعر يوما أنها غريبة على نفسها الى هذا الحد، وهي واقفة محنية الكتفين، شعرها المبتل قليلا برذاذ البحر منسدلا بحزن على كتفيها و كأنه يشاركها بؤسها، حتى عينيها بدتا غريبتين عليها وهما تنظرانِ اليها وكأنها غريبة عن نفسها، اقتربت الى مرآتها قليلا ببطء وكأنها تخشاها، الى أن وصلت اليها، فوقفت تحدق لصورتها بصمت، رفعت يديها ببطء وهي تتلمس وجنتيها التي لازالتا محمرتين قليلا، تجمدت الدموع في عينيها وهي تتطلع الى نفسها. لم تكن تظن أن الأمر سيكون مؤلما الى تلك الدرجة، حين استفزت عاصم، شعرت بالألم و الذنب، لكن وبالرغم من قوة صفعاته التي تركت آثارها على وجهها. لم تتألم كما تألمت من صفع نادر لها، كيف أوجعها بتلك الصورة، وكأنه ضرب روحها لا وجهها، كيف شعرت بمثل تلك الإهانة و كأنه لمس كرامتها مباشرة، كيف أدرك أن مجرد هاتين الطرقتين من الممكن أن تهزمانها الى هذا الحد، ظلت تنظر إلى عينيها المبللتين المصدومتين، الى أن بدأت شفتيها في الإرتجاف رغما عنها، فعضت على شفتها السفلى لتمنع نفسها، الا أنها لم تستطع و شهقة خائنة تفلت من بين أسنانها رغما عنها، فرفعت يدها الى فمها و الشهقة تتبعها شهقاتٍ واحدةٍ تلو الأخرى، بينما اخذ جسدها في الإرتجاف بشدةٍ كادت أن تسقطها أرضا، أغمضت عينيها و قد فقد الأمل في السيطرة على نفسها فأخذت تبكي و تبكي وهي منحنية في وقفتها أمام المرآة و كأنها نباتٍ كسرت الرياح ساقه، وفي أثناء صوت بكائها العالي و المتصاعد الى خارج الغرفة، كان نادر قد خرج من غرفته و جلس في الظلام على الأريكة وهو منحنيا، مسندا رأسه إلى كفيه، مستمعا الى بكائها العالي من خلف الباب الفاصلِ بينهما، فتحت حور عينيها ترمش بهما بضعف، مرت بها عدة لحظات و هي لا تعلم تماما ما سر ذلك الوهن المستشري بداخلها، الى أن أفاقت تماما و تذكرت بكائها طويلا على وسادتها الى أن غفت أخيرا، نهضت ببطءٍ وهي تتأوه ألما من ذلك الألم الذي يكاد يشطر رأسها شطرين، الى متى ستظل تستيقظ بتلك الحالة بسببه؟، لكن قسما بالله أنها لن تتكرر و لتنام باكية من أجله أبدا، لقد تعب كثيرا من أجل أن يكسرها و يبعدها عنه، حسنا لقد نجح في غايته أخيرا، قامت من فراشها وهي تتجه الى النافذة لتزيح الستائر قليلا تتطلع إلى أسطح البيوت القديمة و البحر الظاهر من البعيد و الذي كان السبب في ما نالته بالأمس، ابتسمت بحزن وهي تفكر في نفسها، أن البحر قد ناداها، كما كانو يقولون قديما، فلبت النداء دون تفكيرا بالعواقب، الغريب أنها لا تشعر بالندم أبدا، و إن عاد بها الأمس فستعيد الكرة، قد تكون تهورت و أجهدت معتز معها، الا أنها جعلته يعيش تجربة كانت هي تحيا بها في طفولتها، تركت نافذتها، لتتطلع الى مرآتها مرة أخرى و أخيرة، لكن تلك المرة بصلابةٍ غريبةٍ عليها، و ظلت تنظر إلى عينيها و كأنهما تبثهما رسالة تصميم، لا بد و أن يكون قد نزل إلى عمله الآن، و لابد أن يكون معتز قد استيقظ، خرجت من الغرفة حافية القدمين و خلخالها يرن بخفوت، وهي لا تزال بفستانها الأحمر من الأمس و قد نامت به، لكنها ما أن خرجت من الغرفة حتى تسمرت مكانها مجفلة حين وجدت نادر واقفا أمامها وهو الآخر على ما يبدو بنفسِ ملابسه من البارحة، ذقنه غير حليقة و شعره مشعث على غير ما اعتادت رؤيته دائما، بعد أن رمته بنظرةٍ صامتة اتجهت ببطء ٍ الى غرفته تريد أن تأخذ معتز الا أن نادر أوقفها مناديا اسمها بهدوء، توقفت مكانها دون أن تلتفت اليه، منتظرة سماع المزيد من إهاناته، لكنها سمعته يتنهد بقوة ثم قال (حوور، لقد انتهت حياتنا معا، ذلك الأنسب لكلينا، دائما ما سنؤذي بعضنا البعض بارتباطنا، وهذا سيضر معتز في المقام الأول، لذا الأفضل أن نفترق باحترام).
لم ترد عيه إطلاقا، نظر الى ظهرها المستقيم كالقوس في رشاقته و شعرها المنساب عليه، دون أن يبدر منها ما يدل على أنها سمعته، لذا قال بعد فترة (حوور، هل سمعتني؟)
التفتت اليه ببطءٍ ثم أطالت النظر اليه لكن نظرتها كانت خالية من تلك النظرة الشغوفة الحمقاء التي اعتادها منها دائما، قالت حور بهدوء و صوتٍ فاتر (سمعتك، اذن؟).
تردد نادر قليلا من لهجتها ومن نظرتها، بدت وكأنها امرأة أخرى غير حور التي عرفها، لذا قال وهو يواجه عينيها بنظرةٍ جامدةٍ تعلن عن فشلٍ لم يكن يريده (سننفصل يا حوور، وتلك المرة، ستكون رسمية، لا أريد أن أعلقك معي أكثر، أنا و أنتِ كانت قصتنا محكوما عليها بالفشل منذ البداية).
حين لم ترد عليه، اقترب منها ببطء ليمسك وجهها بكلتا كفيه يرفعه اليه لينظر الى عينيها مباشرة ثم قال (حوور، لقد فعلت بالأمس شيئا لم أكن أتخيل أن أفعله يوما، الا أنني لم أعش لحظات رعب كتلك التي عشتها حين عدت بالصدفة و لم أجدكما، و لا احد يعرف إلى أين اتجهتما أنتِ ومعتز، و حين عرفت بتلك المجازفة الخرقاء التي قمتِ بها انتابتني في لحظة واحدة أبشع الصور لما كان يمكن أن يحدث، خاصة و أنني سمعت و رأيت الكثير من قصص البحر).
لم ترد عليه و لم تتغير عيناها وهي تتطلع اليه، بينما سكت هو لحظة ليتابع (أنا لن أعذبك أكثر من ذلك، أنتِ لا تجيدين تحمل المسؤلية و لا أمل في ذلك، لذا من الظلم أن أظل أضغط عليكِ في محاولاتٍ ميؤوسٍ منها، عودي الى حياتك حرة كما كنتِ، وأنا كفيل بأبني و لن أحرمك من رؤيته أبدا)
طالت نظرتها من بين كفيه، ثم همست أخيرا (اذن تريد الطلاق؟).
تحسست أنامله وجنتيها قليلا بصورةٍ مواسيةٍ لا تكاد تكون محسوسة ثم سحب يديه ليقول أخيرا (نعم يا حور، انه الحل الوحيد، سأقلك الى بيت أهلك، خاصة بعد أن انتهت مشكلتك مع عاصم لن تكون هناك مشكلة لكِ)
رفعت حور ذقنها عاليا ثم فردت ظهرها أكثر لتقول بمنتهى الهدوء (حسنا، إن كنت قد انتهيت فاسمعني أنت جيدا).
ضاقت عينا نادر قليلا من لهجتها الغريبة، فتابعت حور تشدد على كل كلمة (إن أردت أن تطلقني فلك ذلك، ولن يستطيع أحدا من منعك، أما بالنسبةِ للخروج من هذا البيت، فانصحك إن طلقتني أن تبحث لك عن مكانٍ آخر لتسكن فيه، لأنني لن أخرج من هنا).
اتسعت عينا نادر وهو يستمع اليها بينما تابعت هي ودون أن ترفع صوتها (ذلك البيت هو بيتي بصفتي أم ابنك و لن أتنازل عنه أو اخرج منه، لن أستسلم و اخرج كما طرتني في المرة الأولى، لذا إن اردت الرحيل فالباب يتسع لمرور جمل).
ازداد اتساع عينا نادر و سمعت صوته نفسا غاضبا يخرج من بين أسنانه، لكنها استمرت بلهجةٍ أشد قسوة قليلا دون أن ترفع صوتها (أما بالنسبة لأبني، فأنا لن أحرمك من رؤيته أبدا، لأنه بالتاكيد سيظل معي و أي محكمة ستحكم بذلك)
اقترب نادر منها في لحظةٍ واحدة ليمسك بكتفيها وهو يقول ضاغطا على شفتيه (هل تهددينني؟).
قالت حور دون أن تتأثر أو أن ترمش لقربه منها (لست أهددك، مجرد أبين لك الحقائق، أنت أخبرتني من قبل أنك ستمنحني كل حقوقي، لذا لا بد وأن تكون مدركا لها كلها، حضانة ابني، ذلك المسكن، كل حقوقي المادية من نفقة ومؤخر)
حين لم يرد عليها وهي تتكلم بل كان ينظر اليها مذهولا قليلا، لتكمل همسا (حق المتعة)
ابتلع نادر ريقه ببطءٍ و نظراته تنخفض اليها و عينيه تضيقان، ثم همس بدون تركيز (ليس هذا هو مسكن، الزوجية).
قالت حور وهي تهز كتفيها بلا مبالاة تحت كفيه (لقد انتقلت اليه معك ولا اريد غيره، و لنرى من يستطيع أن يخرجني من هنا بالقوة أنا و ابني)
ظل نادر يتطلع اليها بغرابة، الى أن قال أخيرا بخفوت (مسكن الزوجية الذي تزوجنا به سيكون لكِ وهو أرقى و أفضل من هنا بكثيير، كما أن كل حقوقك المادية يتكون لكِ، أما معتز فأنا أريده معي)
قالت حور ببرود (لقد أخبرتك آخر ما عندي يا نادر، هذا المسكن و ابني، و ليس لدي كلاما آخر).
قال نادر بعد فترة صمت بغموض (لماذا تربطين نفسك ببيتٍ هالك و مسوؤلية طفل بينما بإمكانك الحياة بحرية، دون أن تُحرمي من ابنك تماما).
ظلت تنظر اليه بملامح لا تعبير لها و عيناها تجمدان عينيه، ليست تلك نظرتها و لا هذا صوتها، حين نطقت أخيرا، قالت بهدوء (تلك حياتي، تلك هي أنا دون زيف ٍ أو تمثيل، تعبت و تعبت و أنا أحاول أن أكون مبهرة في نظرك، لكن كما قلت، هذا لن يصلح، أنا هي حوور نشأت في مكانٍ كهذا. ما بين الحاراتِ و البحر و المراكب، كلي عيوب ولا أنكر ذلك، لكن ليس هناك من قانون يحرم ام من ابنها لأنها ليست مؤهلة، ابني يجب أن يتحملني و أتحمله، و سنجد طريقة ما لنتدبر أمرنا، و لا تخف أنا لن أقتل ابني، أنا حوور رشوان يا نادر و قد تعبت كثيرا في محاولة اثبات ذلك لك، لذا من الأفضل أن أكف عن اثباته و أعود الى حياتي).
رفعت يديها لتزيح كفيه عن كتفيها بهدوء، ثم قالت (خذ وقتك في التفكير، و إن رجعت عن قرارك في الطلاق فسأكون أكرم منك و أخبرك بأنك مرحبا بك هنا، معنا)
ثم دون كلمة أخرى ابتعدت عن أنظاره المدهوشة لتذهب الى غرفته باحثة عن معتز، لكنها و قبل أن تدخل التفتت اليه لتقول بهدوء (لطالما أردت أن تكسر لهفتي اليك يا نادر، و بالأمس نجحت في ذلك. نجحت تماما).
، بعد نزول نادر من البيت سمعت الباب يصفق من خلفه بقوة، فالتفتت الى معتز الذي كان جالسا أمامها على فراش و الده وهو يلتف و يختبىء تحت غطاؤه. ثم يعود للظهور فاتحا ذراعيه و موسعا عينيه وكأنه يفاجئها كل مرة، ابتسمت له بحماقةٍ من بين دموعها وهي تشعث شعره بأصابعها، ثم همست له باختناق (ماذا ينقصني؟، ما ذلك المنفر في للغاية. ليكسرني كما فعل؟).
اعاد معتز حركته وهو يكز بأسنانه بعينين طريفتين حتى ضحكت حور بالرغم من انسياب دموعها بصمتٍ على وجنتيها، ثم مسحتها بحزمٍ وهي تقول (حسنا يا استاذ، انت لم تأكل شيئا منذ صباح الأمس و لا بد وأنك ستموت جوعا الآن، هيا لنطلب طعامنا).
و بعد ساعة كانت تجلس أرضا هي ومعتز و قد فرشت أمامه مختلف المخبوزات الساخنة بالإضافة الى كوبين الحليب، هجم معتز على الطعام امامه وهو جالسا على ركبتيه ليطول من كل طبق، و على الرغم من انها لم تكن تشعر بالجوع تماما من شدة وجعها الا أنها ما أن رأت معتز وهو يأكل حتى فُتحت شهيتها و أخذت تأكل معه بشراهة و عينيها المبتسمتين لا تفرقانِ منظره الرائع وهو يأكل من الجوع…
وقفت صبا أمام البيت، تنظر اليه بجدرانه و نوافذه، الحاجة روعة على يمينها متشبثة بذراعها مبتسمة، وعلى يسارها مالك، ربتت الحاجة روعة على ذراعها برفق وهي تقول (هيا ادخلي حبيبتي)
نظرت اليها صبا بتردد، فربتت الحاجة روعة عليها مجددا وهي تضمها اليها بذراعها الأخرى، تقدمت صبا ببطء الا أن الحاجة روعة منعتها لتقول مبتسمة (سمي بالله أولا و ادخلي بقدمك اليمنى).
أومأت صبا ثم سمت بالله و دخلت، وقفت في منتصف البهو لا تدري الى أين تتجه، فقالت لها الحاجة روعة (ستمكثين في غرفة حور ابنتي مؤقتا، وإن أحببتِ يمكنك المكوث في غرفة عاصم الى أن يعود بالسلامة)
اجفلت صبا، وقالت بسرعةٍ وإمارات الرفض تعلو محياها (لا، لا، لن يصح ذلك)
ضحكت الحاجة روعة بحنان وهي تقول (وهل تظنين أنني سأسمح له بالإقتراب منكِ؟، كلا حبيبتي حتى وإن جعلته يبات ليلته خارج البيت تحت شرفة غرفته).
ثم ضحكت بمحبة بعد أن كانت الضحكة غائبة عنها الأيام الفائتة، بينما ابتسمت صبا بضعف. وبعد دقائق كانت تجلس على حافة الفراش و هي تتطلع الى أنحاء تلك الغرفة الأنثوية و الغارقة في الدلال، الى أن استقر نظرها على صورة ضخمة معلقة على الحائط لشابةٍ جميلة ذات سحرٍ شرقي خاص، وهي تتخذ وضعا فنيا أنثويا وتنظر مباشرة و بجرأة الى من ينظر لصورتها، لم تحتج صبا لأن تتسائل إن كانت حوور تشبه عاصم بالفعل، أنهما نفس العينان. نفس النظرة الجريئة و التي تغلغل من يقف أمامهما، بالفعل هي اخت عاصم رشوان، أفاقت على طرقة الباب لتدخل الحاجة روعة وهي تحمل عدة أثواب نوم بيضاء، فضفاضة و ناعمة و من نفس النسخة، ثم وضعتها بعناية على الفراش وهي تقول بخجل (لقد أحضرت لكِ بعضا من قمصاني إن أردتِ شيئا مريحا، لكن طبعا إن فضلتِ شيئا أحدث صيحة و أكثر جمالا فدولاب حور لا زال يحتوى على ملابسا كثيرة لها، يمكنك أن تنتقي منها ما تريدين).
أومأت صبا برأسها وهي تمد يدها لتتلمس القماش الأبيض الناعم، اقتربت منها الحاجة روعة لتنحني و تضمها إلى صدرها بقوة، وهي تقول (من اليوم أنتِ في معزة ابنتي، منذ أن رأيتك و قلبي أخبرني أنكِ ستكونين من نصيب عاصم، فليرجعه الله إلى بيته بالسلامة).
لم ترد صبا، لم ترغب في الرد وهي تغمض عينيها قليلا مستمتعة بذلك الحضن الوثير، طرقت حنين باب غرفة حور ثم دخت حين لم تسمع ردا، فقد أمرتها زوجة عمها أن توقظ تلك الفتاة التي أمر عاصم بأن تأتي معهم، اقتربت حنين من الفراش ببطء وهي تتطلع اليها بتدقيق، كم هي جميلة، معه حق عاصم في أن يهيم بها و يكاد يفقد حياته في سبيل الدفاع عنها، اقتربت أكثر وهي تتطلع الى الفتاة النائمة وهي مرتدية أحد أثواب زوجة عمها و الذي بدا عليها شدييد الإتساع مما منحها هالة ملاكئية، خاصة و موجات شعرها العسلية و التي كانت منسابة من حول وجهها الذي لازال يحمل بعض الكدمات، لا تعلم لماذا ظلت حنين تتطلع اليها طويلا، يبدو أنها مؤخرا أصبحت تحمل شعورا مضادا لكل من حولها، شعورا بالغضب من كل شيء و من أي شيء، تحاملت حنين على نفسها و اقتربت و هي تنحني اليها لتهز كتفها بحذر، لكن سرعان ما فتحت صبا عينيها مذعورة وهي تستقيم شاهقة مبتعدة الى آخر الفراش، بينما في نفس اللحظة شهقتها أفزعت حنين التي قفزت مبتعدة الى الخلفصرخت صبا بانفعال (ماذا؟).
وضعت حنين يدها على صدرها اللاهث وهي تهتف بغضب (ماذا أنتِ؟)
أخذت أنفاس صبا تهدأ تدريجيا، ثم همست مرتبكة (من أنتِ؟)
كتفت حنين ذراعيها وهي تهز ساقها ثم قالت (حنين)
رفعت صبا يدا مرتجفة لتبعد بها شعرها المنثور على وجهها، ثم همست تردد؛ (هل أنتِ أخت عاصم كذلك؟)
أمالت حنين برأسها تتطلع اليها، بالطبع، لم يذكرها أحد و لم يتذكرها أحد، قالت بفتور (أنا ابنة عمه).
أومأت صبا قليلا، وهي تحني رأسها ثم همست (أعتذر عن تصرفي، لم أكن قد أفقت بعد)
تخلت حنين عن بعضٍ من قسوتها، وهي تقول (لا، لقد أيقظتك أنا بصورةٍ مفاجئة، أعتذر، عمتي أرادت أن تنزلي لتتناولي العشاء معنا)
رفعت صبا عينيها الى حنين ثم همست (لا، لن، لست جائعة حقا، لكن شكرا).
قالت حنين (أنا وعمتي في المطبخ منذ فترةٍ طويلة لنعد العشاء، لذا لا يمكنك أن تحرجيها بهذا الشكل، و على فكرة مالك ليس هنا، سيبيت العدة ليالي القادمة في بيتنا القديم، لذا ستكونين براحتك تماما)
ارتبكت صبا و قالت (لقد اربكتكم كلكم معي، لم يكن هناك داعٍ لكل ذلك)
قالت حنين و هي تحاول التخفيف من جفاء لهجتها (ليس هناك ارباك، مالك يذهب إلى هناك عادة، أنه يحب المكان و لا يستطيع الإستغناء عنه).
ترددت صبا قليلا، ثم همست بصوتٍ أكثر خفوتا (هل، هل سنقضي، الليلة هنا بمفردنا)
ارتفع حاجبي حنين قليلا و هي تنظر اليها، ثم اقتربت بعد عدة لحظات لتجلس بجوارها على حافة الفراش وهي تقول (هل أنتِ خائفة؟، لا تخافي، الحي الذي نسكن فيه مسور بأكمله و على بوابته حراس أمن، بالإضافة الى الرجال الموجودين خارج البيت، لن يجرؤ أحد على أذيتك أو الإقتراب منكِ هنا).
همست صبا بعد فترة صمت (لم أكن أريد، أن أقحم أي شخص آخر في مشاكلي)
سكتت حنين قليلا ثم قالت أخيرا وهي تمد يدها برفق لتربت على يد صبا (نحن عائلة الآن، لذا لن يكون هناك أي إقحام، كلنا في نفس المركب)
رفعت صبا عينيها الى حنين تنظر اليها ثم ابتسمت بضعف وهي تقول (لابد وأنكِ محظوظة لفوزك بعائلةٍ مثلها).
رفعت حنين حاجبيها و فغرت شفتيها ثم عادت لتغلقهما وهي تمسك نفسها في اللحظة الأخيرة قبل أن تتفوه بحماقةٍ ما، و تهتف بابتسامة مضحكة مفتعله ملوحة بيديها (ياااااااااه، لا تدركي مدى حظي، حتى انني أستيقظ كل يوم و اسأل نفسي ماذا فعلت لأستحق مثلهم)
قالت صبا بحزن (رائع أن تكون لكِ عائلة كبيرة).
هتفت حنين بإبتسامةٍ غبية مرة أخرى وهي تؤمن على كلام صبا صاغرة (ياااااااااااااااااه، لا تتخيلي مدى الروعة التي أنا فيها، آييييييييه دنيا. )
نظرت اليها صبا لتقول بخفوت (أدركت الآن أكثر من أي وقت أنني كنت أتمنى وجود أخوة لي)
قالت حنين ببؤس (أما أنا فلم أكن أتمنى سوى أبي وأمي، كانت حياتي لتختلف تماما).
أجابتها صبا ببعض الرفق و قد رقت الى حالها؛ (لكن زوجة عمك تبدو عطوفة للغاية، ومن المؤكد أنها قد عاملتكِ كأولادها)
ابتسمت حنين قليلا ثم قالت بشرود (نعم، إنها حاليا تبدو الشيء الجميل الوحيد في حياتي)
قالت صبا بخفوت متقطع من الإجهاد (و أولاد عمك كذلك، لقد حصلتِ على أخوات على الرغم من كل شيء)
ابتسمت حنين بسخرية ثم قالت (لا تتعجلي حبيبتي، سرعان ما ستدخلين العائلة، و تنالين نفس الهنا الذي أعيشه).
صمتت صبا وهي تخفض رأسها، الجميع أصبح يعتبر مسألة زواجها من عاصم أمرا مفروغا منه، ظلت محنية رأسها شاردة بعيدا، بينما كانت حنين هي الأخرى شاردة وهي تفكر أن صبا لن تنال ما نالته هي أبدا، فهي ستصبح زوجة عاصم رشوان، لذا ستكون ذات مكانة محفوظة لا تمس أبدا، دخلت الحاجة روعة في تلك اللحظة، أثناء شرود الاثنتين لتقول بمرح جاهدة (ابعثك يا حنين لتنادي صبا، لأجدك قد بقيتِ معها، وماذا أفعل في دلع البنات ذاك).
ابتسمت حنين و صبا دون رغبة في الإبتسام حقا، ثم نهضت حنين من مكانها وهي تقول بتذمر (إنها ثرثارة لدرجةٍ تفوق الوصف يا عمتي)
عقدت الحاجة روعة حاجبيها وهي تقول بصرامة زائفة (لا دخل لكِ أنتِ، فلتتكلم و تثرثر كما تحب).
ثم جلست بجوار صبا وهي تسحبها الى أحضانها و هي تضحك بحنان مربتة على شعر صبا التي ابتسمت بصدق تلك المرة، أخذت حنين تراقبهما بصمت، طويلا، الى أن انسحبت و هي تغلق الباب من خلفها، حين اتجهت الى عملها كالعادة صباحا كانت تشعر و كأنها متجهة الى المشنقة، منذ أيامٍ عديدة وهي تفكر جديا في الإستقالة بعد أن ضاع منها أغلى حلم حلمت به، وحتى لحظة استيقاظها صباحا وهي عازمة على التوجه للعمل لتقديم استقالتها، لكنها الآن وهي تدخل أدركت أنها قد تخاذلت للتو، أي شيءٍ سيبقى لها في تلك الحياة إن تركت عملها؟، إنها لا تملك أي شيءٍ أبدا سوى هذا العمل، وحتى عمر، يكفيها أن تنظر اليه من بعيد، يكفيها أن تستمتع بابتسامة ودودة منه، ابتسمت بحزن وهي تشعر بقلبها الخائن ينزف من جديد حين و صلت بتفكيرها الى عمر من جديد، كانت تحاول الأيام الماضية أن تنحيه عن تفكريها قدر المستطاع الا أنها لم تفلح سوى في خداع نفسها، اتجهت ببطءٍ الى مكتبها وما أن دخلت و وضعت حاسوبها على المكتب بتعب، لم تمر بضعة دقائق الا وكانت تسمع طرقاتٍ على الباب ثم رأت رنيم تدخل و تغلق الباب خلفها، أغمضت حنين عينيها بيأس وهي ترفع يدها الى جبهتها، لكن رنيم اتجهت اليها لتجلس أمامها على سطح المكتب و ملامح الجدية تظهر على وجهها، رفعت حنين رأسها اليها لتقول بخفوت (ما الأمر يا يا رنيم؟، قولي ما لديكِ).
قالت رنيم بهدوء جدي (منذ فترة و أنا أريد أن أتكلم معكِ لكن نظرا للظروف التي كنتِ تمرين بها لم يكن الوضع مناسبا)
قالت حنين بإيجاز (ما الأمر؟)
أجابتها رنيم مباشرة و بنفس الإيجاز (جاسر رشيد)
أخفضت حنين راسها وهي تجفل من الإسم كالمعتاد، ثم قالت بفتور (ماذا به؟)
أجبتها رنيم دون مداراة (لقد رأيته يقترب منكِ بطريقة غريبة).
لم ترد عليها حنين وهي تتطلع الى النافذة مبعدة نظرها عن عيني رنيم، التي أصرت قائلة (لا يمكن أن تخدعني عيناي، هل، هل كان يتحرش بك ِ؟)
رفعت حنين كفيها الى جبهتها وهي تزيح شعرها عن وجهها ثم تتركه لينسدل مرة أخرى بيأس، اخيرا قالت بصوت غير مقنع أبدا (أنتِ تتخيلين أشياءا لا أساس لها يا رنيم).
مالت عليها رنيم لتمسك بذراعها وهي تقول بقوة (أنا لا أتخيل أبدا، و أنتِ تبدين غير مقتعة كذلك، هل كان يتحرش بكِ لأنه قسما بالله لو كان قد فعل فسأخبر عمر و هو سيتصرف مع ذلك العميل ال)
انتفضت حنين في مكانها صارخة دون تفكير (تخبري من؟، تخبريه بماذا؟، ليس هناك أي تحرش، أرجوكِ يا رنيم لا أريد أن ينتشر هذا الموضوع)
هتفت رنيم بغضب (كنت أعلم، بالفعل هو يرهبك و تخافين أن ينتشر الأمر؟، هل أنتِ غبية؟، كيف).
ثم سكتت قليلا و هي تدرس ملامح حنين المتوترة (هل، هل أنتما مرتبطان؟)
رفعت حنين رأسها الى رنيم بخوف ثم أغمضت عينيها وهي تغطي وجهها بكفيها مستديرة بكرسيها بعيدا عن رنيم و هي تقول بصوت مخنوق (يا الهي، يالهي)
نزلت رنيم من على سطح المكتب لتستدير اليها وهي تنخفض اليها واضعة يديها على ركبتي حنين و هي تقول بقلق (ما الأمر يا حنين؟، هل الموضوع خطير الى تلك الدرجة؟، هل حدث شيء بينكما؟).
رفعت حنين وجهها الشاحب الى رنيم التي تنظر اليها بقلق، يالهي الموضوع يتعقد كل يوم أكثر من سابقه، أعادت رنيم مرة أخرى (فقط أخبريني، هل أنتما مرتبطين، أم أن ما يحدث يحدث رغما عنكِ)
جاء صوت قوي من جهة الباب الذي فُتح دون أن يشعرا به (أعتقد يا حنين أن الأمر لم يعد يحتمل الإخفاء عن الآنسة رنيم بعد الآن).
انتفضت كلا من حنين و رنيم وهما تتطلعانِ الى جاسر بهيئته الضخمة في اطار الباب، فغرت حنين شفتيها وهي تضع يدها على صدرها هامسة، (لا، لا).
اقترب جاسر ببطء و خفة نمر كسول، فاستقامت رنيم واقفة وهي تنقل نظرها منه الى حنين التي شحب وجهها بشدة و بان الرعب على ملامحها، وصل جاسر الى حنين وهو ينظر إلى عينيها مبتسما بشراسة متلذذا بالعذاب الظاهر على ملامحها، ثم انحنى ليرفعها من على كرسيها ليضم خصرها بذراعه الحديدية اليه تحت أنظار رنيم المذهولة، بينما كانت حنين تحاول التخلص من بحركةٍ غير ظاهرة وهي تشعر أنها على وشكٍ الموت في أي لحظة، رفعت عينيها المتوسلتين إلى عينيه القاسيتين دون أثرا للرحمة، وهمست (أرجوك لا).
لكنه ابتسم لعينيها دون رحمة ثم نظر الى رنيم يقول بهدوء (لن نستطيع إخفاء الأمر عنكِ أكثر، قبل أن تقفز استنتاجاتِ غير لائقة الى ذهنك، أنا و حنين)
تلوت حنين وهي تهمس مرة أخرى و قد امتلأت عينيها بالدموع (اتوسل اليك يا جاسر)
لكنه تابع بأوضح صورةٍ ممكنة (أنا و حنين متزوجان، عرفيا).
شهقت رنيم، بينما أغمضت حنين عينيها و شهقة بكاءٍ تفلت من بين شفتيها فضمها جاسر اليه أكثر و أكثر ليمنعها عن السقوط أرضا، قالت رنيم بتوتر (عرفيا؟، يالهي).
اخفض جاسر رأسه ليطبع شفتيه على وجنة حنين الباردة كالرخام و حين طالت قبلته، تنحنحت رنيم و هي تخرج من المكتب جريا مغلقة الباب خلفها، حينها لف جاسر ذراعه الأخرى حول خصر حنين وهو يقبل و جنتها الأخرى و كأن مذاق و جنتيها قد أعجبه، كالفاكهة الناضجة، همست حنين باختناق (كيف فعلت ذلك؟، لقد وعدتني، وأنا وثقت بوعدك).
للحظاتٍ ظل تاهئا يقطف من حدائق و جنتيها بشراهة، الى أن همس في اذنها (هل كنتِ تريدين أن أتركها لظنونها عن وجود شيءٍ شائن بيننا؟، أم ربما فضلتِ أن تظل على ظنها بأنني متحرش بالاطفال)
بكت حنين بصمت، ثم همست بإختناق (كل هذا بسببك، كله بسببك)
رفع ذقنها اليه لينظر الى وجهها المحمر ثم قال (أنتِ تؤخرين المحتوم يا حنين، لما لا تستسلمين و ترضين بنصيبك؟).
نفضت يده عن ذقنها بشراسةٍ وهي تهتف رغم الدموع التي أغرقت و جهها (لقد رضيت بنصيبي، رضيت بنصيبي منذ عشر سنوات، و أقنعت نفسي بأنني مثل كثيراتٍ غيري فلا داعي للمعاندة، لكنك رحلت، و أنا انتقلت إلى حياة مختلفة تماما، و الآن بعد عشر سنوات تريدني أن أرضى بنصيبي؟).
اترجفت عضلة بجانب فمه دون أن تتغير ملامحه أو أن تختفي ابتسامته المفترسة، لكنه قال بهدوءٍ جاف (وها قد عدت، و الحال أفضل، لقد كبرتِ، وتعلمتِ، و نلتِ وظيفة أيضا، لقد منحتكِ الكثير برحيلي، لم أكن أقوى وقتها على منحه لكِ، أنا أيضا أفضل الآن من زوجك القديم الذي لا تعرفين عنه سوى همجيته).
انتزعت نفسها منه بقوةٍ في لحظةٍ خاطفة منه، ودارت حول نفسها نافضة شعرها وهي تصرخ بقوة (يالهي، لا أصدق مدى عنجهيتك، أنت تتخيل أن ما أنا فيه هو من كرم اخلاقك، و فضل احسانك، والآن تتعطف و تعود إلى بعد أن تركتني معلقة لعشر سنوات)
التفتت اليه بفورة غضب و هي تقول بشراسة (أي بشرٍ أنت؟، بل أي وحشٍ أنت؟).
اقترب منها ببطء الى أن وصل اليها ليقول بعد فترةٍ طويلة (على عكس ما تظنين، لقد تحضرت كثيرا، كثيرا جدا، لولا ذلك لما أمتلكتِ القدرة على الوقوف أمامي و مكالمتى بتلك الوقاحة، والأهم من ذلك، لربما كنت الآن مسجونا للمرة الثانية و يدي ملطخةٍ بالدم بسبب غبائك و تفاهتك، صدقيني، لقد تحضرت عن الماضي بصورةٍ أكبر مما قد يصل اليها خيالك).
ثم ودون أن يضيف أي كلمة أخرى خرج و تركها وحيدة في المكتب تلهث قليلا وهي تبدو بصورةٍ همجيةٍ بدائية. بشعرها الهائج من حولها، كانت كلماته تدور بها، أي دمٍ ذلك التي كانت ستتسبب به؟، هل علم بمشاعرها لعمر؟، لكن من أين له أن يعرف و عمر نفسه لا يعلم و لا يشعر بها أصلا؟، أمسكت جبهتها بكفيها و هي تعاود الهمس، يالهي، لقد انهارت حياتي من حولي…
ما أن فتح المصعد أبوابه حتى دخلت اليه بسرعة وهي تنوي الرحيل عن هنا بأسرع وقت، حتى الإستقالة لن تقدمها فليفصلوها، بماذا تبالي بعد كل ما يمر بها، لكن قبل أن يغلق المصعد امتدت يدا و سرعان ما رأت رنيم تدخل ثائرة الى المصعد معها ثم تطرق الطابق الأرضي بقوة و عنف، وما أن بدأ المصعد في الهبوط حتى التفتت الى حنين لتهتف بها غاضبة (عرفي، زواجا عرفيا يا حنين؟، كيف ترضين لنفسك بذلك؟ كيف تبخسين قدر نفسك بهذا الشكل؟، ماذا ينقصكِ ليأتي و يطلبك رسميا من ابن عمك؟، مجرد ورقة منحتِ بها نفسك اليه؟).
رمت حنين حقيبة حاسوبها أرضا وهي لا تهتم، صارخة بغضب (أنتِ لا تفهمين شيئا، لا تفهمين شيئا إطلاقا)
ردت عليها رنيم بنفس الغضب (ما أفهمه أنكِ ارتكبتِ اغبى حماقة ممكن أن تتخيليها، ماذا إن اختفى الآن أو مزق الورقة أو أي شيءٍ آخر، هل تعلمين أن وقتها لن يكون لكِ أية حقوق).
ضربت حنين أرض المصعد بقدمها بقوةٍ لدرجة أن المصعد اهتز قليلا وهي تصرخ (أنتِ لا تعرفين شيئا، و ابتعدي عن حياتي، ابتعدو جميعكم، لقد تعبت، تعبت)
أمسكتها رنيم بقوةٍ و ضمتها اليها رغم مقاومة حنين الشرسة الى أن استكانت أخيرا وهي تلقي برأسها على كتف رنيم وهي تهمس (لقد تعبت، جدا)
أخذت رنيم تربت على شعرها وهي تقول بخفوت و ندم (اهدئي، اهدئي، كل شيء له حل، لا تخافي).
وبعد أن وصل المصعد الى الطابق الأرضي، استقامت حنين بوجهٍ شاحب لتخرج لكن موجة دوار أصابتها من شدة الضغط الذي عانته في الفترة الأخيرة، فأمسكت بها رنيم بسرعة وهي تقول بقلق (ماذا بك حنين؟، هل أنتِ بخير؟)
رفعت حنين يدها الى جبهتها وهي تقول بخفوت (لا شيء، أنا فقط أريد أن أرتاح قليلا).
فجأة و رنيم تساعدها على الخروج، توقفت فجأة لترفع يدها الى وجنتها شاهقة وهي تهتف؛ (يالهي، ماذا لو كنتِ حامل؟، يالهي، ما تلك المصيبة يا حنين، متى كانت آخر مرة)
قاطعتها حنين وهي تكمم فمها ناظرة يمينها و يسارها وهي تهتف بصوتٍ خافت وهي مشتعلة غضبا (اخرسي، اخرسي يا رنيم ستفضحيني، المصيبة الحقيقية هي أنكِ عملتِ معي في هذا المكان، لا تفتحي فمك مرة أخرى، هل تفهمين؟).
أومأت رنيم برأسها من تحت كف حنين المكممة لفمها، فأزاحت حنين كفها وهي تنظر اليها بتهديد، لكن رنيم همست (هل من المحتمل أن تكوني حامل؟)
أمسكت حنين بمقدمة قميص رنيم وهي تقترب من وجهها لتهمس بشراسة (اصمتي يا رنيم رجاءا، كل كلمة تنطقين بها تثير جنوني، اصمتي).
أومأت رنيم مرة أخرى بملامح قلقة غير مقتنعة، فابتعدت حنين وهي تستعيد حقيبة الحاسوب و تعلقها على كتفها، ثم استدارت بعنف الى رنيم لتقول بشراسة؛ (و أنا لست حامل، اخرسي)
عقدت رنيم حاجبيها وهي تقول (لم أفتح فمي حتى)
لكن حنين ابتعدت عنها بسرعة، فلحقتها رنيم جريا وهي تقرقع بكعبي حذائيها العاليين على الأرض الناعمة الى أن لحقت بخطوات حنين الغاضبة فقالت بقوة (سأقلك للبيت، لن أدعك تخرجين بمفردك).
فتحت حنين فمها بغضب تتوي الهجوم عليها الا أن رنيم قالت بتصميم (سأقلك، لا تحاولي)
ثم جذبت حزام حقيبة الحاسب وهي تقول (هاتي هذه سأحملها أنا)
قالت حنين و هي تضغط على أسنانها (أنا لست حامل)
نظرت اليها رنيم بطرفِ عينيها وهي تسير جوارها (أنا لم أقل شيئا، أنتِ من تفكرين بالأمر و من حقك طبعا في مثل حالتك و اسمحيلي أن أخبرك مرة أخرى كم أنتِ غبية و تستحقين كل البلايا القادمة).
هزت حنين رأسها يأسا، لكنها التزمت الصمت الى أن جلست بجوار رنيم في السيارة، و أثناء انطلاقها قالت حنين بخفوت وهي تتلعثم (رنيم، عديني أنكِ لن تخبري أحدا عما سمعته اليوم)
لم ترد رنيم وهي تنظر أمامها محركة عجلة القيادة حتى احترقة أعصاب حنين تماما و أخذت تعض على شفتيها الى أن قالت رنيم (لا أخبر أحدا أنكِ متزوجة عرفيا؟، من عميلٍ مهم لشركتنا).
أغمضت حنين عينيها وهي تدرك مدى بشاعة الصورة التي رسمتها رنيم والتي هي الصورة الوحيدة التي رأتها، ثم نظرت اليها مرة أخرى لتقول بترجي (ارجوكِ رنيم، الأمر ليس كما تظنين أبدا)
نظرت اليها رنيم ثم عادت لتنظر أمامها وهي تقول (لا تقلقي، سرك بأمان معي).
تنفست حنين الصعداء و هي تنظر من النافذة بجانبها، لكن الى متى، وكم عدد الناس اللذين ستترجاهم أن يتكتمو الأمر، الى أن يصبح الجميع يعلمون بالسر الذي تحاول جاهدة دفنه أو ايهام نفسها أنه مجرد كابوس، كان واقفا ينظر إلى النافذة يشاهد انصرافها مع تلك الفتاة رنيم و التي حققت له هدفه دون حتى أن يجهد نفسه في التخطيط، بالتدريج، بالتدريج يا جاسر ستفيق بنفسها و تعلم أن لا أحد غيره لها و أن لا غيرها له، سمع صوتا من خلفه يقول (لماذا أتيت اليوم؟، الم نتفق الا تأتي حتى تشفى كدماتنا تماما).
لم يلتفت الى عمر الواقف خلفه، اقترب عمر قليلا ثم تابع حين لم يرد جاسر (هل خسرنا بعضنا يا جاسر)
أيضا لم يرد عليه جاسر و لم يلتفت حتى اليه، فقال عمر بصوتٍ قوى (لقد لعبت لعبة و لم تكن تمتلك القوة لإنهائها)
بعد فترة صمت طويلة قال جاسر بهدوء (حياتي ليست لعبة، لأعطيك دورا بها، فتخون ثقتي)
صرخ عمر بغضب (ماذا فعلت؟، ماذا فعلت أنا لخيانة ثقتك؟، لن أسمح لك بمجرد الإقتراب من تلك الأفكار المريضة برأسك).
و بعد صمت قال جاسر بجمود (لا تجعلني أتفوه بما لا أستطيع، منذ زمنٍ ليس ببعيد كان مجرد ذكر اسم زوجة أحدهم يكن سببا في عاهة مستديمة)
قال عمر بقوة رافضا المنطق (هذا الزمن قد انتهى يا جاسر، و حنين)
التفت اليه جاسر و الغضب الأعمى ظاهرا على ملامحه، لكن عمر تابع يقول بقوة (كان طبيعيا جدا ما مرت به، كل ما عاشته هو مراهقة لم يتسنى لها أن تعيشها).
اقترب جاسر منه وهو يضم قبضته بشدةٍ أمام وجهه وهو يقول ضاغطا على كل حرف (لم أطلب منك أن تكون بهذا الحنان و الرقة، تلك الأشياء التي لا أعرفها و لا أتعامل بها، خاصة و أنا مقيدا)
هتف عمر وهو يقول (لم يكن حنانا أو رقة، بل مجرد رأفة، كانت رأفة بطفلة في حاجة ٍ لها، وما تعيشه هو وهم طبيعي جاء في سن متقدم قليلا).
استدار جاسر بعيدا عنه وهو يهتف غاضبا (اصمت يا عمر، لا تعيدها، أصمت، أنا أحاول جاهدا أن أسيطر على نفسي)
هتف عمر هو الآخر؛ (لن أصمت يا جاسر، لن أصمت و أنا أراك عاقدا النية على امتصاص روحها بذنبٍ واهٍ من مخيلتك)
ضحك جاسر بسخريةٍ مريرة وهو يقول بقسوة (اطمئن، هي ليست في حاجة لمحامٍ راقٍ مثلك، يدافع عنها أمام زوجها الهمجي).
أقترب عمر في حركة واحدة ليمسك بذراعه و يديره اليه و هو يقول بغضب (افهم، لأجل الله افهم، لم يحدث أبدا ما أخجل منه، و بدلا من أن تضيع وقتك في مثل تلك الخزعبلات لما تحاول معها بطريقة أخرى، تقرب منها كشخصٍ آخر تماما عمن عرفته وهي طفلة، حاول أن تتعرف اليها بعد أن أصبحت شابة، حينها قد يكون هناك أملا).
لم يرد جاسر بل ظل ينظر اليه طويلا، ثم قال اخيرا بلا تعبيير (حينما أحتاج الى نصيحة، ستكون أنت آخر من سأطلبها منه)
ثم تركه ليغادر المبنى كله، بينما ظل عمر واقفا مكانه يشعر بذلك الثقل يزداد على صدره يوما بعد يوم…
دخلت رنيم مسرعة الى مكتب عمر متعثرة بكعبي حذائيها الطويلين، يالهي انه يبدو غاضبا للغاية، هذه نهايتها لا شك، اقتربت من مكتبه وهي تضع الاسطوانة المدمجة على سطح المكتب أمامه، نقل نظره منها الى الاسطوانة بتجاهل مهين، فتلعثمت وهي تنطق بقلق (أخبروني أنك كنت تحتاج الى اسطوانة المشروع التي قممت باعدادها).
رفع عمر حاجبه ثم رد بمنتهى البرود (أرجو الا نكون قد عطلناكِ عن مشوارك المهم؟، للأسف كنت في حاجة اليها و الا لما كنت اضررت أن اعيدك الى هنا).
عضت رنيم على شفتيها المشقوقتين وهي تطرق برأسها، ها قد بدأ اسلوب الضرب الخفي بالكلمات، اوووووف، فلتبقى صامتة أفضلالا أن عمر حين وجدها صامتة قال بتهذيب مستفز (مجرد فقط سؤال من باب العلم بالشيء آنسة رنيم، هل من الممكن أن أتطاول و أتجرأ و أسأل لماذا تركتِ العمل بدون اذن).
تململت رنيم في وقفتها وهي تشعر بالضيق من ذلك الموقف السخيف من ذلك الأنسان الذي سيتخف دمه، إن ساقها تؤلمها للغاية من جلسة السيارة الطويلة و التي طالت بها أثناء الذهاب و الرجوع في الزحام الشديد، وحين وجدت أنها لن تستطيع الوقوف أكثرقالت بقوة (هل تسمح لي بالجلوس؟).
ثم ودون انتظارا لاذنه رمت نفسها على الكرسي المقابل له وهي تتنهد بتعب، بينما عمر نظر اليها بدهشة متعجبا من شدة وقاحتها، فقال بهدوء ضاغطا على اسنانه (لقد اتعبناكِ معنا، حقا لقد اتعبناكِ)
قاطعت رنيم سخريته بقوة وهي تهتف (كنت اقل صديقتي الى بيتها لأنها كانت متعبة و لن تستطيع الذهاب بمفردها).
ارتفع عاجبي عمر و اتسعت عيناه من هجومها و أوشك على الكلام بحدةٍ الا أنه توقف وهو يلاحظ أنها تتألم قليلا، ظل يتأملها وهي مغمضة عينيها، عاقدة حاجبيها بتعب، تعض بين الحين و الآخر على شفتها السفلى ذات الوشم الورديطال نظره، لحظة لحظتين، لا يعلم سر انجذابه الى ذلك الوشم الذي يزيدها جمالا، حتى و هي غاضبة، تنبه الى أفكاره فهز رأسه و اعتدل في كرسيه وهو يقول بحزم بعد فترة، (أولا لا جب أن أنبهك أن الخروج من هنا يجب أن يكون باذن، ثانيا و ذلك هو الأهم اسطوانة المشروع و التي كانت من الواضح أنها في حقيبتك!، لماذا لم تتركي منها نسخة على حاسبك، و الذي هو بالمناسبة مغلقا بكلمة سر).
رفعت رنيم عينيها اليه بغضب، هل حاول أن يفتح حاسبها، هذا ليس تصرفا مهذبا ابدا، قال عمر وهو يرى معالم اعتراضها (في قسمنا بالذات لا نغلق الحاسبات بكلمات سرية، لان المشاريع مشتركة بيننا و كما حدث اليوم حين احتجنا الى نسختك التي انهيتها، اكتشفنا انها سافرت معك في حقيبتك).
زفرت رنيم بحنقٍ وهي مغتاظة منه و من صلفه و طريقة سخريته، فقالت بعصبية جعلتها تبدو لطيفة و ناعمة في نفس الوقت (كان موقفا استثنائيا، و حاسبي مغلق بكلمة سرية، لان موقع التواصل عندي مليء بصور صديقاتي و احيانا تصلني منهم رسائل و صور، لذا لا يجب أن يفتحه أحد في غير وجودي)
سكت عمر قليلا، وعيناه تتسعان شيئا فشيئا الى أن قال يسأل بهدوء (موقع التواصل؟، هل تدخلين عليه هنا في العمل،؟).
هتفت بثقة، (وما المشكلة؟، لماذا أنا الوحيدة التي ممنوع عنها كل شيء، الجميع هنا يدخلون عليه)
ازدادت قساوة عيني عمر ثم دون كلمة التقط سماعة الهاتف بجانبه و هو يطلب رقما قصيرا، ثم دون مقدماتقال (ياسر، أريدك أن تغلق موقع التواصل من عندك في قسم الشبكات، لا أريد أن يدخل عليه أي حاسب من حاسباتنا)
اتسعت عينا رنيم وهي تهمس (يالهي، يالهي، سأصبح في نظرهم الجاسوس الذي تسبب في غلق الموقع).
وضع عمر السماعة مكانها وهو يقول بهدوء جامد (ها قد اغلقته للجميع)
قالت رنيم بترجي وهي تميل على سطح مكتبه بيديها الاثنتين (ارجوك، أرجوك أعده مرة أخرى و أنا لن أدخل عليه ابدا، أو حتى اغلقه لي وحدي، سأصبح مكروهة في نظرهم، ارجووووك).
شعر عمر بالتسلية و هو يراها بمثل هذا الرعب من مجرد غلق الموقع، في الواقع هو يحب رؤية كل تصرفاتها، على الرغم من ملابسها الفجة و أظافرها المقلمة الملونة، وكعبي حذائيها اللذين يبدوان كأدوات تعذيب لها، الا أنها في تصرفاتها تظهر براءة طفولية لم تفقدها، و يظن أنها ستظل على تلك الطفولة دائما، هل يعلم خطيبها أنه سيتزوج من طفلة صغيرة لن تفعل اي شيء مما يمليه عليه منصبه الدبلوماسي؟، على الرغم من ذلك هي على الأرجح و البديل ستملا له البيت لعبا و مرحا، من المؤكد أنه سيعود كل يوم ليجدها تنتظره مفاجأة طفولية و هي تبتسم ابتسامتها الحمقاء وهي تعتقد انها قد انجزت انجازا عظيما، حينها، أغمض عينه وهو ينهض من مكانه مباشرة ليقول بقوة (اذهبي الى مكتبك آنسة رنيم، و من فضلك مزيدا من الالتزام في الأيام المقبلة).
ارتبكت رنيم من لهجته الحادة فنهضت وهي محنية الراس لتغادر مغلقة الباب بهدوء خلفها، زفر عمر بقوة وهو يفكر أن عملها هنا كان خطأ كبيرا، على أعصابه، خرجت رنيم الى الطريق المقابل لتستقل سيارتها بعد انتهاء اليوم، لكنها ما أن اقتربت حتى وجدت أن هناك من أوقف سيارته خلفها يكاد يكون ملتصقا بها تماما، هتفت بغضب و هي تضرب الأرض بقدمها، (من ذلك الأحمق؟، كيف سأخرج الآن؟، يالهي ما هذا اليوم الذي لا ينتهى).
ظلت تشتم في سرها الى أن ضربت اطار السيارة الواقفة خلفها بقدمها عدة مرات وهي تهتف غضبا، (هل من مشاكل؟).
وقفت مكانها دون أن تستدير، نعم هاذا ما كان ينقصها بالفعل، الم تكتفي بالوصلة التأديبية التي نالتها في مكتبه، حتى تراه مرة أخرى وهي في مثل ذلك الموقفاستدارت اليه ببطء وهي تراه واقفا، واضعا كفيه في جيبي بنطاله، لم ترى عينيه من تحت نظارته السوداء، لكنها رأت بوضوح فمه الملتوى بتسليةٍ مكتومةقالت بتذمر (ماذا تفعل هنا؟).
قال بهدوء (كنت خارجا بسيارتي من الشركة لأجد هذا العرض الفريد من نوعه، هل كنتِ تقومين ببعض الطقوس ربما)
تنهدت بقوة وهي ترغب في ضربه بأي شيء ثقيل، لكنها تحاملت على نفسها و قالت ببرود (لن اتمكن من الخروج بالسيارة، ذلك الأحمق حاصرني تماما)
مد يده مفرودة اليها وهو يقول (أعطني المفتاح)
قالت بحيرة (لماذا؟)
قال لها بهدوء (الموضوع يحتاج فقط لبعض السياسة، أعطني المفتاح).
هزت رأسها نفيا بسرعة وهي تقول (لا، لا داعي، سأستقل سيارة اجرة)
ظل عمر مادا يده وهو يقول (المفتاح، رنيم).
رفعت عينيها اليه و هي تسمع اسمها من بين شفتيه، له وقع آخر غير أي انسان نطقه من قبل، حين لم تجد بدا أخرجت المفتاح من حقيبتها و وضعته في كفه المفرودة و وما أن لامسته حتى شعرت نفسها و كأن كهرباء قد سرت في عروقها، تمنت بقوة الا يكون قد شعر بذلك و الا ستبدو بمنتهى الغباءقبض عمر على المفتاح ثم دخل السيارة، لحظاتٍ نظر الى تلك الأداة الخاصة، و التي يستخدمها أصحاب الإعاقات البسيطة في القيادة، و بطرف عينه تمكن من رؤيتة رنيم و هي تنظر بحرجٍ اليه و كأنها تخجل من تلك الأداة الخاصةلكنه لم يلتفت اليها و لم يبد على وجهه أي اهتمام بالأمر، وإن كان في داخله يشعر بنزعة حنان مفاجئة تتملكه، قام بتشغيل السيارة، ثم رجع بها إلى الخلف الى أن لامست السيارة الواقفة خلفها لكنه لم يتوقف بل استمر في دفعها بحرصٍ ليقوم بالتقدم الى الأمام وهو يدفع السيارة الواقفة أمامها بضعة سانتيمترات قليلة، و أخذ يعيد تلك الحركة وهو يعدل من زاوية اطاراته الى أن تمكن بالخروج من المكان الضيق أخيرا، كانت رنيم في ذلك الوقت واقفة و هي تغطي فمها بكفيها، وما أن خرج حتى هتفت به (لقد خرجت بالقوة و أنت تضرب السيارتين، ماذا لو رآك صاحب احداهما).
ابتسم عمر وهو يقول بهدوء (لم يصبهما خدش واحد، تلك الحركة التكتيكية اسمها، قبلة السيارات، وهي تعني الخروج من مكانٍ ضيق ما بين سيارتين وقفتا بغباء لتسدا عليكِ طريق الخروج).
احمر وجهها وهي تسمع اسم تلك الحركة منه، ثم افلتت منها ضحكة صغيرة خجولة رغما عنها وهي تعض على شفتها لتمنع نفسها، فضحك هو الآخر برقة ٍ وهو ينظر الى وجهها المحمر خجلا و الذي يبدو مشرقا بجمالٍ خاص و نادر، بعد اسبوع. دخل عاصم إلى بيته وهو يتنشق عطره الذي اشتاق اليه بقوة، مهما يذهب و يبتعد الا ان بيته يزال هو المكان الذي يعود اليه لينعم بدفئه و رائحته، وما ان دخل حتى هرولت اليه امه وهي تاخذه بين احضانها و تنفجر في البكاء، ضحك عاصم بحنان وهو يقبل رأسها هامسا (لماذا البكاء الآن؟، ها قد عدت الى أحضانك، القط له سبع ارواح يا ام عاصم).
لم تستطع الكلام و هي تنخرط في البكاء بقوة، بينما كانت عينا عاصم تدورانِ بحثا بلا توقف في ارجاء المكان، فجأة وجد من قفز الى اذنه ليقول بصوتٍ عالٍ (أتبحث عن شيء؟)
اتنفض عاصم بقوة، ليجد مالك واقفا يضحك من خلفه، فأبعد أمه قليلا عنه وهو يقول (بعد اذنك يا أمي)
هجم على مالك ليعتقل عنقه بذراعٍ واحدة و يحنيها بقوةٍ حتى انخفض رأس مالك الذي كان يضحك و هو يعتذر، بينما كان عاصم يقول (الن تكف عن سماجتك تلك ابدا).
اخذ مالك يحاول هو الآخر أن يكبله، و الحاجة روعة تهتف بغضب (ابتعد عن أخيك يا ولد، لازال جرحه مفتوحا)
توقف عاصم عن التصارع مع مالك ليقول (انتظر لحظة).
و أخذ يرتاح و هو لا يزال مكبلا عنق مالك، ثم عاد لمصارعته من جديد، و بعد لحظاتٍ من الضحك توقف تماما عن الحركة و هو يراها واقفة أعلى السلم، واضعة يدها على سور السلم و قد بدت كأميرةٍ شرقية رائعة الحسن بعبائتها الفضفاضة، بل هي بالفعل ست الحسن و الجمال التي كان يبحث عنها الشاطر حسن، تلك من احتلت احلامه لليالٍ طويلة مضت، ترك مالك ببطء ليقترب من السلم ووقف أسفله، فأخفضت صبا رأسها وهي تهبط درجات السلم الى أن وصلت اليه، ثم قالت بصوتٍ منخفض دون أن تنظر اليه، أو حتى ترفع رأسها الذي لم

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بأمر الحب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى