رواية بأمر الحب الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم تميمة نبيل
رواية بأمر الحب البارت الثالث والعشرون
رواية بأمر الحب الجزء الثالث والعشرون
رواية بأمر الحب الحلقة الثالثة والعشرون
قبضت أصابعها الرفيعة على ستارة نافذتها و قد أوشك الرعب على أن يخطف منها آخر أنفاسها المعذبة و هي تسمع صراخ عاصم المجنون (افتحو البوابة)
لم تدري بأن عيناها اتسعتا ذهولا و شفتيها انفرجتا بهمسةٍ واحدة تكررت بدون وعي
لا، لا، لا…
لكن بالطبع كان أمر عاصم رشوان لا يقبل المعارضة، ففتحت البوابة أمام عينيها المذعورتين
لتشاهد الثور الهائج يدخل دون تردد من البوابة الى حديقة البيت!
و في لحظاتٍ كان عاصم أمامه ولم تلمح حتى قبضته التي انطلقت كسهمٍ خاطف الى وجه جاسر دون أن يسمح له بالكلام…
شهقت حنين عاليا وهي تغطي فمها بيديها، وهي ترى جاسر يرفع الماسورة الحديدية ينوي ضرب عاصم بها الا أن عاصم أمسك بمعصمه المرفوع عاليا و ثبته قبل أن ينزل بالماسورة اليه، و عاجله برفع ركبته الى معدة جاسر بأقصى قوته…
حينها رأته حنين ينحنى الى الأمام مندفعا ليسقط على ركبتيه أرضا، يبدو منذ أن دخل من البوابة و كأنه يترنح و لا يقوى على الهجوم أو العراك، حاله كحال مالك حين رأته
لقد تعارك في الصباح بدمويةٍ الى أن أنهكه التعب، ثم عاد ليلا يتصور أن بإمكانه أن يأخذها من جديد، من وسط بيتها و من بين أهلها!..
شاهدت دخول رجلين من رجال عاصم مهرولين، الا أنه رفع يده مانعا اياهما من التدخل فتراجعا بتوجس…
بينما أخذ عاصم يدور ببطء متعمد حول جاسر الملقى أرضا وهو يحاول جاهدا أن ينهض مع كل الكدمات في جسده، وما أن نهض على ركبتيه و يديه حتى ركله عاصم في معدته مرة أخرى ليلقيه أرضا وهو يصدر صوتا كخوار الثور…
بهتت ملاح حنين تماما وهي تشاهد عاصم يوالي ضرباته الى جاسر الذي يحاول جاهدا تحملها…
الأصوات المتداخلة وصلت اليها مع صوت الرياح البسيطة، تأتي متباعدة لكن واضحة، بكاء زوجة عمها عاليا و صراخها باسم عاصم، صراخ صبا المجنون به أن يتوقف قبل أن يقتله، صوت عاصم وهو يعدد له جرائمه في حق ذلك البيت الذي يدنسه الآن بمجرد تواجده ملقيا على أرضه…
لم يكن عاصم يصرخ، لكن حنين كانت تسمعه بوضوح، كل فعلِ فعله في حقها و في كرامتها و في شرفها. كان عاصم يردده، و كأنما كانت تستقي القوة من تسجيل عاصم لشريط كل ما مرت به من خزيٍ خلال عشر سنوات…
ومع كل جملةٍ ينطقها عاصم كان يعود لضربه من جديد…
رفعت حنين يديها من على فمها، ومدتهما لتتلمس بهما زجاج النافذة، و خلال لحظات كانت شفتها تلتوي ببطءٍ و بقسوةٍ فيما يشبه ابتسامة، مجرد التواءة صغيرة، عكست احساس من التشفي بداخلها لم تشعر به من قبل تجاه أي مخلوق، وكلام عاصم الواضح لا يمنحها الفرصة لتهذب مشاعرها الخائنة…
كان صدرها يعلو و يهبط بلهاثٍ ساخن، يتناغم مع عينيها الجليدتين المتابعتين بتشجيع صامت…
وكأنها تهمس دون صوت، أذقه من ألم كل ما أذاقني…
لا تعلم تحديدا إن كانت قد مرت ثوان أو دقائق وهي مغيبة عن العالم لتعيش عالمها القاسي الخاص…
قبل أن تصطدم نظاراتها بنظراته، وكأنما رفع عينيه وهو ملقى أرضا لينظر إلى عينيها مباشرة…
تجمدت مكانها تماما و توقفت انفاسها وهي تراه ينظر اليها مباشرة، وكأنما يقرأ ما بداخلها، شهقت حنين عاليا و تراجعت بظهرها بسرعةٍ حتى سقطت أرضا، لكنها استمرت بالزحف الى أن وصلت للجدار فاستندت اليه وهو ترفع ركبتيها الى صدرها و تضم جسدها بقوةٍ، ترتجف بشدةٍ و هي تتذكر الحظات المخزية و المرعبة لإمتلاكه لها، لتنتهى بعينيه اللتين نظرتا اليها الآن و هو مسجى أرضا…
كانت صبا تصرخ كالمجنونة في عاصم من أمام باب البيت المفتوح بأن يتوقف لكن دون جدوى فهوى لا يسمعها حتى، و حين تجرأت على لف حجابها كيفما اتفق و نزلت درجات السلالم القليلة جريا تنوي الذهاب اليه و الامساك به لمنعه من أن يتسبب في قتل جاسر، لمحها عاصم على بعدِ خطواتٍ منه فصرخ فيها كالمجنون (ادخلي إلى البيت، حالااااااا).
ذعرت صبا من صراخه. الا أن ذعرها من أن يتهور و يرتكب حماقة في مثل هذه الدرجة من الغضب كان اكبر فهتفت بقوةٍ و قد بدأت الدموع في وخز مقائيها (أرجوك يا عاصم اتركه، أرجوك ستقتله)
صرخ عاصم بجنون وهو يقترب منها ليمسك بذراعها بقوةٍ و يدفعها دفعا جهة البيت (قلت لكِ ادخلي حالا، حالاا).
في تلك اللحظات كان جاسر قد تمكن من النهوض بصعوبةٍ ليقف اخيرا على قدميه، فشهقت صبا بخوف و هي تنظر اليه من خلف كتف عاصم، الذي استدار ليرى ما تنظر اليه و ما أن نظر الى جاسر واقفا أمامه حتى بادره بالقول بصوتٍ ميت جليدي وهو يلهث بصعوبة (أريد زوجتي و سأرحل من هنا، حنين أصبحت زوجتي قانونا، و لن تستطيع منعي عنها مهما حاولت).
ثم توقف قليلا قبل أن يقول بصوتٍ متباعد مجهد (أنا الذي خطفتها، لا تؤذها، لم تأت معي بإرادتها، لكننا تزوجنا رسميا وهذا ما لن يتغير أبدا)
استدار اليه عاصم بالكامل ووقف أمامه ليتواجهان بتحدٍ لبضع لحظات، ثم ابتسم بشراسةٍ قليلا دون صوت و عيناه تبرقان وحشية و تهديدا بطعم الدم…
وما لبث أن رفع يده لينهال عليه بلكمةٍ أخرى، الا أن جاسر كان مستعدا تلك المرة لينحني بسرعة الفهد وهو يجرح جانب عاصم إلى صدره بمديته في يدٍ والتي كان قد استلها في لمح البصر اثناء نهوضه، بينما اليد الأخرى ثبتت معصم عاصم قبل أن يلمسه، ليستقيم أمامه من جديد في لمح البصر…
نظر عاصم الى جانبه الذي أخذت بقعة دم صغيرة فيه تنتشر على قميصه وهي تتسع و تتسع ببطء أمام عيني صبا الذاهلتين و ما لبثت أن انطلقت منها صرخة مدوية هزت أرجاء البيت…
لحظاتٍ مرت في شجارٍ عنيف، متكافيء أو غير متكافيء بين ثورٍ و دب بري، و صوت الصرخات توقظ المزيد من سكان الحي…
هجمت صبا بضراوة على عاصم لتتشبث به من خصره المشبع دما لتبعده عن ذلك المجنون الذي كاد أن يودي بحياته، وقبل أن تنال نصيبها من صراخ عاصم كانت لكمة غاشمة خاطئة من جاسر أصابت فكها فأوقعتها أرضا بقوة…
نظر عاصم بذهول إلى صبا التي أخذت تبكي أرضا بشدةٍ من قوة الضربة، بينما كان جاسر ينظر اليها كذلك بذهول ثم رفع عينين عابستين الى عاصم وقال يلهث بصعوبةٍ و عنفٍ و اعياء (لم أكن أقصد أن أضربها، ما الذي تفعله هنا؟).
فصرخ عاصم هائجا كالمجنون وهو يرمي نفسه على جاسر ليوقعه أرضا و لم يسلم وجهه من المزيد من ضربات عاصم الهائجة، الى ان تدخل الجيران ناهرين رجال عاصم لعدم تدخلهم، و خلال لحظات عنيفة استطاعوا إبعاد عاصم عن جاسر الذي أمسكوا به بقوةٍ لحين مجيء الشرطة من منظره المتشرد و الملوث لمثل ذلك الحي الراقي…
بينما تركه عاصم في ايديهم وهو يصرخ (لن تستطيع منعي يا ابن رشوان لوقتٍ طويل، القانون معي).
نظر عاصم اليه بكرهٍ وغل وهو يمسك بصبا بين ذراعيه. ليقول بعد لحظاتٍ بلهجةٍ مخيفة (و بالقانون، ستعض أصابع يدك بعد أن ننتهي منك و من فعلتك الدنيئة للأبد)
كان يود لو هشم البقية الباقية من وجهه الا أن منظر صبا اثار رعبه أكثر وهي تبكي بعنف ووجها أبيض كالأموات بينما جانب فكها تحول لونه الى أزرق بشع، فعاد ينظر الى جاسر وهو يقول بلهجة الحقد المخيفة (سأحيل المتبقي من حياتك الى جحيم، و اعتبره وعدا مني).
ثم عاد ليلتفت إلى صبا وهو يضمها الى قلبه بينما كانت هي متشبثة به بقوةٍ و يدها على جرحه الدامي، تخاف أن ترفعها، تتخيل لو رفعتها فسيزيد الدم…
وحين جائت الشرطة، أخذت جاسر بالقوة للمرة الثانية لليوم، بينما وقفت صبا صبا تتكلم مع الضابط بقوةٍ في أن عاصم يحتاج الى مداواةٍ، و أن المجنون قد تهجم على بيتهم و أن عاصم كان يدافع عن نفسه و عن أهل بيته و أنه لن يخرج معهم الآن أبدا…
الى أن اضطر عاصم في النهاية الى إبعادها بالقوة و إدخالها إلى البيت قسرا وما أن حاولت الرفض حتى صرخ فيها أن تصمت، ثم أغلق باب البيت من خلفه وهو يعود للضابط، لكن الضابط كان متفهما للموقف الواضح أمامه و طلب من عاصم أن يتجه لقسم الشرطة من الصباح كي يحرر محضرا بالواقعة…
ما أن دخل عاصم من باب البيت وهو ينوي أن يسود ليلة صبا على تدخلها فيما حدث و الذي أدى الى ضربها أمام عينيه، الا أن منظر أمه المنهارة من البكاء و التي اقبلت عليه جريا، بينما سبقتها صبا بأسرع منها جريا وهي ترمي نفسها على صدره و تنهار في بكاء ٍ عنيف…
للحظاتٍ تسمر عاصم مكانه مذهولا من ردة فعلها و التي أنسته كل القذائف التي كان سيقذفها بها للتو و شعرها الذي كان ناويا على أن ينثره أرضا بعد اقتلاعه من جذوره…
لكن بكائها هزه من الأعماق فأسرع ليرفع ذقنها اليه ليرى كدمتها و اسود وجهه غضبا حين رآها تسوء حالا فقال بغضب (هل تؤلمك؟).
وعلى الرغم من غباء السؤال الا أنها هزت رأسها نفيا وهي غير قادرة على إيقاف بكائها، ابعدتها الحاجة روعة وهي تأخذ مكانها بين أحضان عاصم، تبكي و تقول باختناق (ابتعدي قليلا يا صبا، لم أعد أتحمل، لم أعد أتحمل، أهون على الموت من أن أرى كلا من ولدي يدخلان البيت مشبعين بدمائهما، لم أعد أتحمل).
أخذ عاصم يربت على كتفيها وهو يقول بخفوت لكن دون أن تبارح عينيه وجه صبا المنهار و الذي تورم من شدة البكاء (لا تقولي ذلك يا أمي، أطال الله عمرك حبيبتي)
ثم نظر اليها وهو يدفعها قليلا برفق قائلا بخفوت (سأصعد الى غرفتي يا أمي لأرتاح قليلا)
بكت أمه أكثر وهي تقول بلوعة (يا بني دعنا نأخذك للمشفى، أو على الأقل نطلب زوج أختك لكي يأتي، لا أنت و لا مالك تريدان مداواة جروحكما).
ربت عاصم على كتفها برقةٍ وهو يقول (صبا سوف تعتني به يا أمي، لا تقلقي، أنه جرح بسيط)
ثم مد يده إلى صبا وهو يقول بلهجةٍ غريبة (هيا يا صبا).
في غرفتهما كان عاصم ممددا على سريره عاري الصدر و صبا تقوم بتنظيف جرحه وهي لم تتوقف عن البكاء للحظة، فقال عاصم أخيرا بصوتٍ خافت وعيناه تأكلانها أكلا، بشعرها الملقى بإهمالٍ و روعةٍ على كتفها، تتراقص بعض من خصلاته حول وجهها الاحمر و المتورم (ألن تتوقفي عن البكاء؟، لقد تورمت عيناكِ تماما).
ازداد بكائها وهي تطرق برأسها دون أن تتوقف عما تفعله، فمد يده ببطء ليتلمس كدمتها الزرقاء ثم عبس بقوةٍ حين رأى الألم على وجهها، زفر بقوةٍ وهو يهمس بغضب (الحقير، القذر)
تجرأت صبا على رفع عينيها المتورمتين إلى عينيه ثم رفعت يدها لتمسك بيده التي تلامس فكها…
بقيا لعدة لحظات ينظران لبعضهما للحظات طويلة، دون أن يجرأ أحدهما على هدم ذلك الصمت بينهما، سوى صوت أنفاسهما الواضح.
همست صبا بعد قليل و الدموع لا تزال تنسكب بغزارةٍ على وجهها (جرحك يحتاج إلى تقطيب، لا بد أن نذهب للمشفى)
ابتسم عاصم دون أن يرد وهو يفكر فيما يحتاجه هو شخصيا، وهو ليس له علاقة بالتقطيب إطلاقا، ثم قال أخيرا (لا، لا يحتاج، أنه سطحي)
عبست صبا ثم همست من بين بكائها (وما أدراك، أنه يحتاج إلى تقطيب يا عاصم، اسمع الكلام).
قال عاصم ببساطة (المبتدىء فقط هو من يتسبب في جروح قطعية تحتاج الى تقطيب، و ذاك القذر ليس مبتدئا، فلا تخافي)
عبست صبا فبدت طريفة و شهية لعينيه من بين بكائها، وهي تقول باكية لكن صارمة (ما أروع تلك القوانين، يبدو أنني سأتعلم قانونا جديدا على يديك)
ابتسم عاصم بعبث وهو يهمس (ستتعلمين أشياء كثيرة على يدي)
عبست صبا أكثر و أحمر وجهها بشدةٍ وهي تقول بغضب (احترم نفسك يا عاصم).
رفع عاصم حاجبيه وهو يقول بدهشةٍ (ماذا قلت؟، أنتِ التي تملكين تفكيرا ملوثا)
احمر وجهها أكثر و أكثر، ثم قالت بغضب لتغير الموضوع (اسمع كلامي، انه يحتاج الى تقطيب، إن تم تقطيب جرحك ستكون جنحة لذلك المجنون، و سنخرب بيته إن شاء الله)
ارتفع حاجبي عاصم بدهشةٍ بالغة ثم سأل بحيرةٍ مفتعلة (ماهذا الذي اسمعه؟، أهو صوت أختلال في المبادىء يا أستاذة؟، تريدين أن نتبلى عليه؟).
ذعرت صبا و أسرعت تهتف (لا، لا، لم أقصد، قصدت أن جرحك يحتاج الى تقطيب بالفعل، وذلك الشخص الغريب يحتاج الى أن يعاقب على أفعاله لكي يرتدع)
ضحك عاصم برقةٍ على الرغم من الألم و الحنق و الضيق الذي يطوف بقلبه من سيرة ذلك القذر.
ثم قال بخفوت و محبة، (أتظنين أنه حتى لو كانت جنحة له، فذلك هو ما يردعه؟، حبيبتي يا بنت السلطان، تلك المعارك و ما يعقبها من التنزه في أقسام الشرطة كانت لعبتنا و نحن شباب، أنتِ بريئة جدا يا استاذة).
تذمرت صبا وهي تمسح دموعها لتتساقط غيرها، فعاد عاصم ليمسح دموعها برفقٍ ثم يتلمس وجنتها المزرقة من جديد، ليعود و يتناول قطعة ثلج من الطبق الموضوع بينهما و الذي أحضرته صبا، و يمررها ببطءٍ على كدمتها قبل أن يقول بصوتٍ مكتوم من الغضب (كنت سأقتله)
ثم سكت وهو يكتم عنف انفعاله و الذي لم يهدأ بعد، لكن صبا لم تستطع أن تمنع نفسها من الهمس بدلال بريء (ولماذا لم تفعل؟).
تنهد عاصم بغيظٍ و كبت و الكره يغلي في عينيه، ليقول بعد لحظات بغموض (أنا الآن مجبور على أن أؤجل قتله الى أن أعلم كيف ستسير الأمور)
عقدت صبا حاجبيها قليلا وهي تسمعه، الا يزال يتكلم مجازيا أم يتكلم حرفيا أم ماذا، لكن في كل الأحوال لهجته كانت مقلقة…
و بعد لحظات همست بقلق (هل تنوي، أن تعطِه فرصة؟).
قال عاصم بغضب عارم (ولو بعد مئات السنين لن أعطه فرصة و لن أتقبله أبدا، لكنني مجبرا على الانتظار قليلا لأرى أفضل الحلول و لأرى ما بجعبته)
اندهشت صبا تماما من رؤية عاصم وهو يستخدم عقله أخيرا بدلا من ذراعه و جبهته…
قال عاصم بعد فترة صمت (صبا، لم كان كل هذا البكاء؟، أتتذكرين أنني أصبت بطلقٍ ناري من أجلِ عينيكِ و لم أحصل على دمعةٍ من فيض تلك الدموع، فلم الآن؟).
نظرت اليه بخوفٍ دون أن ترد، وهي تتخيل حادثة اصابته، فاقشعر بدنها رعبا، لقد كان قريبا جدا من الموت، و بسببها هي…
ظلت صامتة طويلا، طويلا، وهي تراقب النوم يسرق جفنيه منها، فابتسمت وهي تراه يقاومه ليعود و يغلقهما قليلا، الى أن استكان نفسه أخيرا، بعدها بلحظات همست برقةٍ تذيب أقسى الأحجار (لأنني لم أكن أعلم، لم أكن أعلم أن ذلك الذي ينازع الموت، هو نفسه من سيسرق قلبي بقوة السلاح، و رغم كل إرادتي و قناعاتي).
شكت للحظةٍ في أنها سمعت شهقة مكتومة وما أن رفعت عينيها إلى عينيه حتى وجدتهما تنظران اليها بقوة عيني الصقر و قبل أن تتمكن حتى من الشهق برعب، كانت ذراعيه قد اعتقلتا خصرها بسرعة البرق لترفعها بمنتهى السهولة فوق صدره، حاولت صبا جاهدة الابتعاد عنه، الا أنه لم يسمح لها بأن تتزحزح من فوقه وهو ينظر اليها مذهولا، ليقول بصوت مصدوم (ماذا قلتِ؟).
حاولت صبا المقاومة و هي تتملص منه و تقول بغضبٍ ووجهٍ شديد الاحمرار (ابتعد يا عاصم، هذا ليس عدلا، أنت كنت تمثل النوم)
شدد عاصم ذراعيه عليها وهو يقول ولازال في طور الصدمة (كرري ما قلته يا بنت السلطان و الا فستظلين فوق صدري العمر كله)
هزت رأسها نفيا بقوةٍ وهي تهتف (لن أقول شيئا و أنت تتعمد اسلوب البرابرة ذلك).
شدد عاصم عليها اكثر حتى باتت ترتفع و تنخفض بصورةٍ ملحوظةٍ مع حركة صدره اللذي يضم قلبا مشتاقا، ذاب عشقا منذ أعوام و أعوام…
فعاد ليهمس أمام شفتيها بصوتٍ غريبٍ منه عليها، (صبا، لا تتلاعبين بي أكثر، هل قلتِ فعلا ما ظننته؟، أم أن مدية ذلك الحقير كانت ملوثة و ها أنا أعاني من هلوسات التسمم؟).
ضحكت صبا رغما عنها ودموعها تتساقط على وجنتيه في نفس الوقت، ثم لعقت شفتيها بعد لحظاتٍ وهي تهمس باكية ضاحكة (أحبك، أحبك يا عاصم رشوان، أحبك يا آخر صبري، أحبك و سأدافع عنك بحياتي لآخر يوم فيها)
اتسعت عيناه، وتوقف ارتفاعها و انخفاضها فوق صدره، فعلمت أن أنفاسه قد توقفت للحظة فعقدت حاجبيها بقلق للحظةٍ وهي تهمس (عا).
الا أن الإسم لم يكتمل من بين شفتيها وهو يهتف بصيحةٍ ملتاعةٍ ليدور بها و يلقيها بجواره على الفراش وهي بين ذراعيه. يشرف عليها من علوٍ لتضرب أنفاسه وجهها المتورم و المزين بكدمةٍ محترمة كالمجرمين بدلا من أن تكون مزينة في تلك اللحظة الحاسمة كغيرها من نساء الأرض الطبيعيات…
فغرت شفتيها بانفعال و هي تراقب قسمات وجهه التي كانت تنطق بوضوحٍ بكل ما بداخله من عشق لها، أما عيناه حبيبتاها فهما من أخبرتاها سره دون تردد، لتعود و ترد عليهما همسا (أحبك يا عاصم، أحبك ولو حدث لك مكروهٍ فسأموت قبلك، أحبك و لا أتحمل أن تشاركني بك غيري، و الجنون أنني لم أدرك كل ذلك الا اليوم، بالرغم من أنه كان بداخلي ينمو و يتشعب و يقيدني بك كل يومٍ أكثر).
ضاعت آخر كلماتها تحت قوة شفتيه وهما تلتهمان اعترافاتها التهاما، فأغمضت عينيها لتترك لنفسها حرية الإستسلام له أخيرا، وما أسهل أن تستلم لحبه، وما أصعب مقاوماتها الواهية له…
مرت لحظات، و اللحظات أصبحت دقائق وهما ينهلان من عشقٍ لم يعرفاه من قبل…
وكانت تفقد عقلها كلما همس لها بعينين تنضحانٍ شوقا مؤلما (أتدرين كم تخيلت تلك اللحظة، بكل الأشكال و في كل الأماكن و أنت تعترفين لي بحبك، وتعتذرين عن كل الحماقات التي رميتها في وجهي من قبل بمنتهى الصفاقة…
تخيلت و تخيلت حتى يئست من أن يأتي ذلك اليوم، وها قد جاء أخيرا و فاق كل تخيلاتي…
أحبك يا بنت السلطان، احبك يا صبا يا أجمل من رأت عيني و أشدهن غباءا و تهورا، أحبك يا قطتي المحاربة في الأزقة المظلمة)
وكانت كلماته الفجة كالمعتاد اصبحت في أذنها كأثر الأبيات غزلا و عشقا…
و ضاع منهما الوقت و كلا منهما يبث شوقه للآخر، وكلاهما يتنهد كمن تعب في نهاية السباق…
بعد ساعاتٍ طويلة كانت صبا نائمة على صدر عاصم الذي غاب في سباتٍ عميق وهو يتنفس ببطءٍ و رتابة، ذراعه تلف خصرها بقوةٍ أثناء نومه و كأنه يخشى أن تهرب منه أو أن يستيقظ و يجد نفسه كان يحلم و أفاق من حلمه…
أبتسمت صبا بعذوبةٍ وحب وهي ترفع رأسها لتتطلع الى ملامحه القاسية و تحفظها في ذاكرتها بكل تفاصيلها، لا تصدق!، حتى الآن لا تصدق تلك الحالة! الغريبة التي أفاقت عليها اليوم لتدرك أنها تعشق ذلك الرجل!..
احمر وجهها وهي تتذكر طوفان حبه الذي جرفها منذ ساعات ليلقيها على شاطئه الآن بأمان…
. مدت أصبعها تتلمس حدود فكه بنعومة، فتزداد ابتسامتها رقة، لتهبط إلى صدره تتلمسه و تتحسس به نفسه الهادىء و في داخلها أغمضت عينيها و دعت الله الا يحرمها من هذا النفس أبدا…
جعلها صوت رسالة من هاتفها على الطاولة الجانبية تفتح عينيها و هي تتسائل عن تلك الرسالة في هذه الساعة المتأخرة…
تسللت من بين ذراع عاصم ببطءٍ و استدارت لتلتقط هاتفها وما أن فتحت الرسالة مجهولة الرقم، حتى اتسعت عينيها ذهولا وهي تقرأ كلماتٍ تصفها، من أقذر ما قرأته أو عرفته يوما…
رفعت صبا يدها الى صدرها الخافق المرعوب وهي لا تصدق أنها تقرأ مثل تلك القذراة و التي لم تقع عينيها عليها من قبل…
دمعت عيناها رغما عنها من فظاعة ما قرأت على الرغم من أنها تدرك جيدا من أرسل تلك الرسالة، أو من أي جهة على الأقل.
همست صبا بغصةٍ في حلقها و دمعتين تنسابا على وجنتيها (هل وصلتم الى ذلك المستوى؟، بضع كلماتٍ رخيصة!، كم أنتم جبناء و تستحقون الشفقة)
حذفت الرسالة وتركت هاتفها وهي تعود الى أحضان عاصم لتدفن وجهها في صدره حتى بللت دموعها بشرته، الى أن شعرت بذراعه تشدها اليه بقوةٍ وفمه يهمس ما بين النوم و اليقظة، من عالم اللا وعي (حبيبتي، لا تبكي).
ضحكت صبا بخفةٍ من بين دموعها، ايتحدث وهو نائم؟، لكن الأروع أن هناك رباط يشعره بها في نومه…
منذ ما يقرب من الساعة و هو يمتع نفسه بالنظر اليها تتمايل أمامه هنا و هناك، بمشيةٍ أنوثية تبدو و كأنها رقص في حد ذاتها، بخصرها اللذي يتمايل يمينا و يسارا مع حركة ساقيها، أي قوامٍ ملفوف تمتلكه تلك الساحرة و يأسره بهذا الشكل.
لقد عرف من هن أجمل منها و أرقى، فما سر تلك الجاذبية التي تملكها؟، أتكون من فاعلي الأعمال كما يقولون؟
ضحك رامز في داخله و هو يتأوه بنفسٍ خافت ساخن وهو يراها و كأنها أدركت شغفه بها فتعمدت لف نفسها بتلك الكنزة الواسعة لتخفي معالم جسدها المتفجر
ضاقت عيناه و هو يتخيل ذاك المحظوظ الذي تمتع بهذا الجسد الغض و الأكثر، وهو أسر تلك الفرسة الجامحة.
رآها تقترب من ركن المشروبات لتطلب كوبا من العصير، فنهض من مكانه دون تردد ليقترب منها ببطء، الى أن صار على بد شعراتٍ منها و هي تعطيه ظهرها دون أن تشعر بوقوفه خلفها تماما، فوقف مكانه لحظاتٍ، وما أن تناولت كوب العصير بيدها و استعدت للإلتفات حتى اقترب رامز قاضيا على تلك الشعرات التي تفصلها عنه، فما كان الا أن احتك جسدها بأكمله بجسده أثناء استدارتها، من ظهرها الى صدرها.
طرف رامز بعينيه ثم أغلقهما للحظةٍ و قد انتشرت صدمة عاليه في انحاء جسده من احتكاكه بها كما كان متوقعا تماما، فأخذ نفسا وهو يمتع نفسه للحظةٍ بتلك المتعة المحرمة، بينما شهقت حور عاليا و احمر وجهها وهي تتراجع بسرعةٍ الى أن ارتطم ظهرها برف تقديم المشروبات الرخامي بقوةٍ أدت الى انسكاب معظم كوب العصير على كنزتها، لكن حين رفعت عينين غاضبتين الى رامز، شاهدت ملامحه الهادئة تحمل علامات الأسف.
و بدأ بالكلام قائلا ببساطة (آسف يا حور، حاولت تنبيهك لكنك على ما يبدو كنتِ شاردة)
ارتبكت حور قليلا وهي تبعد عينيه الهادئتين اللتين لا يبدو أنهما تحملان أي نوايا من أي نوع
. أخرج رامز من جيبه منديلا و مده لحور وهو يقول بأسفٍ يحمل لهجة التأنيب لها (لقد لوثتِ كنزتك، يجب عليكِ أن تكوني أكثر انتباها و اتركي الشرود جانبا).
أخذت حور المنديل منه دون أن تتكلم و حاولت مسح البقعة عن كنزتها دون جدوى فتابع رامز (لن تزول بسهولةٍ للأسف. بإمكاني أن أعيرك احدى كنزاتي الرياضية الموجودة في خزنتي هنا)
فكرت حور بسخرية أن هذا ما كان ينقصها، أن تعود الى نادر بكنزةٍ غير اللتي أتت بها صباحا، و الأفظع أنها رجالية، سيكون قليلا على هذا الموقف إن نامت الليلة بعينٍ مزينةٍ بكدمةٍ زرقاء و هذا أفضل تقدير…
البشر هنا يحيون بقيم مختلفة تماما عن تلك التي نشأت عليها و التي تعيشها حاليا، و تلك هي حياتها منذ أن شبت عن الطوق، تقضيها ما بين بضع ساعاتٍ هنا و باقي الساعات هناك
أجابت بهدوء ودون تعبير (شكرا لكن لا داعي، كنت سأرحل على أي حال)
قال رامز مشككا بوضوح (لا، لم تكوني ناوية على المغادرة و أنتِ تحملين كوب العصير)
رفعت حور عينيها اليه وهي تقول بلهجةٍ محتدةٍ و بنفاذ صبر (هل هذا تحقيق؟).
رفع رامز يديه مستسلما وهو يقول بمرح (أنتِ لستِ ودودة أبدا)
ارتبكت حور قليلا ثم تنهدت تسأل نفسها عما تفعله بحالها لتكون متوترة بتلك الدرجة، نظرت الى رامز لتقول بهدوء (آسفة رامز لم أقصد، لكني لا أحب التدقيق في تصرفاتي)
ابتسم رامز ليقول بنعومة (ومن يحب؟).
ابتسمت حور على مضض، ثم اتسعت ابتسامتها و هي تشاهد معتز قادما من بعيد ممسكا بكرته الحمراء، لكن و قبل أن يصل اليها كان رامز قد التقطه ليرفعه عاليا إلى السماء ثم أخذ يؤرجحه يمينا و يسارا، الى أن انفجر معتز ضاحكا و خصلات شعره الناعمة تتناثر هنا و هناك…
احتجت حور بصوتٍ خافت متخاذل قليلا (كفى يا رامز كي لا يصاب بالدوار).
الا أن كلماتها خفتت الى أن صمتت و أخذت ابتسامتها في الاتساع تدريجيا وهي تسمع صوت ضحكات معتز، ضحكاته هي الشيء الوحيد التي تجعلها تسمعه، و هي الشىء الوحيد الذي يجعلها تتخيل أنه يسمع فيضحك…
اهتز قلبها و هي تشاهد تجاوب معتز مع لعب رامز له، و كأنه وجد أخيرا من يعامله بمحبةٍ في هذا المكان الكئيب بالنسبةِ له بعد أن جافاه الجميع دون أن يعلم لذلك سببا…
بعد لحظات من الضحك، ثبته رامز أخيرا فوق كتفيه و التفت إلى حور ليقول لها بلهجةٍ مستعطفة (هيا الآن يا حور، دعينا نلعب قليلا، لا تكوني مفسدة المرح)
استعدت حور للرفض تلقائيا، لكنها رأت معتز الذي يبدو و انه لم يفهم كلمة من الحوار، ولو كان سمعه لكان أخذ يلح و يبكي مثل باقي الأطفال ليبقى و يلعب…
شعرت بنفس الوخز الحاد في قلبها كلما وصلت لتلك النقطة، فصمتت تتأملهما طويلا ثم قالت أخيرا مستسلمة (حسنا سنبقى قليلا، لكن ليس لفترة طويلة، هيا استغلا الوقت و العبا قليلا)
عقد رامز حاجبيه وهو يقول بتصميم (لن نلعب الا و ماما معنا)
عبست حور قليلا ثم قالت وهي تنظر الى كنزتها الملطخة ببقعة العصير ثم نظرت اليه لتقول برفض (لا، لن أتحرك بمنظري هذا، سأنزوي مختفية في أي زاوية، بفضل سيادتك).
ضحك رامز ثم قال بخبث (كوني على ثقة بنفسك، تعالي شاركينا اللعب)
مطت حور شفتيها بامتعاض، لكن وجه معتز كان يتألق أمام عينيها، فقالت أخيرا (حسنا هيا، فلنثر الفضائح بمناظرنا التي لا تسر عدو أو حبيب).
رفع رامز يده ممسكا بيد معتز يرفعها معه مهللا بموافقتها بطريقةٍ مسرحية فضحكت رغما عنها و عيناها لا تبارحان وجه معتز الضاحك بعدم فهم، بينما أغفلت عيناها نظراتٍ جائعةٍ تنهشها وهي تتلون في طرفة عين من الرقة الى الجوع لتعود بمنتهى المهارة…
بعدعودة حور و معتز مساءا إلى حيهم بعد أن أصرت على نادر أن تعود وحدها وأن لا خوف عليها و على معتز.
أوشكت حور على الصعود إلى البيت، الا أن صوت صراخا مألوفا إلى اذنها…
شددت يدها على يد معتز الصغيرة و نوت الصعود، الا أن الصراخ و الجلبة أثارتا قلقها، اليس ذلك صوت أم مصطفى؟..
تحركت باتجاه الزقاق الجانبي للبيت وهي تميل برأسها تجاه مصدر الصوت بحثا، حتى شاهدت جمعا من الناس يقفون ساكنين ومن بينهم يأتي صراخ ام مصطفى واضحا…
تحركت بسرعة وهي تجذب معتز من خلفها حتى وصلت اليهم فتخللت حتى وصلت الى المنتصف، لتفاجأ برجلٍ ضخم الجثة يرتدي جينزا ممزقا و قميصا قطنيا داخليا أيضا ممزقا، تبدو علامات الشر عليه وهو يمسك بأم مصطفى من عباءاتها و تتوالى صفعاته على وجهها ترافقها شتائمه…
صرخت حور تسأل (من هذا؟، و لماذا يضربها؟).
أجابتها أحدى السيدات الواقفات بأسفٍ مستسلم وهي تمط شفتيها بأسى دون أن تحرك ساكنا، (انه الظالم زوجها، يضربها كعادته)
ذهلت حور من السلبية التي تعم على الواقفين رجالا و نساءا، فصرخت فيهم (فليوقفه أحد)
قالت السيدة بنفس الاستسلام وهي تضع يدا فوق الأخرى (لقد أقسم عليها بالطلاق، إن تدخل أحد الواقفين ليساعدها).
اتسعت عينا حور أكثر و أكثر، ثم دون أن تستطيع السيطرة على نفسها، ناولت يد معتز إلى المرأة وهي تقول بشراسة (أنا لم أكن أحد الواقفين، امسكي)
ثم شمرت عن ساعديها ودخلت إلى ساحة المعركة و جذبت الرجل من قميصه الداخلي النتن وهي تصرخ به بغضب (ابتعد عنهااااا).
التفت اليها الرجل بدهشة وهو يتطلع الى تلك التي تجرأت على معارضته، و نظر اليها من رأسها الى قدميها، ثم دفعها عنه بقوةٍ وهو يقول بلهجةٍ سمجة كملامحه (ابتعدي من هنا يا سيدة)
و التفت إلى ام مصطفى وهو يرفع يده عاليا ينوي ضربها مجددا، الا أن حور تشبثت بيده وهي تصرخ به بغضب (إياك أن تضربها)
عاد الرجل لينفض يده من بين يدي حور، ليدفعها من كتفها فسقطت في اتجاه البشر المتجمعين…
لكنها نهضت مباشرة وهي تصرخ و تصفق بيدها عاليا و أساورها ترن مع بعضها لتلم الناس أكثر (هل رأيتم؟، لقد مد يده على و ضربني، هل شهدتم بها؟، لذا أنا معذورة حين أفعل ذلك)
ثم رفعت يدها وصفعته بكل قوتها، و كانت لحظة اوركسترا من الشهقات العالية، تبعتها لحظة صمت مهيبة، و فجأة و كأن الكل انطلق مرة واحدة.
صرخ الرجل بعد افاقته من ذهوله ليهجم على حور، لكن ما أن اقترب منها و أمسك بذراعيها حتى رفعت ركبتها بكل قوتها لتضربه بين ساقيه، فسقط أمامها وهو يتألم بقوة، حينها أنطلق كل المغتاظين منه يقولون و يهتفون (لقد ضرب زوجة الطبيب!، ونحن واقفون دون اعتبارا لنا)
ثم بدأ الجميع بضربه و بينهم حور…
كان في حجرة الأطباء يستعد للخروج، لكن طرقاتٍ هادئة على الباب جعلته يلتفت و ينادي بهدوء (ادخل).
فتح الباب، ليطل منه وجه عاد إلى من ذاكرته سريعا و في لمح البصر كانت واقفة أمامه تبتسم بعذوبة ورقة، لقد جاءت، وجاءت اللحظة التي كان يخشاها، كان يعلم أنها ستأتي لا محالة
اقتربت ببطء و بخطواتٍ لا تسمع، كفراشةٍ وكما عرفها دوما…
وقفت أمامه لتنظر اليه قليلا قبل أن تقول بصوتها الخافت الذي لا زال يذكره (كيف حالك يا نادر، اشتقنا اليك).
ظل نادر ينظر إلى تقاطيع وجهها الدقيقة النحت، بعينيها البنيتين و شعرها البني القصير، لقد قصرته قليلا، حتى أصبح بالكاد يلامس كتفيها…
يديها المرتبكتين دائما، لازالتا على نفس ارتباكهما، ثوبها الأبيض لا يختلف كثيرا عن معظم ملابسها البيضاء
لم تتغير الا قليلا، لا زالت على نفس رقتها…
قال نادر يهمس مبتسما لكن بقلبٍ حزين على ما كان يوما (كيف حالك يا سلمى، يالها من مفاجأة).
لا ليست مفاجأة على الإطلاق، و نظراتها أخبرته بذلك، فارتجفت ابتسامتها قليلا، ومدت يدها له!
نظر إلى يدها بلحظة صمت، قبل أن يمد يده و يصافحها، و للحظاتٍ لم ينطق كلاهما وهما ينظران إلى عيني بعضهما…
يقود سيارته واجم القلب و المشاعر، كان يعلم أنه لقاءٌ سيقلب عليه أشياءا كان يفضل نسيانها أو بالأصح يفضل ركنها على رف ذاكرته…
فلكنها عادت و نفضت الغبار عن تلك الأشياء، لتجعلها في لحظةٍ خادعة ٍ تتوهج في عينيه…
انعطف بسيارته الى داخل الحي، لكن لحظاتٍ وجاء اليه أحد صبيان علية يركض وهو يلوح بيديه ليتوقف نادر قلقا ثم فتح نافذة سيارته، ليقول الصبي وهو يلهث (السيدة، السيدة زوجتك تتشاجر في الحارة، سيدي، مع أبو مصطفى).
كانت علية في ذلك الوقت تمسكه من تلابيبه وهي تهتف بصرامة (ألم أقل لك ألف مرة أن مصطفى و أمه تحت حمايتي، ولم تتعدى عليهم فحسب، بل تعديت على زوجة الطبيب وهم ضيوف لدينا و تحت حمايتنا)
لم يستطع أن ينطق أمامها وهي تقريبا التي تصرف على بيته من مساعداتها بينما هو عاطلا و مدمنا…
لكن حور هي من تحركت لتعاود ضربه في صدره و اضلعه بشراسةٍ بينما النساء يحاولن إمساكها من خصرها بكل قوتهن…
وأم مصطفى كانت جالسة تنتحب على درجات أحدى البيوت وهي تحتضن ابنها بقوةٍ، ووجهها متورم بفظاعة…
لحظة واحدة وكان نادر يدخل كالمجنون وهو يتسلم القيادة من علية ليمسك بالرجل و يحاول ضربه الا أن الجميع حاولوا منعه كي لا يتهور…
لكنه لم يسلم من لكمة من نادر، قبل أن يمنعه الناس عنه، فالتفت إلى حور بعينين غاضبتين بجنون وهو يراها تلهث، بشعرٍ مجنونٍ مشعث و كنزةٍ متسخة، و عينين فيهما اجرام و شراسة و كأنها تنوي ارتكاب جريمة، فسحبها خلفه، بقوة دون كلمة، بينما أخذت علية معتز في حضنها وهي تقول بقلق (معتز سيبيت ليلته معي اليوم يا غالي).
أومأ نادر برأسه وهو يتجه بحور إلى البيت يسحبها سحبا خلفه على السلالم، وما أن وصل إلى البيت حتى دفعها أمامه وهي تلهث من الدوار الذي تشعر به من السلم و دورانه من حولها…
صرخ نادر بغضب (هل جننتِ؟، هل جننتِ؟، تتشاجرين مع الرجال على قارعة الطرقات؟)
هتفت حور باحساسٍ بالظلم (لقد تعدى علي؟)
صمت نادر و توحشت عيناه وهو يقترب منها بسرعةٍ ليقول بلهجةٍ مخيفة (كيف تعدى عليكِ؟، هل تحرش بكِ؟، انطقي يا حور).
ابتلعت حور ريقها وهي تقول بتلعثم (ليس تماما، لكنه كان يضرب أم مصطفى و أنا تدخلت لأدافع عنها، فدفعني لأسقط أرضا، فهل كنت تريدني أن أسكت عن حقي؟)
اقترب نادر من حور بسرعة البرق وهو يمسكها من ذراعيها بقسوةٍ يكاد يرفعها من على الأرض رفعا، وهو يصرخ (ماذا أفعل بكِ؟، أخبريني انتِ ماذا أفعل بك؟، لقد استفذت معكِ كل الوسائل، لقد تعبت منكِ ومن كل جنونك و رعونتك، أخبريني أنتِ بعقابٍ يوقفك عند حدك لأفعله).
دمعت عيناها و ثقلت الدموع على طرفيهما وهي تتطلع إلى عينيه الغاضبتين، لتهمس بضعف (كنت أساعدها يا نادر، لم يتدخل أحد، الى أن جائت علية و ساندتني، وقد ضربته هي الأخرى، فلماذا لم تلمها؟)
صرخ نادر بغضب (انهاااااا ليست زوجتي)
بكت حور حين لم تستطع تحمل المزيد، فرفعت يدها تمسح دموعها وهي تطرق برأسها…
فسكت نادر قليلا، ليقول بصوتٍ لا يزال غاضبا، لكنه يحمل قلقا (هل آذاكِ ذلك الثور؟).
هزت رأسها نفيا دون أن تنظر اليه و دموعها تنساب على وجنتيها بصمت…
ظل نادر ينظر اليها طويلا، ثم مد يده ومسح دموعها، وحين رفعت عينيها المبللتين الى عينيه، ذهلت مما رأته فيهما…
، شعر بغصةٍ في حلقه…
الآن هو يريدها أكثر من أي وقتٍ مضى، الآن تحديدا يحتاجها كما احتاجته دوما، فلماذا لا يرتوى منها وهي زوجته، ملكه…
اليوم تحديدا فقد السيطرة على كل رغباته وهو ينال ما يشتهي دون اعتباراتٍ لأفكاره البالية…
مد يديه وهو يسحبها من خصرها اليه ليهمس بجنون (حوووورر)
رفعت حور ذراعيها خلف عنقه وهي تقدم له كل ما يحلم به ومن قبل أن يطلبه، بينما كان هوى يرتوى من جمالها الهمجي دون أن يفكر بالغد
خرج من قسم الشرطة، بملامح غريبة، ملامح ضاعت معالمها ما بين كدمات و دم متجمد، لكن من يره يتغاضى عن كل ذلك حين يلمح عينيه…
نظرة عينه كانت نظرة غريبة، تطعن من يراها وكأنه يعايش ألم ذلك المشرد، رث الملابس أو ما تبقى منها…
نظرته كانت غريبة عليه، على صديقه الذي كان يشد على كتفه كما كان يفعل دائما و لسنواتٍ مضت…
همس عمر وهو يهزه بتشجيع حين رآه متوقفا للحظة. (هيا جاسر، لا تتوقف أمام هواء البحر هكذا)
ثم خلع معطفه ليضعه على كتفي جاسر العاري الصدر، فبدا أكثر تشردا…
ادخل جاسر يديه في جيبي بنطاله الجينز أم ما تبقى منهما، وهو تائه النظرات في البحر الهائج أمامه، .
فأعاد عمر بقلق (هيا جاسر، أنت تحتاج لمداواة جروحك حالا).
همس جاسر بشرود بعد لحظات طويلة دون أن ينظر اليه (لقد أفسدت الأمر تماما، اليس كذلك؟)
أطرق عمر برأسه للحظة ثم رفعه وهو يقول بصوت خافت لكن وضوحه قاتل (نعم، لقد أفسدته تماما، لكن ليس هذا مجالا للحديث، هيا لنذهب).
قال جاسر بصوتٍ خافت في خطورة الرياح التي تحمله ببرودتها، في رمادية البحر الهائج أمامه، في حزن نظرات صديق عمره اليه، (بعد أن ظننت أنني أمسكت كل الخيوط بيدي، عادوا و أخذوها مني، لكن، لكن، تلك المرة تختلف، لقد أفسدوا كل ما كنت أريده أن يكون، لوثوا كل ذرةٍ بيضاء متبقية مني، لأقلب الأمور كلها، فتتحمل هي العواقب دون غيرها).
لم يستطع عمر الرد و في داخله الكثير و الكثير من النقمة على جاسر، الا أنه لا يستطيع التخلي عنه في ذلك الوقت الصعب عليه و بيده…
عاد عمر ليشد على كتف جاسر وهو يقول بخفوت (هيا بنا)
سار معه جاسر بصمتٍ و في داخله تتداخل اصوات الأمواج مع صوت ضحكاتها، أغمض عينيه أثناء تلك الخطوات المعدودة وهو يراها أمامه تجري ضاحكة في زقاق حيهم و شعرها يتطاير من حولها…
لم يكن يوليها أي اهتمام حينها، الا أن صوت ضحكها الصاخب كان يدهشه، كانت مشرقة ومجنونة، و عينيها تشعانٍ براءة و شقاوة اثناء ضحكها…
الى أن دخل حياتها و سرق معه ضحكتها، تنبه الآن إلى أنه لم يسمع ضحكتها منذ أكثر من عشر سنوات، وكم يحتاج لسماعها ولو لمرة، لمرةٍ واحدة فقط لتزيح من أذنه صوت أنينها المستسلم و المستجدي للرحمة في تلك الليلة التي قضتها بين ذراعيه…
لم يندم و لن يندم أبدا على تلك الليلة، التي تبدو وكأنها مرت منذ سنوات و سنوات، لكنه لا يستطيع محو صوت أنينها و نشيجها من أذنيه، و الذي يزداد علوا أكثر و أكثر حتى يوشك أن يصم أذنيه…
يحتاج أن يسمع ضحكتها المميزة عن كل الضحكات، ولو بالقوة، يريد أن يراها تضحك لعينيه، لم يكن يظن أن استسلامها له سيكون ناقصا بتلك الصورة أبدا…
ولم يكن يتخيل أنه آذاها لتلك الدرجة الا بعد أن أخذوها، كان يظن أن الوقت طويل أمامه ليتمعن في الحصول على ما يريد و ليجعلها تضحك لعينيه…
لكنهم أخذوها و تركوا له ذلك الطعم المر في حنجرته، و أنينها الصاخب في اذنيه، و نظرة عينيها من شق ستائرها أمام عينيه…
جالسا على السور الذي اعتاد تحمله طوال سنوات حياته، ينظر للبحر من بعيد في لحظات الشروق الأولى، لكم كان هذا المكان هو أحب الأماكن إلى قلبه ذات يوم…
مهما زادت سنوات فتوته عام بعد عام، الا أنه كان يعود للصغيرات الأحب على قلبه، و قد كان ذلك مثار سخرية رفاقه دائما قبل أن يغادرهم وهو يعلمون انه سيتوجه للصغيرات اللاتي اعتدن اهتمامه و لعبه معهن، وهو كان يحب قضاء ذلك الوقت جدا، كن الأحب الى قلبه، حتى أكثر من رفاقه.
كانت اكبرهن هي اكثرهن تمردا على الواقع، و كان يعشق تمردها، كانت تنظر للكون بعلياء و سر جمالها في عينيه هو كبريائها…
أما الصغيرتين اللتين اعتادتا أن يحملهما معا في قبضتيه وهما تصرخان به أن ينزلهما…
فقد كانتها على النقيض و قد أحب كلتياهما على الرغم من ذلك بنفس القدر…
القمحية البشرة ذات الشعر الاسود الطويل، كانت غجرية مرحة، يظلل مرحها حزن اليتم الذي تحاول اخفاؤه في زاويتي عينيها و عادة ما كانت تنجح في خداع الجميع، الا هو، فقد كان يرى تلك اللمحة دائما مهما حاولت اخفائها بالجموح و المرح…
أما الثانية، فقد كانت شمسا مشرقة ذات رقةٍ تذيب النفس من نعومتها…
، لم يرى جمالا في مثل جمالها الذهبي من قبل. و هي تكبر أمام عينيه للتتحول بين ليلةٍ وضحاها إلى فتاة في نظره أكثر منها دمية صغيرة بلفائف شعرٍ ذهبية…
تذكر همسته لنفسه حين شاهدها وهي في أول يوم لها في الصف الاول الاعدادي بأنها ستكون له حين تكبر…
ابتسم مالك وهو يتذكر كيف كان يشعر بالبهجة الخالصة كلما نظر اليها، و كأنه ينظر لشمسٍ صغيرة.
خبت ابتسامته ببطءٍ بعد لحظات وهو يفكر أين هن صغيراته الآن؟، و كيف ضاعت بهن الطرق و تداخلت و افترقت بتلك الصعوبة. لكي يفقدهن جميعهن، و يكون هو السبب، مهما حاولوا ومهما قالوا، فمن يكون السبب غيره…
يظن الجميع أن نوار هي من تقتله حيا، لكن في الحقيقة، ما حدث لحنين من بعدها يعذبه اكثر، الى أن قتلته بفعلتها الأخيرة التي دمرت مستقبلها تماما، و بسببه كذلك، الن يكف عن ايذاء من يحب و يدعي عدم تقصده ذلك، (مالك)
انساب الصوت العذب الطفولي النبرات الى أذنه مخترقا أفكاره الشاردة ذات الجدار اليائس، فظن للحظاتٍ أنه يتوهم الا أن تكرار اسمه جعله يلتفت خلفه بسرعةٍ، ليجد نوار واقفة أمامه، لا، انها أثير…
تقف امامه بثوبٍ بيتي بسيط، و خصلات شعرها الذهبية تتطاير مع نسمات الفجر الباردة
طرف بعينيه عدة مرات قبل أن ينهض من فوق السور بسرعةٍ ليقف أمامها ناظرا اليها بذهول وهو يقول (أثير، ماذا تفعلين هنا؟)
اقتربت منه خطوة وهي تفرك يديها بقوةٍ تخفض رأسها تارة فيعود شوقها لرؤية ملامحه فتعود و تشبع عينيها من رؤية ملامحه الجميلة التي شوهتها الكدمات…
عضت على شفتيها وهي تهمس بخجل (انتظرت إلى أن وصلت، و رأيتك على سطح من النافذة)
اتسعت عينا مالك أكثر. ثم هتف بغضب (و كيف تأتين الى هنا؟، وفي مثل هذا الوقت؟، بل في أي وقت؟، كيف تتصرفين بهذا الشكل؟)
عادت لتعض على شفتيها أكثر و رفت حدقتاها و هي تهمس بألم و لوعة (أردت الإطمئنان عليك، لم أستطع الإنتظار).
رفع مالك يديه باستهجان ثم عاد ليخفضهما وهو يضرب بهما فخذيه، ثم هتف و غضبه يزداد أكثر و أكثر (أثير، أنتِ هنا في حيٍ شعبي و لا يجوز إطلاقا أن تتواجدي هنا، في هذا الوقت أو في أي وقت خاصة و أني أعيش بمفردي حاليا).
دمعت عينا أثير و تشوشت الرؤية أمامها، لكنها ابتلعت ريقها و قوت نفسها كي لا تبكي أمامه كعادتها دائما و مناديله تحت وسادتها تشهد بذلك، فهمست بقوةٍ و ألم (لقد وصلت لسن السادسة و العشرين دون أن أعبأ بما يفكر بي الناس، فهم يتخيلون ما يريدون في كل الأحوال، و أنا آخر فتاة تهتم لذلك و أنت تعرف ذلك، فلماذا أهتم الآن؟)
هتف مالك بقوة و غضب (أنا أهتم).
ثم عاد لينظر حوله وقد بدأ صوته يعلن عن صداه في مثل ذلك الوقت الساكن من حولهما، ثم التفت اليها وهو يخشى من أن يراهما أحد من الأسطح أو النوافذ، تماما كما رأته هي…
فاقترب منها بسرعةٍ وهو يقول بصوتٍ خافت غاضب، (هيا انزلي جريا إلى بيتك، حالا، لولا خوفي من أن يراكِ أحد معي كنت أوصلتك بنفسي).
ظلت تنظر اليه بعتبٍ صامت من بين دموعها الحبيسة، لكن ما أن اقترب منها مرة أخرى حتى شاهدت في ضوء الفجر الشاحب تلك الجروح الفظيعة على صدره و التي تمددت و تورمت، فصرخت بهلع و هي تغطي فمها بيديها، فعاد مالك ينظر حوله إلى أسطح المنازل المجاورة قبل أن يلتفت اليها بأكثر غضبا وهو يقول ضاغطا على اسنانه (اصمتي، اخفضي صوتك، هيا حالا الى بيتك، لا أريد تكرارها).
أنزلت يديها وهي تقول بغصةٍ بينما أخذت دموعها تنساب على وجنتيها، (جروحك تحتاج إلى عناية، دعني أفعل ذلك أرجوك، او تعال معي الى بيت أحلام)
رفع مالك يديه إلى رأسه يأسا وهو يرفع عينيه المغمضتين الى السماء، قبل أن يعود و ينظر اليها بشرٍ ليقول حانقا، (لا تصيبيني بالجنون، صدقيني أنا في غنى عن ذلك في تلك اللحظة تحديدا، اذهبي لبيتك حالا قبل أن يبدأ الناس في الاستيقاظ).
ضربت الأرض بقدمها وهي تهمس من بين دموعها، (انه ليس بيتي، لا تعيد تلك الكلمة، أنا مجرد ضيفة هناك، كما أنا ضيفة على حياتك منذ أن عرفتك)
نظر اليها مالك بحيرةٍ وهو عاقد حاجبيه، ماذا بها؟، لكن ليس الوقت الآن لتلك العقد الأنثوية الغريبة الأطوار، فقال بصوت هادىء لكن شديد التصميم (اذهبي إلى البيت يا نوار)
عم الصمت دون أن تتحرك من مكانها، فقال بغضب (هيا، لا تقفي هكذا)
قالت أثير ببطء (أنا أثير و لست نوار).
ثم استدارت و خرجت من باب السطح لتنزل السلالم جريا، تاركة مالك يقف محدقا في اثرها بوجوم…
دخلت أثير إلى البيت محاولة الا تصدر صوتها وهي تغلق الباب خلفها بسكون، تعض على شفتها لتمنع شهقة بكائها بصعوبة كي لا توقظ أحلام، (أين كنتِ أثير؟).
تسمرت أثير مكانها وهي تنظر الى وجه أحلام المحدق بها دون ابتسام كعادتها، و شعرت بأن قلبها يكاد يسقط بين أضلعها، الا أنها حاولت التماسك وهي تتلجلج قائلة (صباح، صباح الخير يا أحلام، أنا كنت، كنت، ظننت أنني سمعت صوت عربة الفول)
ثم صمتت وهي تتهرب بعينيها من عيني أحلام المكذبتنين لها بوضوح، و التي قالت بصلابة (إياك، إياك، أن تكوني قد ذهبتِ اليه).
اتسعت عينا أثير بخوف و تلجلجت وهي تقول بصعوبة و ارتباك (الي من؟؟)
هتفت أحلام بصرامة (أثير، لا تتلاعبي علي، هل يعقل أن تكوني قد ذهبتِ اليه في مثل هذا الوقت؟).
هزت أثير رأسها نفيا ببطء بينما عينيها الدامعتين تفيضان بالذنب والارتباك، مماجعل أحلام تضرب يديها ببعضهما بغضب وهي تهتف بذهول (كسرتِ كلمتي و ذهبتِ اليه، الا تدركين في أي الأحياء نسكن؟، وحتى لو في غيرها، كيف تتصرفين بتلك الطريقة، أتعلمين نوع الكلام الذي من الممكن أن يطلقه عليكِ أيا ممن قد يراكِ خارجة من عنده؟).
لم ترد أثير للحظات وهي تشعر بضربةٍ لكبريائها الهش و دون أن تفكر طويلا قالت من بين دموعها (أنا اعتذر بشدةٍ عن كل تلك المواقف الغير لائقة التي عرضتكما لها. أنا سأجمع أغراضي و أرحل من هنا حالا).
ثم اندفعت تمر بمحاذاة أحلام، التي ما أن وصلت اليها حتى أمسكت بذراعها بقوةٍ و هي تقول بصرامة (هل تظنين أنني سأخاف من ذلك العرض العاطفي، خروج من هنا لن تخرجي، و ذهاب إلى مالك بمفردك، لن تذهبي كذلك، و ادعي الله الا يكون قد رآكِ أحد و أنتِ خارجة من بيتهم).
رفعت أثير يديها باستسلام ثم ما لبثت أن أسقطتهما بيأس كما أسقطت دموعها بنفس اليأس و هي تهمس مختنقة بغصة البكاء، (اطمئني، لن أذهب اليه مجددا، هو لا يردني بجواره. و لا يريد أن يراني، انه فقط يشفق على من حينٍ لآخر).
لم تستطع المتابعة حين غطت وجهها بيديها و انخطرت في بكاءٍ عنيف فاجأ أحلام التي نظرت اليها بصدمةٍ لعدة لحظات، قبل أن تقترب منها ببطء و تلتقطها بين ذراعيها الحانيتين وهي تريح وجنتها فوق وجنة أثير المبللة بدموعها، وهمست (الى هذه الدرجة؟)
همست أثير بصوتٍ مختنق (هو السبب، هو من
انتهزت حور الفرصة لتحاول الوصول اليه، فقالت بوداعة و ضعت بها كل رقتها (لقد أغضبتك بالأمس، كما أفعل دائما)
قال نادر و اصابعه تتجول فوق وجنتها، (وما الجديد في ذلك؟، أنتِ دائما ما تفعلين فعلتكِ ثم تفكرين بعدها، و ليس العكس أبدا).
طرفت بعينيها وهي تعض شفتها بحزن، الا انه قرصها من ذقنها بخفةٍ لتنظر اليه، و حين نظرت، فاجأتها تلك النظرة العميقة التي اختفى منها الغضب، وحل محله شيئا غريبا مختلطا من تفكير و شرود و عاطفةٍ لم تخبو بعد، و، شعورٍ بالذنب، هل هي تتوهم ام انها ترى الذنب يظلل نظراته…
حين شعرت بالخوف من الإجابة سارعت لتهمس (أنا آسفة، س، سأتعقل في المرة المقبلة).
لم يجبها وهو يتأمل كل ذرةٍ فيها بشروده الغريب، حينها تجرأت على رفع يدها و لمست كتفه وهي تهمس (لقد اشتقت اليك، جدا، هل اشتقت إلى بالمثل؟)
للحظةٍ لم يرد و ازدادت نظراته عمقا، ثم قال دون مقدمات (طبعا)
كلمة واحدة مؤكدة، بعد أن كان يبغض النظر اليها قبل أن ينفصلا في المرة الأخيرة، هل تغير فعلا؟، أو هل تغيرت مكانتها بقلبه؟..
لكن لماذا تجهض الأمل في قلبها قبل أن ينمو، لماذا تشعر بذلك الإنقباض البغيض و لماذا يقتلها النقص…
كيف تصل اليه؟ إلى داخله، إلى اعمق أعماقه، و كلما حاولت، لا تنجح الا في إبعاده عنها…
ابتسمت باهتزاز و كأنها ابتسامة ألم، و لمحها هو فانتقل ألمها إلى عينيه، ظل ينظر اليها قليلا قبل أن يغرز أصابعه في شعرها وهو يرجعه إلى الخلف، ليميل برأسها وهو ينحنى اليها ليسكن الألم في عينيها باشباع شوقها اليه…
تنهدت حور بحرارةٍ وهي تلف ذراعيها حول عنقه و تجذب رأسه اليها، و قد قررت تأجيل التفكير لما بعد.
تأجيل التفكير الغريب الذي اشتعل بداخلها و هي تسمع همساته لأذنها بأنه يحتاجها…
تكاد تذوب عشقا عند قدميه لتخبره أنها معه دائما و لن تتركه ولو حتى طلب هو…
أنه ملكها و هي ملكه، وما أن يحتاجها حتى يجدها أمامه تقدم له قلبها المفتون بحبه منذ سنوات دون أن يفقد ذرة من توههجه…
مضمضة ألم الخوف من همساته التي لم تخطىء يوما و تزل بلفظ الحب أبدا…
وقفت أمام المرآة وهي تضع يدها على صدرها الخافق، تنظر لنفسها بانشداه، فاغرة فمها قليلا، تنظر لنفسها بعينين متسعتين، ثم لم تلبث أن ضحكت ضحكة خافتة مذهولة…
هل هذا هو نادر بالفعل؟، هل هو حقا من ضيعها في عنف أشواقه لساعاتٍ و ساعات؟..
اهتزت ابتسامتها قليلا، الا انها عادت و هزت رأسها لتبعد عنها شبح الخوف من جديد، و لتتمتع بذكرى الساعات الماضية و التي اعلمتها كم تعشقه و زادتها بذلك علما فوق علمها…
فاجأها صوت طرق الباب ليخرجها من هيامها بصورتها ومع أحلامها، فعبست وهي تتسائل عن هوية من يقتحم عليها خصوصية تلك اللحظات…
اتجهت ببطءٍ و على مضض إلى الباب لتفتحه، فاندفعت الزوبعة الصغيرة ذات الشعر الناعم المتطاير حول الوجه الأبيض المتشرب باحمرار البهجة و اللعب…
ابتسمت حور ابتسامة واسعة وهي تراه يتعلق بساقها رافعا رأسه اليها بابتسامة بدت شبيهة بابتسامتها بشكلٍ غريب…
ثم انحنت اليه على ركبتيها لتحتضنه بقوةٍ قبل أن تنظر لعمق عينيه و ترفع إصبعي السبابة و الإبهام لكلتا يديها و هي تشير له بعلامة الحب، لكن ما فتن قلبها هو أنه رفع يديه الصغيرتين ليشير بنفس الحركة التي أخذت تعلمها له على مدى شهرٍ كامل بعد…
وكم كان انجازا عظيما حين فعلها لأولِ مرة…
لاحظت حور أن هناك من تقف عند الباب، فرفعت رأسها لتجد علية تقف خارج الباب و هي تنظر اليهما مبتسمة برقة و اتزان، لكن نظرتها كان يشوبها بعضا من الألم و الحنين و الإشتياق…
نهضت حور ببطءٍ، لتقول بتردد (مرحبا، تفضلي)
هزت علية رأسها نفيا دون أن تفقد ابتسامتها، ثم قالت بهدوء (شكرا، لا داع ٍ، أردت فقط أن أوصل معتز بنفسي، و اطمئن عليكِ ثم سأرحل مباشرة).
ارتبكت حور و هي تتذكر المرة الأخيرة التي تقريبا طردتها فيها من بيتها…
فكرت حور بذهول إلى مستوى كانت قد وصلت من الدونية ذات يوم، في التعامل بهذا الشكل…
لذا قالت بخفوت و ارتباك، (من فضلك تفضلي قليلا)
ارتبكت علية هي الأخرى و شعرت بالتردد، لذا أصرت حور (رجاءا تفضلي)
دخلت علية بعد عدة لحظات، وهي تجيل عينيها في أنحاء المكان ثم قالت مبتسمة بخفوت (لقد غيرتِ ترتيب بعض الأشياء، عن المرة السابقة).
اضطرت حور للابتسام قليلا ثم قالت معترفة (أنتِ قوية الملاحظة جدا، نادر نفسه لم يلاحظ)
ضحكت علية بخفة وقالت (ومن منهم يلاحظ؟، لقد خلقو كي لا يلاحظو. انه ضمن تركيب خلاياتهم)
ضحكت حور وهي تفرك أصابع يديها بتوتر، الى أن تابعت علية (كيف حالك الآن؟)
ردت حور بسرعة (أنا بخير، لقد، لقد أردت أن أشكرك لأنك ساعدتني بالأمس).
قالت علية بهدوء (ليست المرة الأولى التي اشتبك فيها مع ذلك الشخص، و قد حذرته مرارا من ايذاء زوجته، لكن ما يتعاطاه يجعله أعمى تماما)
قالت حور بعدم فهم (و ما الذي يجبرها على تحمل هذا الوضع؟)
تنهدت علية و هي تقول بهدوء (كثيرا ما تجبرنا الحياة على ما لا نطيقه، و تعطينا القوة كي نتحمله).
مرت عدة لحظات صمت و علية تتحرك بخفة من أمام الطاولةِ تتأمل بعض القنينات الزجاجية الملونة التي تزينها و تمد أصابعها لتتلمسها…
ثم اتجهت الى المرآة و وقفت تنظر لنفسها لحظة قبل أن تخلع وشاحها من على رأسها، ليتهدل شعرها الأسود الناعم من حول وجهها، فقط بضع شعراتٍ فضية زينته و زادته رونقا…
فكرت حور بداخلها، كم هي جذابة، و تمتلك شيئا خاصا محببا للنفس …
التفتت علية اليها مبتسمة و هي تراها تنظر اليها بتدقيقٍ فارتبكت حور ثم قالت بعد تردد (أنا، أنا، أردت أن أعتذر اليكِ، عما بدر مني آخر مرةٍ كنتِ فيها هنا)
قاطعتها علية دون أن تسمح لها حتى بالمتابعة (ماهذا الكلام؟، مجددا؟، الم تعتذري لي سابقا و أنهينا الموضوع؟).
شعرت حور بقبضةٍ ثلجية من تذكر ذلك الموقف، الا أنها قالت بخفوت مخفضة رأسها، (تلك المرة، أجبرني نادر على الاعتذار، أما الآن، فأنا أعنيه، أعرف أن الأمر يشكل فراقا، لكن)
قاطعتها علية للمرة الثانية وهي تقول بصوتها الجذاب المبتسم، (بل يشكل فارقا كبيرا، اشكرك يا حور).
رفعت حور رأسها اليها و نظرت اليها قليلا، ثم قالت (حقيقة، لم أكن عنيفة الى هذا الحد منذ عدة سنوات، كنت منتعشة، اضحك من حولي دائما، لكن منذ فترةٍ و أنا لا أفعل سوى ايذاء الناس)
صمتت علية عدة لحظات، ثم قالت (أنتِ تتحملين الكثير، و لكِ كل العذر)
اتسعت عينا حور بصدمة ٍ كبيرة، لأول مرةٍ في التاريخ تشعر بأن أحدا متعاطفا معها، و يعطيها عذرها…
همست حور بعدم تصديق (أنا؟).
قالت علية بثقةٍ و تعاطف (أنتِ تحاولين التأقلم مع ابنك. يوما بعد يوم، يوما تنجحين و يوما تفشلين، لكنك لا تيأسي، حتى أنكِ في لحظاتِ يأسك تتحولين لطفلةٍ و تحاولين أن تستمدي منه طريقة في التعامل…
كل ذلك ليس بالشيء اليسير، الأمومة تكون ممهدة عند بعض الأمهات و عند بعضهن لا)
ظلت حور تنظر اليها بصمت، ينتابها احساس غريب، جميل جدا، هل هي فعلا تفعل ما يستحق الثناء مع معتز…
معتز كانت أكثر نقاط حياتها و التي تشعرها بالخزي، بالخزي من نفسها، لعدم قدرتها في اعطاؤه ما يستحقه كباقي الاطفال
كم هو احساس مذهل أن تنال المرأة ثناءا على كونها أم…
ابتسمت حور و بدت ملامحها متألقة و مشعة، فابتسمت علية كذلك و قالت بشرود (أتعلمين أنكِ تذكريني بنفسي)
اتسعت عينا حور قليلا وهي تنظر اليها قبل ان تضحك بخفةٍ لتقول (لا، لا أعتقد، لو عرفتني حق المعرفة لما قلتِ ذلك، لقد فعلت مصائب و مصائب).
ضحكت علية قبل أن تقول (لا صدقيني، حين ارى نظراتك للغالي أتذكر نفسي، اتعلمين أنني أنا من عرضت الزواج على زوجي رحمه الله)
اتسعت عينا حور اكثر و اكثر، و ما لبثت أن ضحكت عاليا، فشاركتها علية ضحكتها الى أن قالت حور مذهولة (و كيف كان ذلك؟)
خفت ضحكة علية و بان بعض الحزن في عينيها الجميلتين و انحناءة شفتيها، وهي تهمس (إنها قصة طويلة، قد أحكيها لكِ ذات يوم)
شردت عينا حور كذلك و هي تفكر بانقباض.
أنا أيضا حصلت على زوجي بطريقتي الخاصة، لكني بالتأكيد لن أحكيها لكِ ذات يوم.
علي الرغم من أن العمل كان الشيء الوحيد الذي يلهيه تماما، الا أن هذا اليوم لم يستطع القضاء على ترك ما يطوف بذهنه و عقله و قلبه…
منذ الصباح وهو يشعر بالجنون، ماذاك الجنون الذي يحياه و الذي تفجر ليلة أمس و اليوم صباحا، بمجرد أن رآها بالأمس…
سلمى…
مد يده يضغط على أعلى أنفه بين عينيه بإرهاق، وهو غير قادر على إبعاد صوت رنين خلخالها و أسوارها من اذنيه طوال الليل، ابتسم قليلا، و لكن بداخله شعور بالذنب كان ينهشه، لا يعلم لماذا يشعر بأنه قد استغلها بقسوة…
لكن لا ينكر أن تلك الساعات التي قضاها وهي بين ذراعيه كانت كل ما أراده و احتاجه في تلك اللحظة…
. ما أسهل من الإستلام لها، وكم يريد في تلك اللحظة أن يعود اليها، يأخذها بين ذراعيه ليراضيها و يخبرها بأنه لم يقصد أن يكون قاسيا معها، لم يقصد أن يستغلها، مهما كان ما ناله منها، الا أنه لم يشأ أن يستغلها على ذلك النحو لرغباته لا أكثر، وهذا ما كان يتجنبه طويلا منذ أن فشل في الوقوع في حبها عاما بعد عام…
بالأمس حين رأى ذلك الحيوان يتهجم عليها كان على وشكِ أن يقتله، و حين رآها مشعثة الشعر تصرخ و تشتم في الطريق كان يود لو يقتلها كذلك…
زم شفتيه وهو يفكر مخادعا نفسه، هي السبب في انفجاره بها، استفزازها ليس له حدود، وجنونها ليس له أي قيود…
لكن في زاوية عميقةٍ بداخله، يرفض النظر اليها بوضوح، لا ينكر أنه كان يشعر بالغرابة من تلك القوة و الشراسة التي كانت تدافع بها عن انسانة ضعيفة ليس لها وجود اطلاقا في عالم حور الزائف…
كانت أول مرةٍ يراها تثور لغيرها، على الإطلاق، من يومِ أن عرفها، لا يتذكر يوما رآها تفكر في أحدٍ غير نفسها…
و ليلة أمس، تنهد نادر بعمق، ليلة أمس كانت مختلفة تماما، و كأنها كانت تشعر بما به و تواسيه، بينما هو كان هائجا ما بين غضبه منها و غضبه من الماضي الذي تجلى له في آخر لحظة يتمناها…
وهي كانت…
قاطع تفكيره صوت هاتفه يجذبه بشدةٍ من ذكرى تلك الساعات مع زوجته، تنهد بيأسٍ وهو يتطلع الى الرقم المحفوظ في ذاكرته تماما دون اسم ٍ على الهاتف، و دون أن ينساه أبدا…
رد بتثاقل هامسا (صباح الخير يا سلمى).
سمع صمت قصير يتخلله نفسها الهادىء، قبل أن يسمع صوتها يأتي حزينا دون أن تخفي حزنه (انتظرتك أن تكلمني، أمي تريد أن تراك، لم تعد تسأل عنها و هذا يحزنها، يحزنها بشدة)
تنهد مرة أخرى دون صوت، حرص بكل قوته الا يسمعها تنهده، ثم قال بعد عدة لحظات بهدوء (لم أحب أن أحزنها أبدا، لكن الظروف)
قالت تقاطعه بحزن (لأنك تزوجت؟، وماذنبها لكي تقاطعها؟)
قال نادر بتعب (سأراها، سأراها في أقرب فرصة)
همست (متى؟).
أغمض عينيه وهو يستند بظهره إلى مقعده، و صوتها يتسسل بخبثٍ إلى أذنيه، دائما ما كان لحنا حزينا في أذنيه، منذ سنوات أحب سماعه، و أحب العزف على أوتاره…
بعد مرور شهرين…
كانت تعيش حلما رسم لها من حيث لا تعلم، ثلاثة أشهر و على الرغم من كل ما يجذبها لطريق الحزن و الألم. الغضب و الإنفجار، الا أنها تعود و تجد نفسها لا ترى سوى نعيم العشق الذي أطل عليها بخجلٍ تدريجيا لتستيقظ ذات يوم مدركة أنها تعشقه بكل جوارحها و بكل جنون…
ابتسمت بسعادةٍ و غمازتيها تضحكان في وسط وجنتيها المتوردتين، شهرانِ و يبدو أن العسل لن ينتهي أبدا، من قال أن السعادة تخبو بعد شهر العسل…
كل يومٍ يغمرها عشقا و شغفا، يريها العالم كله داخل حدود هذه الغرفة التي أصبحت دنيا أحلامها، صوته العميق النبرات يتألق هامسا بكلماتٍ لم تسمعها يوما، و لم تقرأها ولا حتى في الأشعار و أبيات الغزل…
كلام حبه هو، عشقه هو، كلام خاص بعاصم رشوان…
تنهدت برقةٍ وهي ترتب له الأشياء القليلة التي يأخذها معه حين يخرج، هاتفه، مفاتيحه، محفظته، مديته موجودة هناك بين أشياءها الخاصة، لا تسمح له باستعادتها أبدا، و الحقيقة أنها أصبحت تذكارا منه غاليا على قلبها، ولن تفرط بها أبدا، تماما كتلك الماشاء الله الذهبية التي لم تخلعها من عنقها أبدا…
تذكاراته تتوالى و هي تحفظها بين ضلوعها واحدة بعد أخرى…
التفت فجأة ذراعين قويتين حول خصرها لترفعها عن الأرض مستندة الى ظهر قوي، فشهقت ضاحكة بخوفٍ وهي ترجع رأسها لتستند بها الى كتفه العريضة، و هتفت بغضب ممازح (لقد أفزعتني)
قال بصوته العميق من بين خصلاتِ شعرها و شفتيه تتلمسان جانب عنقها الطويل (جيد، كنت قد بدأت أيأس من إمكانية تواجد ما قد يفزعك)
ضحكت بخفوت وهي تتنهد، فقال بصوته الذي يشعل حواسها (ما سبب تلك التنهيدة؟).
همست وهي لا تزال مغمضة عينيها تؤرجح ساقيها قليلا، (لا أريدك أن تخرج)
أنزلها على قدميها ليديرها اليه وهو ناظرا اليها بغضب ثم قال (ما المفترض أن أفعل بتلك الجملة الآن؟، تختارين أسوأ الأوقات يا بنت السلطان)
ضحكت بخبثٍ وهي تقول برقتها التي تذيب قلبه (أعرف، لأشعل حبي بقلبك أكثرو أكثر).
للحظاتٍ زال المزاح من عينيه وهو يراقبها تمزح بمزاحٍ يعتبر جريء جدا بالنسبة لابنة المستشار ذات العقل الحجري التي عرفها دائما…
لقد استجاب الله لدعائه و القى حبه في قلبها، حتى نظرتها اختلفت، ابتسامتها و صوتها اختلف، أم يكون هو من يتوهم بفعل العشق…
لا يتخيل أن يبعدها شيء عنه بعد الآن، يشعر و كأنه سيموت ان افترق عنها…
نظرت بعبوسٍ إلى عينيه اللتين فقدتا بريقهما و ملامحه التي شحبت قليلا، فمدت يدها تجذبه من أنفه وهي تكرمش وجهها قائلة (ما الذي يشغلك عني الآن؟)
صمت عاصم لعدة لحظات ثم قال أخيرا بخفوت (تعلمين أنني أحبك اليس كذلك؟)
عادت لتبتسم ببطء و أخذت ابتسامتها تتسع حتى شملت وجهها كله، و احمر وجهها الا أنها همست (نعم أعرف).
ضمها إلى قلبه بقوةٍ دون أن يضيف كلمةٍ أخرى، ضمها بقوةٍ حتى سمعت قرقعة بعض عظامها الهشة فتأوهت وهي تضحك لتقول (لقد كسرت عظامي، ابتعد قليلا. متوحش)
ابعدها عنه لينظر الى وجه القمر بصفائه، ثم قال بخشونةٍ بينما قلبه يود لو يخبئها بداخله للابد، (متوحش!، ما رأيك بما أنني عاصم رشوان، ومن حقي اخذ القدر الذي احب من الاجازات، أن أقضي اليوم معك و أريك التوحش بعينه).
أخذت تتلاعب بأزرار قميصه تحت سترته المفتوحة بدلال قبل وهي تقول (أمممممم، عرض مشوق للغاية، و استغلال سيء لمكانتك، و أنت تقريبا لم تغادر البيت خلال الشهرين الماضيين سوى بضع مرات).
ابتسم بعبثٍ وهو يميل اليها يشبعها من شوقه النهاري، و بعد عدة لحظات من الهوى الجامح ابتعدت عنه و دفعته قليلا وهي تحاول تهدئة قلبها المجنون بخفقاته، ثم قالت محاولة التظاهر بالجدية الفاشلة (كفى يا عاصم، يجب أن تذهب لعملك الآن، امممممممم و بمناسبة العمل)
عبست ملامحه دون حتى ان تكمل و اكفهرت فقالت صبا باستياء (ماذا؟، لم أقل شيئا حتى، عاصم لقد وعدتني الا تمنعني عن عملي، أتذكر؟).
قال عاصم بغضب و نفاذ صبر و يديه على خصرها (لما لا تتفرغين لإنجاب الأطفال كالنساء الطبيعيات بدلا من جلجلة صوتك في المحاكم مع المجرمين)
لم ترد، حقا لم ترد، لم تجد ما يناسب الرد في بالها، كل ما فعلته أن أصبحت ملامحها كلها في خطوطٍ مستقيمةٍ أفقية
من حاجبيها لعينيها لشفتيها، باختصار عادت لترتدي الوجه الحجري، حيث اختفت الغمازتين و ظهر التهديد جليا في وجهها…
فتنهد عاصم وهو يستدير قائلا بصمت (هاقد بدأ اليوم بالوجه الحجري)
لكن صبا لم تتركه و هي تلتف من حوله لتواجهه، ثم رفعت رأسها بشجاعةٍ لتقول (عاصم، لقد وعدتك الا أخفي عنك شيئا، لذا، من واجبي أن أخبرك بأنني أتابع قضية الراجي و الدالي من موقعي هذا)
تسمر عاصم مكانه، وظل ينظر اليها دون أي تعبير حتى شعرت بالتوجس، لكنها فوجئت به يقول بهدوء (وكيف تتابعين القضية؟).
صمتت وهي تتأمل ملامحه التي ارتدت حاجزا حجبه عنها تماما، ثم قالت بخفوت (زميلي حاتم كان يجمع معي كل ما استخدمته كأدلة، في الواقع كان مصدري الأساسي بعد أن كان يعمل في مجموعة الراجي و ناله منهم الكثير، الآن هو يعيد فتح الثغرات التي استخدموها في تبرئة عثمان الراجي و هو يبقيني على علمٍ بكل التطورات اولا بأول، الى أن أستطيع النزول بنفسي).
لم يرد و لم تتغير ملامحه لفترةٍ طويلة، حتى زاد توجسها بل و انقلب إلى بعض الخوف، الا إنها رفضت الإعتراف به، انها حتى الآن لم تخبره بعد بالرسائل القذرة ذات الرقم المخفي و التي تنهال عليها طيلة الشهرين الماضيين، لكن لا بأس، صبرا فقط…
حين تكلم عاصم أخيرا، كان صوته هادئا جدا وهو يقول (حاتم، تتكلمين معه، ربما يوميا، على الهاتف و ربما أيضا على حاسبك، اليس كذلك؟).
يالهي، ليس مجددا، أخذت نفسا وحاولت أن تكون هادئة قدر المستطاع وهي تقول (عاصم، إنها ظروف العمل و أنا أتكلم في موضوع أخطر من ذلك بكثير، أرجوك حاول تفهم ذلك)
لاحظت عضلات صدره تتحرك، وكأنه يكبح نفسه، و عضلت فكه تتوتر كذلك، كان يبدو بمنتهى الوضوح وكأنه يحاول السيطرة على نفسه، و حين تكلم قال مبتسما بهدوء (و إلى ماذا توصلتما؟).
اشرقت ابتسامتها من جديد وهي تنظر اليه بحبٍ فاق كل وصف، ثم قالت تطمئنه من كل قلبها (الكثيييير)
ظلت ابتسامته على حالها دون أن تهتز، لكن عينيها احتضنتاها بدفءٍ اذهلها و كأنهما تريدان احتوائها، ثم همس مبتسما (جيد)
اشرقت ابتسامتها أكثر و أكثر وهي ترفع اصبعها منبهة (و سأعود الى عملي قريبا جدا).
أومأ عاصم برأسه دون أن يرد، فاندفعت تتعلق بعنقه وهي تبثه كل حبها دون أن تقوى على مقاومة نظرة عينيه أكثر حينها فقد كل أسلحته و هو يرد على شوقها بشوقٍ أعنف، يعود لضمها و كأنه لا يريد أن يغادرها و لو للحظة، بينما هي تهمس في اذنه متابعة (بعد أن أشبع منك)
لم يرد للحظات ثم همس في اذنها بصوتٍ غريب (جيد، لانك لو رهنتِ عودتك لعملك بجوعي أنا، فستنتظرين طويلا).
احمر وجهها بشدة وهي غير قادرة على مجاراة جرأته، فصمتت تضحك وهي تتجنب عينيه، دون أن ترى اختفاء ابتسامته تماما و تصلب فكه، و نظرته التي تلتهم ملامح وجهها بقلق، الى أن قال أخيرا (يجب أن أذهب الآن)
نظرت اليه مبتسمة برقة ثم همست (في أمان الله)
وحين استدار كانت عيناه تلمعان شرا، ورعبا، معا
اتجهت صبا بعد خروج عاصم الى آخر الممر الطويل، حيث الباب المغلق لمدة شهرين…
توقفت أمامه و تنهدت بحزن وهي تتطلع إلى الباب المغلق بقسوة، منذ شهرين وهي تلتزم غرفتها دون أن تخرج منها أبدا، بالكاد كانو يرونها، فقط حينا تضطرا هي و الحاجة روعة في اطعامها بالقوة…
في الأيام الأولى رفضت الأكل تماما الى أن دخلت مرة فوجدتها مغشيا عليها، فصرخت من الرعب و الهلع و جاء عاصم جاريا ليحملها الى السرير، وما ان مرروا زجاجة عطر صغيرة أمام أنفها حتى أفاقت و رفضت صارخة بجنون أن يتركوها وحدها و بأنها لا تريد أي طبيب…
منذ ذلك اليوم وهي تلتزم غرفتها لا تغادرها أبدا، ترفض الكلام مع أيٍ منهم، ومهما حاولت صبا، تبدو وكأنها تكلم نفسها…
أحيانا فقط تدخل لتجد أن الحاجة روعة تجلس أرضا بجوارها آخذة رأس حنين على ركبتيها لتمشطه بأصابعها، بينما حنين صامتة تماما…
تنهدت صبا مرة أخرى بأسى، تشعر بذنبٍ يقتلها تجاه حنين، حنين أصبحت الأخت التي تمنتها يوما، أصبح لها معزة بقلبها تفوق الوصف و ألما غير قادرة على تجاهله…
لكن شعورها بالذنب ينبع من سعادتها التي لم تستطع السيطرة عليها خلال الشهرين السابقين، رغما عنها و عن كل ما حولها قلبها يخفق بالسعادة…
شعور خارج عن يدها، و على الرغم من أنها تقريبا لا تكاد تخاطب عاصم بكلمةٍ خارج غرفتهما مراعاةٍ لشعور حنين، الا أن حنين و على الرغم من كل ذلك الحذر و كأنها شعرت بجو السعادة التي هي منبوذة منه قتقوقعت على نفسها و تجنبت صبا لمدة شهرين…
رفعت صبا يدها لتلامس سطح الباب المغلق وهي تهمس، (سامحيني يا حنين، سامحيني على تلك المشاعر التي تفيض بداخلي، لم أتقصدها، و لم اتقصد أن أسعد وقت ألمك).
حين سألت عاصم عما ينتظره الى الآن، تنهد بيأسٍ وهو يقول (أنتظر الى أن يهدأ الأمر قليلا، لقد تدمرت سمعتها تماما و خاصة بعد المعركة بين جاسر ومالك في الحي القديم، لقد استنتج الجميع كل أنواع القصص التي يريدونها، لقد تدمرت حياتها تماما، و أفكر ألف مرة ٍ قبل دخول طريق المحاكم، خاصة وأنني أخشى أن يكون ذلك القذر، مخبئا لها شيئا و يظهره وقت الضرورة صمته لا يريحنى، لم يعد ليطالب بها و لم يفعل أي عمل متهور بعد خروجه من قسم الشرطة).
همست صبا بداخلها بأن عاصم محق تماما، سكوت ذلك الهمجي حتى الآن مخيف جدا، وكأنه يدبر شيئا ما…
أخذت نفسا عميقا ثم طرقت الباب و فتحته بعد أن يئست تماما من أن ترد حنين على الطارق، فأصبحت هي و الحاجة روعة تدخلان دون اذن…
أجالت عينيها بقلق في الغرفة التي بدت فارغة، وهمست (حنين).
لكنها مع ثاني نظرةٍ رأت قدمٍ صغيرةٍ ظاهرةٍ من جانب طاولة الزينة، اتجهت صبا ببطء اليها لتجدها جالسة أرضا مستندة بظهرها الى جانب الطاولة الضخمة فاختفت خلفه و ظهرت قدمها وهي تضم ركبتيها الى صدرها…
شع الحنان من عيني صبا و هي تنظر اليها، ثم انحنت لتتربع بجوارها على الأرض، قبل أن تهمس (صباح الخير حبيبتي…
افتقدك جدا يا حنين، لماذا تقاطعيني؟، هل فعلت ما أغضبك؟).
أخفضت عينيها يأسا و هي تواجه صمت كل يوم، ثم همست مبتسمة (أتعلمين أن فتحية حالتها تتحسن يوما بعد يوم، أنتِ لم تريها بعد، هي من اعتنت بي بعد وفاة أمي و هي طريفة و حنونة جدا)
لم ترد حنين و لم تنظر اليها، تنهدت صبا بحزن وهي تقول (لا أستطيع تحمل حالتكِ تلك، و لم أعرف مدى معزتكِ عندي الا بعد أن توقفتِ عن الكلام معي، سأذهب حبيبتي إن كنتِ).
قاطعتها حنين دون أن تنظر اليها (لماذا لم تحضري لي الفطور؟، هل يأستِ من إطعامي)
اتسعت عينا صبا ذهولا وهي تنظر الى حنين تتأكد من أنها تكلمت معها أخيرا، فقالت بلهفة (هل أنتِ جائعة؟، سأحضر لكِ كل ما في المطبخ)
أومأت حنين برأسها وهي تنظر أمامها بشرود ثم قالت (نعم أنا جائعة جدا)
نهضت صبا على ركبتيها، وهي تقول بلهفة (لحظة واحدة فقط).
و قبل أن تنهض على قدميها تعلقت فجأة بعنق حنين تعصره بمحبةٍ وهي تقول (اشتقت اليكِ)
لم ترد حنين للحظات، ثم همست أخيرا و هي تربت على ذراع صبا (و أنا أيضا)
و بعد أن خرجت صبا، تابعت حنين جملتها المبتورة (اشتقت لنفسي)
تلك الليلة كانت العاصفة قوية، و الأمطار غزيرة للغاية، تضرب نافذتها ضربا، وهي جالسة في سريرها بصمتٍ كعادتها مؤخرا…
برد، البرد شديد للغاية، يكاد يحفر في العظام، مجنون هو من ينزل في تلك الليلة…
ظلت حنين ناظرة أمامها بشرود ثم همست بوجوم (وهو مجنون، ما الجديد في الأمر؟)
ثم نهضت من سريرها بتثاقل و يأس، تجر قدميها جرا الى النافذة المغرقة بأنهار الأمطار الجارية عليها، و من بين الرؤية المموهة لها، تنهدت بيأسٍ أكبر…
نعم، ها هو يقف هناك واضعا كفيه في جيبي معطفه الطويل، خارج زاوية السور الجانبية، دون أن يلمحه رجال عاصم على البوابة…
شهران كاملان وهو لم يغفل يوما عن المجيء إلى هنا، ليقف صامتا ينظر اليها بقسوةٍ وكأنه يقسم لها بأن يستعيدها، لم تكن تتبين ملامحه تماما، لكن وقفته الهجومية تنبئها بقساوة ملامحه…
تنظر اليه و ينظر اليها من مسافةٍ بعيدة، كانت اولا تغلق الضوء لترى على ما ينتويه، لكنها بمرور الأيام أصبحت تترك الضوء مفتوحا دون أن تعبأ برؤيته لها من النافذة…
همست و كأنها تخاطبه بحقد (شهران كاملان، تأتي لتدور حول فريستك، لتفترسها و تمص آخر ذرة دم في عروقها، ما ذلك الإصرار؟، ألم يكفك كل ما نلته مني، ماذا بعد تريد ارتشافه بعد أن ترقص في صحة روحي، لا تتخيل أن يهزمك بشر، لا تتصور أن ينتزعوا منك شيئا قبل أن ترمه بنفسك)
ظلا ينظرانِ إلى بعضهما طويلا، الى أن جذبت الستائر بعنفٍ أمام وجهه…
ثم اتجهت الى مرآتها حبيبتها، تنظر الى صورتها طويلا ثم همست (انه قدرك، ولا أحد يختار قدره، لقد كتب عليكِ اليتم، وكم هو قاسٍ، اتقبلين به؟، أم ترفضينه باختياره؟)
رفعت يديها ببطءٍ وهي تزيح سترة منامتها لأعلى قليلا، لتتلمس بشرة بطنها بكفها، ثم تابعت (قدرك أن يكون والدك سفاح مجنون، أتختارينه أم تختارين اليتم وهو حي؟).
نظرت إلى صورتها لتبتسم بارتجاف (كنت أعلم بوجودك، وكأنه هاتف همس لي بأنكِ موجودة فحذرني، تماما كما أعلم بأنكِ فتاة
ليس لي دليل على وجودك سوى ذلك الهاتف و الذي تؤكده بعض الظواهر…
نعم، كنت أعلم أنه الاتجاه المنطقي لمسار حياتي، لماذا أنجو من نهاية المطاف،؟..
إن كان الطريق قد فرض على بأكمله، فلماذا أنبذ نهايته باختياري؟).
عادت لتتلمس بشرة بطنها المسطحة وهي تقول بهمسٍ معذب (سامحيني، سامحيني لأنني لم أتمناكِ، سامحيني لأنكِ قد فرضتِ على فرضا، سامحيني لكوني لا أقفز فرحا في انتظارك، لكن تذكري شيئا واحدا فقط، أنني اخترتك بكامل ارادتي في حين فرض على كل شيء غيرك).
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بأمر الحب)